أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - توفيق الحاج - أم سليمان..!!














المزيد.....

أم سليمان..!!


توفيق الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 1106 - 2005 / 2 / 11 - 11:30
المحور: الادب والفن
    


فاجأني الأصدقاء قبل أيام بهدية مغلفة بسؤال أكثر مفاجأة ..
ـ هل ترغب في أن ترافقنا لزيارة أم سليمان ؟!
ـ من ؟!!
ـ أم سليمان … فلسطينية منسية فقدت فلذة كبدها الوحيدة … شهيداً جسوراً سقط على كومة من الطلقات الفارغة ،وبعد معركة ضارية وشرسة حفرت لها مكاناً بارزاً في القلب والذاكرة ..
لم أنتظر ... ولم أجب وإنما لبست حذائي على عجل .. وفي طريقنا عرفت أن المقصودة ..عجوز وحيدة تعودت العزلة المزمنة والإهمال حتى من أقرب رفاق ابنها الذين شغلتهم الحياة الغانية عن أداء أبسط واجبات الوفاء للدم الطاهر ... والذكرى الطيبة ...
وصلنا إلى البيت ... وطرقنا الباب الخارجي المتهالك ... فإذا بصوت منهك مشروخ يرد .
ـ مين ؟!
ـ رفاق سليمان يا حجة ...
ـ مين ؟! … رفاق سليمان ؟! … رفاق سليمان ماتوا وشبعوا موت …!!
أحسسنا بعاصفة من الخجل تجتاحنا ... وتعرينا ... لنبدو أكثر هشاشة من حلوى (شعر البنات) .
لم يطل الوقت .. حتى ظهرت أمامنا عجوز شاحبة اللون امتصت عصارتها سنين الحزن الطويلة .. وألم الفقر والمرض ... أطلقت علينا نيران كلماتها الناضحة بمرارةٍ فاقعة ... وتساؤلات موجعة .
ـ لماذا الآن ... وبعد عشرين سنة من النسيان ؟!
ـ لماذا الآن … يا رفاق سليمان ؟!
لقد تأخرتم كثيراً … لم يعد في إمكاني أن أقدم لكم حتى فاكهة الابتسام .!!
توارينا في كلمات باهتة زادتنا ارتباكاً .. وهلهلة ..
كان ( دشاً ) ساخناً أيقظ بعض خلايانا الحية التي اعتراها صدأ التبلد واللامبالاة ..
جلسنا على حصيرتها كالبلهاء وبدأنا في إعداد الشاي حين أصرت بكرم الأمهات الثاكلات .. وأنصتنا كتلاميذ مطيعين لحديثها العفوي بعد أن هدأت نفسها وأطلقت العنان لذكرياتها ودموعها ... كيف ربت الشهيد ... كيف قاوم ... كيف قاتل ..كيف سقط ..وكيف زغردت وهي تقبله للمرة الأخيرة
كانت أي محاولة لتنظير الموقف أو لحذلقة الأمر تبدو تافهة أمام المشهد المؤثر وهي تقبل التراب قبل أن نلقي معها نظرة على الملجأ الذي كان يتحصن فيه ابنها الوحيد .
حدثتنا ... كيف حملت السلاح بيديها والبرتقال الممنوع في صدرها ومنشورات المقاومة في ( قفتها ) ..لكي تصل إلى رفاق سليمان في المكان المطلوب والموعد المحدد ... رغم العيون والخطر ...
أحسست لحظتها أن غسان كنفاني جسد بإبداعات الفنان المقاوم ( أم سليمان ) في قصته الشهيرة "أم سعد " دون أن يراها..
فهتفت في داخلي... " تعال يا غسان ... ودق على ضلوعنا بالنار كي نخرج من خزان عارنا "!!
أم سليمان ... هكذا يكافئها الوطن بأبنائه الذين أصبحوا الآن منشغلين بمهامٍ أكثر إلحاحاً ووطنية من السؤال عن أم شهيد ... ومعتقل ..!!
هكذا يقذفها الوطن الملون ب "200 "شيكل شهريا... وهكذا ينصفها الرجال الأنيقون.. الذين يتشدقون دائما
بالحديث عن دم الشهداء والتضحيات .. والوفاء .. والأمل ... في الأحاديث الصحفية والمتلفزة ...
هكذا يصبح الحديث عن المناسف أجدى وأكثر نفعاً من الحديث عن المبادئ ...
بعد ساعة..
ودعنا ( أم سليمان ) ... وقبلنا يديها .. وقررنا في فورة الحماسة الطارئة أن نزورها مرة كل شهر... كل ما أخشاه الآن أن يخفت صوت الضمير في صدورنا ... وتتلاشى لسعات سوط الوفاء على ظهورنا .. ونعود نشارك ملوك التنظير والسياسة هواياتهم المفضلة في نسيان تضحيات الأهل ... واللامبالاة المقرفة ...
هزني السؤال ... بكل البراءة ...
ترى كم ( أم سليمان ) بيننا اكتوت بنار التجاهل والوحدة والنسيان ..؟!!
ترى … هل كتب على أناسٍ أن يضحوا بأغلى ما لديهم ..بينما يلهث آخرون لتسلق تضحياتهم نحو بريق المناصب .. والنفوذ والنجوم ؟!
غادرنا المكان …. وهمهمنا بكلمات غير مفهومة … بينما كان صوت فيروز ينبعث في الشارع بمحض الصدفة .. " زوروني كل سنة مرة … حرام تنسوني بالمرة " …

تتمة لابد منها:
أتصل أحدهم وابلغني أن "أم سليمان" غادرت مساء اليوم وفي أثناء كتابة هذا المقال أرض الرفاق متجهة إلى الرفيق الأعلى..!!



#توفيق_الحاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ديمقراطية عرب لاند..!!
- النفاق سيد الأخلاق..!!
- انتحابات عراقية
- نرفانا..!!
- مرايا..!!
- خروج الى سعدي يوسف
- كيف الخروج من نزفنا..؟!!
- فلوجة..!!
- ..!!قطرات في ربع جاف
- كعكة التوقعات..!!
- ظمأ..!!
- عليه العوض
- رغوة الظمأ
- ألو...عنان..!!
- قراءة بعيون مفتوحة
- يوجا
- أهزوجة..!!
- قصيدة بث مباشر..!!
- بوح..على وتر السأم..!!
- سؤال..للمرحلة القادمة..!!


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - توفيق الحاج - أم سليمان..!!