أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مؤمن سمير - د/ ياسر الباشا يكتب عن الشاعرين مؤمن سمير ومحمد فؤاد محمد : - سطوة اللغة وطرائق التواصل - في المفارقات الشكلية والموضوعية والأسلوبية بين شاعرين















المزيد.....



د/ ياسر الباشا يكتب عن الشاعرين مؤمن سمير ومحمد فؤاد محمد : - سطوة اللغة وطرائق التواصل - في المفارقات الشكلية والموضوعية والأسلوبية بين شاعرين


مؤمن سمير
شاعر وكاتب مصري

(Moemen Samir)


الحوار المتمدن-العدد: 3906 - 2012 / 11 / 9 - 00:15
المحور: الادب والفن
    


د/ ياسر الباشا يكتب عن الشاعرين مؤمن سمير ومحمد فؤاد محمد : " سطوة اللغة وطرائق التواصل " في المفارقات الشكلية والموضوعية والأسلوبية بين شاعرين

في ديوانيهما : [ دماء على خيوط الفجر ]* ، و [ ممر عميان الحروب ] ** يقدم الشاعران : محمد فؤاد محمد ، ومؤمن سمير تجلياتهما الإبداعية والفنية مرتكزين على ما تحمله اللغة من طاقات دلالية وفنية تسهم بشكل مباشر في إقامة جسور التواصلية بين طرفي الرسالة اللغوية التي يمثلان فيهما الطرف الأول ، ويبقى المتلقي الجمعي هو الطرف الثاني في هذه المعادلة التي قد تميل لصالحهما على حساب المتلقي ، وفي هذه الحال يُعد هذا هدمًا لجسور التواصلية المفترضة بينهما ، وتقصيرًا منهما أيضًا ، وقد تميل لصالح المتلقي الذي قد يفسر المضامين الدلالية لأعمالهما الإبداعية محملاً إياها قدرًا من الدلالات لم يكن يقصدها صاحباها من الأساس ، ويُعد ذلك نجاحًا لهما ؛ إذ دفعا المتلقي إلى التواصل معهما والتدخل في النص في تحميله بالطاقات الدلالية المتنوعة .
وكان أستاذي الدكتور : جمال التلاوي قد رشحني – وهو أمر يدعوني للشرف – للكتابة عن الشاعرين ، وقد اخترت الجانب اللغوي لديهما ؛ فعلى الرغم من المفارقات الشكلية والمضمونية والأسلوبية الكبيرة بينهما تظل اللغة بتعدياتها وجرأتها وقدرتها غير المحدودة هي العامل المشترك بينهما .
غير أني سأختبر في هذا البحث مدى قبول المتلقي للنص فيما يعرف بـ [ المقبولية ( Acceptability ) ] والتي تعد واحدة من أبرز معايير علم اللغة النصي [ Text Linguistic ] ، والذي يعتمد على معايير أخرى ، وهي [ السبك ( Cohesion ) ] ، و [ الحبك ( Coherence ) ] ، و[ القصدية ( Intentionality ) ] ،
و [ الإخبارية ( Informativily ) ] ، و [ المقامية ( Situationality ) ] ، و [ التناص ( Intertextuality ) ] ، وسوف أتعرض للمعيار الأخير في بعض
ثنايا البحث .

أولاً : سطوة اللغة وطرائق التواصل في المفارقات الشكلية :
وتكمن المفارقة الشكلية في أن الشاعر محمد فؤاد قد ألزم نفسه بالتحرك من زاوية حادة وضيقة حين زاوج بين طريقتين كتابيتين هما الكتابة على النسق العمودي والكتابة على نسق التفعيلة ، فجاءت تعدياته اللغوية محسوبة لصالحة وشهادة على إبداعه ، ومما جاء عنده على نسق الشكل التقليدي ما ورد في قصيدته [ صحوة مسلم ] والتي استهلها بقوله :
نعم إن أول غيثي الندى سأروي به قاحلات المدى
وأجعل منه سيول الشتاء لأغرق فيها حصون العدا

وقد لوحظ هنا أن الشاعر قد ألزم نفسه بالشكل العمودي متمثلاً في الوزن الشعري الذي جاء على بحر المتقارب [ فعولن ( //ه/ه ) ] والتزم بالتصريع بين الضرب [ الندى ] والعروض [ المدى ] ، وقد تخطت اللغة هنا حدود البيتين إلى ما وقع خارجهما ، فقد بدأ البيت المفتاح بحرف الجواب [ نعم ] ، والذي يعني أن ثمة سؤالاً محذوفًا موجهًا إلى الشاعر ، ومعنى هذا أن النص يترابط مع نصوص أخرى غير مذكورة يعلمها المرسل أو المستقبل أو كلاهما ، واخترق الشاعر جدار الأمثال العربية وذلك بقوله [ أول غيثي الندى ] متماهيًا مع المقولة العربية [ أول الغيث قطرة ] التي تضمنتها أبيات الشعر العربي ، ليتضافر نصه هنا مع نصوص غيره هناك ، ولكنه لم يعرض لمقولة القدماء بتمامها ، ولكنه عدَّل فيها وفق حاجته الدلالية ، فذكر [ الندى ] وهو أقل من [ القطر ] تفاؤلاً منه بالتمسك بأقل القليل وصولاً إلى غايته المنشودة ، وتجاوز الشاعر التركيب النحوي فحذف الموصوف في قوله [ سأروي به قاحلات المدى ] ، وتقدير الكلام [ أراضي قاحلات ] ، وقد أجازت اللغة حذف الموصوف إذا كان مفهومًا من الكلام ، وهذا الحذف يدعم علاقات التواصلية بين المرسل وبين المستقبل ، فالمحذوف هنا يدفع المتلقي إلى محاولة استنتاجه ، وللوصول إلى ذلك لا بد من التمعن في مفردات الشاعر للوصول إليه صحيحًا كما أراد ، وفي البيت الثاني مثلت لغة الشاعر بعدًا مكانيًا في قوله [ وأجعل منه سيول الشتاء ] ، فعلى الرغم من البعد الزمني الظاهر من لفظ [ الشتاء ] إلا أن المقصود بها هو البعد المكاني ؛ حيث إن ارتباط السيل بالشتاء يتوافق مع بيئتنا وبلادنا ، وعلى الرغم من وقوع المضاف إليه [ العدا ] معرفة بـ [ أل ] التعريف ، وهذا يعني أن المتلقي على علم به قبل سابق ، وهو أمر لم يتحقق في الواقع ؛ لأن هذين السطرين هما مفتتح القصيدة ، ولم يرد قبلهما شيء من كلامه عنه ، فإن الشاعر يكون قد نجح في جذب انتباه المتلقي الذي – لا شك – سيحاول استنتاج المقصود من [ العدا ] بمتابعة بقية الأبيات وسوف يمهد الشاعر لهم بذكر ألفاظ من شأنها أن تدل عليهم مثل [ صلاح ] ، [ القدس ] ، [ حطين ] ثم يذكرهم صراحة قبل نهاية النص بأربعة أبيات ، فيكون بذلك قد جذب المتلقي وربط بهذا الجذب بين النص بكامله كوحدة متشابكة .
ومما جاء عنده على نظام التفعيلة قصيدته [ متفرد في حدائق المدى ] وقد جاء فيها :
متفرد ..
لك في مسامرة الجراح وسيلة ..
لك غاية ..
لك في المساء قصيدة ...
لك في اصطفاء فراشة الأحلام ..
من غصن الخيال مهارة ..
لك في دروب قوافل الشعراء ثمة صحبة ..
وقد جاءت الأسطر الشعرية على تفعيلة [ الكامل (متفاعلن ///ه//ه ) ] ، وباستثناء السطرين الأول والخامس توحدت القوافي ، ومن ثم يكون الشاعر قد تخلى عن قيدين هما الكتابة على نظام المصراعين ، والوحدة الصارمة للقافية ، ويبدو الشاعر بشكل أولي متوافقًا مع النظام اللغوي الذي يوجب تقديم الخبر شبه الجملة على المبتدأ النكرة المحضة ، وهو ما تحقق بالفعل في الأسطر [ 2 ، 3 ، 4 ، 5 ، 7 ] ؛ حيث تقدم الخبر المتكرر [ شبه الجملة ( لك ) ] على المبتدأ [ وسيلة ، غاية ، قصيدة ، مهارة ، صحبة ] ، ولكن الشاعر خرق النظام اللغوي المألوف فحذف المبتدأ في السطر الأول في قوله [ متفرد .. ] ، وكان على المتلقي أن يقرأ الأسطر التالية لاستنتاج المبتدأ المحذوف من سياق الكلام ، وبمجرد قراءة السطر الثاني يخمن المحذوف ، وهو الضمير [ أنت ] ، ويكون تقدير الكلام [ أنت متفرد ... ] ويتأكد لديه ذلك الاستنتاج من تكراريات كاف الخطاب في الأسطر التالية للسطر الثاني ، ولولا السطر الثاني وما بعده لتعذر على المتلقي تحديد المحذوف تحديدًا دقيقًا إذ يحتمل السياق أن يكون المحذوف [ أنا ، أنت ، هو ] وبذلك يكون الشاعر قد نجح في ربط المتلقي بكامل النص وهذا الأمر يحسب لصالحه ، وإلى جانب الخرق النحوي السابق يظهر خرق دلالي تعمده الشاعر وقصده ، وهو أن المطالع للأسطر يكتشف من خلال مفاتيح دلالية كامنة أن ضمائر الخطاب لا تعود إلى مخاطب فعلي وإنما تعود إلى ذات الشاعر ، فكأن الشاعر قد استخدم ضمائر الخطاب للتعبير عن المتكلم ، والدليل على ذلك ما حمله السطران [ 4 ، 7 ] حيث يتبين أن المخاطب مختص بالقصيدة ، ومختص بمصاحبة الشعراء ، ولا شك أن الشاعر ينطبق عليه هذان الأمران ، فهو المعني بهما إذن ، وطالما كان الأمر كذلك فهو المقصود بالخطاب ، وما سار على دربه الشاعر وإن كان مخالفًا للنظام الدلالي اللغوي العام لكنه متوافق معه فيما قررته اللغة من جواز الالتفات بالضمائر من اجل غايات دلالية محددة .
وعلى غير هذا ينطلق الشاعر مؤمن سمير من فضاء أكثر اتساعًا حيث يكتب على نظام قصيدة النثر ، فيلقي عن عاتقه قيود الأقدمين متحررًا عنها فيصيب باللغة ما يشاء من أغراضه ، وتبدو تعدياته اللغوية أكثر ثراءً وخصوبة ، وأزعم أن الكثرة العددية لهذا الشاعر الذي يسير خفيفًا إليها تعادل القلة العددية للشاعر الأول الذي سار ثقيلاً إليها .
ويمكن الاستدلال على ذلك بما ورد لدى الشاعر في قصيدته [ صداقات هوائية ] والتي يقول فيها :
طول عمري أصادقهم
الطيور البعيدة هناك
على أمل وحيد
أن يصير فمي مرة
وعاء للموسيقى
أرسم له فضاء
تأكله الأجنحة
وتحاصرنا الألوان
فالملاحظ هنا بداية أن الأسطر السابقة لا تخضع للوزن ، ولكنها تخضع لإيقاع داخلي تتماوج من خلاله الكلمات ، وتنسجم فيما بينها ، وتعد الصور الشعرية الرائقة مكملاً إجباريًا لا يمكن التخلي عنها في معركة الشعر المنثور ، وفي السطر الأول جاء التركيب [ أصادقهم ] مشتملاً على الضمير [ ـهم ] الذي وقع مفعولاً به ، ويتعين أن يتحدد مرجع الضمير ، والمرجع هنا ليس قبليًا ، وإنما بعديًا ، وفي السطر التالي مباشرة ، وهو [ الطيور البعيدة ] ، وهنا تقع أولى المخالفات اللغوية ؛ فالطيور ليست من العقلاء ، وكان من المفترض أن يقول الشاعر [ أصادقها ] بدلاً من [ أصادقهم ] ، ولكننا لا نتعجل الحكم بالمخالفة من الناحية الظاهرية ، فربما كان الشاعر يقصد بالطيور أناسًا أو أحبة لا يستقرون في مكان ما شانهم كشأن الطيور المهاجرة ، وإن كان هذا الاحتمال قائمًا فإن الشاعر يكون قد خالف اللغة ظاهريًا للوصول إلى دلالات أكثر رحابة على المستوى الباطني لها ، وبمجرد الوصول إلى السطر الثاني نقع في مخالفة لغوية دلالية ، فمعنى الصداقة المستمد من السطر الأول لا يتناسب مع معنى البعد الذي ورد في السطر الثاني ، فقد وصف الطيور بـ [ البعيدة ] ، وأكد هذا البعد بقوله [ هناك ] التي اشتملت على الـ [ كاف ] التي تفيد بعد المشار إليه ، والتساؤل المنطقي كيف تقوم الصداقة بين متباعدين لا يلتقيان ؟ ، وربما أراد الشاعر أن يعبر عن عزلته ومحبته للآخرين في حين لا يبادله الآخرون هذه المشاعر ، فالصداقة التي ينتظرها الشاعر مستمدة من محبته الكائنة من جانب واحد هو جانبه الشخصي ، ومن ثم يوحي التناقض بين المحتوى الدلالي للألفاظ على مدى السطرين الأولين على تفرد الشاعر بصفات لم تكن لغيره مثلما تفردت تراكيبه بمتناقضات لم تقرها اللغة ، وقد تأكدت عزلة الشاعر بقوله [ على أمل وحيد / أن يصير فمي مرة / وعاء للموسيقى ] فانتظار الأمل لا يعني الجزم بتحققه ، وكون الأمل وحيدًا فهو يعني أنه غاية مراد الشاعر ، ومعنى التحول والصيرورة يعني أن الفم ليس كذلك بل هو على النقيض منه ، واستخدام لفظ [ مرة ] يعني عدم تحققه بالمرة ، وأن يصبح الفم وعاء للموسيقي يعني القدرة على مجارة الطيور البعيدة الصادحة في السماء ، ومن ثم يعني التحامه بالآخرين وتعاطيه معهم ، وهو أمر يفتقده ويسعى إليه متخيلاً وجوده في هذا الفضاء المكتظ بالأجنحة ، مما يعني الأصدقاء ، ومرتكزًا على الألوان التي توحي بتعدد الاتجاهات الفكرية والمذهبية لهم .
ومن ذلك أيضًا ما ورد في قصيدته [ حفنة من الكومبارس غير المجيدين ] في قوله :
تلخيص الأمر
أننا واقفون فينا
والغيمة فوقنا
إن تحركنا
هي في اللحم
أو قرب الظل
إذن
فلنضغط ولنضغط لأسفل
حتى نقتحم مقابرنا
كالأبطال ..
والشاعر هنا يسيطر على لغته ، ويحول مساراتها ، فهو لا يعني بالحرف [ في ] دلالته الظاهرة ، وإنما يعني به دلالة أخرى وهي دلالة الحرف [ على ] ، وقد أجازت اللغة التبادل الدلالي بين هذين الحرفين ، والمعنى المستمد [ أننا واقفون علينا والغيمة فوقنا ] ، والوقوف على الذات يعني التناقض الأولي ، فأداة الوقوف المُهيمِنة هي جزء من الذات المُهيمَن عليها ، وهو من قبيل تحكم الأضعف في الأقوى ، وهو تناقض منطقي ، والوقوف على الذات يعني سحقها ، والسحق ناتج عن الدونية ، والدونية تتعارض ظاهريًا مع الفوقية التي اختصت بها الغيمة ، ولكنها تؤكدها باطنيًا من حيث إنها تعني أن الذات هي تحت الأقدام ، وتحت الغيمة ، فهذا إذن تأكيد على التحتية والدونية ، والشاعر أراد أن يبرهن على سلبية الذات فاستخدم حرف الشرط [ إن ] مع التحرك ، والشرط بـ [ إن ] يعني عدم تحقق الجواب لعدم تحقق فعل الشرط ، ويفيد أيضًا التشكك في القيام بالفعل ، فالذات إذن عاجزة عن مجرد التحرك ربما للعجز الفعلي الناتج عن عدم القدرة على اتخاذ القرار أو للجهل بعواقب الأمور ، وهو معنى مستمد من لفظ [ الغيمة ] التي أفادت ضبابية الصور ، ويأتي التناقض الثالث بين فعل الشرط وفعل الجواب فالتحرك كما هو متداول في مفهوم الجماعة اللغوية يعني الاتجاه إلى إحدى الجهات الست ، والذات المنسحقة لا تستطيع التحرك إلى أعلى ، والضمير [ هي ] يعود إلى الغيمة ، ويتعذر على الغيمة أن تلاصق لحم الذات إذا لم تتحرك الذات إلى أعلى أو تنخفض الغيمة إلى أسفل ، وقد ثبت عدم قدرتها على التحرك إلى أعلى ، وقد ثبت انخفاضها بقوله [ قرب الظل ] ، ومنه يستمد أن الذات تزداد تضاؤلاً وانسحقًا بالضغط عليها من أعلى ، ثم يأتي الأمر من الذات وإليها بالضغط إلى أسفل ، والحقيقة أن في هذا الأمر استسلامًا لمجريات الأمور وليس فيه قدرة حقيقية على اتخاذ القرار ، والاستجابة للأمر ليست اختيارية وإنما إجبارية ، والإجبار ليس من الذات ولكن بما خرج عن إرادتها ، إذن فالأمر الموجه من الذات متناقض مع عدم قدرتها على إصدار الأمر لعدم قدرتها على الاختيار ، ويأتي [ اقتحام المقابر ] لأسفل تأكيدًا على الدونية المؤكدة قبل سابق ، وهذا التأكيد على هذا المعنى يتناقض مع المعنى المستمد من [ الأبطال ] ، فالبطل له القدرة على الكر لا على الفر ، وله القدرة على التقدم لا على التقهقر ، ومن المفترض أن يكون له القدرة على السمو والشموخ لا على التدني والهبوط .

ثانيًا : المفارقات الموضوعية :
يتحقق الاتصال بين المرسل وبين المستقبل بموضوع الرسالة ، وموضوع الرسالة قد يكون واضحًا أو غامضًا أو متوسطًا بينهما أو مائلاً إلى أحدهما ، وعلى أية حال يرى صاحب الدراسة أن وضوح الموضوع قد يُتوهم منه أنه قادر على تحقيق الاتصال التام بين طرفي الرسالة ، وكلما ازداد غموضًا أضر بعملية التواصل ، ولكن الحقيقة ليست كذلك على الكلية ، بمعنى أن وضوح الموضوع والولوج المباشر إليه بنزعات خطابية وأكلاشيهات محفوظة تحقق عملية الاتصال وتضر بها في ذات الوقت ؛ حيث يُقبل المتلقي على الاستقبال منصرفًا عنه تدريجيًا مع توالي الأبيات والأسطر الشعرية ، ومن ثم فإن الوضوح التام ليس عاملاً جيدًا في جذب المتلقي ؛ لأنه لا يحترم ذكاءه ويفترض فيه الغباء ، وعلى الوضوح التام يمكن أن يقاس الغموض التام أيضًا ؛ حيث ينصرف المتلقي عن الاستقبال تدريجيًا كلما استشعر عدم القدرة على الاستقبال أو بتعالي المرسل عليه ، وأرى أن أنسب وسائل التواصل أن يكون المرسل والمستقبل على ارتفاع واحد أو متقارب ، فلا يستشعر المتلقي بتدنيه أمام المرسل الذي يفترض في المستقبل الغباء فيرفض الاتصال ، ولا يستشعر بتعالي المرسل الذي يفترض في المستقبل الذكاء المبالغ فيه فيتعاطى معه بالتعمية والغموض والتداخل المحير .
والواقع أننا أمام شاعرين مختلفين في هذا الجانب اختلافًا كبيرًا ، فأحدهما – وهو الشاعر : محمد فؤاد – يزاوج بين الوضوح وبين الغموض فيما يمكن أن نطلق عليه الوضوح مع الميل إلى الغموض النسبي أحيانًا ، وهو بهذا يقف قريبًا وبعيدًا في ذات الوقت أمام المتلقي الذي يرفض أو يُقبل بنهم على استقبال النص ، وثانيهما – وهو الشاعر : مؤمن سمير – أقرب إلى الغموض منه إلى الوضوح ، إلا أن غموضه لا يقف عائقًا أمام المتلقي للوصول إليه بشيء من التدبر والتفكير .
وقد يكون للشاعر الأول العذر في هذا لأن قصائده تنوعت في هذا الجانب ما بين دور النشر التي تُعنى بنشر موضوعات عامة لا تخرج عنها ، وبين دور النشر الأدبية المتخصصة ، وقد نجح الشاعر في التعاطي مع كليهما ، فقدم للأولى ما يتوافق معها ، وقدم للأخيرة ما ينال به الحظوة لديها ، ثم أدرج الجميع في ديوانه بلا تعمد لترتيب تاريخي ، أو موضوعي ، وربما رتبها وفق ما نالته من صدى في نفسه ، وللشاعر الثاني العذر أيضًا فهو أقرب بطبيعته إلى الفلسفة والتجريد ، وأظنه على اتصال بثقافات أخرى غير عربية في مظانها أو مترجمة عنها ، فأثر ذلك على ألفاظه وعباراته ، وتأطير قصائده وترتيبها .
إن لكلا الشاعرين خطًا موضوعيًا تنسجم فيه قصائدهما ، فالشاعر محمد فؤاد يغلب على أعماله النزعة الدينية ، ويمكن الاستدلال على ذلك للوهلة الأولى من عناوين قصائده التي تكشف عن مضامينها، وما جاء منها مما لم تكشف عنه العناوين كثير أيضًا ، ولا يعني هذا توحد الشاعر بتلك النزعة الدينية في كامل الديوان ، ولكنه تعاطى مع مضامين ذاتية حزينة ، ومضامين واقعية صارمة ، ومضامين شعورية جارفة ، بيد أن هذا التقسيم ليس قاطعًا بمعنى أن الاتجاهات الموضوعية العامة السابقة تتداخل فيما بينها في كثير من أعمالة بما يمكن الحكم فيه على كثير منها بأنها مزيج من التوجهات المضمونية السابقة .
ومما جاء لديه من المضامين الدينية ما ورد في قصيدته [ عتاب ]، والتي يقول فيها :
والمسلمون خيولهم معقورة
أما العدو فخيله تتبارى

لكن سأغزل بالقصائد عزمنا
حتى أرى بعد الدجى الأسحارا

ويعود مجدي راية رفرافة
ويعود سيفي صارمًا بتارا


وفي هذا الجزء من النص يتخطى الشاعر عصرية اللغة ، بمعنى أنه يستخدم لفظي [ الخيول ، السيف الصارم البتار ] وهما لفظان كانا يستخدمان في مفردات المعارك الحربية قديمًا ، وأظن أن هذا الأمر محسوب لصالحه على غير ما يبدو في الظاهر ، وكأن الشاعر أراد أن ينص على أنه لما توقفت المعارك التي تحققت فيها انتصارات المسلمين حينما كانوا يقاتلون بالسيوف وعلى ظهور الخيول تعطلت كذلك مفردات اللغة ، وتوقفت عن التطور ، وكأن كل شيء قد توقف بتوقف الجهاد بما فيها مفردات الجهاد ذاته ، وقد برز تأثير الجانب اللغوي في المقابلة الدلالية بين [ معقورة ] وبين [ تتبارى ] ، وقد ساهمت هذه المقابلة في إظهار التمايز التام بين [ خيل المسلمين ] وبين [ خيل الأعداء ] ومن ثم التمايز الشديد بين [ المسلمين ] أنفسهم وبين [ الأعداء ] ، وهو محسوب لصالح الطرف الثاني على حساب الطرف الأول ، وفي البيت الثاني برز الاستدراك اللغوي بالحرف [ لكن ] ، وقد أفاد أن المتلقي قد يفهم على سبيل الخطأ يأس الشاعر واستسلامه فأراد الأخير أن ينبه إلى غير المعنى السابق بالاستدراك ، وقد أظهر هذا البيت قوة الكلمات في مواجهة الأعداء والطول الزمني الذي قد يستغرقه ذلك باستخدام التركيب [ سأغزل ] فهو إلى جانب دلالته المستقبلية يظهر التباطؤ الناتج عن فعل الغزل ، وقد جاء الحرف [ حتى ] وهو هنا يدل على الغاية للتعبير عن أن أقصى آمال الشاعر التي يرجوها هو رؤية الأسحار ، وهي مرحلة لا تدل على النجاح التام للكلمات ، وإنما تدل على قربه ، فالسحر هو الوقت الذي يسبق الفجر ، والفجر هو الغاية العظمى والتي ربما لن يصل إليها الشاعر لأنها تحتاج غلى زمن قد يتعدى حياته بكاملها ، ويأتي البيت الثالث معبرًا عن المجد العربي المفتقد من خلال التركيب [ يعود ] والذي يدل على أن الراية كانت في الماضي خفاقة ، وأن السيف كان في الماضي بتارًا ، وان العودة إلى كينونتهما السابقة أسهل واقرب من استحداثهما من العدم .
ومن مضامينه الذاتية الحزينة تأتي قصيدته [ عام الحزن ] معبرة عن ذلك ، ولقصرها سوف نعرض لها كاملة ، وقد جاءت على النحو التالي :
هذا عام الحزنْ
لم نبصر فيه وميض شعاعْ
لم تمطر فيه سحاب قطْ
إن تمطرْ
لا تروي إلا الأحزان بوادي القلبْ
يا ربْ
أسر بعبدك ليلاً من أغلال الحزنْ
اجعل لي مسرى في هديكْ
عرج بي يا ربْ
أنقذني من سابع أرضْ
عرج بي يا ربْ
هذا عام الحزنْ
أسر بي يا ربْ
وقد بدأت الأسطر الشعرية بالعنصر الإحالي [ هذا ] ، وهو يحيل إحالة بعدية إلى [ عام الحزن ] ، والمحال إليه يتعاضد مع الموروث الديني ، ومن ثم يحدث الترابط بين المرسل وبين المستقبل على مستويين الأول هو الربط على المستوى الظاهري للرسالة اللغوية ، والثاني هو الربط بين المستقبل وبين النص من خلال ربطه بنص آخر مواز له حمله استدعاء الموروث الديني ، ومن ثم يستميل المرسل المستقبل لصالحه من حيث اهتمام الأخير بالمضامين الدينية على جهة العموم ، وقد استخدم الشاعر ضمير جماعة المتكلمين في بداية الأسطر مما يؤدي ذلك إلى تكامل التواصل بينه وبين المتلقي على أساس أن الأخير يستشعر أن العبارات والمضامين خاصة بالجماعة وليست خاصة بذات الشاعر منفردًا ، وبعد أن ينجح الشاعر في هذا يتحول إلى ضمير المتكلم الفرد في بقية الأسطر الشعرية ، وعندما يتحول الشاعر إلى نداء الذات العليا يزداد التواصل بينه وبين المتلقي على أساس أنهما – الشاعر والمتلقي – يقدسانها معًا ، ولكن الشاعر يستخدم عبارات قد تصطدم مع هذا المتلقي وهي عبارات [ أسر بعبدك ] ، [ اجعل لي مسرى ] ، [ عرج بي ] ، وهي عبارات على الرغم من أنها لم تتحقق بدليل الدعاء بها ، وإجابة الدعاء إن تحققت فإنها تتحقق في المستقبل ، على الرغم من هذا فإنها تذكرنا بعبارات مشابهة لها استخدمت مع ذات الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومن ثم يكون الشاعر قد استخدمها وهو غير مؤهل لتلقيها ، ويكون قد وازى بينه وبين ذات الرسول صلى الله عليه وسلم لشيء رآه مشتركًا بينهما ، وهذا الاستنتاج يضر بعملية التواصل بين المرسل وبين المستقبل على أساس أن الأخير يرفض ما يسيء إلى أيدلوجياته ، وهذا الأمر ينسحب على عموم المتلقين ولا ينسحب على الخواص أو الذين يولون بواطن المعنى عناية خاصة ؛ لأنهم يدركون أن الشاعر لا يقصد ذلك صريحًا ولا مؤولاً ، وإنما أراد أن يعبر عن بشاعة الحزن وقسوته وانتظاره للخلاص واللجوء إلى السماء فيما يمكن أن نزعم فيه أن الشاعر باتجاهه إلى هذه الفكرة يكون قد وازى بين العقائد وأقصد بذلك الموازاة بين العقيدة الإسلامية التي خففت عن الرسول صلى الله عليه وسلم بالمعراج والصعود إلى السماء مخلصة إياه من الحزن ، وبين العقيدة المسيحية التي ترى في الخلاص منهجًا لها ، ويبدو أن الشاعر منغرس في الحزن إلى أقسى درجاته ، وقد استخدم لذلك التعبير [ أنقذني من سابع أرض ] ، ومن هنا نستنتج أنه في أسفل دركات الحزن ، ومن ثم يحتاج للصعود والترقي إلى البعيد المناقض لما هو فيه وتحديدًا إلى السماء إلى وقت ومعاناة ، وربما لهذا السبب كرر الشاعر بعض التراكيب التي من شأنها أن تؤكد إلحاحه الشديد في الدعاء لتعاظم فكرة التناقض لديه .
ومن المضامين الواقعية الصارمة ما جاء لديه في قصيدته [ كلمات إلى الوطن المغترب ] في قوله :
جئت يا وطني
كي تفاجئني بالنبوءات تلو النبوءات
في ليلك السرمدي ،
وتذرو عليَّ قليلاً من العشق ،
أستوسد الحزن
علَّ الذي كان قبلي
يعلمني كيف أنتظر الصبح
حين يفاجئني من سماء التغرب
فالحزن يا وطني ..
دائم أبدي
وأنت تجيء
وترحل عنا ،
وتسكن فينا ،
وليس لنا نحن أن نسكنك
ولا شك أن الشاعر هنا يسير على ذات الخط الشعوري الحزين الذي ظهر في النص السابق ، وهو يقدم حقائق مؤلمة هي [ توقع وانتظار الكوارث من الوطن ] ، وقد فُهم ذلك من قوله [ كي تفاجئني بالنبوءات ] وعلى الرغم من أن المفاجئات تكون سارة أو حزينة والنبوءات كذلك إلا أنهما هنا من النوع الثاني بدليل قوله [ في ليلك السرمدي ] فالمفاجئة في الليل في حد ذاتها تعني الذعر ، والليل الذي يعني التفرد والعزلة يُحتمل أن يكون التنبؤ فيه بزواله ، إلا أن استخدام النعت [ السرمدي ] قد أفاد استمراره وهيمنته بمضامينه الدلالية على ذات الشاعر على الأقل ، وثاني هذه الحقائق المؤلمة هي [ محبة الوطن المنقوصة لأبنائه ] ، وقد أفاد ذلك قوله [ وتذرو عليَّ قليلاً من العشق ] ، و [ الذر ] دلاليًا تعني قليل القليل ، وثالث الحقائق المؤلمة هي [ خيبة السلف والخلف ] فالخلف ينتظرون من السلف أن يعلموهم طريق الصباح لكن السلف كانوا مغتربين في ذات الوطن فكيف يرشدونهم إلى ما يجهلون ، ورابع هذه الحقائق المؤلمة هي [ محبة الناس للوطن ورفضه لهم ] ، وقد أفاد ذلك قوله [ وتسكن فينا وليس لنا أن نسكنك ] ، وتلك الحقائق معلومة بالضرورة من أحداث مأساوية وقعت مؤخرًا كغرق العبارة [ سالم إكسبريس ] والعبارة [ السلام ] و [ حريق قطار الصعيد ] و [ هجرة الأفراد ، وعلى الأخص إلى إسرائيل ] وغيرها ، ولا شك أن بعض هذه الأحداث قد وقعت بعد كتابة النص ولكن الشاعر كان يتنبأ بها ، وقد المح إلى ذلك من بداية النص ، ومن هنا يتبين لنا مقدار محبته للوطن ، فهو يعلم عنه ما كان منه وما سيكون ، وهذا العلم نشأ عن معرفته التامة به ، وهذه المعرفة التامة نشأت عن حبه الشديد له ، أما عن التواصلية بين الشاعر وبين المتلقي من خلال المضمون العام للنص السابق فقد اقترب الشاعر وجدانيًا من المتلقي بالحديث عما يخصهما معًا وهو الوطن الذي يكنان له محبة متطرفة ، ومن ثم نشأ التواصل بينهما على مستويين هما : التواصل بالرسالة اللغوية ذاتها ، والتواصل بمضمونها .
ومن المضامين الشعورية الجارفة ما ورد في قصيدته [ يا مبضع الطب ] ، والتي كتبها في نجله المريض ، ومنها قوله :
يا مبضع الطب لا تؤذ اختلاجاتي
إني احتسبت لعفو الله أناتي

يا مبضع الطب لو تدري الذي مُلئتْ
سريرتي من همومي والجوى العاتي

لصار فيك دموع لست تملكها
وخانك الصبر وانتابتك مأساتي

يا مبضع الطب جرحي بات يؤلمني
وليس يبرأ قلبي من جراحاتي

قد عشت أعرف معنى الحب يا ولدي
واليوم تكشف معنى الحب لوعاتي


وإن أول ما يدعو إلى التواصلية هنا بين المرسل وبين المستقبل هو الصدق الفني العالي لدى الأول الذي لا شك سوف يستميل الثاني لصالحه ولصالح تلقي الرسالة اللغوية بشيء من التدبر والتفكير والتأثر بها ، وقد استخدم الشاعر أسلوب النداء هنا أربع مرات ، ثلاث منها لـ [ مبضع الطب ] ، والأخيرة لـ [ ولدي ] ، والواقع أن المنادى الأول قاس وجامد المشاعر، فهو [ يؤذي اختلاجات الشاعر ] ، و [ لا يدري ما به من أحزان ] ، وقد أوحى لفظ [ مبضع ] في حد ذاته إلى القسوة ، حيث لم تعد الرحمة من أهدافه ، وإنما صار التربح غايته ، فصار بضاعة تباع لمن يدفع ، ومن هنا دلت اللغة بسطوتها من دون أن تصرح على أحد ثلاثة أشياء وربما جميعها معًا ، وهي : تجبر الطبيب واستغلاله ، كره الشاعر للطبيب ، قلة الإمكانات المادية للشاعر ، أما المُنَادَى الثاني فعلى الرغم من قربه الشديد من المُنَادِي فقد استخدم معه أداة النداء [ يا ] ، وكان من الأولى به أن يسقطها ، وأظنه فعل ذلك للدلالة على بعد المكانة وليس على بعد المنادى ، ومن ثم عبرت اللغة مرة أخرى عن علاقة حميمة بين طرفيها ، وقد لوحظ أن القوافي عدا قافية البيت الثاني تأتي من حقول دلالية متقاربة ، وربما ساهم ذلك في استمرار الجو النفسي على طول القصيدة مما أدى معه إلى استمرار تحيز المتلقي للمرسل باستمرار تأثير الثاني في الأول .

أما الشاعر : مؤمن سمير فإن خطه الموضوعي هو الحزن والاغتراب والتشاؤم والإعجاب بالذات أو بيان تفاهتها وجلدها أحيانًا ، وقد يختلط الكثير منها في مواضع بعينها ، وهذه المضامين تسير من بداية الديوان إلى نهايته بارزة أحيانًا ، ومقنعة أحيانًا أخرى ، معالجًا إياها بالفلسفة والتجريد أحيانًا ، وتبرز المناسبة لديه بين بعض القصائد المتوالية ، بحيث يمكن القول بأن موضوع القصيدة اللاحقة يعد المكمل الدلالي لقصيدة ما سابقة عليها ، وسوف نعرض لبعض هذه المضامين وتأثيرها في عملية الاتصال على النحو التالي :
1- الحزن مسلكًا وهدفًا :
ومما جاء لديه مما يبرز ذلك ما ورد لديه في قصيدته [ الإعلان ] في قوله :
ثق أنك معنا في أفضل حال
ممكن
إنك الأفضل على الإطلاق ....
عند شرائك أربعين ضحكةً
معتقةً أو حتى ثلاثين
تحصل على شهادة مختومة
تثبت أنك الحزين المثالي
على مستوى الجيل
وأن المستهترين داخلك
سينتهون في خلال عام واحد
عن الضجيج والشكوى
إن التساؤل الذي يطرح نفسه من المتكلم ؟ ومن المخاطب ؟ ، فالاحتمال الأول أن الشاعر يخاطب الآخر ، والفرض الثاني أن الآخر هو الذي يحادثه ، والفرض الثالث أن الشاعر يخاطب ذاته ، ولا يوجد في النص ما يؤيد صراحة أيًا من هذه الفروض ، ولكنني أميل إلى الفرض الثالث لأن الفرض الأول يتنافى مع أولية الاهتمام ، فالمتكلم يهتم أولاً بذاته ثم يهتم بالآخرين في مرحلة تالية لها ، وطالما لم ينف اهتمامه بالذات فإنه لا يثبت اهتمامه بالآخر ، ومن هنا يسقط الفرض الأول ، ولأن لغة الحوار بمنطقها غير الواقعي لا يعقل صدورها بالفعل من أشخاص إلى غيرهم يسقط الفرض الثاني ، ويبقى الفرض الأخير عرضة للجدل بحسب ما تمليه الحاجة التفسيرية للنص ، وتحدث المفارقات اللغوية بين [ أفضل حال ] أو [ الأفضل على الإطلاق ] وبين [ كونك الحزين المثالي على مستوى الجيل ] ، ولا نعرف لماذا اختار الشاعر رقمي [ أربعين ] و [ ثلاثين ] تحديدًا ، وربما كان الشاعر متأثرًا بالنص القرآني الذي يرى في [ الأربعين ] تمامًا ، وفي [ الثلاثين ] نقصًا لا يضير ، وقد برز الجانب الحزائني – إن جاز التعبير – في وصفه لذاته بـ [ الحزين المثالي ] ونفيه حصوله على الضحكات بالشراء لأن الظرف [ عند ] يوحي بتعليق الحصول على الضحكات لحين الشراء ، ويبقى أن نسأل عن قواعد التواصلية بين المرسل وبين المستقبل هنا في هذا النص ، وأظنها تتحدد بالفروض الثلاثة التي سبق الحديث عنها ، فإذا استشعر المتلقي أن الخطاب موجه إليه من الأساس فهذا يعني تحقق الاتصال على مستويي الرسالة على جهة العموم وبمضمون الرسالة الذي يخص المخاطب على جهة الخصوص ، وإذا استشعر المتلقي أن الخطاب كان موجهًا من أقرانه إلى الشاعر يتحقق التواصل على مستويي الرسالة وعلى أساس تشابه المخاطب مع متكلمين حقيقيين غير معلن عنهم في النص ، وإذا استشعر أن الخطاب موجه من الشاعر وإليه تحقق الاتصال على المستوى الظاهري للرسالة اللغوية .
2- الاغتراب :
ومن ذلك ما ورد في قصيدته [ قصة قصيرة ليست ماكرة ] في قوله :
عاد من الحروب
فوجد الأشلاء والصرخات
أكثر مما قدَّر وهو في الطريق
بعد ساعة خاف من الوحدة
فزرع الأشلاء والصرخات
حول حطام البيت
لتصير أشباحًا تؤنسه في المساء
لكن الأمر لم يسر
كما قدَّر وهو في الطريق ..
إن العنوان ذاته يُشعر بتحقق التواصلية بين طرفي الرسالة على أساس أن الحكايات على جهة العموم تستقطب السامعين ، وطالما حدث الاستقطاب حدث التواصل ، وقد استخدم الشاعر ضمائر الغائب ، والمقصود بها المتكلم على حسب ما يوحي به السياق العام للنص ، وعلى الرغم من أن الشاعر يقرر في موضع لاحق أن الحديث عن [ الشبح ] ، وهو من الناحية الظاهرية غير الشاعر ، ولكنه يقصد ذاته أيضًا من خلال مجازية اللغة ، وقد بدأت الأسطر بقوله [ عاد من الحروب ] ويعني ذلك أن الصراع موجود بينه وبين الآخرين ، ومن ثم يتبين عزلته بينهم ، ثم يأتي السطر الثاني معبرًا عن المزيد من الوحدة والتفرد إذ لم يجد إلا الأشلاء والصرخات ، ويعبر عن تلك الوحدة صراحة بقوله [ بعد ساعة خاف من الوحدة ] ، ويعبر عنها بالإيحاء من خلال قوله [ لتصير أشباحًا تؤنسه في المساء ] ، فالأنس بالأشباح يعني فقدان البشر على الكلية ، والأنس بهم يأتي على غرار قول البعض [ وداوني بالتي كانت هي الداء ] ، ويبدو أن محاولة الأنس بهم لم تكتمل بدليل فقده لدمائه ، والمفترض أنهم هم الذين أفقدوه إياها ، إذ لم يرد بالنص ما يعول عليه من معنى غير ذلك ، والتساؤل هل نجح الشاعر في التواصلية بينه وبين المتلقي ، وأظنه كان كذلك من حيث دفعه إياه لتفسير ما بين الأسطر للوصول إلى المُتحدث عنه الحقيقي ، من خلال تنشيط الذهن وتفتيق كوامن اللغة .
3- التشاؤم والرؤية القاتمة للعالم :
ومن ذلك ما ورد في قصيدته [ وجه واحد ] في قوله :
الإلحاح على الصيدليات
لرسم سكون على مقاسنا
لأن الموت متسرع وطائش
هذا سيحدث كثيرًا
الإلحاح على القطارات القديمة
لأننا نختفي منا
في الدخان المراوغ هذا سيحدث كثيرًا
الإلحاح على الهواء
ليمر علينا صوتًا
يقول " أنا أحبكم "
هذا سيحدث كثيرًا
الإلحاح على الرب
كي يفتش في ذاكرته عن ملامحنا
هذا سيحدث ..
إن الرؤية القاتمة للعالم تنشأ بداية من العنوان الذي يوحي بأن الحوائط هي المعادل الموضوعي للأشخاص ، وكما أن الحوائط لا تتحرك فإن الأشخاص لا يتحركون ، وإنما يكتفون بالطلب والإلحاح ، وإذا كان الإلحاح يعني كثرة الطلب إلى حد كبير ، فإن تكرار اللفظ يوحي بالمبالغة فيه إلى الحد الذي لا يطاق ، كما أن تكرار [ كثيرًا ] يزيد الأمر تعقيدًا وصعوبة ، وقد لوحظ تخلي الشاعر عن هذا اللفظ في مخاطبته للذات الإلهية ، وهذا يعني إحساسه بأنها هي التي صنعت كل ذلك معه ، ومن هنا فإنه لن يلح عليها كثيرًا ؛ إذ إنها كانت تملك من البداية أن تصرف كل هذا عنه ، وقد توقع الشاعر أحداثًا مأساوية منها التمادي في السكون والرضوخ للقوى المهيمنة خوفًا من سلاح الموت الذي تشهره ، ومنها التمادي في التضاؤل والاختفاء من على خارطة الذات والانصهار في الدخان المراوغ ، ومنها تضاؤل فرص الحصول على الحقوق المنهوبة من حيث عدم القدرة على الحصول على أولى الاحتياجات الضرورية وهو الهواء الذي يذهب كغيره إلى الآخرين دون الوصول إليهم ؛ لذا يتمنى الشاعر أن يعلن الهواء محبته لهم ، والتمني لا يعني التحقق ، وإنما يعني تجاهل المُطالَب لطلب الطالب ، وإذا كان الشاعر لا يقف بمفرده هذا الموقف السلبي ، وإنما يشاركه آخرون ربما كان منهم المتلقي للنص الشعري ، ومن هنا فإن تعاطي المستقبل مع المرسل سيكون كبيرًا من حيث إحساس الأخير بوحدة المصير التي تربط بينه وبين الأول .
4- تفاهة الذات وجلدها :
ومن ذلك ما ورد في قصيدته [ عَظَمة ] في قوله :
أغطي نفسي بالقار
القار الملتهب الحاقد
وحتى يتم التهامي
أطلق صرخاتي للداخل
( فينحاش ) سبيل الصوت
وأصير كومة تطقطق
تخيف الهواء والأرض والبيوت
بعدها أبعث روحي
فتسرق اللون كله
وتغطيني
فأكون الجثة المشوهة
لطائر
منقرض
غريب..
إن العنوان [ عَظَمة ] يوحي بأن ما يحدث في النص من أحداث مأساوية هي غاية الشاعر ، فهو يتمنى وقوعها ، ويرى ذلك مدعاة للفخر والعظمة ، فالشاعر إذن يتلذذ بتعذيب الذات وجلدها ، بداية من تغطية ذاته بالقار الحارق ، والتهامه ، وسعادته المفرطة لذلك معبرًا عنها بتلذذه بكتم صرخاته ، وتحوله إلى كومة تطقطق من النار الكامنة فيها ، ثم قدرته على بعث نفسه ربما ليعيد إليها العذاب مرة أخرى ، أو للعجب بها وقد صارت كجثة الطائر المشوه ، ولا شك أن الصور والعبارات هنا لها من القوة والحظوة بحيث دفعت المتلقي إلى المتابعة لاهثًا وراءها ، وبنجاح الشاعر في الوصول إلى ذلك يكون قد حقق التواصلية بينه وبين المتلقي على أعلى مستوياتها .

ثالثًا : المفارقات الأسلوبية :
لا شك أن هناك فروقًا أسلوبية كبيرة بين الشاعرين ، ولا يجيز ذلك الحكم على أحدهما بشاعريته على حساب الآخر ؛ وذلك لأن لكل منهما منطقه في الوصول إلى المتلقي ، والطرق المؤدية إليه كثيرة ومتنوعة ، وقد يرى أحدهما في واحدة منها أو في بعضها وسيلة مضمونة لكسبه إلى جانبه ، وقد يرى الآخر في غيرها ما يحقق ذات الهدف ، والحقيقة إنني لن أعرض للمفارقات الأسلوبية بكاملها بين الشاعرين ، ولكنني سأقف على أبرز الجوانب الأسلوبية لدى الشاعرين وبالتحديد عند جانب واحد فقط لكل منهما لأن البحث عن الأسلوبية يحتاج لدراسات مفصلة لا تستوعبها هذه الدراسة المختصرة .
ومن أبرز ما تميز به الشاعر محمد فؤاد التعبير بالتناص واستلهام التراث ، وقد برز هذا الجانب الأسلوبي لديه إلى الحد الذي يمكن القطع من خلاله بأنه لا تكاد تخلو قصيدة عنده منه ، وقد يتكرر هذا النمط الأسلوبي عدة مرات داخل النص الواحد .
ويُقصد بالتناص إيراد جزء من نص مواز لنص الشاعر سابق له تاريخيًا ، معلوم لدى المتلقين أو على الأقل لدى الخواص منهم ، وتتحقق المعرفية لدى العوام مع النصوص الدينية ، ويتعذر تحققها مع النصوص الشعرية ، وهما الجانبان اللذان استغل فيها الشاعر عنصر التناص ، كما أنه يستلهم التراث العربي ويعبر عن الواقع المعاصر به ، فنجده يوظف أشخاصًا من أزمنة غابرة معولاً عليها في التعبير دون التصريح عما يقصده بأقل الألفاظ والعبارات ، ويمكن التدليل على ذلك ببعض النماذج على النحو التالي :
مقولة الشاعر النص الموازي
نوعه نصه
أول غيثي الندى الشعر فأول الغيث قطر

شربة ماء لري العطاشى
القرآن وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ

شعلة ضوء إذا استرشدا
أشعلت نار التحدي
القرآن أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ

ليلك السرمدي
القرآن قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ

طرف أحور
القرآن حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ

الشعر أَزْمَانَ عَيْنَاءُ سُرُورُ المَسْرُورْ ... عَيْنَاءُ حَوْرَاءُ مِنَ الْعِينِ الْحِيرْ

أنتم قليل أم غثاء
القرآن فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً

الحديث ولكنكم غثاء كغثاء السيل

جئت بالليل تسعى
القرآن وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا
من يستحم بماء الحقيقة
الإنجيل تعميد يوحنا المعمدان للمسيح

سيصلب فوق جذوع النخيل
الإنجيل صلب السيد المسيح

بيضاء من غير سوء
القرآن بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آَيَةً أُخْرَى

لسان تحل به عقدة
القرآن وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي

ينغلق الطود
القرآن فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ

لولا أن أهلك أخرجوني
الحديث لولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت
فتاة ... شقت نطاقًا
السيرة قصة أسماء ذات النطاقين

ورائي يهودي
الحديث يا مؤمن هذا ورائي يهودي فاقتله

ستمشي وحيدًا
الحديث رحم الله أبا ذر يمشي وحده

فلا أثغر وردي ولا الطرف أدعج
الشعر مفردات موشحه أندلسية لابن سهل

عيون المها بين الرصافة والجسر
الشعر عيون المها بين الرصافة والجسر

هذا عام الحزن
السيرة العام الذي توفت فيه السيدة خديجة

أسر بعبدك
القرآن سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا

عرج بي يا رب
القرآن وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى

لا هدأت عيون الجبناء
التاريخ مقولة خالد بن الوليد عند وفاته

دثريني دثريني واسكبي أنغامك
القرآن يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ

الحديث يا خولة دثريني

السنون العجاف
القرآن ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ

نحو بضع وسبعين ما بين ضربة سيف وطعنة رمح
التاريخ مقولة خالد بن الوليد عند وفاته

بيديه يذبح بعضه
القرآن إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ

فلما أسلما لله في أمريهما
القرآن فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ

لا تقطعوا شجرًا
الحديث ولا تقطعوا شجرة إلا لنفع

قميص يوسف
القرآن وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ

قالوا أتينا طائعين
القرآن قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ

يوم التقى الجمعان
القرآن يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ

جاءوا عشاء ... بأجفان قريحة
القرآن وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ

فما وهنوا وللهيجاء ساروا
القرآن وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا

أسرى بأحمد
القرآن سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا

والتين والزيتون
القرآن وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ

والمسجد الأقصى
القرآن مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى
رياح الحق هبي صبحينا
الشعر ألاَ هُبِّي بِصَحْنِك فَاصْبَحِينا

جعل الكتاب لها نصيبًا
القرآن لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ

جعل الرسول لها مشورة
السيرة مشورة أم سلمة في صلح الحديبية

وقد خاضت حروبًا
السيرة قصة محاربة نسيبة بنت كعب ودفاعها عن الرسول ( ص )

فصاح في المرجفون الجو حر
قرآن وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ

إجماليات التناص
البيان القرآن الحديث سيرة تاريخ الإنجيل الشعر إجمالي
العدد 25 6 4 2 2 5 44
النسبة 57% 14% 9% 5% 5% 11% 100%

إن أول ما يثبت من الجدول والمخطط البياني السابق أن الشاعر قد استخدم التناص القرآني بشكل كبير في ديوانه ، وتلاه التناص مع الحديث الشريف ثم الشعر العربي ثم السيرة النبوية الشريفة ، وأن التناص مع الإنجيل ومع التاريخ قد جاءا بنسبة متساوية وضعيفة ، وهذا يؤكد ميل الشاعر إلى استثارة كوامن المتلقي الجمعي ومحاولة كسبه إلى صالحه بجذبه دينيًا إلى عالمه الشعري ، وبذلك يتوثق الربط بين المرسل وبين المستقبل بظاهر الرسالة اللغوية وبمضمونها وبأسلوبها في الوصول إلى هذا المضمون .
ولكن الشاعر قد زاوج بين طريقتين لاستخدام التناص ، وهما : التعبير عن الموروث كما جاء في مصدره الأساس ، والتعبير من خلاله وإسقاطه على الواقع المعاصر ، وأزعم أن الطريقة الثانية هي التي تظهر إمكانات الشاعر وقدراته الإبداعية ؛ إذ إن الطريقة الأولى لا تعدو محض سرد لأحداث يعلمها الناس ، ولا جديد في عرضها مرة أخرى ؛ حيث يمكن للمتلقي أن يرجع للنصوص الأصلية ليستقي منها المادة المعروضة بشكل قد يكون أفضل أو أشمل مما عرض له الشاعر ، بينما تظهر الطريقة الثانية دقة ملاحظة الشاعر في ربط أحداث ماضوية بأحداث تاريخية معاصرة ، وتنم عن ثقافة واسعة للشاعر إلى جانب توقع المستقبل ، وهذا يذكرنا بقولة جون كوين " إن الشعراء لا يقولون ما نعرفه بطريقة نعرفها ، ولكنهم يقولون ما نعرفه بطريقة لا نعرفها " إذن فليس المهم أن نعبر عن الموروث ولكن المهم أن نعبر من خلاله ، ومما جاء من الطريقة الأول – التعبير عن الموروث وليس من خلاله – ما جاء في قصيدته [ طيف الهجرة ] في قوله :
لأرى على صهد الرمال محمدا
والصاحب الصديق والقصواء

ويقول لولا أن أهلك أخرجو
ني منك لم أستصحب البيداء

إذ لا أزال بحب مكة عالقا
وأحب فيها الكعبة الغراء

وأحب ذكر سهولها وهضابها
حبًا وأذكر أختي الشيماء

فالشاعر هنا لم يقدم جديدًا للمتلقي ، فقصة الهجرة معلومة لدى الأخير ، وربما كانت إحاطة المتلقي بها تفوق إحاطة الشاعر ، وإن لم يكن الأمر كذلك فإن المتلقي قد يستقصي جوانبها من مصادر أخرى مختصة بها كمصادر التاريخ الإسلامي أو السيرة النبوية ، فماذا إذن قدم الشاعر هنا على المستوى الشعري ؟ ، وما علاقة المتلقي بهذا النص ؟ أهي وطيدة لأنها تمس جوانبه الروحية ؟ أم أنها متنائية عنه لأنها معلومة لديه وليس في تكرارها ثمة إفادة ؟ ، وأزعم أن هذا النص وأمثاله من نصوص المناسبة ، وهي نصوص تعمل فيها الصنعة على حساب غيرها ، وهي من النصوص الجماهيرية التي تستقطب العوام ولا تستقطب الخواص ، ولذلك لها أماكنها التي تحتضن نشرها ، بينما قد لا تجد إلى المجلات والدوريات المتخصصة طريقًا واضحًا ، ولا يعني هذا أن موضوع النص غير جدير بالعرض ، وإنما طريقة العرض غير جديرة بالنص ، وكان يتوجب على الشاعر أن يختار بين نمطين الأول هو عرض الموروث من زاوية جديدة لم يتطرق إليها غيره ، أو استغلاله في انطلاقة إسقاطية على الواقع المعاصر ، وقد يرغب بعض الشعراء في الابتعاد عن النمط الثاني خشية الانتقادات اللاذعة من المنغلقين الذين يرون في مثل هذا خروجًا عقائديًا ، ولا أدل على قدرة الموروث السابق على التشكل وفقًا للواقع من الطريقة التي عرض بها صلاح عبد الصبور في قصيدته [ الخروج ] ، والتي جاء فيها :
أخرج كاليتيمْ
لم أتخير واحدًا من الصحابْ
لكي يفديني بنفسه ، فكل ما أيد قتل نفسي الثقيلةْ
ولم أغادر في الفراش صاحبي يضلل الطلابْ
فليس من يطلبني سوى " أنا " القديمْ
حجارة أكون لو نظرت للوراءْ
حجارة أصبح أو رجومْ
سوخي إذن في الرمل سيقان الندمْ
لا تتبعيني نحو مهجري ، نشدتك العدمْ
فالشاعر هنا قد استلهم الموروث الديني بحرفية أثارت دهشة المتلقي ، ونشطت ذهنه عندما قدمت له المفاتيح وانتظرت منه أن يقوم باستنتاج مراد الشاعر ، الذي جعل مفهوم الهجرة في قوله [ أخرج ] هو المعادل الموضوعي للغربة ، ومفهوم تخلف الإمام على عن الهجرة في قوله [ لم أتخير واحدًا من الصحاب لكي يفديني بنفسه ... ] هو المعادل الموضوعي لعزلته بين الناس وقلة الأصحاب الأوفياء ، ومفهوم ملاحقة [ سراقة ] للرسول ( ص ) في قوله [ فليس من يطلبني سوى أنا القديم ] هو المعادل الموضوعي لمعاتبة الذات ومحاسبتها ، وقصة لوط عليه السلام الذي أمره الله بألا يلتفت عند حلول العذاب بقريته هي المعادل الموضوعي لرفضه النظر إلى الماضي بمساوئه .
ولا يسير الشاعر محمد فؤاد على طريقة واحدة – كما أشرت قبلاً- في التعاطي مع الموروث الديني ، فإنه يستخدمه معبرًا من خلاله وليس معبرًا عنه ، ومن ذلك على سبيل التمثيل ما ورد في قصيدته [ دثريني ] في قوله :
دثريني
دثري قلبي على هذا اليقين
واسكبي أنغامك السكرى ... حنينًا يحتويني
إن نور الفجر لا يجفو عيوني
دثريني
فالواضح أن الشاعر يعبر من خلال الموروث الديني ، وتحديدًا من خلال قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ . قُمْ فَأَنْذِرْ . وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ) أو من خلال السيرة النبوية الشريفة التي ورد فيها مخاطبة الرسول ( ص ) لخولة قائلاً لها [ دثريني ] ، ويُفهم من سياق النص أن [ خولة ] هي رمز الوطن أو هي المعادل الموضوعي له ، وبذلك يكون الشاعر قد نجح إلى حد بعيد في استثارة ذهن المتلقي الذي يحاول أن يربط بين نص الشاعر وبين النص الحقيقي موضع التناص ، ويبحث عن العلاقة القائمة بين الطرفين والتي سوغت للشاعر أن يجعلهما متكافئين ، وقد يوافق رأي المتلقي رأي الشاعر أو يخالفه ، ولكنه في النهاية يتابعه عن قرب والتصاق .
ولا يكتفي الشاعر : محمد فؤاد بالتناص ، وإنما يستدعي الشخصيات التاريخية ، والمعارك الفاصلة ، من خلال تسميتها فقط داخل النص ؛ لينبه المتلقي إلى مقارنات ومقابلات بين أوضاع معاصرة وأوضاع على النقيض لها كانت في الماضي ، وقد جاءت معبرة عن قيم دلالية متنوعة ، وهي على النحو التالي :
الرموز التراثية الدلالة العامة المستمدة منها
صلاح الدين الشموخ العربي السليب
خالد بن الوليد الشموخ العربي السليب
حطين الشموخ العربي السليب
الصليبيون الشموخ العربي السليب
ليلى الهوى والعشق
خديجة السبق إلى الإسلام
سمية تحمل العذاب في سبيل نشر الدعوة
ليلى الإخيلية فصاحة اللسان وعذوبة الشعر
أبو بكر الصديق الجهاد
حيي بن أخطب ذل اليهود
سحبان البلاغة والفصاحة
معتصم النجدة العربية
فاروق قوة الحق

ومن شان هذه الشخصيات التي ذكرت بأسمائها فقط أن توجه المتلقي إلى متابعة سجلها الماضوي ، والمقارنة بين ما من شأنه أن يكون مهيمنًا على الموقف المعاصر وبين حقيقته الفعلية .

وبالعودة إلى الشاعر : مؤمن سمير مرة أخرى لمتابعة أبرز أساليبه الشعرية ، ودورها في تحقيق التواصلية بينه وبين المتلقي ، نذكر بأنه قد سبق الحديث عن تكامل الصورة لديه وبكارتها ، وتعد هذه سمة من أبرز سماته الأسلوبية ، وقد يكون من الأجدر أن نعرض لها منبهين إلى أن هناك صورًا أخرى غير هذه الصور بيد أنها كانت مطروقة من قبل ، ومنبهين كذلك إلى أن الباحث - وشأنه في ذلك شأن بقية المتلقين المحتملين للنص – يخمن الدلالة العامة المقصودة من تلك الصور ولا يستطيع القطع بها ، لأن المعنى الشعري يتعذر تحديده بكامله لعدة أسباب منها اختلاف كل من الشاعر والمتلقي في الثقافة ، وغياب الإشارات التي قد توحي بفترة كتابة النص ، أو بظروفه وملابساته ، وكان لا بد من اتباع نظرية [ موت المؤلف ] ؛ لأن النص بمجرد صدوره عنه أصبح ملكًا للمتلقي يفهمه كيف يشاء من خلال المعطيات العامة الكائنة في النص ، وقد وردت تلك الصور على النحو التالي :
الصورة جمالياتها [ المعنى الذي ربما يقصده الشاعر]
ضحكة معتقة تعذر وجود ما يفرح في الوقت المعاصر
عند شرائك حضنًا النشوى بالمقابل المادي
جثة زاهية الشاعر لا قيمة له رغم أنه مميز
عند شرائك كيساً ضخماً من الدماء فقدان الشاعر لمقومات الحياة
برمجة المشاعر التكيف وفق ما تقضيه الضرورة
قلوبنا السوداء اللامعة الضمائر تشبه الأحذية
أنت الأكثر سوادًا من نجوم الصور قتامة العالم
على أمل أن يصير فمي وعاء للموسيقى السعي وراء التملق وجذب الآخرين
أرسم فضاء تأكله الأجنحة استقطاب الآخرين
تحاصرنا الألوان جلاء الصورة
صديق الأجنحة من يصادقهم الشاعر دائمًا يرحلون
الحل الحكيم ... يناوش الحلول الجيدة ربما لا تنفذ
عيني فجوة خادعة النفاق
عيني ... تنقلب مدفعًا كاريكاتوريًا إظهار البواطن
يتحلقون بدمائهم الآخرون مقهورون
إفريز الذاكرة وإفريز الظل المقارنة بين الفكر في الماضي وبين الواقع
الجيران الشبحيون الذعر منهم
يسدون حنك الهواء يحجبون الحقوق الأولية
ضحكات ... ملونة بالطيور ضحكات بريئة
أسحب مناقير النوم الأرق
العاصفة ... تمد ذراعًا أطول من حكاياتنا الواقع أشد من توقعاته
العاصفة ... أرهقها العجز السكون المخادع
العاصفة ... تلعب عبث القوة
أكواخ ميتة العزلة في الداخل
نبحث عن الدفء الطيع فقدان العاطفة المتبادلة
اصطياد طعم القتل تعذر الموت لتعذر اصطياده
تمتلئ زنابيلك بملامحنا المخنوقة هيمنة القهر
يحذر الرياح القوة
الملاك يقبل رأسه التقدير
بالونات الحكايا القدرة على التأليف والإبداع
يضيء رأسي الإبداع
ألحق نفسي الهروب
الأمهات يتركننا على أطراف أصابعهن المقربون يهتمون بأنفسهم
الأفاعي تدخلنا الامتهان
الهواء يعاندنا الاختناق
أبشع من ركلة الحقارة
لن أرد شيئًا من لحمي الرغبة في التخلص من الذات
أعتذر للسماء التوبة
ينعس الطين تحتويني الأماكن
أرى جانبي البعيد الانفصام
المنظر الطبيعي العتيق ينجح رتابة الحدث
نقود الملائكة استدعاء المفاهيم الطفولية
الزمن الطوبي الذكريات
ضحكات الحصالات استدعاء المفاهيم الطفولية
أخذ في جنبه أربعة معاول وفي عينه اثنان الكراهية وإظهارها
انظروا داخلي التعري
كأن الشجر يحرس الناس الضعف
الهدوء المعطر الاستسلام
الغبار المستهتر تمكن الحقراء
منامات الورود انتهاء الرومانسية
السماء تشحب تتلوث بالغبار
لحية هيبتي العراقة
اخلعوا أنفاسكم مني التدخل
كلما مرت جنازتي كثرة المآسي
نزرع الأشلاء والصرخات استمرار الآلام
الدماء ... يسقي بها أحلامه تعذر تحقيق الآمال
المساء يصير عجوزًا قرب انتهاء المساء
شارع باك هيمنة الأحزان
طفل عجوز الهموم [ الشاعر+ ( الماضي + الحاضر ) ]
يداه مربوطتان بظلك التقيد بالماضي من خلال التقيد بالذكرى
عيونه مطفأة بلا أمل
التماثيل تصير ملائكة تحول الناس من جمودها كتماثيل إلى ملائكة في مواساة بعضهم بعضًا
النشيج النائم في الحيطان تغلغل الحزن
الجثث الثرثارة كثرة الشكوى من أناس لا قيمة لهم
تزدحم الحقائب بكل هذا الصمت فقدان الرغبة في التغيير
الأحجار أرواح صلبة الناس وقسوتها
يقابل الأشلاء الخوف وسيطرة القهر
جلده ليس طريًا كرشفة متمرس
جلده ... منقوشًا بمراوغات الشظايا خبير بالخداع
نظرته ملوثة بالديدان سوداوية الرؤية
الأرض في صدري والسماء عند الأريكة فقدان التوازن
الجموع ... تخرج عصافيرها من الذاكرة كثرة الذكريات
ارتعاشات الحروب صعوبتها
شحذ السنين الاستعداد
تعليق الأسئلة بحواشيها وحوافها البعد عن الجدل
التصوير الواثب الجرأة في الوصف
تلافيف كراهيته مكمن العداوة الشديدة
نحن تماثيل من الجبس الطري الجمود والرعونة والاستسلام
البناء يحاصر ماءً مفتونًا حمضيًا يؤلم الحفر عزلة الذات ، وضعفها عن التغيير فهي بمثابة من يبول مكانه خوفًا أو عجزًا من التحرك
ألصقه في الهواء أضيعه
تحقن ضحكاته بالدم الصافي صفراوية الضحكات
هاتف ... يدخل ... يدير ذاكرته ... لأنني عار منها عجزه أن يكون ذا قيمة كهاتف صغير
راية لاحظت سرعة الأسفلت توالي الأحداث
تأتي الطلقة مرتاحة توقع الموت المباغت
حيوية الجثث التهميش لقطاع عريض من الناس الأكفاء
فشل العمر مرور الزمن بلا نجاح
الجثة ... تشبه الأسفلت امتهانها
شيبة الريح قدمها
سياج الذكرى قصص مختزنة
رائحة البرودة لسعة البرد الخفيفة
أطرافنا الصناعية ... تنزل لتلهو التجول بلا إحساس كمن لا يملك أطرافه
الأركان ... وراء كل منها ديناصور الحذر المبالغ فيه والخوف من المستقبل
ظل الدهشة قارب يربى ثقبه آثار الدهشة تتلاشى كقارب يغرق
ظل النافذة أحضان ميتة غياب الأحبة
ظل الوقت حرب استمرار المكابدة
القار ... الحاقد شديد الاشتعال
أرمي .. قلبي .. تجعلوه عصيرًا للحبارات التخلي عن العواطف
الأفكار تشع على الجدران نباهتها المفرطة
يراقبون فيه ... مراوغة الكهرباء حيوان تجارب
مضخة أحزان استمرار الحزن
الإشارات القذرة لأصابعهم الإشارات الجنسية المثلية
التصاق الأحلام بكفوفهم الرغبة في الجنس
يضبطون له الكوفية بعد تجارب الاختناق التظاهر بمحبته
رسم سكون على مقاسنا صعوبة الصمت
نختفي منها في الدخان المراوغ الناس أشد مراوغة من أكثر الأشياء مراوغة
حوائطنا ربيناها بكل إخلاص الجواسيس والرقباء والمرشدون من أنفسنا
الوجوه المركونة جوار القمامة لا قيمة لأصحابها
خجل السماء أمور مخجلة يصنعها الناس وتخجل السماء
الرعب في الجيوب الإفلاس
الرعشة تمسك الكف وهو يتسحب داخلاً توقع فراغ الجيوب
البنت في حضنها ... حراشف العجز تعذر ممارسة الجنس
الشمس ترمي نفسها على غرفتي بداية يوم على الرغم من عدم انتظاره
ذبذبات الخشية تخنق الحناجر الصمت خوفًا
ستبطش بي الجاذبية انسحاق الذات
الخشب ... يصنع شركًا لظلي تحرك الجمادات أيسر من تحرك الذات
خجلاً من حيوية الـ Media مناظر مخلة
تتشقلب ملامحي تتبدل
المجرم ... نائم في الشهيق الشاعر هو ذات المجرم عندما أخطأ في حق ذاته

ولا زلت أذكر بأن الصورة الواحدة تحتمل الكثير من الدلالات العامة التي قد يصعب النظر إليها جميعًا من منظور شخص واحد أحادي النظرة ........ ياسر الباشا

*مكتبة الآداب بالقاهرة : الطبعة الأولى : 2000م .
**سلسلة أصوات أدبية، العدد : 362 [ الهيئة العامة لقصور الثقافة ] : الطبعة الأولى : 2005م



#مؤمن_سمير (هاشتاغ)       Moemen_Samir#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحمد عزت مدني يكتب : قراءة تأويلية في ديوان - يطل على الحواس ...
- - يَفوتُ على التَلِّ.. ويُرَنِّمُ للغابات..- شعر/ مؤمن سمير
- - على الدوام ، بلا خبز ولا نبيذ -
- * نفوت على بيت المجنون * شعر / مؤمن سمير
- * السِكّيرونَ في فرشتهم العريضة * شعر / مؤمن سمير
- جسارة الجنون وجماله .. في ديوان - كان لازم نرقصها سوا - لمدح ...
- - الذات تلتقط الجوهرة -.. ديوان ( ريحة ملايكه ) لحاتم مرعي.. ...
- - خيانتان - شعر : مؤمن سمير
- مونودراما ( بقع الخلاص) بقلم / مؤمن سمير
- - وهكذا . يقتفونَ أَثَرَنَا - شعر : مؤمن سمير
- عاطف محمد عبد المجيد يكتب عن ديوان - تفكيك السعادة - لمؤمن س ...
- ( بروفيل ) لمؤمن سمير: بقلم د/ أشرف عطية هاشم
- بهاء جاهين يكتب عن ديوان - تفكيك السعادة - لمؤمن سمير : روح ...
- قصيدة - مؤمن سمير - شعر/ منى كريم – الكويت
- د/ أماني فؤاد تكتب عن ديوان - تفكيك السعادة - للشاعر / مؤمن ...
- خالد محمد الصاوي يكتب عن ديوان - تأطيرالهذيان - لمؤمن سمير : ...
- قصيدة - بوابتان - شعر : مؤمن سمير
- ديوان - السريون القدماء - شعر / مؤمن سمير
- ديوان - ممرعميان الحروب - شعر / مؤمن سمير
- ديوان - هواء جاف يجرح الملامح - شعر / مؤمن سمير


المزيد.....




- من هي ستورمي دانيلز ممثلة الأفلام الإباحية التي ستدلي بشهادت ...
- تابِع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 مترجمة على قناة الف ...
- قيامة عثمان 159 .. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 159 مترجمة تابع ...
- -روائع الموسيقى الروسية-.. حفل موسيقي روسي في مالي
- تكريم مكتب قناة RT العربية في الجزائر
- الحضارة المفقودة.. هل حقا بنيت الأهرامات والمعابد القديمة بت ...
- مصر.. القبض على مغني المهرجانات -مجدي شطة- وبحوزته مخدرات
- أجمل مغامرات القط والفار.. نزل تردد توم وجيري الجديد TOM and ...
- “سلي طفلك الان” نزل تردد طيور الجنة بيبي الجديد 2024 وشاهد أ ...
- فرانسوا بورغا للجزيرة نت: الصهيونية حاليا أيديولوجية طائفية ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مؤمن سمير - د/ ياسر الباشا يكتب عن الشاعرين مؤمن سمير ومحمد فؤاد محمد : - سطوة اللغة وطرائق التواصل - في المفارقات الشكلية والموضوعية والأسلوبية بين شاعرين