أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشيل حنا الحاج - لماذا كانت المنطقة العربية منذ الحرب العالمية الأولى وحتى الآن ، ضحية لمؤامرات وصفقات دولية ، بما فيها صفقة الدبلوماسية السرية الخاصة بالعراق ؟















المزيد.....



لماذا كانت المنطقة العربية منذ الحرب العالمية الأولى وحتى الآن ، ضحية لمؤامرات وصفقات دولية ، بما فيها صفقة الدبلوماسية السرية الخاصة بالعراق ؟


ميشيل حنا الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 4224 - 2013 / 9 / 23 - 22:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي
السؤال الثامن والأربعون: لماذا كانت المنطقة العربية منذ الحرب العالمية الأولى وحتى الآن ، ضحية لمؤامرات وصفقات دولية ، بما فيها صفقة الدبلوماسية السرية الخاصة بالعراق ؟

البداية كانت في عام 1916. ففي ذلك العام، وأثناء قيام الحرب العالمية الأولى التي كانت على أشدها مع ظهور معالم ضعف وانهيار على الدولة العثمانية، اجتمع "مارك سايكس" البريطاني مع "فرانسواز جورج – بيكو" الفرنسي، ليعقدا معا اتفاقهما الشهير الذي عرف باتفاقية "سايكس بيكو"، وهي الاتفاقية التي أدت إلى تقاسم مراكز النفوذ في المنطقة بين بريطانيا وفرنسا. فوضعت سوريا ولبنان تحت النفوذ الفرنسي، كما وضع شرق الأردن وفلسطين تحت النفوذ البريطاني، وهو الاتفاق الذي كرسته رسميا عصبة الأمم المتحدة في عام 1920، إذ وضعت سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، وفلسطين وشرق الأردن، تحت الانتداب البريطاني وبقيت فلسطين تحت الانتداب البريطاني حتى الخامس عشر من أيار 1948 عندما انسحب البريطانيون من فلسطين وأعلنت عندئذ دولة إسرائيل. أما سوريا، فقد منحت بموجب اتفاق خاص بين فرنسا وسوريا، استقلالا شكليا في أيلول 1936 ، وعين هاشم الأتاسي كأول رئيس للجمهورية المستقلة. لكن استقلالها لم يدم طويلا في ذلك الحين، لأن الجمعية الوطنية الفرنسية لم تصادق على ذاك الاتفاق .

وأطل بعد اتفاقية سايكس بيكو الشهيرة ، وعد "بلفور" الصادر في تشرين الثاني عام 1917، وهو الوعد الصادر ممن لا يملك لمن لا يستحق ، كما اعتقد العرب وما زالوا يعتقدون. إذ أن اللورد بلفور، وزير خارجية بريطانيا آنذاك، قد أعطى وعدا للمليونير اليهودي روتشيلد، بإيجاد وطن قومي لليهود على أرض فلسطين ، وهي الأرض التي لم تكن بعد قد تحقق الانتداب البريطاني عليها، إضافة إلى كونها أرضا عربية منذ آلاف السنين، ولم يكن اللورد بلفور يملك حق منح وعد كهذا قبل أو بعد تحقق الانتداب البريطاني . فهي أرض لا تملكها بريطانيا، ولم يكن لها أي حق للتصرف بما لا تملك . .
وخلال هذه المرحلة بالذات، كانت هناك مراسلات يجري تبادلها بين عاهل الحجاز الشريف حسين، وأحد الساسة في وزارة الخارجية البريطانية هو "مكماهون" الذي أعطى من خلال رسائل متبادلة بينه وبين الشريف حسين، وعودا بمنح الاستقلال للحجاز والعراق وبلاد الشام إذا ما بدأت شعوب المنطقة بثورة مسلحة ضد الوجود العثماني في منطقتهم. ونفذ العرب تعهدهم ذاك، فانطلقوا في ثورة مسلحة ضد الأتراك قاد بعض معاركها "لورنس" الملقب بلورنس العرب. لكن البريطانيين لم ينفذوا كامل وعودهم التي منحوها للشريف حسين ، وذلك خلافا لموقفهم من الوعد الذي أطلقه "بلفور" لليهود، والذي نفذ بشكل فاق حدود الوعد بل حدود كل التوقعات.

صحيح أن الأمير (حينئذ) عبد الله بن الحسين، قد أنشأ إمارة في شرقي الأردن حصلت على استقلالها في عام 1946، كما أنشأ شقيقه الملك فيصل الأول، مملكة في العراق بعد أن حاول تأسيسها في سوريا. لكن فرنسا صاحبة الانتداب في سوريا، تصدت له في عام 1920 ، وهزمته في معركة ميسلون الشهيرة التي اضطرته للرحيل عن سوريا والذهاب إلى العراق حيث أسس المملكة الهاشمية.

أما المملكة العربية الكبرى المستقلة التي وعد بها الشريف حسين، والتي كان يفترض بها أن تضم الحجاز والعراق وسوريا الكبرى، فلم تتحقق. إذ ظلت فلسطين تحت الانتداب البريطاني، ومثلها شرقي الأردن، في وقت بقيت فيه سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي. أما العراق، فإنه رغم تأسيس مملكة هاشمية فيه، إلا أنها كانت مملكة خاضعة للنفوذ البريطاني. إذ قامت القوات البريطانية باحتلال العراق في عام 1917 وفرضت عليه انتداب الأمر الواقع، إلى أن حصل على الاستقلال في عام 1932، وانضم رسميا إلى عصبة الأمم، مع ارتباطه بمعاهدات وأحلاف عسكرية مع بريطانيا، كان آخرها حلف بغداد الذي سقط بانقلاب الرابع عشر من تموز عام 1958.

أما شبه الجزيرة العربية، فقد خضعت أجزاء منها للنفوذ البريطاني، وظلت الكثير من إماراتها كالكويت والبحرين وقطر تحت ذاك النفوذ حتى الستينات عندما بدت تلك المناطق تحصل على استقلالها رغم كونها إمارات صغيرة . أما في بقية أجزاء شبه الجزيرة العربية، فقد تأسست فيها في الأربعينات المملكة العربية السعودية بقيادة الملك عبد العزيز آل سعود ، في وقت بقي فيه جنوب اليمن تحت السيطرة البريطانية ، مع التخلي عن اليمن التي حظيت باستقلال مبكر أو استقلال الأمر الواقع، نظرا للصعوبات التي واجهتها الإمبراطورية العثمانية في بسط سلطتها على اليمن ، والصعوبات التي توقعت بريطانيا العظمى أن تواجهها أيضا بسبب النظام القبلي السائد هناك، إضافة إلى وعورة المنطقة بجبالها وشعابها المتعددة. وهكذا اكتفت بريطانيا بالتواجد في جنوب اليمن تاركة شمال اليمن لأئمتها .

وكانت قد عقدت مؤتمرات عدة إثر الحرب العالمية الأولى، وكذلك خلال وإثر الحرب العالمية الثانية. فبعد فترة من قيام القوات البريطانية والفرنسية باحتلال اسطنبول في شهر تشرين ثاني 1918 ، عقد مؤتمر Sevres عام 1920 وتم خلاله تقسيم الإمبراطورية العثمانية المنهارة. ولكن بعد قيام الثورة التركية العلمانية بقيادة كمال أتاتورك ، أبرمت معاهدة أخرى خاصة بمستقبل تركيا ، وتلك هي معاهدة لوزان التي عقدت في عام 1923 ووافقت على قرارات عصبة الأمم المتحدة الخاصة بوضع سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي ، ووضع فلسطين وما عرف فيما بعد بشرق الأردن تحت الانتداب البريطاني، مع القبول بالنفوذ البريطاني في العراق وفي جنوب اليمن.

ولكن مع وقوع الحرب العالمية الثانية، عقدت سلسلة من المؤتمرات الدولية حولها وبخصوصها ، كمؤتمر طهران الذي عقد عام 1943 بحضور روزفلت وتشرشل وستالين، ثم مؤتمر يالطا الذي عقد في قصر "ليفاديا" قرب
" يالطا " في الفترة بين 4 و 11 شباط 1945 وحضره أيضا كل من ستالين وروزفيلت وتشرشيل. وإذا كان مؤتمري "سيفر" و "لوزان" إثر الحرب العالمية الأولى، قد عنيا بتوزيع تركة الإمبراطورية العثمانية التي ضمت الكثير من الأراضي العربية، فإن مؤتمرات طهران، ثم مؤتمر يالطا، وبعده مؤتمر بوتسدام الذي عقد في تموز 1945 ، قد عنوا جميعها بإعادة توزيع الأراضي والمناطق الأوروبية. وكما في يالطا، حضر ستالين مؤتمر بوتسدام، في وقت حل فيه هاري ترومان محل روزفيلت في المقعد الأميركي، و"كليمنت أتلي" محل تشرشل في المقعد البريطاني .

ولكن الأمر الأهم الذي وقع بين الحربين العالميتين، فهو اقتطاع جزء من الأراضي العراقية، ثم جزء آخر من الأراضي السورية. ففي عام 1921 قامت وزارة المستعمرات البريطانية، برسم خط في الرمال كما قيل . وبهذا الخط الوهمي الذي سعى لإبقاء العراق بعيدا عن بحر الخليج العربي ، تم إنشاء الموقع الذي سمي فيما بعد بالكويت. ونتيجة لذاك الخط الذي اقتطع جزءا هاما من الأراضي العراقية كما اعتقد العراقيون وبعض الكتاب، ثارت منازعات حدودية بين العراق والكويت أدت إلى حرب عام 1991. إذ ادعى العراق أن الكويت هي جزء من العراق، ورجحت صفحات بعنوان gymmuenchenstein ، ان وزارة المستعمرات البريطانية قد رسمت فعلا خطا في الرمال (المقصود بذلك رمال الصحراء )، وأن العراق برئاسة صدام حسين ، ربما كان على حق في ادعائه بأن الكويت أرض عراقية . ورجح ذلك أيضا عدة كتاب وباحثين من بينهم "ديفيد فرومكين " ، وكذلك الدكتور ديفيد كلاين، الأستاذ في جامعة كاليفورنيا الحكومية . حيث ردد العديد من الكتاب، أن المطالبة بالكويت قد طرحت من قبل رئيس عراقي (قيل ديكتاتور) بعد آخر، أي لم يكن الرئيس صدام حسين هو أول البادئين بالمطالبة بها .

وفي عام 1939، لسبب أو لآخر يظل مجهولا، ضمت الاسكندرون للدولة التركية ، وذلك كما ورد في صفحات الإنساكلوبيديا العالمية. وكانت الإسكندرون لدى توزيع ممتلكات الإمبراطورية العثمانية عام 1920 وذلك في مؤتمر "سيفر"، قد أكدت المدينة (الميناء) كجزء من الأراضي السورية التي وضعت تحت الانتداب الفرنسي . وأكد مؤتمر "لوزان" ذلك ، وهو المؤتمر الذي عقد إثر نجاح كمال أتاتورك بالثورة التي أدت إلى تحويل تركيا إلى دولة علمانية حديثة. ولم يستطع أحد أن يفسر الأسباب الكامنة وراء اقتطاع الإسكندرون التي كانت على الدوام جزءا من سوريا الكبرى تحت الاحتلال العثماني، ثم تحت الانتداب الفرنسي . وقد يمكن التكهن أن السبب وراء ذلك، قد يكون اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939 ( أو استشعار قرب اندلاعها) بين ألمانيا وأوروبا، مما اضطر دول أوروبا وفي مقدمتها فرنسا ، لتقديم الإسكندرون رشوة لتركيا التي كانت حليفة قوية لألمانيا في الحرب العالمية
الأولى، وذلك كي لا تتحالف مجددا معها (أي مع المانيا) ، وكي تبقى في أدنى الحالات، على الحياد في مجريات تلك الحرب الجديدة .

وهكذا دفعت سوريا ثمنا لصفقة جديدة للدبلوماسية السرية ، أو في هذه المرة للدبلوماسية المجهولة والغامضة . إذ خسرت ميناء ومدينة الاسكندرون التي بناها الاسكندر الأكبر في عام 333 قبل الميلاد وسماها Alexandretta نسبة لاسمه. ووقعت المدينة تحت سيطرة العثمانيين في عام 1515 عندما احتلها السلطان سليم الأول، فسميت بعد ذلك بالاسكندرون التي اعتبرت في عام 1920، لدى تقاسم الإمبراطورية العثمانية، جزءا من سوريا الكبرى، لكنها ضمت إلى تركيا العلمانية في عام 1939 (كما سبق وذكرنا )، رغم كون معظم سكانها من العرب، والكثيرون منهم من العلويين، مما اضطر تركيا لنقل العديد من الأتراك إلى الإسكندرون لغاية الإقامة فيها، بغية تغليب شريحة السكان التركية على الشريحة العربية.

لكن جزءا آخر من العالم العربي قد اقتطع أيضا من فلسطين تنفيذا لوعد بلفور، والذي ساهم الانتداب البريطاني في تأسيس وطن قومي لليهود على أراضيها. فقد غضت سلطات الانتداب عن الكم الهائل من المهاجرين اليهود المتدفقين على الأراضي الفلسطينية. كما قامت حكومة الانتداب، في خضم الضجة الكبرى المثارة حول الهولوكست، ونتيجة التآمر تنفيذا لمصالح استرتيجية واقتصادية نفطية، قامت بغض النظر عن تأسيس التجمعات العسكرية التي مارست التدريب على السلاح، بل ويرجح أنها قد ساهمت في تسليحها .

وإذا كان قرار تقسيم فلسطين الصادر في عام 1947 قد منح الفلسطينيين 46 بالمائة من الأراضي الفلسطينية، فإن الفلسطينيين قد باتوا يفاوضون الآن من أجل الحصول على الاستقلال على 22 بالمائة فقط من أراضي فلسطين. كل ذلك نتيجة المؤامرات والصفقات الدولية، وأحيانا العربية، التي ضحت بكل المصالح الفلسطينية في سبيل مصالح أخرى لا يعلم إلا الله كنهها .

ولكن المملكة العربية الكبرى المستقلة التي وعدت بها مراسلات مكماهون، وكذلك الجزء المقتطع من العراق ، او الإسكندرون المقتطعة من سوريا، او ال 78 بالمائة المقتطعة من أراضي فلسطين ... لم تكن هذه كلها الخسائر الوحيدة التي عانى منها العرب ثمرة لصفقات الدبلوماسية السرية التي كان العرب ضحيتها. إذ تحققت أيضا خلال العقود الثلاثة الأخيرة ، صفقتان جديدتان وكانت كل منهما تبدو في أولوياتها لمصلحة العرب، لكنها في نهاياتها تسببت بالضرر للعرب. والمقصود بذلك صفقة الدبلوماسية السرية الخاصة بالعراق عام 1991، والصفقة الخاصة بغزة عام 2005.

وقضية الصفقة الخاصة بغزة، كانت على ما يبدو صفقة بين حركة حماس وأريال شارون، رئيس وزراء إسرائيل. وكانت حركة حماس التي أسسها الشيخ الجليل أحمد ياسين، قد بدت لدى ظهورها كحركة تحرير فلسطينية، تختلف عن باقي حركات التحرير الفلسطينية الأخرى. إذ تميزت بكونها حركة تقوم بعمليات إستشهادية نفذت العديد منها منذ تأسيسها، مما أثار الرعب لدى الإسرائيليين. لكن هذه الحركة التي تأسست في منتصف الثمانينات، تخلت فجأة ومنذ نهايات عام 2003 عن تلك العمليات الاستشهادية التي تميزت بها. وبعد عام ونيف، أعلن فجأة أريال شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي، وبالذات في عام 2005 ، مبادرة حسن نية تمثلت بانسحاب أحادي الجانب ومن طرف واحد ، من قطاع غزة. وبطبيعة الحال رحب الكثيرون بذلك، لكونه حرر أرضا عربية من الاحتلال الاسرائيلي، في وقت ظلت فيه أرض عربية أخرى، هي أراضي الضفة الغربية، تحت الاحتلال وعرضة لمفاوضات مطولة لا يبدو حتى الآن أن لها نهاية . وهكذا بدا الأمر حينئذ أنه انتصار عظيم للفلسطينيين بشكل عام، ولحماس بشكل خاص، ولم يعلم أحد حينئذ، أو يفكر أحد ، بأن حماس قد دفعت ثمنا باهظا لذلك، كما قدر البعض، هو الوعد بالتخلي عن العمليات الانتحارية، وهو الأمر الذي طمأ الإسرائيليين وشجعهم على التباطؤ بعملية السلام الإجمالية، كما زرع إسفينا في العلاقة بين حماس ومنظمة التحرير مع وجود أرض تسيطر عليها حماس بشكل منفرد، مما أدى إلى تفكك الروابط بين المنظمتين، وحول الفلسطينيين ولو لمرحلة ما، إلى جناحين متنازعين. وهكذا تخلص شارون من عبء غزة، ومن مخاطر العمليات الاستشهادية ، كما ضرب إسفينا في العلاقة بين الجناحين الفلسطينيين الرئيسيين ، مما ساعد الإسرائيليين على المماطلة إلى أجل غير مسمى في الوصول إلى حل نهائي للقضية الفلسطينية.

أما بالنسبة للعراق، فقد كانت قوات التحالف، وفي مقدمتها القوات الأميركية، قد استطاعت إخراج القوات العراقية من الكويت مع نهايات شهر شباط 1991، وبدأت تلاحقها داخل القطر. ولكن منذ الرابع والعشرين من شباط ، بدأت طائرات الأواكس والأقمار الصناعية الأميركية ، ترصد تسلل أعدادا كبيرة من حرس الثورة الإيرانية إلى داخل العراق وانضمام أعداد أخرى من المسلحين العراقيين الشيعة اليهم . كما لاحظت أن أولئك المقاتلين قد سيطروا على مدينة البصرة عاصمة الجنوب العراقي معلنين الجمهورية الإسلامية فيها، كما ذكر جون سيمسون مراسل قناة "بي بي سي" في كتابه، وذلك في وقت بدأ فيه مقاتلون آخرون في الزحف نحو الداخل العراقي. وهنا أسقط في يد الرئيس جورج بوش الأب، إذ كانت الولايات المتحدة قد استدرجت العراق وإيران لحرب استنزاف بدأت في عام 1980 ولم تنته إلا في عام 1988. وكان الغرض من تلك الحرب، هو منع إيران من التوسع نحو دول الخليج أو نحو العراق أيضا . ولذا قدر الرئيس بوش على عجل، أن ما حاولت أميركا تفاديه على مدى سنوات ، قد بات قابلا للتحقق إذا استطاع أولئك المقاتلون الإيرانيون وحلفاؤهم من العراقيين الشيعة، الوصول إلى بغداد وتأسيس حكم موال لإيران فيها. ومن هنا عجل الرئيس بوش في إصدار إعلان مفاجىء ، بوقف إطلاق النار ضد القوات العراقية في ليلة الثامن والعشرين من شباط ، كما شرع في الدخول فيما يبدو أنه حوار سري مع الطرف العراقي، وذلك عبر طرف ثالث يرجح أن يكون الإتحاد السوفياتي. وهكذا عرضت صفقة الدبلوماسية السرية على العراق .

ولما كانت الولايات المتحدة غير راغبة ، وربما عاجزة، عن الاشتباك مع القوات الإيرانية لمخاوف تجتاح جنودها من الروح الكربلائية الانتحارية التي شاع توفرها لدى المقاتلين الإيرانيين ، فقد وجد بوش أنه من الضروري أن يقنع العراقيين بمقاتلة الإيرانيين، وذلك لوضع حد للخطر الإيراني الذي كان يستعد للزحف نحو بغداد، بل ووصلت طلائعه إلى مسافة أقل من مائة كيلومتر عن بغداد. ونتيجة لذلك توجب على الرئيس بوش أن يوقف القتال ضد العراق، وأن يعقد مضطرا صفقة الديبلوماسية السرية معه.

ففي غمرة الهلع الاميركي من هول الخطر الايراني، لم تكتف أميركا بإعلان وقف مفاجىء للقتال ضد العراق ، بل عرضت عليه، أي على العراق، إمعانا في احتواء الخطر الإيراني قبل فوات الأوان، صفقة الديبلوماسية السرية وذلك كما قدرت على ضوء ملاحظاتي للتطورات المفاجئة التي وقعت على الساحة السياسية وساحة الجبهة العراقية. وكان مضمون تلك الصفقة ، كما رجحت ، صفقة مشابهة لتلك الصفقة السرية التي عقدت عام 1962 بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي حول كوبا. وعلى ضوء ما رشح عن مضمون الصفقة السرية حول كوبا ، قدرت أن الولايات المتحدة قد تعهدت بالتوقف عن غزو الأراضي العراقية، وبالامتناع عن التدخل في شؤونه الداخلية، أو التعرض لرئيسه أو للنظام السياسي القائم فيه ، مقابل تعهد العراق بالقضاء على التدخل الأصولي المنطلق من الجنوب الذي بات يشكل تهديدا للاستراتيجية الأميركية ولأمن الدول الخليجية المتحالفة معها .

ولم يكن العراق معنيا فقط في الحصول على صفقة سرية، إذ كان معنيا أيضا بطبيعة الحال، بطرد الغزاة الإيرانيين سواء حصل على الصفقة السرية أم لم يحصل. فهؤلاء الإيرانيون هم غزاة ومن واجب العراقيين مقاتلتهم وطردهم حتى لو لم يحصل العراق على صفقة ما، أو حتى لو اضطر إلى مقاتلتهم مع مضيه في مقاتلة الأميركيين إذا لم يحترم أولئك وقف إطلاق النار المعلن.

لكن الأميركيين كانوا معنيين جدا بعقد صفقة ما مع العراق من أجل مساعدته على مقاتلة الغزاة الإيرانيين. ومن أجل تحقيق ذلك، قدم الأميركيون سلسلة من التنازلات للعراق الذي أنهكه القتال مع قوات التحالف الثلاثيني، منها السماح لهم بإعادة تجميع قواتهم دون تعرض القوات الأميركية لهم ، مع منحهم الإذن أيضا باستخدام طائرات الهليكوبتر، إضافة إلى تنازلات أخرى عدة قدمها الجنرال شوارزكوف للجنرال هاشم سلطان أحمد، رئيس الوفد العراقي المفاوض في صفوان. ويمكن تلخيص بعض هذه التنازلات بما يلي:

1) رغب الجنرال شوارزكوف بحضور الرئيس صدام حسين كرئيس للوفد المفاوض ، لكن الرئيس العراقي لم يذهب إلى هناك أبدا ، واكتفى بإرسال جنرال لم يكن معروفا للأميركيين.
2) تمنى الجنرال شوارزكوف أن يتم التفاوض على السفينة ميسوري، أسوة بما حصل لدى إستسلام اليابان . فيقدم الرئيس العراقي سيفه دليلا علىالاستسلام . لكن لم يكن هناك عملية استسلام من الجانب العراقي ، كما لم يتم التفاوض على السفينة ميسوري، بل كان الاجتماع في صفوان ،على الحدود العراقية الكويتية.
3) رفض الجنرال هاشم سلطان أحمد ومرافقوه ، الخضوع لتفتيش جسدي إلا إذا خضع الجنرال شوارزكوف أمامهم وقبلهم لتفتيش جسدي مماثل (عن السلاح ). ولم يعبر سلوك الجنرال هاشم سلطان أحمد على أنه قادم لتقديم استسلام من أي نوع كان.
4) قدم الجنرال شوارزكوف تنازلات كثيرة منها السماح للعراقيين باستخدام طائرات الهليكوبتر المسلحة ، والسماح بإعادة تجميع القوات العراقية التي كانت متفرقة وفي بعض الأحيان مشرذمة دون تعرض قوات التحالف لها، إضافة إلى الموافقة على التعجيل بتبادل الأسرى، بغية الإسراع بإطلاق سراح الأسرى العراقيين المتواجدين لدى قوات التحالف والذين كان عددهم كبيرا .
5 )خالد بن سلطان ، قائد القوات السعودية المقاتلة في صفوف التحالف ، والذي شارك في اجتماع صفوان ، لاحظ في مذكراته بعنوان "فشل في صفوان" أن الأمر لم يتوقف لدى قضية السماح باستخدام الهليكوبترات المسلحة ، فالاجتماع بمجمله، كما قال، تضمن سلسلة من التنازلات الأميركية سواء على مستوى التمثيل فيه ، أو على مستوى النتائج الإجمالية له . وتوقع الأمير خالد أن يفرز اجتماع صفوان عن جلسة لإعلان الاستسلام. ولكن الاجتماع "لم يكن احتفالا بالاستسلام "، كما ذكر اللواء خالد في مذكراته ، "فلم توقع وثيقة ما من أي نوع كانت من قبل العراقيين، كما لم توقع وثيقة استسلام ".

ويبدو أن اللواء خالد بن سلطان، لم يكن قد أطلع عندئذ على ما كان يجري وراء الستار وبين جدران الدبلوماسية السرية. وهو إذا كان قد أبدى دهشته إزاء ما شاهده يجرى في صفوان ، ترى ماذا كان يتوقع أن يكون موقفه إزاء ما جرى فيما بعد وفي أجواءْ بغداد ، وكنت أنا الصحفي غير العراقي الشاهد الوحيد (شاهد آذان في مرحلة وشاهد عيان في مرحلة أخرى ) على وقوعه .

فاجتماع صفوان قد عقد في الثالث من آذار. وفي السابع منه ، طلب من كافة الصحفيين غير العراقيين ،مغادرة بغداد مع قدوم الليل . أما أنا فقد بقيت هناك، من ناحية لكوني أردني ولا أحتاج إلى تأشيرة أو موافقة حكومية أو أمنية للبقاء، كما أنني كنت أملك هاتف "إنمارسات" يعمل عبر الأقمار الصناعية في بلد دمرت فيه وسائط الاتصالات الهاتفية السلكية واللاسلكية . كما كنت أحتفظ بمحطة إرسال تلفزيونية عبر الأقمار الصناعية . وكانت الحكومة العراقية التي دمرت قنواتها التلفزيونية بما فيها محطة الأقمار الصناعية العراقية، قد باتت بحاجة لتواجد إعلامي ما للقيام ببث ، على الأقل، صور النشاط الحكومي ونشاط الرئيس صدام حسين ، كي لا تنقطع أخبار العراق بشكل نهائي عن العالم . وهكذا أصبحت، على ضوء الواقع وبدون مبالغة، حلقة الاتصال الإعلامي الوحيدة بين العراق والعالم .

وفي ليلة اليوم التالي، أي الثامن من آذار، وبعد اكتمال مغادرة كل الصحفيين غير العراقيين الأراضي العراقية، حدث ما رجح ما كان مجرد توقعات أو تكهنات لدي، أي رجح وجود اتفاق ما ، صفقة ما حول الوضع في العراق قدرت كونها شبيهة بصفقة الدبلوماسية السرية التي عقدت عام 1962 والخاصة بكوبا ، والتي رعاها عندئذ الإتحاد السوفياتي، وكان مضمونها أن يفكك الإتحاد السوفياتي الصواريخ التي نصبت في كوبا على بعد أميال قليلة من الولايات المتحدة مقابل أن تتعهد أميركا بعدم التعرض للنظام الكوبي وألا تحاول غزو كوبا أو إسقاط النظام فيها.

فمنذ تلك الليلة الأولى على رحيل الصحفيين، بدجت ظهور التباشير المرجحة أن صفقة ما قد حصلت . فعلى مدى بضعة أيام كانت أربعا أو خمسة أيام ، بدأت أسمع (ليلا) أصوات هدير رجحت أنه صوت طائرات، (وهنا بدأت أصبح شاهد آذان). لكنها لم تكن في هذه المرة طائرات سريعة الطيران وقادمة لقصف بغداد، كما اعتدنا على مدى الأيام التي بدأت منذ ليلة السابع عشر من كانون الثاني وحتى الثامن وعشرين من شباط (زمن وقف إطلاق النار)، بل كانت طائرات ذات هدير وصوت مرتفع لا يستطيع إخفاء نفسه كما كان الحال بالنسبة للطائرات المهاجمة التي كانت تفضل عدم الكشف عن قدومها إمعانا منها في المحافظة على عنصر المفاجأة في الهجوم. فهذه الطائرات التي بدأت أسمعها في تلك ألأيام، لم تكن تحلق على ارتفاع كبير، كما كانت الطائرات هذه المرة تحلق ببطء وكأنها تسير الهوينا، ربما لثقل حمولتها ، كما كانت أيضا غير قادرة على إخفاء نفسها بسبب هدير صوتها الذي يميزها كطائرات نقل ثقيلة. وكان صوت تلك الطائرات يظهر ويدوم لقرابة العشر دقائق ثم يختفي بعد بضعة دقائق، مما يدل على أنها قد بلغت هدفها، وكان هدفها كما رجحت، هو مطار المثنى القريب من فندق الرشيد، مما فسر أسباب سماعي لصوتها بذاك الشكل الواضح والجلي ، كما كشف عن المبررات لمطالبة الصحفيين الأجانب وغير العراقيين لمغادرة البلاد في الليلة الماضية دون إمهالهم مدة أطول، رغم طلب بعضهم البقاء لبضعة أيام إضافية، أو لساعات إضافية، خصوصا وأن التأشيرات التي كانت قد منحت لبعضهم، لم تكن مدتها قد انقضت.

ولم يتطلب الأمر جهدا كبيرا مني لتقدير أن العراق قد بدأ يستلم أسلحة جديدة تعويضا عن الأسلحة التي فقدها في المعارك مع قوات التحالف الثلاثيني كما راق للعراق أن يسميه، وذلك لتمكينه من مواجهة الهجمة الإيرانية، أو على الأقل ، الهجمة المدعومة والمعززة من إيران . ولكني بدأت أتساءل عن مصدر تلك الأسلحة . هل هي أسلحة أميركية اضطرت الولايات المتحدة التي حاربته على مدى ثلاثة وأربعين يوما، إلى تزويده بها لمساعدته على طرد الغزاة الإيرانيين من أراضيه. لكن ذلك بدا مستبعدا، وقد يكون فيه مبالغة بالحد الذي يمكن أن تذهب إليه أميركا في مساعدة العراق ، فضلا على أن القوات العراقية لم تكن معتادة على استخدام السلاح الأميركي، وكان تسليحها في مجمله قادم من الإتحاد السوفياتي ومن دول أوروبا الشرقية. وافترضت عندئذ أن العراق ربما سمح له باسترداد الأسلحة التي اضطر إلى ترك بعضها في الأراضي الكويتية لدى انسحابه العاجل من هناك . لكن هذا التفسير لم يكن مقبولا أيضا نظرا للمصاعب التي قد تواجه عملية كهذه ، إضافة إلى كون الكثير من تلك الأسلحة ربما كان معطوبا أو غير صالح للاستخدام الفوري . والعراق بات بحاجة إلى أسلحة قابلة وقادرة على الاستخدام الفوري. ونتيجة لعملية عقلانية تعتمد التحليل والاستنتاج المنطقي، كان لا بد من الترجيح ن الطائرات القادمة لم تكن إلا طائرات نقل سوفياتية ، حملت للعراق كميات من الأسلحة تساعده على الوقوف على قدميه واسترداد بعض قوته. وبما أن الأجواء العراقية كانت تسيطر عليها الرادارات الأميركية، ولم يكن قادرا أو مأذونا لأحد بالتحليق في أجوائها إلا للطائرات الأميركية المسيطرة على تلك الأجواء ، فقد بات من المنطقي حسم الاستنتاج بأنها طائرات نقل سوفياتية، جاءت بموافقة أميركية، وتطبيقا لصفقة دبلوماسية سرية باتت معالمها الآن واضحة لي.

وجاء التأكيد الثاني بصحة ذلك الاستنتاج، أنه مع انتهاء اليوم الخامس للشروع بقدوم تلك الطائرات ، بدأت القوات العراقية التي أعيد تنظيمها الآن كما أعيد تسليحها، هجومها المضاد على الغزاة القادمين من إيران. وما كان لدي مجرد معلومات متناثرة تأتيني من هنا وهناك على مدى بضعة أيام، بات الآن أمامي حقائق شاهدتها بأم العين . ففي الخامس عشر من الشهر، اصطحبتني وزارة الإعلام العراقية في جولة اتجهت جنوبا حتى وصلنا في نهاية ذلك اليوم إلى كربلاء حيث شاهدت معالم لمعركة ضارية جرت هناك وتركزت بشكل رئيسي في الساحة الواقعة أمام مقام الإمام الحسين الذي يقع قبالته أيضا مقام الإمام العباس. فالبنايات المدمرة المحيطة بتلك الساحة، كشفت عن وقوع معركة ضارية وكبرى. كما أن بعض الضرر قد لحق بالطوابق العليا لمقام الحسين. وفسر لي شهود العيان، اللذين أكدوا لي أيضا تواجد حرس الثورة الإيرانيين في المدينة واللذين كانوا يوزعون السلاح والغذاء والمال على مواطني مدينة كربلاء، أن أولئك المقاتلين قد تحصنوا في المراحل الأخيرة من تلك المعركة على سطح المقام المقدس للشيعة. وهذا أدى إلى اشتباك القوات العراقية مع أولئك المسلحين، وإلى قصفهم بالمدفعية مما تسبب ببعض الضرر للجهة العليا من المبنى.

وفي اليوم التالي حملتني جولة وزارة الإعلام العراقية إلى مناطق جنوبية أخرى انتهت في مدينة النجف حيث مقام الإمام علي. وكانت هناك آثار معركة كبرى أخرى لكنها أقل شراسة من المعركة التي جرت في مدينة كربلاء ، حيث يبدو أن من كانوا يسمون من قبل الرسميين العراقيين بالغوغاء وأصحاب ثورة الغدر والخيانة، قد استنفذوا الجزء الأكبر من مقاومتهم في كربلاء حيث حشدوا معظم قواهم وخاضوا هناك معركة حاسمة انتهت بخسارتهم .

واستمرت الجولات لعدة أيام. ولكن ما كان يهمني منها هو صحة استنتاجي وتقديري ، بأن الولايات المتحدة ٌ قد اضطرت لوقف إطلاق النار ضد للعراق في الثامن والعشرين من شباط 1991، كما اضطرت لتقديم تنازلات كثيرة له، إضافة إلى السماح له بتعويض أسلحته التي فقدها في الحرب، وأن المرجح أن هذا التعويض قد جاء من الإتحاد السوفياتي بموافقة أميركية توفرت ضمن صفقة عامة رعاها الإتحاد السوفياتي (فالمفاوضات المباشرة بين العراق وأميركا لم تتوفر إلا في جلسة قصيرة عقدت في صفوان ). ويعتقد بأنه كان من حيثيات الصفقة، عدم التعرض للعراق أو لنظامه السياسي، أسوة بما تضمنته الصفقة الخاصة بكوبا التي عقدت في عام 1962 وكانت عندئذ أيضا بإشراف سوفياتي .

ولقد راعت أميركا تلك الاتفاقية في عدم التعرض للنظام العراقي أو للرئيس العراقي لمدة اثنتي عشر عاما. وباستثناء بعض عمليات القصف الصغيرة التي مارسها جورج بوش الأب ضد العراق وخصوصا في أيامه ألأخيرة، وبالذات في 14 و15 و 17 كانون الثاني في السنة الأخيرة من حكمه، إضافة إلى عمليتي قصف مارسهما بيل كلينتون أثناء رئاسته، فإن الولايات المتحدة قد راعت عدم التعرض للنظام العراقي أو للرئيس صدام حسين. ولكن تلك المراعاة لم تستمر طويلا، إذ نقضتها بعد ذلك عندما قامت القوات الأميركية في شهر آذار 2003 بمهاجمة العراق وإلحاق الدمار به، متسببة في مقتل عشرات الآلاف من المدنيين والعسكريين، إضافة إلى مطاردة رئيسه صدام حسين ثم اعتقاله وتقديمه لمحكمة قضت بإعدامه ، ونفذ فيه فعلا حكم الإعدام.

والملاحظ أن الولايات المتحدة قد راعت اتفاقها مع السوفيات حول عدم التعرض لكوبا ولنظامها السياسي الذي عقدته مع الرئيس كنيدي منذ عام 1962، فاحترمه الرئيس كنيدي وكل من خلفه من الرؤساء الأميركيين. وهم ما زالوا يحترمونه حتى الآن رغم شيخوخة الرئيس كاسترو المعتدل نسبيا، والذي لم يكن شيوعيا بمعنى الكلمة، بل كان مجرد يساريا وطني الاتجاه، وحلول راوول شقيقه محله، علما بأن راوول شيوعي الانتماء والعقيدة . فرغم ذلك، ورغم كون كوبا على بعد بضعة أميال بحرية من الشواطىء الكوبية، فإنها لم تنقض ذاك الاتفاق السري وغير المعلن عنه رسميا أو دوليا. أما بالنسبة للعراق، التي تبعد آلاف الأميال عن الولايات المتحدة وأوروبا ، فإن الرئيس جورج بوش الابن ، نقض ذاك الاتفاق الذي لم يعلن عنه رسميا، تماما كما لم يعلن عن الصفقة الخاصة بكوبا وبالعديد من صفقات الديبلوماسية السرية.

ولعل الفارق بين الأمرين، أن جورج بوش الابن ، قد تصرف مراعاة لقضية شخصية هي رد الاعتبار لوالده الذي تمنى أن يأتيه صدام حسين إلى السفينة ميسوري ليسلمه سيفه معلنا ندمه واستسلامه ، أسوة بما فعل إمبراطور اليابان لدى استسلام اليابان في عام 1945، لكن صدام حسين لم يأت إليه، بل فرض، نتيجة للتطورات على الساحة الناجمة عن التدخل الإيراني، بعض الشروط التي اضطر الرئيس بوش الأب أن يقبل بها، ومنها السماح للقوات العراقية بإعادة التسلح والقدرة على الوقوف على أقدامها مجددا، مع التعهد بعدم التعرض للعراق ولنظامه السياسي . وهنا جاء الابن بذريعة أن العراق ينتمي للقاعدة ، وبأن العراق ما زال يعمل على إنتاج قنبلة نووية في موقع لم يكتشفه من قبل فرق التفتيش الدولية، وأن الرئيس صدام قد خطط لاغتيال والده خلال زيارة قادمة للكويت، فهو متذرعا بتلك الذرائع التي ثبت فيما بعد عدم صحتها ، قام بمهاجمة العراق ، فكأنه يقول لوالده مبتهلا " بابا ، شوفني، أنا بنتقملك ". فهذا العامل الشخصي، أي استرضاء والده ، والذي لم يكن موجودا في قضية كوبا بالنسبة للرؤساء اللذين توالوا على الحكم بعد كنيدي، ومنهم جورج بوش الأب وجورج بوش الابن، هو الذي دفعه (أي الابن ) لنقض ما كان يتوجب أن يكون ميثاق شرف ينبغي احترامه .

بقي أن يتساءل المرء عن السبب في وقوع المنطقة العربية ضحية لكل صفقات الديبلوماسية السرية تلك. والإجابة الواضحة هي النفط الذي تسبب بالكوارث للعالم العربي. فتقاسم النفوذ والاستثمارات النفطية هو أساس لهفة تلك الدول إلى السيطرة على مقادير هذه البلاد. ولعل قلة من الناس يعلمون بما فيه الكفاية عن اتفاقية "الخط الأحمر" التي عقدت بين بريطانيا والولايات المتحدة منذ عام 1928، وتم التفاهم فيها على تقاسم الاستثمارات النفطية في المنطقة. وقد جددت تلك الاتفاقية في عام 1944 ، وباتت الآن مرشحة لعملية تجديد أخرى لا يعلم أحد إن كانت ستقتصر هذه المرة على بريطانيا وأميركا، أم ستنضم لها دول أخرى كفرنسا مثلا.

فالنفط الذي كان يفترض به أن يكون نعمة للمنطقة ، بات لعنة مؤذية على ساكنيها ، علما أن الدول المنتفعة من النفط والمتمتعة برغده وثرائه، لا تقدر أن الدول العربية الأخرى هي التي تعاني وتدفع ثمن لعنة النفط تلك، وبالتالي تستحق رعاية من الدول النفطية من الآن وإلى أن تتمكن الدول العربية من التحرر من الآثار المشئومة التي تنصب عليها لكونها واقعة في إطار المنطقة النفطية، رغم أنها لا تستفيد منها كثيرا، فتقع فريسة مؤامرات متواصلة لا يبدو هناك نهاية لها في القريب العاجل.

Michel Haj



#ميشيل_حنا_الحاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا يلاحق -أوباما-مخالفات لاتفاقية دولية تحظر استخدام السل ...
- هل تشكل معركة -إعزاز- علامة فاصلة في كوكتيل تحالفات المعارضة ...
- هل يدمر نتنياهو سلاح إسرائيل الكيماوي، بعد أن تعهدت سوريا بت ...
- متى يقوم -أوباما- باستبدال اسم سوريا ليصبح -سوريستان-؟
- هل يؤدي الاقتراح الروسي حول الكيماوي، إلى قرار شبيه بالقرار ...
- متى تسقط ورقة التين عن البعض، كما سقطت منذ حين عن البعض الآخ ...
- السؤال الحادي والأربعون : هل أصبح النفط نقمة ، ولم يعد نعمة ...
- السؤال الأربعون : هل باتت ما سميت بالثورة السورية ، هي الثور ...
- هل يتعظ اوباما من تجارب بوش وبوش في العراق ؟وهل انتهى زمن ان ...
- كم ستقتل الولايات المتحدة من السوريين، انتقاما لضحايا الكيما ...
- هل تسعى عملية دول الغرب العسكرية إلى إنهاء الحرب في سوريا، أ ...
- لماذا لا يسمح بإقامة التوازن النووي في الشرق الأوسط؟
- لماذا ...لماذا ...لماذا ؟؟؟
- متى يتعلم الأميركيون من أخطائهم ؟ متى ؟
- هل أطل علينا أخيرا ربيع عربي حقيقي، أم علينا أن ننتظر؟
- لماذا تقصف طائرات -درونز- الأميركية مواقع -القاعدة- في اليمن ...
- من ينقذ الأردن من بركان ربيعي مدمر ؟
- متى يزهر الربيع العربي في السودان، أم أنه قد تحقق قبل كل فصو ...
- متى يدرك القادة العرب أن -المغول- قادمون؟
- ألا يدرك الإخوان المسلمون في مصر، أن محاولتهم لاستدراج الحكو ...


المزيد.....




- الحكومة المصرية تعطي الضوء الأخضر للتصالح في مخالفات البناء. ...
- الداخلية المصرية تصدر بيانا بشأن مقتل رجل أعمال كندي الجنسية ...
- -نتنياهو يعرف أن بقاء حماس يعني هزيمته-
- غروسي يطالب إيران باتخاذ -إجراءات ملموسة- لتسريع المفاوضات ح ...
- تشييع جثمان جندي إسرائيلي قُتل في هجوم بطائرة مسيرة تابعة لح ...
- أمام المحكمة - ممثلة إباحية سابقة تصف -اللقاء- الجنسي مع ترا ...
- واشنطن تستعيد أمريكيين وغربيين من مراكز احتجاز -داعش- بسوريا ...
- واشنطن لا ترى سببا لتغيير جاهزية قواتها النووية بسبب التدريب ...
- بايدن: لا مكان لمعاداة السامية وخطاب الكراهية في الولايات ال ...
- مصادر لـRT: الداخلية المصرية شكلت فريقا أمنيا لفحص ملابسات م ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشيل حنا الحاج - لماذا كانت المنطقة العربية منذ الحرب العالمية الأولى وحتى الآن ، ضحية لمؤامرات وصفقات دولية ، بما فيها صفقة الدبلوماسية السرية الخاصة بالعراق ؟