أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فريدة النقاش - إفقار روحي














المزيد.....

إفقار روحي


فريدة النقاش

الحوار المتمدن-العدد: 4023 - 2013 / 3 / 6 - 08:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قال الفيلسوف الفرنسي التنويري «دينيس ديديرو» لدي زيارته لروسيا في أواخر القرن الثامن عشر.. «في فرنسا لا تستطيع تجنب التفكير في أنك تحمل روح عبد في بلد من المفترض أن الناس فيه أحرار، أما في روسيا فتكون لك روح حرة حيث يقال عن الناس إنهم عبيد»، وكان ديديرو كأنه يتحدث عن قانون التناقض الذي هو أحد القوانين العلمية التي تطورت بعد ذلك.

استخدمت جريدة «الهيرالدتربيون» الأمريكية هذه الواقعة في متابعتها لزيارة الفنان الفرنسي «جيرارد بارديو» لروسيا حيث قرر أن يعيش فيها بعد أن عبر الفنان عن غضب جارف ضد اتجاه حكومة الاشتراكيين الديمقراطيين في فرنسا لفرض ضرائب علي الأرباح الرأسمالية تصل إلي 75%، ولجأ هو إلي روسيا هاربا من فداحة الضريبة إلي بلد كان قد وقع في غرامه بسبب الانخفاض الكبير في الضرائب فيه، وهو امتدح روسيا «كديمقراطية عظيمة» علي حد تعبيره.. «وأنا أحب روسيا، أحب شعبها وتاريخها وكتابها» وأضاف مخاطبا الروس : «أنا أحب ثقافتكم وذكاءكم». ولم يتطرق الممثل المبهور بانخفاض الضرائب في روسيا إلي الطابع التسلطي المتزايد «لفلاديمير بوتن» علي حد قول الجريدة، مقدما نموذجا عن الكيفية التي تشكل فيها مصالح الناس أفكارهم، وهو قانون علمي آخر يري أن وجود الإنسان يصنع أقداره لا العكس. ينزعج الغاضبون مما يسمونه الطابع المادي للحضارة الحديثة وللغرب علي نحو خاص حين يربط أحد بين الروح الإنسانية وبين النظام الاقتصادي الاجتماعي، وواقع الأمر أن هناك علاقة وثيقة بين الاثنين هي علاقة تأثير وتأثر، علاقة جدل وتفاؤل، فالروح تتشكل وتنمو داخل المجتمع وفي ظل علاقاته، وقد أدي الاستغلال تاريخيا إلي إفقار الروح الإنسانية، بينما كان نضال البشر عبر التاريخ من أجل التحرر والانعتاق من كل أشكال هذا الاستغلال سواء في ظل العبودية أو الإقطاع أو الرأسمالية هو الذي ولد قيم التضامن والإخاء والمساواة واحترام كرامة الإنسان، ورفع رايات العدالة، وطبع الثقافة الجديدة بطابع هذه القيم كلها، أي بث فيها الروح الجديدة للإنسانية وهي تخرج من حالة التوحش إلي الحضارة، من حالة الضرورة التي تتوقف فيها حاجات الإنسان من أجل البقاء عند حدود مواصلة العيش شأنه شأن الكائنات الأخري إلي حالة الحرية حيث تتجاوز الحاجات مجرد البقاء إلي إبداع الذات وإعادة تشكيل العالم وبث هذه الروح الجديدة فيه.

وكان الكفاح الثقافي والسياسي متعدد المستويات والنتائج الباهرة في روسيا القيصرية ضد الاستبداد هو الذي بهر الفيلسوف «ديدرو» فتحدث عن الروح الحرة.

في بداية نشأتها الثورية أطلقت الرأسمالية طاقات الفعل والإبداع والتشوق الإنساني للتحرر ورغم الآلام الكثيرة التي ارتبطت بهذه النشأة فإن النضال الإنساني راكم تراثا هائلا لا فحسب في ميادين العلم والتكنولوجيا وصولا إلي ثورة الاتصالات الهائلة، وإنما أيضا في ميدان الثراء المعنوي والروحي الذي حين انطلقت التعددية في ظله مع الديمقراطية التمثيلية أطلقت معها طاقات إنسانية بلا حدود، فتعددت المنابع والطرق والخيارات، ولكن حين دخل النظام الرأسمالي في أزمة تفاقمت علي مر السنين خلق معه آليات الإفقار الثقافي والروحي فكتب الفيلسوف الألماني «هربرت ماركوس» عن الإنسان ذي البعد الواحد الذي خلقته هذه الرأسمالية المأزومة وهي تدفع به إلي حمي الاستهلاك بينما تواصل استنزاف الطبيعة وتجريف المستعمرات التي فتحتها وأذلت شعوبها.. وبعد ذلك بسنوات كتب «يوسف إدريس» عن «فقر الثقافة وثقافة الفقر».

وأخذت أزمة الرأسمالية التي انتشرت وأصبحت نظاما عالميا تخلق أشكالا متباينة من التعبير عن نفسها كمحاولات للخروج، وفي هذا السياق استخدمت الدين علي نطاق واسع، وأخذت النظم الرأسمالية في المراكز تنشئ وتمول المنظمات الجهادية باسم الدين عبر العالم، وخلق كل مجتمع أشكال التطرف الديني النابعة من تفاعلات الأزمة فيه بكل مظاهرها الثقافية والسياسية من الإسلام لليهودية، ومن المسيحية للهندوسية والتاوية.. إلخ ولعب التطرف الديني أدوارا مركبة في إفقار الثقافة وإفقار الروح علي العكس من منطلقاته الإيمانية، وذلك حين سعي إلي فرض الأحادية علي التطور الإنساني باسم الدين فتولدت ثقافة الفقر وفقر الثقافة. ومن الأدوار المركبة التي قام بها هذا التطرف كان ولايزال إعاقة التطور الديمقراطي من المنظور الشعبي وتشويه العملية النضالية التحررية ضد الاستعمار والاستغلال والاستبداد لتصبح نضالا ضد الكفر باسم الإيمان، فضلا عن تقسيم الأوطان علي أسس دينية وطائفية وادعاء العودة إلي النقاء الأصلي الذي كان موجودا في الأزمنة القديمة وهو ما ينطوي عليه مفهوم استعادة الخلافة الإسلامية.

ومن يتابع بدقة لغة الخطاب للرئيس «محمد مرسي» الذي يتحدث كثيرا عن الأهل والعشيرة لا عن المواطنين، وحين يزور سيناء يلتقي شيوخ القبائل ورؤساء العائلات دون رؤساء الأحزاب أو النقابات أو ممثلي المجتمع المدني، يعرف هذه الحقائق التي تقول إنه يدافع عن مصالح جماعته من التجار والمضاربين الغارقين في الدين الشكلي إذ يستخدمونه في التجارة.

فواقع الأمر أن الإفقار باسم الدين يجري علي قدم وساق لتفكيك الحداثة والعودة بالمجتمعات إلي مكوناتها الأولية التي تخلقت في أزمنة قديمة وجري انبعاثها كنتائج للأزمة العامة وتراجع التنمية وكثافة الاستغلال والفساد والتسلط والتبعية للمراكز العالمية للرأسمالية التي صدرت أزمتها إلي العالم، ومع بضائعها صدرت نفايات الأفكار إلي كل الدول الدائرة في فلكها حتي ولو كانت تقوم بمهمة الوكالة لهذه الرأسمالية باسم الدين. إنه الإفقار الشامل ماديا وروحيا والذي تناضل ضده القوي الثورية الحقة وسوف تنتصر.



#فريدة_النقاش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدولة المدنية بين استبداد العسكر والاستبداد الديني
- الفاشية وثقافة الخوف
- عري النظام
- باسم يوسف
- فاشية الشمولية الدينية
- عنبر «مرسي» للتأديب
- صديقي المسيحي
- مع كامل الاحترام للدين
- عن أوهام الفاشية الدينية
- كشف الغطاء
- مصراوية.. لا إخوان ولا سلفية
- تحرير الإعلام
- من حصاد الثورة
- الإخوان .. ثورة مضادة
- «طظ» في الشرعية!
- أفكار الرئيس البالية
- اللاعبون بالنار
- مفهوم الرجولة
- الشرطة الدينية
- حرب المواقع


المزيد.....




- سعيد يأمر باتخاذ إجراءات فورية إثر واقعة حجب العلم التونسي
- بايدن يخطئ مجددا و-يعين- كيم جونغ أون رئيساً لكوريا الجنوبية ...
- شاهد.. تايوان تطلق صواريخ أمريكية خلال التدريب على المقاتلات ...
- عشرات الجرحى جراء اصطدام قطارين في بوينس آيرس
- في أقل من 24 ساعة..-حزب الله- ينفذ 7 عمليات ضد إسرائيل مستخد ...
- مرجعيات دينية تتحرك قضائيا ضد كوميدية لبنانية بعد نشر مقطع ف ...
- شاهد.. سرايا القدس تستهدف الآليات الإسرائيلية المتوغلة شرق ر ...
- شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي لبلدة بشرق خان يونس
- واشنطن: -من المعقول- أن إسرائيل استخدمت أسلحة أميركية بطرق - ...
- الإمارات تستنكر تصريحات نتانياهو بشأن -مشاركتها- في إدارة مد ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فريدة النقاش - إفقار روحي