أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد زكريا توفيق - رمسيس الثاني، فرعون موسى















المزيد.....


رمسيس الثاني، فرعون موسى


محمد زكريا توفيق

الحوار المتمدن-العدد: 4288 - 2013 / 11 / 27 - 07:14
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    




"آي"، وزير "إخناتون" السابق، الذي تبعه إلى تل العمارنة، خلف الملك "توت عنخ آمون" كملك للبلاد، وتزوج من أرملته، "عنخ أسن آمون". كان عمره في ذلك الوقت 60 سنة.

تم دفن "توت عنخ آمون" بالبر الغربي لوادي الملوك، جده العظيم، "أمحتب الثالث"، كان مدفونا هناك. كان المطلوب إبعاد شبهة تدينه بدين والده الجديد. لم يستمر حكمه مدة طويلة. مات ولم يترك وريثا للعرش.

جاء بعد "آي"، "حور محب". هو أيضا لم يترك وريثا للعرش. يمتاز حكمة بالنظام والعدل. بدأ حياته كقائد عسكري في جيش الملك العظيم "أمحتب الثالث". ربما لم يكن من القربين ل"إخناتون". أصبح نائبا للملك الشاب "توت عنخ آمون".

"حور محب"، كان بمثابة عودة للنظام القديم بمركزيته وأمجاده الحربية وديانة آمون. كان يعتبر أن فترة حكم "إخناتون"، غلطة تاريخية، كان يجب ألا تحدث.

لذلك، كان حكمه، امتداد لحكم "أمحوتب الثالث". كأن حكم "إخناتون" و"توت عنخ أمون" و"آي"، شيئا لم يكن. لذلك، لا نجد أسماءهم ضمن قائمة أسماء الملوك.

أثناء حكم "حور محب"، تغيرت سياسة مصر كثيرا. تم تعيين رجال الدين بالجيش، حتى يقوي العلاقة بينهما. عين قائدين للجيش، واحد لوجه بحري والآخر لوجه قبلي.

بنى "حور محب"، الكثير من البنايات لتمجيد أعماله وتخليد ذكراه. قام بهدم معابد "إخناتون"، واستخدم أحجارها في بناء صرح في شكل بوابة ضخمة بالكرنك. هو بهذا العمل، ومن حيث لا يدري، يكون قد حفظ معابد "إخناتون"، ولكن في صورة مختلفة.

قام أيضا باغتصاب كل آثار "توت عنخ آمون". أينما يجد اسمه، كان يمحوه ويستبدله باسمه هو. كانت هناك في الكرنك مسلة، نصبها "توت عنخ آمون"، كتب عليها: "في كل أنحاء مصر، دُمرت كل تماثيل الآلهة، ونما العشب في المعابد، ولم يعد أحد يحترم الجيش. لقد ترك "إخناتون" الدولة لكي تنهار."

في رواق بالأقصر، يوجد مشهد ديني، يبين احترام "توت عنخ آمون" للديانة القديمة. اسمه تغير هنا أيضا إلى اسم "حور محب". طمس "حور محب"، كل شئ له علاقة باسم "توت عنخ آمون". قبر "حور محب" في سقارة، يبين نشاطه العسكري أيام "توت عنخ آمون". بما في ذلك، حملاته في سوريا وليبيا.

عندما أصبح ملكا، أرسل المثالين إلى سقارة لكي يحفروا شكل الكوبرا على جبهة تماثيله. قبره الحقيقي، اكتشفه "ثيودور دافيس" عام 1908م. وجد به تماثيل خشبية ملكية، مثل التماثيل التي وجدت في قبر "توت عنخ آمون".

يعتبر "حور محب"، ملك محافظ. أراد أن يرجع بمصر إلى ماضيها التليد. هو آخر ملوك الأسرة الثامنة عشر. لأنه لم يترك وريثا للعرش. فمن سيكون فرعون مصر القادم؟

مرت مصر بحكم ثلاثة ملوك متعاقبة. كل منهم ليس له وريث للحكم. هم "توت عنخ آمون"، ثم "آي"، ثم "حور محب". هذا شئ لا يصب في مصلحة الدولة واستقرا حكمها.

لذلك حرص ملوك الأسرة التاسعة عشر على أن لا يحدث ذلك مستقبلا. هذا هو السبب في اختيارهم "رمسيس الأول"، لكي يكون الملك التالي للبلاد.

"رمسيس الأول" (1293-1291ق م)، حكم فترة قصيرة، لكنه أسس لأسرة جديدة، هي الأسرة التاسعة عشر. كان وزيرا وصديقا ل"حور محب". والده كان قائد عسكري اسمه "سيتي".

"رمسيس الأول"، له ابن وحفيد. من ثم، نضمن استمرار الحكم الوراثي. زوجته "سيتري"، هي الأولى التي تم دفنها في وادي الملكات. ابنه "سيتي الأول" (1291-1278ق م)، هو أول الملوك العظام في الأسرة التاسعة عشر.

اسم "سيتي"، يعني أتباع الإله "ست". تزوج من "تـويا" وأنجب منها ثلاثة أطفال. طفل توفى صغيرا، وطفلة "تايا" عاشت حتى سن البلوغ، وطفل ثالث، هو "رمسيس الثاني"، أو "رمسيس الأكبر".

قاد "سيتي" الأول عدة حملات حربية خارج مصر لكي يعيد مصر القديمة إلى مكانتها السابقة. في سوريا، داهم القلاع وفتح البلاد وعاد بالأسرى. قاد حملة على ليبيا في الغرب. قام بإقامة بعض التماثيل الجميلة في مصر.

"سيتي الأول".
http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/f/f3/Abydos_sethi.jpg

بدأ في بناء الصالة المغطاة بالكرنك. أعمدتها ضخمة جدا لدرجة أن 100 رجل يمكنهم الوقوف على عمود واحد منها. معبده بأبيدوس، هو أول المشاريع الضخمة بعد مدينة "إخناتون" بتل العمارنة.
http://www.youtube.com/watch?v=E26rgwDcnhY

معبد أبيدوس، يوجد به قائمة بأسماء الملوك العظام الذين حكموا مصر. لا نجد من بينهم "إخناتون"، "توت عنخ آمون"، "آي"، أو "حتشبسوت". كأنهم لم يوجدوا قط.

معبد أبيدوس، به سبع أقسام لتمجيد سبع آلهة: "رع حور اختي"، "آمون رع"، أزوريس"، "إيزيس"، "حورس"، "بتاح"، "سيتي". صالة القدماء تكرم أجداد "سيتي" الأول.

يوجد في أبيدوس، ما يعرف بمقبرة "أوزوريون". تعتبر من أهم، أو أهم، الإكتشافات الأثرية في العالم أجمع. تقع خلف المعبد الجنائزي ل"سيتي الأول". ليست ضمن المزارات السياسية الرسمية. هذا غريب، لأنها أهم من المعبد الكبير وأقدم.
http://www.youtube.com/watch?v=VBizNwVlK0Y

توجد هذه المقبرة أو المعبد الجنائزي، على بعد 90 ميل من مدينة الأقصر. تعتبر أهم الاكتشافات التي تمت في المئة سنة الأخيرة. ستكون من المحظوظين إذا وجدت دليلا سياحيا يمكنك من زيارتها.

مقبرة أوزوريون ربما تكون أقدم من الأهرامات وأبي الهول. هذا ملخص لما تم اكتشافه حديثا:

في منتصف العشرينيات من القرن العشرين، بينما كان الأثريون يحفرون في منطقة أبيدوس تحت لفح الشمس الحارقة، وجدوا جدار معبد أو مقبرة. كانت مغمورة تحت الرمال، على بعد 30 قدم، وظلت هكذا لعدة آلاف من السنين.

ما قد وجدوه، شئ ليس له مثيل في الوجود. تيقنوا أن هذا الاكتشاف سوف يقلب علم المصريات وتاريخ مصر القديم رأسا على عقب.

أول رأي بالنسبة لمقبرة "أوزوريون"، هي أنها مقبرة الإله "أوزوريس"، الذي حكم كملك عظيم، ثم قتله أخوه "ست". بعد ذلك، جمعت "إيزيس" قطع رفاته من كل أنحاء البلاد. نفخ فيه الآلهة لكي يبعث من جديد. "أوزوريس" ظل يعبد في أبيدوس لآلاف السنين، ولم يكتشف له قبر هناك.

هذا الرأي، تم نقضه بعلماء المصريات. الذين يرون أن "سيتي الأول" هو باني المقبرة، لأنهم وجدوا اسم "ستي الأول" داخل خارتوش، ضمن الكتابة الدينية المقدسة، في الممر الواصل بين المقبرة والمعبد الجنائزي ل"ستي الأول".

لكن لايزال هناك شك في أن باني المقبرة هو "سيتي الأول". لماذا؟ لأن البناء يختلف عن أي بناء عرفه المصريون من قبل. كما أن المعبد الجنائزي الذي بناه "سيتي الأول"، بني على شكل حرف (L).

هذا يعني أن مقبرة "أوزوريون" كانت في الطريق. أي أنها كانت موجودة أولا. كتل الجرانيت المستخدمة في البناء، لا تستخدم عادة في البناء في زمن "سيتي الأول".

كما أن مستو الأساسات المنخفض، يدل على أن المقبرة قد بنيت في زمن سابق، عندما كان مستو الأرض منخفضا عن المستو الحالي. لأن المصريين عادة، لا يبنون أساسات غائرة تحت الأرض. تتابع طمي فيضان نهر النيل، تسبب في ارتفاع الأرض لاحقا.

سبب آخر، يربط هذه المقبرة بالإله "أوزوريس"، هو وجود زهرة الحياة محفورة على أحد الأعمدة. هذا لم يتكرر في أي معبد من المعابد المصرية القديمة. كما أن زهرة الحياة ترمز للعيون الكثيرة، ومعنى اسم "أوزوريس" هو العيون الكثيرة.

هناك قصة أخرى، تقول أن رأسه فقط هي المدفونة هنا. أما "سيتي الأول"، فربما يكون قد ترك تابوته هناك، عندما كان ينتظر الدفن في وادي الملوك. وقد يكون قد أضاف هذه الرسوم والخرتوش الذي يحمل اسمه، لكي يأخذ البركة وينسب هذا العمل لنفسه.

توفى "سيتي الأول" ودفن في وادي الملوك. سقف مقبرته هناك، مزين بالرسوم والنقوش الرائعة. تابوته مصنوع من المرمر الشبه شفاف. "سيتي الأول" كان قد أعد ابنه "رمسيس الثاني" لكي يخلفه، واحد من أعظم ملوك مصر القديمة قاطبة.

في شبابه، كان "رمسيس الثاني" يشارك في الحملات الحربية ضد سوريا مع والده "سيتي الأول". وكان يرسم واقفا بجوار والده في العربات الحربية. يظهر أيضا على جدران صالة الأقرباء في معبد أبيدوس وهو يساعد والده.

له زوجتان رئيسيتان: "نفرتاري" و "إزتنوفريت". منهما أنجب 5 أبناء وبنتين. "نفرتاري" الملكة الرسمية، أنجبت الأمير "أمون هيركبشيف". "إزتنوفريت"، أنجبت "خايمويسي"، الذي أصبح حاكم "منف" وكبير كهنة "بتاح" في منف.

قام "إزتنوفريت" بترميم أهرامات "أوناس" آخر ملوك الأسرة الخامسة، جنوب هرم سقارة. هو أيضا باني السيرابيوم المخصص لكي يكون مقبرة لعجل أبيس. طلب أن يدفن مع عجل أبيس بدلا من أن يكون له قبر خاص به.

عبادة عجل أبيس جاءت متأخرة. عجل أبيس يحمل روح الإله "بتاح". التماثيل الجرانيت الضخمة التي وجدت لعجل أبيس، كل منها منحوت من قطعة صخر واحدة، تزن ما بين 60 و 80 طن. كل التوابيت تم نهبها. وجدت بينها ممياء "خايمويسي".

أنجبت "إزتنوفريت" أيضا "ميرني بتاح"، الإبن ال13، من أبناء رمسيس الثاني ال52. سوف يرث الحكم مستقبلا ويصبح فرعون مصر.

الملك الشاب "رمسيس الثاني"، كان يوصف بالشجاعة والإقدام. له عدة اسماء، كلها تصفه بالشجاعة والعسكرية: "حورس"، "الثور القوي"، "المحب للحقيقة"، "حامي مصر"، "قاهر الأعادي"، "حورس الذهبي"، "الغني على مدى السنين"، "العظيم بانتصاراته"، "ملك الدلتا والصعيد"، "القوي في الحق"، "ابن رع"، "المحب لآمون"، "رمسيس الثاني". اسمه يعني حرفيا، "ميلاد رع": ر=رع، مسيس=ميلاد.

تمثال "رمسيس الثاني".
http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/4/46/Ramsesreplicasalehsalem.jpg

أتم "رمسيس الثاني" بناء معبد "سيتي الأول" في أبيدوس، ثم قام ببناء معبد خلفه. أكمل أيضا بناء صالة "هايبوستايل" في الكرنك، ونسبها لنفسه. معركته في قادش، بعد خمس سنوات من حكمه، هي سبب شهرته التاريخية.

كانت سوريا في ذلك الوقت، تحت حكم الحيثيين. وكانت مستقلة عن حكم مصر. عندما قامت في سوريا ثورة، تحرك "رمسيس الثاني بجيشه". أربعة فرق من الجيش، يبلغ قوام كل منها 5000 جندي: "آمون"، "رع"، "بتاح"، "ست". تحركوا جميعا إلى غزة، في طريقهم إلى قادش.

المدن كانت تسقط في طريقه، مدينة تلو الأخرى. مع الابتعاد عن مصر الأم، بدأ خط الإمدادات يضعف، وبدأت المشاكل في توفير الماء والغذاء ل 20 ألف جندي.

تم القبض على جاسوسين، أخبرا رمسيس الثاني أن "مواتاليس"، ملك الحيثيين، قد فر هاربا. في الواقع، كان جيش الحيثيون ضعف عدد الجنود المصريين، 40 ألف جندي، و 2500 عربة حربية. وكانوا يختبئون بين الأحراش.

صدق "رمسيس الثاني" الجواسيس، وأمر بالسير مع فرقة "رع" التي تمثل ربع قوة الجيش، يتقدمهم إلى الأمام، مبتعدا عن بقية جيشه بمسافة كبيرة. فجأة ، هوجمت فرقة "رع".

لقد فاجأ الحيثييون "رمسيس الثاني". لكن فرعون مصر العظيم، ظل رابط الجأش، حشد بعض الجنود، وقاتل ببسالة وأنقذ ما يمكن إنقاذه.

لحقت باقي الفرق ب"رمسيس الثاني" الذي يقود فرقة "رع"، وقاموا بمطاردة الحيثيين حتى عبروا نهر العاصي في سوريا. ملك حلب الذي كان يحارب مع الحيثيين، كاد أن يغرق في النهر.

في اليوم التالي، واجه الجيش المصري، جيش الحيثيين وجها لوجه. رفض "رمسيس الثاني" عقد معاهدة صلح مع الحيثيين، لكنه قبل هدنة مؤقته.

ثم عاد بجيشه إلى مصر، لكي يسجل هذه الموقعة على جدران المعابد. هي نفس قصة جورج واشنطن عندما عبر نهر ديلاوير بالولايات المتحدة.

"رمسيس الثاني" أحد الملوك البناة العظام. نقل العاصمة الإدارية من مدينة منف (الجيزة حاليا)، إلى مدينة "بي رمسيس"، قرية قنتير التابعة لمركز فاقوس، شرق الدلتا حاليا. لأن موقعها، أفضل من ناحية الاستراتيجية العسكرية.

بنى "رمسيس الثاني" معبد أبو سمبل، جنوب أسوان. المعبد الفريد في نوعه، منحوت في الجبل. عمل معماري عظيم. على الجدران، يظهر الأسرى النوبيون. قصة معركة قادش مع الحيثيين، نجدها أيضا على الجدران. يظهر تمثال "رمسيس الثاني" بين تماثيل باقي الآلهة.

المهندس المصري القديم، صمم معبد أبوسنبل بحيث تخترق أشعة الشمس المعبد مرتين في السنة، يومي 21 أكتوبر و21 فبراير، لتضىء تمثال الملك داخل المعبد. هذه المواعيد يعتقد أنها تمثل عيد ميلاد الملك وعيد تتويجه ملكلا. لكن بسبب نقل المعبد، جاء هذا الحدث متأخرا يوما واحدا عما كان عليه الحال في الأصل.

بنى أيضا معبدا ثانيا للملكة "نيفرتاري"، مع كتابة فوق المدخل تقول: "إلى من تشرق الشمس من أجلها". من قال أن المصريين القدماء لا يجيدون الغزل؟

كلا المعبدين، تم نقلهما عام 1960م، تحت إشراف منظمة اليونسكو، بسبب بناء السد العالي. لقد تم تفكيكهما ثم إعادة تركيبهما في موقع آخر بدقة بالغة.

يعتبر معبد الرامسيوم، الذي بناه رمسيس الثاني لكي يكون معبدا جنائزيا له، هو من أجمل المعابد في مصر. يتكون من بقايا طرق وأعمدة متكسرة وصرح ضخم تهاوى نصفه. رمسيس الثاني، هو أكثر الملوك الذين بنيت لهم المعابد.

يضم معبد الرامسيوم تماثيل ضخمة لرمسيس الثاني. جانبا مهما من النقوش على الأعمدة وجدران المعبد، تحكي طبيعة الحياة في تلك الفترة. تسجل وقائع معركة قادش الشهيرة التي انتصر فيها الملك على الحيثيين وكيفية استعداده وتخطيطه للحرب.

لم تكن مصر لها مستعمرات خارج مصر. إنما كانت تكتفي، لدواعي الأمن، بالولاء والتبعية. لذلك تكررت الحملات الحربية على البلاد المجاورة. ربما يمكننا استنتاج الكثير من معاهدة "رمسيس الثاني" مع الحيثيين، بعد 21 سنة من حكمه.

كان الحيثيون منهكون لحربهم ضد الأشوريين والمصريين. وكانوا في أمس الحاجة لمعاهدة السلام. كتبت نصوص المعاهدة على لوح من الفضة الخالصة، باللغة المسمارية، ثم كتبت على جدران الكرنك وأبي سمبل باللغة الهيروغليفية.

هي معاهدة السلام الأولى في العالم، التي تنص على اتفاقيات دفاع وتجارة وعدم اعتداء. كنوع من إثبات حسن النية، تزوج من أميرة حيثية. دفع مهرها، فضة وذهب وخيل ومعادن مختلفة. كان مهرها، أكبر من مهر بنت ملك بابل.

قطعت الأميرة مسافة 800 ميل إلى قصر فرعون مصر. يرافقها حامية حيثية. جلس الجنود الحيثيون مع الجنود المصريين في حفل الزفاف، يأكلون ويشربون. ونسوا ما كان بنهم من عداوة واقتتال.

وبلغت ثقة ملك الحيثيين، "هوتوسيليس الثاني"، بالمصريين درجة جعلته يطلب طبيبا مصريا لعلاج أخته من العقم.

يبدو أن "رمسيس الثاني" أعجب بالفكرة وجاءت المرأة الحيثيية على هواه. ففي سنة 44 من بداية حكمه، طلب الزواج من إمراة حيثية ثانية، بحجة المحافظ على معاهدة السلام.

بعد 20 سنة من حكم "رمسيس الثاني"، توفت زوجته الجميلة "نفرتاري" بعد أن اكتمل بناء معبد أبوسمبل. لم يعلن عن وفاتها، واختفت فجأة من التاريخ. ابنه الأول، وولي العرش، توفى بعد 17 سنة من حكمه. ابنه حاكم منف ورئيس كهنة "بتاح"، توفي ودفن بالسيرابيوم المخصص لعجل أبيس.

مدفن "نفرتاري"، في وادي الملكات، هو أجمل المقابر كلها.
http://www.youtube.com/watch?v=PSR3_ZEEp60

مدفن أبناء "رمسيس الثاني"، هو الأكبر بين مدافن المصريين. كان له 52 ابنا. اكتشف في القرن التاسع عشر، ثم فقد. أعيد اكتشافه عام 1987م. به مئات الغرف على عدة مستويات. ربما خصصت بعض الغرف لكي تكون مصلى لتقديم القرابين على أرواح الموتى.

يعتقد الكثيرون من الناس أن "رمسيس الثاني" هو فرعون موسى. سوف نحكي قصة النبي موسى كما وردت بالكتب السماوية. ثم ننظر إلى الشواهد التي تؤيد أو تنفي هذا الادعاء.

تقريبا، لا يوجد أي دليل على صحة قصة النبي موسى في مصر وانشقاق البحر وغرق فرعون. حكاية قتل الأطفال الرضع في مصر، لا يوجد دليل واحد على صحتها. فالديانة المصرية القديمة كانت تحرم قتل الأطفال.

ربما كانت القصة صحيحة بالنسبة لملوك بابل أو بالنسبة لأيام النبي إبراهيم، أو بالنسبة للحكم الروماني في فلسطين. الصحيح هو أن مصر المكان الآمن الذي يهرب إليه الجميع من الظلم والفاقة والجوع.

يزعم، صاحب إنجيل متى، أن أمه ذهبت به من فلسطين إلى مصر خوفاً من "هيرودس"، الحاكم الروماني لليهود، الذي عزم على قتل جميع الأطفال الذين ولدوا في ذلك العام؛ لأن منجمين مجوس أخبروه بولادة ملك اليهود.

كما أن حكاية الطفل موسى والسلة في النيل، هي قصة تخص الملك "سرجون" الأكدي العظيم، عندما وضعته أمه وهو طفل في سلة مطلية بالقار في النهر، لكي يلتقطه جنايني الملك، فيتربى في القصر ويصبح ساقي الملك.

ثم يخرج على سيده، ويجلس على عرش أكاد ملكا فيما بعد. أما بالنسبة لمصر، فلا يوجد دليل مادي واحد على صحة أي من هاتين الروايتين.

لكن قصة موسى، هي أساس الديانة اليهودية، والإيمان بها أساسي بالنسبة للمسيحية والإسلام. تصف العبودية في مصر، ثم الخروج، ثم الذهاب إلى أرض الميعاد.

يقول الإنجيل أن الإسرائيليين يبنون بالطوب اللبن، لا بالأحجر. وأن فرعون أمر بقتل كل مولود ذكر من الإسرائيليين. ولد موسى، فوضعته أمه في سلة وألقته في اليم. رأته أميرة مصرية، فأمرت بسحبه من الماء.

قامت أمه بإرضاعه. عندما بلغ سن الشباب، تزوج. ثم ظهر له الرب، عندما هرب من مصر، في صورة شجيرة مشتعلة. طلب الرب من موسى، أن يقوم بتحرير بني إسرائيل، لكي يجدوا أرض الميعاد، أرض اللبن والعسل.

منح موسى قوة سحرية. عصى يمكن أن تتحول إلى ثعبان. وقف موسى أمام فرعون. قال فرعون أن الحكومة سوف توقف إمداد العبرانيين بالتبن لزوم عمل قوالب الطوب اللبن، عليهم أن يجدوه بأنفسم.

صب الرب غضبه على المصريين. 10 كوارث عصفت بالبلاد: عم الظلام وسط النهار (رياح الخماسين). وتحول ماء النهر إلى دماء (الفيضان والغرين أحمر اللون). البعوض. وكوارث أخرى.

الكوارث التسع الأول، يمكن تفسيرها بالظواهر الطبيعية. لذلك لم يجزع لها فرعون. لكن كارثة موت الطفل الأول، أجبرت فرعون على الامتثال. ثم قام العبرانيون بسرقة فضة وذهب المصريين والهرب بها.

قيل أن عددهم 600 ألف نسمة في ذلك الوقت. كلهم رجال، مكثوا في مصر 430 سنة. لم يهربوا عن طريق السفر إلى فلسطين المعتاد، وإنما، خوفا من اكتشاف أمرهم، هربوا عن طريق مستنقعات البوص التي كانت منتشرة بسبب فيضان النيل.

يأتي جيش فرعون بعرباته الحربية لتتبع العبرانيين، فتغوص عرباتهم في الطمي. يتوه الإسرائيليون في سيناء، لكنهم في النهاية، يصلون إلى أرض كنعان.

هناك سبب لعدم وجود دليل مادي على قصة خروج العبرانيين من مصر. هو أن المصريين القدماء، لم يكن يحبون تسجيل هزائمهم. فضلا عن أن قصة الخروج، ليست مهمة بالنسبة للمصريين. إذا كان عددهم بالعشرات أو المئات. العبرانيون قاموا بتضخيم العدد لإظهار الأهمية.

المدن التي بناها رمسيس الثاني في شرق الدلتا، هي مدن حقيقية يمكن أن نشاهد آثارها اليوم، حيث كان يعيش العبرانيون. كانوا يبنون بالطوب اللبن، وليست الحجارة. ثعبان الكوبرا يمكن أن يقف، أمام الحواة، منتصب القامة كأنه عصا. اسم "موسى"، اسم مصري خالص يعني "الميلاد".

مذا يعني كل هذا؟ يعني أنه ربما يكون "رمسيس الثاني" هو فرعون موسى والخروج. بردية "ليدن" تقول أن "رمسيس الثاني" قام بتوزيع
حصص القمح على الجنود وعلى العبرانيين (Apiru)، الذين يقومون بنقل الأحجار لبناء معابد "رمسيس الثاني".

لكن القصة كما جاءتنا من العبرانيين، ربما يكون بها مبالغة. لا ننسى أن تاريخ العبرانيين، كتبه العبرانيون أنفسهم. تخيلوا معي أن الإخوان المسلمين، هم الذين يكتبون تاريخهم. فماذا، يا ترى، سيقولون عن أحداث اليوم؟ بعد أن نزلت الملائكة في ميدان رابعة، وأمّ مرسي كل الأنبياء والرسل في الصلاة.

مومياء "رمسيس الثاني" تخبرنا الكثير عن سنواته الأخيرة. اكتشفت مخزونة في الدير البحري. ظلت في القاهرة ما يقرب من 100 سنة. بدأت في التحلل وبدأ الفطر ينمو عليها.

لم يكن أحد ينتبه لحاجة المومياء للعلاج، مثل باقي الآثار. هو الفرعون الوحيد، الذي ركب الطائرة، وتركت مومياءه أرض مصر. ذهبت إلى باريس عام 1976م، للعلاج. استقبلت في مطار لوبورجيه، بالمراسيم المخصصة لاستقبال الملوك.

وجد الفرنسيون 89 بقعة فطر تنمو على مومياء جلالته. استخدمت أشعة جاما لقتل الفطر. لا ندري هل أثر هذا في تركيبة الحامض النووي (DNA)، أم لا. ثم وضعت الموياء في النيتروجين. أصبحت المومياء الآن كاملة التعقيم. ثم عادت إلى القاهرة بسلام الله.

أحد العاملين في الفريق الفرنسي، الذي شارك في معالجة المومياء، انتزع خصلات شعر من الموموياء. بعد وفاته عام 2001م، حاول ابنه بيع هذه الخصلات، وعينات الكتان ومواد التحنيط على شبكة الإنترنت. عرضها في أكياس صغيرة يتراوح سعرها بين 2000 و 2500 يورو.

طلبت مصر من فرنسا حينذاك أن توقف فورا عملية البيع هذه، فأوقفت الشرطة الفرنسية الرجل. وأعادت الخصلات إلى مصر.

أكدت الحكومة المصرية، أنه لن يسمح لأية جهة أجنبية بالقيام بفحص ودراسة المومياوات الملكية الفرعونية بعد ذلك. سوف يتم إعطاء هذا الحق للعلماء المصريين، الذين نجحوا في دراسة وتعقيم مومياء "توت عنخ آمون".

أسفرت دراسة مومياء "رمسيس الثاني" عن أنه كان مصاب بتصلب في الشرايين، وكان يعاني من مرض في الفك السفلي، ربما كان السبب في وفاته. كان لون شعره أحمر. ربما يكون للون الشعر مدلول ديني. فأتباع الإله "ست"، يقال أن شعورهم حمراء اللون.

خلف "رمسيس الثاني" في الحكم، ابنه "ميرني بتاح" (1212-1202)، أي "حبيب بتاح". لوح النصر الخاص به، اكتشفه عالم الآثار "بيتري" داخل معبده الجنائزي بطيبة.

اللوح يصف حملته ضد الكنعانيين. كتب على اللوح: "دمرت إسرائيل، وانقطع نسلها". كان الاعتقاد، لمدة طويلة، أنه فرعون موسى. في عام 1920م، اكتشف "هاوارد كارتر"، مكتشف قبر توت عنخ آمون"، 13 جرة من الألاباستر بالقرب من القبر.

النقوش على الجرار تقول أنها تحتوي على الزيوت المقدسة التي استخدمت في تحنيط "ميرني بتاح". دفن في ثلاث توابيت جرانيت حمراء، داخل بعض.

يأتي بعد ذلك، "أمون نسيس" (1202-1199ق م)، ابن "ميرني بتاح". لم يكن الإبن الوريث، لكنه أصبح فرعونا. أمه لم تكن الزوجة الرسمية. قام ببناء قبر له في وادي الملوك.

"سيتي الثاني" (1199-1193)، خلف "أمون نسيس"، ثم قام بمحو اسمه من السجلات. لماذا؟ ربما عقدة أوديب. أسوأ شئ يمكن أن يحدث لأي فرعون، هو أن لا يخلد اسمه في التاريخ. بنى "سيتي الثاني"، ضريح بالكرنك للآلة، آمون، موت، خنسو.


"سيتي الثاني"، له ثلاث زوجات. "تيا"، أم "سي بتاح" (1193-1187ق م)، الملك التالي. "توسريت"، حكمت مصر فيما بعد.

"توسريت" (1187-1185ق م)، هي زوجة أب، ل "سي بتاح". حكمت كملك. مثل "حتشبسوت" من قبل. مما يدل على أن القلاقل كانت تعصف بالبلاد في ذلك الوقت.

لها قبر صغير وحدها في وادي الملوك. ولها مكان منفصل لدفن جواهرها. تم اكتشافه عام 1908م. به كمية كبيرة من الذهب، قلادة رائعة وقفاز من الفضة به ثمانية خواتم. هي آخر ملوك الأسرة التاسعة عشر.

وللتاريخ المصري القديم بقية، فإلى اللقاء إن شاء الله.
[email protected]



#محمد_زكريا_توفيق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة الموسيقى الغربية – موزارت
- قصة الموسيقى الغربية – هايدن ، أبو السيمفونية الحديثة
- قصة الموسيقى الغربية – جلوك
- التاريخ المصري القديم - توت عنخ أمون
- التاريخ المصري القديم - إخناتون إمام الموحدين
- التاريخ المصري القديم - تحتمس الثالث
- التاريخ المصري القديم - العصر الذهبي
- التاريخ المصري القديم - الدولة الوسطى والهكسوس
- ماذا نفعل بالإخوان؟
- التاريخ المصري القديم - عصر العظمة والتألق
- التاريخ المصري القديم - المملكة القديمة
- التاريخ المصري القديم - بداية التاريخ
- التاريخ المصري القديم - الفكر
- عبد الرسول لص القبور
- قصة الموسيقى الغربية – باخ
- السادات وديموقراطية المستنقع
- قصص وحكايات من زمن جميل فات (16)، من المحطة إلى بيت جدتي
- التاريخ المصري القديم - فترة ما قبل التاريخ
- قصة الموسيقى الغربية – هاندل
- قصة الموسيقى الغربية – الموسيقى الفرنسية الحديثة


المزيد.....




- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...
- الجيش الأمريكي يعلن تدمير سفينة مسيرة وطائرة دون طيار للحوثي ...
- السعودية.. فتاة تدعي تعرضها للتهديد والضرب من شقيقها والأمن ...
- التضخم في تركيا: -نحن عالقون بين سداد بطاقة الائتمان والاستد ...
- -السلام بين غزة وإسرائيل لن يتحقق إلا بتقديم مصلحة الشعوب عل ...
- البرتغاليون يحتفلون بالذكرى الـ50 لثورة القرنفل
- بالفيديو.. مروحية إسرائيلية تزيل حطام صاروخ إيراني في النقب ...
- هل توجه رئيس المخابرات المصرية إلى إسرائيل؟
- تقرير يكشف عن إجراء أنقذ مصر من أزمة كبرى
- إسبانيا.. ضبط أكبر شحنة مخدرات منذ 2015 قادمة من المغرب (فيد ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد زكريا توفيق - رمسيس الثاني، فرعون موسى