أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - بين جبهة وجبهة خمسة وثلاثون سنة مرت















المزيد.....



بين جبهة وجبهة خمسة وثلاثون سنة مرت


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 4112 - 2013 / 6 / 3 - 21:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بين بيان 25 ماي 2013 ( تشكيل جبهة وطنية واسعة ) ومنشور أكتوبر 1978 ( الجبهة الوطنية الديمقراطية بديلا عن " الاجماع " الفاسد ) مرت خمسة وثلاثون عاما ولا تزال نفس الاسطوانة تردد دون نتيجة
في 25 ماي 2013 اصدر " حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي " بيانا الى الرأي العام الوطني والى الفاعلين السياسيين المعنيين بهذا البيان حول انشاء وتشكيل ( جبهة وطنية واسعة تضم الاحزاب اليسارية ) كبديل عن الوضع القائم المتسم بانحسار ( اليسار ) . وفي 2 اكتوبر1978 وزعت بباريس وبالمدن الفرنسية " حركة الاختيار الثوري " منشورا في شكل بيان حول ( الجبهة الوطنية الديمقراطية بديلا عن " الاجماع " الفاسد . ومنذ ذلك التاريخ 2 اكتوبر 1978 و 25 ماي 2013 تكون قد مرت خمسة وثلاثون سنة عن نفس المطلب الذي لم يتحقق الى الآن بسبب عوامل ذاتية وتنظيمية وإيديولوجية حالت دون تحقيق الحلم الذي راود اليساريين في سبعينات القرن الماضي .
لكن ما الفرق بين بيان 25 ماي 2013 و منشور 2 اكتوبر 1978 ؟ ان الفرق يكمن في التطورات اللاحقة التي عرفها المجتمع المغربي وخاصة في زمن العشرية الاخيرة من القرن الماضي ، وتعمقت اكثر خلال العشرية الاولى والثانية من الالفية الثالثة في عهد حكم العاهل محمد السادس ، والتي اتسمت بتقهقر اليسار بشقيه الماركسي والقومي العروبي ، الذي يكابد اليوم فقط من اجل الاستمرار في الحياة دون التأثير في تغييرها بسبب بروز منظمات وأحزاب الاسلام السياسي الذي احتل جميع مواقع اليسار المتهالك ، واضحى يشكل الغلبة والأغلبية في الحقل السياسي ، ولا ادل على ذلك من فوز " حزب العدالة والتنمية " في الانتخابات بنسبة لم يسبق لجميع احزاب ( اليسار ) ان حققتها في تاريخها السياسي ، دون ان نغفل قوة " جماعة العدل والإحسان " التي اعطت لمسيرات 20 فبراير صورة عن قوة الاتجاهات الاسلامية ، وانحصار تواجد الاحزاب اليسارية " حزب النهج الديمقراطي " و " الحزب الاشتراكي الموحد " . لقد ظهر هذا بوضوح عندما اتخذت الجماعة قرار الانسحاب من مسيرات حركة 20 فبراير ، واثر ذلك على وضع التنسيقيات المرتبطة بالحركة الذي اضحى جد مرتبك .
ولكي نتعمق في التحليل والنقاش للجديد الذي طرأ في الساحة بين 25 ماي 2013 و 2 اكتوبر 1978 ، يتعين ان ننشر تباعا البيان والمنشور مع الاخذ بعين الاعتبار الفارق الزمني الذي اثر في قوة التنظيم وجعله يتراجع بدرجة تفوق 180 درجة مئوية . فما كان يرفضه الحزب في الماضي تخلى عنه وأصبح عبارة عن جماعة تقتات من السياسة وتابعة دون ان تكون لها القوة التي كانت لها منذ النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي ( تجربة اللجنة الادارية الوطنية في الساحة السياسية ، وتجربة فصيل " رفاق الشهداء او رفاق المهدي وعمر في المنظمة الطلابية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ) وحتى انضمام حركة الاختيار الثوري الى الحزب عندما اصبح يعرف ب " حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي " .
وهنا لا بد من الاشارة والتذكير الى ان " حركة الاختيار الثوري " تأسست بالمهجر كجواب رافض للقرارات التي خرج بها المؤتمر الوطني الاستثنائي المنعقد في سنة 1975 ، حيث اعتبرته مؤتمر الارتداد عن ماضي الاتحاد الراديكالي الذي هو جزء من تاريخه وتراثه ، واعتبرته تصفية حسابات مع جناح الخارج الراديكالي ، بغية توجيه الحزب نحو توافقات مرحلية مع الحكم بالمغرب ، سيما مع مقولة عبدالرحيم بوعبيد التي رددها عبدالرحمان اليوسفي " ارض الله واسعة " .
ان النقد والانتقاد الذي وجهه التيار الراديكالي لمقررات المؤتمر الاستثنائي ( اللجنة الادارية الوطنية ) بخصوص التصنيف التراتبي الغير الماركسي للمجتمع المغربي ، وتمسك عناصر الداخل الراديكالية برموز الحزب المنفيين ، خاصة اولئك المرتبطين بتجربة " حركة 3 مارس 1973 " وتمسكهم بماضيه كجزء من تاريخ وأرشيف وتراث الحزب ، سهل على المجموعتين التلاقي وربط الاتصالات وتبادل المعلومات والأخبار بين الداخل والخارج . وقد ساعد على هذا التباعد واللاعودة في العلاقات بين " الاتحاد الاشتراكي – المكتب السياسي – " وبين " مجموعة اللجنة الادارية الوطنية " التي وصلت في اوج ازمتها ، الى ما يصطلح عليه بأحداث 8 ماي 1983 .
لذا فان منشور 2 اكتوبر 1978 هو ورقة تعكس وجهة نظر " حزب الطليعة " وليس فقط " حركة الاخيار الثوري " . كما ان الحديث عن الاتحاد الاشتراكي نقصد به الحزب حتى المؤتمر الوطني الرابع الذي ظل متأثرا بقرارات المؤتمر الاستثنائي ، لأنه من المعلوم ، ان بعد هذا المؤتمر ستأتي مؤتمرات الخامس والسادس والسابع والثامن لا علاقة لها ليس بماضي الاتحاد الراديكالي ، بل انها قطعت حتى مع ارهاصات المؤتمر الاستثنائي . وسيشكل المؤتمر الذي عين فيه ادريس لشكر على رأس الحزب اكبر ضربة توجه الى تاريخ الحزب بعناوينه ومؤتمراته المختلفة .
1 ) -- في 25 ماي 2013 اصدرت الكتابة الوطنية ( المكتب السياسي ) ل " حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي " بيانا جاء فيه :
" ان الكتابة الوطنية ل " حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي " ، بعد استعراضها في اجتماعها الاسبوعي للمستجدات السياسية ، مع ما عرفته الساحة السياسية مؤخرا من تأزم العلاقات وتبادل الاتهامات بين مكونات الاغلبية الحكومية ، واثر ذلك على مجمل الاداء السياسي والتدبير الحكومي . وبعد الوقوف على مختلف مضاعفات الازمة الاقتصادية والاجتماعية على الطبقات الشعبية ، ودور من يتولى تدبير السياسة العامة للبلاد في تغذيتها ، نؤكد على :
--- ان تصدع الاغلبية الحكومية وما رافق ذلك من " انسحاب معلق " ليس إلا مظهرا من الاعراض التي ينتجها الدستور الانتقائي المرقع الذي التف على مبدأ سيادة الشعب وعلى فصل حقيقي للسلط لحساب الحفاظ على هيمنة المؤسسة الملكية على كل السلط . وان الارتجال والتخبط وإنتاج الجمل الطنّانة الذي سقطت فيه الحكومة وضع يفسر ازمة دستورية لا يمكن الخروج منها إلا بديمقراطية حقيقية من الشعب والى الشعب كما ظل ينادي بها الحزب .
--- ان الحكومة الحالية – وكما تنبأ الحزب بذلك – لم تستطيع حتى ان تكون في مستوى ما منحه لها الدستور من صلاحيات جديدة على علاّتها تستطيع بها ان تخلخل العلاقات السياسية والاقتصادية والقانونية المجحفة التي ادت من قبل الى هزّات اجتماعية متتالية . وإنها على العكس من ذلك تسارع الى رهن ثروات البلاد ومستقبله في يد المؤسسات الرأسمالية الدولية وربيبتها من مؤسسات الرأسمال الطفيلي ، والى الاجهاز على قوت ومعيشة الطبقات الشعبية . ولا يفوت " حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي " في هذا الباب ان يهنئ مجموعات المعطلين التي وقعت على اتفاق 20 يوليوز على انصفاهم من طرف القضاء ويشجب مرة اخرى تعنت الحكومة في تنفيذ الاتفاق .
--- تعتبر ان الانقلابات على انتفاضات وثورات الشعوب العربية والمغاربية التي انتهت بنكوص في الديمقراطية والعدالة الاجتماعية هي انفلاتات التقت فيها ايادي القوى الرجعية المعادية للديمقراطية مع القوى الامبريالية لخدمة هدف واحد هو ادامة الاستغلال الرأسمالي على شعوب المنطقة ونهب ثرواتها .
ان " حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي " امام ما تعيشه الطبقات الشعبية من اوضاع مزرية ، وأمام الازمة السياسية التي ظهرت معالمها للعيان . وأمام ما يحدق بالشعب بالمغربي من مؤامرات تهدف الى الاستمرار في حرمانه من الحق في تقرير مصيره على كافة المستويات يرى :
-- ان الحل الصحيح التقدمي الذي يفرضه واقع الصراع لا يكمن في الاجوبة التنظيمية من خلال تجميع الكم ، ولا في الاجوبة التقنية من قبيل رفع العتبة في ظل كتلة ناخبة لا تتعدى 20 في المائة من مجموع الكتل المسجلة الشيء الذي ينفي تماما وجود احزاب كبيرة وأحزاب صغيرة ، وإنما في استراتيجية النضال وأهدافه . لذا يدعو الحزب من جديد الى ضرورة بلورة برنامج حد ادنى للنضال من اجل الديمقراطية الحقيقية والعدالة الاجتماعية .
-- ضرورة تشكيل جبهة وطنية واسعة تضم الاحزاب اليسارية والديمقراطية والتقدمية والمنظمات الجماهيرية المدافعة عن الفئات والشرائح الشعبية وكل القوى الحية في المجتمع والتواقة الى الديمقراطية والمناضلة ضد الفساد والاستبداد ، جبهة للنضال تستطيع ان تغير من ميزان القوى لصالح طموحات الطبقات الشعبية . " .
2 ) – " الجبهة الوطنية الديمقراطية بديلا عن ( الاجماع ) الفاسد " :
" سبق لحركة " الاختيار الثوري " ان تعرضت بالتحليل لهذه المغالطات السياسية الفاضحة التي طرحها النظام في المغرب ، وتبناها معه من تبناها – لحاجة في نفس يعقوب – ألا وهي مغالطة " الاجماع الوطني حول العرش " ...
لقد قلنا في غير ما مناسبة وغير ما مكان ان هذا الشعار ، ما هو إلا جزء من الخطة التضليلية الشاملة التي وضعتها الطبقة الحاكمة لنفسها بهدف استغلال قضيتنا الوطنية كمطية لخدمة اهدافها الطبقية الذاتية ، والتمادي في توظيف مقدراتنا الوطنية ، البشرية والاقتصادية والإستراتيجية ، لصالح الرأسمال العالمي ، منتفعة ومستفيدة في نفس الوقت بما يجود به اسيادها الامبرياليون جزاء لها على ما قامت وتقوم به من سمسرة وسلب ونهب واستغلال .
صحيح ان هذه الطبقة يهمها بشكل او آخر استرجاع جزء من ترابنا الوطني ، حتى تتمكن من ترميم اوضاعها – وهي التي تعرضت لهزات خطيرة متتالية في مطلع السبعينات – وتوسيع رقعة استغلالها وتحسين اوضاعها الاقتصادية ، والظهور بمظهر القوة امام حلفائها ، لكن طبيعة هذه الطبقة – تاريخيا وحاليا – تحرم عليها ان تلعب اي دور وطني تحرري حقيقي ، وتزيح عنها امكانية اي حس وطني صادق ، وتجعلها تعمل وتتحرك في اي خطوة تخطوها بمقياس المصلحة السياسية الطبقية اولا وأخيرا ، اي مصلحة الطبقة الاقطاعية الرأسمالية في ارتباط عضوي بمصلحة الامبريالية .
ولقد رأينا كيف جسدت الطبقة الحاكمة الربط " الجدلي " بين " مسلسل التحرير " و " المسلسل الديمقراطي " . اي الربط بين مصلحتها في الركوب على القضية الوطنية من جهة ، وترتيب الاوضاع الداخلية لصالحها من جهة ثانية .
ففي الوقت الذي دخل فيه النظام " مسلسل المساومة " والمتاجرة بالقضية الوطنية ، حرص في نفس الوقت على استغلال نتائج عمله في هذا الاتجاه لصالح تركيز حكمه المطلق وإضفاء الشرعية عليه باسم " الوطنية " ، متسترا وراء ما اسماه بالمسلسل الديمقراطي ، و ذلك في نفس الوقت الذي تزداد فيه اساليبه القمعية شراسة وتنوعا وتجذيرا .
ومن منطلق التحليل البديهي لطبيعة الطبقة الاقطاعية الرأسمالية والنظام المطلق ، ممثل مصالحها والمعبر عنها ، أكدنا انه من الخطأ الاستراتيجي بالنسبة للحركة الوطنية الدخول في لعبة " الاجماع " مع هذه الطبقة وهذا النظام باسم الدفاع عن القضية الوطنية ، وغض الطرف عن الاهداف الذاتية التي حركتهما وتحركهما ، ودفعتهما الى البحث عن اجماع من هذا القبيل ، كما أكدنا على ضرورة الخط الوطني الديمقراطي المستقل الذي يجب ان يجمع بين كافة القوى الوطنية والديمقراطية باستثناء الطبقة السائدة ، بل في تواجه معها ، وفي صراع مستمر ومستميت مع خطها السياسي الخياني والاستغلالي .
ما هي النتائج والوقائع التي تؤكد صحة هذه المنطلقات الاستراتيجية والمبدئية ، وتعطي الدليل القاطع على افلاس " مسلسل التحرير والديمقراطية " على كافة المستويات ؟ .
1 ) – بعد ازيد من سبع سنوات من الحرب ، كلها تضحيات بشرية ، اقتصادية ومادية قدمتها الجماهير الشعبية وحدها ، في حين ان الطبقة الاقطاعية الرأسمالية قد استغلت ظروف الحرب نفسها للإغراق في المضاربة الاقطاعية والبذخ والاغتناء ، بعد السبع سنوات تلك ، ادت سياسة النظام ومساوماته ومناوراته ليس الى " التحرير " ، بل الى مأزق سياسي – عسكري – دبلوماسي اكثر تعقيدا وخطورة مما كانت عليه قضية استكمال سيادتنا الوطنية العادلة .
2 ) -- وبعد نفس المدة من المناورات الانتخابية يعود " المسلسل الديمقراطي " الى نقطة الصفر – ان كان قد تقدم عنها يوما – ويكشف النظام من جديد عن وجهه الاتوقراطي الحقيقي ، ويعمل بنفسه على انهاء لعبة " المسلسل "، في حين ان القمع الممنهج المتطور والمتنوع والمدقق لم يتوقف يوما ما معرضا مئات المواطنين والمناضلين النقابيين والسياسيين للإرهاب المادي والمعنوي لشتى الاساليب والأشكال من اختطاف واعتقال وقطع للأرزاق ، وقتل فردي او تقتيل جماعي .
3 ) -- وها هي القوى الوطنية والتقدمية تعاني من التفرقة والانزواء والإنعكاف على النفس ، متأثرة ومصابة بنتائج سياسة " فرق تسد " التي يمارسها الحكم ويلقي فيها اغراضه المبيتة ، في حين ان بعض الفئات من هذه القوى قد جرتها لعبة " الاجماع " و " المسلسل " ، واستهوتها مغازلة النظام الى درجة تقديم الخدمة العملية والموضوعية لهذا الاخير ، او الارتماء في احضانه وقطع خيوط الرجعة نهائيا ، والانتفاع والاستفادة بالهامش المصلحي الذي فتحه لمثل هذه الفئة المرتدة ، ولها وحدها دون سواها .
ان مجمل هذه النتائج المشؤومة لا نطرحها من باب التشفي او من اجل تسجيلها سلبا كقدر منزل محتوم ، بل ان هدفنا الاول والأخير هو استخلاص الدروس والعبر ، ووضع الموقف والتحليل في محك الواقع والممارسة على طريق تقديم الخط الثوري وتجذيره وتصليبه ، وبما فيه خدمة للمصالح العليا للوطن والشعب .
ومن زاوية هذا المصلحة العليا بالذات ، نتوجه اليوم الى كافة القوى الوطنية والتقدمية المخلصة ، من اجل تجاوز العقلية الحزبية الضيقة ، والشروع حالا في " الانفتاح " الذي يجب ان يسود في الحقيقة بين القوى الحية في بلادنا بمختلف مشاربها يوحد فيما بينها هدف وطني اسمى واحد ، ألا وهو تحرير بلادنا من السيطرة الاجنبية بكل تلاوينها والقضاء على كل العوامل التي تسمح بمثل هذه السيطرة وتخدمها .
صحيح ان المنطلقات الايديولوجية والأهداف السياسية البعيدة والمتوسطة المدى قد تكون مختلفة او متباينة فيما بين مختلف هذه القوى ، لكن هناك غير ما نقطة وغير ما هدف مرحلي تجد فيهما كلها مصلحة مشتركة ، إن هي كانت فعلا مؤمنة ومخلصة للهدف الوطني الاسمى . هذا زيادة على خطورة الحالة التي نعيشها على كافة المستويات ، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، والتي لن تزيد إلا استفحالا ، إن لم تجد طريقها للعلاج قوامه تكتيل كل القوى الوطنية والتقدمية المخلصة للتصدي – على الاقل في مرحلة الدفاع عن النفس – للحرب الطبقية الشاملة التي تشنها الرجعية المحلية على شعبنا ، ومحمية بالامبريالية وخادمة لها .
ان الاحتلال الاستعماري سابقا ، وهيمنة الاستعمار الجديد حاليا ، لا زالت تطرح علينا مهاما وطنية مستعجلة من اجل استكمال السيادة الوطنية المغربية ومحو آثار الاحتلال والعدوان .
ان اجزاء من التراب الوطني لا زالت تحت نير الاستعمار المباشر على مرأى ومسمع منا ومن الرأي العام ، في عصر ولى فيه الاحتلال الاستعماري في السواد الاعظم من مناطق العالم ، ولم تبق سوى بعض الاستثناءات وعلى رأسها مدينتينا المغتصبتين : سبتة ومليلية والجزر اللاحقة بهما .
اما بالنسبة لأقاليم الساقية الحمراء ووادي الذهب التي ظلت هي الاخرى تحت سيطرة الاستعمار المباشر طيلة عشرين سنة بعد الاعلان عن الاستقلال الرسمي للبلاد ، فلقد ادى بها تواطؤ النظام المخزني ومساوماته ومناوراته على حساب المصالح العليا للبلاد ، ادت بها الى المأزق الذي ذكرنا ، والذي يجعلها تتعرض من جديد للتقسيم والاقتسام في احسن الاحتمالات ، ناهيك عن الهوة والمسافة التي تم خلقها وتعميقها وتوسيعها بين جماهيرنا الصحراوية وبقية جماهير الشعب المغربي عن طريق التفرقة الشوفينية والنعرات الاقليمية الانفصالية .
وعوض ان نتقدم – وقد فصل بيننا وبين الاعلان الرسمي عن الاستقلال زمن يزيد عن ربع قرن – خطوات نحو تحقيق الاستقلال الحقيقي للبلاد ، ها هي سياسة الحكم المتواطئ تؤدي الى رجوع الاستعمار من " النافذة " ، بل من الباب الواسع بعد ان تم رهن مقدراتنا الاستراتيجية للامبريالية الامريكية من خلال تواجد عسكري واقتصادي وسياسي مقنن ومبرمج ضمن اتفاقيات " سرية " باع من خلالها الحكم بلادنا للأجنبي ، وكأن اصحابها وقواها الحية غير معنيين بالأمر ، ولا بإمكانهم حتى الاطلاع على محتوى ما تتعرض او ستتعرض له هذه البلاد .
وفي هذا المستوى ، مستوى النضال من اجل الكشف عن الاتفاقية الخيانية مع امريكا ، وفضحها والنضال من اجل فسخها ، ووضع حد للهيمنة الامبريالية بمختلف اشكالها العسكرية والاقتصادية والسياسية والثقافية واللغوية ، والكفاح من اجل تحرير كافة اجزاء الوطن واستكمال سيادة البلاد ووحدتها ارضا وشعبا ... فإننا لا نرى ما الذي يفرق بين القوى الوطنية والتقدمية ، بل ان هذه الاهداف الوطنية الدنيا لا يمكنها موضوعيا إلا ان تشكل محور ائتلاف وتكتل ووحدة فيما بينها وقوفا في وجه العدو المشترك .
وغني عن القول ان هذه الاهداف الوطنية على الصعيد القطري ترتبط عضويا بنضالنا ضد العدو الصهيوني المدعوم بنفس الامبريالية العالمية التي تريد ان تجعل من بلادنا قاعدة لانطلاق هجماتها العدوانية ضد الامة العربية وسائر الشعوب الافريقية ، كما ان تلك الاهداف تندمج تماما في نضالنا القومي وعملنا من اجل نصرة قضيتنا القومية المركزية : تحرير فلسطين واسترداد الحقوق العادلة للشعب العربي الفلسطيني وممثله الشرعي و الوحيد منظمة التحرير الفلسطينية .
اما على الصعيد المعاشي ، فان الازمة الخانقة التي قذفت بملايين المغاربة الى اوضاع التهميش والتشرد والنفي داخل بلادهم ، وجعلت قوتهم اليومي قاب قوسين او ادنى من الاتلاف ، فهنا ايضا اهداف دنيا واضحة قوامها الدفاع – الدفاع على الاقل – عن العيش الكريم للجماهير والنضال من اجل كبح جشع المستغلين والحد من استغلالهم الفاحش ، وبالتالي خوض الصراع الاجتماعي الهادف ، المنظم والمسؤول وفق شعارات ادنى تطابق طبيعة المرحلة وتتجاوب مع المطالب العادلة لأوسع الجماهير الشعبية . وهذا ايضا محور نضالي لا يمكنه إلا ان يوحد بين اوسع الفئات الوطنية والتقدمية امام فداحة الظلم والاستغلال وشساعة الفوارق الطبقية الفاضحة .
وكذلك الشأن بالنسبة للنضال من اجل فرض الحريات الديمقراطية التي يحلو للنظام ان يسطرها على الورق ويتبجح بها في الكلام ، في حين ان حرية الفرد والجماعة تعرف في بلادنا محنة ما سبقتها محنة ، وفي الوقت الذي تداس فيه كرامة الانسان المغربي وحقوقه ، وتتعرض " الرعية " – وهو التعبير الذي يصف به النظام المواطنين المغاربة في اواخر القرن العشرين – بنفس الاساليب الاقطاعية التي تميزت بها القرون الوسطى .
يقيننا الراسخ ان المحاور الثلاثة هاته ، تشكل قاعدة صلبة للعمل المشترك بين كافة القوى الوطنية والتقدمية المخلصة ، وأسسا واقعية عملية لقيام (((( الجبهة الوطنية الديمقراطية )))) العريضة التي نؤمن بها ونناضل من اجل قيامها ، والتي بدونها لا يمكن تحقيق الاهداف التحررية التي اسلفنا ذكرها ، والتي تستدعي تعبئة كافة الفئات الشعبية ، وكافة الجماهير المسحوقة ، وليس التقوقع والانزواء والاقتصار على الاهداف الذاتية الضيقة .
ان الشروط والظروف الموضوعية لقيام ((( جبهة ))) من هذا القبيل موجودة وقائمة فعلا ، وما الخلل إلا في الاوضاع الذاتية للحركة الوطنية والتقدمية ، في خطها الرسمي العام ، كما في تكتيكها السياسي وأسلوب عملها في معالجتها للعلاقة مع اوسع الجماهير الشعبية . صحيح ان القضاء على كل مكامن الخلل و توضيح الطريق الوطني الحق الذي لا غبار عليه ، والتمكن من فرز العدو عن الصديق ، ووضع الخط الفاصل مع حلفاء الامبريالية المحليين ، نضال معقد وشاق وطويل النفس ، لكن النظرة المتبصرة للمصالح العليا للوطن والشعب في المرحلة الراهنة ، المرتبطة جدليا بطموحات جماهير الشعب في التحرر والبناء الاشتراكي لا تعفي الثوريين من خوض هذا النضال وتسجيله كبند على رأس برنامجهم الشامل الذي يميز بين ما هو آني وعاجل ، وما هو مستقبلي وبعيد المدى .
صحيح كذلك ان قيام الجبهة المنشودة يقتضي توفير عدة شروط ، منها الاتفاق حول البرنامج الادنى والشعارات المرحلية المطابقة له ، وتوفر الاستعداد الذاتي الصادق عند كل طرف ، وضمان الانسجام الادنى في الممارسة القاعدية وسط الشعب ، وتوفير شروط قيادة النضال الواسع قيادة حكيمة وفق شروط كل مرحلة مرحلة ، دونما زيادة او نقصان ، وبما يضمن الانتقال من طور الى طور اعلى على درب تحقيق الاستقلال الحقيقي وفتح آفاق سيادة الشعب وبناء المجتمع المتحرر الديمقراطي . إلا ان كل هذه الشروط يمكن اعتبارها انها ستجد حلا مناسبا لها ، مع الشروع في عملية قيام ((( الجبهة ))) نفسها وبداية العمل المشترك بين مختلف اطرافها .
واذا كنا قد ركزنا في البداية على ان الظروف الموضوعية سانحة وملائمة ، بل انها تنادي بإلحاح بقيام مبادرة من هذا القبيل ، فإننا في الحقيقة لا نضع اي شرط او تحفظ للعمل المشترك بين كافة القوى الوطنية والتقدمية بمختلف مشاربها وتلاوينها عدا شرط اساسي واحد ألا وهو ((( الخط الفاصل مع النظام الرجعي القائم وحليفته الامبريالية ))) .
سيكون فعلا من العبث والمغالطة التحدث عن " العمل الوطني المشترك " و " الجبهة الوطنية الديمقراطية " بالنسبة لمن لا تزال علاقته قائمة مع النظام -- تحت اي تبرير كان ، " وطني " او " ديمقراطي " – فلن يكون ذلك سوى من باب مغالطة " التحالف مع الشعب وعدوه " في آن واحد .
ان " الاجماع الوطني " الفاسد قد فسخ نفسه بنفسه ، سواء على صعيد القضية الوطنية التي نهجت فيها الطبقة الحاكمة نهجا طبقيا منفردا يراعي اولا وأخيرا مصلحتها ومصلحة حلفائها الامبرياليين ، او على صعيد ما يسمى ب " المسلسل الديمقراطي " الذي لن تنخدع به جماهير الشعب المغربي ، وقد اصبحت تدرك وتعي تمام الوعي ان " الديمقراطية " لدى النظام المغربي احتكار لطبقته ومن لف لفها من منتفعين وانتهازيين ، وان القمع والإرهاب نصيبها ونصيب قواها الحية المناضلة . وبالتالي ، فان اية محاولة للمّ حطام مسلسل التحرير والديمقراطية المزعوم ، ومحاولة احياء " الاجماع ؟ الممسوخ ، لن تقود اصحابها سوى الى الخدمة الموضوعية والمجانية كذلك لأعداء الشعب ومكبلي ارادته ومستغلي عرق جبينه .
سوف يعقب البعض ان دعوتنا للقطيعة مع النظام بمثابة اضعاف " للقضية الوطنية " ودعوة جديدة " للمشاغبة " ، ونقصان في الواقعية ، وتجاهل ل " ميزان القوى " ... لخ وسنرد عليهم : تأملوا قليلا في النتائج الي قادت اليها سياستكم في الاجماع المزعوم ، سواء على صعيد القضية الوطنية ، او بالنسبة للمسألة الدستورية والديمقراطية عامة ، وتمعّنوا في الضبابية التي نسجتموها خلال سبع سنوات حول قضايا التحرر والديمقراطية التي كانت واضحة وضوح الشمس ، والتي تشبع بها شعبنا وآمنت بها الجماهير وانخرطت في الكفاح من اجلها ... لخ تأملوا كل ذلك واخشوا حكم التاريخ ، انه لا يرحم .
ان استقراء التاريخ يوضح لنا ان الشعب لا يمكنه ان يحقق اهدافه التحررية والتقدمية إلا اذا تراصت صفوفه في خندق واحد ، يقابله خندق اعدائه الطبقيين محليين وأجانب ، ولا وسط ولا منزلة بينهما سوى لمن اختار لنفسه طريق الارتداد والانتهازية ، خاصة بالنسبة لبلاد تعاني من مخلفات الاحتلال وواقع الهيمنة الامبريالية . وهل هذه دعوة " للمشاغبة " وخروج عن " الشرعية " ؟ .
لقد حددنا اعلاه المحاور الثلاثة الاساسية التي نرى ضرورة تكتيل النضال حولها : محور النضال الوطني القومي ، ومحور الدفاع عن عيش وكرامة المواطن ، ومحور النضال الديمقراطي لانتزاع وفرض الحريات الديمقراطية والحد من اساليب التسلط والاستبداد . بقي ان نؤكد من جهة ان العمل من اجل مجمل هذه الاهداف لن يتأتى إلا بأسلوب النضال الجماهيري الواسع النطاق والشامل لكافة المستويات الاجتماعية والسياسية ، وان نوضح ، من جهة ثانية ، ان لا شيء يحمل القوى الوطنية والتقدمية ، وهي تخوض نضالها الديمقراطي هذا ، على السقوط في شرك تكتيك النظام ، والسقوط في لعبته واقتسام المسؤولية في مناوراته ومساوماته التي يوجه من خلالها الطعنة تلو الطعنة للأهداف الوطنية والديمقراطية على حد سواء .
ان منطق النضال الديمقراطي نفسه ( بمعناه الاصيل وليس بما ’ألصق به من تشويهات وتحريفات انتخابية ضيقة ) يفترض فرز العدو الاساسي والحيلولة دون تلغيمه للصف الوطني ، والتصدي لتكتيكه السياسي بتكتيك مستقل . فليس من مصلحة كبيرة او صغيرة تجمع بينه وبين اوسع الجماهير الشعبية .
ان حلقات الكفاح ضد الاستغلال الفاحش والدفاع عن العيش الكريم ، وحلقات النضال النقابي المنظم ، والعمل الجماهيري في مختلف القطاعات ، وحلقات النضال من اجل رفع التعسف وتحقيق الحريات الفردية والجماعية ، هي التي تكتمل كلها في سياق النضال الديمقراطي الحق – وفق البرنامج الوطني الادنى – الذي يضمن الانتقال من موقع الى موقع افضل على طريق الثورة الوطنية ، الثورة التي ستقطع دابر الهيمنة الاجنبية واستبداد حلفائها المحليين .
هكذا نفهم النضال الديمقراطي ونرى ان لا علاقة له بالتورط في سياسات النظام المحلية والخارجية ، والتبرير والتنظير لما يلحق الضرر المبين بمصالح الوطن والشعب ، وممارسة الخلط والغموض والى غير ذلك من الخطط والممارسات السلبية التي جسدها شعار " الاجماع " الفاسد احسن تجسيد .
بهذه التوضيحات الصريحة ، نعود ونقول : أن ليس من شرط في العمل المشترك بين كل القوى الوطنية والتقدمية المغربية سوى الخط الفاصل مع اعداء الشعب المحليين والأجانب ، وأنه حان الوقت لرجوع المياه الى مجاريها ، ولانتزاع المبادرة من طرق هذه القوى ، وهي توحد صفوفها وتسترجع حرية حركتها ضمن خط وطني ديمقراطي اصيل ، وفي اطار ((( جبهة وطنية ديمقراطية حقّة ))) تنفض من صفوفها المرتدين والمغامرين والمنتفعين الذين تستهويهم لعبة الاصطياد في المياه العكرة ..
انها دعوة صادقة ومسؤولة وصريحة ،ولا مناص للوطنيين المخلصين من النضال من اجل تحقيقها مهما طالت المسافة . " .
اذن من خلال تحليل نص بيان 25 ماي 2013 ، ومنشور 2 اكتوبر 1978 تكون قد مرت خمسة وثلاثون سنة نطرح من خلالها السؤال عمّا تغير بين الامس واليوم ، وما هي القيمة المضافة التي جاء بها بيان ( نداء ) 25 ماي الى الحقل الحزبي والى خريطة احزاب ( اليسار ) المغربي . وهو ما يدفع الى البحث عن جدوى البيان ، ومن هي المكونات السياسية المعني به ، وهل تحققت هناك استجابة مفصلية لطلب الاستغاثة هذا من قبل التنظيمات المعنية لإخراج ( اليسار ) من ازمته التنظيمية و ( الايديولوجية ) ؟
ان اجراء مقارنة بسيطة بين بيان 25 ماي ومنشور 2 اكتوبر 1978 يثبت الفرق الشاسع بين ( النداءين ) ، وهو الفرق بين الاصلاحية التي عكسها بيان 25 ماي والراديكالية التي عكسها منشور 2 اكتوبر 1978 . وبدون اختلاف في التحليل ، فان هذا الاختلاف مرده الى الفاصل الزمني الذي ميّز نوعا من النضال المتوارث عن الراديكالية التي طبعت مسيرة الاتحاد بعناوينه المختلفة ، وبين التغيير الذي اضحى عليه الحزب في صورة " حزب الطليعة " بعد الانتخابات التشريعية في سنة 2007 .
1 ) -- وبالرجوع الى منشور 2 اكتوبر سنجد التنظيم الذي لا زال يؤمن بالثورة الوطنية الديمقراطية يوجه سهامه مباشرة الى الحكم . اما بالنسبة لبيان 25 ماي ، فان المخاطب بتأسيس الجبهة ليس النظام او الحكم ، لكن الحكومة ، وهذا يشكل تراجعا وارتدادا عمّا دأب الحزب على ممارسته من لغة راديكالية كانت ترفض الاصطفاف وراء شعارات العقلنة والتكتيك والإستراتيجية . في بيان 25 ماي يتكلم الحزب عن الازمة الحكومية بتهديد حزب الاستقلال بالانسحاب ( خرج شباط عاد شباط ) . وقد ارجع السبب الى ما اسماه بالدستور الممنوح والمعاق ، في حين ان المغرب لا يجتاز اي ازمة سياسية حكومية ، بل هي ازمة احزاب تتهافت على الريع الحكومي والبرلماني ، اي على المصالح الشخصية التي لا علاقة لها بما يسمى ازمة حكومية . وهنا نشير الى انه يمكن لجميع الوزراء المتحزبين الانصراف الى حالهم وبدون رجعة ، لكن لا شيء سيحصل بالمغرب . ان الكتاب العامين للوزارات يؤمنون السير العادي لمختلف المساطر الادارية من خلال اشرافهم على الادارة . اما القرارات الاستراتيجية والحيوية فهي تعالج من قبل اشخاص متخصصين ودوي كفاءات عالية ، والبعيدين عن اي مناوشات حزبية ، وهؤلاء هم الضامنون الأساسيون للقضايا الوطنية مثل قضية الدفاع عن القضية الوطنية وقضية الامن بمفهومه العام والضيق ، والاتفاقيات الدولية المؤثرة في المصالح المغربية ، والسيولة والنقد والعملة ، والدفاع الوطني . و حين يكون وزير الخارجية السيد العثماني يجهل الفرق بين الجهوية الموسعة الاختصاصات وبين الحكم الذاتي ، هنا يمكن ان نفهم لماذا يتم الاحتفاظ بوزراء الظل او السيادة المتخصصين والمتمكنين من الملفات الحساسة . فهل يعقل ان يقوم وزير الخارجية ليطالب بتطبيق الحكم الذاتي من جانب واحد ، امام رفضه من قبل الطرف المعني الذي هم الانفصاليون ؟ .
2 ) -- من هي الاطراف السياسية المعنية بالنداءين ( 25 ماي و 2 اكتوبر ) .
اذا عدنا الى السياق الزمني للورقتين ، امكننا القول ، ان المخاطب بنداء 2 اكتوبر هم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قبل المؤتمر الرابع ( عبد الرحيم بوعبيد ، عمر بنجلون ) ، حزب التقدم والاشتراكية ( عزيز بلال وعلي يعتة ) ، اضافة الى الجناح اليميني لمنظمة 23 مارس الذي سيتحول في بداية الثمانينات الى منظمة العمل الديمقراطي الشعبي ، هذا دون ننسى منظمة الى الامام . وباستثناء هذه الاخيرة التي استجابت للنداء حين حاولت مع حركة الاختيار الثوري تشكيل جبهة موحدة ( اجتماع جامعة نونتير الذي فشل بسبب الخلاف حول الموقف من الصحراء ، الموقف من القوى الاصلاحية ، الموقف من العلاقة مع الجمهوريات العربية مثل سورية العراق وليبيا ، الموقف من الانقلابية والبلانكية والعلاقة مع الجيش التي رفض بشأنها الفقيه محمد البصري تقديم نقد ذاتي ..لخ ) ، فان لا احد من هذه القوى السياسية استجابت لنداء 2 اكتوبر ، وهو ما فتح الباب على مصراعيه لبعض القوى ( الاصلاحية ) من اجراء تنسيق بينها ( الاتحاد الاشتراكي ، منظمة 23 مارس وحزب التقدم والاشتراكية ) في مواجهة حركة الاختيار الثوري نفسها اضافة الى اليسار المتطرف ممثلا في منظمة الى الامام . وهذا الوضع الذي لم يستسغه الجناح الراديكالي داخل المغرب ( مجموعة اللجنة الادارية الوطنية ) دفع بهذه الاخيرة بغرض فك الطوق المحكم حول عنقها ، الى التنسيق بدورها في الحقل الطلابي مع منظمة الى الامام وباقي التيارات المتياسرة ( فصيل رفاق الشهداء مع فصيل الطلبة القاعديون ) . حصل هذا عند تنظيم انتخابات التعاضديات والجمعيات – الاجهزة التحتية – كما حصل عند عقد المؤتمر الوطني السادس عشر والسابع عشر الفاشل .
لكن من هو المخاطب ببيان 25 ماي 2013 ؟ بالرجوع الى الخريطة الحزبية يمكن ان نميز بين مجموعتين متباعدتين :
ا – المجموعة الاولى وتتكون من حزب لشكر وحزب نبيل بنعبدالله . اذا كان حزب الطليعة يقصد في بيانه الاخير هؤلاء ، فانه يكون قد اخطأ البوصلة . ان حزب لشكر وحزب نبيل بنعبدالله لا يمثلان اليسار كما هو متعارف عليه عالميا . ان هذين الحزبين هما حزبان حكوميان قد تجدهم في الحكومة كما قد تجدهم في البرلمان . انهما لا يختلفان عن الحركة الشعبية ، الاتحاد الدستوري ، التجمع الوطني للأحرار ، الاصالة والمعاصرة وحتى اللاعدالة واللاتنمية . ان ما يهم هذه المكونات هو المناصب الوزارية والبرلمان . وقد صرح لشكر مؤخرا ان حزبه واثق من الحكومة في سنة 2016 . اما اذا حصل ما من شأنه ان يعصف بمجموعة بنكيران ، فانه سيركض بسرعة لاقتناص الفرصة ، اي الدخول الى الحكومة . وبالمناسبة فان لشكر لا يهتم بحزب الطليعة ولا يعيره ادنى اعتبار ، اللهم ا ذا اراد الحزب ان يحل هياكله ويعاود الانخراط في حزب لشكر كأفراد وليس كتيار( مثال حزب بنعتيق وبوزوبع ) . ان عيون لشكر موجهة صوب حزب الاصالة والمعاصرة ، الحركة الشعبية وحزب التجمع الوطني للاحورار ، اي صوب الحكومة والبرلمان .
ب – المجموعة الثانية وتتكون من حزب اليسار الاشتراكي الموحد وحزب النهج الديمقراطي . اذا كان يمكن انشاء جبهة بين حزب الطليعة والاشتراكي الموحد بسبب الاصل المشترك ، فان تواجد تيارات داخل الاشتراكي الموحد ، وباستثناء مجموعة تيار الوفاء للديمقراطية ، سوف لن تشجع اقامة مثل هذا التحالف بسبب الحزازات التي تعود الى الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي . وان الاختلافات الموجودة داخل الجمعية المغربية لحقوق الانسان بين مجموعة النهج الستالينية ، وبين مجموعة الطليعة ، ستقف حجرة عثرة امام انشاء مثل هذه الجبهة .
ولنفرض جدلا ان جميع هذه الاحزاب استجابة لنداء 25 ماي ، فأنها لن تستطيع ان تؤثر في تغيير الساحة التي يسيطر عليها الاسلاميون .
اذن المخاطب بمنشور 2 اكتوبر 1978 هم عبد الرحيم بوعبيد ، عمر بنجلون ، عبدالله ابراهيم . اما المخاطب ببيان 25 ماي فهم لشكر ، بنعتيق ، بوزوبع ، منيب ، لبراهمة ، وربما مخاريق والاموي وشباط .
في منشور 2 اكتوبر رفض الحزب ( الاختيار الثوري الذي سيندمج مع الطليعة ) الدفاع عن القضية الوطنية تحت الرئاسة المباشرة للملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله ، واعتبر ان الاجماع الحاصل بشأنها هو اجماع فاسد .
مؤخرا وعندما حاولت واشنطن اضافة مهمة السهر على ( حقوق الانسان ) الى المينورسو ، استجاب الحزب فورا للدعوة التي وجهها مستشاران بالديوان الملكي ، حيث حضر الاستاذ بنعمرو الى جانب نبيلة منيب مثل التلاميذ النجيبين للاستماع الى الدرس ومن بعد الانصراف .
واذا كان الحزب يرفض الانضمام الى الاجماع الوطني تحت رئاسة الحسن الثاني رحمه الله ، وكان هذا الاجتماع يتكون من عبد الرحيم بوعبيد ، علي يعته ، المعطي بوعبيم ، احمد عصمان ، فان سرعته في الاستجابة لدعوة المستشارين الملكيين وبحضور جميع الاحزاب ، يمكن اعتباره نوعا من الاجماع الذي يضم شباط ، لشكر ، نبيل بنعبدالله ، العرشان ، بنعتيق ، بنكيران ، مزوار ، العنصر ، الخالدي عن حزب الفضيلة ، بل جلس مع نبيلة منيب مع احزاب ( والله ) ان وزارة الداخلية التي رخصت لها تجهلها عن بكرة ابيها .
فهل اجماع الامس كان اجماعا فاسدا ؟ .
3 ) -- منذ خروج الحزب عن حزب الاستقلال في سنة 1959 وبعناوين مختلفة ، والى الآن وهو يقاطع جميع الاستحقاقات الانتخابية التي كانت تنظمها الدولة . والكل يتذكر موقف ( اللجنة الادارية الوطنية ) من انتخابات 1983 التي كانت المقاطعة . والكل يتذكر ما اسفرت عنه ما ’عرف في حينه ب ( 8 ماي 1983 ) ضد الاتحاد الاشتراكي – المكتب السياسي – الذي كان مع قرار المشاركة .
والسؤال هنا لماذا شارك حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي في الانتخابات التشريعية في سنة 2007 ، ودون ان يتحقق له ادنى شرط من الشروط التي دأب الحزب يتحجج بها منذ انفصاله عن حزب الاستقلال وبعناوين مختلفة ؟ ما هي القيمة المضافة التي اضافتها تلك المشاركة الى الحزب ؟ وللإشارة فرغم المشاركة التي كانت شيكا على بياض ’قدّم للدولة ، فان ما حصده كان صفر صوت . ويا للغرابة ان موقع الحزب المركزي الذي يحمل لافتة كبيرة ( حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي ) يقع مقابلا لمدرسة المحيط التي جرى في التصويت . اذن من كان على صواب ومن كان على خطأ . هل الاتحاد الاشتراكي – المكتب السياسي – ام الاتحاد الاشتراكي – اللجنة الادارية الوطنية – الذي قر المقاطعة ؟
واذا كانت التبريرات التي كان يستند عليها الحزب في مقاطعة الاستحقاقات الانتخابية مثل ( الدستور ، المجلس التأسيسي ، التكتيك الديمقراطي ، المنهجية الديمقراطية ، الملكية المشلولة ... ) ، فان تبرير مشاركته في انتخابات 2007 ، كان بحجة التعريف بالحزب ( للجماهير الشعبية ) التي لم تصوت لصالحه . والسؤال الذي يطرح هنا : اليس هذا التبرير هو اعتراف من قبل قيادة الحزب بأنه غير معروف من قبل الجماهير ؟ .
ثم هل التعريف بالحزب يكون فقط في الاوقات الموسمية ، اوقات الانتخابات ، مما يجعل منه حزب مساومات ، ام ان التعريف بالحزب وسط الجماهير يجب ان يكون عملا يوميا من خلال الانخراط وسط هذه الجماهير التي تجهله ، وباعترافه هو ، ولا تصوت له في الانتخابات ؟ .
وهنا هل قدم الحزب نقدا ذاتيا بعد مهزلة 2007 ليطرح السؤال عن السبب الرئيسي في فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الاخيرة بما مجموعة 107 مقعد ؟ .
4 ) -- هناك سؤال : اذا كانت المكونات السياسية المعنية بمنشور ونداء 2 اكتوبر 1978 ( الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، حزب التقدم والاشتراكية ومنظمة 23 مارس الذين دخلوا في عمل تنسيقي بينهم لمواجهة الاختيار الثوري ومن بعده الطليعة ) ، وباستثناء منظمة الى الامام التي عقدت مع التنظيم ندوة او لقاء جامعة نانتير بباريس ، فهل استجابت الجهات المعنية ببيان 25 ماي 2013 ( لشكر ، نبيل بنعبدالله ، نبيلة منيب ، مصطفى البراهمى ، الاموي وربما شباط ) الى هذا النداء البيان ؟
ان الجواب لا احد استجاب لنداء الاستغاثة الذي رفعه الحزب مؤخرا . ولن يستجيب له احد في المستقبل بسبب تضارب وتداخل المصالح التي هي في جزء كبير منها شخصية .
ان ازمة ( اليسار ) في المغرب هي ازمة بنيوية وتنظيمية و ( ايديولوجية ) ، وهي ظاهرة عامة اصابت جميع الاحزاب العربية التي كانت تعتبر نفسها يسارية
بعد سقوط الاتحاد السوفيتي السابق وسقوط جدار برلين وانحلال دول اوربة الشرقية الستالينية . وفي غياب العراب الدولي الضامن للتسريب الايديولوجي والتموين ومختلف اساليب الدعم ، وأمام التغيير الجذري الذي عرفه العالم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي ، وتحول الصين الى امبريالية متوحشة لا علاقة لها بالمبادئ الشيوعية التي ’تتجار بها لخنق العمال والفلاحين والمستضعفين في الداخل ، يبقى التمسك بالإطلال بدعوى المبادئ ، ضرب من الطوباوية التي لا علاقة لها بما ’يختمر حقيقة في الساحة التي سيطر عليها الاسلاميون بمختلف مشاربهم الفقهية .
ان تمسك حزب الطليعة والحزب الاشتراكي الموحد بمطلب الملكية الشكلية ، وتمسك النهج الديمقراطي بموقف ضبابي يتراوح بين الملكية الشكلية والجمهورية ، يجعل منهم اقلية خارج المشهد الحزبي الذي تكونه جميع الاحزاب التي كانت تؤمن بالملكية التنفيذية الرئاسية على غرار النظام الرئاسي الامريكي ، وأصبحت الآن بعد التعديل الدستوري الذي اعقب خطاب 9 مارس تؤمن بالملكية الشبه رئاسية على غرار النظام السياسي الفرنسي الشبه رئاسي . فهل النظام الرئاسي حلال في الولايات المتحدة الامريكية وحرام في المغرب ؟ . وهل النظام السياسي الجمهوري الشبه رئاسي حلال في فرنسا وحرام في المغرب ؟ .
ان ما يجهله ( اليسار ) وتحقه احزاب الاسلام السياسي هو تغييب الخصوصية عند معالجة الاشكاليات السياسية . وباللجوء الى النقل الاعمى ، ونقل تجارب سياسية تخص بلدانا معينة الى بلد آخر مثل المغرب تحكمه خصوصيات تاريخية وإيديولوجية وثيوقراطية واوتوقراطية ، تكون معظم التنظيرات لا علاقة لها بما يختمر به الواقع ، وتشغله المفكرة المغربية التي يسيطر عليها التقليد وترفض التغريب بكل انواعه وأشكاله وبما فيه النظم السياسية الماسة بالعقيدة وبالتراث المجسد للخصوصية العلوية العربية الامازيغية والمغربية .



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- برنامج حركة 3 مارس
- كتمان العلم والحق في الاسلام ( علماء ) فقهاء السوء
- اساطير الاولين
- مشروعية الملكية اساس استمرارها
- الاتجار بالديمقراطية يضر القضايا الوطنية
- البطالة
- الجهة المتقدمة -- الحكم الذاتي
- سوق ترويج الوعود والآمال
- اللغة وفن التمويه والتضليل
- هل تخلت واشنطن عن تدعيم مقترح الحكم الذاتي باتجاه الاستفتاء ...
- الدولة والعنف في الدول العالم ثالثية
- استراتيجية الجماعات واستراتيجية السلطة
- ماذا يحمل كريستوفر رووس في جعبته ؟
- الحركة الماركسية اللينينة التونسية
- منظمة 23 مارس - مناقشات للتقرير الايديولوجي للاتحاد الاشتراك ...
- رسالة مفتوحة الى السيد وزير العدل المغربي الاستاذ مصطفى الرم ...
- الاسرة في المجتمع البطريركي الرعوي العربي
- الديمقراطية وديمقراطية الجماعات السياسية
- لو انّ بغْلة عثرتْ في حفرة ...
- المتلاشيات السياسية في زمن سوق الخردة السياسية


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - بين جبهة وجبهة خمسة وثلاثون سنة مرت