أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشيل حنا الحاج - أين ديمقراطية أثينا بين ديمقراطيات العالم العربي وخصوصا في مصر على ضوء حملتي “تمرد” و”تجرد















المزيد.....



أين ديمقراطية أثينا بين ديمقراطيات العالم العربي وخصوصا في مصر على ضوء حملتي “تمرد” و”تجرد


ميشيل حنا الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 4124 - 2013 / 6 / 15 - 10:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أين ديمقراطية أثينا بين ديمقراطيات العالم العربي وخصوصا في مصر على ضوء حملتي “تمرد” و”تجرد” Question Eleven

إن مفهوم الديمقراطية قد جاءنا من أثينا . ففي المدينة اليونانية أثينا أو غيرها من المدن اليونانية ، كان سكان المدينة يجتمعون في ساحتها الكبرى ويتداولون في الأمور التي تهمهم . وكان من السهل جدا اتخاذهم للقرار بموافقة الأكثرية ،فلم يكن هناك مجال للتلاعب أو التزوير في تحديد هذه الأكثرية . ذلك أن عدد السكان كان محدودا، وهم يتناقشون وجها لوجه ، فلا مجال هنا للتزوير أو للخداع ولقد نقلت شعوب العالم مفهوم الديمقراطية عن أثينا وعن غيرها من المدن اليونانية . ولكن مع اتساع رقعة الدول ، والتكاثر في عدد سكانها ، وانتشار مدنها على رقعة واسعة من الأرض ، لم يعد بالإمكان أن يجتمع سكان الدولة الواحدة في ساحة أوموقع ما ، للاتفاق على قضية ما ، أو على إقرار قانون ما . وبالتالي ابتكرت هذه الشعوب فكرة الصندوق كوسيلة لتحديد المواضيع التي يتم الاتفاق عليها ديمقراطيا، أي تلك القرارات التي حصلت على نسبة موافقة أعلى من تلك الرافضة لمشروع القرار. وسمي هذا الأسلوب بديمقراطيةالصندوق، أي صندوق الاقتراع الذي بات رمزا للديمقراطية الحديثة ، فحل محل ديمقراطية أثينا ، رغم كونه مع التطور الذي طرأ على تشكيل الدول، غير مضمون الوصول من خلاله إلى النتائج السليمة ، المعبرة تعبيرا أكيدا لا يقبل الجدل ، حول نسبة الأكثرية الموافقة من بين أعداد مواطني تلك الدولة ، والأقلية الرافضة ، أي غيرالموافقة على مشروع القرار المقترح .

ومع مرور الزمن ، اعتمدت الدول ذات الطابع الموصوف بالديمقراطي ، نسبة الخمسين زائد واحد بالمائة كنسبة تحدد موافقة الأكثرية على مشروع القرار، سواء كان قرارا حول قانون معين، أو حول انتخاب ممثليهم في البرلمان ، أو لمركز قيادة الدولة ، كانتخاب رئيس الجمهورية في انتخابات الدول المعتمدة للنظام الجمهوري ، خلافا للدول ذات النظام الملكي والتي يجري تولي القيادة فيها عن طريق التوارث ، كما هو حاصل في دول الخليج ، وفي المملكتين الأردنية و المغربية ، وفي عدد قليل من دول أوروبا الغربية كهولندا وبلجيكا والسويد، وغيرها من الدول الأخرى ذات النظام الملكي إن وجدت سواء هنا أو هناك .

ولكن أسلوب الاقتراع المباشر عبر صندوق الانتخاب ، ليس قادرا على الدوام على إبراز الرغبة الحقيقية للشعب . فالتطورات الحديثة باتت قادرة على تحقيق نسبة من التزوير سواء في قوائم الناخبين ، أو في صحة الأوراق المودعة في الصندوق . كما أن نسبة الخمسين في المائة زائد واحد ، لا تعني بالضرورة أن أكثرية الشعب في تلك الدولة ، قد وافقوا فعلا على مشروع ذاك القرار ، أو على انتخاب رئيس تلك الدولة . فالخمسون بالمائة زائد واحد ، هي النسبة الأعلى بين عدد المقترعين ، ضاربة عرضة الحائط بأولئك الذين لم يدلوا بأصواتهم ، إضافة الى عدد ملحوظ من السكان الذين كانوا دون سن الاقتراع ، أي دون سن الواحد والعشرين من العمر، أو الثامنة عشرة من العمر، حسب السن الذي تحدده تلك الدولة لمن لهم حق الاقتراع .

وهذا يعني أن الصندوق لا يعود قادرا على رسم الصورة الحقيقية للديمقراطية ، ولم يعد تعبيرا دقيقا عن رغبة شعب ما . فالصندوق إذن قد ابتعد بالشعوب كثيرا ، أو بعض الشيء على الأقل، عن روح الديمقراطية الفعلية ، أي عن روح الديمقراطية الاثينية.

كما أن القول بأن أحد المرشحين لانتخابات الرئاسة ، دون المرشح الآخر في مرحلة الاقتراع الثانية بين المرشحين الحائزين على أعلى نسبة في الاقتراع الأول أو التمهيدي للانتخابات ، قد فاز لحصوله على نسبة الواحد وخمسين بالمائة زائد واحد ، أو حتى على زائد عشرة بالمائة . فهذه الزيادة الطفيفة لا يجوز أن تشكل سببا للفوز بالرئاسة ، لأننا نكون عندئذ قد ضربنا عرض الحائط بنسبة التسعة والأربعين ، أو حتى الأربعين بالمائة التي إقترعت لمصلحة المرشح الأخر المنافس . فهذا الأسلوب ، رغم اعتماده في العديد من الدول ، لا يعكس النتائج الديمقراطية الفعلية لرغبات شعب ما فالوصول الى الديمقراطية الحقيقية إذن ، يستوجب إعادة النظر في مفهوم تلك الدول لمبادىء الديمقراطية الحقيقية وذ1لك كي لا تهدر رغبات أولئك الذين أدلوا بأصواتهم لمصلحة المرشح الذي إعتبر خاسرا. ومن هنا يات يتوجب على الدول المتحضرة أن تبدل أسلوبها وقناعاتها ، فتجزء توزيع المدة الرئاسية المحددة بين الخصمين ، ليتولى الفائز الأعلى مدة زمنية من مدة الرئاسة تتناسب مع الكم النسبي الذي حصل عليه الفائز بالعدد الأكبر من الأصوات ، على أن يتولى المرشح الحاصل على نسبة أدنى ، مدة زمنية من الرئاسة تتناسب مع ذاك القدر من الأصوات التي حصل عليها . فاذا كانت مدة الرئاسة أربع سنوات ، يتولى الفائز الأكبر نسبة سنتين ونصف مثلا ، على أن يتولى المرشح الثاني ما تبقى من المدة الرئاسية. فهذا هو مقتضى الديمقراطية الحقيقية ، لو شئنا أن نطبق مفهوم الديمقراطية بحذافيرها.

ولكن إذا تعذر تنفيذ هذا الاقتراح ، الذي قد يبدو لوهلة اقتراحل سخيفا ، فإن هناك اقتراحا آخر قد يكون أفضل عمليا في تطبيق روح الديمقراطية ، وهو أن يصبح الحائز على النسبة الأعلى في الانتخابات رئيسا للدولة ، على أن يصبح الحاصل على نسبة أدنى نائبا للرئيس . فهذا هو مقتضى مفهوم الانتخاب على مرحلتين . فالمرحلة الأولى قد حددت من هما الحائزين على النسبة الكبرى من ثقة الشعب ، على أن تكون المرحلة الثانية ، هدفها تحديد أيهما سيكون رئيسا، وأيهما سيكون نائبا للرئيس حتى لو كان كل منهما ينتمي إلى حزب آخر منافس لحزب الفائز بالرئاسة . فما المانع بأن يحكم البلاد إئتلاف بين الحزبين، عكست عملية الاقتراع الديمقراطية الرغبة في حصوله، أي في حصول ذاك الائتلاف . ويمكن لدستور الدولة أن يحدد صلاحيات معينة للرئيس، وأخرى لنائبه كي يتجنب الطرفان حصول الخلافات بينهما .

وإذا إعتبر البعض أن هذين الاقتراحين هما اقتراحان غير عمليين ، هناك اقتراح ثالث قد يحقق للديمقراطية مفهومها الحقيقي ، وهو مفهوم الديمقراطية بمفهومها الأصلي أي الأثيني . وذلك الاقتراح هو أن يعتد بنسبة الخمسين بالمائة زائد واحد، على أن تكون خمسين بالمائة زائد واحد من مجموع من لهم حق الاقتراع ، وليس فقط ممن اقترعوا فعلا . ذلك أن أولئك الذين لم يدلوا بأصواتهم، إنما قد عبروا بامتناعهم السلبي ذاك عن موقفهم الحقيقي الذي يقول لا للمرشحين معا.

أما الاقتراح الرابع الذي يسعى بالعودة إلى الديمقراطية بمفهومها الذي يقترب ولو قليلا من المفهوم الأثيني ، فهو رفع النسبة لاعتبار الفائز فائزا في أية عملية اقتراع تجري عبر ذاك الصندوق العتيد . من خمسين زائد واحد ، إلى الثلثين . فكي يفوز أحد المرشحين بالرئاسة، يتوجب عليه أن يحصل على ثلثي الأصوات حتى لو اقتضى الأمر إعادة الاقتراع مرات ومرات ، إلى أن تتوفر نسبة الثلثين لأحدهما . فهنا رغم كل المصاعب ، نصبح بصدد ديمقراطية أكثر حقيقية تعبر بشكل أفضل من اعتماد نسبة الخمسين بالمائة زائد واحد .

ولعل الجنرال ديغول ، الزعيم الوطني الفرنسي وقائد عملية تحرير فرنسا من الاحتلال النازي، كان يرمي إلى ترجيح هذه الفكرة ، فكرة الثلثين من الأصوات ، لا الخمسين زائد واحد ، كنسبة لإقرار مشروع ما ، أو لانتخاب رئيس ما على سبيل المثال . فهو قد قدم استقالته من الرئاسة، بعد أن طرح مشروعا ما على الاستفتاء الشعبي ، وحصل مشروعه ذاك على نسبة تفوق الخمسين بالمائة . لكنه اعتبر ذلك هزيمة للمشروع ، فقدم استقالته رغم اعتراض أنصاره قائلين بأن المشروع قد فاز بثقة الشعب ، إذ كان رده عندئذ بأنه قد توقع أن يحصل اقتراحه ذاك على نسبة الثلثين . فالنسبة الأدنى من الثلثين ، ليست كافية لاعتبار المشروع قد ووفق عليه برغبة شعبية عارمة ، تعكس الفهم الحقيقي للديمقراطية وللأكثرية .

ولعل أبرز امتحان لديمقراطية الصندوق ونسبة الخمسين زائد واحد ، قد برزت بشكل واضح مع مطلع القرن الحادي والعشرين ، وذلك في الانتخابات الرئاسية الاميركية في عام 2000 ، والانتخابات الرئاسية في مصر في عام 2012 . ففي الانتخابات الرئاسية الاميركية ، كان الفارق في الأصوات بين المرشح جورج بوش الابن ومنافسه آلغور نائب الرئيس كلينتون ، تعد على أصابع اليد ، مما استدعى اللجوء إلى المحاكم الاميركية العليا في الدولة ، مرة تلو الأخرى ، للفصل في هذا الأمر العسير. ولكن جورج بوش الابن المتسم بعنفوان الكاوبوي المعروفة في ولاية تكساس التي ينتمي إليها ، جعله يرفض كل القرارات ، ويتمسك بأنه الفائز في انتخابات الرئاسة ، مما وضع الدولة على حافة الانقسام وربما الوصول إلى مرحلة الاضطرابات، كي لا نقول حافة الحرب الأهلية المستبعد وقوعها في دولة مؤسسات كدولة الولايات المتحدة . لكن حكمة الرئيس كلينتون الذي تخلص بذكائه وحكمته من شرك فضيحة مونيكا الذي حفر له، سعى أيضا إلى تخليص البلاد من هاوية الإضطرابات ، فنصح نائبه آل غور بالتخلي عن تمسكه بحق الفوز في الانتخابات الرئاسية ، وأن يتركها للمنافس جورج بوش الابن الذي كان مهيئا لتدمير كل شيء (تقريبا ) من أجل الوصول إلى الرئاسة ، والتي أدى وصوله إليها في نهاية المطاف، إلى إدخال الولايات المتحدة في حربين شرستين ، إحداهما في أفغانستان ، والأخرى في العراق ، مما حقق في نهاية المطاف خسائر كبرى لحقت بالاقتصاد الاميركي ، وأدى أيضا إلى إفلاس عدد كبير من البنوك في الولايات المتحدة.

أما التجربة الثانية فكانت في انتخابات مصر الرئاسية عام 2012 ،عندما تنافس محمد مرسي ، مرشح الإخوان المسلمين ، مع أحمد شفيق الذي كان يحظى بتأييد عدد من المواطنين أهمهم أولئك الذين كانوا ما زالوا يتعاطفون مع الرئيس المخلوع حسني مبارك ، وذلك لكون أحمد شفيق قد عمل في السابق مع مبارك في عهده . فاعتقد أولئك أن انتخابه سيشكل امتدادا أو عودة لنظام مبارك . وهنا شعر بعض المصريين ، وربما الكثيرون منهم ، أن الاختيار بين المرشحين، قد بات كالاختيار بين الكوليرا والطاعون ذلك لأن عددا كبيرا منهم كانوا كارهين لانتخاب رئيس ينتمي إلى الإخوان المسلمين وكذلك لاختيار رئيس يعود بالبلاد إلى عهد مبارك الذي لفظته ثورة شعبية عارمة في مطلع عام 2011 . ومع الاعتذار لكل من شفيق ومرسي عن هذا التشبيه الذي يقصد فيه فقط إيضاح عمق المشكلة التي واجهها الشعب المصري ، الذي إعتبر أن انتخاب مرسي هو كاختيار الكوليرا، وأن انتخاب شفيق كان كاختيار الطاعون الذي اعتبر أكثر فتكا من الكوليرا. ونتيجة لذلك امتنع البعض عن الإدلاء بأصواتهم ، بينما انتخب البعض الآخر ، على مضض ، محمد مرسي رغم تكييفه كالكوليرا البغيضة ، لكنها المرض الأقل فتكا من الطاعون وهكذا فاز مرسي بمقعد الرئاسة ، حاصلا على ثلاثة عشر مليون صوت أو أكثر قليلا،بينما حصل منافسه أحمد شفيق على عدد من الأصوات تجاوز الاثني عشر مليونا وهي أصوات كادت تقترب إلا بعض الشيء من الأصوات التي حصل عليها مرسي، ونتيجة لذلك بات مرسي حاصلا على الخمسين بالمائة زائد ثلاثة أو أربعة بالمائة .

ولكن الثلاثة عشر مليون صوت ونيف التي حصل عليها مرسي ، قياسا بمفهوم الديمقراطية الحقيقية ، لم تشكل إلا أربعة عشر بالمائة من عدد سكان مصر البالغ عددهم تسعين مليون مواطن. وهذه نسبة ضئيلة جدا ولا تمثل تطبيقا فعليا وعادلا لمفهوم الديمقراطية الأثينية. وحتى لو أجرينا القياس على عدد أصوات الناخبين المسجلين و المؤهلين للاقتراع وعددهم خمسة وخمسين مليونا ، فإن نسبة الأصوات التي حازها قياسا بأولئك الناخبين المسجلين ، تصبح ثلاثة وعشرون بالمائة ، وهذه نسبة لا يجوز أن تؤهل أحدا للفوز بمركز ما مهما كان مستواه . فالديمقراطيات الحديثة ينبغي ، إذا تمسكت بمبدأ الخمسين زائد واحد ، أن تشترط ، كما سبق وذكرنا ، حصول المرشح على خمسين زائد واحد من نسبة الذين لهم حق الاقتراع ، وليس نسبة خمسين زائد واحد من المقترعين فعلا ، خصوصا وأن أولئك الممتنعين عن الاقتراع، إنما قد عبروا، كما سبق وذكرنا، بامتناعهم ذاك عن رفض سلبي لهذا المرشح وذاك ، إذ لم يكونوا راغبين بالاختيار بين الكوليرا والطاعون . وعلى ضوء هذا المفهوم الذي لم تعتمده حتى الدول المتحضرة أو الأكثر تطورا ، يمكننا أن نقول أن النسبة التي حصل عليها الرئيس مرسي ، ليست نسبة مرموقة ويعتد بها ، مذكرين بموقف الرئيس ديغول الذي رفض الاعتداد بنسبة الخمسين بالمائة زائد واحد أو زائد اثنين أو ثلاثة ، هلم جرا .

ومع ذلك قبل الشعب المصري بفئاته المتعددة ، أي الإخوانيون والسلفيون والقوميون والليبراليون بل والمسيحيون منهم أيضا ، هذه النتيجة ورحبوا بالأخ محمد مرسي رئيسا لكل المصريين ، متفائلين خيرا بهذا الرئيس الجديد الذي جاء عن طريق الصندوق ، رغم اختلاف المفاهيم حول قضية الصندوق ، آملين بأن يعم الرخاء والعدالة بلادهم بسكانها التسعين مليونا، رغم تعدد أهوائهم ومشاربهم ، خصوصا وأن الرئيس قد وعد بتعيين نوابا ومساعدين له يمثلون كافة تلك الأطياف دون تمييز فئة على أخرى .

لكن المفاجأة قد حصلت عندما تبين أن النواب والمساعدين، كانوا مجرد دمى تجلس على مكاتبها دون أن يقوم الرئيس المنتخب باستشارتهم أو الاستماع إلى آرائهم ومشورتهم قبل اتخاذ قرار ما . فباتت القرارات تترى وتعلن دون أن يعلم أولئك بأمرها إلا بما يسمعونه عن طريق الصحف وقنوات الاذاعة والتلفزيون. وهنا بادر العديدون منهم إلى الاستقالة من مناصبهم ، التي تأكدوا الآن بأنها صورية ، وهدفها مجرد تجميل ديكور رئاسة الجمهورية.

وجاء بعد ذلك الأمر الثاني الذي أثار علامات استفهام على نوايا الرئيس الجديد . إذ بدأ أنصاره يلاحقون منافس الرئيس في الانتخابا أحمد شفيق الذي انتقل إلى دبي في رحلة مؤقتة وقصيرة ، فاتهموه بالفساد وببيع بعض أراضي الدولة بأثمان بخسة أثناء قيامه بقيادة سلاح الجو المصري ، طالبوه برد تلك الأموال، و تنفيذا لذلك حجزوا على أمواله الخاصة إلى أن تصدر المحاكم قرارها بخصوص هذا الادعاء . وكان الهدف من ذلك كله هو الحيلولة بينه وبين العودة إلى مصر، مما اضطره للبقاء خارج البلاد . ولست في معرض الدفاع عن أحمد شفيق الذي لا أتفق معه في منهجه السياسي ، ولكن من باب الدفاع عن روح الديمقراطية، رأى الكثيرون أن ملاحقة الخصم المنافس في انتخابات الرئاسة ، هو أمر ممجوج ولم تلجأ إليه في بعض الأحوال إلا دول أفريقية ما تزال بعيدة عن ركب الحضارة ، فهو إذن وبكل تأكيد غير مقبول في مصر التي عرفت الحضارة منذ زمن الفراعنة ، وفي أيامنا هذه أيضا .

ثم جاء الأمر الثالث الذي أثار امتعاض الكثيرين بما فيهم السلفيون ، الحلفاء السابقين للرئيس مرسي ،وربما الحاليين أيضا ولو على مضض، عندما سعى الإخوان المسلمون إلى تفتيت حزب النور السلفي ليصبح ثلاثة أحزاب ، في وقت كان فيه حزب النور في بداية الأمر حزبا واحدا له قوته وتواجده السياسي القوي والناشط .

كما جاء بعد ذلك الأمر الرابع ، وهو مطاردة الإعلاميين عبر استدعائهم للتحقيق

معهم بتهم مختلفة . واتسع الأمر ليمتد إلى محاولة استدعاء بعض السياسيين من قادة المعارضة لغايات التحقيق معهم أيضا. ولو توقف الأمر عند ذلك لهان الأمر ، لكن جماعة الإخوان المسلمين من أنصار الرئيس ،باتوا يحاولون إحباط أي تجمع تقيمه المعارضة، وذلك بإقامة تجمع مواز له في ذات الموقع وأحيانا في موقع آخر قريب منه . وجاء ذلك، إضافة إلى محاصرة المدينة لإعلامية أكثر من مرة في مسعى لإخافة الإعلاميين ، ومحاصرة المحكمة الدستورية للحيلولة بينها وبين إصدار قرار قد لا يرضى عنه الإخوان، ومهاجمة المتظاهرين أمام قصر الاتحادية وحرق خيامهم وإلحاق الأذى بهم بل واعتقال بعضهم وتعذيبهم . وما فعلوه أيضا بعد ذلك من مهاجمة المعتصمين في ميدان التحرير، ومن تحطيم أجهزة الصوت الموجودة على منصاتهم والمستخدمة في إلقاء الخطابات ، إضافة إلى الاشتباك الفعلي مع المتظاهرين المعارضين وإصابة أعداد منهم بجراح، وكان آخر تلك الاشتباكات أمام وزارة الثقافة . فهذا كله قد دفع السياسيين المعارضين لسياسة مرسي، الرافضة لتشكيل حكومة اتحاد وطني بغية إنقاذ البلاد من خطر الانهيار الاقتصادي .

ومع اتساع أعمال العنف من قبل الإخوان في مواجهة صفوف المعارضة الوطنية ، اتجهت تلك المعارضة إلى تشكيل مجموعة “تمرد” الساعية للحصول على تواقيع يتجاوز عددها الثلاثة عشر مليون صوت، وهي الأصوات التي انتخب بموجبها الرئيس مرسي رئيسا للبلاد، بهدف أن يقولوا له بأن هذه أصوات ترفض بقاءك في سدة الرئاسة، وهي أصوات تفوق في عددها أصوات الذين انتخبوك ، علما بأن الكثير من الأصوات التي انتخبتك ، كانت اصواتا صادرة عن بعض القوميين والليبراليين واليساريين، الذين اختاروا انتخابه على انتخاب أحمد شفيق ، مفضلين بذلك الكوليرا على الطاعون الذي كان مهيئا لإعادة حكم مبارك وأكثر ما كان يثير مخاوف المعارضة المصرية، هو لجوء الإخوان من أنصار مرسي لاستخدام أسلوب سبق إتباعه في ايران في بدايات الثورة الاسلامية هناك في عام 1980 حيث استخدم أولئك ذاك الأسلوب البشع من التخويف والتهديد والترويع ، في مواجهة خصومهم من اليساريين والليبراليين الذين قاموا فعلا بالثورة الإيرانية دون أي مساعدة من ملالي إيران، أو من أي فئة من فئات التيار الإسلامي الذين تربعوا بعد ذلك على سدة الحكم في إيران ، بينما لاذت الأطياف الأخرى ذات النزعة اليسارية والليبرالية بالفرار بل وبمغادرة البلاد طالبين اللجوء في السويد وفي الولايات المتحدة والواقع أنني قد عاصرت بنفسي ، كصحفي ، مراحل تلك الثورة على الشاه منذ بداياتها وحتى قيام ما سمي بقيام الطلبة الإيرانيين باحتلال السفارة الاميركية، واتخاذ من كان فيها من دبلوماسيين وموظفين ، كرهائن ساوم عليهم الإيرانيون من جماعة الحزب الجمهوري ومعهم حرس الثورة الإيرانية، اللذين قايدوهم فيما بعد، نتيجة مفاوضات سرية بينهم وبين ممثلين عن مجموعة بوش ، بالسلاح وبمكاسب أخرى ، مقابل إطلاق سراحهم عشية الانتخابات الرئاسية في أميركا، مما أدى إلى سقوط الرئيس كارتر وفوز الرئيس بوش الأب بتلك الانتخابات وكان الإسلاميون في إيران ، قبل قضية الرهائن وبعدها ، قد لجأوا إلى استخدام تلك الأساليب الترويعية السابق ذكرها ، في مواجهة خصومهم السياسيين بغية الاستئثار بالسلطة. فكانوا يتجمعون قرب كل مهرجان خطابي أو مظاهرة أو حتى جنازة لشهيد يقيمها الخصوم الليبراليون والقوميون واليساريون ‘ فيبدأون بمشاغلتهم عبر قذفهم بالحجارة وتهديدهم بالعصي وبالصيحات المهددة والمتوعدة . ولعل أبرز تلك المواجهات كانت تلك التي جرت في ميدان شاهياد ذو النصب الذي يطاول بارتفاعه عنان الفضاء ، والذي يشكل معلما من معالم طهران ، والواقع على الطريق المؤدي إلى مطار مهرباد الدولي ، حيث نصب جماعات فدائيو خلق بمشاركة مجاهدي خلق ، الخيم المخصصة لعمليات الإسعاف والطوارىء التي أشرف عليها أطباء من أعضاء منتسبين لهذه الحركة وتلك، مشكلين استعدادات كافية لمواجهة كل الاحتمالات . ومع ذلك تمترست مجموعة من حرس الثورة الايرانية ، ومن الملتحين من أنصار الحزب الجمهوري الإسلامي،على تل في مواجهة موقع تجمع المتظاهرين، وبدأوا مستخدمين المقالع برجم المتظاهرين بالحجارة والطوب ، ملحقين بعض الجراح في عدد منهم ، مما اضطرهم إلى فض التظاهرة بشكل مبكر عما كان مقررا لها فهذا الأسلوب العنيف في التعامل مع الحركات الوطنية ، والذي أسكت تلك المجموعات الليبرالية عن المضي قدما في مواجهة التيار الإسلامي في إيران ، هو نسخة طبق الأصل من الأسلوب الذي بات الإخوان المسلمون في مصر يتبعونه مقتدين بأسلافهم الإيرانيين.

لكن أكثر الأمور إيلاما في أسلوب تعامل إخوان مصر مع غيرهم من المواطنين ، كان في قيامهم لأكثرمن مرة ، بالاعتداء على مسيحيي مصر الأقباط الذين يبلغ عددهم في أدنى الأحوال ثلاثة عشر مليونا ، وقد يصل إلى خمسة عشر مليونا في قول آخر ، وهي نسبة من المواطنين تفوق في عددها نسبة الأصوات التي حصل عليها الرئيس مرسي في تلك الانتخابات الرئاسية العتيدة . وقد تسبب الإخوان بوفاة عدد من الأقباط في بعض الحالات ، وهي كثيرة ، إضافة إلى الاعتداء على عدد من كنائسهم مما أثار غضب الأقباط ، وهم السكان الأوائل في مصر، الأمر الذي قد لا يترك خيارا لعدد كبير منهم ، سوى التوقيع على وثيقة ” تمرد ” على أمل أن تؤدي هذه الوثيقة إلى تصحيح الأوضاع في مصر ، وخصوصا عندما ينزل العدد الأكبر من الموقعين ، في الثلاثين من شهر حزيران ، إلى شوارع القاهرة في تظاهرة كبرى تنادي باستقالة الرئيس مرسي .

ولكن الأمر قد لا ينتهي بمجرد تظاهرة للمعارضة تطالب بالاستجابة لمطالب الموقعين على وثيقة ” تمرد” ، إذ أن أنصار الرئيس مرسي من الإخوان المسلمين، قد أنشأوا في المقابل، تجمعا سموه ” تجرد ” يسعى للحصول على ملايين التواقيع التي تعلن تأييدها لبقاء الرئيس مرسي في سدة الحكم ، حتى لو حصلت وثيقة ” تمرد” على عشرين مليون صوت مؤيد لتنحي الرئيس مرسي عن كرسي الرئاسة . ولو توقف الأمر عند هذا الأمر، لكان مقبولا . ولكن أنصار “تجرد ” قرروا أيضا ، استطرادا لأسلوبهم في مواجهة تظاهرات المعارضة اقتضاء بالأسلوب الإيراني ، إقامة تظاهرة مضادة لتظاهرة ” تمرد ” لتواجه تلك المظاهرة ،مما قد يؤدي في النهاية إلى اشتباك بين الطرفين ، وإلى وقوع العديد من الإصابات ، وإلى زيادة التباعد بين الطرفين إضافة لزيادة الطين بللا.

وهنا لا بد من وقفة تأمل ورجاء ، لضرورة استماع الطرفين لصوت العقل. فلا بد أن يتقبل الطرف المعارض وجوب احترامهم لنتيجة صندوق الانتخاب ، رغم كونه قاصرا على تحقيق الديمقراطية الحقيقية أسوة بديمقراطية أثينا . وفي المقابل يعترف الرئيس مرسي بأن انتخابه كان نتيجة ضربة حظ وفرها له كون المرشح المقابل كان أحمد شفيق ، أي الطاعون ، كما يعترف بأن النسبة التي حصل عليها ، لم تكن بالضرورة نسبة ملائمة لاعتبار نفسه قد فاز برضاء نسبة عالية وكافية من مواطني بلده ، لأن النسبة التي اقترعت لصالحه ، كانت فعلا نسبة ضئيلة قياسا بالمفهوم الحقيقي للديمقراطية بمثلها العليا ، لا بما هو قائم فعلا على أرض الواقع ، والذي يعتبر أن نسبة الخمسين بالمائة زائد واحد من أصوات المقترعين، لا من أصوات من يحق لهم الاقتراع ، هي نسبة مقبولة وكافية . ولكن إذا تصرف الرئيس المصري بذكاء ، ورحب بتشكيل حكومة اتحاد وطني تضم الإخوان والمعارضة ، يكون عندئذ قد أصبح قادرا على اعتبار نفسه قد بات جالسا على كرسي رئاسي يتمتع بتأييد أكبر بكثير من نسبة الخمسين زائد واحد ، أو زائد أربعة ، أو زائد خمسة التي ستمكنه من البقاء في السلطة طوال المدة الرئاسية المقررة له



#ميشيل_حنا_الحاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- -إسرائيل تنتهك قوانينا.. وإدارة بايدن لديها حسابات-.. مسؤولة ...
- الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في محيط مستشفى الشفاء بغزة لل ...
- موسكو تدمر عددا من الدبابات الأوكرانية وكييف تؤكد صدّ عشرات ...
- مفتي روسيا يمنح وسام الاستحقاق لفتى أنقذ 100 شخص أثناء هجوم ...
- مصر.. السفيرة الأمريكية تثير حفيظة مصريين في الصعيد
- بايدن يسمي دولا عربية -مستعدة للاعتراف بإسرائيل-
- مسؤول تركي يكشف موعد لقاء أردوغان وبايدن
- الجيش الاسرائيلي ينشر فيديو استهدافه -قائد وحدة الصواريخ- في ...
- مشاهد خراب ودمار بمسجد سعد بن أبي وقاص بمخيم جباليا جراء قصف ...
- قتيل بغارة إسرائيلية على جنوب لبنان والمقاومة تقصف شبعا


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشيل حنا الحاج - أين ديمقراطية أثينا بين ديمقراطيات العالم العربي وخصوصا في مصر على ضوء حملتي “تمرد” و”تجرد