أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - سامي العباس - بيان من اجل الليبراليه















المزيد.....



بيان من اجل الليبراليه


سامي العباس

الحوار المتمدن-العدد: 1100 - 2005 / 2 / 5 - 12:25
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


" التاريخ يعيد نفسه .. عبارة توّصف الطابع الإجتراري لسيرورتنا التاريخية.. ولكي لا نحبس انفسنا في سجن,التوصيف-الموضوعي - لواقع الحال, فعلينامحاولة الانتقال من التوصيف إلى تفحص الممكنات التي يضمرها واقع الحال,في خطوة تمّهد للتدخل الإرادي, لتغليب ممكن على آخر أو برمجة الممكنات أو..أو..
إلا أن الوعي و هو يخطو هذه الخطوة فعليه أن يضبط إيقاعه على إيقاع عملية التقدم التاريخي,((المحكومه بهاجس تحسين الشرط البشري )) . والا فإنه سيفقد ما يسميه يا سين الحافظ ميزة المطابقة ..أي سيصبح وعيا غير مطابق, لجهة فشله في برمجةالممكنات التي تستنبطها البنية الاقتصادية ... الاجتماعية,بغية التحكم النسبي بسيرورتها..
و التطابق كمفهوم يضّْْْوي على علاقة الانتلجنسيامنتجة الوعي, بالممكنات التي تستولدها حركة الصراع الاجتماعي من جهة ومن جهة التاريخي لديها, أو بمعنى أخر البصيرة التي ترى أبعد مما يراه البصر. فما يراه البصر على سبيل المثال هو حركة الطبقة , أما ما تراه البصيرة فهي تخوم أخرىعلى الحس هذه الحركة...
ما ترجمة هذا الكلام النظري في الحقل السياسي؟.. و تحديدا في مشكلة حّيدت ّطابورا من المشكلات , وجذبت حولها معظم طاقات العمل السياسي للنخب وللجمهور العريض في العالم العربي .. أقصد المشكلة الفلسطينية..
أعود ثانية إلى العبارة الافتتاحية " التاريخ يعيد نفسه " و بادئ ذي بدء أريد أن أذكر بهذه الحقيقة البسيطة, أن التاريخ عندما يعيد نفسه فهو يفعل ذلك تحت ضغط الفشل في تحفيظ الدرس لتلاميذه ...تماما كما المعلم: عندما يكتشف في اليوم الثاني و الثالث و الرابع.. الخ.. أن تلاميذه لم يستوعبوا الدرس فإنه يضطر لاجتراره أمامهم مثنى و ثلاث و رباع ...
لقد انقسمت الأنتلجنسيا العربية جارة وراءها الفئات و الشرائح المتراتبه في اطار بنية ٌاقتصادية – اجتماعية تعاني مخاض التحول المتأخر الى الراسماليه,حول اساليب ادارة الصراع الاكثر جدوى مع المشروع الصهيوني لغزو فلسطين بعد تحوله إلى حقيقة سياسية اجتماعية تمثلت بقيام دولة إسرائيل عام/1948/ .. فقد مالت النظم السياسية العربية القائمة آنذاك- وهي نظم تمثل في هويتها الاجتماعية هيمنة التحالف بين البرجوازية الناشئة و كبار ملاك الأرض- إلى التسوية عند نقطة تقع بين ما تمخضت عنه الحرب بعد توقيع اتفاقيات رودس , وقرار التقسيم /194 /الذي أعطى الفلسطينيين مساحة أكبر ..إن هذا الميل- وهو بالمناسبة ممكن كانت تضمره حركة الصراع العربي- الإسرائيلي الذي اندلع بشكل رسمي بعد قرار بريطانيا بإنهاء انتدابها على فلسطين في 15 /5 /1948 /إلا أن ممكنات أخرى كانت تستبطنها حركة الصراع في تعشق هذا الأخير, مع الصراع الاجتماعي الذي اندلع في نفس التوقيت في معظم دول الطوق, على خلفية انحباس عملية الرسملة داخل المدن, بتأثير من إشكالية ولّّّدها الطابع الإقطاعي لتملك الأرض. أي بتعبير ثان: إن النظام السياسي العربي- الذي يعكس تحالف البرجوازية ـ كبار ملاك الأرض - كان في منتصف القرن الماضي ,يتلقى الضغط من مجنبتيه : المشكلة الفلسطينية ,والإصلاح الزراعي . أي بمعنىثالث,إن الضغط الخارجي الذي مثل تحدي قيام دولة إسرائيل للنظام العربي قد تزامن مع ضغط داخلي مّثلته أزمة انحباس الرأسمالية داخل المدن على خلفية العجز عن حل مسألة الطابع الإقطاعي لتملك الأرض ..
الآن لنتفحص دور الأنتلجنيسيا العربية ,أي لنتفحص دور الوعي الذي تنتجه هذه الأنتلجنيسيا, وتضعه في خدمة الفئات والشرائح الاجتماعية, لتمارس على ضوئه اصطفافاتها, وترتب راياتها وشعاراتها, وتغزل مطامحها وأحلامها ...
لقد أدى كما قلنا, انحباس عملية الرسملة داخل المدن إلى أزمة اقتصادية ـاجتماعية تمثلت في إغراق الريف للمدينة بطوفان اليد العاملة الهاربة من العمل في الزراعة تحت شروط نمط الإنتاج الإقطاعي ,إلى عمل يشكل في تصورها قفزة في الشروط الإنسانية .أقصد العمل المأجور في إطار نمط الإنتاج الرأسمالي .أي أننا كنا نشهد في منتصف القرن الماضي نزوحا لليد العاملة من نمط الإنتاج الإقطاعي إلى نمط الإنتاج الرأسمالي داخل سياج الدولة المسيطر عليها سياسيا من قبل تحالف ممثلي نمطي الإنتاج.. و هي حالة تساكن سياسي مؤقته لانعدمها في كثيرمن حالات التحول المتأخرالىالرأسماليه ..
وأميل الآن إلى التفسير التالي : إن نمط الإنتاج الذي هيمن تاريخيا في المنطقة هو نمط الإنتاج الخراجي .. والجوهري في هذا النمط هو الملكية العامة للأرض وسيلة الإنتاج الرئيسية ..
إن الضغط الذي مارسته الرأسمالية الأوروبية على العالم العربي ـ الإسلامي عشية تحولها إلى إمبريالية ,كان يترجم نفسه أولا في حقل الملكية الخاصة للأرض ..ولذلك فإن الإصلاحات العثمانية التي باشرتها السلطنة تحت ضغط المركز الإمبريالي-الاوربي - تمثلت بشكل رئيسي في إطار مراسيم الطابو التي كان يصدرها السلطان العثماني ..
إن المعنى التاريخي لهذا التحول في شكل ملكية الأرض ,هو أن المنطقة كانت تشهد تحولا متراكبا من نمط الإنتاج الخراجي إلى الإقطاعي إلى الرأسمالي في غضون قرن من الزمن ...لقد ترك هذا الطابع الخاص للتحول البنيوي ميسمه على الهوية الإجتماعية للطبقة الرأسمالية الوليدة بحيث اختلط فيها ملاك الأرض الكبار-الذين لم يمض على تملكهم للأرض بضعة عقود من السنين -بالوكلاء التجاريين للسلع الرأسمالية, وبأجنة صناعية تكونت في المناخ المؤاتي الذي ساد بين الحربين الكونيتين.. إن هذا الخليط الذي صاغ التحالف الاجتماعي للمشروع الليبرالي -العربي الذي هيمن علىالمنطقة عقب انتهاء المرحلة الكولنيالية, قد تواجه "ممكنه "بممكن آخر تولد على هامش حالة الاستعصاء التي دخلتها علاقات الإنتاج الرأسمالية المنوه عنها سابقا ..كان الممكن الثاني المنافس هو الذي وّلدته الأزمة الاقتصادية- الاجتماعية المنوه عنها سابقا, مضافا إليها تصاعد اشتعال المفاعيل العاطفية و الوجدانية المتولدة على هامش الهزيمة التي عانت منها المؤسسة العسكرية العربية ...
إذا..و باختصار كان هناك ممكنان تستنبطهما البنية الاقتصادية- الاجتماعية المتفاعلة مع تحد خارجي تمثل آنذاك بشكل رئيسي بالتحدي الإسرائيلي ..
لنتفحص الآن الوعي الذي تنتجه الأنتلجنيسيا لتغليب ممكن على آخر تحت ضوء هذا السؤال :هل هي وهي تفعل ذلك تستشف ببصيرتها التخوم الاكثر اتساعا التي يمكن أن يفضي اليهاكل ممكن من الممكنين؟ ..و بالتالي و على ضوء ذلك هل الوعي الذي غّلب ممكنا على آخر كان مطابقا على حد تعبير ياسين الحافظ ؟ ..لنقرأفي التجربه :
ّّمثل التحول إلى نمط الإنتاج الرأسمالي- على تعثره و العقبات التي واجهته وهي في معظمها من طبيعة التحول المتأخر إلى الرأسمالية"و المكان لا يتسع للتفصيل في شأنها" -خيارا تاريخيا لا نكوص عنه. و لقد قيض للحامل الاجتماعي لهذا المشروع- و هو في الحالة العربية تحالف البرجوازية / ملاك الأرض- صياغة مشروعه في السياسة- بعد تسلمه السلطة في نهاية الحقبة الكولنيالية – وهي صيغة متفاوتة من الليبرالية بتفاوت الأوضاع العربية /جمهورية ليبرالية في سورية..لبنان / ملكية دستورية في العراق .. مصر.. الخ .وكانت التخوم التاريخية لهذا الخيار هي التخوم المفتوحة حتى الآن لنمط الإنتاج الرأسمالي ..
وكان ميل النظام السياسي العربي في مرحلته الليبرالية إلى تسوية مع إسرائيل, هو أحد تعبيرات ميل هذا النظام لفكفكة أزماته بواسطة السياسة ,هربا من الأكلاف الباهظة التي يرتبها خيار العنف على مشروعه للتحديث الرأسمالي للعالم العربي ..
فالعنف يتضخم, فتتضخم مؤسساته إلى المستوى الذي يبتلع فيه بقية مؤسسات المجتمع..كانت هذه المخاوف في خلفية هذا الميل الذي أظهره النظام الليبرالي العربي للتسوية السياسية للمشكلة الفلسطينية ..
وكان الجناح من الأنتلجنيسيا العربية الذي دعم هذا الممكن, قد بدأ يفقد تأثيره
ويضيع صوته تحت ضجيج أيديولوجيا نضالية رافقت كحداء تقدم الممكن الآخر إلى إلى الواجهة في الشطر الأكبر والأهم من العالم العربي ..
كان طه حسين آخر العمالقةمن انتلجنسياعربيه انحازت للخيار الليبرالي و قيض له أن يعيش طويلا في العتمة بعد أن قرر النظام الناصري تنويس الأضواء من حوله كإجراء أكثر رأفة من إجراءات أخرى ..
أما الممكن الآخر والذي انحازت له الأنتلجنيسيا العربية "الحديثه" في معظمهاونّظرت له,فهو الممكن الذي وّلدته أزمة الرأسمالية المتواقته مع هزيمة /1948 /..لنلاحظ أولا: أن الخيار هو وليد أزمة وليس تعبيرا ,عن صعود تاريخي لطبقة مهيمنة بالمعنى الماركسي للهيمنة .أي أن التحالف الطبقي الذي أنجز عملية النكوص عن الليبرالية في السياسة ,وأضاع رأسه وهو يبحث عن صيغة غير رأسمالية في الاقتصاد .. فمن التطور اللارأسمالي إلى الاشتراكية إلى رأسمالية الدولة , ناطحت الانتلجنسياالعربيه"الحديثه"المفاهيم - في رحلة اين منها رحلة ابن بطوطه- ذلك أن ماركس قبل ماينوف عن قرن ونصف القرن شخّص بدقة آليات الانتقال من نمط إنتاج إلى آخر كما يلي :
إن" تشكيلا اجتماعيا معينا لا يزول قط قبل أن تنمو كل القوى الإنتاجية التي يتسع لاحتوائها ,ولا تحل قط محل هذا التشكيل علاقات إنتاج جديدة و متفوقة ما لم تنفتح شروط الوجود المادي لهذه العلاقات في صميم المجتمع القديم نفسه, ومن أجل ذلك لا تطرح الإنسانية على نفسها قط سوى مسائل قادرة على حلها"ماركس إسهام في نقد الاقتصاد السياسي /ص/26 /
ثانيا:إن التخوم الخارجية لهذا الخيار هي حل أزمة الرأسمالية و انحباسها داخل المدينة أي حل المشكلة الزراعية.. و هي بهذا المعنى حّلت مشكلة خلقها تحالف البرجوازية مع ملاك الأرض. هذا التحالف الذي قيد يد البرجوازية لجهة تنفيذ الإصلاح الزراعي .. لنلاحظ أن التخوم الخارجية لهذا الخيار لا تحتل سوى حيز من الفضاء المفتوح حتى الآن لنمط الإنتاج الرأسمالي," الحيز الذي استغرقته عملية تمدد علاقات الإنتاج الرأسمالية إلى الريف"...
ثالثا: أن هذا المزيج المشتعل, و المكون من رأسمالية عاجزة عن استكمال مهامها و ريف يخنق المدينة بيد عاملةهاربه الىالعمل الماجور من فظاظة العمل العيني ,و جيش مجروحة كرامته الوطنية ,هو اللحظة التي لمح لها لينين حين قال :" لا يوجد رجل ثوري بل توجد لحظة ثورية " إن هذه اللحظة هي التي ضللت الإنتلجينسيا العربية و جعلتها تفقد بصيرتها ولا ترى التخوم الضيقة لحركةالاستبدال الطبقي التي نظّرت لها..
رابعا: إن استعمال مؤسسة العنف كوسيلة في مشروع الاستبدال الطبقي قد صبغ كل التجربة بصباغ الدكتاتورية الكالح.. فالأحزاب التي عبّرت سياسيا عن الفئات الاجتماعية التي همشتها عملية الرسملة ,والتي عجزت أو تقاعست عن إدارة الصراع داخل المؤسسات السياسيه التي أتاحها النظام الليبرالي, فنقلت مركز نشاطهاالسياسي الى داخل مؤسسة العنف, تحت ضغط اغراءات الوصول السريع للسلطة - و بصرف النظر عن المرجعية الإيديولوجية للحزب الواصل إلى السلطة هنا أو هناك أكانت الماركسية السوفيتية أم القومية الاشتراكية أم أي كوكتيل إيديولوجي آخر- فإن الحزب الذي استولى على الجيش ليستولي على السلطة, قد فقد بعد قليل سيطرته على نفسه, لمصلحة الجيش.. ليعيد هذا الأخير تركيبه"الحزب" من جديد طاردا كل ما يكون قدعلق به- في إطار تجربته السياسية قبل الصعود للسلطة- من آثار السياسة الحديثة. واشتغل مفهوم الخصوصية كمستودع للمبررات يلجأ إليه هذا الجنرال أو ذاك, هذا الخطاب الأيديولوجي ,أو تلك العصبية الطامحة لدور سياسي.. و باستمرار فإن السلطة المرتقى إليها عن غير صندوق الاقتراع كانت في خلفية تشليح هذا الحزب أو ذاك ما راكمه من إيجابيات التلاقح الثقافي و السياسي مع الغرب المتقدم ..
إن التراجع الذي طرأ على كل شيء في إطار الخيار الذي أفضت إليه تجربة المنطقة للتحول المتأخر إلى الرأسمالية, تحت راية" صغار الكسبة" تتحمل مسئوليته بالدرجة الأولى الأنتلجينسيا التي دعمت بوعيها هذا الخيار و رّجحت كفته.. و هي إذ فعلت ذلك فلوعيها غير المطابق, و لبصيرتها العاجزة عن رؤية التخوم الضيقة التي ينحبس داخلها هذا الخيار. و هي مسؤوليتها ثانيا ,لأن الانتقال المتأخر إلى الرأسمالية كما يلاحظ عبد الله العروي يتم تحت راية الفلاسفة لا راية رجال الأعمال.. و هي لذلك عندما تخطئ في خياراتها فإن من سيدفع الفاتورة هو كامل المجتمع.. و لقد دفع و يدفع حتى الآن العالم العربي فاتورة هذا الدور الذي لعبه المثقفون في عملية التحول السياسي من الليبرالية إلى الاستبداد تحت و هم الحصول السريع على العدالة الاجتماعية ..
خامسا:إن تعليق حل القضية الفلسطينية ريثما يراكم العرب من رباط الخيل ما يكفي لإلحاق هزيمة ساحقة ماحقة بإسرائيل, قد خلق لمشروع التنوير العربي ما يسميه محمد أركون بسيسيولوجيا الفشل .. ذلك أن دعم الغرب لإسرائيل قد أغلق صنابير المثاقفة معه .فتحت ضغط ما نراه دعما غربيا أعمى لإسرائيل ,أعمى بصيرتنا إلى هذا الحد أو ذاك عن رؤية الوجه الآخر للغرب .غرب التنوير والعقلانية والسياسة الحديثة غرب الديمقراطية والقضاء المستقل وحقوق الإنسان .. لقد أطفئت الشموع حول أساطين التنوير ..حتى ماركس المسكين وصل إلينا عبر بوابة الصداقة العربية ـالسوفيتية نصوصا مجففة ومعلبة وتوشك على فقدان صلاحية استخدامها ..
كل ذلك منع ويمنع إعادة تخصيب الأنتلجنيسيا العربية لنفسها, لتصبح اكثر قدرة على امتلاك ما ندعوه بالوعي المطابق, الذي يلتقط الأسئلة الجوهرية ويحاول أن يجيب عليها ,الوعي الذي يستشرف التخوم التي تفضي إليها الجدليات الاجتماعية ـوالسياسية والاقتصادية . يرى الإنحباسات في رحم البنيه الاقتصاديه –الاجتماعيه بواسطة عدة الشغل المعرفيه التي زودتنابها علوم الاجتماع الحديثه وفي مقدمتها الماركسيه..
سادسا:
إن صغار الكسبة مازالوا في الميدان, وقودا لكل الأوهام الأيديولوجية و التلفيقات السياسية- الاجتماعية.. و لازالت الأنتلجينسيا العربية بوعيها غير المطابق تجر خلفها قطعان صغار الكسبة لإنجاز هذه المهمة المستحيلة أو تلك.. فرايات القومية- الاشتراكية التي خفقت نصف قرن فوق الهامات المرفوعة لصغار الكسبة, تريد الا نتلجنسيا المتأسلمة استبدالها برايات الإسلام السياسي .
يتحول من جديد صغار الكسبة إلى وقود هذه الأيديولوجية النضالية التي تعيد إنتاج نفسها بتغيير يافطتها القومية- الاشتراكية بيافطة إسلامية. و يجهد رموز هذه الأيديولوجية النضالية المتجددة لإتقان الرطن بالمصطلحات القرآنيه لقدرتها الاستثنائية على التجييش أو بتعبير أكثر دقة الضحك على الذقون ..
سابعا – لا زالت القضية الفلسطينية قميص عثمان, يرفعه كل طامح الى السلطة في هذا العالم العربي و لاحقا الاسلامي بعد أسلمة القضية الفلسطينية . ولازال الحل معلقا على مصير الحرتقات بين الاسلام السياسي الفلسطيني و منظمة التحرير الفلسطينية, و الحرتقات الأوسع نطاقا بين الأصولية الا سلامية الناهضة و أنظمة الاستبداد في هذا العالم العربي و الإسلامي الممسوك جيدا من قبل سسيولوجية الفشل ..
ثامنا – الأزمة الاقتصادية- الاجتماعية التي بدأت تعانيها أنظمة رأسمالية الدولة المغطاة بمكياج ثقيل من الاشتراكية, على خلفية هذا الضعف المستفحل في قدرة هذه الأخيرة (( الأنظمة )) على الاستمرار في رشوة قاعدتها الاجتماعية للسكوت على فقدان الحرية السياسية .. فالجذر الاقتصادي للاستبداد و الديكتاتورية يكمن في هذه المعادلة البسيطة : إطعام أكبر عدد من الأفواه مقابل منعها من الكلام .. ولذلك فإن القطاع العام الذي انبنى في مجرى استيلاء الدولة على شطر من وسائل الإنتاج الكبرى ,قد جرى إنهاكه في البداية: باليد العاملة الفائضة عن الحاجة, في محاولة لامتصاص جزء من البطالة ,ولاحقا بتشكل بيروقراطية دولة التصقت كعلق على شرايينه وأوردته ,وتقوم ببزل فضل القيمة وجزءا من رأس المال المدور ووضعه في جيوبها..
إن هذا الضعف المتنامي في قدرة الدولة المطعمة على إطعام قاعدتها الاجتماعية ,قد جرت محاولات لعلاجه بالتضخم النقدي, ثم بالتوقف عن امتصاص مزيد من اليد العاملة ..إلا أن المجتمع الذي يتضخم ديموغرافيا بالمعدلات المعروفة عالم ثالثيا دحرج أمامه نموذج الدولة المطعمة إلى النقطة التي تتقاطع عندها خطوط الأزمة الاقتصادية والأيديولوجية والسياسية ..
إن الإدارة البيروقراطية لوسائل الإنتاج, والأيديولوجية القومية ـ الاشتراكية والديكتاتورية أصبحت في مهب رياح التغيير .إلا أن الأزمة الجديدة هي تماما كالأزمة القديمة قبل نصف قرن "ليست أزمة نمط الإنتاج بل أزمة فيه "بمعنى أن تطور القوى المنتجة لازالت علاقات الانتاج الرأسمالية لا تشكل قيدا حقيقيا على هذا التطور . من هنا فإن ما نتوقعه هواندماج تدريجي لشكلي تراكم رأس المال :
المتراكم عبر السوق والمتراكم عبر آليات شفط القطاع العام .أي بمعنى آخر إن برجوازية السوق وبرجوازية الدولة ستطوي بالتدريج صفحة خلافاتها على خلفية حاجة الثانية أي برجوازية الدولة إلى فك أزمة تطور القوى المنتجة في إطار علاقات الإنتاج الرأسمالية وليس خارجها قطعا .. ولذلك فإن التعددية الاقتصادية الذي هو مشروع برجوازية الدولة لفك الأزمة يواجه بمشروع التعددية السياسية شرطا ترفعه برجوازية السوق للدخول في شراكة اقتصادية ..
من هنا فإن الليبرالية الموؤدة قبل نصف قرن سيجري إعادة إنتاجها في مجرى هذه المساومة الاقتصادية ـ السياسية بين جناحي البرجوازية ..
تاسعا :يجري كل ذلك في سياق ذي طابع كوني هو سياق العولمة . فانتقال توسع نمط الإنتاج الرأسمالي من دائرة التبادل, إلى دائرة الإنتاج يخلق تبدلا في المناخ السائد في المحيط.والطابع الكومبرادوري الغالب على برجوازية المحيط هو لتوسع نمط الإنتاج الرأسمالي في إطار دائرة التبادل. فما يحتاجه ا لمركز الرأسمالي"الامبريالي" هو وكلاء تجاريين لتسويق السلع المصنعة في المركز طيلة مرحلة التوسع في دائرة التبادل. أما ما سيفضي إليه التوسع في دائرة الإنتاج فهوغلبة تدريجية للجناح الصناعي في برجوازية المحيط .. هذا ما شهدناه بدء" من الثمانينات في جنوب شرق آسيا و أمريكا اللاتينية, و هذا ما نشهده في العالم العربي , و أصقاع أخرى من المعمورة ..
عاشرا – تراكْمْ هذه العملية (( توسع نمط الإنتاج الرأسمالي )) على جانبي الطريق مزيدا من الفئات المهمشة . و يأخذ التهميش في المناطق الأكثر تخلفا من الكرة الأرضية طابعا عرقيا أو قوميا أو دينيا .. بمعنى أن مجتمعات تكونت حول عصبية ما بكاملها عرضة للتهميش " إلا أن كل محاولات الرجعية لوقف التطور البرجوازي ستتحطم على هذه القاعدة بدرجة من اليقينة تعادل يقينية تحطم كل غضبة أخلاقية أو تحطم كل نداءات الديمقراطيين الحماسية .. لن تكون ثورة جديدة ممكنة إلا على أثر أزمة جديدة . إلا أن الثورة مؤكدة كتلك الأزمة"..
ماركس- إسهام في نقد الاقتصاد و السياسة ص-6 – طبعة وزارة الثقافة السورية يضيء هذا النص المقتبس من ماركس أية ماركسية جرى تسريبها عبر الفلتر السوفيتي إلي الجناح اليساري من الانتلجنسيا العربية .. و هي ماركسية ايديولوجيه نظّرت لمقولة الثورة الديمقراطية بآفاق اشتراكية .. كان نجاح لينين في وضع ماركسيته الايديولوجيه في الاختبار, في شروط روسيا مطلع القرن الماضي- وهي بالمناسبة شروط تكرر ظهورها في أصقاع أخرى , الصين ,مصر , سورية..إلخ.. على تفاوت مستوى تحويل وسائل الإنتاج إلى ملكية الدولة هنا أو هناك -إن هذا النجاح في خلفية هذا الوهم الأيديولوجي وتعبيراته المتنوعة بخصوص: إمكانية حرق المراحل, ودمج الثورتين الديمقراطية والاشتراكية في ثورة متراكبة , وانتقال حركة الصراع الطبقي المفضي إلى الاشتراكية من المركز الرأسمالي إلى الأطراف ..الخ..الخ .....
لقد فتح لينين بماركسيته الطريق لتحليق المجتمعات فوق شرطها التاريخي والوصول الصاروخي إلى جنة الاشتراكية الموعودة. ولقد ظل هذا الوهم قادرا على الإقناع حتى استطاعت التجارة الدولية أن تنهك ماكينة الاقتصاد السوفيتي وتفلسها ..
حادي عشر:إن انتقال نمط الإنتاج الرأسمالي إلى مرحلة العولمة يستكمل في مجرى البحث الدائم عن الربح في الشروط الجديدة التي خلقتها النضالات المطلبية للحركات و الأحزاب و النقابات داخل المركز الإمبريالي الأوربي – الأمريكي. إن ظاهرة المليار الذهبي هي نتاج حركة الصراع الطبقي داخل المركز الإمبريالي, و يشكل انتقال حركةالتوسع الرأسمالي من دائرةالتبادل إلى دائرة الإنتاج هروبا إلى المحيط, تحت ضغط الأكلاف العالية لإنتاج السلعة في المركز, و ضغوط التلوث البيئي الذي أصبح يحرك قطاعات واسعة من الجماهير الشعبية. و ما الأكلاف العالية لإنتاج السلعة في المركز إلا محصلة للنضالات المطلبية داخل المركز الإمبريالي لجهة تحسين الأجور وتقليص ساعات العمل.. إلخ..
يكشف التبادل في السوق الدولية كيف استطاعت السلع المصنعة في المحيط أن تشق طريقها إلى المركز بواسطة الأكلاف المتدنية التي تتيحها الاجور المتدنية و ساعات العمل الاطول.. إلخ.. في المحيط.
إن حركة الصراع الطبقي بمثابة الوقود الذي يرفع درجة الضغط و الحرارة داخل طنجرة البخارالراسماليه , إلا أن نمط الإنتاج الرأسمالي يستطيع أن يستوعب هذا الضغط بالهرب إلى المحيط على طريقة الأواني المستطرقة. وما انتقاله إلى العولمه إلا تعبيرا عن هذه الإمكانيات المتاحة .
ثاني عشر: إن رفع وتيرة الصراع الطبقي في المحيط سيكون نتيجة للديالكتيك الذي ستطلقه ظاهرة العولمة , ونرى أمام أعيننا كيف يمارس وظيفته في الاصقاع من المحيط التي اجتاحتها ظاهرة العولمة بشكل مبكر
الهند, نمور جنوب شرق آسيا, البرازيل.. إلخ.
إن الجدليات التي ستولدهافي المحيط عولمة الانتاج هي التي سترسم المصائر النهائية لنمط الإنتاج الرأسمالي . و ستتولد كما يقول ماركس " علاقات الإنتاج الجديدة و المتفوقة عندما تتفتح شروط الوجود المادي لهذه العلاقات في صميم المجتمع القديم "
ثالث عشر: يوسع مرض المثقف الألماني دائرة انتشاره على إيقاع توسع نمط الإنتاج الرأسمالي في شروط التأخر.
ملامح هذا المرض كآبة على مدار الوقت, و أعصاب ملتهبة تحت ضغط الإحساس ببطء الزمن , وميل إلى تحميل الإرادة الإنسانية فوق طاقتها , وتورم أهميته لعملية التقدم الاجتماعي يقترب من حافة النبوة , و نقص في الاستقرار النفسي- العقلي بحيث أن مشاريعه تتبدل مع مطلع كل شمس, وانزلاق تدريجي إلى معالجة حركة الواقع المخيبة للآمال بالمراثي.
و أخيرا لكي نسمح للتاريخ أن يقلب الصفحة ,علينا أن نحفظ هذه الأخيرة. و إلا فإنه لن يقلبها. سيظل يذاكرها لنا صابرا كأيوب على بلادتنا, و عطالتنا الذهنية.
هربنا قبل نصف قرن من الليبرالية إلى الاشتراكية, تحت ضغط الأوهام التي وّلدتها عملية المثاقفة مع المعسكر الاشتراكي . ونحاول الهرب منها ثانية تحت ضغط المثاقفة مع تراثنا الإسلامي . ونحن في الحالتين نهرب من الإمساك بالحلقة الموصولة بسلسلة التطور . هذه السلسلة التي اضاءتها شمس الماركسية قبل أن تشوبها الظلال التي وّلدتها المغامرة اللينينية لبناء الاشتراكية .
25/5/2003
ب " بيان من أجل الليبرالية "
التاريخ يعيد نفسه .. عبارة توّصف الطابع الإجتراري لسيرورتنا التاريخية.. ولكي لا نحبس انفسنا في سجن,التوصيف-الموضوعي - لواقع الحال, فعلينامحاولة الانتقال من التوصيف إلى تفحص الممكنات التي يضمرها واقع الحال,في خطوة تمّهد للتدخل الإرادي, لتغليب ممكن على آخر أو برمجة الممكنات أو..أو..
إلا أن الوعي و هو يخطو هذه الخطوة فعليه أن يضبط إيقاعه على إيقاع عملية التقدم التاريخي,((المحكومه بهاجس تحسين الشرط البشري )) . والا فإنه سيفقد ما يسميه يا سين الحافظ ميزة المطابقة ..أي سيصبح وعيا غير مطابق, لجهة فشله في برمجةالممكنات التي تستنبطها البنية الاقتصادية ... الاجتماعية,بغية التحكم النسبي بسيرورتها..
و التطابق كمفهوم يضّْْْوي على علاقة الانتلجنسيامنتجة الوعي, بالممكنات التي تستو لدها حركة الصراع الاجتماعي من جهة ومن جهة التاريخي لديها, أو بمعنى أخر البصيرة التي ترى أبعد مما يراه البصر. فما يراه البصر على سبيل المثال هو حركة الطبقة , أما ما تراه البصيرة فهي تخوم أخرىعلى الحس هذه الحركة...
ما ترجمة هذا الكلام النظري في الحقل السياسي؟.. و تحديدا في مشكلة حّيدت ّطابورا من المشكلات , وجذبت حولها معظم طاقات العمل السياسي للنخب وللجمهور العريض في العالم العربي .. أقصد المشكلة الفلسطينية..
أعود ثانية إلى العبارة الافتتاحية " التاريخ يعيد نفسه " و بادئ ذي بدء أريد أن أذكر بهذه الحقيقة البسيطة, أن التاريخ عندما يعيد نفسه فهو يفعل ذلك تحت ضغط الفشل في تحفيظ الدرس لتلاميذه ...تماما كما المعلم: عندما يكتشف في اليوم الثاني و الثالث و الرابع.. الخ.. أن تلاميذه لم يستوعبوا الدرس فإنه يضطر لاجتراره أمامهم مثنى و ثلاث و رباع ...
لقد انقسمت الأنتلجنسيا العربية جارة وراءها الفئات و الشرائح المتراتبه في اطار بنية ٌاقتصادية – اجتماعية تعاني مخاض التحول المتأخر الى الراسماليه,حول اساليب ادارة الصراع الاكثر جدوى مع المشروع الصهيوني لغزو فلسطين بعد تحوله إلى حقيقة سياسية اجتماعية تمثلت بقيام دولة إسرائيل عام/1948/ .. فقد مالت النظم السياسية العربية القائمة آنذاك- وهي نظم تمثل في هويتها الاجتماعية هيمنة التحالف بين البرجوازية الناشئة و كبار ملاك الأرض- إلى التسوية عند نقطة تقع بين ما تمخضت عنه الحرب بعد توقيع اتفاقيات رودس , وقرار التقسيم /194 /الذي أعطى الفلسطينيين مساحة أكبر ..إن هذا الميل- وهو بالمناسبة ممكن كانت تضمره حركة الصراع العربي- الإسرائيلي الذي اندلع بشكل رسمي بعد قرار بريطانيا بإنهاء انتدابها على فلسطين في 15 /5 /1948 /إلا أن ممكنات أخرى كانت تستبطنها حركة الصراع في تعشق هذا الأخير, مع الصراع الاجتماعي الذي اندلع في نفس التوقيت في معظم دول الطوق, على خلفية انحباس عملية الرسملة داخل المدن, بتأثير من إشكالية ولّّّدها الطابع الإقطاعي لتملك الأرض. أي بتعبير ثان: إن النظام السياسي العربي- الذي يعكس تحالف البرجوازية ـ كبار ملاك الأرض - كان في منتصف القرن الماضي ,يتلقى الضغط من مجنبتيه : المشكلة الفلسطينية ,والإصلاح الزراعي . أي بمعنىثالث,إن الضغط الخارجي الذي مثل تحدي قيام دولة إسرائيل للنظام العربي قد تزامن مع ضغط داخلي مّثلته أزمة انحباس الرأسمالية داخل المدن على خلفية العجز عن حل مسألة الطابع الإقطاعي لتملك الأرض ..
الآن لنتفحص دور الأنتلجنيسيا العربية ,أي لنتفحص دور الوعي الذي تنتجه هذه الأنتلجنيسيا, وتضعه في خدمة الفئات والشرائح الاجتماعية, لتمارس على ضوئه اصطفافاتها, وترتب راياتها وشعاراتها, وتغزل مطامحها وأحلامها ...
لقد أدى كما قلنا, انحباس عملية الرسملة داخل المدن إلى أزمة اقتصادية ـاجتماعية تمثلت في إغراق الريف للمدينة بطوفان اليد العاملة الهاربة من العمل في الزراعة تحت شروط نمط الإنتاج الإقطاعي ,إلى عمل يشكل في تصورها قفزة في الشروط الإنسانية .أقصد العمل المأجور في إطار نمط الإنتاج الرأسمالي .أي أننا كنا نشهد في منتصف القرن الماضي نزوحا لليد العاملة من نمط الإنتاج الإقطاعي إلى نمط الإنتاج الرأسمالي داخل سياج الدولة المسيطر عليها سياسيا من قبل تحالف ممثلي نمطي الإنتاج.. و هي حالة تساكن سياسي مؤقته لانعدمها في كثيرمن حالات التحول المتأخرالىالرأسماليه ..
وأميل الآن إلى التفسير التالي : إن نمط الإنتاج الذي هيمن تاريخيا في المنطقة هو نمط الإنتاج الخراجي .. والجوهري في هذا النمط هو الملكية العامة للأرض وسيلة الإنتاج الرئيسية ..
إن الضغط الذي مارسته الرأسمالية الأوروبية على العالم العربي ـ الإسلامي عشية تحولها إلى إمبريالية ,كان يترجم نفسه أولا في حقل الملكية الخاصة للأرض ..ولذلك فإن الإصلاحات العثمانية التي باشرتها السلطنة تحت ضغط المركز الإمبريالي-الاوربي - تمثلت بشكل رئيسي في إطار مراسيم الطابو التي كان يصدرها السلطان العثماني ..
إن المعنى التاريخي لهذا التحول في شكل ملكية الأرض ,هو أن المنطقة كانت تشهد تحولا متراكبا من نمط الإنتاج الخراجي إلى الإقطاعي إلى الرأسمالي في غضون قرن من الزمن ...لقد ترك هذا الطابع الخاص للتحول البنيوي ميسمه على الهوية الإجتماعية للطبقة الرأسمالية الوليدة بحيث اختلط فيها ملاك الأرض الكبار-الذين لم يمض على تملكهم للأرض بضعة عقود من السنين -بالوكلاء التجاريين للسلع الرأسمالية, وبأجنة صناعية تكونت في المناخ المؤاتي الذي ساد بين الحربين الكونيتين.. إن هذا الخليط الذي صاغ التحالف الاجتماعي للمشروع الليبرالي -العربي الذي هيمن علىالمنطقة عقب انتهاء المرحلة الكولنيالية, قد تواجه "ممكنه "بممكن آخر تولد على هامش حالة الاستعصاء التي دخلتها علاقات الإنتاج الرأسمالية المنوه عنها سابقا ..كان الممكن الثاني المنافس هو الذي وّلدته الأزمة الاقتصادية- الاجتماعية المنوه عنها سابقا, مضافا إليها تصاعد اشتعال المفاعيل العاطفية و الوجدانية المتولدة على هامش الهزيمة التي عانت منها المؤسسة العسكرية العربية ...
إذا..و باختصار كان هناك ممكنان تستنبطهما البنية الاقتصادية- الاجتماعية المتفاعلة مع تحد خارجي تمثل آنذاك بشكل رئيسي بالتحدي الإسرائيلي ..
لنتفحص الآن الوعي الذي تنتجه الأنتلجنيسيا لتغليب ممكن على آخر تحت ضوء هذا السؤال :هل هي وهي تفعل ذلك تستشف ببصيرتها التخوم الاكثر اتساعا التي يمكن أن يفضي اليهاكل ممكن من الممكنين؟ ..و بالتالي و على ضوء ذلك هل الوعي الذي غّلب ممكنا على آخر كان مطابقا على حد تعبير ياسين الحافظ ؟ ..لنقرأفي التجربه :
ّّمثل التحول إلى نمط الإنتاج الرأسمالي- على تعثره و العقبات التي واجهته وهي في معظمها من طبيعة التحول المتأخر إلى الرأسمالية"و المكان لا يتسع للتفصيل في شأنها" -خيارا تاريخيا لا نكوص عنه. و لقد قيض للحامل الاجتماعي لهذا المشروع- و هو في الحالة العربية تحالف البرجوازية / ملاك الأرض- صياغة مشروعه في السياسة- بعد تسلمه السلطة في نهاية الحقبة الكولنيالية – وهي صيغة متفاوتة من الليبرالية بتفاوت الأوضاع العربية /جمهورية ليبرالية في سورية..لبنان / ملكية دستورية في العراق .. مصر.. الخ .وكانت التخوم التاريخية لهذا الخيار هي التخوم المفتوحة حتى الآن لنمط الإنتاج الرأسمالي ..
وكان ميل النظام السياسي العربي في مرحلته الليبرالية إلى تسوية مع إسرائيل, هو أحد تعبيرات ميل هذا النظام لفكفكة أزماته بواسطة السياسة ,هربا من الأكلاف الباهظة التي يرتبها خيار العنف على مشروعه للتحديث الرأسمالي للعالم العربي ..
فالعنف يتضخم, فتتضخم مؤسساته إلى المستوى الذي يبتلع فيه بقية مؤسسات المجتمع..كانت هذه المخاوف في خلفية هذا الميل الذي أظهره النظام الليبرالي العربي للتسوية السياسية للمشكلة الفلسطينية ..
وكان الجناح من الأنتلجنيسيا العربية الذي دعم هذا الممكن, قد بدأ يفقد تأثيره
ويضيع صوته تحت ضجيج أيديولوجيا نضالية رافقت كحداء تقدم الممكن الآخر إلى إلى الواجهة في الشطر الأكبر والأهم من العالم العربي ..
كان طه حسين آخر العمالقةمن انتلجنسياعربيه انحازت للخيار الليبرالي و قيض له أن يعيش طويلا في العتمة بعد أن قرر النظام الناصري تنويس الأضواء من حوله كإجراء أكثر رأفة من إجراءات أخرى ..
أما الممكن الآخر والذي انحازت له الأنتلجنيسيا العربية "الحديثه" في معظمهاونّظرت له,فهو الممكن الذي وّلدته أزمة الرأسمالية المتواقته مع هزيمة /1948 /..لنلاحظ أولا: أن الخيار هو وليد أزمة وليس تعبيرا ,عن صعود تاريخي لطبقة مهيمنة بالمعنى الماركسي للهيمنة .أي أن التحالف الطبقي الذي أنجز عملية النكوص عن الليبرالية في السياسة ,وأضاع رأسه وهو يبحث عن صيغة غير رأسمالية في الاقتصاد .. فمن التطور اللارأسمالي إلى الاشتراكية إلى رأسمالية الدولة , ناطحت الانتلجنسياالعربيه"الحديثه"المفاهيم - في رحلة اين منها رحلة ابن بطوطه- ذلك أن ماركس قبل ماينوف عن قرن ونصف القرن شخّص بدقة آليات الانتقال من نمط إنتاج إلى آخر كما يلي :
إن" تشكيلا اجتماعيا معينا لا يزول قط قبل أن تنمو كل القوى الإنتاجية التي يتسع لاحتوائها ,ولا تحل قط محل هذا التشكيل علاقات إنتاج جديدة و متفوقة ما لم تنفتح شروط الوجود المادي لهذه العلاقات في صميم المجتمع القديم نفسه, ومن أجل ذلك لا تطرح الإنسانية على نفسها قط سوى مسائل قادرة على حلها"ماركس إسهام في نقد الاقتصاد السياسي /ص/26 /
ثانيا:إن التخوم الخارجية لهذا الخيار هي حل أزمة الرأسمالية و انحباسها داخل المدينة أي حل المشكلة الزراعية.. و هي بهذا المعنى حّلت مشكلة خلقها تحالف البرجوازية مع ملاك الأرض. هذا التحالف الذي قيد يد البرجوازية لجهة تنفيذ الإصلاح الزراعي .. لنلاحظ أن التخوم الخارجية لهذا الخيار لا تحتل سوى حيز من الفضاء المفتوح حتى الآن لنمط الإنتاج الرأسمالي," الحيز الذي استغرقته عملية تمدد علاقات الإنتاج الرأسمالية إلى الريف"...
ثالثا: أن هذا المزيج المشتعل, و المكون من رأسمالية عاجزة عن استكمال مهامها و ريف يخنق المدينة بيد عاملةهاربه الىالعمل الماجور من فظاظة العمل العيني ,و جيش مجروحة كرامته الوطنية ,هو اللحظة التي لمح لها لينين حين قال :" لا يوجد رجل ثوري بل توجد لحظة ثورية " إن هذه اللحظة هي التي ضللت الإنتلجينسيا العربية و جعلتها تفقد بصيرتها ولا ترى التخوم الضيقة لحركةالاستبدال الطبقي التي نظّرت لها..
رابعا: إن استعمال مؤسسة العنف كوسيلة في مشروع الاستبدال الطبقي قد صبغ كل التجربة بصباغ الدكتاتورية الكالح.. فالأحزاب التي عبّرت سياسيا عن الفئات الاجتماعية التي همشتها عملية الرسملة ,والتي عجزت أو تقاعست عن إدارة الصراع داخل المؤسسات السياسيه التي أتاحها النظام الليبرالي, فنقلت مركز نشاطهاالسياسي الى داخل مؤسسة العنف, تحت ضغط اغراءات الوصول السريع للسلطة - و بصرف النظر عن المرجعية الإيديولوجية للحزب الواصل إلى السلطة هنا أو هناك أكانت الماركسية السوفيتية أم القومية الاشتراكية أم أي كوكتيل إيديولوجي آخر- فإن الحزب الذي استولى على الجيش ليستولي على السلطة, قد فقد بعد قليل سيطرته على نفسه, لمصلحة الجيش.. ليعيد هذا الأخير تركيبه"الحزب" من جديد طاردا كل ما يكون قدعلق به- في إطار تجربته السياسية قبل الصعود للسلطة- من آثار السياسة الحديثة. واشتغل مفهوم الخصوصية كمستودع للمبررات يلجأ إليه هذا الجنرال أو ذاك, هذا الخطاب الأيديولوجي ,أو تلك العصبية الطامحة لدور سياسي.. و باستمرار فإن السلطة المرتقى إليها عن غير صندوق الاقتراع كانت في خلفية تشليح هذا الحزب أو ذاك ما راكمه من إيجابيات التلاقح الثقافي و السياسي مع الغرب المتقدم ..
إن التراجع الذي طرأ على كل شيء في إطار الخيار الذي أفضت إليه تجربة المنطقة للتحول المتأخر إلى الرأسمالية, تحت راية" صغار الكسبة" تتحمل مسئوليته بالدرجة الأولى الأنتلجينسيا التي دعمت بوعيها هذا الخيار و رّجحت كفته.. و هي إذ فعلت ذلك فلوعيها غير المطابق, و لبصيرتها العاجزة عن رؤية التخوم الضيقة التي ينحبس داخلها هذا الخيار. و هي مسؤوليتها ثانيا ,لأن الانتقال المتأخر إلى الرأسمالية كما يلاحظ عبد الله العروي يتم تحت راية الفلاسفة لا راية رجال الأعمال.. و هي لذلك عندما تخطئ في خياراتها فإن من سيدفع الفاتورة هو كامل المجتمع.. و لقد دفع و يدفع حتى الآن العالم العربي فاتورة هذا الدور الذي لعبه المثقفون في عملية التحول السياسي من الليبرالية إلى الاستبداد تحت و هم الحصول السريع على العدالة الاجتماعية ..
خامسا:إن تعليق حل القضية الفلسطينية ريثما يراكم العرب من رباط الخيل ما يكفي لإلحاق هزيمة ساحقة ماحقة بإسرائيل, قد خلق لمشروع التنوير العربي ما يسميه محمد أركون بسيسيولوجيا الفشل .. ذلك أن دعم الغرب لإسرائيل قد أغلق صنابير المثاقفة معه .فتحت ضغط ما نراه دعما غربيا أعمى لإسرائيل ,أعمى بصيرتنا إلى هذا الحد أو ذاك عن رؤية الوجه الآخر للغرب .غرب التنوير والعقلانية والسياسة الحديثة غرب الديمقراطية والقضاء المستقل وحقوق الإنسان .. لقد أطفئت الشموع حول أساطين التنوير ..حتى ماركس المسكين وصل إلينا عبر بوابة الصداقة العربية ـالسوفيتية نصوصا مجففة ومعلبة وتوشك على فقدان صلاحية استخدامها ..
كل ذلك منع ويمنع إعادة تخصيب الأنتلجنيسيا العربية لنفسها, لتصبح اكثر قدرة على امتلاك ما ندعوه بالوعي المطابق, الذي يلتقط الأسئلة الجوهرية ويحاول أن يجيب عليها ,الوعي الذي يستشرف التخوم التي تفضي إليها الجدليات الاجتماعية ـوالسياسية والاقتصادية . يرى الإنحباسات في رحم البنيه الاقتصاديه –الاجتماعيه بواسطة عدة الشغل المعرفيه التي زودتنابها علوم الاجتماع الحديثه وفي مقدمتها الماركسيه..
سادسا:
إن صغار الكسبة مازالوا في الميدان, وقودا لكل الأوهام الأيديولوجية و التلفيقات السياسية- الاجتماعية.. و لازالت الأنتلجينسيا العربية بوعيها غير المطابق تجر خلفها قطعان صغار الكسبة لإنجاز هذه المهمة المستحيلة أو تلك.. فرايات القومية- الاشتراكية التي خفقت نصف قرن فوق الهامات المرفوعة لصغار الكسبة, تريد الا نتلجنسيا المتأسلمة استبدالها برايات الإسلام السياسي .
يتحول من جديد صغار الكسبة إلى وقود هذه الأيديولوجية النضالية التي تعيد إنتاج نفسها بتغيير يافطتها القومية- الاشتراكية بيافطة إسلامية. و يجهد رموز هذه الأيديولوجية النضالية المتجددة لإتقان الرطن بالمصطلحات القرآنيه لقدرتها الاستثنائية على التجييش أو بتعبير أكثر دقة الضحك على الذقون ..
سابعا – لا زالت القضية الفلسطينية قميص عثمان, يرفعه كل طامح الى السلطة في هذا العالم العربي و لاحقا الاسلامي بعد أسلمة القضية الفلسطينية . ولازال الحل معلقا على مصير الحرتقات بين الاسلام السياسي الفلسطيني و منظمة التحرير الفلسطينية, و الحرتقات الأوسع نطاقا بين الأصولية الا سلامية الناهضة و أنظمة الاستبداد في هذا العالم العربي و الإسلامي الممسوك جيدا من قبل سسيولوجية الفشل ..
ثامنا – الأزمة الاقتصادية- الاجتماعية التي بدأت تعانيها أنظمة رأسمالية الدولة المغطاة بمكياج ثقيل من الاشتراكية, على خلفية هذا الضعف المستفحل في قدرة هذه الأخيرة (( الأنظمة )) على الاستمرار في رشوة قاعدتها الاجتماعية للسكوت على فقدان الحرية السياسية .. فالجذر الاقتصادي للاستبداد و الديكتاتورية يكمن في هذه المعادلة البسيطة : إطعام أكبر عدد من الأفواه مقابل منعها من الكلام .. ولذلك فإن القطاع العام الذي انبنى في مجرى استيلاء الدولة على شطر من وسائل الإنتاج الكبرى ,قد جرى إنهاكه في البداية: باليد العاملة الفائضة عن الحاجة, في محاولة لامتصاص جزء من البطالة ,ولاحقا بتشكل بيروقراطية دولة التصقت كعلق على شرايينه وأوردته ,وتقوم ببزل فضل القيمة وجزءا من رأس المال المدور ووضعه في جيوبها..
إن هذا الضعف المتنامي في قدرة الدولة المطعمة على إطعام قاعدتها الاجتماعية ,قد جرت محاولات لعلاجه بالتضخم النقدي, ثم بالتوقف عن امتصاص مزيد من اليد العاملة ..إلا أن المجتمع الذي يتضخم ديموغرافيا بالمعدلات المعروفة عالم ثالثيا دحرج أمامه نموذج الدولة المطعمة إلى النقطة التي تتقاطع عندها خطوط الأزمة الاقتصادية والأيديولوجية والسياسية ..
إن الإدارة البيروقراطية لوسائل الإنتاج, والأيديولوجية القومية ـ الاشتراكية والديكتاتورية أصبحت في مهب رياح التغيير .إلا أن الأزمة الجديدة هي تماما كالأزمة القديمة قبل نصف قرن "ليست أزمة نمط الإنتاج بل أزمة فيه "بمعنى أن تطور القوى المنتجة لازالت علاقات الانتاج الرأسمالية لا تشكل قيدا حقيقيا على هذا التطور . من هنا فإن ما نتوقعه هواندماج تدريجي لشكلي تراكم رأس المال :
المتراكم عبر السوق والمتراكم عبر آليات شفط القطاع العام .أي بمعنى آخر إن برجوازية السوق وبرجوازية الدولة ستطوي بالتدريج صفحة خلافاتها على خلفية حاجة الثانية أي برجوازية الدولة إلى فك أزمة تطور القوى المنتجة في إطار علاقات الإنتاج الرأسمالية وليس خارجها قطعا .. ولذلك فإن التعددية الاقتصادية الذي هو مشروع برجوازية الدولة لفك الأزمة يواجه بمشروع التعددية السياسية شرطا ترفعه برجوازية السوق للدخول في شراكة اقتصادية ..
من هنا فإن الليبرالية الموؤدة قبل نصف قرن سيجري إعادة إنتاجها في مجرى هذه المساومة الاقتصادية ـ السياسية بين جناحي البرجوازية ..
تاسعا :يجري كل ذلك في سياق ذي طابع كوني هو سياق العولمة . فانتقال توسع نمط الإنتاج الرأسمالي من دائرة التبادل, إلى دائرة الإنتاج يخلق تبدلا في المناخ السائد في المحيط.والطابع الكومبرادوري الغالب على برجوازية المحيط هو لتوسع نمط الإنتاج الرأسمالي في إطار دائرة التبادل. فما يحتاجه ا لمركز الرأسمالي"الامبريالي" هو وكلاء تجاريين لتسويق السلع المصنعة في المركز طيلة مرحلة التوسع في دائرة التبادل. أما ما سيفضي إليه التوسع في دائرة الإنتاج فهوغلبة تدريجية للجناح الصناعي في برجوازية المحيط .. هذا ما شهدناه بدء" من الثمانينات في جنوب شرق آسيا و أمريكا اللاتينية, و هذا ما نشهده في العالم العربي , و أصقاع أخرى من المعمورة ..
عاشرا – تراكْمْ هذه العملية (( توسع نمط الإنتاج الرأسمالي )) على جانبي الطريق مزيدا من الفئات المهمشة . و يأخذ التهميش في المناطق الأكثر تخلفا من الكرة الأرضية طابعا عرقيا أو قوميا أو دينيا .. بمعنى أن مجتمعات تكونت حول عصبية ما بكاملها عرضة للتهميش " إلا أن كل محاولات الرجعية لوقف التطور البرجوازي ستتحطم على هذه القاعدة بدرجة من اليقينة تعادل يقينية تحطم كل غضبة أخلاقية أو تحطم كل نداءات الديمقراطيين الحماسية .. لن تكون ثورة جديدة ممكنة إلا على أثر أزمة جديدة . إلا أن الثورة مؤكدة كتلك الأزمة"..
ماركس- إسهام في نقد الاقتصاد و السياسة ص-6 – طبعة وزارة الثقافة السورية يضيء هذا النص المقتبس من ماركس أية ماركسية جرى تسريبها عبر الفلتر السوفيتي إلي الجناح اليساري من الانتلجنسيا العربية .. و هي ماركسية ايديولوجيه نظّرت لمقولة الثورة الديمقراطية بآفاق اشتراكية .. كان نجاح لينين في وضع ماركسيته الايديولوجيه في الاختبار, في شروط روسيا مطلع القرن الماضي- وهي بالمناسبة شروط تكرر ظهورها في أصقاع أخرى , الصين ,مصر , سورية..إلخ.. على تفاوت مستوى تحويل وسائل الإنتاج إلى ملكية الدولة هنا أو هناك -إن هذا النجاح في خلفية هذا الوهم الأيديولوجي وتعبيراته المتنوعة بخصوص: إمكانية حرق المراحل, ودمج الثورتين الديمقراطية والاشتراكية في ثورة متراكبة , وانتقال حركة الصراع الطبقي المفضي إلى الاشتراكية من المركز الرأسمالي إلى الأطراف ..الخ..الخ .....
لقد فتح لينين بماركسيته الطريق لتحليق المجتمعات فوق شرطها التاريخي والوصول الصاروخي إلى جنة الاشتراكية الموعودة. ولقد ظل هذا الوهم قادرا على الإقناع حتى استطاعت التجارة الدولية أن تنهك ماكينة الاقتصاد السوفيتي وتفلسها ..
حادي عشر:إن انتقال نمط الإنتاج الرأسمالي إلى مرحلة العولمة يستكمل في مجرى البحث الدائم عن الربح في الشروط الجديدة التي خلقتها النضالات المطلبية للحركات و الأحزاب و النقابات داخل المركز الإمبريالي الأوربي – الأمريكي. إن ظاهرة المليار الذهبي هي نتاج حركة الصراع الطبقي داخل المركز الإمبريالي, و يشكل انتقال حركةالتوسع الرأسمالي من دائرةالتبادل إلى دائرة الإنتاج هروبا إلى المحيط, تحت ضغط الأكلاف العالية لإنتاج السلعة في المركز, و ضغوط التلوث البيئي الذي أصبح يحرك قطاعات واسعة من الجماهير الشعبية. و ما الأكلاف العالية لإنتاج السلعة في المركز إلا محصلة للنضالات المطلبية داخل المركز الإمبريالي لجهة تحسين الأجور وتقليص ساعات العمل.. إلخ..
يكشف التبادل في السوق الدولية كيف استطاعت السلع المصنعة في المحيط أن تشق طريقها إلى المركز بواسطة الأكلاف المتدنية التي تتيحها الاجور المتدنية و ساعات العمل الاطول.. إلخ.. في المحيط.
إن حركة الصراع الطبقي بمثابة الوقود الذي يرفع درجة الضغط و الحرارة داخل طنجرة البخارالراسماليه , إلا أن نمط الإنتاج الرأسمالي يستطيع أن يستوعب هذا الضغط بالهرب إلى المحيط على طريقة الأواني المستطرقة. وما انتقاله إلى العولمه إلا تعبيرا عن هذه الإمكانيات المتاحة .
ثاني عشر: إن رفع وتيرة الصراع الطبقي في المحيط سيكون نتيجة للديالكتيك الذي ستطلقه ظاهرة العولمة , ونرى أمام أعيننا كيف يمارس وظيفته في الاصقاع من المحيط التي اجتاحتها ظاهرة العولمة بشكل مبكر
الهند, نمور جنوب شرق آسيا, البرازيل.. إلخ.
إن الجدليات التي ستولدهافي المحيط عولمة الانتاج هي التي سترسم المصائر النهائية لنمط الإنتاج الرأسمالي . و ستتولد كما يقول ماركس " علاقات الإنتاج الجديدة و المتفوقة عندما تتفتح شروط الوجود المادي لهذه العلاقات في صميم المجتمع القديم "
ثالث عشر: يوسع مرض المثقف الألماني دائرة انتشاره على إيقاع توسع نمط الإنتاج الرأسمالي في شروط التأخر.
ملامح هذا المرض كآبة على مدار الوقت, و أعصاب ملتهبة تحت ضغط الإحساس ببطء الزمن , وميل إلى تحميل الإرادة الإنسانية فوق طاقتها , وتورم أهميته لعملية التقدم الاجتماعي يقترب من حافة النبوة , و نقص في الاستقرار النفسي- العقلي بحيث أن مشاريعه تتبدل مع مطلع كل شمس, وانزلاق تدريجي إلى معالجة حركة الواقع المخيبة للآمال بالمراثي.
و أخيرا لكي نسمح للتاريخ أن يقلب الصفحة ,علينا أن نحفظ هذه الأخيرة. و إلا فإنه لن يقلبها. سيظل يذاكرها لنا صابرا كأيوب على بلادتنا, و عطالتنا الذهنية.
هربنا قبل نصف قرن من الليبرالية إلى الاشتراكية, تحت ضغط الأوهام التي وّلدتها عملية المثاقفة مع المعسكر الاشتراكي . ونحاول الهرب منها ثانية تحت ضغط المثاقفة مع تراثنا الإسلامي . ونحن في الحالتين نهرب من الإمساك بالحلقة الموصولة بسلسلة التطور . هذه السلسلة التي اضاءتها شمس الماركسية قبل أن تشوبها الظلال التي وّلدتها المغامرة اللينينية لبناء الاشتراكية .
25/5/2003
ب قلم : سامي عباس



#سامي_العباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الماركسيه في الاستخدام
- أزمة الرأسمالية ثانية
- ملاحظات حول مسودة الورقة السياسية للجنة الوطنية لوحدة الشيوع ...
- أزمة اليسار السوري – محاولة للرؤية


المزيد.....




- فرنسا: الجمعية الوطنية تصادق على قانون يمنع التمييز على أساس ...
- مقتل 45 شخصا على الأقل في سقوط حافلة من على جسر في جنوب إفري ...
- جنرال أمريكي يوضح سبب عدم تزويد إسرائيل بكل الأسلحة التي طلب ...
- شاهد: إفطار مجاني للصائمين في طهران خلال شهر رمضان
- لافروف عن سيناريو -بوليتيكو- لعزل روسيا.. -ليحلموا.. ليس في ...
- روسيا تصنع غواصات نووية من جيل جديد
- الدفاع الأمريكية تكشف عن محادثات أولية بشأن تمويل -قوة لحفظ ...
- الجزائر تعلن إجلاء 45 طفلا فلسطينيا و6 جزائريين جرحى عبر مطا ...
- لافروف: الغرب يحاول إقناعنا بعدم ضلوع أوكرانيا في هجوم -كروك ...
- Vivo تكشف عن أحد أفضل الهواتف القابلة للطي (فيديو)


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - سامي العباس - بيان من اجل الليبراليه