أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - السيد نصر الدين السيد - نظرية رأس السمكة















المزيد.....

نظرية رأس السمكة


السيد نصر الدين السيد

الحوار المتمدن-العدد: 4195 - 2013 / 8 / 25 - 23:39
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


"تفسد الأسماك من رؤوسها وتفسد المجتمعات من نخبها"

صراع لم يحسم بعد
ليس ما يحدث في مصر اليوم من مواجهات سياسية واجراءات امنية الا أحد اشكال الصراع الذي بدأ
في الديار المصرية منذ حوالي 150 سنة. انه الصراع بين "قوى التقليد" و"قوى التجديد" للفوز بعقل وقلب المجتمع المصري، او بعبارة أخرى على "ثقافته الحاكمة". وتتمثل "قوى التقليد" في "تيار الإسلام السياسي"، بكافة فصائله، الذي يعتبر أن الإسلام "دين ودولة" وان الحل هو في "تحقيق المناط"، أو إعادة تشكيل الواقع ليتوافق مع جاء في النص. اما "قوى التجديد" فتتمثل في "التيار العلماني"، بشتى طوائفه من يساريين وقوميين وليبراليين، الذي يؤمن بضرورة فصل الدين عن الدولة ويتبنى قيم الحداثة كأساس لصناعة التقدم. ولقد سعى كل فريق على احداث تغيير في مكونات ثقافة المجتمع المصري لتتفق مع رؤيته.

ويتضح للناظر الى ثقافة المجتمع المصري المعاصرة، كما تتمثل في منظومة القيم الحاكمة لسلوك اغلب افراده، الأثر المحدود والسطحي لـ "مثقفو التجديد". لذا لم غريبا ان يصفهم د. مراد وهبة، أستاذ الفلسفة بجامعة عين شمس، بأنهم "أكبر طبقة خائنة في المجتمع" موضحاً أنهم "لم يؤدوا مسؤولياتهم سواء تجاه تنوير المجتمع أو في الوقوف ضد الأصوليات الدينية" [1].

وهنا نتوقف ونتساءل عن أسباب اخفاق المثقفين العلمانيين، "مثقفو التجديد"، في احداث تغيير جذري في ثقافة المجتمع المصري. ومحاولة الإجابة على هذا السؤال هي فرض عين على كل مثقف يرغب في تفادى أخطاء الماضي. ويمكن ايجاز هذه الأسباب في اربعة مجموعات رئيسية هي: "شيوع التفكير اللاعقلاني"، "الانتقاء العشوائي والمنقوص للمستجدات الثقافية"، والانفصام بين مضمون الخطاب ومشاكل الواقع"، و"سيطرة الأساطير الثقافية".

شيوع التفكير اللاعقلاني
التفكير اللاعقلاني هو التفكير الذي يؤدي الى تصورات مشوهة للواقع واحداثه واستنتاجات غير صحيحة لا سند لها ولا توجد شواهد تؤيدها وتفتقد للمنطق الذي يربط النتائج بالأسباب. وبالطبع فإن الإخفاق هو المصير الحتمي لأي فعل يرتكز على هذه التصورات المشوهة والاستنتاجات غير الصحيحة. ويأخذ هذا التفكير اشكالا متعددة من أهمها "التفكير الثنائي (أو تفكير الأبيض والأسود)" Black and White Thinking، "الاستهانة" Minimization، "التعميم المبالغ فيه" Overgeneralizing. وأول أشكال التفكير اللاعقلاني هو "التفكير الثنائي (أو تفكير الأبيض والأسود)" Black and White Thinking الذي يتبنى في حكمه على الأمور منطق "إما ... أو"، فإما أنت معي على طول الخط أو أنت ضدي على طول الخط. وهكذا يحكم نظرة الذهنية، المحكومة بهذا النوع من التفكير، مفهوم "الحقيقة النهائية والمطلقة" أو "ثنائية الأبيض والأسود" التي لا تقبل الاعتراف بامتزاج الخطأ والصواب في أحكامها وتقديرها للأمور. والشكل الثاني هو "الاستهانة" الذي يتنصل صاحبه من مسؤولية افعاله وتبعاتها ويلقى باللوم على الآخرين. وهو الشكل الذي يدفع أصحابه الى تبنى "نظرية المؤامرة" لتفسير ما يحدث لهم. أما ثالث هذه الأشكال فهو "التعميم المبالغ فيه" الذي يجعل صاحبه يتصور ان ما يصلح، من سلوك او أفكار، في موقف ما يصلح في المواقف الأخرى دون أية مراعاة لاختلاف الظروف.

الانتقاء العشوائي
وثاني هذه الأسباب هو تركيز هؤلاء المثقفين، منذ بداياتهم الأولى، على المنتجات الثقافية الظاهرة للمجتمعات المتقدمة والتغاضي عن مرتكزاتها غير الظاهرة المتمثلة في منظومات القيم للمجتمعات التي أنتجتها. كما اتسم هذا التركيز بما أطلق عليه د. أحمد زايد لفظ "الانتقائية العشوائية" " التي تخضع –على مستوى الفكر-لاعتبارات الشهرة أو الترف الفكري أو الجري وراء الموضات الفكرية، وعلى مستويات السياسات لاعتبارات المصلحة والهوى، وعلى مستوى الحياة اليومية لاعتبارات التميز والمظهرية. لقد كان مبدأ "الانتقائية العشوائية" هذا هو المبدأ الحاكم لتحديث الثقافة التقليدية على مستويات عديدة بدءا من الاقتصاد ومرورا بالنظم السياسية، وحتى الممارسات الحياتية" (زايد 2005). والنتيجة الطبيعية لهذا الانتقاء العشوائي للمنتجات الثقافية المصحوب بالتغاضي عن مرتكزاتها القيمية والفكرية هي عجز هذه المنتجات عن لعب دورها المنشود في تطوير المجتمع المصري كما فعلت في تطوير مجتمعات النشأة. ويوفر لنا تاريخ المجتمع المصري الحديث أمثلة عديدة على هذه الظاهرة. ومن أبرز هذه الأمثلة تلك المنتجات الثقافية المتعلقة بـ "الديموقراطية" وبآليات تحقيقها. فعلى الرغم من مرور 147 سنة على إنشاء مجلس شورى النواب سنة 1866 وعلى الرغم من تعدد تجارب الحياة الحزبية التي مر بها المجتمع المصري منذ هذا التاريخ فإن فكرة الديموقراطية لاتزال غير مترسخة في ثقافة المجتمع المصري. وليس هذا بالأمر الغريب فتفعيل مفهوم الديموقراطية في أي مجتمع يستلزم وجود بنية تحتية من القيم. وعلى رأس هذه القيم قيم "احترام التعدد"، سواء كان تعددا في الفكر أو العرق أو الدين، و"الحرية"، بكل أبعادها الشخصية والسياسية والاقتصادية، و"المساواة"، بما تعنيه من حق الإنسان في أن يعامل على قدم المساواة بغض النظر عن عرقه أو جنسه أو دينه أو وضعه الاقتصادي. ونظرة متأملة لأوضاع المجتمع المصري، على وجه العموم، ولأحوال مثقفيه المسئولون عن ترسيخ وإشاعة هذه القيم، على وجه الخصوص، يكتشف مدى تآكل البنية التحتية القيمية اللازمة لتفعيل مفهوم الديموقراطية. فأول من يهدر من قيمة "احترام التعدد" هم مثقفو التجديد. فمن يخرج عن الاتجاه السائد، فكرة كان أو موقف، هو في عرفهم خائن أو عميل. وما واقعة فصل اتحاد الكتاب المصري لأحد أعضائه لخروجه عن الاتجاه السائد إلا مثال واحد من أمثلة يصعب حصرها.

لغة الخطاب
أما ثالث هذه الأسباب فيتعلق بخصائص الخطاب الذي استخدمه ولايزال يستخدمه مثقفو التجديد في عرض أفكارهم وبطبيعة الجمهور الموجه إليه هذا الخطاب. ونظرة عامة على خطاب مثقفو التجديد منذ نشأتهم وحتى يومنا هذا تشي بملامحه السائدة. فهو في أغلبه خطابا موجها للنخبة وبلغتها ولا يربط بين ما يعرضه من عناصر ثقافية جديدة وما يعانيه المجتمع المصري من مشاكل وما يواجهه من تحديات. لذا لم يكن غريبا أن تكون إجابة أحدهم على السؤال الموجه له عن خطاب النخبة الثقافية وهل تواجه مأزقا في خطابها الذي فقد اتصاله بهموم الشارع المصري على النحو التالي: "هناك بالفعل مشكلة في خطابها مما أحدث نوعا من الانفصال بين خطاب النخبة والجماهير، وعلى النخبة أن تسعى لتطوير وتحديث خطابها لتعاود اتصالها بالجماهير لكي تحدث ثورة اجتماعية" [2].

الأساطير الثقافية
وآخر هذه الأسباب، واخطرها في الوقت نفسه، فهو ما يسيطر على فكر أغلب مثقفو التجديد وما يروجون له من أساطير وأوهام ثقافية. والأسطورة الثقافية هي أي مجموعة من الفروض المتخيلة التي لا يوجد لها أساس في الواقع وعلى الرغم من ذلك تتقبلها مجموعة من البشر على علاتها باعتبارها حقائق وبدون إخضاعها للفحص الناقد عقليا كان أو علميا. ومن أبرز هذه الأساطير أساطير "الوسطية" و"الأصالة والمعاصرة" و"الغزو الثقافي" التي قللت من قدرة مثقفو التجديد، وعلى الأخص قطاع المفكرون منهم، على إنتاج الرؤى المبتكرة والأفكار الجريئة اللازمة لإحداث التغيير المنشود في منظومة الثقافة المصرية. فكلا من أسطورتي "الوسطية"، بنزعتها التوفيقية والتلفيقية، و"الأصالة والمعاصرة"، بالتباس مفاهيمها، تحدان من قدرة من يؤمن بهما على اتخاذ مواقف حاسمة وواضحة تجاه ما يطرح عليهم من قضايا وتحدان من قدرتهم على تطوير رؤى مكتملة تتسق عناصرها مع بعضها البعض وتسهم في إثراء وتطوير منظومة الثقافة المصرية. كما تؤدى قناعة البعض من مثقفي التجديد بأسطورة "الغزو الثقافي" إلى اتخاذهم موقف منغلق يتعامل مع المستجدات الثقافية برفض وعداء مسبقين.

[1] كلمة د. مراد وهبة في الندوة التي عقدت بمقر جريدة "المصري اليوم" شهر مايو .2008
[2] من حديث إدوارد خراط مع جريدة المصري اليوم في عددها 1498 الصادر في 20 يوليو 2008.

المراجع
زايد, أ. 2005. تناقضات الحداثة فى مصر. القاهرة: عين للدراسات والبحوث الإنسانية والإجتماعية.



#السيد_نصر_الدين_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحديث الثقافة المصرية .... المشروع القومى المنتظر
- سلام مربع ل -جهادية- بلدنا
- نظرية التطور والثقافة
- الثقافة العَلمانية: كلمنى عن بكره (4/4)
- الثقافة العَلمانية: وإنك لعلى خلق عظيم (3/4)
- الثقافة العَلمانية: المعرفة هى الحل (2/4)
- الثقافة العَلمانية: هكذا تحدث أمارتيا سن (1/4)
- وقُضِيَ الأمر ... فماذا أنتم فاعلون؟
- الرفاه المُنتظَر والمرجعية المنشودة
- مجتمع المعرفة ودستورنا المرتقب
- الأقدام الصينية وحداثتنا المشوهة (2/2)
- الأقدام الصينية وحداثتنا المشوهة (1/2)
- الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: عصر علوم التعقد ...
- الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: عصر الفكر العلمى ...
- الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: عصر الفكر العلمى ...
- الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: الفكر الأسطورى ( ...
- الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: الفاتحة (1/5)
- الخيار المر ومسئولية الإختيار
- بيت المرايا ودنيا المغالطات
- زمار هاملين وروعة التدليس


المزيد.....




- رئيس كوريا الجنوبية يعتزم إنشاء وزارة لحل أزمة انخفاض معدل ا ...
- مصادر تكشف لـCNN ما طلبته -حماس- قبل -توقف- المفاوضات بشأن غ ...
- ماذا قال الجيش الإسرائيلي بشأن تعليق الأسلحة الأمريكية والسي ...
- -توقف مؤقت- في مفاوضات وقف إطلاق النار بغزة.. ومصادر توضح ال ...
- فرنسا: رجل يطلق النار على شرطيين داخل مركز للشرطة في باريس
- إسرائيل تبلغ نهائي يوروفيجن وسط احتجاجات على مشاركتها بسبب ا ...
- ?? مباشر: محادثات الهدنة تنتهي دون اتفاق وحماس تقول إن -الكر ...
- نتنياهو ينتقد بايدن وواشنطن تقترح -بدائل- لاجتياح رفح
- تشاد تعلن فوز محمد إدريس ديبي بالرئاسة ومنافسه: الانتخابات س ...
- ما مخاطر الذكاء الاصطناعي بين الأيدي الخاطئة؟


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - السيد نصر الدين السيد - نظرية رأس السمكة