أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - سامي العباس - التغيير الديمقراطي في سورية















المزيد.....


التغيير الديمقراطي في سورية


سامي العباس

الحوار المتمدن-العدد: 1209 - 2005 / 5 / 26 - 10:22
المحور: مقابلات و حوارات
    


السادة المحترمون في هيئة تحرير موقع الرأي ,هذه إجابة على أسئلتكم بخصوص التغيير الديمقراطي في سورية
*كيف تقيمون نضوج أسباب التغيير في سورية؟

مثلت مهمة حل ما تبقى من علاقات إنتاج إقطاعية, عقبة كأداء في وجه توسيع علاقات الإنتاج الرأسمالية.
في شطر مهم من العالم العربي جاء تجاوز هذه العقبة بواسطة الجيش المخترق من قبل أبناء الفلاحين الفقراء و المتوسطين. كان دور الأحزاب العقائدية تزويد الجيش بكوكتيل من المؤثرات الأيديولوجية الوافدة من العالم الشيوعي .
ساهم هذا المعطى ألعقيدي في تجاوز مهمة تصفية علاقات الإنتاج الإقطاعية باتجاه الاستيلاء على جزء مهم من القطاع الرأسمالي ( مصانع , شركات , مصارف .. إلخ ) مما حول الدولة إلى رأسمالي كبير قادر على إعادة إنتاج الإستبداد بامتلاكه لقاعدته الإقتصادية .
كانت التضحية بالديمقراطية على مذبح تصفية علاقات الإنتاج الإقطاعية , تبدو قبل نصف قرن الطريق الأقصر نحو مجموعة من الأهداف ( فلسطين , الوحدة , العدالة الإجتماعية , التحديث ... إلخ )
جمعت الوعي السوفييتي و مشتقه القومي – الاشتراكي و الوعي الإسلامي صداقة لدودة في وجه الوعي الليبرالي ... و عقب انهيار الحامل الإجتماعي للأخير ( البرجوازية الأرستقراطية الزراعية ) أصبح مطعوناً في شرفه الوطني , و حشر في خانة إليك بتصويره كحصان طروادة الغرب الإمبريالي الطامع بالأرض و العرض إذا استخدمنا الخطاب ألتهويلي الإسلامي .
في نصف القرن الماضي الذي تكشف عن أنه وقت مستقطع من السياق العام الكوني ( استكمال التحول نحو الرأسمالية ) استكمل الوجه الأخر لرأسمالية الدولة ( الفساد ) تشكيل ملامحه. ففي غياب الديمقراطية و ما يتفرع عنها ( قضاء مستقل يعالج الفساد, و صحافة حرة تسلط الضوء عليه و تنشر غسيله أمام الرأي العام , و صندوق اقتراع يجدد النخبة الحاكمة قبل أن يلحقها الفساد ... ) ترعرع الفساد كالعشب الضار و نافس ما تبقى في الحقل من عيدان القمح على كل شيئ ( التربة و الماء و الهواء )
إلا أن نصف قرن على الفساد هو في نفس الوقت نصف قرن لتراكم الأزمات في الإقتصاد و السياسة و الأيديولوجيا .
في المستوى الإقتصادي : عجز متفاقم عن استيعاب التطور الهائل للقوى المنتجة . إذ أصبحت سورية ممول رئيسي بالعمالة العضلية و الذهنية الرخيصة للجوار الإقليمي و الدولي . و في غياب القضاء النزيه الذي يخلق بيئة صحية للتنافس و مناخاً آمناً للاستثمار , استكملت مافيات السلطة إحكام سيطرتها على مفاصله , خالقةً مناخاً طارداً للاستثمار أياً كان مصدره .
و كما هو الأمر في سجن تدمر ( الداخل مفقود و الخارج مولود ) كذلك هو الأمر بالنسبة لمن يجرؤ على الاستثمار في سورية . ( تمخضت العلاقات السورية – التركية الحميمة في السنوات الخمسة الماضية عن 764مستثمر سوري في تر كية يقابلهم 40مستثمر تركي في سورية ) (1)
في المستوى الأيديولوجي :
ألحق النظام بالأيديولوجيا القومية – الإشتراكية كما فعل حليفه الدولي ( الإتحاد السوفييتي ) بالماركسية أضراراً فادحة , لجهة قدرة هاتين الأخيرتين على بلورة خطاب نقدي ذي مصداقية تسمح بهيمنتهما أيديولوجياً .
جاء هذا في إطار إفقار الخطابين معرفياً , إذا اعتبرنا معيار المعرفة ( قدرتها على كشف الضرورة ) إلا أن تراجع هيبة كل من الأيديولوجيتين , ترك فراغاً ملأته بالتدريج الأيديولوجيا الإسلامية مستفيدة ً من مناخ الكراهية للغرب التي احتطبت له الأيديولوجيتان ( السوفيتية القومية – الإشتراكية ) ما وسعهما الاحتطاب
في المستوى السياسي :
استطاعت أنظمة رأسمالية الدولة وصل ما انقطع أثناء البرهة الكولونيالية . عادت العصبيات العمودية إلى احتلال صدارة الجدلية الإجتماعية , معيدة إياها ( الجدلية الإجتماعية ) إلى حالة الاستنقاع التاريخية .
محور دوران هذه الديناميكية ( التأخراكية ) على حد تعبير ياسين الحافظ , هو سيطرة الدولة على وسائل الإنتاج كما كانت عليها الحال في نمط الإنتاج الخراجي .
في نصف القرن المنصرف جرى قطع السيرورة التي بدأتها المنطقة قبل قرن و نصف تحت ضغط الرأسمالية في طورها الإمبريالي . أعني سيرورة الخروج من الغيتوات الدينية و الطائفية إلى رحاب المشتركات الأوسع .
و في هذا الإطار سمح للعصبيات الأفقية أن تتنفس , و أن تبدأ الجدلية الإجتماعية – الإقتصادية حركتها اللولبية الصاعدة . يكفي للمرء أن يلقي نظرة على حضور الأحزاب السياسية على ضفتي نصف القرن الذي مضى ليتأكد من حجم الكارثة التي ألحقتها دكتاتوريات رأسمالية الدولة في حصة الأحزاب في العمل السياسي.
لقد شكل كل هذا الخراب اللحظة الراهنة . و هي ( اللحظة الراهنة ) تضع سورية على المفترق :
1- تجديد شباب نظام رأسمالية الدولة عبر تدعيمه بالأيديولوجية الإسلامية التي رعت حتى مطلع القرن العشرين سلفه ( الإمبراطورية الخراجية ) ..
2- دولة العقد الإجتماعي التي أرست بالتدريج ملامحها الطبقة البرجوازية في معمعان معركتها لتصفية علاقات الإقطاعية ..
و في هذا الإطار ... و لكي يصبح الخيار الثاني خياراً لا عودة عنه على المراجعات النقدية أن نجري على قدم و ساق داخل القوى و الأحزاب الهيئات الأهلية التي استظلت في إطار عملها السياسي الأيديولوجيات الثلاث : السورية و القومية و الإشتراكية و الإسلامية ... لإعادة التصالح مع الليبرالية و إعادة موضعتها في قلب العملية التاريخية الجارية ( تعميق التحول الرأسمالي )
إن القدرة على رؤية التخوم التي تفرضها الشروط الموضوعية على أحلام التغيير التي تداعب هذه المخيلة الأيديولوجية أو تلك, هي التي تحدد مستوى مصداقية الجرعة المعرفية التي تمتلكها الأيديولوجيا إياها .
إن الهيبة العلمية - على سبيل المثال اللينينية – قد تداعت تحت ضغط اصطدام أحلام التغيير باتجاه الإشتراكية بالممانعات التي أبداها الشرط الموضوعي الذي يمدد للنظام الرأسمالي استمرار يته .
• كيف تنظرون إلى علاقة الداخل و الخارج في هذا التغيير ؟
لقد ساهم انهيار أنظمة رأسمالية الدولة في الإتحاد السوفييتي و أوروبا الشرقية في إنهاء جدلية دولية شكلت المناخ المناسب لاستبدال البرلمانات بالجيوش في معظم الشطر الكولونيالي من العالم . في الشطر الزراعي من العالم العربي تناغمت الحاجة الداخلية إلى تصفية العلاقات الإقطاعية مع اندلاع الصراع بين المعسكرين الأمريكي السوفييتي . إلا أنه بشكل عام يمكن اعتبار ظهور أنظمة رأسمالية الدولة نوعاً من طريق جانبية شقته التحولات الرأسمالية في عصر الإمبريالية.
الملفت للنظر في هذه العملية أن استيلاء الدولة على وسائل الإنتاج تم تحت شعارات القطع مع المركز الإمبريالي , و محاولة التنمية المستقلة تورط بالتنظير لها ماركسيون منشقون عن المدرسة السوفييتية فأضافوا تنويعاً أيديولوجياً على الماركسية الأيديولوجية التي أنتجتها القراءة اللينينية للماركسية .
و هي في واقع الأمر ردة فعل على البنية الكومبرادورية للبرجوازيات الطرفية في عصر الإمبريالية تفوح منها رائحة ( المثقف الألماني ) (2)
ذلك أن عصر الإمبريالية استغرق ما تبقى من مرحلة التوسع الرأسمالي في دائرة التبادل. و هو توسع يسمح بظهور برجوازية كومبرادورية في الأطراف , و يخنق و يعرقل ظهور برجوازية صناعية .
في هذا المناخ السائد في الشطر من العالم الذي تأخرت فيه عملية الإنتقال إلى الرأسمالية , جاء استيلاء الدولة على وسائل الإنتاج حلاً خاصاً لعقدة التراكم ألبدئي الذي شهدته عمليات الإنتقال المبكر إلى الرأسمالية
و بعبارة أخرى ( المكر الذي يلجأ إليه التاريخ في حالات الاستعصاء ) و هو مكر تتضاءل بالتدريج الحاجة إليه مع الإرهاصات الأولى لانتقال التوسع الرأسمالي من دائرة التبادل إلى دائرة الإنتاج . أي الإنتقال من الإمبريالية إلى العولمة بدأً من أوائل ثمانينات القرن الماضي .
في هذا السياق جاءت ظاهرة نمور أسيا كتباشير انتقال علاقة المركز بالمحيط من ضخ السلع المصنعة إلى ضخ المال و التكنولوجيا . لم يعد المحيط سوقاً للاستهلاك فقط بل سوقاً للعمل و الاستثمار. فحيث سمحت العمالة الرخيصة بامتصاص المال و التكنولوجيا من المركز, نهضت من بين الأنقاض المؤسسات الديمقراطية و تراجع العسكر إلى الثكنات.
في سورية الراهنة نضجت الشروط المحلية التي تسمح بطرد العسكر إلى الثكنات, للإقلاع السريع نحو نمر شرق أوسطي. إلى التطور الكبير في سورية للشق البشري من القوى المنتجة ( العمالة الماهرة ) يقرع يقوة على جدران طنجرة البخار التي تحرسها حراب المؤسسة العسكرية – الأمنية التي تأتمر بإمرة مافيات ( التقدم و الإشتراكية ) ذائعة الصيت .
و إذا استعرنا من جحا إحدى نوادره , فإن الكلاموجيا قد يفلح ضجيجها في إخفاء رنين ( فص ) الفساد لكنه لا يفلح في إخفاء الرائحة التي تعبق بها الفضائيات و شبكات الانترنيت .
لا يمكن فهم الإستراتيجيات الجديدة حيال المنطقة التي اشتد وضوحها مع إدارة بوش الابن إلا في سياق التحول العميق في بنية علاقات المركز بالمحيط الذي أحدثها انتقال توسع نمط الإنتاج الرأسمالي من دائرة التبادل إلى دائرة الإنتاج . هذا في الخطوط العريضة ... إلا أن الاكراهات التي يولدها هذا التبدل ستعمل كمحددات للإستراتيجية التي تنظم السياسات الدولية . و في هذا السياق يندرج مشروع دقرطة الشرق الأوسط التي تبنته إدارة بوش الابن بعد ضربة 11 أيلول . إنه بمقدار ما يمثل محصلة للتبدل العميق الذي طرأ في المركز فإنه أيضاً محصلة للتبدل في الشرط المحلي الذي تبلور في المحيط . و هو شرط اقتصادي اجتماعي لم يواكبه على نحوٍ متقدم وعي الأنتلجنسيا المحلية الموزعة المشارب على المنهلين : السوفييتي الإسلامي . و هو وعي يسمح للنظام بالمناورة الأيديولوجية , مستخدماً الكثير من المشتركات ( في الخطاب ) الذي يجمعه و المعارضة , في ترميم هذه العورة أو سد هذه الثغرة التي أحدثها الانقلاب في الشرط الدولي – الإقليمي الذي مص النظام من ثدييه نسغ البقاء طيلة العقود المنصرمة .
و في هذه الخانة يمكن و ضع التقاطعات في لغتي المعارضة و النظام حيال المشهدين العراقي – الفلسطيني و بدرجة أقل المشهد اللبناني. إنها تقاطعات تفرضها المنابت العقائدية المشتركة للنظام و معارضته ز يحسن توظيفها النظام ببراغماتيته , و تقع المعارضة في حبائلها بجمودها العقلي و تحصيلها المعرفة الهزيل لا خروج من فك تشابكات الخطاب مع النظام إلا بمراجعة جدية لكم كبير من اليقينيات أخذت طابع البداهة لجهة رسوخها تحكمها بكل محاولة عقلية لاستيعاب ما يجري ... و هي يقينيات تصمد حتى الآن لأنها لا تتعرض إلا لمقاربات نقدية تجري وفق صيغة ( من دهنه سقّيه ) إنها أشبه بتغريد داخل القفص يشيع الأسى أكثر مما يبعث على الفرح . إلا أن نضوج الشرط الخارجي بشقيه: - المصالح – وعي إدارتها, و نضوج الشرط الداخلي: تحول نظام رأسمالية الدولة إلى عائق أمام تطور القوى المنتجة... قد يرمم الثغرة التي يتركها الوعي المحلي السائد مفتوحةً على الاحتمالين المنوه عنهما في الفقرة السابقة ( تجديد شباب نظام رأسمالية الدولة أو بناء دولة العقد الإجتماعي ) .
في إطار هذا الإختلاف في نضوج أسباب التغيير الداخلية و الخارجية لمصلحة الخارج يبدو مستقبل التغيير ملتبساً .
• كيف ترون جاهز ية المعارضة ( شعبياً و سياسياً ) للدخول في هذه العملية و أين يكمن قصورها إن وجد ؟
ساهمت الجذور الأيديولوجية المشتركة لخطابي النظام و المعارضة الحديثة في خلق مزاج شعبي انكفائي نحو الموروث. تهدد هذه الحركة نحو الموروث ذي الطابع المتنوع بخلخلة ما راكمته الخطابات الحديثة
( الليبرالية – القومية الإشتراكية – الماركسية السوفييتية ) من روابط عابرة للبنى القبلية الموروثة .
و بمقدار ما لوثت السلطة كل ما استخدمته من خطابات , أصبح الموقف الشعبي حيال ما راكمته مسيرة التثاقف مع الغرب في القرنين المنصرمين أقرب إلى من يود ( أن يرمي الوليد بأقماطه الوسخة )
في هذا الإطار يصبح وضوح التخوم بين خطابي المعارضة و السلطة خطوة مهمة على طريق استعادة الشيء من الجماهيرية المفقودة.
إن المشهد العراقي يستطيع أن يقدم خارطة لموازين قوى الخطابين ( التقليدي – الحديث ) بعيد سقوط الدكتاتورية . و إذا تجنبنا الغرق في الأوهام علينا أن نرى المشهد السوري كما هو عليه لكي نستطيع الاشتغال بفعالية على تعديله. إلا أن تعديل المشهد يحتاج إلى وقت يسمح للديمقراطية أن تعطي ثمارها
و حتى تأخذ الديمقراطية ما يلزمها من وقت تحتاج لمن يحرسها. و أظن أن الخارطة الراهنة لقوة الأيديولوجيات الحديثة و التقليدية المهيمنة على الشارع السوري لا تمنح الديمقراطية ما يلزمها من حراس شديدي اليقظة . يكفي العودة بالذاكرة بضعة عقود للتأكد... و يكفي إلقاء نظرة على المساحة الضيقة جداً التي تحتلها الأيديولوجيا الليبرالية في المشهد السوري.
من هنا فإن ترميم الوضع الهش للديمقراطية القادمة يستدعي أولاً نفداً جذرياً و مراجعة جادة للتراث المعادي للديمقراطية التي تحمله في أحشائها الأيديولوجيتان : القومية – الإشتراكية , الماركسية السوفييتية .
لقد برهنت تجربة ما بعد الاستقلال القصيرة أن الديمقراطية و في ظل هشاشة شرطها الداخلي انهارت عندما تبدل شرطها الخارجي بظهور الصراع الأمريكي – السوفييتي , و تسابق القوتين العظميين على تقاسم الانقلابات العسكرية في العالم الثالث .
و لقد انحسرت الأيديولوجيا الليبرالية مع انهيار المؤسسات الديمقراطية ( البرلمانات – الأحزاب – صناديق الاقتراع... إلخ ) و حلت محلها الدكتاتوريات العسكرية التي تلتحف ديماغوجيا الديمقراطية المركزية ... الشعبية... الإجتماعية ... إلخ
و لقد انساقت وراء هذه الديماغوجيا الأحزاب العقائدية المعبرة عن مصالح الشرائح الوسطى و الدنيا في العالم الثالث . من هنا فإن المخنق الداخلي للديمقراطية في سورية يتمثل في الفقر المريع التي تعانيه أحزاب المعارضة السورية بطيفها الأيديولوجي العريض , بالثقافة الديمقراطية .
* ما الأدوات و الوسائل التي ترجحون اعتمادها من أجل التغيير ؟
في ظل الاصطفاف الواسع النطاق ( اجتماعياً ) ضد الدكتاتورية , و في ظل وقوف مافيا رأسمالية الدولة و حيدةً و عاريةً من ورقة توت ( الأيديولوجيا القومية الإشتراكية ) , و في ظل الشرط الذاتي غير الناضج ( سياسياً و أيديولوجياً ) لأحزاب المعارضة السورية , و في ظل الضغط الخارجي على النظام من قبل الولايات المتحدة الأمريكية و حلفائها الأوروبيين , لإجباره على أقلمة نفسه أو الانهيار , مع استراتيجية دقرطة مجتمعات المنطقة لتجفيف منابع العنف و الإرهاب الأصولي . فإن التوقعات تذهب إلى انفلات مفاجئ من الخوف سيطرأ على الشارع السوري بفعل حدث درامي يجري تصنيعه خارجياً , أو بفعل تخبطات ينساق إليها النظام أو بعضٌ منه يفعل سريالية اللحظة الدولية – الإقليمية . و عندها ستلهث أحزاب المعارضة في ذيل سيرورة التغيير مصطدمة بهذا اللغم ( الديني . الإثني ) أو ذاك و ستجري هنا و هناك متعثرةً كما يقول المثل الشعبي ( بخصواتها) العقائدية
إن انزلاق عملية التغيير عن سكة استعادة صندوق الاقتراع و فصل السلطات و الإعلام الحر و اقتصاد السوق الملجوم بقوانين منع الاحتكار إلى سورية , احتمال وارد في ظل الجدليات التي أطلقها من عقالها نصف قرن تقريباً من الدكتاتورية .
و سيعمل العمى الأيديولوجي الذي تتشاطره أحزاب المعارضة حيال التحولات ذات الطابع الإستراتيجي في طريقة إدارة الغرب الأمريكي – الأوروبي لمصالحه , تحت ضغط الشرط الجديد الذي نوهنا عنه في الفقرات السابقة ( انتقال حركة التوسع الرأسمالي من دائرة التبادل إلى دائرة الإنتاج ) . سيعمل هذا العمى الأيديولوجي على تشغيل مكنة تبرير الذات وشلح المسؤولية على الخارج بطاقتها القصوى . و ما الأدبيات التي تظهر هنا و هناك و تتناول المشهد العراقي إلا تسخين للمحركات قبل الإقلاع.
* هل يشكل المؤتمر القطري القادم برأيكم محط أمل لقرارات جدية بهذا الإتجاه و لماذا ؟
- بعيداً عن التحليل الرغبوي بشقيه : - المتفائل رغبةً في تقليل مخاطر فاتورة التغيير – المتشائم تحت ضغط مشاعر الكراهية , و وفقاً للوقائع التي كرستها استراتيجية الراحل حافظ الأسد ( الإبقاء على حزب البعث كواجهة ذات و ظيفة أيديولوجية و سياسية يمارس خلفها استكمال مركزة السلطات في يده مع المحافظة على الحد الأدنى المطلوب , لمنع ظهور الدكتاتور عارياً )فإن المؤتمر القطري يمكن أن يكون جسراً لعبور النظام نحو مرحلة أقلمة نفسه مع استراتيجية الدقرطة الأمريكية الزاحفة .
إن عدم ملاقاة الضغط الخارجي على النظام بتفعيل المعارضة الداخلية و تسخين الشارع طيلة الوقت الذي مر هو الذي يضعف احتمالات خروج المؤتمر القطري بقرارات حاسمة في إتحاه أقلمة النظام لنفسه مع مناخ الدقرطة الزاحف . و يفتح الطريق نحو عقد صفقات يلجأ إليها الخارج مع النظام بغية تحسين الوضع التكتيكي لمشروع الدقرطة الأمريكي . إلا أنه في مطلق الأحوال فإن الصفقات إن تمت لن تتجاوز سقف عمر المرحلة الانتقالية و ربما أكلافها .
إن ما يفصل مافيات برجوازية الدولة عن القبول بإجراء تحولات حاسمة باتجاه الدولة الليبرالية هو ذعرها من تبدد المناخ الذي ترعرعت في كنفه فالبنية القانونية المسماة اشتراكية , و القضاء الملحق بالسلطة التنفيذية ( المزرعة التي تنتج المافيات ) هي بمثابة المياه العميقة التي تجيد حيتان برجوازية الدولة السباحة فيها . على هذا فإن اندماج برجوازية الدولة في البنية العامة للبرجوازية لا يقف في وجهها عوائق بنيوية , بل ما يحول دون ذلك ينتمي إلى عالم الأيديولوجيا بما يحتويه من إكراهات نفس عقلية كالذي دأب على السرقة لا يستطيع أن يفارقها رغم أن ما جناه منها يستطيع أن يعيد استثماره في السوق .
على خلفية ذلك يمكن لخيار التغيير أن يجد له أنصاراً من داخل بنية برجوازية الدولة إلا أنه الخيار الذي يفتح على المساومات مع الداخل و الخارج لمط المرحلة الانتقالية .
• يبدو أن الإستبداد لن يرحل ما النتائج المترتبة على استمراره أكثر
- لا تستطيع الصيغة الراهنة للإستبداد أن تستمر . تحتاج لكي تمد في عمرها إلى جرعة أيديولوجية . إن الموات التدريجي للأيديولوجية القومية الإشتراكية التي تدثرت بها برجوازية الدولة في العقود الخمسة الماضية يضيق أمامها الخيارات .
- إما القبول بالتخلي عن احتكارها للسياسة و تالياً اندغامها في البنية الإقتصادية – الإجتماعية للرأسمالية و هو الخيار المرجح الذي تتلاقى عنده خطوط الضغط الداخلي و الخارجي . و سيفتح هذا الخيار على استعادة الجدلية المفضية إلى التواصل مع العصر بثقافاته المفتوحة على بعض , و بناه السياسية – الإقتصادية الذاهبة باتجاه تحسين الشرط البشري .
- أو استعارة الخطاب الأصولي لاستنفاذ طاقته الديماغوجية كما فعلت بالأيديولوجيا القومية الإشتراكية في نصف القرن الماضي . إن ميل الكثير من مافيات برجوازية الدولة إلى بناء الجوامع و تصعيد العلاقات مع التيارات الجهادية التي نشطت في الجوار الإقليمي ( العراق – فلسطين – لبنان ) هو بمثابة مؤشرات مبكرة في هذا الإتجاه . و تلعب الحلقات الوسيطة التي استخدمت من قبل النظام في مرحلتي المواجهة مع الأخوان المسلمين دور رأس الجسر الصالح للعبور إلى الضفة الأخرى حيث يغتسل الإستبداد من أدران الحداثة و يلبس مسوح الإسلام المناضل ضد الغرب الإمبريالي الذي تقوده إمبراطورية الشر الأمريكية وفقاً للقاموس الذي دشنه الخميني قبل ربع قرن و يتابع الشق السني من الأصولية الجهادية توسيع مفرداته .
- إن تلكؤ مافيات رأسمالية الدولة في فتح الباب للتغيير السلمي يراكم بالتدريج الأسباب و المبررات للعنف الوافد من الضفتين : الداخلي و الخارجي .
و هو عنف في أحسن الأحوال سيضخم أكلاف التغيير إذا لم يفضي إلى ما هو أخطر من ذلك ( توسيع الانشقاقات الدينية و الإثنية إلى المستوى الذي تتبخر فيه كا ما راكمته جدلية الخروج من الغيتوات التي انخرط فيها المجتمع الأهلي منذ منتصف القرن التاسع عشر .

هوامش:
-1-جريدة الحيات -26-4-2005
-2انظر عبد الله العروي-العرب والفكر التارخي-فصل الماركسية ومثقف العالم الثالث
12-5-2005



#سامي_العباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في اية
- تحية لفالح عبد الجبار
- الراعي الكذاب..تراجيديا السياسة العربية
- مزاح ثقيل مع الدكتور طيب تيزيني
- دراما استعادة الليبرالية
- العرب والسياسة
- ستاتيكو لغوي
- العرب نظرة الى المستقبل
- الحزب العقائدي
- برسم الانتلجنسيا العربية
- ملاحظات على هامش الماركسية الايديولوجية
- الولايات المتحدة الأمريكية والشرق الأوسط
- مشتركات الوعيين الاسلامي - السوفييتي
- رد على لؤي حسين
- قصة من مجموعة -ابطال من هذا الزمان
- بيان من اجل الليبراليه
- الماركسيه في الاستخدام
- أزمة الرأسمالية ثانية
- ملاحظات حول مسودة الورقة السياسية للجنة الوطنية لوحدة الشيوع ...
- أزمة اليسار السوري – محاولة للرؤية


المزيد.....




- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...
- حادث مروع يودي بحياة 3 ممرضات في سلطنة عمان (فيديوهات)
- تركيا.. تأجيل انطلاق -أسطول الحرية 2- إلى قطاع غزة بسبب تأخر ...
- مصر.. النيابة العامة تكشف تفاصيل جديدة ومفاجآت مدوية عن جريم ...
- البنتاغون: أوكرانيا ستتمكن من مهاجمة شبه جزيرة القرم بصواريخ ...
- مصادر: مصر تستأنف جهود الوساطة للتوصل إلى هدنة في غزة
- عالم الآثار الشهير زاهي حواس: لا توجد أي برديات تتحدث عن بني ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - سامي العباس - التغيير الديمقراطي في سورية