أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشيل حنا الحاج - أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي















المزيد.....


أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي


ميشيل حنا الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 4177 - 2013 / 8 / 7 - 23:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كلمة إستراتيجية كما وردت في الموسوعة العالمية Global Encyclopedia تعني التخطيط العسكري. وأصلها كلمة يونانية هي " إستراتيجوس " strategos وتعني "فن الجنرال"، بمعنى الفن في تخطيط الجنرال أو القائد العسكري – -the art of the general فالإستراتيجية تعني التخطيط ، التنسيق، والتوجيه العام للعمليات العسكرية، بهدف الالتقاء مع الأهداف العامة السياسية والعسكرية.

وتدريجيا أصبحت كلمة ٍإستراتيجية ترتبط بالتخطيط السياسي للدولة. وبات المعنى المتبادر لكلمة إستراتيجية لدى سماعها، ينصرف إلى التخطيط السياسي قبل انصرافها نحو التخطيط العسكري، رغم جذورها في البنية العسكرية.

والمسئول المباشر للتخطيط السياسي في الولايات المتحدة، هو الرئيس الأميركي، الذي هو أيضا القائد العسكري للقوات المسلحة بأجنحتها المختلفة لكونه القائد العام والأعلى لتلك القوات. فهو صاحب القرار إذن بالتدخل أو عدم التدخل في سوريا، كما أنه صاحب القرار في تحديد الجهة التي سيتدخل لمصلحتها: هل هي المعارضة السورية أم هي الدولة السورية. والأمر كله يتوقف على ما تريده الدولة فعلا من سوريا.

فما يسعى إليه الأميركيون بشكل مباشر من تشجيعهم، وربما مشاركتهم، بإشعال الحرب الأهلية في سوريا ،هو: 1) ضمان أمن إسرائيل حليفتهم المؤكدة في منطقة الشرق الأوسط . 2) تحقيق السلام في الشرق الأوسط، وهو السلام الذي تقف سوريا في وجهه كدولة ممانعة لسلام هش لا يضمن حقوق الشعب الفلسطيني. 3) فك ارتباطها مع إيران، باعتباره تحالفا ضارا بأمن إسرائيل وببقائها آمنة ومستقرة . 4) إنهاء تحالفها وارتباطها بالجمهورية الروسية، المنافس الأكبر للولايات المتحدة في هذه المنطقة،والتي تعتبرها أميركا منطقة حيوية لها لكونها تؤمن لها القواعد العسكرية، كما توفر لها ولحلفائها من الدول الغربية احتياجاتها من النفط، وهو المادة الحيوية لصناعتها ولوسائل مواصلاتها .

ومع ذلك، فإن تلك الحرب الشريرة المستمرة في سوريا منذ عامين وأربعة أشهر، لم تحقق بعد تلك الأهداف. فسوريا ما زالت تمتلك قوة عسكرية، كما أنها لا تزال متحالفة مع كل من إيران وروسيا. وفي المقابل ، ظهرت في سوريا، كنتيجة لتلك الحرب، تكتلات عسكرية من الجهاديين الإسلاميين اللذين يرتبط بعضهم بمنظمة القاعدة ارتباطا مباشرا، وبعضهم الآخر يتعاطف معها باعتبارهم ينتمون لتيار الإسلام السياسي غير البعيد جدا عن تيار القاعدة. أما بقية القوات المقاتلة في صفوف المعارضة السورية، وأبرزهم الجيش السوري الحر، فقد بات دوره في القتال وفي المناطق القليلة التي يسيطر عليها ، دورا هشا ويكاد يكون ثانويا. وهذا الوضع الناشىء على الساحة السورية، بات يستدعي من الأميركيين وحلفائهم ، إعادة النظر فيما يجري على تلك الساحة، خوفا من تطورات لم تكن غير متوقعة ، وليست في مصلحة أميركا وحلفائها، أو في مصلحة إسرائيل التي تسعى أميركا بالدرجة الأولى للحفاظ على أمنها وعلى بقائها حية ومستقلة ومستقرة في منطقة الشرق الأوسط .

والواقع أن الولايات المتحدة ، قد ارتكبت في الماضي القريب ، أخطأ جمة لدى تنفيذ إستراتيجيتها غير المدروسة جيدا في هذه المنطقة من العالم. فالكثير من هذه الإستراتيجيات، كان إستراتجيات مرتجلة درست على ضوء نتائجها الفورية والمباشرة دون دراسة لعواقبها في المراحل البعيدة ، مع أن مقتضيات الدراسة المتأنية، كانت تتطلب دراسة كل الاحتمالات المتوقعة كنتائج لتحقيق إستراتيجية ما. فالاحتمال الذي قد يبدو للوهلة الأولى احتمالا هامشيا بعيد التحقق، قد يصبح فيما بعد، ونتيجة للتفاعلات غير المتوقعة ،هو الاحتمال الأقوى والقادر على تحقيق نتائج درامية ومؤثرة .

والتجارب الأميركية السابقة التي دلت على الفشل في التخطيط والتنفيذ ، كانت كثيرة ومتعددة . ولعل أبرزها الإخفاقات الأميركية التالية :

1) تجربة أفغانستان : فعندما دخل السوفيات إلى أفغانستان في نهايات عام 1979 ،سارعت الولايات المتحدة ، دون إجراء دراسة متأنية ، إلى تشكيل جحافل من مقاتلي القبائل الأفغان ، مع الاستعانة بالمئات من المقاتلين القادمين من كافة أطراف الدول الإسلامية، قامت بتنظيمهم مقدمة السلاح الحديث لهم ، من أجل تحقيق غاية هامة وهي طرد السوفيات من أفغانستان. وكان لديهم هدف آخر غير ذلك الهدف المعلن لأولئك المقاتلين، وهو الحلول محل السوفيات في كابول لدى إخراجهم منها. ونجح أولئك المقاتلون الإسلاميو العقيدة، والكارهون للسوفيات لكونهم شيوعيون ملحدون ، في إخراج الإتحاد السوفياتي من أفغانستان مع نهايات عام 1989، لكن الأميركيين لم يتمكنوا من وضع أقدامهم في كابول ، كما توقعوا، إذ شكل الأفغان حكومتهم المستقلة تماما بقيادة "حكمتيار" ، والتي حل محلها فيما بعد حكومة طالبان اللذين ظهروا فجأة قادمين من المجهول، كما شكل أفغان آخرون بالتعاون مع الجهاديين الإسلاميين القادمين من كل أصقاع الأرض، منظمة القاعدة الشهيرة التي ترأسها أسامة بن لادن، والتي تحولت تدريجيا إلى العدو اللدود للولايات المتحدة، ففجرت الأبراج في نيويورك عام 2001 ،كما قامت بنسف عدد من السفارات الأميركية في كينيا وفي ليبيا وأماكن أخرى ، حيث كان آخرها تفجيرات بوسطن في عام 2013 . وكان المنفذون لذلك كله هم المقاتلون اللذين سلحتهم ودربتهم الولايات المتحدة الأميركية، واللذين انتشروا الآن في مواقع عديدة ومنها الصومال ومالي ونيجيريا والعراقوالمغرب العربي، بل وفي اليمن حيث بات يوجد أكبر الخلايا بعد أفغانستان بقيادة ناصر الوحيشي، مما اضطر الولايات المتحدة لإرسال العديد من الطائرات بدون طيار، لاغتيال بعض قادة القاعدة في اليمن ، بل واضطرها أيضا الآن، في شهر آب 2013، إلى إغلاق تسعة عشر سفارة أميركية في منطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى إجلاء دبلوماسييها والرعايا الأميركيين المقيمين في اليمن، نتيجة توقع ما سمي بأعمال إرهابية خطط لها أيمن الظواهري بالتنسيق مع ناصر الوحيشي .

ثانيا ) الخطأ الأكبر الآخر وقع في إيران. فعندما بدأت التظاهرات المعارضة للشاه رضا بهلوي في عامي 1979 و 1980 ،كان مشعلوها هم العمال والطلاب وأعضاء فدائيو خلق الماركسية، وفدائيو مجاهدي خلق، إضافة إلى أعضاء حزب توده الشيوعي وأعضاء الحزب الديمقراطي الذي ضم مؤيدو المرحوم الدكتور مصدق الذي وقف في وجه الأميركيين وكان أول من أمم النفط في منطقة الشرق الأوسط. أما رجال الدين الإسلاميون من الملالي وآيات الله، فلم يكن لهم أي دور في تلك الانتفاضة الشعبية الكبرى، والتي اضطر الشاه في مرحلة من مراحلها إلى إطلاق النار على المتظاهرين من مروحيات حلقت فوق المتظاهرين ، فقتل عندئذ العديدين . ولكن عبقرية مخططو الإستراتيجية الأميركية، والتي كانت على علم بمرض الشاه بالسرطان، وأنه غير قادر على البقاء على الحياة إلا لسنوات أخرى قليلة، في وقت لم يكن لديه ولي عهد مؤهل لتولي القيادة في البلاد بعد رحيله، وجدت ضرورة لتطبيق نظرية " إزبيغنيو بريجنسكي "، مستشار الأمن القومي لدى الرئيس كارتر، في توجيه التغيير إذا كان لا بد من التغيير. وبما أن بريجنسكي قد لاحظ أن التغيير حاصل لا محالة في إيران، فقد رأى أن يوجهه نحو اتجاه آخر هو الاتجاه الإسلامي، لاعتقاده بأن هذا الاتجاه المتشدد ضد الأفكار اليسارية، سوف يكون قادرا على التخلص من رجالات فدائيو خلق الماركسيين، وعلى جماعات حزب توده الشيوعي، مع القدرة على إحتواء كافة التيارات الأخرى المعارضة من العمال والطلاب وأعضاء حزب "مصدق" وجماعة مجاهدي خلق. كما اعتقد "بريجنسكي" والذين شاركوه في تخطيط تلك الإستراتيجية، أن هدفا آخر أكثر أهمية سوف يتحقق إذا تسلم الإسلاميون شؤون الدولة الإيرانية، وهو قيام أصحاب التيار الإسلامي المعادي بشدة للشيوعية، بأعمال عسكرية على امتداد الحدود الإيرانية السوفياتية ، تشاغل الإتحاد السوفياتي المنشغل أصلا في حرب أخرى ضد المقاتلين الجهاديين في أفغانستان. وهكذا قدموا العون للملالي الإيرانيين بقيادة الخميني الذي كان قابعا في فرنسا ، ولكنه جاء على متن طائرة خاصة ، وهبط في مطار مهراباد التهراني دون اعتراض من قوات الشاه الذي كان ما يزال موجودا على رأس السلطة الرسمية، وكانت قواته العسكرية ما تزال، حتى ذلك الوقت ، على ولائها له. وكان الوصول الآمن للخميني إلى طهران، هو نتاج التخطيط الأميركي سابق الذكر. وهكذا إلتف الملالي والإسلاميون حول الخميني ليشكلوا قوة كبرى استطاعت فعلا أن تقضي على التحرك اليساري والعمالي ، لكنها لم تفعل شيئا بصدد مشاغلة الإتحاد السوفياتي عسكريا . إذ جاءت المفاجأة عندما بدأ الإسلاميون في إعلان عدائهم للأميركان اللذين اعتبرهم الخميني الشيطان الأكبر ، وذلك عوضا عن معاداة السوفيات . كما قام ما سمي بحركة الطلاب الإيرانيين باقتحام السفارة الأميركية في تهران ، وبأخذ كافة الموجودين فيها رهائن، وهي القضية التي شغلت الولايات المتحدة لعدة سنوات في مساع تفاوضية لإطلاق سراحهم .

ثالثا) الحرب اللبنانية التي بدأت في عام 1975 ، وكانت ثمرة لقيام حزب الكتائب الماروني الانتماء ، بالتعاون مع الجيش اللبناني،بمحاولة القضاء على التواجد الفلسطيني المسلح في لبنان ، وكان الهدف الحقيقي منها هو مشاغلة الفلسطينيين لمنعهم من الاعتراض على مفاوضات كامب ديفيد التي كانت قد بدأت للتو. واعتقد الموارنة أن القضاء على الفلسطينيين بالتعاون بينهم وبين الجيش اللبناني، سيكون أمرا سهلا أسوة بما حدث في الأردن عام 1970 عندما استطاع الجيش الأردني، الأكثر بأسا و تدريبا وتسليحا من الجيش اللبناني ، من بسط سيطرته على الأراضي الأردنية، ومن إجبار المنظمات الفلسطينية المسلحة، على مغادرة الأردن إلى أحراش جرش ومن ثم إلى لبنان. ولكن المفاجأة التي كانت متوقعة لبعض المراقبين، ولم يدركها الموارنة عندئذ، قد وقعت فعلا بتفكك الجيش اللبناني إلى عدة جيوش وفرق، وبتقدم القوات الفلسطينية المعززة بقوات الجبهة الوطنية المكونة من اليساريين والقوميين والحركات الإسلامية والشعبية اللبنانية، نحو جبل لبنان، معقل الكتائب والموارنة، بحيث باتت ضهور الشوير وبكفيا، معقل بيار الجميل زعيم الكتائب، مهددة بالسقوط في أيدي المقاومة ، لولا تدخل القوات السورية التي جاءت إلى لبنان كقوات ردع عربية بناء على قرار من الجامعة العربية . فهذا التدخل قد أنقذ الموارنة اللبنانيين من معركة طاحنة تنهيهم تماما . ولكن رغم التدخل السوري ، فإن التواجد الفلسطيني قد نمت قوته ، فازداد شدة وانتشارا، بحيث بسط سيطرته، بالتعاون مع قوات المقاومة الوطنية اللبنانية، على جزء هام من الأراضي اللبنانية كبيروت وصيدا وصور وكافة أراضي الجنوب اللبناني ، مما أفزع الإسرائيليين تدريجيا، إذ بات الفلسطينيون يشكلون ما يشبه حكومة داخل الحكومة، وكانت هي الحكومة الأقوى بين الحكومتين. وهذا ما أفزع الإسرائيليين كثيرا مما دفعهم إلى غزو لبنان في عام 1982 والوصول إلى بيروت بغية طرد القوات الفلسطينية الفدائية واضطرارها ، من خلال اتفاقية عقدها فيليب حبيب ، للخروج من لبنان إلى تونس .

وأنا أذكر جيدا اليوم الذي ظهرت فيه القوات الإسرائيلية في بيروت الغربية. إذ كنت يومئذ في بيروت، بموجب مقتضيات عملي في الإعلام المرئي الذي كان يفرض علي التواجد دائما في المناطق الساخنة في منطقة الشرق الأوسط. وكنت يومئذ منحنيا على جهاز التلكس في فندق الكومودور، أتحاور مع إدارة وكالة " دبليو تي أن " التلفيزيونية وأضعها في صورة المستجدات لذلك اليوم. إذ رفعت عندئذ رأسي إلى الأعلى لألتقط بعض الأنفاس، وفجأة لاحظت وجود ضابط إسرائيلي برتبة جنرال، يرافقه بعض الجنود الإسرائيليين يقفون أمام منصة الاستقبال في الفندق مخاطبين موظف الاستقبال . ورغم علمي المسبق بوصول الإسرائيليين إلى بيروت الغربية، إلا أنني أصبت بلحظة من التوتر والذهول نتيجة اصطدامي بشكل مباشر وملموس بوجودهم فعلا بيننا. وكان الضابط قد جاء لاعتقال السيد "نزال " مدير فندق الكومودور، لمحاسبته على تعاونه مع المقاومة الفلسطينية بالسماح لها بعقد مؤتمرات صحفية في أروقة الفندق. ولكن جموع الصحفيين المتواجدين في الفندق، ومعظمهم من الأجانب ، هرولوا مسرعين إلى مركز اعتقاله في مظاهرة غريبة من نوعها ، مطالبين بالإفراج عنه ، مؤكدين للإسرائيليين بأن المؤتمرات الصحفية للمقاومة الفلسطينية ، كانت تعقد في أروقة الفندق بناء على طلب وإصرار الصحفيين ، وليس نتيجة رغبة شخصية لمدير الفندق. وبناء على ذلك أطلق سراحه فعلا .

وهكذا نلاحظ نوعية الأخطاء الكبرى التي ارتكبتها الولايات المتحدة في اعتمادها لإستراتيجياتها على ما يتبادر إلى ذهنها كنتائج فورية قابلة للتحقق ومرغوب بها، دون الغوص في أعماق النتائج الأخرى التي قد تترتب على تلك الإستراتيجية غير المدروسة دراسة جيدة ، وهي الدراسة التي أسميها بدراسة "إستراتيجية نهاية المطاف "، أي دراسة ما ستؤول إليه تلك الإستراتيجية في نهاية مطافها، أي في آخر مراحلها ونتائجها، وليس بناء على ما يتبادر منها في أولى مراحلها. وهذا أمر آمل أن تأخذه الولايات المتحدة بعين الاعتبار إذا ما عادت إلى تدارس إستراتيجيتها بالنسبة لسورية، وأن تقدر بالتالي العواقب الكبرى التي بدأت تترتب على تلك الحرب من سطوة تيار الإسلام السياسي ، وخصوصا المتشدد منه والمتمثل بالجهاديين والسلفيين اللذين اختطفوا مطرانين منذ أكثر من مئة يوم ، ولم يعلم أحد بعد بمصيرهما، كما اختطفوا القس "باولو" واختفت أثاره حتى الآن، كما قتلوا بدم بارد عائلات كردية في الشمال، وعائلات أخرى علوية في قرى قريبة من الساحل السوري، إضافة إلى قيام أحدهم بالتهام قلب جندي سوري أمام الكاميرات، وأعمال أخرى كثيرة لا توصف بوحشيتها (كقطع الرؤوس) وابتعادها عن مفاهيم الإنسانية والحضارة. وهذه كلها أمور مفزعة تزيد المخاوف من الفظائع المرشح أولئك لارتكابها إذا ما سيطروا تماما على مجريات الأمور السورية. وهم مهيئون لتحقيق ذلك مع تقدمهم نحو الساحل السوري . فإذا كانت الأسلحة التي يستخدمونها في القتال تأتيهم من الأميركيين أو من غيرهم، لكنها تصل في أغلبها عبر الحدود التركية القادرة على السيطرة على كمها ونوعها، لن تعود قادرة على تلك السيطرة بعد وصول الجهاديين إلى الساحل السوري. إذ سيبدأ عندئذ عبر استخدام الزوارق والسفن الصغيرة، تدفق تلك الأسلحة من القاعدة ، حلفاءهم، ومن غيرهم من الممولين لهم بالسلاح والمال، دون قدرة لأحد على مراقبة نوعيتها وحجمها وكميتها ، مما سيعجل في قدرتهم على حسم الموقف بشكل نهائي لمصلحتهم ، وبالتالي سيعجل في بسط سيطرتهم على معظم الأراضي السورية، إن لم يكن على كامل تلك الأراضي، مما سيشكل عندئذ خطرا حقيقيا على دول الجوار، وبالذات على إسرائيل التي ستبدأ عندئذ بمعاناة العمليات الانتحارية والسيارات المفخخة التي عرفتها حتى الآن كل من سوريا والعراق .

فهل كان الهدف الحقيقي من إشعال الحرب الأهلية في سوريا، هو فعلا حماية أمن إسرائيل وضمان بقائها مستقرة وآمنة ؟ فإذا كان ذلك هو الهدف المباشر للإستراتيجية الأميركية، سواء عن طريق إسقاط الحكومة في سوريا، أو عبر إضعافها للتخفيف من ممانعتها للحل السلمي (الاستسلامي )، فهي مرة أخرى قد جانبت الصواب، وحكمت على ضوء ما توقعته كنتائج مباشرة لعملها ذاك، ولم تتدارس النتائج الأخرى التي قد تترتب في مراحل لاحقة على إستراتيجيتها تلك، أي أنها لم تتدارس إستراتيجيتها على ضوء نهايات مطاف تلك الإستراتيجية وما قد يترتب عليها من نتائج لاحقة، تماما كما فعلت لدى دعمها للجهاديين في أفغانستان، وللإسلاميين في إيران، وللموارنة في لبنان. ففي كل حالة من تلك الحالات، حصدت الولايات المتحدة نتائج غير متوقعة وضارة بمصالحها، وهي ما زالت تعاني من تلك النتائج، سواء في أفغانستان التي اضطرت إلى غزوها بشكل مباشر في عام 2002 ، وفي إيران التي باتت تخشى من تطور تسليحها واحتمال توصلها، كما تدعي، لامتلاك قنبلة نووية قد تحقق التوازن مع القنابل النووية التي تمتلكها إسرائيل .

ذلك أن الولايات المتحدة لا تتفهم تماما مضمون الفكر الجهادي المنتمي للقاعدة . فهي لا تتفهم مثلا بأن تفجيرات نيويورك لم يكن الهدف منها تفجير الأبراج بحد ذاته، ومثله تفجير بعض السفارات الأميركية، إذ كان مفهوم أولئك بأن هذا العمل إنما يشكل خطوة (او الطريق ) نحو الوصول إلى تحرير الحرم القدسي وبيت المقدس. وهم الآن إذ يسعون إلى تحرير دمشق، إنما يعتقدون أنهم بخطوتهم تلك، إنما يتقدمون خطوات نحو القضاء على إسرائيل. وأنا بطبيعة الحال أتمنى أن يستطيع الوطنيون من العرب تحرير فلسطين بكاملها من الغطرسة الصهيونية. كل ما في الأمر أنني لا أريد، على ضوء عمق الرؤيا والتحليل، ونتيجة استيعابي لكل إستراتيجية في نهاية مطافها وليس في نتائجها الأولية والمباشرة، لا أريد استبدال سيطرة إسرائيلية على فلسطين، بسيطرة منظمة القاعدة التي قد تقتل عائلات بريئة، وتلتهم قلوب بعض المواطنين، وتخطف القساوسة والمطارنة، وتقطع الرؤوس بشكل همجي ودون محاكمة .

ومن هنا أتمنى على أميركا، وعلى الرئيس أوباما بالذات، أن يعيد النظر في إستراتيجيته نحو سوريا، وأن يتعمق في دراسة النتائج اللاحقة المترتبة عليها، والتي هي أكثر ضررا على الولايات المتحدة من أي ضرر آخر. فإذا فكرت الولايات المتحدة جديا في التدخل العسكري في سوريا، على غرار التدخل في ليبيا عام 2011، ( وأنا أتمنى ألا تتدخل في أي بلد عربي )، فإنني آمل أن يكون تدخلها ضد جبهة النصرة، وضد جماعة دولة العراق وسوريا الإسلامية وغيرهما من المنظمات الجهادية المنتمية للقاعدة والتي تشكل خطرا على الجميع ، بما فيهم الولايات المتحدة .

ولأني أتمنى على أميركا أن تفكر دائما بتعمق قبل الإقدام على أعمال طائشة أخرى لم تتدارس عواقبها جيدا، فإني أتمنى عليها أيضا أن تفكر مليا فيما تفعله في اليمن حاليا من إجلاء رعاياها وإغلاق سفارتها ،إضافة إلى إغلاق ثمانية عشر سفارة أميركية أخرى في المنطقة، نتيجة مكالمة هاتفية جرت بين أيمن الظواهري زعيم القاعدة ، وناصر الوحيشي رئيس مجموعة القاعدة في اليمن، سجلتها المخابرات الأميركية ودفعتها لاتخاذ كل تلك الإجراءات الوقائية التي اتخذتها، بما فيها تواجد خمس سفن عسكرية أميركية في موانىء عدن ربما تكون جاهزة للتدخل رغم إنكار الولايات المتحدة ذلك. فالمكالمة تلك التي رصدتها "السي أي إيه " قد كشفت، كما قالوا، عن وجود مخطط لأعمال "إرهابية " كبرى في اليمن. ولكن هل فكر الأميركيون ولو للحظة باحتمال وجود احتمالات أخرى، كأن يكون تمكين الأميركيين من رصد تلك المكالمة الخطيرة ، إنما كان أمرا مقصودا من قبل القاعدة، بهدف إشغال الأميركيين في اتخاذ الاحتياطات في اليمن، عندما هي تخطط فعلا لتضرب في أوروبا أو في أميركا أو في أي مكان آخر في العالم. وبالتالي ربما كانت تلك المكالمة مجرد مكالمة تمويهية، وهي موهبة متوفرة لدى الظواهري وجماعته، وبالتلي هي ليست مكالمة حقيقية. فأنا مثلا لا أتوقع أن يكون الظواهري والوحيشي بهذه السذاجة، ليتخاطبوا في أمور كهذه عبر الهاتف الذي يتوقعونه عل الدوام أن يكون هاتفا مراقبا
هذا على كل حال هو مجرد احتمال، لكني آمل أن يفكر الأميريكيون العقلاء في أميركا ولو قليلا بهذا الاحتمال. فلا نريد مزيدا من التخطيط الإستراتيجي المتسرع بأسلوب ساذج وسطحي ولا يعرف الدراسة المتأنية والمتعمقة.



#ميشيل_حنا_الحاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي – ال ...
- Arab Spring Question 25 أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع ال ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي - ال ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي - ال ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابات حل الواقع العربي والربيع العربي – الس ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي - ال ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابةحول الواقع العربي والربيع العربي- السؤا ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي – ال ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي - ال ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي - ال ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي ‏ ال ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي السؤ ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي – ال ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابة حول الواقع العربي والربيع ‏العربي- الس ...
- أسئلة تحتاج إلى جواب حول الواقع العربي والربيع العربي – السؤ ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي - ال ...
- أسئلة تحتاج الى اجابات حول الواقع العربي والربيع العربي السؤ ...
- أين ديمقراطية أثينا بين ديمقراطيات العالم العربي وخصوصا في م ...


المزيد.....




- بوتين: ليس المتطرفون فقط وراء الهجمات الإرهابية في العالم بل ...
- ما هي القضايا القانونية التي يواجهها ترامب؟
- شاهد: طلاب في تورينو يطالبون بوقف التعاون بين الجامعات الإيط ...
- مصر - قطع التيار الكهربي بين تبرير الحكومة وغضب الشعب
- بينها ليوبارد وبرادلي.. معرض في موسكو لغنائم الجيش الروسي ( ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف مواقع وقاذفات صواريخ لـ-حزب الله- في ج ...
- ضابط روسي يؤكد زيادة وتيرة استخدام أوكرانيا للذخائر الكيميائ ...
- خبير عسكري يؤكد استخدام القوات الأوكرانية طائرات ورقية في مق ...
- -إحدى مدن حضارتنا العريقة-.. تغريدة أردوغان تشعل مواقع التوا ...
- صلاح السعدني عُمدة الدراما المصرية.. وترند الجنازات


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشيل حنا الحاج - أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي