|
اللغة وفن التمويه والتضليل
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 4070 - 2013 / 4 / 22 - 11:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مما لا شك فيه ان التمويه والتضليل في فن الخطاب يمر اساسا عبر اللغة ، عبر الخطاب . والإيحاء والإيهام هنا يتسرب برفق ، وبلطف عبر اللغة ، عبر الكلمة والجملة بالأساس . وبما ان انسان اليوم غارق حتى اذنيه في حمام الاعلام المرئي والمسموع والمكتوب ، بحيث تداهم فهامته يوميا شلالات من الكلمات ( اللكمات ) المشحونة بالإيديولوجيات ، والسموم ، والأخلاق ، ورؤى العالم بشكل لا نهاية له . هذه الكلمات ( اللكمات ) تجمد وعي المتلقي ، وتوجهه الوجهة التي يريدها مرسل الخطاب . بل ان هذا القاموس المليء بالمخدرات والمسكنات والمحرضات هو الذي يشكل ويصنع وعي المتلقي بلطف وسكينة . فالمحلل السياسي ’يطلب منه اليوم ان يكون على بيّنة من المعاني والمقاصد الحقيقية الثانوية في ثنايا اي تعبير ، إن هو اراد ان يفهم العالم كما هو . ولإعطاء بعض الامثلة على هذه التحويلات السحرية الممارسة على اللغة ، يمكن الرجوع الى بعض المصطلحات المتداولة اليوم من قبيل السلام العادل والشامل ، كتعبير عن سلام مفروض بغير عدل ، ومفروض بغير شمول ، او الشرعية الدولية بدل قانون القوة والتفوق الاقتصادي والعسكري ، او التسوية السلمية بدل التفاوض وفق الحقائق التي فرضها السلاح ، او السلام كلفظ للتعبير في العمق عن عملية استسلام الضعيف للقوي . من هذا القبيل مثلا صيغة " مؤتمرات القمة الاقتصادية " كمسمى لتسمية تعني في العمق التطبيع الاقتصادي بغطاء سياسي دولي ، وكذا استبدال العنصرية بالنفور من الاجانب اوالسّود بالملونين ، وحملات التوعية بمناشط تكييف الرأي العام ، وإعادة جدولة الديون بديلا غير صريح عن اعلان الافلاس الاقتصادي ، والقنبلة النظيفة بديلا عن القنبلة التي لا تحطم البنايات او المحيط ولا تترك منه إلا العظام بدون رائحة ، وقيام الولايات المتحدة بإثارة توسيع ( حقوق الانسان ) بغية تكريس التجزئة والانفصال وتقسيم الشعب الواحد والبلد الواحد ، وتأكيد حقوق الاقليات الدينية لإضعاف الدول وتمزيقها ( السودان وجنوب السودان ) ، وإبرام العقود الصورية لهضم حقوق الآخرين في الارث او في غيرها من الحقوق . ومن امثلة التمويه والتضليل المعاصرة دوليا ومحليا تسمية منع ورفع الاسعار بتحرير او تحريك الاسعار ، والقتل المباشر بالتمشيط الامني للمنطقة . وبما ان اللغة ليست فقط اداة للتواصل والتعبير والتبليغ والتوضيح ، بل ايضا اداة للتمويه والتضليل والتعتيم ، وهي الجوانب التي تتناساها التعريفات اللسانية للغة ، فان من الضروري الانتباه الى هذه الجوانب السلبية بجانب انتباهنا للوظائف الايجابية . فنحن نتعرض في كل دقيقة لعمليات تكييف لآرائنا وللمعلومات المختلفة التي يقذف بها في اسماعنا وأعيننا وأذهاننا . القواعد التعبيرية او البلاغية ( المضادة ) التي تستأنس بها الخطابات السلطوية المعاصرة ، هي الاخفاء والتلطيف ، والتجميل ، والتبرير ، والتشويه حسب الحالات ، وذلك انطلاقا من ان تغيير وتكييف فهم ووعي المتلقي يمر عبر تكييف المفردات والتعبيرات . فاللغة تظل هي الاداة المثلى المكيفة للوعي والحاملة ، بل المحمّلة اكثر من غيرها بكل الوان الايدولوجيا ، ومن ثم ، فان وظيفتها الاساسية ليست فقط تحقيق التواصل بين الذوات والتعبير عن الذات ونقل المعرفة ، بل هي ايضا وربما اساسا التبليع ( بالعين ) عن طريق التبليغ ( بالغين ) . ففي الوقت الذي توحي فيه اللغة بأنها اداة تقوم بوظيفتها الطبيعية الاولى في التبليغ والتوصيل ، تكون قد كسبت الرهان لتدس إما السم في العسل او العسل في السم ، اي تكون قد حققت التبليع عن طريق التبليغ .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل تخلت واشنطن عن تدعيم مقترح الحكم الذاتي باتجاه الاستفتاء
...
-
الدولة والعنف في الدول العالم ثالثية
-
استراتيجية الجماعات واستراتيجية السلطة
-
ماذا يحمل كريستوفر رووس في جعبته ؟
-
الحركة الماركسية اللينينة التونسية
-
منظمة 23 مارس - مناقشات للتقرير الايديولوجي للاتحاد الاشتراك
...
-
رسالة مفتوحة الى السيد وزير العدل المغربي الاستاذ مصطفى الرم
...
-
الاسرة في المجتمع البطريركي الرعوي العربي
-
الديمقراطية وديمقراطية الجماعات السياسية
-
لو انّ بغْلة عثرتْ في حفرة ...
-
المتلاشيات السياسية في زمن سوق الخردة السياسية
-
المجتمع الحديث بين العقلنة واللاعقلنة
-
منظمة 23 مارس -- نقد برنامج - حزب التقدم والاشتراكية --
-
سورية بلد جميل ، دمره المجرمون
-
الحزب العمالي
-
منظمة 23 مارس -- في التوجه السياسي المرحلي -
-
الدرك الملكي
-
منظمة 23 مارس الماركسية اللينينية - التقرير التوجيهي -
-
الاغنية السياسية
-
المنطلقات النظرية للاشتراكية الصهيونية البروليتارية
المزيد.....
-
مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم
...
-
دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب
...
-
انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض
...
-
الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها
...
-
حادث مروع يودي بحياة 3 ممرضات في سلطنة عمان (فيديوهات)
-
تركيا.. تأجيل انطلاق -أسطول الحرية 2- إلى قطاع غزة بسبب تأخر
...
-
مصر.. النيابة العامة تكشف تفاصيل جديدة ومفاجآت مدوية عن جريم
...
-
البنتاغون: أوكرانيا ستتمكن من مهاجمة شبه جزيرة القرم بصواريخ
...
-
مصادر: مصر تستأنف جهود الوساطة للتوصل إلى هدنة في غزة
-
عالم الآثار الشهير زاهي حواس: لا توجد أي برديات تتحدث عن بني
...
المزيد.....
-
في يوم العمَّال العالمي!
/ ادم عربي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|