أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشيل حنا الحاج - متى يدرك القادة العرب أن -المغول- قادمون؟















المزيد.....


متى يدرك القادة العرب أن -المغول- قادمون؟


ميشيل حنا الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 4181 - 2013 / 8 / 11 - 04:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي - السؤال التاسع والعشرون:متى يدرك القادة العرب أن "المغول" قادمون؟

في منتصف القرن الثالث عشر ميلادي، وفي عهد المراحل الأخيرة من الخلافة العباسية، هرولت إلى هذه المنطقة من العالم، جحافل من المقاتلين اللذين جاءوا إلينا من البعيد، من أقاصي قارة آسيا، من بلاد المغول، فعاثوا في البلاد فسادا، وأحرقوا الكتب المتواجدة في مكتبة بغداد التي كانت مكتبة عظيمة تضم العديد من المراجع العلمية والأدبية والدينية، وألقوا ما تبقى منها في نهر دجلة، في وقت قتلوا فيه العديد من سكان بغداد الآمنين ، والقوا بجثثهم في النهر، بحيث أن لون المياه في نهر دجلة، قد تحول إلى اللون الأحمر لغزارة دماء أولئك القتلى اللذين ملأت جثثهم ذاك النهر، فعكرت لون مياهه الصافية عادة، وصبغتها باللون الأحمر القاني. وكان من أبرز قادة تلك الهجمة البربرية "هولاكو" الذي سجل اسمه في التاريخ، إلى جانب اسم تيمور لانك وجنكيز خان ( من البربر ) باعتبارهم من الغزاة العظام، تماما كمن سبفهم من الغزاة الرومان، ومن لحقهم من الغزاة الصليبيين .

ولم يكن في تلك المرحلة من الزمان، أمم متحدة، أو مجلس أمن. كما لم تعرف عندئذ شرائع حقوق الإنسان وغيرها من مفاهيم العدالة، وحق حماية المدنيين الواقعين تحت الاحتلال، إضافة إلى حق حماية الأسرى التي باتت الآن مقننة في اتفاقيات جنيف لحماية أسرى الحروب.

ولكن رغم وجود كل تلك القواعد والاتفاقيات والمعاهدات والمجالس الدولية في وقتنا الحاضر، فإن موجة جديدة من المغوليين، أومن يشبههم، قد بدأت - كما يبدو - تعيث فسادا وقتلا في بعض البلاد العربية، بدءا من سوريا كخطوة أولى، يليها الزحف المرجح نحو باقي الدول العربية، بمجرد انتهائهم من تحرير سوريا من سطوة من يعتبرونهم كفارا . إذ أنهم يعتبرون أنفسهم استمرارا لموجة الفتوحات الإسلامية التي تحققت في القرن السابع الميلادي ، القرن الأول للتاريخ الهجري الإسلامي ، الذي سعى لنشر دعوة الإسلام التي نادى بها ذاك الرجل العظيم، أكثر رجال العرب قاطبة ذكاء وحكمة وعبقرية، أي النبي محمد ، آخر المرسلين، والذي بات يؤمن بدعوته الكبرى، ملياري مسلم موزعون في أقطار العالم .

كل ما في الأمر أن هؤلاء الدعاة الجدد، الحاملين في اعتقادهم لراية النبي العظيم، يتجاهلون كل دعواته الإنسانية، رغم عدم وجود ميثاق حقوق الإنسان عندئذ، المنادية باحترام الأسرى ، وحماية المسنين من رجال ونساء وسكان آمنين، إضافة إلى إشارته للقساوسة مطالبا بعدم التعرض لهم بالأذى. إذ أن أولئك "المغول " الجدد، باتوا يخطفون رجال الدين القساوسة، فقد اختطفوا حتى الآن، ومنذ أكثر من مائة يوم ، مطرانين كانا يعبران آمنين من الحدود التركية في طريقهم إلى حلب. واختفت آثارهم وأخبارهم بعد ذلك، ولم يسمع بأمرهم أحد، مما قد يرجح احتمال مقتلهم على يد أولئك المغول القادمين المدعين بحمل لواء الإسلام العظيم، والمتناسين لدعوة الرسول الكريم المطالبة بحماية القساوسة ورجال الدين.

وما وقع لهذين المطرانين ، حصل أيضا للقس " باولو " الذي اختطف في منطقة الرقة قبل أسابيع ، واختفت أخباره تماما ، مما استدعى البعض لأن يرجح بأنه قد قتل، بل رجح البعض أنه قد قتل بقطع رأسه بأسلوب بشع، علما أن هذا القس كان من المعارضين للنظام السوري، وكان يقف في صفوف المعارضة التي باسمها قام بعض رجال المعارضة الموصوفين بالمغولية ،لإتباعهم أسلوب المغول في حربهم تلك، باختطاف ذاك القس البائس ، وربما بقطع رأسه أيضا .

ولكن الأمر لم يتوقف لدى مخالفة أوامر الرسول باحترام القساوسة، إذ تعداه أيضا، لعدم احترام تعليماته بعدم التعرض للشيوخ والمسنين والسكان الآمنين. فالأنباء تترى عن قيامهم بقتل العديد من الأسر الكردية غير المسلحة والآمنة في منازلها ، بدعاوى الانتقام من المقاتلين الأكراد في شمال سوريا ، الساعون لإبقاء السيطرة في مناطقهم للأكراد، وللحيلولة دون توغل " المغوليون " الجدد من حزب النصرة ودولة العراق وسوريا الإسلامية، وغيرها من التيارات الأصولية ، في مناطقهم التي يسعون للحفاظ على هويتها الكردية ، رغم انتماء هؤلاء الأكراد للدين الحنيف، لكن بمفاهيمه السمحة التي نادى بها الرسول العظيم .

وعلى هذا المنوال أيضا، تعامل أولئك مع العلويين القاطنين في القرى الواقعة في شمال سوريا، والتي احتلوها في محاولتهم الزحف نحو شاطىء البحر الأبيض المتوسط في الجانب السوري، وبغية الوصول أيضا إلى القرداحة، مسقط رأس الرئيس الراحل حافظ الأسد، ومركز تلك المحافظة. ففي تلك القرى العلوية، رددت الأنباء قيامهم بقتل العديد من العائلات العلوية، فلم يوفروا مسنا أو امرأة، بل قتلوا الكثيرين بدم بارد ، وتحدثت التقارير عن قطع رؤؤس بعضهم، متشبهين بأسلوب أسلافهم من قدامى المغول .

ولكن المغول الجدد، لم يتوقفوا عند هذا الحد من تجاهل المفاهيم الإنسانية والقانونية والدولية المعتمدة، إذ لجأوا أيضا إلى أعمال كثيرة تنطق بوحشيتها. فها هو أحد المقاتلين منهم ، يأكل بوحشية قلب وأعضاء جندي سوري تم أسره. وهو يفعل ذلك متباهيا أمام كاميرا التلفزين . وآخر منهم قام بإطلاق الرصاص بدم بارد على صبي في الرابعة عشرة من عمره، لمجرد أن الصبي قد تفوه بعبارة اعتبرها ذاك المقاتل البطل ، كفرا وتجديفا . فوقع الصبي قتيلا أمام والديه اللذين فوجئا تماما بما حدث.

وهناك وقائع أخرى كثيرة لا مجال لسردها جميعا رغبة في عدم الإطالة . لكن المؤكد أن أعمالا وحشية كثيرة ترتكب من قبل هؤلاء اللذين يعتبرون أنفسهم حماة ودعاة للإسلام، ومن أجل حمايته يتصرفون بتلك الطريقة الغريبة والوحشية التي تعيد للذاكرة أعمال المغول في القرن الثالث عشر. وقد لا يكون مدعاة للدهشة ، إذا انتشر أولئك في مساحات أكبر من سوريا ، أن نشاهد عما قريب نهر الفرات الذي يسير مترنحا ومتعرجا في بعض المناطق السورية، قد تخضب هو أيضا بالدماء البريئة ، وبالجثث العائمة على مياهه ، فتبدل بالتالي لونه إلى الأحمر، أسوة بما حدث لنهر دجلة الذي تخضب بدماء سكان بغداد من العباسيين وغيرهم، إثر غزو المغول لبغداد في القرن الثالث عشر .

والأمر الأكثر إيلاما لبعض المراقبين المحايدين، أن أحدا لم يدرك بعد مخاطر ما يحدث على صعيد سوريا، والمخاوف من امتداده إلى دول أخرى قد تكون من بينها الدول الممولة والمسلحة لتلك الجماعات. فمضيها في تسليح تلك الجماعات، إنما يدل على جهلهم بما قد يقدمون عليه في المستقبل إذا حققوا الانتصار الذي يرنون إليه في سوريا . فطموح هؤلاء لغزو المنطقة برمتها، ليس له حدود. ولقد رأينا أن القاعدة التي تقدم لهم التدريب والتسليح في بعض الحالات عندما يتوقف التمويل والتسليح من الدول الداعمة، قد بدأت في أفغانستان ، فهل توقفت بعد ذلك لدى أفغانستان، أم أنها قد تمددت وتوسعت بحيث وصلت إلى دول لم يكن في الحسيان إمكانية وصولهم إليها. فهم متواجدون الآن في المغرب العربي، وفي مالي حيث قبائل الأزواد المتعاطفين معهم ، وفي نيجيريا ، وعلى حدود تونس والجزائر، وفي جبال الشعابين، إضافة إلى انتشارهم في سوريا بكثافة ، وفي اليمن القريبة في حدودها من السعودية ومن عمان . وقد أصبح انتشارها الكثيف في اليمن مدعاة قلق حقيقي للولايات المتحدة التي باتت تعتبر اليمن القاعدة الأكبر للقاعدة بعد القاعدة المتواجدة في أفغانستان . وقد بلغ بها الفزع من انتشارها في اليمن، حد إرسالها باستمرار طائرات "الدرون " التي تطير بدون طيار، إلى لحج وحضرموت ومأرب ، وهي المناطق التي يعتقد الأميركيون بأنها تضم العدد الأكبر من مقاتلي القاعدة في اليمن. وهي ترسل أمواج الطائرات هذه بغية قتل مزيد من أعضاء القاعدة اليمنية، علما بأن المعلقين اليمنيين اللذين ظهروا في حوارات سياسية على قناة "بي بي سي " عربي في الثامن والتاسع من آب 2013 ، أكدوا أن معظم القتلى هم من رجال القبائل المدنيين اللذين يحملون السلاح بشكل تلقائي حسب اعتياد رجال القبائل اليمنية ، دون أن يكون لهم انتماء للقاعدة . صحيح بعضا من قيادات القاعدة، لكن نجاحاتهم تلك لا تقاس بكم المدنيين اللذين يقتلون دون مبرر .

ولكن وجود القاعدة المتنامي في اليمن، والتي يعتبر المقاتلون "الهولاكيون " المتواجدون في سوريا إمتدادا لها، لا يشكل خطرا على الولايات المتحدة فحسب، والتي تحتفظ بعدد من سفنها الحربية في خليج عدن اليمني تحسبا لكل طارىء ، بل يشكل أيضا خطرا على سلطنة عمان القريبة جدا من تلك المناطق، والتي شهدت في السبعينات ثورة ماركسية استمرت عدة سنوات، ولم تتمكن عمان من القضاء عليها إلا بعد الاستعانة بقوات إيرانية بعثها الشاه إلى عمان ، للمساعدة في القضاء على تلك الثورة. وقد تكون بذور تلك الثورة العمانية ، ما تزال موجودة لدى بعض العمانيين اللذين قد يرحبون في وقت لاحق، بمساعدة من منظمة القاعدة اليمنية بغية مد لهيب القاعدة إلى عمان أيضا .

والخطر ذاته قد يمتد إلى السعودية ، التي شهدت في الماضي تفجيرات دمرت بعض المباني التي يقطنها الأميركيون العاملون في السعودية، كما اكتشفت للتو، أي قبل أيام قليلة جدا - حسب تصريحات سعودية رسمية – خلية ضمت رجلين كانا يخططان لعمليات انتحارية، والتحقيق جار معهما خشية وجود خلايا أخرى نائمة، وهو أمر قد لا يكون مستبعدا .

والغريب في الموضوع ، أن المملكة السعودية التي شجعت مؤخرا على انتخاب أحمد الجربا ، المعتدل نسبيا ، رئيسا للمجلس الوطني السوري، ورغم أنها قد قدمت مزيدا من الأسلحة للمعارضة السورية ، إلا أن المراقبين قد رجحوا، بناء على تسريبات من السعودية ، أنها لم تكن كميات كبيرة، وأنها لم تكن أسلحة متطورة، ولن ترسل إلا للمعارضة المعتدلة ، فالهدف منها ، كما قيل ، هو مجرد تعزيز موقف المعارضة عسكريا،بغية إقناعهم بالمشاركة في مؤتمر جنيف 2 الذي كانت المعارضة ترفض المشاركة فيه إذا لم يتعزز موقفها العسكري في الجبهة السورية .

ولكن التطورات التي تلت بعد إرسال تلك الأسلحة، رجحت عكس ذلك. فالقتال قد احتدم بشدة في الجبهات السورية، وقامت المعارضة المتشددة المنتمية بعلاقات وثيقة مع القاعدة والتي تنهج المنهج الهولاكي إياه ، بفتح جبهة جديدة، لا في مناطق الأكراد فحسب، وبالذات في جبل الأكراد، بل في المناطق التي تضم غالبية علوية أيضا، فتقدمت نحو عدة قرى علوية، فيما سمي بعملية عائشة البكار، واحتلت خمس قرى منها، وبدأت تحاول الزحف نحو شاطىء البحر الأبيض المتوسط بغية إيجاد خط إمدادات جديد لها عبر البحر، مع عدم الاعتماد بعد نجاحها في ذلك، إذا نجحت في تحقيق هدفها ذاك، على الإمدادات القادمة عن طريق تركيا والمراقبة مراقبة جيدة، من حيث كم السلاح ونوعه. وهم إذا نجحوا في ذلك، سوف يجهضون المخطط الأميركي السعودي القطري، الذي ظن بأنه سيكون قادرا على تحجيم تلك المعارضة ذات التصرفات الهمجية أحيانا ، والتي اعتقدوا أن بوسعهم استخدامها كورقة ضاغطة، ولكن إلى حين إسقاط النظام السياسي في سوريا ، ثم يتخلون عنها ويرمونها في مزبلة النسيان، عن طريق وقف الإمدادات المالية والتسليحية لها .

فالخطوة الأخيرة التي أقدم عليها مناصرو القاعدة في المعارضة السورية والتي تسلك مسلكا مغوليا ، قد أثبتت بأنها أبعد أفقا في التفكير والتخطيط من مخططات الدول المعارضة لسوريا. إذ أنه إدراكا منها لما يخططه الآخرون لها باستخدامها كورقة ضاغطة ولكن غير قادرة على الانتصار والحسم ، بدأت تسعى لفتح طريق تساعدها على التحرر من الاعتماد على تلك الدول التي أوحت لها بأنها متحالفة معها تحالفا وثيقا، في وقت كانت تسعى فيه لاستخدامها كورقة تكتيكية، لا ورقة إستراتيجية دائمة وثابتة الخطى والمنهج . وإذا نجح أولئك في خطتهم تلك، سوف تسقط من أيديهم، أيدي أولئك المخططون في الدول الثلاث سابقة الذكر، تلك الورقة التي لعبوها بدون تفكير عميق، والساعية لإسقاط النظام السوري، نظام الممانعة، مع تخطيطهم للتخلص من تلك المنظمات المتشددة في وقت لاحق . فيكونوا بذلك قد ضربوا عصفورين بحجر واحد. أي التخلص من النظام السوري، والتخلص من المعارضة المتطرفة. لكن المحصلة النهائية، إذا نجح المتشددون، ستكون فعلا إسقاط النظام السوري، مع الحلول مكانه في إدارة البلاد على طريقتهم الخاصة، وهي أسلوب الممانعة الأكثر تشددا من النظام السوري ، والساعي أيضا للانتشار في دول الجوار كالأردن والسعودية مثلا، إذا ما استقر الأمر لهم .

ويبدو لبعض المراقبين، أن هذا النهج في التخطيط، هو نهج أميركي عودنا على الدوام أن يأخذ بعين الاعتبار النتيجة التي يراها مباشرة لمخططهم، دون أن يتوقعوا أثارا أخرى قد تقوض مساعيهم وتعود عليهم بالوبال . فهم قد نهجوا هذا المنهج في أفغانستان عندما استعانوا برجال القبائل الأفغانية لمقاتلة السوفيات، فانقلب أولئك عليهم وشكلوا منظمة القاعدة بعد خروج السوفيات. وهم قد نهجوا هذا المنهج في إيران أيضا، فاستعانوا بالخميني وبالإسلاميين من آيات الله والملالي، للقضاء على التيار اليساري الذي كان مرشحا للسيطرة على إيران بعد رحيل الشاه، ولمشاغلة السوفيات بافتعال معارك على الحدود الإيرانية السوفياتية. لكن الإسلاميين الإيرانيين لم يقاتلوا السوفيات، وإذا كانوا قد قضوا فعلا على التحركات اليسارية في إيران، فهم قد حلوا محل التيار اليساري في تهديد الولايات المتحدة . فهذا النهج قصير النظر لدى الولايات المتحدة، والذي لا يأخذ بعين الاعتبار كل الاحتمالات حتى الصغير منها، أي لا يأخذ بعين الاعتبار مسار الإستراتيجية في نهاية مطافها ، فينتهي به الأمر على الدوام إلى الخسارة خسارة كبرى، هو الذي وضع تصورا قاصرا لمجريات الأمور في سوريا ، وباتت الآن الدول المتحالفة معه واقعة في مأزق لا تحسد عليه .

والواقع أنني أعجب كثيرا لموقف الدول العربية ، وخصوصا السعودية ، من الاحتفاظ بتحالفها مع أميركا بشأن هذا المخطط الضار بها وبالدول العربية في نهاية المطاف. صحيح أنها ترغب في إيجاد حلول للقضية الفلسطينية التي هي القضية المركزية في المنطقة . وهي ربما اعتقدت عن حسن نية، بأن إسقاط النظام في سوريا سوف ينهي عملية الممانعة للحل التي تحمل سوريا لواءها . ولكن هل هم على ثقة بأن إسقاط النظام السوري، سوف يقود فعلا إلى السلام في المنطقة على أساس الدولتين، باعتباره خطوة حقيقية، كما يتوقعون، نحو تحقيق ذاك السلام . الكثير من المراقبين لا يتوقعون ذلك أبدا . لأن الدولة الممانعة فعلا للسلام هي إسرائيل وليست سوريا. وها قد رأينا أن مفاوضات السلام التي بدأت قبل أيام في واشنطن عادت تواجه ذات المعضلة التي أخرت على مدى سنوات، استئناف عملية السلام، وهي معضلة الاستيطان الإسرائيلي حيث أعلنت الحكومة الإسرايلية للتو موافقتها على الشروع بمستوطنات جديدة، إضافة إلى الموافقة على قرار بزيادة المعونات المالية لبعض المستوطنات التي سبق بناؤها في السنوات السابقة . وهي تعول الآن على قيام السلطة الوطنية الفلسطينية برفض استئناف المحادثات التي من المقرر أن تستأنف بعد أيام قليلة. ومع أنه بات من المرجح ألا يقع الفلسطينيون مرة أخرى في ذلك الفخ، وأن يوافقوا بالتالي على استئناف المفاوضات، ما لم أكن مخطئا في هذا الاستنتاج، إزاء رغبة محمود عباس في تحقيق أمنيته بالدولة المستقلة التي سيكون رئيسا لها .

فالرئيس عباس يتطلع بشوق إلى الوصول لحل الدولتين، ومثله الرئيس أوباما الذي يريد الإقتداء بسلفيه من الرؤساء الديمقراطيين: كارتر الذي حقق اتفاق كامب ديفيد، وكلينتون الذي حقق اتفاق أوسلو، وهو لذلك يبذل الجهد الجهيد من أجل تحقيق اتفاق الدولتين. ولكن هل تريد إسرائيل ذلك حقا ؟

فاليهود اللذين ظلوا على مدى ألفي عام يحلمون بالعودة إلى إسرائيل ، بلد السمن والعسل والمن والسلوى، كما ظلوا على مدى الألفي عام تلك، يرفعون الأنخاب في أعيادهم الدينية هاتفين " العام القادم في أورشليم " أي في القدس، هل سيتخلون الآن عن حلمهم ذاك ، ويرتضون بمجرد جزء من أراضي السمن والعسل، كما يتخلون عن حلمهم في الهيكل، بموافقتهم على منح القدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية والتي تضم المسجد الأقصى، والذي يعتبر الإسرائيليون أن " الهيكل" يقع تحته ؟ أليس هذا هو الطعم الذي قدمه "أوباما" للفلسطينيين، لتشجيعهم على استئناف مفاوضات السلام الذي ظلت قضية المستوطنات الإسرائيلية المفتعلة عائقا في طريقه، وهو طعم قدمه لهم، لا لسبب إلا اللحاق بركب سلفيه كارتر وكلينتون في السير على دربهم في تحقيق إتفاقية أخرى مزعومة للسلام .

والواقع أن بعض المراقبين يرجحون احتمال تحقق السلام بين الدول العربية وإسرائيل، ولكنه لن يكون سلاما بين إسرائيل والفلسطينيين ، بل قد يكون سلاما بين إسرائيل وسوريا فحسب، إذا نجح المخطط الأميركي في إسقاط الرئيس الأسد، وحل محله حكومة معتدلة غير ممانعة، ترضى توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل. هذا إذا لم تحل محل حكومة الأسد ، حكومة أكثر تشددا، كأن تكون حكومة تشكلها المعارضة المتشددة السائرة في ركب منظمة القاعدة، والتي باتت مرجحة للانتصار عبر استخدامها ذاك الأسلوب المتشدد والسائر على هدى المغوليين. أما الفلسطينيون، فلقضيتهم شأن آخر، إذ ستصر إسرائيل على وجود إسرائيل يهودية نقية، بدون عرب عام 1948 ، وربما بدون عرب الضفة الغربية اللذين قد تسعى في النهاية إلى ضمهم إليها، وهو الحل الذي فكر فيه بعض رؤساء وزارات إسرائيل، ولكن توقفوا أمام خطورة منح الفلسطيننين الهوية اليهودية . فبات الحل الآن على ما يبدو هو الضم ولكن بدون منحهم الجنسية الإسرائيلية حفاظا على نقاء الدولة العبرية، بحيث تجد لهم صفة ما ترضي المجتمع الدولي، وقد يكون من بين حلولها، كاحتمال – مجرد احتمال في الوقت الحاضر – يتركهم بدون جنسية ، أسوة بالسابقة المعتمدة في الكويت بالنسبة ل "بدون " الكويت.

أما بالنسبة للهجمة المغولية في سوريا وكيفية التعامل معها ، فإن الواجب الإنساني يقتضي المجتمع الدولي، أن يسعى لوقف هذه الأعمال الوحشية التي تطال المسيحيين، والعلويين والأكراد. فإذا كانت الدنيا قد قامت ولم تقعد بسبب اغتيال رفيق الحريري ، رئيس وزراء لبنان الأسبق ، فسمي محققون دوليون للتحقيق في ذلك الاغتيال ، كما شكلت المحاكم الدولية لمقاضاة الفاعلين مع أن الضحية كان رجلا واحدا، ألا يقتضي الأمر مباشرة تحقيق دولي في أعمال المغوليين الجدد، اللذين قطعوا الرؤوس، وقتلوا الأسرى، واعتدوا على السكان الآمنين من شيوخ ونساء، ولاحقوا المسيحيين منهم فاختطفوا مطارنة وقساوسة ، وربما قتلوهم فعلا، كما أخذوا رهائن من الأكراد، بل ومن اللبنانيين أيضا حيث إختطفوا تسعة منهم أثناء قدومهم من تركيا، وهو الأمر الذي تفاعل مؤخرا باختطاف مقابل لطيار تركي ومساعده ، وغير ذلك من الأعمال الهمجية كتناول قلب جندي سوري أمام العيان كطعام شهي لذاك المقاتل من حزب النصرة، إضافة إلى قتل صبي بدم بارد أمام ذويه. فذلك كله لا يقتضي مجرد تحقيق دولي ومحاكم دولية، بل يتطلب تدخلا دوليا، ولكن ليس أميركيا، بل تدخل دولي من الجنود أصحاب القبعات الزرق، بغية وضع حد لهذه المجازر التي قد لا تنتهي قريبا، بل قد تزداد شراسة إذا ما حققت القاعدة ورجالها الوصول إلى الشواطىء السورية ، فأمنوا لأنفسهم خط إمدادات قد لا ينقطع إلا بتحقيق النصر للمغوليين الجدد.



#ميشيل_حنا_الحاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألا يدرك الإخوان المسلمون في مصر، أن محاولتهم لاستدراج الحكو ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي
- أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي – ال ...
- Arab Spring Question 25 أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع ال ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي - ال ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي - ال ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابات حل الواقع العربي والربيع العربي – الس ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي - ال ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابةحول الواقع العربي والربيع العربي- السؤا ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي – ال ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي - ال ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي - ال ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي ‏ ال ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي السؤ ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي – ال ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابة حول الواقع العربي والربيع ‏العربي- الس ...
- أسئلة تحتاج إلى جواب حول الواقع العربي والربيع العربي – السؤ ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي - ال ...
- أسئلة تحتاج الى اجابات حول الواقع العربي والربيع العربي السؤ ...
- أين ديمقراطية أثينا بين ديمقراطيات العالم العربي وخصوصا في م ...


المزيد.....




- وحدة أوكرانية تستخدم المسيرات بدلا من الأسلحة الثقيلة
- القضاء البريطاني يدين مغربيا قتل بريطانيا بزعم -الثأر- لأطفا ...
- وزير إسرائيلي يصف مقترحا مصريا بأنه استسلام كامل من جانب إسر ...
- -نيويورك تايمز-: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخ ...
- السعودية.. سقوط فتيات مشاركات في سباق الهجن بالعلا عن الجمال ...
- ستولتنبرغ يدعو إلى الاعتراف بأن دول -الناتو- لم تقدم المساعد ...
- مسؤول أمريكي: واشنطن لا تتوقع هجوما أوكرانيا واسعا
- الكويت..قرار بحبس الإعلامية الشهيرة حليمة بولند سنتين وغرامة ...
- واشنطن: المساعدات العسكرية ستصل أوكرانيا خلال أيام
- مليون متابع -يُدخلون تيك توكر- عربياً إلى السجن (فيديو)


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشيل حنا الحاج - متى يدرك القادة العرب أن -المغول- قادمون؟