أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ابراهيم ازروال - حتى لا ننسج جوارب-للعقول-!















المزيد.....

حتى لا ننسج جوارب-للعقول-!


ابراهيم ازروال

الحوار المتمدن-العدد: 3915 - 2012 / 11 / 18 - 00:29
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لعل من ميزات عبد الله العروي ، جمعه بين النظرية وبين الانشغال بقضايا الواقع المغربي تخصيصا والواقع الإقليمي و العالمي تعميما .المزج بين النظري والعملي ، يمنح العمل الفكري الحيوية التاريخية ، والدينامية الفكرية ، الجديرتين بمنجز فكري ، منغرس ، جذريا ، في "أرض" الواقع وفي" سماء" النظرية .

(أحاول دائما ، في ما يخصني ، أن انطلق مما يحيط بي ،و إن انتهيت إلى عبارات وتحليلات بالغة التجريد ، لأن هذا هو أسلوبي في الكتابة ، ولكن الدافع عندي هو دائما تجربة أعيشها في الشارع المغربي .فمساءلتي الأولى للواقع الاجتماعي ، ثم للمفاهيم في أعلى مستويات التجريد ، ثم أخيرا في تطبيق الثانية على الأولى للوصول إلى حكم هادف . )
(-محاورة فكر عبد الله العروي – جمع المقالات ورتبها : بسام الكردي – المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – الطبعة الأولى -2000-ص.20) .

بهذا المزج ينفتح الباحث على "المثقفية" ، ويستحيل المنجز البحثي ، إلى كتابة مترعة بأسئلة الواقع الإشكالية .إلا أن الملاحظ ، أن ثمة باحثين ، انحصروا في حيز "البحثية" الصرف ، دون أي انشغال بالأسئلة الاجتماعية والسياسية والثقافية ، الحارقة ، وتحولات الاجتماع المغربي والدولي ، خصوصا بعد انكسار الجدار البرليني وريح التغيير العولمي .
ثمة سؤال عن تعفف بعض الباحثين المغاربة عن "المثقفية " ، أي عن التدخل الاستراتيجي ، في الشأن العام ، دفاعا ، عن الخطاب والممارسة المعليين للوجود والمدافعين عن الاختيار الأسمى والأرقى ثقافيا وسياسيا .الواقع أن بعض الباحثين ، استمرأ المواقع البحثية ، النظرية المحضة ، ولا يتفاعل ، مع القضايا ومع المعتركات الحياتية والوجودية ، إلا تعاليا أو عرضا . الاشتباك بالراهن ، بالسيرورة في احتراقات وقودها ، واشتعال أتونها ، مما لا يتقبله "العقل" البحثي الرصين ، المنشغل بالمفاضلة بين الأدلة ، أو بين الاستدلالات ، أو تخير أفضل المناهج النقدية للكشف عن مخفي النصوص وعن مجهول البيانات أو عن النظريات التفسيرية ذات الكفاءة التفسيرية الكبرى ؟
لماذا يستنكف الباحثون إذن ، عن الاشتباك ، بالتاريخ ، بالديناميات الظاهرة والكامنة ، مغربيا ودوليا ؛ والانخراط ، في التقاليد الفكرية ، المزدانة بالانهمامات "الثقافية " الظاهرة؟ .اشتباك النظري بالعملي ، التاريخ بالنظرية ، المنحى الشخصي بالسيرورة التاريخية ، هو مما يمنح الممارسة البحثية بعدها الأصيل، تحقيقا ، أي بعدها التاريخي . أما الممارسة البحثية الغارقة ، في التأنق المعرفي وفي التحذلق المنهجي وفي الاستعراضات التجريدية ، المنفصلة، عمقيا ، عن حيثيات وديناميات الواقع المتحول ، فمما لا يمكن التأكد من أصالته ولا من جدارته الفكرية، لا الآن ولا مستقبلا .
ما معنى أن نخصص دراسات متناسخة ، متضاربة المنهجيات ، متعارضة المقاصد ، متخالفة الاستراتجيات ، للرشدية أو للخلدونية أو للشاطبية من جهة أو للهايدغيرية أو للفوكولدية أو للهابرماسية من جهة أخرى ، هنا والآن ، في غياب أي استثمار عملي لها في واقعنا الراهن ؟
هل يمكن استعمال المفاهيم الخلدونية أو التصورات الرشدية أو المقاصد الشاطبية أو العرفان الأكبري، في فهم أو تأويل النسق الاجتماعي أو الثقافي المغربي ، راهنا أو مستقبلا ؟ هل تضمن البراعة البحثية في الرشديات أو في الخلدونيات أو في الغزاليات ، إمكان صمود النتائج البحثية ، مستقبلا ، علما أن تطور البحوث والنظريات والمناهج ، كثيرا ، ما أحال بعض الدراسات ، في الشرق والغرب على حد سواء ، إلى النقود التاريخية ذات القيمة" الوثائقية "لا غير ؟
(أما هؤلاء العلماء فينعمون بالبرودة ويتفيأون الظل ، ويكتفون في كل الأمور بأن يكونوا مجرد متفرجين ، ويحذرون الجلوس حيث الشمس تلفح المراقي .
ومثل أولئك الذين يقفون في الطريق فاغرين أفواهم ليرقبوا المارة ، كذلك ينتظر هؤلاء وينظرون فاغرين أفواههم إلى الأفكار التي أنتجتها عقول الآخرين .
و إذا ما أمسكنا بأيدهم تطاير منها الغبار ، رغما عنهم ، مثل أكياس الدقيق ، ومن سيحرز أن غبارهم مصدره القمح وحبور الحقول الذهبي إبان الصيف ؟ ) .

(-فريدريك نيتشه-هكذا تكلم زرادشت –ترجمة وتقديم : محمد الناجي – أفريقا الشرق –الدار البيضاء -2006-ص.115-116) .


تقتضي الممارسة الثقافية ، إذن تعريض النظريات والمفاهيم ، لنار التاريخ ولوهج الواقع ؛ أما الممارسة التقنية البحثية ، المعزولة عن أية ممارسة ثقافية ، فتفقر ، لا للديناميات التاريخية ، في هذا المنعطف الحاد ، بل تصيب "النظري " نفسه بالضمور .
الكتابة مستويات والخطاب أصناف ، كما في التوضيح الرشدي والممارسة الحنفية ( حسن حنفي ) ؛ وعليه ، فليس الباحث ملزما بالتزام نفس التدليلات أو التمثيلات أو البراهين ، في كل المواقف والمواقع ؟ثمة مرجعيات تسري كالدم في جسد النص ، وثمة مرجعيات يحملها النص كزوائد على الأطراف.حين تبتلع الهوامش المتون ، فتلك علامة ، على قلة النسغ التاريخي أو الوجودي في المكتوب ، وكثرة" الصقالات "المساعدة على ترميم ما اخترمته يد الصياغة وإعادة الصياغة في ليل البحث البهيم .

أين المثقف ؟
ما موقف المثقفين من المستجدات الوقتية ومن التحولات الحادثة ، المفاجئة طورا والصاعقة طورا آخر ؟ كيف "اختفى" المثقفون من المشهد ، وظهرت بدائل ، أخرى، وخطابات راجعة إلى ما قبل المثقف الفولتيري أو السارتري ؟
أسئلة تواتر طرحها ، كلما ظهرت محدودية ،التوضيحات والتعليلات المقدمة ، من قبل المنشغلين الأبديين بالوقتي ، بالعرضي أو بالمدد القصيرة ( خبراء العلوم السياسية / الصحافة/التنشيط الثقافي ...الخ) ، دون حمولة نظرية ولا شبكات فهم مدارة بدراية ؟
السؤال الحقيقي ، في اعتقادنا ، هو التالي : لماذا لا ينتقل بعض الباحثين من إطار "البحثية " إلى إطار "المثقفية " ؟ لماذا لم يتمكن الباحثون ، من صياغة بحوثهم التقنية ، صياغة واقعية ؟
هل تكفي البراعة البحثية ، أو التقنية ، في الفلسفة الإسلامية أو في الفلسفة الغربية ،مثلا، لخلق مفكر أو لخلق مثقف يشتبك بنيران المفاهيم والدلالات في عالم قلب مثل عالمنا ؟
ما معنى أن تنجز بحثا عن كانط أو عن هيجل أو هيدغر أو عن ابن عربي أو الحلاج أو السهروردي ، في مغارب الألفية الثالثة ، إذا كنت عاجزا عن "مغربة "المقروء ، أي عن تصييره علامة من علامات جغرافياتك الخاصة أو موشورا أو بوصلة للتوجيه ، في مفازات التاريخ الحديث والمعاصر ؟ ألا تقود فتنة التأويل بله شرنقة التأويلانية إلى تجميد "المتخيل البحثي" ، وتجفيف احتمالية النص ودينامياته المتجادلة وتناغمه أو تعارضه مع مجرى الوقائع في اليومي الهادر ؟ ألا تكمن قيمة المقروء في التجادل الخلاق بين الواقعات وكيمياء الخطاب ؟ ألا تقود المعارف الورقية ، أحيانا ، إلى الانقطاع عن سيل ودفق ، السيرورة ، وعن حرارة المعرفة الصاعدة من رحم النظريات وهي تشق دروبها الصعبة بين صواعق وبوارق التاريخ الحي ؟
ما معنى الانهمام بالمنطق والمناظرة والجدال ، إذا كنت عاجزا عن مداورتها ، وتوظيفها ،توظيفا ملائما للتحولات الفكرية والتقانية ، وممارستها عمليا في النقاش العمومي ، دون متعاليات أكاديمية أو امتيازات سوسيولوجية ؟
ما معنى التنظير للمناظرة ، في عالم ، التخصص البحثي ، والتعالي عن "المثقفية " ، أي عن المشاركة الفكرية " في النقاشات والتداولات العمومية ، والدفاع المبرهن عليه ، على القيم وعلى المسلكيات" الايجابية"، فكريا أو ايطيقيا أو اقتصاديا ، في عالم العولمات المعممة والينبوعيات المعصرنة ؟ما معنى التنظير للمناظرة ، والتشبث بطريق العرفان ، مع أن التداول العصري ، تداول لا عرفاني أساسا ؟من سنناظر، إذا أغلقنا منابع الحجاج ، وأكدنا شروط "المريدية "، وألغينا موجبات العقل التواصلي ؟
ما معنى الانكباب على "الحجاج " الآن ، مع انحصار الباحثين في " البحثية " ، وقلة اندماجهم وانخراطهم في الشؤون الجماعية ؟
أليس الاعتصام بقلاع ، البحثية ، دليلا ظاهرا ، عن قصور بين في تتبع النسغ التاريخي في مجريات النصوص والخطابات أولا ، وعن الافتقار إلى براعة التطويع وإعادة الصوغ وإعادة التنسيق وحسن التنزيل الإبستمولوجي للحداثة المستعصية ثانيا ؟
هل تكفي البرودة الإبستمولوجية ، لمواجهة ، رياح التاريخ ، وتصيير الباحث التقني مفكرا ؟
مهمة الباحث "اللامنتمي "، أصعب راهنا .فهو ، يتنكب طريق "المثقفية "، وهو غير متيقن ، من احتياز صفة "المفكر "، بالنظر إلى نقص ، تقني في العتاد، والى غياب المجاري والمنحنيات الحداثية في التاريخ الجماعي ؟

إبراهيم أزروال



#ابراهيم_ازروال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أصول الرقابة في الفضاء الثقافي الإسلاميّ 4
- أصول الرقابة في الفضاء الثقافي الإسلاميّ 3
- أصول المراقبة في الفضاء الثقافي الإسلامي 2
- أصول الرقابة في الفضاء الثقافي الإسلاميّ 1
- في نقد فصام الفكرية الإصلاحية -نموذج نضال الصالح 4
- في نقد فصام الفكرية الإصلاحية -نموذج نضال الصالح 3
- في نقد فصام الفكرية الإصلاحية -نموذج نضال الصالح 2
- في نقد فصام الفكرية الإصلاحية -نموذج نضال الصالح 1
- نقد التصوف في كتاب - وصف إفريقيا - للحسن الوزان 2
- نقد التصوف في كتاب - وصف إفريقيا - للحسن الوزان 1
- القوس والفراشة : سياحة في خرائب حداثة المجاورة 2
- القوس والفراشة : سياحة في خرائب حداثة المجاورة 1
- العلمانية الرخوة واستقالة العقل النقدي 2
- العلمانية الرخوة واستقالة العقل النقدي 1
- الاعتراب في واقع انسداده-نقد تصور الجابري للأمازيغية 6
- الاعتراب في واقع انسداده-نقد تصور الجابري للأمازيغية 5
- الاعتراب في واقع انسداده-نقد تصور الجابري للأمازيغية 4
- الاعتراب في واقع انسداده-نقد تصور الجابري للأمازيغية 3
- الاعتراب في واقع انسداده-نقد تصور الجابري للأمازيغية 2
- الاعتراب في واقع انسداده-نقد تصور الجابري للأمازيغية


المزيد.....




- الدوما يصوت لميشوستين رئيسا للوزراء
- تضاعف معدل سرقة الأسلحة من السيارات ثلاث مرات في الولايات ال ...
- حديقة حيوانات صينية تُواجه انتقادات واسعة بعد عرض كلاب مصبوغ ...
- شرق سوريا.. -أيادٍ إيرانية- تحرك -عباءة العشائر- على ضفتي ال ...
- تكالة في بلا قيود: اعتراف عقيلة بحكومة حمّاد مناكفة سياسية
- الجزائر وفرنسا: سيوف الأمير عبد القادر تعيد جدل الذاكرة من ...
- هل يمكن تخيل السكين السويسرية من دون شفرة؟
- هل تتأثر إسرائيل بسبب وقف نقل صواريخ أمريكية؟
- ألمانيا - الشرطة تغلق طريقا رئيسياً مرتين لمرور عائلة إوز
- إثر الخلاف بينه وبين وزير المالية.. وزير الدفاع الإسرائيلي ي ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ابراهيم ازروال - حتى لا ننسج جوارب-للعقول-!