أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كلكامش نبيل - إطلالة على الأدب الإيطالي - قراءة في المجموعة القصصيّة -حرز ملوّن- لكاتبات إيطاليّات معاصرات ج2















المزيد.....

إطلالة على الأدب الإيطالي - قراءة في المجموعة القصصيّة -حرز ملوّن- لكاتبات إيطاليّات معاصرات ج2


كلكامش نبيل

الحوار المتمدن-العدد: 4283 - 2013 / 11 / 22 - 03:47
المحور: الادب والفن
    


إستكمالا لإستعراض كتاب "الحرز الملوّن" الذي يضم سبعة وعشرين قصّة قصيرة لكاتبات إيطاليّات معاصرات كوسيلة لتعريف المنطقة الناطقة بالعربيّة بالأدب الإيطالي بعد أن إكتشف صديقان إيطاليان يقيما في القاهرة هما ماركو ألّوني وإستفانيا أنجارانو خلو المكتبات العربية من ترجمات حديثة للأدب الإيطالي وإقتصار ذلك على حضور خجل لبعض الأعمال الكلاسيكيّة ولهذا تمّ إختيار القصص القصيرة إعتمادا على ذائقتهما الأدبيّة وتعاونوا مع المعهد الثقافي الإيطالي في القاهرة وعدد من الأساتذة المصريين لترجمة القصص وهم الدكتور أحمد المغربي والدكتور حسين محمود والدكتور فوزي عيسى. قد يكون لهذا الكتاب أهميّة في التعريف بعدد من الكتّاب الإيطاليّين وترجمة أعمالهم إلى العربية من خلال التعرّف إليهم وسيرهم الذاتية وأعمالهم المتضمّنة في هذا الكتاب و الذي يشكّل جزءا من سلسلة من أربع أجزاء تكرّس الثلاثة الأخرى فيها لكبار الكتّاب – في مجلّدين" وآخر للكتّاب الشباب. سنتناول هنا قراءة تسع قصص أخرى من هذا الكتاب وتليها مقالة ثانية عن الجزء الأخير من الكتاب.

في القصّة القصيرة "وولتر بالماران" تحاول الكاتبة روزيتا لوي مناقشة أوضاع الطبقة البرجوازيّة وعدم إكتراثها بما يحيط بها من مشاكل تعصف بالعالم في الغالب رغم أنّني أعتقد بأنّها الحالة الطبيعية لكل شعوب العالم والتي لا تدرك الخطر إلاّ بعد أن يطل برأسه وسط البلد المعني. تدخل الكاتبة بطريقة جميلة سائحا قادما من بعيد إلى عالم قرية إيطاليّة صغيرة ليتعرف بطريقة فريدة على عائلة مكوّنة من زوجين وإبنتيهما حيث يتملّك الزوجة الملل والروتين ولا تعرف كيف ستقضي القادم من عمرها. لكنّها تشعر بإنجذاب نحو ذلك الزائر وبالغيرة من جارتها لويزا التي تنجح في التقرّب من السيد بالماران. تناقش الأسرة الأوضاع في إسبانيا أيام الحرب الأهلية وتذكر الكاتبة كلام السيد بالماران عن الموضوع مدعوما بأحداث وأسماء لا يعرفها سواه ممّا يجعل من الآخرين يخشون نقاشه وهي حقيقة تقرّها الكاتبة هنا حيث التظاهر بالمعرفة قد يجعل الآخرين خائفين من مجادلة شخصٍ كهذا. في النهاية تلتقي السيّدة بالرجل من جديد وهذه المرّة في فيينا وتصف مرّة أخرى أنّها لا تكاد تشعر بالحرب في هذا المكان رغم ما نقرأه "كانوا يسيرون وكأنّهم مدفوعين بغضب دفين وأحذيتهم تدهس أوراق الشجر المتساقطة، ولا أحد يرفع نظره للحظة إلى الأشجار أو يتوقّف ليتأمّل طيور الشحرور التي تقفز متنقّلة بمناقيرها الصفراء بين أحواض الزرع. حتّى الأطفال لا يبدو أنّهم ينظرون حولهم، وأيديهم ممسكة بايدي الكبار." في هذا يمكن أن نجد تعبيرا عن سير الناس إلى الحرب كالعميان تماما كما يقود الكبار الأطفال، يسيرون بلا دراية وقد أغفلوا عن كل الجمال المحيط بهم ليسيروا بلا وعي نحو بشاعة الحرب، ولكأنّ الحرب غفلة عن جمال الكون المحيط بنا وهي كذلك فعلا. في النهاية تلتقي السيدة للمرة الثالثة بالسيد بالماران، هذه المرّة القرية الجميلة خالية من السيّاح بسبب الحرب ويرفض السيد سماع موسيقى "ذهب الراين" للموسيقار فاجنر وكأنّه تعبير ضمني عن رفض هتلر الذي كان يعشق هذا الموسيقار ويخبرها بأنّه قد عاد لتشجيع موسيقى الكورال. هنا أيضا نلمح عدم تأثّر تلك الطبقة بكل البشاعات المحيطة بها ومناقشة مواضيع بعيدة عن الحرب وتخبر السيدة في النهاية ضيفها بأنّها كانت على الدوام زوجة مخلصة.

في "جزيرة البركان" تصف لنا الكاتبة داتشا ماراييني الحياة على جزيرة صغيرة قرب صقليا ومدى فقرها وبدائيّتها وبساطتها وجمالها في الآن ذاته كما تصف المنازل والطبيعة والقصص الشعبية التي يتناقلها السكّان القليلو العدد وهم يعيشون بالقرب من وحش ساكن قد يثور يوما ما من دون سابق إنذار. كما تناقش القصة العلاقة بين أب وإبنته التي يثق بها ويرافقها في جولاته الإستكشافيّة موليا إياها الثقة والتقدير اللازمين. لكن خلاصة القصّة تكمن في عدم رغبة الكاتبة في زيارة الجزيرة مرّة أخرى بسبب ما تسمعه عمّا حلّ بها من تغيير قد يعتبره البعض تطويرا ولكنّها ترى فيه تدميرا للطبيعة وإستيلاءا بشعا على الأرض من قبل الإنسان وتدمير الحياة البريّة، فهي تريد الحفاظ على ذكرياتها عن تلك الجزيرة التي أثّرت فيها بشكل خاص من بين كل الجزر الكثيرة التي قامت بزيارتها. تذكرني هذه القصّة بكتابات الكاتب الفرنسي جان ماري غوستاف لوكليزيو وكذلك الكاتبة الألمانيّة برجيته كروناور في مدافعتهما عن الطبيعة وإعتبارهما للمد العمراني من فنادق سياحية كبرى وغيرها من منشآت تخريبا للطبيعة العذراء وإنتهاكا لا يغتفر للجمال الفطر

أمّا "ميتافيزيقا باتي لابيل ونفي نموذج بابا ياغا لكارل غوستاف يونغ" للكاتبة روزا ماتيوتشي فإنّنا نقف أمام نص قصير للغاية وغامض ويناقش قضايا شائكة بإسلوب ساخر ويكاد يتّسم بعدم الوضوح في الغالب. هي تناقش العلاقة بين الأم والإبنة وترفض ما أسمته "تراثا إجتماعيا يعاقب النساء عمدا منذ عصر عمى الألوان بإعادة تشكيل أنفسهنّ لا لشيء إلاّ لأنّ إمتلاك "طفل" يعتبر مستودع إحتياطي يحتوي على فرص تأجيل واجهة المشاكل التي تنتمي إلى التاريخ الثقافي للجنس البشري." في هذا النص الذي لا يمكن إعتباره قصّة تسرد القليل عن إسطورة الساحرة الروسيّة الشرّيرة "بابا ياغا" وعلاقتها بفاسيليا ونكاد نلمح رغبة نسوية للتمرّد عن كل الخانات التي يحاول علماء النفس حصرهنّ ضمنها وتجد في "سيّدة المربّى" وهو إسم إعلان التمرّد الساخر الذي تعلنه باتي لابيل في بار الطاحونة الحمراء "مولان روج" من أجل عدم الإلتزام بنمط غذائي معيّن كشكل بدائي للتمرّد وفي الوقت ذاته إشارة إلى تدخّل الرجل في تشكيل كل ما يجب أن تكون عليه المرأة بدءا من أبسط الأمور ألا وهو نظامهنّ الغذائي. في النهاية النص تعبير عن رفض كل الأنماط التي يحاولون تأطير المرأة ضمنها والتي ترى فيها "رمزا لنشأة العالم" وترفض إعتبارها سلعة جنسية أو أمّا إكتئابيّا حانية، إنّه بحث عن ذات المرأة كما هي وليس كما يراد لها أن تكون.

في "هديّة إضافيّة" تناقش الكاتبة لاورا بارياني مشاعر ومخاوف راهبة شابّة وعلاقتها بالأسرة لاسيّما والدها الفلكي المدعو جاليليو الذي يذكّرنا من خلال النص بالعالم الكبير غاليليو غاليلي وقد يكون هو المقصود حقّا لولا غموض أحداث القصّة. تناقش الكاتبة بعض هموم الراهبات لاسيما إنقطاع علاقتهنّ بالأسرة وفقر الحياة في الدير وإنتظارها بشغف لهدايا والدها وتذكّرها الدائم لليلة رحيلها عن المنزل وشوقها للأغاني القديمة التي كانت تنشدها في طفولتها. نجد وصفا جميلا للروتين في القصّة من خلال كلامها عن هبتها لساعة كانت قد تلقّتها كهديّة للخادمة التي توقظ الراهبات صباحا فنقرأ، "كلّما مرّت بها السنون بين هذه الجدران، كلّما تعلّمت أنّ الزمن لا شيء، وأنّ اللاشيء لا يقاس." وفي مكان آخر تناقش بين سعة الحياة وضيقها متمثّلا بحياة والدها الذي يحلّق في الأكوان وحياتها ضمن فناء صغير فنقرأ، "جاليليو يحدّثها عن الكون الكبير وهي تسعد بأن تحكي له عن العالم الأنثوي الصغير في مطبخ الدير، في تكريس مشترك لما هو "طبيعي". تناقش القصّة قضايا الحياة ومغزاها أيضا وتتوصّل إلى أنّ المتعة ضروريّة لمواصلة الحياة، "قارن والدها المصير الإنساني بمصير الزهرة. من الذي يدري ما الذي أثار حنق الراهبة العجوز: هل هو إفتخاره بالجمال حتّى إذا لم يكن مقدّرا له البقاء؟ هل هي الإشارة إلى هشاشة العالم؟ أم إنّ الإعلان عن أنّ الإعجاب بالوردة يشير إلى أنّ أي خبرة لا تتفوّق على المتعة الصافية لمجرّد الوجود، وأنّ لا شيء خارج هذه المتعة يمكن أن يكون مبرّرا؟" وتحاول الكاتبة توضيح أنّه في داخل كل واحد منّا شيء ما هام.

في "والد ساندرو" تصف الكاتبة رومانا بيتري العلاقة بين أب يفخر بذكاءه ومكتبته وعلاقته بإبنه المعاق بدنيّا بشكل جعل مستواه العلمي متدنيّا وآثار تلك العلاقة السيّئة المليئة بالتأنيب والإهانة وسط صمت الأم. هي ببساطة تحاول توضيح ما قد ينتج عن علاقات مبنيّة على الخوف لا الإحترام من نتائج، تصف الكاتبة خوف الطفل عندما طلبت منه جدّته أخذ القهوة إلى مكتب والده كمحاولة للتصالح معه بسبب درجاته المتدنيّة وطريقة أكله وهو يلوّث ملابسه فنقرأ، "تملّكت الطفل رعشة، فلم يكن يرغب في الذهاب، ولكنّه عبّر عن ذلك بداخله فقط، بصرخة صامتة كانت تتكرّر إلى ما لا نهاية، بينما كانت الدماء تتجمّد في عروقه تجمّد الشلل أو الموت." لكنّ الوالد يصر على تعليق لوحة تضم درجات إبنه الرديئة في مكتبه ويخبره بأنّه لن يزيلها إلاّ إذا تحسّن مستواه وهو ما لا يعتقده وإن كان يتمنّاه بشدّة. كل هذا الخوف وصمت الأم التي كانت تعتقد بأنّها المذنبة في جعل هذا الأب الذكي ينجب طفلا غبيّا كساندرو، كل هذا بالإضافة إلى فقدان المحبّة – عدا من جانب جدّته – تجعله يتمرّد فيخالف كل وصايا والده في مصاحبة "ذوو العقول" وهو الأمر الذي يقدّمه على أي صفة أخرى، فيصاحب في شبابه المجموعات الأكثر غباءا ويتمرّد على ذائقة والده الموسيقيّة ويتبنّى لغة شبابيّة سوقيّة. تواصل الكاتبة توضيح آثار إنفصام العلاقة بين الأب والإبن عندما يموت فنجده يرفض مواساة الأم بأنّه الوحيد الذي بقي لها، فيوبّخها لأنّها لطالما تركته وحيدا يتلقّى الإهانات دون أن تتدخّل، ولهذا فإنّه سيتركها وحيدة الآن أيضا. هنا نلمس لوم الكاتبة أيضا على صمت الأم وأيّ من الأبوين وتركه الآخر يقوم بهزيمة الأبناء معنويّا، فنجد ساندرو يعود ليجد الحنان عند جدّته ويخبرها بأنّهم قد نقص واحد الآن.

في "كفاكم هراءا" تنقاش الكاتبة ساندرا بترينياني تأثير الحالة النفسية الكامنة على الوضع الصحي وشهيّة الأكل من خلال وصف لفتاة نحيفة للغاية وطرقها في إيهام الآخرين بأنّها تأكل ما يقدّمونه لها وأنّه قد راق لها، حتّى تلتقي برجل نحيف مثلها في إحدى المرّات ويدور الحوار عن إنحسار الشعور بالمأساة في عصرنا الراهن وأنّ كل ما يجري من فضائع يمر ببساطة وكأنّ شيئا لم يكن، حتّى يحتج ذلك الرجل ويخبرهم بأنّه قد خبر حدثا مؤلما كشاهد ومن حينها لم يعد هو ذات الشخص ويخبرهم عن أم وطفلها كان يراقبهما طوال الوقت وهي تصطحب إبنها إلى المدرسة حتّى جاء اليوم الماطر الذي دهست فيه الأم إبنها عن غير قصد ويواصل سرد تفاصيل علاقته بهما وألم الأم وطردها له بعد أن زارها يحمل الأزهار. تضايق تلك القصّة المرأة النحيفة فتذهب إلى الحمّام وتتقيّأ كل الطعام وتمتعض من ذلك الرجل وقصّته الذي أفسد كل محاولاتها في حفظ رباطة جأشها وبرستيجها، هنا تشعر بالغثيان من شكل الطعام وما آل إليه بعد أكله وتذكّرت كل عمليات الإجهاض التي قامت بها وذلك الجهاز الطبّي وتخيّلت نفسها أمّا قاتلة. في النهاية يكلّمها الرجل ليكشف لها عن الحقيقة فقد كان ما قاله غير حقيقي وكشف لها وحدها بأنّه كان الأب الذي دهس إبنه عن غير قصد. تشعر المرأة بأنّها تحرّرت من آلامها بعد القصّة، وتماما مثل نيوبي التي قتلت الآلهة كل أبناءها فبعد أن تعبت من البكاء طوال أيّام لم تأكل فيها شيئا بدأت تأكل بنهم، وكذلك تحسّنت حالة المرأة والرجل النفسيّة وإستعادا شهيّتهما للطعام فقد كانا متعبين من البكاء من دون أن يدركا ذلك.

تناقش الكاتبة فرانكا رامي زوجة الكاتب الحائز على جائزة نوبل داريو فو في القصّة القصيرة "حكاية أم" والتي قامت بتقديمها كمشهد مسرحي واقع أم لأحد الإرهابيّين اليساريين وتبرز كل التناقضات التي تعتمل في داخلها تجاهه، ففي البداية تبرز لنا رفضها وإنكارها لأن يكون إبنها الذي لطالما خطّط لرفض التجنيد الإجباري قد تحوّل إلى إرهابي. توضّح الكاتبة مشاعر الغيظ الداخليّة تجاه إبنها وإنعكاسها في أحلامها ولكنّها توضّح مشاعر الرفض حيال تعرّضه للتعذيب بسبب كونها أم في نهاية الأمر. كما تقارن بين من يؤذي نفسه ومن يؤذي الآخرين من خلال قصّة شاب مدمن من عائلة محترمة فتوضّح كيف كانت تلك الأم تلوم تلك العائلة على توفير الهيروين لإبنهم الوحيد ولكنّها عادت لتلتقي بالمرأة مرّة أخرى بعد أن ألقي القبض على إبنها. فتخبرها الأخيرة بإنّ إبنها يؤمن بشيء على الأقل ولكنّ الأم تجيب بما يأتي، "أنت تمزحين يا سيّدتي، إنّه أمر فضيع، إنّ إبني يؤمن بمدينة فاضلة مجنونة، يطلق النار، يقتل، أمّا إبنك فهو لا يضر إلاّ نفسه ولا يقتل غيره." ولكنّ الأم الأخرى تخبرها بأنّ إبنها يقتلهما أيضا من دون أن يحاسب على تلك الجريمة. تلوم الأم إبنها عند لقاءه به فنقرأ، "أيّها المتعصّب، هل حقّقت ذاتك أخيرا" وهي ترفض تماما إسلوب العنف طوال ممارستها للعمل السياسي وتعترف بأنّ ما كانت تناضل من أجله مجرّد وهم. كما تناقش حالات الإذلال التي تتعرّض لها لدى زيارتها إبنها وتحاول كشف ذلك في الصحف ولكن تعود لتتراجع عن الأمر، فهل ستكتب بصفتها أم إرهابي يوافق ستّون في المئة من الإيطاليّين على إعدامه. أعتقد بأنّ المشهد المسرحي المؤلّف من مونولوج على لسان الأم ذكي جدّا ويناقش الأسباب التي جعلت من هذا الشاب مجرما وتوضّح كل المشاعر المتضاربة التي تعصف في داخل الأم. في النهاية تسرد حلما يعبّر عن دواخلها فنقرأ، "لقد أدّيت واجبي كمواطنة ديمقراطيّة تثق في المؤسّسات. سوف أقوم بتسليمه يا سيدي القاضي، أوه متأسّفة لقد شددت أكثر من اللازم! خنقته! مات!" فهي تعبّر عن رفض الأم لما قام به إبنها والذي يبقى طفلا رضيعا في نظرها، كما ترفض تعرّضه للتعذيب رغم كلّ شيء لكونها أم، وترغب في محاسبته ولكنّها تفضّل قتله بنفسها، كما عبّرت عن ألمها عن ولادة كائن ملعون مثله. هذه القصّة تثير تساؤلات كبيرة عن آراء أمّهات الإرهابيين في دولنا والذين يقتلون الأبرياء بدم بارد ووحشيّة بالغة، هل لديهنّ مشاعر إمرأة متحضّرة ومثقّفة أم أنّ البعض منهنّ يشجّعن أبناءهنّ على القيام بتلك الأفعال المجرمة أم أنّهن وبسبب ضعفهنّ في تلك المجتمعات القبليّة لن يكون لهنّ أي قرار في كل ما يحصل، لا رفضا ولا قبولا. ولن يبرّر ضعفهنّ موقفهنّ مع ذلك.

في قصّة "الخطوبة" تسرد الكاتبة فابريتسيا راموندينو قائمة بثلاثين هديّة تتلقّاها طفلة صغيرة وهي ترقد في السرير أثناء فترة نقاهة من إلتهاب رئوي حاد وتتنوّع الهدايا التي يجلبها السيّد توركوات ما بين قطع حلوى وعلب شوكولاته ودمى محشوّة بالقطن ودفاتر تلوين وقصص أطفال تحاول تذكيرها بإنفصال الواقع عن الأحلام وهو ما تصرّ على رفضه بالإضافة إلى قطع خزفيّة لم يدرك عقلها الصغير بعد وظيفتها كتحف لتزيين المنزل، ولكن وبعد أن يجلب لها الرجل هدية سوار تنقلب إهتماماتها فجأة فتطلب منه أن يجلب لها هدايا يقدّمها الخاطبون لخطيباتهم وتقضي ليلتها قلقة من أن ينسى وعده بذلك وتتوالى الهدايا من مناديل وعلب شوكولاته وقطع منزلية صغيرة ولكنّها سرعان ما تشعر بالملل من رتابة هدايا الخطوبة وتقرر بعد إلقاء نظرة من النافذة إلى البحر أن يكون هو خطيبها وأن تتخلّى عن السيد توركوات خصوصا بعد هديّته القبل الأخيرة المتمثّلة بسلحفاة تتحرّك ببطء مصدرة ضوضاء لكأنّها تطحن الزمن وتنذر عيونها بالموت والخلو. تقرّر الفتاة الصغيرة أن يكون البحر خطيبها ولتذكير نفسها بهذا العهد تربط خيطا أزرقا حول معصمها وتجد في الهدية الأخيرة المتمثّلة بقرد وسخرية الرجل في أنّها تشبهها في إنهاء تلك الخطوبة الوهميّة فترمي الهدية وهو ما يغيظ الرجل الكبير كطفل ويقول لها بأنّها حقّا قردة ويغادر. تبكي الصغيرة بعد ذلك لأنّ البحر لن يقبل بأن تكون خطيبته مجرّد قردة ولكن الدكتور يختتم القصّة بتقرير تلك الخطوبة عندما يخبر والدتها بأنّ إبنتها قد تعافت ولكن يجب أن تصحبها لمدّة ساعتين على الأقل بالقرب من شاطيء البحر كلّ يوم.

في "الطائرة" تحاول الكاتبة إليزابيتا رازي رسم لوحة لمشهد تأمّلي عن العلاقات الصامتة بين ركّاب الطائرة وعزلتهم عن الطاقم، وهي ربّما تحاول بذلك إبراز خصائص السفر بالطائرة خصوصا وأنّها ناقشت في مجموعتها القصصيّة "وسائط النقل" الخصائص المميّزة لكلّ منها. تبدأ القصّة بمشهد يعبّر عن تعجّل تلك السيّدة وهي تحاول الوصول إلى باريس فتأخذ سيّارتها وتتركها في موقف المطار، ثمّ تعود لتصوير عجلة مجموعة الركّاب التي إستغرقت الكاتبة في تأمّلهم بصمت من خلال نظرهم جميعا في وقت واحد إلى ساعاتهم وتأكّدهم بأنّهم قد تأخّروا عن موعد الهبوط. يناقض هذا رفض الكاتبة لإختزال متعة السفر من أجل سبب سخيف ألا وهو السرعة كما تقول، ربّما لتعبّر عن التقلّب السريع لموقف الإنسان وفقا لرغبته الآنيّة في التأمّل للطريق أو إستعجال الوصول في الحال.

كلكامش نبيل



#كلكامش_نبيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إطلالة على الأدب الإيطالي - قراءة في المجموعة القصصيّة -حرز ...
- التاريخ يعيد نفسه دائما وأبدا - قصيدة سومريّة مترجمة
- العثور على لغة قديمة مجهولة مدوّنة على رقيم طيني - موضوع متر ...
- مناقشة شجاعة وموضوعيّة للصراع الإسلامي-العلماني – قراءة في ر ...
- خطوات إلى الوراء – دراسة مقارنة بين قانون الأحوال الشخصيّة ل ...
- رحلة فلسفيّة وروحانيّة عميقة – قراءة في الرواية القصيرة -الر ...
- الضياع ما بين الصراع الفكري والتشتّت الإجتماعي – قراءة في رو ...
- إمكانات وتحديّات تطبيق الليبراليّة في مصر والدول العربيّة
- قصّة حُب إنسانيّة تحطّم قيود العنصريّة - قراءة في رواية العب ...
- بين الشرق والغرب - قراءة في رواية -إسطنبول، الذكريات والمدين ...
- باحثون يسلّطون الضوء على ألواح آشوريّة قديمة - موضوع مترجم
- آدم وحوّاء في رؤية جديدة - قراءة نقديّة لرواية -الكون في راح ...
- دراسة توضّح بأنّ أحد أجناس قردة قديمة منقرضة لم يمشي كالإنسا ...
- دراسة تفترض بأنّ إنسان النياندرتال قد شارك بني البشر اللغة و ...
- إحياء جعّة سومريّة عمرها 5000 عام - موضوع مترجم
- مومياء الأنكا المراهقة تعاطت الكحول والمخدّرات - موضوع مترجم
- محاطا بكل تلك الضجّة - قصيدة مترجمة للشاعر ألفريد بريندل
- لبوة نينوى
- ضائعٌ في الغابة - قصيدة مترجمة للشاعر بابلو نيرودا
- عندما ترتدي الخيانة زيّ الوطن


المزيد.....




- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كلكامش نبيل - إطلالة على الأدب الإيطالي - قراءة في المجموعة القصصيّة -حرز ملوّن- لكاتبات إيطاليّات معاصرات ج2