أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشيل حنا الحاج - هل هو حقا الربيع العربي أم هو الدمار العربي ؟















المزيد.....


هل هو حقا الربيع العربي أم هو الدمار العربي ؟


ميشيل حنا الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 4254 - 2013 / 10 / 23 - 02:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أسئلة تحتاج الى اجابات حول الواقع العربي والربيع العربي
السؤال السابع والخمسون:
هل هو حقا الربيع العربي أم هو الدمار العربي ؟

من معالم الربيع العربي أن يبدأ المناخ بالاعتدال التدريجي فيزداد الدفء بعد برودة وصقيع الشتاء، وتكتسي الأرض بالخضار، وتورق الأشجار، وتتفتح الورود وتفوح رائحة الياسمين، فيحتفل المصريون بشم النسيم ،كما يحتفل الأكراد ومعهم الايرانيون بعيد النيروز الذي هو الاحتفال الخاص بقدوم الربيع، وبمناسبات أخرى، فهل هذا هو ما حصل فعلا في العالم العربي مع حلول ما سمي بموسم أو مواسم الربيع العربي، واذا كانت تلك هي البشائر الجميلة والمفرحة التي تقترن بقدوم الربيع العربي، فلما حل ذاك الربيع في بلدان عربية معينة ولم يحل في بلدان أخرى؟ في دول الخليج مثلا التي ظلت عصية على الربيع العربي المزعوم باستثناء قلة قليلة من بعض "الازهار" في البحرين التي أينعت على شكل بعض المظاهرات وبعض الاعتقالات وببعض الأحكام بالسجن ففي واقع الأمر، يبدو أن ما حل ببعض الدول العربية، وبالذات في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، كان بعيدا كل البعد عن أي من تلك المعالم البهيجة، معالم الربيع الحقيقي، اذ أفرز معالم مؤلمة وتبعث على الحسرة بدل البهجة والسرور.

ففي تونس فقدت الدولة سيطرتها على بعض المناطق وخصوصا الحدودية مع الجزائر، وتلك هي منطقة الجبال المسماة بجبال الشعابين حيث قتل في احد المراحل، ثمانية من الجنود ورجال الأمن، كما قتل مؤخرا مزيد من رجال الأمن، بحيث بلغ الغضب لدى رجال الأمن التونسيين، أن رفضوا السماح لرئيس الدولة ورئيس الوزراء ورئيس المجلس التأسيسي، وهم أركان الحكومة القائمة، المشاركة في تشييع جثامين اولئك الجنود، كما جرت أيضا عمليات اغتيال لبعض القادة السياسيين ومنهم شكري بالعيد ومحمد البراهمي، واذا كانت الحركات الجهادية التكفيرية قد وجدت موقعا لها في جبل الشعابين ومناطق الحدود التونسية الجزائرية، فان المجموعات السلفية قد انتشرت في أكثر من مدينة تونسية وأهمها مدينة ( بنزرت)، حيث باتت أو كادت تحل محل المحاكم التونسية الرسمية، اذ أخذت تصدر هي الأحكام في النزاعات بين المواطنين مطبقة أحكام الشريعة الاسلامية، لا قوانين الدولة الوضعية، دون أن يتعرض لها أي من رجال الأمن بذريعة أن أحدا لم يشتك من ذلك، ورجال الأمن لا يستطيعون اتخاذ أي اجراء قانوني ضد السلفيين، طالما أن أحدا من المواطنين لم يقدم شكوى ضدهم أما الحكومة التونسية التي يسيطر عليها حزب النهضة الاسلامي، فهي أيضا لا تفعل شيئا في هذا الصدد، وربما يروق لها ما يحصل من توسع لنفوذ بعض السلفيين، رغم شكواها الدائمة من انتشار الجهاديين التكفيريين في مناطق الحدود، ومن نشاطهم الدي تسبب بحصول العديد من المظاهرات في المدن التونسية، اضافة الى اضراب اتحاد نقابات الشغيلة التونسيون مما فرض في النهاية على حكومة الترويكا التونسية، الدخول في مباحثات مع النقابات ومع جبهة الانقاذ الوطني التي تشكلت من مجموعة من الأحزاب السياسية المعارضة والمطالبة باستقالة الحكومة وتشكيل حكومة تكنوقراط تجري انتخابات مبكرة بعد انجازعملية كتابة دستور جديد للبلاد، وهو الأمر الذي تحاول حكومة الترويكا المماطله فيه كل ما في الأمر، أن تونس التي تعرف عادة بتونس الخضراء، وكان من المتوقع أن يزداد الاخضرار فيها مع قدوم الربيع العربي، قد اكتسى خضارها الآن باللون الأحمر الدامي مع سلسلة الاغتيالات للسياسيين وللجنود ولرجال الأمن. فالربيع العربي فيها لم يكن بكل تأكيد ربيعا، ولا تنطبق عليه أي من مواصفات الربيع.

وليس الحال أفضل كثيرا في ليبيا، حيث باتت الدولة عاجزة عن السيطرة على شؤون البلاد بعد انتشار العديد من المليشيات المسلحة التي باتت منتشرة هنا وهناك، والتي اتسم العديد منها بالتيار الاسلامي المتشدد، وقد بلغت في قوتها حد الاقدام على اغتيال السفير الأميركي في مدينة بنغازي، بل واعتقال رئيس الوزراء نفسه والاحتفاظ به تحت سيطرتها لعدة ساعات، والأدهى من ذلك، أن الحكومة الليبية المعينة من قبل المجلس الوطني المنتخب بطريقة ديمقراطية ، ليست قادرة على السيطرة على مجريات العديد من الأمور، ومنها على سبيل المثال، أن تفرض على بعض الجهات التي اعتقلت منذ شهور عديدة الابن الأكبر للرئيس الراحل معمر القذافي، أن يسلموه للحكومة المركزية لاجراء محاكمة له في العاصمة طرابلس، أما المهزلة الأكبر التي تكشف عن مدى ضعف الحكومة الليبية المركزية، فهي اقدام السلطات الأميركية على ارسال قوة أميركية قامت في وضح النهار باعتقال "أبو أنس الليبي" المطلوب للولايات المتحدة في قضية لها علاقة بنشاط منظمة القاعدة، وقد نقلته الى بارجة حربية كانت تنتظر في البحر الأبيض المتوسط، لاجراء التحقيق معه، ومن ثم نقلته الى الولايات المتحدة لتبدأ اجراءات محاكمته. وقد تم الاعتقال بدون استئذان الحكومة الليبية، أو حتى بدون اشعارها فيما تنوي فعله، مما يكشف عن مدى ضعف تلك الحكومة التي أفرزها الربيع العربي المزعوم.

أما في اليمن، فالوضع لم يكن أفضل كثيرا فبعد سلسلة طويلة من المظاهرات والاشتباكات بين المتظاهرين وانصار الرئيس السابق على عبد الله صالح، وافق الأخير على التنحي لصالح نائبه منصور هادي الذي كرسته انتخابات رئاسية لاحقة رئيسا للبلاد. واعتقد البعض أن الرئيس الجديد منصور هادي سوف يحقق الاستقرار في يمن الربيع العربي، لكن شيئا من ذلك لم يتحقق، فبعد أن كانت طائرات "أندرود" بدون طيار الأميركيبة هي التي تلحق القتل في ربوع اليمن، بات هناك عدد من المجهولين أيضا يقومون بالاغارة بين الفينة والأخرى على بعض معسكرات القوات اليمنية فتلحق بها خسائر كبرى، حيث يسقط بين الفينة والأخرى عدد من القتلى هنا وهناك وخصوصا تلك الاغارة الأخيرة على قاعدة في محافظة "أبين " تسببت بمقتل ثلاثين جنديا على الأقل، واعتقد البعض أن الربيع العربي الذي حل في اليمن سوف يعزز الوحدة اليمنية، ولكن ما حصل هو العكس. فالأصوات المطالبة بانفصال الجنوب اليمني والعودة الى سابق عهده في الاستقلال، قد أخذت ترتفع وتزداد قوة واصرارا. ويجري الحديث الآن عن اتحاد فدرالي يضم ولايتين لكل منهما استقلال ذاتي، ومرة أخرى تطرح فكرة ثلاث ولايات احدها اليمن الجنوبي، وثانيها مناطق الحوثيين، وثالثها اليمن الشمالي، الا أن البعض يقترح أيضا توزيع اليمن الشمالي على ولايتين أو ثلاث مما قد يجعل عدد الولايات خمسة، لكل منها حكم ذاتي خاص بها أسوة بما هو حاصل في كردستان العراق. لكن المؤكد أنه بعد سنتين ونصف على انطلاق ما سمي بالربيع العربي في اليمن، فان اليمن السعيد لم يعد سعيدا ، وكثير من البشائر ترجح وقوع المزيد من الضحايا اضافة الى المئات منهم الذين سقطوا في زمن الرئيس السابق علي عبد الله صالح فاذا ذهبنا الى سوريا التي كانت بسبب مناخها وطبيعتها الحلوة، تكاد تزدهر بربيع عفوي طبيعي دائم وخصوصا في غوطتها المحيطة بدمشق. لكن ما كان ربيعا حقيقيا طبيعيا، قد اكتسى الآن بألوان الدم القاني بعد أكثر من مائة الف قتيل قضوا خلال عام ونصف من القتال شمل كل الأراضي السورية تقريبا. وأسوأ ما في الأمر، هو تلك الانتهاكات لحقوق الانسان المستمرة من خطف لمدنيين، واغتصاب للنسوة، واعدام للجنود الأسرى خلافا لمنطوق معاهدة جنيف حول كيفية وجوب التعامل مع الأسرى، اضافة الى اعدام المدنيين الأبرياء، حيث كشف تقرير حديث صدر عن منظمة Human Rights Watch أن مجموعات من قوى "داعش" المنتمية للقاعدة، وآخرين من القوى الاسلامية المتشددة، قد قتلوا بدم بارد أكثر من مائتي مدني من العلويين أثناء تقدمهم في المناطق العلوية محاولين الوصول الى ميناء اللاذقية، أضافة الى ذلك ما قيل عن مقتل الف وخمسمائة من المدنيين نتيجة استخدام السلاح الكيماوي في منطقة الغوطة الدمشقية، دون أن يحدد بشكل نهائي من ارتكب هذه المجزرة: هل كانت هي الدولة، أم كانت المعارضة. ورجح استبعاد الدولة كمرتكب لهذا الفعل الجرمي نتيجة لكونه قد وقع عشية وصول فريق دولي جاء للبحث عن استخدامات السلاح الكيماوي. فآخر شيء كان يمكن أن تقدم الدولة عليه، هو تنفيذ عمل كهذا في توقيت كهذا، أي بعد أقل من يوم على وصول الفريق الدولي للاستقصاء عن استخدام الكيماوي في تلك الحرب، علما بأن الفريق قد جاء بناء على طلب من الحكومة السورية لاتهامها المعارضة باستخدمت السلاح الكيماوي في منطقة خان العسل. فالهجوم الكيماوي الكبير الذي وقع بعيد ساعات معدودة من وصول الفريق الدولي، وهي ساعات لا تكاد في مجموعها تشكل أكثر من يوم واحد، دفع الفريق الدولي لأن يترك جانبا مهمته الأساسية التي جاء من أجلها، وهي البحث في الاتهام الموجه للمعارضة، لتتحول فجأة مهمة الفريق الكيماوي الدولي نحوالتحقيق في الاستخدام الأكبر للكيماوي، وذلك في منطقة الغوطة.

واضافة الى القتلى من السوريين واللذين تجاوز عددهم المائة الف قتيل، هناك اللاجئون اللذين باتوا يقدرون بمليوني لاجىء انتشروا في الأردن وتركيا والعراق ولبنان. وهناك أيضا ذاك الكم الهائل من الدولارات الذي انفق على تلك الحرب الملعونة والذي يقدرها البعض بأكثر من ستين مليار دولار حتى الآن، أنفقتها دول الخليج العربي. أما البعض الآخر، فيقدرون بأن المبلغ قد تجاوز المائة مليار دولار، كان الأجدر بدول الخليج أن تنفقها على انعاش الدول العربية الفقيرة كالصومال وموريتانيا واليمن والأردن وجزر القمر، فهي لو فعلت ذلك، لكانت قد استبعدت مزيدا من الانتشار للمنخرطين في صفوف منظمات القاعدة الجهادية التكفيرية، والذين ينتمون اليها بسبب دواعي الفقر والجهل والبطالة. فانعاش تلك الدول اقتصاديا، وتنشيط الاقتصاد فيها، كان سيزيل الكثير من الخطر الناجم عن انتشار تلك المنظمات التي تشكل خطرا مستقبليا على العديد من الدول العربية وغير العربية والواقع أن بعض دول الخليج كالسعودية مثلا، بدأت تستشعر الشرك الذي وقعت فيه، وهو اشعال تلك الحرب في سوريا. ذلك أنهم قد اندفعوا نحو تشجيعها بحماس بالغ، لأن من دفعهم الى ذلك، قد أوهمهم بأنها حرب قصيرة لن تستغرق الا بضعة شهور، ينتهي بعدها نظام الممانعة في سوريا، فيحل بعده السلام في المنطقة، كما ينقضي بانقضائه ذاك التحالف مع ايران ومع حزب الله. لكنهم بدأوا يكتشفون تدريجيا أن الحرب التي استغرقت عامين ونصف حتى الآن، مرشحة للبقاء قائمة لعدة سنوات أخرى، نظرا للانتفاضة الروسية المذكرة بأنها هي أيضا دولة عظمى، وبأن لها مصالح هامة في سوريا ستدافع عنها بكل ثمن، فالحرب التي أفهموا بأنها حرب ضد سوريا، قد تأكد بأنها ايضا حرب ضد روسيا أيضا، بل وضد ايران وحزب الله ولو بشكل غير مباشر، اضافة الى كونها (أي تلك الحرب ) التي صورت لهم بأنها تسعى لازالة العائق السوري الخطر على مصالح دول الخليج، قد أفرزت خطرا آخرا ناجما عن قدوم كل أولئك الجهاديين والتكفيريين التابعين لمنظمة القاعدة والقادمين من كل أصقاع الأرض للقتال في سوريا، اذ بدأت بعض دول الخليج العربي تقدر بأن أولئك يشكلون خطرا مستقبليا عليهم وعلى مصالحهم، وقد يكون خطرا أعتى من الخطر السوري الذي ادعت الولايات المتحدة وجوده.

فمن اعتقد لوهلة أن سوريا هي التي وقعت في شرك الحرب، قد أخطأ التقدير، اذ تأكد الآن أن دول الخليج هي من وقعت فعلا في شرك تلك الحرب. واذا كانت المملكة السعودية قد بدأت تستشعر ذلك الآن، فان قطر لا تزال ماضية في غيها الرافض للاعتراف بتلك الحقيقة، ومع ذلك فانها لن تتشبث بموقفها ذاك لزمن طويل، لأنها عاجلا أو آجلا سوف تكتشف المكيدة التي حفرتها لدول الخليج كل من تركيا (التي لها مصالح خاصة في ايصال سوريا نحو الدمار) والولايات المتحدة التي لها هي الأخرى مصالح خاصة في احلال الدمار بالدولة السورية بغية حماية ربيبتها اسرائيل، اضافة الى المصالح الفرنسية في تدمير سوريا لاعتقادها بأنها ستكون المرشح الأول لاعادة بنائها لكونها كانت دولة الانتداب على سوريا ولبنان. أما بريطانية فهي من الخاسرين، ولولا حاجتها للحفاظ على تحالف المصالح بينها وبين فرنسا وأميركا، لما تدخلت في الأمر. اما الخاسر الأكبر، فهي دولة قطر، فما هي مصلحتها يا ترى في تلك الحرب ، وفي انفاق كل هذه الأموال بلا طائل، بغية تحقيق هدف لن يتحقق، خصوصا بعد كل هذا الانفراط في عقد منظمات المعارضة في سوريا وتفككها الى مجموعات صغيرة باتت تقاتل بعضها بعضا، فما حدث في سوريا اذن هو دمار عربي، وبعيد كل البعد على أن يكون ربيعا عربيا.

والآن ماذا عن مصر؛ فعندما وقعت ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011 والتي سعت لاسقاط الرئيس السابق حسني مبارك، ابتهل الشعب المصري الذي رزح تحت حكم مبارك لثلاثين عاما. لكنه لم يدرك حينئذ ماذا كان يبيت له من تخطيط مسبق بين الولايات المتحدة والحركات الاسلامية الاخوانية التي سرعان ما قفزت الى سدة الحكم في تونس وفي مصر، وبدأت تعزز موقعها في ليبيا أيضا عبر الميليشيات الاسلامية التي تزداد انتشارا يوما بعد آخر؛ هذا اضافة الى انتعاش موقف الاخوان في غزة نتيجة فوز محمد مرسي في مصر؛ ولا أحد يعلم بالضبط ما الذي جرى بين الاخوان والولايات المتحدة. لكن ظاهرتين هامتين تستدعيان التوقف عندهما، وأحداهما هي سابقة تحالف الأميركيين في اواخر السبعينات - أوائل الثمانينات، مع الاسلاميين في أفغانستان، وفيما بعد مع اسلاميو ايران، لاعتقادهم بأن الاسلاميين الايرانيين سوف ينجزون هدفين هامين لأميركا، أحدهما الحيلولة دون وصول اليساريين للسلطة في تلك الدولة البترولية اثر وفاة الشاه المريض والذي باتت سنواته الباقية معدودة، وثانيهما أن الاسلاميين سيقفون حجر عثرة في وجه تقدم جارهم الاتحاد السوفياتي داخل منطقة الشرق الأوسط، بل وقد يؤدي الى قيام الايرانيين بمشاغلة الاتحاد السوفياتي، المنشغل أصلا في أفغانستان، على حدودهم المشتركة معه.

تلك كانت هي الظاهرة الأولى التي تستدعي التوقف عندها. أما الظاهرة الثانية ، فهي استعداد الاسلاميين للتوجه نحو عقد الصفقات السرية. ففي عام 2005 ، عقدت حماس، كما يرجح البعض ، صفقة سرية مع أريال شارون رئيس وزراء اسرائيل آنئذ ، تعهدت حماس بموجبها بوقف الأعمال الاستشهادية التي بدأت تنفذها منذ عام 1993 والتي كانت تؤرق اسرائيل و تشكل الورقة الرابحة في أي مفاوضات مع اسرائيل حول القضية الفلسطينية برمتها .، مقابل أن تتعهد اسرائيل بالانسحاب من غزة، لا لمصلحة منظمة التحرير، بل لمصلحة حماس ،مما يحقق لحماس أرضا تحكمها خارج نطاق سيطرة منظمة التحرير، في وقت تحظى فيه اسرائيل بالأمان من فعالية العمليات الاستشهادية؛ فالصفقات السرية مع الاسلاميين ممكنة ولها سابقة شبه مؤكدة؛ ومن هنا لا يمكن استبعاد وجود صفقة ما بين الاخوان في مصر والولايات المتحدة الراغبة في الحفاظ على أمن اسرائيل، وايجاد حل يضمن بقاء اسرائيل يهودية نقية؛ فهي اذا كانت قد حصلت من الاخوان على تعهد، بضمان ايجاد حل للقضية الفلسطينية برمتها وذلك بانشاء وطن قومي للفلسطينيين خارج نطاق الأراضي الفلسطينية، (في صحراء سيناء مثلا)، فهذا قد يحقق الأمان فعلا لاسرائيل،لا بضمان حدودها ووجودها فحسب، (فهذه قد ضمنها أصلا اتفاق كامب ديفيد)، بل يحقق لها أيضا التخلص من أزمة عودة اللاجئين الفلسطينيين الى بلادهم، مع ابعاد الاحتمال القوي بعودة الفلسطينيين للمطالبة مستقبلا بمزيد من الأراضي بعد فترة من الزمان، خصوصا وأن قرار التقسيم قد منحهم 46 بالمائة من أراضي فلسطين في وقت يفاوضون فيه الآن على الاستقلال في 22 بالمائة فقط من أراضي فلسطين، مما يعني وجود احتمال قوي بقيام الأجيال القادمة بالعودة للمطالبة بمزيد من الأراضي الفلسطينية. أما اذا انشغل الفلسطينيون في وطنهم الجديد في سيناء، الذي ستغرقه الولايات المتحدة بالأموال، فان هذا الخطر يصبح بعيد الاحتمال أو ضعيفا. وبذا لا تضمن الولايات المتحدة فحسب أمن اسرائيل في حدودها الحالية، بل ستضمن أيضا عدم تعرضها لمخاطر مستقبلية تطالبها ببعض من تلك الأراضي.

وعلى ضوء ذلك ، قد يصبح الطرح الذي قدمه الأستاذ "عماد الدين أديب" قبل شهور قليلة على شاشة "سي بي سي"، طرحا صحيحا ومعقولا بمضمونه حول قيام "مرسي" بمنح خمسين ألفا من سكان غزة، الجنسية المصرية بصفة استثنائية، مكنتهم من شراء اراض في سيناء المصرية، ومن تأسيس شركة مقاولات سجلت في بريطانيا ووضعت فعلا، كما قال "عماد الدين" مستندا الى معلومات رجح صحتها، مخططات لبناء مليون وحدة سكنية في أراضي سيناء ؛ فهذا الطرح قد يصبح معقولا ومنطقيا ومنسجما مع مضمون تلك الصفقة السرية المفترضة. وربما أقنع "مرسي" نفسه بصحة تلك الخطوة استنادا الى التذكير بأن سيناء كانت أصلا أراض فلسطينية في زمن الحكم العثماني، ثم ضمت الى مصر في منتصف القرن التاسع عشر ومن هنا تبدو الأسباب الكامنة وراء حالة الذهول التي مني بها الأميركيون في مصر لدى وقوع ثورة الثالث من يوليو عام 2013، اذ عزل "مرسي"، وخسر الاخوان الكثير من نفوذهم، فلم يعودوا قادرين على تنفيذ تلك الصفقة؛ وهكذا اضطر الأميركيون للجوء للخطة الاحتياطية البديلة، التي وضعت كخطوة لضمان تنفيذ المخطط حتى في حالة رحيل مفاجىء لمرسي، وذلك باستخدام المقاتلين في سيناء اللذين جرى تسليحهم في عهد "مرسي" (وبالتعاون مع حماس )، كما جرى غض النظر الأميركي عن تكاثرهم في تلك المنطقة، علما بأن الولايات المتحدة كانت على علم بأن الكثيرين منهم كانوا من الجهاديين والتكفيريين المنضووين تحت علم القاعدة او علم السلفيين، وقد جاءوا من الخارج، كما جاء البعض الآخر من غزة، اضافة الى عدد من المصريين المتشددين اسلاميا، وهو الأمر الذي أكدته لهم العديد من تقارير طائرات الأواكس وأقمار التجسس الصناعية، اضافة الى مشاركتهم بغض الطرف عن تدفق السلاح عليهم من ليبيا ومن غيرها خلال فترة حكم مرسي.

ولكن هل كان ذلك هو كل ما كانت الولايات المتحدة تتوقعه من ايصال الاسلاميين الى السلطة في مصر. أم كان هناك شيء آخر ضمن أحلام أميركا وأحلام حليفتيها بريطانيا وفرنسا ؟ فهل كانت بريطانيا وفرنسا تطمحان الى استعادة مركزهما في قناة السويس، وهو الموقع الي خسروه عندما أعلن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في عام 1956 تأميم القناة ؟ فهل كانت هناك وعود أيضا بتمكينهم من استعادة السيطرة، ان لم يكن الملكية، لقناة السويس؟ وهل كان ما أشيع لوهلة (ان صح الأمر) عن اقتراح قطري بالحصول على عقد لضمان تشغيل قناة السويس لعشرين عاما، خطوة نحو تحقيق ذاك المخطط؟ واذا كانت تلك هي المصلحة البريطانية والفرنسية في الأمر، فهل كانت هناك أيضا مصلحة أميركية، بالسيطرة مثلا على السد العالي واستثماراته؟ ألم يكن المتضررون الفعليون من تأميم قناة السويس، هم الأميركيون الذين فقدوا حظوظهم .في تمويل بناء السد العالي، وبريطانيا وفرنسا في خسارتهما لقناة السويس؟ هل اعتقد الحلفاء الثلاثة أن زمن الانتقام وتسوية الحسابات مع مصر قد اقترب، لكن خابت ظنونهم عندما سقط مرسي وسقط الاخوان، فسقطت الصفقة بجزء منها على الأقل، وهو الجزء الخاص باسرائيل، أو بكل أجزائها، ان صحت الاحتمالات الأخرى والخاصة باستعادة مواقعهم في قناة السويس وفي منافع واستثمارات السد العالي، (مع أنها حتى الآن مجرد احتمالات غير مؤكدة أو معززة بالأدلة). وهذا هو السبب المرجح لرفضهم حتى الآن، الاعتراف بالثورة المصرية الجديدة، والمضي بممارسة الضغوط عليها، من خلال ورقة الضغط القوية لديها هي في سيناء، وفي تحرك الاخوان المتواجدين تحت الأرض، عبرعمليات التفجير والاغتيال ومهاجمة الكنائس وغيرها من الأعمال الموصوفة بالارهابية في النزعة والمضمون.

ولكن الذي سقط بكل تأكيد هو حظوظهم في المضي في تنفيذ الاحتمال المؤلم، رغم بقاء مخاطر سيناء الى حين، في ايصال مصر الى الدمار العربي عوضا عن الربيع العربي الموعود والمعلن عنه كذبا وبهتانا. اذ جاءت الثورة المصرية الأخيرة لتنقذ مصر من ذاك المصير المؤلم الذي خطط لها.
أما ما حدث في مصر في زمن "مرسي"، وما زال يحدث في تونس وليبيا واليمن وخصوصا في سوريا، كان بعيدا كل البعد عن اتسامه بسمات الربيع العربي، اذ كان المراد منه ، وما زال، هو الدمار العربي، ولا شيء غير الدمار العربي. فلو كانت تلك التطورات ساعية فعلا لتحقيق ربيع عربي حقيقي، لكان ذاك الربيع قد هل على دول الخليج أولا، وربما آخرا، حيث يوجد أصدقاء للولايات المتحدة ولحلفائها الفرنسيين والبريطانيين، بل والاسرائيليين أيضا.

Michel Haj



#ميشيل_حنا_الحاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعليقا واضافة للمقال الخاص بالاستشهاديين ، ينبغي التساؤل: هل ...
- هل نفذ باكورة الأعمال الاستشهادية في العصر الحديث منتمي لتيا ...
- هل أدركت الولايات المتحدة أن زمن القطب الواحد قد انتهى؟
- هل معركتي-اعزاز- و-باب السلامة- هما لسيطرة -داعش- على موقع آ ...
- لماذا لم يزهر ربيع عربي في قطر. ولماذا تصر أصغر الدول العربي ...
- هل جاء دور إخوان السودان في الرحيل ، بعد رحيل إخوان مصر ؟
- هل يؤدي الانقلاب شبه العسكري داخل المعارضة السورية، إلى الشر ...
- هل هناك منظمة -قاعدة- شريرة ، وأخرى -قاعدة- شريفة ؟ كيف؟ وأي ...
- لماذا كانت المنطقة العربية منذ الحرب العالمية الأولى وحتى ال ...
- لماذا يلاحق -أوباما-مخالفات لاتفاقية دولية تحظر استخدام السل ...
- هل تشكل معركة -إعزاز- علامة فاصلة في كوكتيل تحالفات المعارضة ...
- هل يدمر نتنياهو سلاح إسرائيل الكيماوي، بعد أن تعهدت سوريا بت ...
- متى يقوم -أوباما- باستبدال اسم سوريا ليصبح -سوريستان-؟
- هل يؤدي الاقتراح الروسي حول الكيماوي، إلى قرار شبيه بالقرار ...
- متى تسقط ورقة التين عن البعض، كما سقطت منذ حين عن البعض الآخ ...
- السؤال الحادي والأربعون : هل أصبح النفط نقمة ، ولم يعد نعمة ...
- السؤال الأربعون : هل باتت ما سميت بالثورة السورية ، هي الثور ...
- هل يتعظ اوباما من تجارب بوش وبوش في العراق ؟وهل انتهى زمن ان ...
- كم ستقتل الولايات المتحدة من السوريين، انتقاما لضحايا الكيما ...
- هل تسعى عملية دول الغرب العسكرية إلى إنهاء الحرب في سوريا، أ ...


المزيد.....




- زيلينسكي يقيل رئيس حرسه الشخصي بعد إحباط مؤامرة اغتيال مزعوم ...
- شوّهت عنزة وأحدثت فجوة.. سقوط قطعة جليدية غامضة في حظيرة تثي ...
- ساعة -الكأس المقدسة- لسيلفستر ستالون تُعرض في مزاد.. بكم يُق ...
- ماذا بحث شكري ونظيره الأمريكي بأول اتصال منذ سيطرة إسرائيل ع ...
- -حماس- توضح للفصائل الفلسطينية موقفها من المفاوضات مع إسرائي ...
- آبل تطور معالجات للذكاء الاصطناعي
- نتنياهو يتحدى تهديدات بايدن ويقول إنها لن تمنع إسرائيل من اج ...
- طريق ميرتس إلى منصب مستشار ألمانيا ليست معبدة بالورود !
- حتى لا يفقد جودته.. يجب تجنب هذه الأخطاء عند تجميد الخبز
- -أكسيوس-: تقرير بلينكن سينتقد إسرائيل دون أن يتهمها بانتهاك ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشيل حنا الحاج - هل هو حقا الربيع العربي أم هو الدمار العربي ؟