أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - الشرق والغرب عند توفيق الحكيم















المزيد.....

الشرق والغرب عند توفيق الحكيم


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 4078 - 2013 / 4 / 30 - 09:28
المحور: الادب والفن
    


توفيق الحكيم والتباين الفكري بين الشرق والغرب

رواية عصفور من الشرق من الروايات التي تناولت فكرة التباين بين الشرق والغرب، وهي تتماثل مع رواية الطيب صالح "موسم الهجرة إلى الشمال" التي أعطتنا صورة الغرب بالنسبة للشرقي، وفي هذا العمل استطاع توفيق الحكيم أن يطرح فكرته عن الحضارة والثقافة الشرقية والغربية، متناولا الإيجابيات والسلبيات لكنا منهما، ويمكن لأي منا أن يتعاطف معه في فكرته إن كانت عن الشرق أو عن الغرب، حتى انه يجعلنا نقع في حيرة الاختيار والمفاضلة بينهما، وهذا الأمر يحسب للكاتب، وذلك لأنه أعطانا حرية الاختيار بينهما، فلنا أن نفضلهما معا، أو أن نختار عناصر جيدة من هذه ومن تلك، ولا نرفض أيا منهما بشكل كلي، من هنا استطاع توفيق الحكيم من خلال "عصفور من الشرق" أن يجعلنا نعيش العالمين معا وان نقبل بهما دون أن نلغي احدهما، فالكمال المطلق غير موجود لا في الشرق ولا في الغرب، كما أن الرفض الكلي لا يمكن أن يكون صحيحا وصائبا في التعاطي مع الفكر والحضارة، وهنا نقول سر نجاح الحكيم في رواية، فهي يعطي الحقيقة النسبية لواقع للشرق وللغرب معا، فكان اقتناع "ايفان" بمنطق "محسن" عن الحضارة الشرقية يمثل هذه النسبية، وما يجعلنا نتوقف عند هذه الرواية، رغم الهوة الزمنية التي تفصلنا على كتابتها، هو انتشار فكرة "الأنا المطلق" عند البعض بحيث يتم إقصاء الآخرين وتجاوزهم بعقلية عدمية الاستفادة منهم، وما حدث في العراق وليبيا ومصر وما تطالب به (المعارضة السورية) يمثل حالة الرفض المطلق للآخر، رغم انه منا وفينا، من هنا تأتي أهمية رواية عصفور من الشرق، وسنحاول هنا إضاءة بعض هذه الجوانب الحضارية والفكرية التي طرحها الحكيم في روايته.؟
أول هذه المفارقات التي يطرحها الحكيم تتناول مكان العبادة، فعند الشرقيين من غير المقبول دخول مكان عبادة لآخرين نخالفهم في العقيدة، لكن هذا الفعل من الأمور الطبيعية جدا عند الغرب ولا يحتاج إلى ذلك الجهد ـ النفسي والذهني ـ للإقدام عليه "تعد نفسك لدخول الكنيسة ما معنى هذا ؟... إنا ندخلها كما ندخل القهوة ... أي فرق ؟؟...هنا محل عام، هنا محل عام ...." ص 16 هذه الفكرة من المسائل المهمة التي تجعلنا نتفهم الآخر ونقترب منه ونزيل الحواجز والغباش بيننا، فلا يوجد ما يمنع من مشاهدة طقوس العبادة عند الأخريين، وحتى مشاركتهم، وما كان يقوم به ياسر عرفات من مشاركته في أعياد الميلاد في كنيسة المهد إلا احد هذه الصور. فالمكان هنا هو مكان عام ويحق للجميع دون استثناء دخوله، وهذا الأمر ـ الاقتراب من الآخر ـ يجعل الجميع أكثر قربا وفهما، وهنا تكمن أهمية فكرة أزالت (التابو) عن المكان.
ومن المفارقات الإيجابية للحضارة الشرقية أنها منحت الناس فضاء أرحب وأوسع من الحضارة الغربية، ويكمن ذلك في أن فكرتها عن الكون والحياة فتجعل الناس يعيشون في عالمين، عالم ارضي وآخر سماوي

"يخيل إلي أنها الحضارة الأوربية الحديثة . لا تسمح للناس أن يعيشوا إلا في عالم واحد ... إن سر عظمة الحضارات القديمة أنها جعلت الناس يعيشون في عالمين .... فالحضارة التي تشيد الأهرام .لا يمكن أن تجهل العلوم النظرية والتطبيقية، ومع ذلك العلم لم يفسد من الرؤوس زجاجات الصور، التي تمثل الحياة الأخرى، تلك الحضارات أسميها أنا الحضارات الكاملة" ص166و167
الحكيم يضعنا أمام حالة التباين بين فكرة الشرق عن الحياة وفكرة الغرب، وهو هنا ينحاز بشكل كلي إلى الأولى، وذلك لان الحضارة الغربية تحرم الإنسان من متعة الحلم ـ الحياة الأخرى ـ فالأفضلية التي يقدمها الكاتب مقنعة في هذا الجانب، ولنا أن نأخذ بها.
وهناك حوار طويل ـ نسبيا ـ يطرحه الحكيم يدور بين "محسن" المصري و"إيفان" الروسي الممتعض من الماركسية والحاقد على الفاشية، فيطرح المفاضلة بين الفكر الشرقي الذي يتمثل بمحبة السيد المسيح والإيمان الذي قدمه محمد (ص)
وبين الغرب والدين الجديد ـ الماركسية وإنجيلها "رأس المال" ـ والفاشية إيمانها بالزعيم"، وهنا يتبين لنا عقم الحضارة الغربية التي تسيرها المادية، والتي عملت على قتل وسفك دماء البشر وإحداث الخراب والدمار في العديد من الدول والبلدان، وهنا لا بد أن نشير بانحياز الكاتب بشكل واضح إلى شرقيته، حيث لم يتناول بتاتا أي جوانب إيجابية في هذا الحوار، واكتفى بذكر السلبيات فقط، وهذا الأمر جعل القارئ يشعر بعدم حيادية الكاتب، والتي من المفترض أن تكون حاضرة لكي يقنعنا بفكرته.
"ـ كيف ذلك؟...إن الروسيا الآن هي جنة الفقراء !.... فأجاب الرجل كالمخاطب لنفسه:

ـ أتظن؟ أن جنة الفقراء لن تكون على هذه الأرض !... وصمت الرجل قليلا، ... ثم قام إلى زجاجة الفودكا فتناول منها جرعة وهو يقول:
ـ أنت أيضا ممن يعتقدون في هذه الخرافة: جنة الفقراء؟!...
"وجود أغنياء وفقراء وسعداء وتعساء على هذه الأرض ،!....من اجل هذه المشكلة وحدها ظهرت الرسل والأنبياء!...
ـ يا مسيو إيفان... لست أرى رأيك في أن المشكلة لم تحل !.. إن الأنبياء قد جاءوا من السماء بخير الحلول !...
-أنبياؤكم انتم ؟.. نعم هذا من الجائز!....إن الشرق قد حل المعضلة في يوم ما...هذا لا ريب فيه، إن أنبياء الشرق قد فهموا المساواة لا يمكن أن تقوم على هذه الأرض، وانه ليس مقدورهم تقسيم مملكة الأرض، بين الأغنياء والفقراء، - فادخلوا في القسمة "مملكة السماء"، وجعلوا أساس التوزيع بين الناس " الأرض والسماء " معا : فمن حرم الحظ في جنة الأرض، فحقه محفوظ في جنة السماء !...هذا جميل !.... ولو استمرت هذه المبادئ، وبقيت هذه العقائد حتى اليوم، لما غلى العالم كله في هذا الأتون المضطرم، ولكن "الغريب " أراد هو أيضا أن يكون له أنبياؤه " الذين يعالجون المشكلة على ضوء جديد، كان هذا الضوء منبعثا هذه المرة، من باطن الأرض، لا آتيا من أعالي السماء... هو ضوء العلم الحديث، فجاء نبينا "كارل ماركس" ومعه إنجيله الأرضي"رأس المال" وأراد أن يحقق العدل على هذه الأرض، فقسم "الأرض" وحدها بين الناس، ونسى "السماء"فماذا حدث؟ ... حدث أن أمسك الناس بعضهم برقاب بعض، ووقعت المجزرة بين الطبقات تهافتا على "هذه الأرض".
- لقد ألقى قنبلة " المادية والبغضاء واللهفة والعجلة، بين الناس، يوم افهم الناس إن ليس هنالك غير " الأرض " – يوم اخرج " السماء" من الحساب، لان علم الاقتصاد الحديث


لا يعرف السماء !... أما أنبياء الشرق فقد القوا زهرة "الصبر والأمل في النفوس، يوم قالوا للناس : لا تتهالكوا على الأرض، ليست الأرض كل شيء ! إن هنالك شيئا آخر غير " الأرض " سيكون لكم شيء آخر يدخل في " التوزيع " !... إن الإنسان لا يحيا من اجل الخبز، كما انه لا يعيش من اجل الخبز وحده ... آه !.. إن أنبياء الشرق هم العباقرة حقا !!...
أن روح المسيحية كما نبعت في الشرق : هي المحبة، والمثل الأعلى، وروح الإسلام : الإيمان والنظام : ومسيحية اليوم الجديدة في الغرب : هي " الماركسية " وهي كذلك : لها مثلها الأعلى – لا في محبه الناس بعضهم بعضا ، وتبشير الفقراء " بمملكة السماء " وحضهم على إعطاء ما لقيصر لقيصر، وما لله لله،....بل أغرائهم بمملكة، تقام على أنقاض طبقة، وأشلاء طبقة، ونصحهم بالهجوم على قيصر، واخذ ما لقيصر !..... أن " إنجيل " هذا الدين : كتاب " رأس المال، تجد أيضا في بعض صفحاته تنبؤات مخيفة، كتنبؤات "يوحنا " في رؤيا -، ففيه توعد بانهيار هذا العالم، وحلول عالم آخر قوامه العمال وحدهم !... أي أجسام تسير بغير رؤوس فوق المناكب ؟!.... يا له من حلم مخيف !.أما " إسلام، العصر الحديث في الغرب : فهي،" الفاشية، وهي كذلك لها طابع الإيمان والنظام !.. إيمان لا بالله، بل "بزعيم" من البشر ونظام لا يؤدي إلى التوازن الاجتماعي بالتواضع والزكاة، إنما هو نظام فرضته يد الإرهاب، ليؤدي إلى مطامع الاستعمار ولوثوب على الضعيف من الشعوب !.. ولهذا الدين أيضا "كتابه " وخطبه المنبرية الملتهبة، لا بحرارة عقيدة سماوية، ولكن بحرارة قوة حيوانية، وشراهة دموية !... اه أيها الصديق .... تلك هي الديانات التي استطاع الغرب أن يخرجها للناس،- يوم أراد أن يزاحم الشرق ويخرج للعالم أديانا !... إن "الماركسية " و الفاشية قد أخذتها عن أديان الشرق وطرقها وأساليبها و فهمتا جيدا أن كل خطة النبي هي استمالة الساخطين ... والمتذمرين و المعوزين، و هم الكثرة الغالبة !... هكذا فعل " عيسى " و "محمد"!...... ذلك أن طبقة الراضين و الموسرين ليست في حاجة إلى أن تتبع أحدا !..... فالدهماء هم سند الدين !.... فبتوا كل شيء على أساس واحد : " الدهماء " !... وجعلوا يتنافسون في إرضاء هذه الكتل الآدمية بالوعد : وعود واقعة قريبة الأجل ،" وهنا كل غباء هؤلاء الأنبياء !.... إن التنافس بين الدينين ليبدو لي شديد الخطر !... واني لأتنبأ لك، من الآن، بوقوع نوع من " الحروب الصليبية " بين " الماركسية و " الفاشستية " –تحشد فيها الدهماء ضد الدهماء، وتتناثر فيها الجثث . تتطاير الأشلاء.... هذا كل مكسبنا ..... إنهم لن يبقوا لنا حتى على ذلك الوهم اللذيذ والعزاء الجميل الذي غمرنا فيه أنبياء الشرق الحقيقيون .....
- أي وهم وأي عزاء؟ !....
- جنة السماء ، ومملكة السماء !.
- اه .... معذرة .... معذرة !.... انك مؤمن ... !.... ما أسعدك أنت !.... وما أحسن حظك!...ص80-85
هذه الفكرة عن الغرب تجعل القارئ يتجه نحو السلبية المطلقة للغرب بمجمله، وهنا تكمن الهفوة التي وقع بها الكاتب، فنجده منحاز كليا إلى الشرق ومتحامل بطريقة بعيدة عن الموضوعية على الغرب، كلنا يعلم أخطاء الماركسية والفاشية، لكن لكل فلسفة وطريقة نظام جوانب ايجابية وأخرى سليبة، فليس من العدل الطرح بهذه الكيفية، كما أن الغرب لم يكن برمته ماركسيا أو فاشيا، فهذا التعميم أوقع الكاتب في التدخل بلغة الشخوص ومن ثم اضعف إقناع القارئ بشخصية المتحدث.
المتحاوران مختلفان في الثقافة والفكر وأيضا في الجغرافيا، ولكلا منها مشاربه ومنطلقاته الفكرية، ومع هذا نجدهما يتكلمان لغة واحدة ويطرحان فكرة متفق عليها دون وجود أي تباين بينهما، لكن سنحاول هنا تناول فكرة الأنبياء والكتب عند الشرق والغرب، ففي الشرق نجد الحديث عن الحياة الأرضية والسماوية معا، وهذا يمنح الإنسان في الشرق (الحلم) والإيمان بمقدرة اكبر على تجاوز الصعاب والمعضلات التي يواجهها في حياته، كما أن الكتب السماوية التي جاءت من الشرق تطرح فكرة المحبة والتسامح والسلام والنظام، على نقيضها في الغرب حيث كان هناك كتب الماركسية التي تدعوا إلى الصراع الطبقي داخل المجتمع، وعلى استحالة التلاقي بين الطبقة العاملة والرأسمالية، وهناك الفاشية التي تدعو إلى تفوق جنس بشري على آخر فقط لأنه من هذه السلالة أو تلك.

كما أننا نجد انسياق "إيفان" الكلي نحو الشرق وكأنه جنة الخلد، علما بان واقع الحياة في أوروبا منذ القرن الثامن عشر أخذت تتسم بطابع العلم والثقافة وسعة الصدر للآخر، وما كان ليتم لها السيطرة على العالم الثالث ـ بشكل شبه كلي ـ دون تلك المعرفة والعلم الذي وصلت إليه، ومع هذا يستمر "إيفان" في الحديث عن الشرق بلغة توفيق الحكيم،
"إني شديد الإعجاب بأنبياء الشرق !....إن المعجزة الحقيقية التي جاءوا بها : هي أنهم قدموا للناس عالما آخر عامرا بسكان من ملائكة ذوات أجنحة جميلة بيضاء ، زاخرا بجنات فيها انهار من التبر" ص 97

صورة بهية للشرق تشكلت عند "إيفان" الممتعض من الغرب وما فيه، لكنها صورة تشكلت في الذهن فقط،

وبعد هذا الإستنتاج من "إيفان" نجده يبدأ في الأخذ بفكرة الإيمان بالشرق واعتناقها، ويكون بهذا قد انسلخ عن معتنقه وكفر بالغرب وما فيه
"إن الغرب يستكشف الأرض، والشرق يستكشف السماء !... إن الذي استطاع أن يغمر البشرية كلها في حلم يدوم الأحقاب ... إن الذي استطاع أن يصنع مثل هذا الحلم، لهو حقيقة فوق مستوى البشر !... إنما نمجد ذلك الذي اوجد للإنسانية واسكن الإنسانية . واسكن الإنسانية "السماء" ص98
فحقيقة الأمر الذي حقق أحلام الإنسانية هم الغرب من خلال الانجازات العلمية العديدة التي قدموها للإنسانية، وبينهما الشرق لم يقدم شيء مادي حقيقي على ارض الواقع، لكن الحكيم الذي لم يكن حياديا أصر على الاستمرار بهذا الإطراء للشرق حتى لو لم يكن مقنعا لنا نحن القراء.
فيعود مستدركا لحالة الثقافة والتوهج الحضاري التي مر بها الشرق، محاولا إقناعنا بما ذهب إليه حول عظمة الشرق فكريا وعمليا
"أن تجهل العلوم النظرية و التطبيقية، مع ذلك فإن ذلك العلم لم يفسد من الرءوس زجاجات الصور، التي تمثل الحياة الأخرى – تلك الحضارات اسميها أنا " الحضارات الكاملة " .. ص167


وآخر تلك التدخلات من الكاتب في لغة الشخوص تتمثل بقول "ايفان"
إذن حتى أبطال الشرق قد ماتوا في قلوب الشرقيين !" ص187
إذن نجد هناك انحياز واضح عن شخصيات الحكيم في رواية "عصفور من الشرق" أضعفت من قدرتها على إقناعنا بما تطرحه من أفكار عن الشرق والغرب معا.
وذروة هذا الانحياز تكمن عندما استخدم الكاتب الرمز في حديثة عن الشرق فقال على لسان "إيفان"
"ـ آه... النور...النور يشرق من بلاد الشمس ليغرب في بلاد الغرب" ص180
"ـ لا تخشى شيئا، ضعني بجوار النافذة أعني على الجلوس، حيث يغمرني نور الشمس" ص181
لا احد منا ينكر الصور الجميلة التي يطرحها الكاتب والمعاني الفكرية التي تحملها، كما تبن لنا المقدرة التصورية التي يتمتع بها الكاتب، لكن من ناحية الموضوع ـ الشرق ـ لم تقنعنا ـ شخصيا ـ رغم جماليتها وفنيتها

هذا التلاقي الروحي بين "إيفان" والشرق، جعله يتجه نحو العمل، فاخذ يعمل على الذهاب إلى تلك الجنة التي رسمها للشرق،
" ـ دعني، أيها الشاب، سأذهب إلى الشرق، أريد أن أرى جبل الزيتون، وأن أشرب من ماء النيل وماء الفرات وما زمزم وماء..." ص184 هذا التلاقي بين الفكرة والعمل يمثل احد أهم المواضيع الفكرية التي تطرحها الرواية، فهذا الأمر ـ الانسجام بين الفكرة والعمل ـ يعد من المفقودات في هذا العصر، ونكاد لا نجد قول ـ إن كان لأفراد أم لجماعات أو دول ـ يتحول إلى فعل، وكأن الحكيم يطالبنا أن نكون منسجمين فيما نقول ونفعل ولا نترك مسافة بينهما.
يعود الكاتب إلى حقيقة الأمر في الشرق فيقول بكل وضوح حقيقة الشرق المرة والتي يتسم بها
"ـ مهلا، مهلا أيها الصديق!... إن ذلك المنبع الذي تريد أن تراه وتلك الأنهار التي تريد أن تشرب منها، قد تسممت كلها!... لم يعد هناك نبع صاف، فإن الزهد قد ذهب كذلك من الشرق... وإنه لمن السهل أن تقنع شرقيا اليوم بان دينه فاسد ولكن ليس من السهل أن تقنعه بأن "الصناعة الكبرى" هي عجلة "إبليس" التي يقود بها الانسانية إلى الدمار... وإنك اليوم قد تستطيع اليوم أن تقتلع من رأس الشرقي عظمة السماء... ولا تستطيع مطلقا أن تقتلع منه عظمة "العلم الأوروبي الحديث" ... وإنه لمن اليسير أن تسفه عند الشرقي الآن "رسالة" الأنبياء، ولا يمكن أن تسفه لديه "رسالة" القوة المادية الحديثة"... حتى أبطال الشرق قد ماتوا في قلوب الشرفيين... نعم اليوم لا يوجد شرق!... إنما هي غابة على أشجارها قردة، تلبس زي الغرب، على غير نظام ولا ترتيب ولا فهم ولا إدراك" ص186و187
أعتقد هنا استطاع الكاتب إن يكون موضوعيا وغير منحاز للشرق، فهو حقيقة قد تبخر ولم يعد منه سوى بقايا مبعثرة تنم على الفقر المدقع للحضارة وللثقافة معا، وهنا يمكننا القول بان الكاتب حقيقة استطاع أن يعطينا سلبيات الشرق والغرب معا، ولنا أن نختار أيهما أقل ضررا لنا وأكثر نفعا.
ومن هنا يستنتج بان هناك دعوة من الكاتب ـ غير مباشرة ـ لكي يدفع الشرقيين إلى الأمام، ويأخذوا بشرقهم ليكون في شرقا حقيقيا وليس مشوه.
رائد الحواري



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العامة في يوليوس قيصر والعرب الآن
- الطرح الطبقي في عصفور من الشرق
- المفكر الامام البوطي
- خذني الى موتي
- المرأة ملاذ الشاعر من الواقع
- الرفض في القصة الفلسطينية
- شيطان في الجنة هنري ميللر
- بسام عويضة والربيع العربي
- رحى الحرب قسطنطين سيونوف
- الاحياء والاموات
- قصة الرعب والجرأة
- الانسان اللآلي
- الخندق الغميق سهيل إدريس
- قلادة فينسي
- ام سعد
- صورة (صورة الروائي) مرآة الضحية والجلاد
- لغة الماء عفاف خلف
- لعبة المتناقضات في رواية - إنهم يأتون من الخلف
- وادي الصفصافة
- لغة الماء غفاف ىخلف


المزيد.....




- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - الشرق والغرب عند توفيق الحكيم