أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مؤمن سمير - والدا - خوان مياس - اللذان في العلبة .. كتابة بقلم / مؤمن سمير














المزيد.....

والدا - خوان مياس - اللذان في العلبة .. كتابة بقلم / مؤمن سمير


مؤمن سمير
شاعر وكاتب مصري

(Moemen Samir)


الحوار المتمدن-العدد: 3927 - 2012 / 11 / 30 - 21:09
المحور: الادب والفن
    


والدا " خوان مياس " اللذان في العلبة .. كتابة بقلم / مؤمن سمير

ظل الإسباني " خوان مياس " يحس بالبرد طول حياته رغم أن والديه كانا يتجولان داخله باستمرار ، حتى أنه كان يحتفظ بالعلبة التي تضم الرماد المتبقي بعد حرق جثمانهما بالقرب منه ، على أمل أن يأتي اليوم الذي يتمكن فيه من الذهاب إلى البحر، فينفذ الرغبة التي ألمحت إليها الأم ذات أصيل بمزج الرمادان معاً قبل أن يطيِّرهما في الماء فيواصلان صيغتهما الجديدة للحياة معاً . إلا أنه لم يحظى بفرصة فراغ طول السنوات أو بالأحرى أقنع نفسه بذلك .. هل كان يود أن يظلا إلى جواره حتى لو كان لا يراهما ، يعني بصور متكررة يصنعها خياله كل يوم ، أم أنه كان يستمد اطمئنانه من الإحساس الأكيد بأنهما مدفونان بيده في العلبة ، بما يتيح له أن يربي يقيناً يزداد بدانة كل لحظة بأنهما ذهبا للأبد .. وأنهما حالياً في صورة مريحة هي الهباء والغبار .. المهم أن الأمر لم يستمر هكذا .. حيث تصادف أن دُعي لإلقاء محاضرة في مدينة البحر فقال جاءت الفرصة لضرب عصفورين بحجر واحد .. المحاضرة وتنفيذ الوصية .. قام" خوان " بفتح العلبة فلاحظ أن الكيسين اقتربا من البِلَى وعندما كان يقوم بتغييرهما طار جزء من الرماد وتسرب إلى لوحة مفاتيح الكمبيوتر فشاف الأمر على أن الوالدين نجحا في لعبة التسلل إلى أخص وأعقد وأهم خصوصياته وهي الكتابة .. وفي النهاية حمل العلبة التي تحوي الكيسين وذهب إلى المطار فشك الضباط لأن الرماد يشبه البارود وعندما سألوه وأجاب بأن ما في الكيسين هو رماد والديَّ وسألقي به في البحر لم يصدقوه وطلبوا منه أن يعود لبيته على أن يرجع ليعلم نتيجة الفحص بعد ذلك ، ثم مرت ثلاثة أيام كانت مرعبة ومملة بالنسبة له لكن رجال المطار الذين كانوا مندهشين لأنه لم يسأل اتصلوا به ليستلم العلبة .. التي عادت للاستقرار أمامه للأبد ..

هل تمت هذه الحادثة أساساً أم أن وعيه كلف خياله بأن يضفي الدراما الكفيلة بضمان الإيمان والتصديق على ما يجري.. وكل هذا ليرسم بقاء المقبرة التي صنعها لهما في متناول يديه .. ورغم أنه لا يقرب الرماد ولا الأكياس ولا العلبة ولاتقع عليهم عيونه إلا أنه يلمسهم دائماً دائماً ، بداخله وبخياله ..

كان " خوان مياس " يحب أمه حباً مركباً ولا ينسى كيف دخل عليها وهي ترضع أخاه الصغير فأخرجت الحلمة وقالت أتود أن ترضع ؟ فتزلزلت مراهقته واجتمع الجنس مع الخوف مع الهالة القدسية التي تقبع فيها الأم .. ما حدا به بأن يظل لفترة طويلة وهو يأمل بأن تكون كل النساء بلا حلمات ..... كانت أمه تفضله حقاً عن إخوته وكان لا يملك إلا أن يحبها مهما قاوم أو تمنى العكس .. لكنه لم ينجح أبداً في محبة الأب ، صاحب ورشة الأجهزة الطبية الكهربائية الذي كان لا يصلح الأجهزة فقط بل يخترعها أيضاً .. الوالد الفخور دائماً بأنه أول من صنع مشرطاً كهربائياً في إسبانيا والذي كان دائماً يفضل أن يجلس على كرسي عالٍ وبعيد عن قلوب أبناءه ونظرهم المرهق من طول التحديق لأعلى .. كان يفرض عليه هو وإخوته أن يقرأوا " دون كيخوته " كل صيف .. هذا الكتاب الذي لا تملك أبداً أبداً إلا أن تحبه ، لكن الخوف جعل المشاعر تلتبس بازاءه وازاء أشياء كثيرة بعد ذلك وطول العمر .. ليس من ضمنها هذا الأب الذي لم يستطع سوى أن ينحيه بعيداً عن أمان المحبة ، الأب الذي قد لا يكون هكذا بالضبط ويكون الأمر لا يظهر إلا في نظرة " خوان " المنحازة للأم أو حتى يرجع ذلك لحساسية مفرطة يعاني منها كل المضروبين بإعادة تشكيل العالم على هيئة كتابة .. كان " خوان " يحب " بابا " وليس " الرجل " الذي يمثله .. هل كان يغار من والده بلا مواربة .. ولم يغفر لأمه رغبتها في الامتزاج الأبدي بهذا الأب فتقاعس عن تنفيذ الوصية معزياً الأمر للانشغال ثم للارتياب الأمني والمصادفات السيئة.. أم أنه يستدعي ما كانت تزرعه فيه أمه التطهرية من صور لمفهوم " اللمس الآثم " .. لمس الأجساد وتحسسها بما يثير اللذة المحرمة ، سواء كانت لذة قتل الأب أو لذة الجنس والتي إن اعترف بها داخله ، فالأمر كارثي للأبد.. لهذا لم يلمس الرماد أبداً لسنوات طويلة .. ولما حاول .. كادت الأقدار أن ترتب له مصيبة في المطار !!

والآن يكتب " خوان مياس " رواياته وقصصه ومقالاته ومحاضراته على لوحة المفاتيح التي كانت بوابة تسلل الرماد / الماضي إلى الكتابة / الحياة .. إذن الوالدان حيَّان ولكن في فضاء الكتابة ، في الخلفية .. بما يعني : في العمق أيضاً ، ولكن عمق تحققه هو وتميزه هو كخالق مصائر وحيوات .. أما إن حاولا أن يكون وجودهما أكثر فداحة ، فالعلبة ليس أمامها إلا أن تغيب كل يوم قليلاً قليلاً عن ناظريه لتستقبل التراب والزمن وترسم كرنفالاتٍ للشيخوخة وللدفن المعلن عن نفسه بجلاء في خريطة القرصان القادر على إلقاء المزعجين في بحر العواصف ...



#مؤمن_سمير (هاشتاغ)       Moemen_Samir#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - عن حشرة ( كافكا ) ومرايا الظل - .. كتابة .. بقلم : مؤمن سم ...
- - أُكلّم الصورةََ ، من الداخل - شعر / مؤمن سمير
- - رقْصُنَا ليس نقياً ، كي نحبَ العواصف - شعر/ مؤمن سمير
- محمود الأزهري يكتب : قراءة في ديوان - ممر عميان الحروب - للش ...
- كريم الهزاع يكتب : - بهجة الاحتضار- * ومراوغات الجثة / القصي ...
- زينب الغازي تكتب عن ديوان - يطل علي الحواس - لمؤمن سمير: إعا ...
- خالد محمد الصاوي يكتب عن ديوان - يطل على الحواس - لمؤمن سمير ...
- ياسمين مجدي تكتب...في الديوان الفائز بجائزة كتاب اليوم : الذ ...
- د/ ياسر الباشا يكتب عن الشاعرين مؤمن سمير ومحمد فؤاد محمد : ...
- أحمد عزت مدني يكتب : قراءة تأويلية في ديوان - يطل على الحواس ...
- - يَفوتُ على التَلِّ.. ويُرَنِّمُ للغابات..- شعر/ مؤمن سمير
- - على الدوام ، بلا خبز ولا نبيذ -
- * نفوت على بيت المجنون * شعر / مؤمن سمير
- * السِكّيرونَ في فرشتهم العريضة * شعر / مؤمن سمير
- جسارة الجنون وجماله .. في ديوان - كان لازم نرقصها سوا - لمدح ...
- - الذات تلتقط الجوهرة -.. ديوان ( ريحة ملايكه ) لحاتم مرعي.. ...
- - خيانتان - شعر : مؤمن سمير
- مونودراما ( بقع الخلاص) بقلم / مؤمن سمير
- - وهكذا . يقتفونَ أَثَرَنَا - شعر : مؤمن سمير
- عاطف محمد عبد المجيد يكتب عن ديوان - تفكيك السعادة - لمؤمن س ...


المزيد.....




- “القط بيجري ورا الفأر”.. استقبل Now تردد قناة توم وجيري الجد ...
- الان Hd متابعة مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 مترجمة عبر ...
- تابع حلقات Sponge BoB تردد قناة سبونج الجديد 2024 لمتابعة أق ...
- من هو الشاعر والأمير السعودي بدر بن عبد المحسن؟
- وفاة الشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن
- بتهمة -الغناء-.. الحوثيون يعتقلون 3 فنانين شعبيين
- دراسة تحدد طبيعة استجابة أدمغة كبار السن للموسيقى
- “أنا سبونج بوب سفنجة وده لوني“ تردد قناة سبونج بوب للاستمتاع ...
- علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي ...
- استقبل الآن بجودة عالية HD.. تردد روتانا سينما 2024 على الأق ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مؤمن سمير - والدا - خوان مياس - اللذان في العلبة .. كتابة بقلم / مؤمن سمير