أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - شاهر أحمد نصر - الملحمة السورية.. إلى أين؟!















المزيد.....



الملحمة السورية.. إلى أين؟!


شاهر أحمد نصر

الحوار المتمدن-العدد: 4272 - 2013 / 11 / 11 - 11:23
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


"لكل إنسان متحضر في هذا العالم وطنان؛ وطنه الأم، وسوريا(1)".
ها هي سوريا الأم والوطن تتعرض لأصعب مرحلة في تاريخها المعاصر؛ مرحلة ستقرر نتائجها مصير الشعب السوري، والوطن الأم، وربما المنطقة بأكملها لعقود مقبلة من الزمن؛ فأين ذلك الإنسان المتحضر من آلامها!
لقد فقدت سوريا منذ 15 آذار 2011 عشرات الآلاف من الشهداء العسكريين والمدنيين، وملايين المهجرين داخل، وخارج البلاد، ودمرت مئات الآلاف من الأبنية، والمنشآت العامة والخاصة، وتعم حالة لا توصف من الخراب، والدمار، مع سعي إلى الاستمرار في تدمير سوريا، وتقسيمها، والسوريون يسطرون ملحمة سيتوقف المؤرخون والباحثون الاجتماعيون طويلاً عندها...
مما لا شك فيه أنّ أسباب الملحمة السورية، والصراع فيها، ناجمة بالدرجة الأولى عن التناقضات الداخلية، ولن تنتهي إلا باعتماد الأسس السليمة لمعالجة تلك التناقضات... لكن مع استمرار الصراع فترة طويلة أخذت تتدخل فيه قوى، ودول تتنازع على سوريا في سوريا... كما دخلت بعض القوى ذات البرامج والمهام الخارجية، التي تختلف كلياً عما يريده الشعب السوري، ولا تخفي تلك القوى نيتها في تحويل سوريا إلى مركز للتطرف؛ مما جعل العديد من الدول ترى في استمرار الصراع في سوريا، وما ينتج عنه تهديداً للأمن الإقليمي، والعالمي...
ليس من السهل الكتابة، أو الحديث عن الملحمة السورية المعاصرة، التي ستكتب مجلدات عنها، والتي تبين للسوريين بشكل جلي حقيقة أن الدول الكبرى والإقليمية لم، ولن تدعهم يحكمون بلادهم بأنفسهم بسهولة... وهذه المسألة ليست حديثة، وتتطلب من السوريين إبداع بنية سياسية تؤسس لدولة مدنية ديمقراطية تساعدهم في حل هذه المعادلة المعقدة، وتحمي الوطن من المخاطر الجمة المحدقة به...
أهم المخاطر المحدقة بسوريا
تحدق بالبلاد نتيجة استمرار الصراع مخاطر متنوعة جمة، تطغى على جميع مفاصل الحياة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والنفسية، سنستعرض أهمها بإيجاز:

أولاً: المخاطر السياسية
ثمة مخاطر حقيقية تهدد مصير سوريا كدولة، وتنذر بتدمير، وتفكك البلاد نتيجة استمرار الصراع الدموي المسلح فيها...
الصراع المسلح
يتفق الجميع على أن الحراك الشعبي الذي شهدته سوريا منذ أواسط آذار 2011 كان حراكاً سلمياً، يحمل مطالب مشروعة لبناء دولة مدنية ديمقراطية تصون حرية، وكرامة، وحقوق الإنسان، وشهدت البلاد خلال تلك الفترة مؤتمرات حوار وطني على مستويات مختلفة، توجت بمؤتمر الحوار الذي عقد برئاسة نائب رئيس الجمهورية، وصدرت عنها توصيات هامة لبناء الدولة المدنية القانونية المنشودة، إلا أن تلك التوصيات لم تر النور، واعتمد نهج آخر للتعامل مع مطالب الشعب... وأخذت الأحداث تتحول إلى عنف دموي مسلح، مع ابتعاد النهج السياسي العقلاني، وتوفرت الظروف الملائمة لانتشار المجموعات المسلحة والجهادية، التي تتلقى الدعم من شبكات كثيرة إقليمية ودولية متنوعة... وقد باشرت في إقامة نوع من الحكم المحلي في المناطق التي تسيطر عليها أساسه الشريعة، ويصرح بعض قادتها أنه سيتم السماح للأقليات في حكم مجتمعاتهم الخاصة على النحو الذي يرونه مناسباً... وتشارك هذه المجموعات في أنشطة غير عسكرية أيضاً، مثل تعليم الأطفال، وتوزيع المعونات، وإقامة المحاكم الشرعية في المناطق التي تسيطر عليها.
وجرت محاولات لجمع هذه الكتائب والفصائل في تحالفات لتنسيق عملها... ومن المجموعات المسلحة التي تثير الانتباه:
جبهة النصرة: ظهرت جبهة النصرة في كانون الثاني 2012 تحت اسم طويل: "جبهة النصرة لأهل الشام من مجاهدي الشام في ساحة الجهاد". إنها ليست أكبر مجموعة جهادية في سوريا، ولكنها الأكثر شهرة لاستخدامها أسلوب التفجيرات لجذب اهتمام وسائل الإعلام. وأغلبية مقاتليها من السوريين الذين رفضوا الاندماج مع تنظيم القاعدة في العراق، ويتزعمهم “أبومحمد الجولاني”...
دولة العراق والشام الإسلامية : تنافس "دولة العراق والشام الإسلامية" "جبهة النصرة"... وتتكون من المجموعات التي قبلت الاندماج تحت قيادة “أبو بكر البغدادي” وتضم غالبية من غير السوريين، ويلقب قائدها بـ”أمير المؤمنين”، و”أميرها” الحالي هو أبو بكر البغدادي مؤسس تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق” في 15 تشرين الأول/أكتوبر 2006.
وأحكمت "دولة العراق والشام الإسلامية" سيطرتها على الرقة في آذار (مارس) 2013. وأعلنتها إمارة.
وتزايدت في الفترة الأخيرة عمليات الاختطاف من قبل جماعة "دولة العراق والشام الإسلامية" للنشطاء الإعلاميين، والمدنيين في المناطق الواقعة تحت سيطرة الكتائب الإسلامية المقاتلة في حلب، والرقة، مما أثار الشكوك حول أهداف، وخلفيات هذه الكتائب، لا سيما التابعة لتنظيم القاعدة...
الإخوان المسلمون
تحدث تقرير فورين بوليسي عن الدور الذي يضطلع به تنظيم الإخوان المسلمين، كأقدم وأكبر مجموعة إسلامية سياسية في سوريا... وبين أن قيادة الإخوان في المنفى حاولت منذ آذار 2011، اللحاق بركب الأحداث، فاضطلعت بدور قيادي مركزي في المجلس الوطني السوري... ولكن جماعة الإخوان لا تزال متخلفة كثيراً، من حيث التنظيم العسكري. ـ كما جاء في التقرير ـ وللتعويض عن ضعف تواجدها داخل سوريا، حاولت أن تستغل نقاط قوتها المتمثلة في اتصالات التنظيم العالمي السياسية، وعلاقتها بالجهات الراعية من الأثرياء في الخليج، وامتلاكها كادر من النشطاء المثقفين في الشتات، وتبنيها "لجنة الحماية المدنية" على الأراضي السورية. ويسعى الأخوان لاستقطاب الوحدات المسلحة من خلال منحها التمويل، والدعم الإعلامي، والوصول إلى شبكة الاتصال المنظمة.
الأكراد والقوميات الأخرى
تفتخر سوريا بنسيجها المتنوع، والمتعدد المذاهب، والطوائف، والقوميات، ويعيش في سوريا تاريخياً جنباً إلى جنب مع العرب مواطنون من قوميات متنوعة كالأكراد، والأرمن، والتركمان، والآشوريين، والشركس، ويفتخر السوريون بقادة نضالهم من مختلف القوميات والأديان، كافتخارهم بابراهيم هنانو (وهو من أصول كردية) في قيادة الثورة السورية ضد الاحتلال الفرنسي، وافتخارهم بفارس الخوري كزعيم مسيحي الذي تولى رئاسة مجلس الوزراء السوري...
ولقد شارك الأكراد في المظاهرات، وفي الحراك الشعبي الذي بدأ في سوريا في أواسط آذار 2011... كما أن الكثيرين من الأكراد يعانون من الإجحاف الذي لحق بهم نتيجة إحصاء عام 1962، فضلاً عن تطلعاتهم القومية، والثقافية في سوريا الموحدة...
وتعرف الفصائل الكردية المسلحة بقوات الحماية الشعبية... ويرى كثيرون من الناشطين الأكراد أن مشروعهم يهدف إلى تنظيم حياة الناس في المنطقة إنسانياً واجتماعياً وخدمياً. ويؤكدون أن مصلحة الأكراد السوريين اليوم، هي أن يكونوا ضمن المكون السوري العام، مع الاحتفاظ بخصوصيتهم القومية. ولا ينفي ذلك وجود رغبة، أو مشروع عند بعضهم لإنشاء دولة مستقلة في المناطق الشمالية السورية.
وتبقى مسألة رفع المظالم، وتلبية مطالب الأخوة الأكراد، وباقي أبناء القوميات المحقة، من المهام الوطنية العليا في الوطن الأم سوريا الموحدة.
تحديات التدخل العسكري الخارجي:
ومن المخاطر المحدقة بسوريا خطر التدخل العسكري الخارجي، إذ أنه فضلاً عن وجود مجموعات مسلحة على الأرض السورية من مختلف بلدان العالم، ومن الدول الإقليمية المحيطة بسوريا، ثمة خطر للتدخل العسكري من قبل دول عظمى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية؛ على الرغم من اعتماد وزارة الخارجية الأمريكية في الإدارة الجديدة سياسة ما يسمى بـ القوة الناعمة...
لم يلغ اعتماد سياسة القوة الناعمة الخيار العسكري في السياسة الأمريكية، مع وجود مقاربتين متناقضتين للمسألة السورية في السياسة الأمريكية، تقوم الأولى على اعتماد الحل السياسي الذي يفضي إلى عملية انتخابية واسعة ترعاها الأمم المتحدة، ومقاربة أخرى ترى أن التدخل العسكري في صالح الولايات المتحدة لحماية أمن حلفائها...
تتفق هاتان المقاربتان المتناقضتان على أمر أساسي، وهو أن المحرك الحقيقي للسياسات الغربية في المنطقة بشكل عام، والأمريكية بشكل خاص، كان ولا يزال، المحافظة على المصالح الغربية والأمريكية، إن كان ذلك بدواعي أخلاقية أم لمصالح سياسية؛ وعلى رأس تلك المصالح أمن الحلفاء، أي أمن إسرائيل بالدرجـــة الأولى، كما هو معروف ومعلن..
ويجد دعاة التدخل العسكري الخارجي في وجود قوات عسكرية من دول إقليمية على الأراضي السورية، واكتسابه الطابع الطائفي، وتأجيجه للنعرات الغريزية الطائفية ـ مبرراً للدعوة إلى التدخل العسكري الخارجي.
إن عملية تحول الصراع في سوريا إلى صراع دموي مسلح، وطبيعة القوى الداخلة في هذا الصراع، وخطر التدخل العسكري الخارجي تخلق تحديات جدية جمة تهدد أمن ومستقبل البلاد ووحدتها... وتتطلب مواجهة تلك التحديات والمخاطر، استبعاد كافة الذرائع التي يمكن استخدامها لتبرير ذلك التدخل، والإسراع في إيجاد وتطبيق حل سياسي يحقق أمن الوطن، وسلامته، ووحدته واستقلاله.
ثانياً: المخاطر الاقتصادية
من الصعب تقدير الأضرار الاقتصادية التي لحقت بالبلاد بشكل دقيق في ظل الظروف الحالية... ولما كان الإنسان هو العنصر الأساسي في المجتمع، والإنتاج، وفي العملية الاقتصادية، فالضحايا البشرية، والعاهات التي لحقت بالناس، فضلاً عن النزوح الكبير للسكان، يعد من أكبر خسائر المجتمع ذات البعد الاقتصادي أيضاً... ولتكوين صورة تقريبية عن بعض المخاطر الاقتصادية سنحاول تكوين فكرة عن درجة الدمار التي لحقت بالاقتصاد، ونبدأ بدمار البنية السكنية بالاستفادة من إحصائيات صدرت عن مراكز بحوث مختصة، بتقدير كلفة المساكن المتضررة، ونسبة الأضرار في كل منطقة، وضربها بعدد الوحدات السكنية في تلك المنطقة، والتي يتم تقديرها بقسمة عدد السكان في المناطق المتضررة، حسب إحصائيات المكتب المركزي للإحصاء، على ستة (باعتبار وسطي عدد أفراد الأسرة ستة أشخاص)، فنحصل على القيم التقديرية التالية:
الكلفة التقديرية للمساكن المدمرة حتى أواسط عام 2013
المنطقة عدد السكان في المناطق المتضررة عدد المنازل نسبة الدمار% عدد المنازل المدمرة ملاحظات
ريف دمشق 2800000 46700 25% 11700
مركز إدلب 155000 25800 10% 2580
ريف إدلب 1000000 167000 30% 50000
مناطق من الحسكة 225000 37500 10% 3750
مناطق من اللاذقية 30000 5000 40% 2000
ريف حلب 720000 12000 20% 24000
مدينة حماه 560000 94000 10% 9400
ريف حماه 260000 43300 30% 13000
مركز حمص 900000 150000 40% 60000
ريف حمص 410000 68500 60% 41000
مركز درعا 182000 30000 10% 3000
ريف درعا 460000 76600 20% 15320
دير الزور 526000 87700 10% 8770
المجموع 8228000 1264400 27.6% 349570

تقدر مراكز الدراسات (انظر شبكة الانترنت الدولية) القيمة الوسطية للمنزل (3000000ل.س) ثلاثة ملايين ليرة سورية، وفرشه (250000ل.س) مئتان وخمسون ألف ليرة سورية، أي ما مجموعه (3250000 ل.س) ثلاثة ملايين ومئتان وخمسون ألف ليرة سورية، عندما كانت قيمة الدولار تقدر بـ 50 ليرة سورية، أي ما يعادل خمس وستين ألف دولار للوحدة السكنية الواحدة. تصبح الأضرار الإجمالية في المنازل وحدها: 65000*349570 = 22722050000(اثنان وعشرون ملياراً وسبعمائة واثنان وعشرون مليوناً وخمسون ألف دولار)
وفي حال إضافة 30% من هذه القيمة ككلفة للبنية التحتية المتضررة (مدارس، ومشافي، وكهرباء، ومياه، وهاتف، وطرق، وجسور وغيرها) أي 6816615000 (ستة مليارات وثمانمائة وستتة عشر مليوناً وستمائة وخمسة عشر ألف دولار)
أي ما مجموعه 29538665000 تسع وعشرون ملياراً، وخمسمائة وثمانية وثلاثون مليوناً وستمائة وخمس وستون ألف دولار.
ولتقديم لمحة موجزة عن الحالة الاقتصادية في سوريا، سنعتمد على التقارير المقدمة في اجتماع لجنة الخدمات برئاسة رئيس مجلس الوزراء، في آب 2013 الذي تمت فيه مناقشة حالة الوضع الاقتصادي في البلاد، والتي تبين ما يلي32):
قطاع الصناعة: أكدت وزارة الصناعة في تقرير لها عن النشاط الصناعي أن الظروف الحالية قد أثرت بشكل سلبي في النشاط الاقتصادي الذي تراجع حجمه إلى مستويات لم تعهدها الوزارة منذ سنوات مضت... وتكبد الصناعيون خسائر مادية كبيرة بسبب أعمال السرقة، والنهب، وتدمير المصانع، فضلاً عن الخسارة الأكبر في استشهاد أعداد كبيرة من الصناعيين...
قطاع النفط: انخفضت كمية النفط المنتج في سوريا من 380 ألف برميل إلى 20 ألف برميل يومياً (عام2013).
وجاء في تقرير لمجلة "الإيكونوميست" البريطانية، أن خسائر سوريا في قطاع النفط بلغت 13 مليار دولار.
قطاع الزراعة: تكبد القطاع الزراعي خسائر فادحة، بسبب تقلص المساحات المزروعة وهجرة اليد العاملة، وغلاء المحروقات، لم تقدم أرقام رسمية بعد حول حجمها...
ـ قطاع الخدمات: انخفض إجمالي كمية الطاقة الكهربائية المنتجة إلى 2642.3 مليون ك. و. س في شهر كانون الثاني لعام 2013. وتراجع إنتاج الغاز.. وانخفضت مؤشرات النقل.
ـ السلع الغذائية: تسجل الأسواق السورية حالياً ارتفاعاً يومياً في الأسعار... وأكد المكتب المركزي للإحصاء، أن التضخم السنوي على مستوى معيشة الأفراد والأسرة لشهر آذار 2013 وصل إلى 299.55% .
ـ قطاع السياحة: بلغت خسائر القطاع السياحي في سوريا 300 مليار ليرة سورية (مليار ونصف مليار دولار أميركي) منذ بدء النزاع منتصف مارس (آذار) 2011...
علماً أن السياحة شكلت ما نسبته 12 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، في حين كان القطاع يوفر فرص عمل لنحو 11 في المائة من الأيدي العاملة.
ـ التضخم: ذكرت النشرة التنموية الاقتصادية الشهرية الصادرة عن مديرية دعم القرار في رئاسة مجلس الوزراء أن معدل التضخم بلغ في شهر كانون الثاني 2013 نسبة 51.5%.
ـ تراجع احتياطي الذهب:كشف تقرير لـ "مجلس الذهب العالمي" صادر في نيسان الماضي أن سوريا تراجعت إلى المرتبة 56 في احتياطي الذهب عالميا...
ـ سعر الصرف(4) لخصت مذكرة غرفة تجارة دمشق (حول آثار ومنعكسات تراجع سعر صرف الليرة السورية) عام 2013 حالة الليرة السورية وأسعار الصرف، والتي بينت أن أسعار صرف القطع الأجنبي في سوريا بدأت مع بداية الأزمة في عام /2011/ بدأ سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية بالارتفاع حيث سجل ما بين /50/ و/57/ ل.س حتى نهاية /2011 أما في عام /2013/ فقد سجل هذا السعر أرقاماً غير مسبوقة حيث وصل سعر الصرف في السوق غير النظامية إلى حوالي /150/ ل.س في شهر أيار أي بارتفاع حوالي 200% عما كان عليه ببداية الأزمة.
إن منعكسات تراجع سعر صرف الليرة السورية يؤثر بشكل سلبي على مجمل مؤشرات الاقتصاد الكلي من (استثمار وادخار واستهلاك) والتي سجَّلت تراجعاً كبيراً. بالإضافة إلى أثر ذلك على تراجع متوسط دخل الفرد نتيجة تراجع الناتج المحلي الإجمالي، وإلى حدوث عجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات، وعلى مستوى أداء القطاعات الاقتصادية الرئيسية (صناعة ـ تجارة ـ زراعة ـ سياحة ـ خدمات ـ عقارات ....) التي سجلت انكماشاً حاداً." ويشكل ذلك تحدياً خطيراً أمام الاقتصاد السوري يحتاج، فضلاً عن ضرورة وقف النزيف والصراع الدموي المسلح، اتباع سياسة اقتصادية تقوم على العدالة الاجتماعية، وحماية المنتجين، والمستهلكين من الاستغلال، ومن التلاعب بالأسعار، وتوفير فرص العمل للشباب ومكافحة البطالة والفساد...
ثالثاً: المخاطر الاجتماعية:
مما لا شك فيه أن عدد الضحايا الكبير، وتدمير المنشآت المدنية من منازل، ومدارس، ومستشفيات، ومتاجر، ومصانع، المترافقة مع عمليات القتل، والإرهاب بمظاهره المختلفة، يتسبب في نزوح مئات الآلاف عن منازلهم، ويترك آثاره السلبية الكبيرة على بنية المجتمع الاجتماعية، ويؤثر على تماسك النسيج الاجتماعي، وبنيته النفسية...
لقد بلغ عدد اللاجئين السوريين وفق إحصائيات المفوضية العليا لشؤون اللاجئيين حتى أواسط عام 2013 / 2.5 مليونان ونصف المليون لاجئاً خارج البلاد، كما يقدر عدد النازحين داخل القطر بخمسة ملايين إنسان.
وقد جاء في تقرير لمجلة "الإيكونوميست" البريطانية، أن معدل البطالة في سوريا فاق عام 2013 إلـ 60%.
يترك ذلك كله آثاراً اجتماعية ونفسية ضاغطة على مجتمعنا وعلى الإنسان، وخاصة على الأطفال، والنساء، كما يساهم في خلق بيئة اجتماعية حاضنة للتطرف... وفي خلق جيل من الأميين غير المتعلمين، وغير الممتلكين لأية مهنة، سيحتاج إلى جهود جمة خلال أجيال لإعادة تأهيله، وستكون مهمة حماية حقوق الإنسان، وفي مقدمتها حقوق المرأة، وتحصين تلك الحقوق من أهم مهام معالجة هذه الأمراض، وبناء المجتمع على أسس حضارية سليمة، يكون الشباب المتنورون المنتجون أساس بنيانه المتين...
تحديات التطرف الديني:
يعلن البعض مخاوفه من هيمنة المتطرفين دينياً على المجتمع السوري، وربما يستندون إلى أن نداء "الله أكبر" كان النداء الطاغي على الحراك الشعبي السلمي الذي شهدته البلاد في بداية عام 2011... إن التخوف من نداء "الله أكبر" ينم عن عدم فهم حقيقي للمخزون الثقافي، والوعي البياني عند المسلمين عامة، والشعب السوري خاصة؛ فتعابير "الله أكبر"، و"بسم الله"، على سبيل المثال، هي مكون أساسي من الخطاب اللغوي اليومي لأبناء الشعب، ومفخرة لهم، وهي ليست حكراً على المسلمين، بل يوجد مسيحيون، وعلمانيون يرددونها بفخر أيضاً... ونداء "الله أكبر" بأبعاده المعرفية، والنفسية، والإنسانية هو: دعوة إلى الخير، والتسامح والمحبة، والكرامة، والحرية... والشعب الذي تجذرت في أعماقه هذه القيم، هو الشعب نفسه الذي حمل الصلبان مندداً بمنتهكي حرمتها، وحمى الكنائس كما يحمي المساجد والجوامع، وحمى نصب الثقافة، والمعرفة؛ وهو الشعب الذي لا يمكن أن نتصور أن يعيش في مجتمع لا تكون الحرية، ودولة القانون المدنية أهم أركانه... وعندما نقول الشعب، نشمل قواه الوطنية والسياسية، ولا نتجاهل أهمية جيش الوطن الموحد وحارس حدود الوطن ومصالح الشعب، داعماً لحرية وكرامة الناس، نابذاً كل من يقمعها، ومحاسباً كل مسيء لواجبه الوطني الشريف... وكل هذه المقومات تبين وجود تربة وإمكانية موضوعية للتعامل مع المخاوف من تحديات هيمنة التطرف الديني بشكل عقلاني، ومعالجتها معالجة سليمة، والشرط الأساسي لمواجهة هذه التحديات هو إقامة دولة القانون المدنية التي تتيح للشعب فرص تشكيل مؤسساته المدنية، وأحزابه السياسية، وجمعياته الثقافية التنويرية والاجتماعية الضرورية، لمواجهة التطرف بكافة أشكاله...
ويأخذ المتخوفون من هيمنة التيارات الدينية المتشددة من المناطق التي تسيطر عليها المجموعات المسلحة مثالاً، وخاصة سيطرة "دولة الشام والعراق الإسلامية" على الرقة... إنّه لمن الضروري أخذ هذه المخاطر بعين الاعتبار جدياً... ولما كانت أغلبية المجموعات المسلحة المتطرفة خارجية المنشأ والعناصر والتمويل، فإنّ نجاح مواجهتها يعتمد على فعل دولي، وهذا يؤكد ضرورة وأهمية انعقاد مؤتمر دولي للسلام في سوريا، يساعد في بناء أسس الدولة المدنية الديمقراطية العادلة في سوريا، والتي تعتمد الأسس العلمانية لاستيعاب جميع مكونات الشعب السوري ومعالجة التناقضات الاجتماعية على أسس مدنية حضارية سليمة...
تحديات العلمانية(5) في سوريا:
يحتاج بناء الدولة في سوريا، نتيجة لطابع المجتمع التعددي، إلى أسس تساعد في رص بنيان هذا المجتمع المتنوع، ومعالجة تناقضاته، وتلبية تطلعات جميع أبنائه، وقد اتفق على تسمية هذه الأسس بالعلمانية...
إن محاولات تحويل منحى الصراع باتجاه العنف الدموي المسلح، والتجييش الغريزي الطائفي، جعل قوى كثيرة منخرطة في الصراع الدائر في بلادنا تسعى إلى تحطيم كل ما له علاقة بالعلمانية في وعي أبناء المجتمع، ليسهل لها التجييش الطائفي الغريزي، وهذا ما يشكل خطراً على أسس بناء الدولة... وأخذت ترتفع في كثير من المناطق أصوات تترافق بممارسات تحارب العلمانية، وفرض مجموعة من القيود التي تحد من الحرية، وحقوق الإنسان... وتجد هذه التصرفات مرجعاً فكرياً لها في أيديولوجيا الكثير من التنظيمات الدينية... وتجلى ذلك، على سبيل المثال، في مطالبة العديد من المشاركين في اجتماع ممثلي الأحزاب، والتنظيمات، والشخصيات الإسلامية على المستوى العالمي، الذي عقد في القاهرة في ربيع عام 2013 باعتماد موقف صريح معاد للعلمانية، وانتقد الكثيرون منهم الموقف المزدوج لبعض التنظيمات الإسلامية من العلمانية، إذ يقولون شيئاً أمام وسائل الإعلام العامة، وشيئاً آخر في الغرف المغلقة... وبين هؤلاء المنتقدون صراحة أن العلمانية خطر، تجب محاربتها والوقوف في وجهها... كما أن تطور الأحداث، ودخول قوى متطرفة من خارج المجتمع إلى سوريا، وتدخل دول لا تأبه بمستقبل جميع مكونات الشعب السوري، أخذ يشكل خطراً على مستقبل العلمانية في سوريا، حتى إن بعض المثقفين والباحثين، الذين يزعمون أنهم بتبنون العلمانية نهجاً في تفكيرهم ـ وبعضهم كانوا قياديين في أحزاب قومية علمانية وشيوعية ـ أخذوا يبحثون عن الذرائع، والحجج، ليبرروا لتلك القوى، والمجموعات المتطرفة سلوكها، وانشغل البعض منهم في الهجوم على ما يسمى بالأقليات في سوريا، وبدلاً من تشجيع انفتاحها على الحياة القريبة من العلمانية، أخذوا يتهمونها بالإباحية، وما شابه من الصفات المنفرة في المجتمع السوري... ومن الممكن أن تجد في صفوف المسلحين المتطرفين وأنصارهم، من كان منتمياً إلى الأحزاب التي تزعم تبني العلمانية في سوريا، بما في ذلك حزب البعث وأحزاب الجبهة الحاكمة لعقود من الزمن... ويدل ذلك على الخلل الكبير في عمل تلك الأحزاب، وفي النشاط الثقافي، والسياسي بشكل عام في سوريا... وهذا الخلل تعبير عن جانب من جوانب الأزمة التي أوصلت البلاد إلى الحالة المأساوية التي تعيشها، كما يدل أيضاً على أنّ العلمانية في سوريا في خطر...
ولما كانت محاربة العلمانية في بلادنا هدفاً معلناً لكثير من القوى والتنظيمات، أصبح من الضروري امتلاك إمكانية التعامل مع هذه المسألة، ومع الفكر المغذي لها بموضوعية، وانطلاقاً من قوله تعالى : "وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (سورة النحل : 125) كما تتطلب مواجهة هذه المخاطر إعادة النظر في النهج المتبع إزاء مطالب الشعب المحقة، وفي تغيير البنية السياسية التي قادت البلاد إلى هذه الحالة المأساوية، ووقف عملية التجييش الطائفي الغريزي، والانتقال إلى حالة إعمال العقل، ونشر الوعي السليم في المجتمع؛ الوعي القائم على مفهوم المواطنة، لا الطائفة، أو العرق، أو الدين، ونشر مفهوم العدل، وسادة القانون، ونبذ كافة أشكال التمييز، والاستغلال، والظلم، والاضطهاد... كما تتطلب العمل الجاد لكي يمتلك أبناء المجتمع مناهج تفكير سليمة تساعدهم في تجاوز كثير من الأمراض الاجتماعية التي تسعى القوى الراغبة في تدمير، وتفتيت سوريا إلى بثها بين أبناء المجتمع...
كما أن نهج محاربة العلمانية الذي يهدد كيان المجتمع السوري ككل، يؤكد ضرورة تضافر وتعاضد جميع القوى الوطنية، والعلمانية، والإنسانية لمواجهته، ومعالجة مسبباته ببناء الدولة المدنية الدستورية المنشودة، التي تتيح الاستفادة من الإرث الحضاري الغني، والممتد لآلاف السنين في تاريخ سوريا، ومن بنية مجتمعها المتنوعة دينياً، وقومياً، التي تجعل المجتمع السوري في أغلبه مهيأ موضوعياً لتقبل الفكر العلماني، بل إن إمكانية تآلف جميع مكوناته تتطلب بالضرورة إبداع صيغة حكم تنسجم مع حاجات المجتمع السوري، قائمة على أسس علمانية، تستوعب مكونات المجتمع المتعددة وتجمعها في دولة مدنية واحدة، تلقى الدعم والمساندة من مختلف منظمات الأمم المتحدة، ومن مختلف الدول الصديقة والشقيقة...
الملحمة السورية والربيع العربي
من غير الممكن قراءة الملحمة السورية بمعزل عن التطورات العالمية والعربية، وعن ملحمة الشعب المصري التي دشنها في 25 كانون الثاني (يناير) من عام 2011... والتي تجسد محاولة لولادة جديدة للتاريخ، جعلت من مصر مركزاً لثورة لا تقل أهمية عن الثورة الفرنسية، ولا عن الثورة البلشفية اللتين كان لهما بعد وتأثير عالمي... والثورة ذات البعد العالمي تحصل في لحظة تاريخية تعبر عن ازدياد التناقضات التناحرية، والخلل الاجتماعي السياسي على مستويين: مستوى محلي داخلي، ومستوى دولي عام... فالثورة الفرنسية كانت تعبيراً عن حدة التناقضات والخلل بين بنية الحكم الملكي الإقطاعي ومتطلبات تطور المجتمع الفرنسي نحو الرأسمالية، كما كانت تعبيراً عن تناقض في بنية وصيغة المنظومة السياسية للدولة على الصعيد العالمي، وتعبيراً عن ضرورة ابتكار صيغة جديدة لبنية السلطة الحاكمة في الدولة على مستوى دول العالم تنسجم مع متطلبات تطور المجتمعات الصناعية في القرن التاسع عشر... كما عبرت الثورة الروسية عن التناقضات بين الحكم القيصري المطلق ومتطلبات انتقال روسيا إلى البنية الرأسمالية، وعبرت في الوقت نفسه عن أزمة دولية تجلت في الحرب العالمية الأولى، وفي بحث شعوب العالم عن صيغة جديدة للحكم تنسجم مع متطلبات تطور المجتمعات نحو الديمقراطية والعدالة الاجتماعية في القرن العشرين... والأمر نفسه ينطبق حالياً على ملحمة الشعوب العربية.. ويمكن القول إن المخاض الذي تعيشه المجتمعات العربية، والذي عرف بالربيع العربي ذو بعد عالمي، فهو تعبر عن حاجة الشعوب العربية لصيغة حكم جديدة تعالج التناقضات الداخلية في المجتمعات العربية، كما أنه تعبير عن أزمة صيغتي الحكم الرئيسيتين اللتين طغتا على معظم دول العالم في القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين، ألا وهما: صيغة الحكم الشمولي، التي عرفت بالديمقراطية الشعبية، وصيغة الحكم الديمقراطي الليبرالي في الدول الغربية، وحاجة شعوب العالم إلى تطوير صيغة الحكم الطاغية حالياً في كثير من دول العالم، لتنسجم مع متطلبات عصر انهيار نماذج الحكم الشمولي، وتنسجم مع عصر المعلوماتية في القرن الواحد والعشرين... وتضع هذه التطورات الشعوب العربية أمام تحديات كبيرة ستترك آثارها على مستقبل ومصير هذه الشعوب والدول، وأساس هذه التحديات: إبداع وابتكار صيغة حكم جديدة تستوعب تجارب الحكم الديمقراطي المعروفة وتعالج مشاكلها، وأزمتها في الوقت عينه، تلك الأزمة التي تتجسد في ابتعاد السلطات الديمقراطية الليبرالية عن العدالة الاجتماعية، والإفراط فيما سلطة حزب الأغلبية، وفي غطرسة الحكام الغربيين، واعتبار صيغة الحكم الديمقراطي الليبرالية صيغة ناجزة ومكتملة، ومحاولة تصديرها، أو فرضها على شعوب العالم، بما في ذلك الشعوب العربية، من دون الأخذ بعين الاعتبار الظروف التاريخية والاجتماعية المتغيرة... وتجلت غطرسة الساسة والمفكرين الغربيين، على سبيل المثال، في مهاجمتهم للمرحلة الثانية من ثورة الشعب المصري في 30 تموز (يوليو) 2013 واعتبارها انقلاباً عسكرياً على حكم الإخوان الشرعي، الذي جاءت انتخابات ديمقراطية، متجاهلين حقيقة أن ذلك الحكم عاد إلى صيغة حكم الحزب القائد للدولة والمجتمع التي تجاوزها الزمن، محاولاً فرض رؤيته الأيديولوجية والسياسية على المجتمع، بحجة أنه فاز بالأغلبية في الانتخابات، متجاهلاً حقيقة أن الثورة المصرية لم تنجز مهامها بعد، فضلاً عن تجاهله تاريخ وإرادة شرائح واسعة من الشعب المصري، وضرورة انسجام صيغة الحكم مع متطلبات العصر... مما قاد إلى ثورة 30 تموز (يوليو) 2013، التي أكدت على أن الثورة إبداع لن تتوقف حتى تنجز مشروعها، كما أنها وضعت شعب مصر، ومفكري مصر أمام تحد حقيقي لإبداع صيغة حكم جديدة تعالج الثغرات في أسلوب الحكم الديمقراطي، وتعالج العلاقة بين الأغلبية الحاكمة والأقلية المعارضة، وضرورة الاستفادة من جميع طاقات المجتمع بما في ذلك الأقلية، وعدم إقصائها بحجة نتائج الانتخابات، والتركيز على جانب العدالة الاجتماعية، خاصة في المجتمعات المتميزة بالنمو السكاني الكبير... صيغة حكم تعبر عن تطلعات الشعب، وتفتح إمكانيات التطور والنمو، ومعالجة التناقضات الاجتماعية، في إطار مشروع نهضوي متجدد تستفيد منه مختلف شعوب العالم...
إنما، وعند الحديث عن المشروع النهضوي، ومحاولة شعوب المنطقة إبداع صيغة حكم جديدة تجعلهم فاعلين في التاريخ العالمي، من الضروري عدم تجاهل حقيقة وجود مشروع آخر في هذه المنطقة، يعادي المشروع النهضوي في الدول العربية، عمل ويعمل دعاته ومناصروه جاهدين لإخراج العرب من التاريخ، وسيسخرون كل الإمكانيات المتاحة لهم، ويبذلون كافة الجهود لعدم السماح للعرب، ليس فقط في أن يحققوا مشروعهم النهضوي، أو أن يكون لهم دور عالمي، بل سيحاولون منعهم من حكم نفسهم بأنفسهم، لأن نهضة العرب تهدد وجود ومصير ذلك المشروع... وبالتالي علينا أن نتوقع قيام قوى ومراكز كثيرة بالعمل الدؤوب لإجهاض أي مشروع نهضوي، أو ربيع عربي، والعمل على تشويه سمعة العرب، وتشويه كل ما يقومون به... ومن هنا جرت محاولة تثبيت فكرة حكم الإخوان كاستمرار لحكم الحزب الواحد قي مصر، واستنفرت المجموعات المتطرفة في المنطقة، ودفعت إلى الواجهة مع بذل جهود حثيثة لتبيان أنها هي المسببة والمستفيدة من التطورات في المنطقة العربية، تلك المجموعات التي من غير المستبعد أن تكون مخترقة من قبل أعداء العرب والمسلمين، لتحويل المشهد في العالم العربي، من ربيع يحلم العرب في الوصول إليه، إلى مشهد عنف دموي، وتصوير العرب والمسلمين بكافة طوائفهم ومذاهبهم على أنهم دمويون ومتوحشون... إن نشاط كثير من المجموعات المتطرفة على الأراضي السورية ليس بعيداً عن تلك الجهود والمحاولات، لدفع الأحداث لتتطور إلى صراع دموي مسلح، يحمل في طياته مع التراكم الحاصل، ومع طول الزمن مخاطر جمة، كما بينا، من بينها تحويل سوريا إلى ساحة صراع لتدميرها، وإرهاق شعبها، وإعادتها عقوداً إلى الوراء، وإرهاق جميع القوى المناوئة لأعداء سوريا في سوريا... والسعي لفرض فكر اللون الواحد، وجعل سوريا مركزاً للتطرف، والإرهاب، وهذا يعني استمرار الصراع، وأخذه مناح جديدة، لن تكون في صالح طموحات الشعب السوري، بل يهدد كيانه ووجوده، ومن المفيد والضروري ، في هذا السياق، الاطلاع على أراء المحللين الإسرائيليين الذين يرون أن ما يجرى في سوريا صراع يضعف سوريا، وإيران، وروسيا، والقوى الإسلامية معاً، ويستنزف قواها وإمكانياتها، ويرون ضرورة استمرار هذا الصراع أطول مدة ممكنة، طالما أنه لا يهدد أمن إسرائيل، ويذهب بعضهم إلى القول بعنجهية عنصرية: هؤلاء حيوانات يذبحون بعضهم البعض في سوريا، فليستمروا بالذبح، والقتل... سيدون المؤرخون الإسرائيليون هذه المرحلة من الدمار التي تشهدها سوريا، واستنزاف قوى أعداء إسرائيل على الأرض السورية بأنّها أفضل مرحلة في التاريخ الإسرائيلي، وقد تحتفل بها، وتقيم النصب التذكارية تخليداً لها...
ضرورة المؤتمر الدولي لحل المسالة السورية سياسياً:
ولما كانت المخاطر المحدقة بسوريا، والتحديات الناجمة عنها ذات أبعاد دولية، وتفوق طاقة أية دولة، وتحتاج بالدرجة الأولى إلى معالجة سياسية لوقف النزيف والدمار، فالحل السياسي في مؤتمر دولي أصبح ضرورة وطنية؛ كي يتاح للشعب بكامل فئاته أن يقوم بدوره في إنقاذ الوطن، بمساعدة الدول والشعوب المتضررة من دمار سوريا، ومن سيطرة التطرف فيها، أو تحولها إلى مركز للتطرف والإرهاب، ودخولها في المجهول... وسيستمر أعداء سوريا في بذل كل ما في وسعهم لعرقلة الحل السياسي، وهنا تتلافى رغبة ومصلحة أعداء سوريا والمتطرفين للإبطاء في عقد مؤتمر للسلام في سوريا، أو وأده قبل انعقاده... علماً أنّه وفضلاً عن الدول، توجد قوى وشخصيات لا تريد انعقاد مؤتمر جنيف، ولا تريد للحل السياسي أن يتحقق، لأنها ترى في ذلك تهديداً لمصالحها، وأن الحل يفتح صفحة جديدة تسودها العدالة والمساءلة... ولن تتوانى تلك القوى عن عرقلة الوصول إلى حل سياسي، كما أنها ستحاول إفشال مبادرات وبوادر حسن النية الضرورية للوصول إليه، ومن تلك البوادر الضرورية: وقف أعمال العنف، والإفراج عن جميع المعتقلين والمخطوفين، وتأمين الظروف الملائمة لفتح الأبواب أمام المهجرين والنازحين، والمنفيين للعودة إلى ديارهم بأمن وسلام...
لقد فاقت تضحيات الشعب السوري في ملحمته الأسطورية ـ التي تذكر بعض فصولها بالميثولوجيا السورية ـ كل تصور، وطال أثرها السوريين جميعاً، فالسوريون جميعاً خاسرون، ومن يخال نفسه منتصراً الآن في هذا الصراع مع كل هذا الدمار، والضحايا، والتشريد، يثير التساؤل، ويذكرنا بقول الشاعر:
"لا تحسبوا رقصي بينكم طرباً فالطير يرقص مذبوحاً من الألم"
إن تضحيات الشعب السوري الأسطورية، وبنية المجتمع السوري الغني بمكوناته المتنوعة، وتاريخه العريق، من أهم ضمانات إمكانية وجود حل للصراع، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية التي يطمح إليها الشعب السوري، هذه التضحيات، التي تؤكد على أن سوريا بعد 15 آذار 2011 لن تكون سوريا قبل ذلك التاريخ، وهي ضمانة كبرى لنجاح الحل السياسي المنشود كي تعود سوريا إلى أبنائها جميعاً، ولكي يحكم السوريون بلادهم بعيداً عن الإملاء الخارجي مهما كان نوعه... ومما لا شك فيه أن مواجهة التحديات والمخاطر التي تحدثنا عنها تبرز أهمية دور جيش الوطن الحامي لتراب الوطن، ولأمن المواطنين جميعاً، ليلعب الدور الموحد للوطن...
ثمة خشية من أن تستطيع القوى المناهضة للحل السياسي في سوريا أن تتغلب، ويستمر نهج العنف المسلح... وتبقى الملحمة السورية مفتوحة على مختلف الاحتمالات... ولهذه الأسباب أصبحت مسألة إنقاذ سوريا مهمة الإنسانية، ويبقى الحل السياسي في بناء الدولة المدنية الديمقراطية هو المخرج، وهو في صالح كل الأطراف من الموالاة، والمعارضة الغيورة على صالح الوطن...
الهوامش
الملحمة ج ملاحم: الموقعة العظيمة القتل في الحرب، وذلك مأخوذ من اشتباك الناس واختلاطهم فيها كاشتباك لُحمة الثوب بالسَّدى (السدى من الثوب ج أسدية، ما مُدَّ من خيوطه وهو خلاف اللحمة. والملحمة ـ كناية عن عمل شعري طويل يتألف من أناشيد عديدة نظمت في وصف حرب من الحروب، ووصف جيوشها وأبطالها والأمكنة التي دارت فيها. تشترك الآلهة في وقائعها وتقوم على الأساطير والخرافات كإلياذة هوميروس وما شاكلها.
(1) أندريه بارو) بالفرنسية: (André Parrot هو عالم آثار فرنسي متخصص في الشرق الأدنى القديم وقاد أعمال الحفريات في كل من لبنان والعراق وسوريا. ولد في عام 1901 في دوبس وتوفي سنة 1980 في باريس . كان أندريه بارو المنسق الرئيس للمتاحف الوطنية في عام 1946 وأول مدير لمتحف اللوفر من 1968 حتي 1972، وكان قائد فيلق الشرف وعضو أكاديمية النقوش والأدب. له العديد من الأبحاث والكتب أهمها "سومر" (1960)، الفن السومري (1970)، حفريات مملكة ماري - الحملة 18 و 19 (1970 - 1971)، كنوز أور (1968).
(2) (انظر: آرون لند ـ فورين بوليسي 24 تشرين الأول (أكتوبر), 2012 ترجمة: علياء محفوظ علي – فريق الترجمة – خارج السرب. رابط الموضوع : http://www.assakina.com/center/parties/18883.html#ixzz2t1CaPg1q
فورين بوليسي (بالإنجليزية:( Foreign Policy هي مجلة أمريكية تصدر كل شهرين. أسسها سنة 1970 صامويل هنتغتون و وارن ديميان مانشل. تنشر المجلة سنويا مؤشر الدول الفاشلة.
(3) تقرير عن اجتماع لجنة الخدمات برئاسة رئيس مجلس الوزراء، في آب 2013 ـ الصحافة المحلية ـ شبكة الانترنت الدولية.
(4) مذكرة غرفة تجارة دمشق (حول آثار ومنعكسات تراجع سعر صرف الليرة السورية) عام 2013
(5) العلمانية من Secularity اللاتينية وСветский الروسية، تعني الدنيوية، أو الزمنية، وهي مفهوم يصف ممارسة شؤون الحياة وفق متطلباتها الزمنية... والعلماني المتنور يضع الدين في مكانة إنسانية ذاتية سامية، مع اعتقاده بأن من المتعذر إدارة شؤون الحياة اليومية وفق التشريعات الدينية، ومواكبة متطلبات العصر بما تقتضيه من تشريعات جديدة واستحداث قوانين تنظم شؤون الحياة اليومية التي لم تكن موجودة في النصوص الدينية، كتنظيم الإعمال التجارية والشركات، والمنظمات الاجتماعية، والجامعات التي تتصف بالزمنية أي (العلمانية) فضلاً عن سن القوانين العصرية الملائمة لحقوق الإنسان وفق المعايير الدولية الحديثة، لذلك ولغيره من الأسباب يعتقدون بوجوب عزل الدين عن السياسة. ونتيجة لذلك ظهرت الحكومات العلمانية التي تتبع القوانين المدنية...فالعلمانية ليست معاديةً للدين، وهي ليست مرادفة للإلحاد... لقد أثبتت التجارب الإنسانية على أنّ بناء الدولة يقوم على أسس دنيوية، وهذا ما قام به العرب المسلمون وخاصة الأميون عندما بنوا دولتهم على أسس دنيوية وصل إشعاعها إلى أقاصي الأرض...
طرطوس 106/11/2013 شاهر أحمد نصر






في الأجوبة على مداخلات وتساؤلات الحاضرين:
ضرورة تلاقي القوى الوطنية والعلمانية لمواجه المخاطر المحدقة بالوطن:
يمكن إجمال الكثير من التساؤلات المطروحة في مسألة أساسية تكمن في تقييم الحالة التي تمر بها المجتمعات العربية؛ أهي ثورات، وربيع عربي، أم مؤامرة على الشعوب العربية؟!
وفي هذه المناسبة أود التنويه إلى أن كثير من الأفكار التي تطرح في اتحاد الكتاب العرب، وفي دورياته أقرب ما تكون إلى فكر ذي لون واحد، يصف كل ما يجري في العالم العربي بالردة، والمؤامرة، والربيع الأسود... وتفتقر تلك الدوريات إلى نشر الآراء التي تخالف ذلك الفكر، وقد يحاجج البعض، بأن هذه الدورية، أو تلك مختصة بالمحالات الأدبية، ولا تنشر الفكر السياسي، غافلين عن أنهم يسمحون لأنفسهم بنشر فكرهم السياسي فيها، ومتجاهلين حقيقة أنّ البحث الفكري والسياسي في سبل معالجة الأزمة السياسية التي تمر بها بلادنا، في هذه الظروف العصبية، من أهم واجبات الأدباء والباحثين والمفكرين...
ستبقى التبباينات والاختلافات الفكرية في تقييم الواقع والمرحلة التي نعيش فيها موجودة، وتتعلق تلك التباينات والاختلافات باختلاف مواقع ومصالح أصحابها، فضلاً عن اختلاف مناهج تفكيرهم: فلكل منهج تفكير أفقه، ورؤيته: علينا الانتباه إلى منهج التفكير الذي نحلل الواقع بموجبه: أهو منهج منغلق، فئوي، طائفي، سطحي، مذهبي، أم منهج إبداعي يستوعب انجازات الفكر الإنساني...
لقد أكدت المسألة السورية والموقف من مسالة الربيع العربي والتباين في فهمها وتحليل مسبباتها ودوافعها وآفاقها، على ضرورة إدخال منهاج أساليب التفكير ضمن الناهج التعليمية في جميع المراحل الدراسية، لنتعلم كيف نفكر وكيف نواجه الفكر بالفكر، وليس بالعنف؛ لا اللفظي، ولا الفيزيائي البدني، أو الدموي المسلح، وبعيداً عن الاقصاء والاعتقال والتخوين...
إنني أحزن من رؤية الغشاوة تطغى على عيون كثير من الأدباء والباحثين العرب، والتي تتحول أحياناً إلى ضيق أفق في التفكير، تجعلهم لا يتعمقون في تحليل المسائل المصيرية التي سيتوقف مستقبل الوطن والأجيال المقبلة عليها، بل يكتفون في رؤية ظواهرها السطحية، ورؤية الجوانب السلبية فيما يحصل، ويرون ما يجري مجرد ردة، دون التفكير في الأسباب الجوهرية التي قادت إلى هذه الأحداث، وإبداع سبل الخروج من الأزمة التي تمر بها الشعوب العربية، وأدعوهم لعدم الاستسهال في الكتابة حول هذه المسائل الهامة والمصيرية... وهذا الحزن، والتباين في وجهات النظر لا يبرر على الإطلاق استخدام أي أسلوب عنفي، بما في ذلك العنف اللفظي... والحل الوحيد المجدي لهذه التباينات والتناقضات في الرؤية وفي الفكر، هو الحوار ومحاججة الفكر بالفكر... الذي أرجو أن تتسع صدورنا، ومنابرنا الإعلامية، بما فيها دوريات اتحاد الكتاب العرب إليه، لتساهم في عملية تلاقي القوى الوطنية والعلمانية لمواجه المخاطر المحدقة بالوطن.



#شاهر_أحمد_نصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحديات العلمانية في سوريا
- الشعب هو الضمانة
- الكابوس لن ينتصر
- فن التراجع
- على من تتلو مزاميرك يا داود!
- الثورة إبداع
- شعوب العالم تتطلع إلى شعب مصر
- لا بد للعقل أن ينتصر!
- في أسس الحل السياسي كضرورة وطنية
- الحل السياسي ضرورة وطنية
- الحوار المتمدن نقيض الشتائم
- لماذا الإخوان المسلمون كما الشيوعيين والبعثيين لا يقبلون الن ...
- لماذا يُحرم كتابٌ ومثقفون من أبسط الحقوق؟!
- آه، عشتار، عشتار!
- التطرف يقرب
- رسالة مفتوحة: -في الصفصافة ينتصرون على المعارضين بحرمانهم من ...
- كيف يمكن تجنب التدخل الخارجي حتمياً ؟
- فلتنتصر إرادة الخير
- البنية الدستورية والحقوق والحريات في الدستور الروسي
- الشعوب ضمانة انتصار الثورة


المزيد.....




- تحطيم الرقم القياسي العالمي لأكبر تجمع عدد من راقصي الباليه ...
- قطر: نعمل حاليا على إعادة تقييم دورنا في وقف النار بغزة وأطر ...
- -تصعيد نوعي في جنوب لبنان-.. حزب الله ينشر ملخص عملياته ضد إ ...
- البحرية الأمريكية تكشف لـCNN ملابسات اندلاع حريق في سفينة كا ...
- اليأس يطغى على مخيم غوما للنازحين في جمهورية الكونغو الديمقر ...
- -النواب الأمريكي- يصوّت السبت على مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- الرئيس الإماراتي يصدر أوامر بعد الفيضانات
- شاهد بالفيديو.. العاهل الأردني يستقبل ملك البحرين في العقبة ...
- بايدن يتهم الصين بـ-الغش- بشأن أسعار الصلب
- الاتحاد الأوروبي يتفق على ضرورة توريد أنظمة دفاع جوي لأوكران ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - شاهر أحمد نصر - الملحمة السورية.. إلى أين؟!