أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ماهر علي دسوقي - القبور أحيا منهم !!














المزيد.....

القبور أحيا منهم !!


ماهر علي دسوقي

الحوار المتمدن-العدد: 4021 - 2013 / 3 / 4 - 01:30
المحور: المجتمع المدني
    


القبور أحيا منهم !!
ماهر دسوقي

كان ذاك اليوم ماطرا وعاصفا الا أن "المناسبة" لا يمكن تأجيلها أو الاعتذار عن حضورها ، فوالدة أحد الأصدقاء قد توفيت بعد صراع مع المرض طويل ، ودفنت بالقدس حيث تسكن ، الكثير من الاصدقاء والمحبين للعائلة لم يستطعوا الوصول من الضفة بسبب المنع والحواجز الاحتلالية .. فقرر ذو الفقيدة ان يخصصوا ساعات محددة للعزاء بقاعة في مدينة رام الله ، واختاروها قريبة من وسطها للتسهيل على المعزيين .. وذلك بعد ثلاثة أيام من العزاء في المدينة المقدسة .

حان الوقت وانطلقت مسرعا "لاستقبال" صديقي وأهله .. وما هي الا دقائق حتى وصلوا ، وأخذ الاصدقاء يتوافدون رغم قساوة الاحوال الجوية ..

الحجز للقاعة محدود والاجواء عاصفة وعلى أهل الفقيدة العودة للقدس بحذر .. تبادل الحضور التعازي مع اصحاب الشأن .. وتبادلوا ايضا أطراف الحديث مع بعضهم البعض ... وقلت في نفسي يالها من مشقة عليهم بعيد فقدان الام ...

في هذه الأثناء دخل الى القاعة رجل متكىءعلى عكازه الداكن اللون ومعتمرا على رأسه كوفية مميزة الشكل واللون ، يسير بخطى متقاربة لكنها متماسكة واثقة ، قمبازه الرمادي ومعطفه الخارجي يشيان بمكانة ما له ...القى التحية والسلام على الحاضرين ، وأخذ بواجب العزاء من ذوي الفقيدة بحرارة لافتة ، وتقدم وجلس في مقعد الى جانبي .. بعد أن سأل بهدوء ان كان أحد ما يجلس عليه .. وذهب لأمر ما .. اجبته بالنفي وأشرت له بالجلوس ..

بادرت بالحديث .. وسألته عن صحته .. فاجاب : كيف ترى من عجنته الأيام وقد دخل في عقده السابع؟ قلت خيرا ولو بعد كبر !! ابتسم وأضاف هذا كلام لدبلوماسي محنك ... قلت بل هي نظرة الواثق لما يرى ...

اعجبت بطريقة رده ، واعجب بجوابي .. وقال "ابوناصر" هذه كنيتي .. ادليت بدلوي وبادلته التعارف .. انشغل وانشغلت ببعض المعارف والاصدقاء ممن حضروا ولاحظوا وجودي او وجوده ..

كان الصمت يلف المكان تارة ، وهمسات الحضور تعلو تارة أخرى ..ووقت الحجز للقاعة كاد ينفذ.. ومازال فيها بعض المعزيين .. واصبح من الواضح ان على الحضور المغادرة .. وبدات "المداولات" بين من يملك مركبة ومن لا يملك لتحصيل "توصيلة" سريعة في اجواء ماطرة وباردة تميل نحو المزيد من السوء ...

أنظر قال لي بعد أن أدار "ابوناصر" بوجهه نحوي .. الفقيدة من القدس .. وبدل ان نتجه نحن لهناك ياتي أهلها الى هنا ويستأجرون قاعة .. ونأتي بدورنا الى المكان المخصص .. هذا لعمرك عناء ما بعده عناء وكأنهم يحتاجون الى المزيد من الضغط النفسي والارهاق ، فما بالك بهذا الجو العاصف ؟ هذا زمن غريب يمنع فيه أصحاب الأرض من التنقل بحرية ويأتي الغرباء ليتحكموا بكل شيء ..والادهى ان من بيده "السلطة والنفوذ" ادخلنا في متاهات متعددة وفق ما عرف "بعملية السلام" .. فلا العملية نجحت ولا السلام حل ، بل زادت الامور تعقيدا بالقياس الى السابق .. وامست حياتنا أشأم من البسوس !!

كان يعلي صوته حينا ويخفضه في حين اخر ، يتريث هنيهة ويعاود الحديث وكلي اذان صاغية له ... وهو ما أدركه بحدسه الخاص .. استفاض بالشرح والتفصيل ، وكلما تكلم ابان عن فصاحة مدفونة في وقار ...

استأذنته مقاطعا وقلت : يبدو علينا عدم القدرة على مجاراة الواقع الجديد بحلته السوداوية ، اضافة لعجزنا امامه ، وما يحيط بنا مرير بمرارة العلقم .. فالبعيد الغريب بات اقرب للبعض من القريب الشقيق حامل الهوية والوطن ... والحزم منا على المحتل غاب .. وانتقل ليحل بين الاهل والخلان ..وسمة الأمر مع ذلك سقوط مركب أنتج الفقر والفساد والهوان ...

اسمع .. قاطعني وبحماسة قائلا : أنبئك بخلاصة العبر .. من صمت على القهر زاد وانتشر .. والوطن يبلى اذا ما بلي البشر .. وللفعل المقاوم أسنة حداد على العورات اذا ما توحد وحضر .. والمرء ساع لامر يدركه اذا ما استفاق وفعل .. الحر يلحى والعصا للعبد وليس للملحف مثل الرد ... وما المرء الا حيث يجعل نفسه ففي صالح الاعمال نفسك فاجعل ...

أدهشني قوله واردفت معقبا ، لقد حفظت من شعر الأوائل وحكمهم الكثير ، فهل أفادك ذلك في حراك وتلاطم أمواج الحياة ؟ أجاب قطعا .. وان رايت الحال عجبا فالمعضلة ليست بالشعر والحكم بل في من لا يدركها عقلا وقلبا وفعلا .. ومن يك عاقلا لم يلق بؤسا بل ينخ يوما بساحته القضاء ، البعض أو الكثير خضع وهان والقبور أحيا منهم ولو ظهر على محياهم رجاء ... لكن الامل باق ما بقي العهد والوفاء وللفكرة حياة مستمرة هيهات يميتها أحد ...

نظرت من حولي واذ القاعة باتت شبه فارغة واهل " المتوفاة" يعدون للمغادرة ، انتبه لذلك فنهض حتى استوى قائما وقال : دعنا نلقي تحية المواساة الاخيرة وننطلق .. قدمته على نفسي وسار وسرت ... وكان السلام والعناق .. خرجنا وشكرته على ما قال وأجاد .. فما دام فينا من يحمل هذا الفكر ويورثه الاجيال فلابد الفجر ااااات ...
مضيت في طريقي ومضى والعاصفة كانت تشتد !!



#ماهر_علي_دسوقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفقر في النفس لا في المال تعرفه !!
- الصورة ذات الاطار الفضي
- ثكالى نزف الوطن !!
- ألا من زلزال يعيد لنا الرشد!!
- حجر .. وصفية وناقلات الجند!!
- سامر ... وان تَشَعًبَ الخطر !!
- بالأمعاء الخاوية .. تُحفر الحرية!
- ربيع ويافا
- عكاز وحجر
- ناب زرقاء .. وجباه سمراء
- يافطة وجائع
- في المقبرة .. أكواخ وقصور !
- -لوشيتا- والبسطة!
- عطر الزعتر
- أُرتِجَ الأمر .. فبان القهر !
- لا تَزْهَدَنَّ في معروف!!
- كلب ومواطن وحاوية!
- ثقل ربع قرن في كفي
- ناجي العلي تمرد على أبيس
- أَبَسَ عباس الكفاح المسلح


المزيد.....




- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة
- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ماهر علي دسوقي - القبور أحيا منهم !!