أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - المسيحيون والبيئة الطاردة















المزيد.....

المسيحيون والبيئة الطاردة


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3773 - 2012 / 6 / 29 - 18:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هل باتت البيئة العربية - الإسلامية طاردة للوجود المسيحي الذي سبق الإسلام في الشرق؟ وهل هناك مشكلة وإشكالية لدينا تتعلق بالتعايش، علينا مواجهتها أم ثمة مبالغة في كل ما يقال بخصوص الهلع المسيحي والفزع الديني لدى المكوّنات الثقافية غير الإسلامية لمجتمعنا؟ وإذا كان الأمر واقعاً، لكننا قد نختلف في تقرير مخاطره وبالتالي سبل مواجهته، إذ لم يعد التنديد باستهداف المسيحيين كافياً، فضلاً عن توجيه دعوات التآخي والتعايش أو تنظيم مؤتمرات للخطابات، لا تخرج عن دائرة المجاملة والشكلية!
لعل الإشكاليات لا تتعلّق بصراع مجتمعي بقدر كونها تتعلق بالمواطنة المفقودة أو الغائبة أو المنتقصة أو المبتورة، فضلاً عن غياب أو ضعف مبادئ المساواة والشراكة، والحق في تولي الوظائف العليا من دون تمييز بسبب الدين أو الجنس أو العرق أو اللغة أو الأصل الاجتماعي، كما أن شحّ الحريات بشكل عام وحرية التعبير بشكل خاص، ولا سيما حرية الضمير والحق في الاعتقاد والحق في ممارسة الطقوس والشعائر الدينية، تعتبر خلفية لمثل تلك الإشكالات.
ويعود أحد أسباب استفحال ظاهرة الشعور المسيحي بشكل خاص وغير الاسلامي بشكل عام بالتمييز وعدم المساواة، إلى ظهور وتنامي تيارات دينية وطائفية متعصبة ومتطرفة في الثلاثة عقود ونيّف الماضية، وقد أدّى ذلك إلى تراجع هوامش الحريات التي كانت موجودة، كما أنه قلّص من فرص التسامح التي كانت متوفرة، على نحو تلقائي وعفوي، حيث مارست تلك الجماعات شكلاً من أشكال القهر والإكراه والدعاية الاستئصالية إزاء الآخرين من أبناء الدين الإسلامي، فما بالك بمنتسبي الديانات الأخرى.
ولا شك في أن هناك أسباباً سياسية واجتماعية وثقافية، تتعلق بالعلاقة مع الآخر وبمبادئ التعايش، وهي التي تقف خلف انكفاء المسيحيين وانحسار دورهم وعزلتهم أحياناً واختيار الهجرة «اضطراراً» في أحيان غير قليلة، الأمر الذي عاظم من شعورهم بالاغتراب عن مجتمعاتهم، في حين كان دورهم مشرّفاً على مرّ التاريخ، وقد ارتفع منسوب الشعور لديهم بالتهميش والإقصاء، لا سيما عند التعامل معهم «كأقلية» بمعناها السلبي، تلك التي تعني قبول منطق الأغلبية « المقرِّرة» الحاكمة، المتسيّدة، بالعدد وليس بالكفاءة والخبرة والإخلاص أحياناً.
ولعلّ غياب إرادة سياسية عليا لاحترام حقوق الإنسان وخصوصاً مبادئ المساواة والمواطنة، زاد من حدّة التوتر المجتمعي، ولا سيما من جانب القوى الدينية المتطرفة الشديدة الغلو، المنغلقة على نفسها، والتي تريد فرض تصوراتها على المجتمع كلّه، ناهيكم عن طريقتها بالعيش والسلوك والتفكير.
هكذا غدت البيئة العربية - الإسلامية طاردة للأديان الأخرى، وهي الأديان المتعايشة، المتواصلة والمتفاعلة، ولا سيما في الشرق، وخصوصاً المسيحية الشرقية التي يربطها تاريخ عريق بالاسلام وبالمسلمين، خصوصاً بالانتماء العروبي المشترك، وقد ساهمت المسيحية في النهضة العربية الأولى، وكان دورها ريادياً على الصعيد الفكري والثقافي والأدبي والفني والاقتصادي والاجتماعي، بما في ذلك أدباء الاغتراب الأول الذين أسسوا في الولايات المتحدة «الرابطة القلمية» وفي دول أميركا اللاتينية أسسوا «العصبة الأندلسية».
كما لعب المسيحيون في الدولة العربية المعاصرة دوراً مهماً من خلال مواقعهم السياسية والفكرية، بما في ذلك للقضية الفلسطينية، وقد استهدفتهم الحركة الصهيونية ومارست عليهم ضغوطاً مختلفة لإجبارهم على الهجرة من فلسطين أو ترحيلهم أو إجلائهم، وذلك كي تبرّر أن الصراع هو يهودي - إسلامي، وليس فلسطينياً (إسلامياً ومسيحياً ودرزياً وحتى يهودياً) ضد الصهيونية.
وكانت «إسرائيل» قد نظرت بارتياب إلى مواقف الفاتيكان المؤيدة لحقوق الشعب العربي الفلسطيني، وسعت لتغيير مواقفه منذ قرار التقسيم، وهو الموقف الذي أثر إيجاباً على الدول الكاثوليكية مثل إسبانيا والبرتغال وإيرلندا وبعض دول أميركا اللاتينية، وظل الفاتيكان وهذه الدول على مواقف متعارضة مع سياسات «إسرائيل» وليس لديها علاقات دبلوماسية معها، الاّ بعد إبرام اتفاقيات كامب ديفيد والصلح المنفرد العام 1978- 1979، وفي ظل التراجع والنكوص العربيين، وهو الأمر الذي انعكس سلباً على نحو 30 دولة أفريقية قطعت علاقاتها مع «إسرائيل» بين عدوان 1967 وحرب العام 1973 وكذلك على البلدان الاشتراكية السابقة تلك التي أعادت علاقاتها جميعها مع إسرائيل، بل إن بعضها منحها امتيازات «الدولة الأكثر رعاية».
وحتى اليوم فإن الفاتيكان ينشغل بمستقبل العلاقات الإسلامية - المسيحية وينظر إليها من خلال موقع مسيحي الشرق، وهو ما انعكس على مؤتمر السينودس، لا سيما علاقة ذلك بتصاعد موجة العنف والإرهاب ضد المسيحيين واستمرار الانتقاص من مبادئ المواطنة والمساواة والتعايش، وكل ذلك بالارتباط مع موضوع الهجرة والصراع الدولي.
لقد استُهدِفَ المسيحيون في موجة جديدة من التشدد والتطرف والغلو باسم تنظيمات القاعدة أو غيرها من قوى الإسلام السياسي، الأصولي، وقد تزامن ذلك مع أحداث 11 أيلول (سبتمبر) الإرهابية - الإجرامية في العام 2001، وفي ما بعد احتلال أفغانستان وغزو العراق، حيث قادت هذه الموجة إلى الشعور بتصدّع فكرة التعايش وتعرّضت العديد من الكنائس والأديرة ودور العبادة المسيحية وشخصيات مسيحية ومواطنين عاديين إلى تفجيرات وأعمال عنف، كما حصل في بغداد والبصرة والموصل وكركوك والاسكندرية والقاهرة وحمص وغيرها.
وقد ازدادت تلك الموجة حدّة بعد الربيع العربي، حيث تحركت قوى كامنة مستغلّة الانفلات الأمني ورغبة تدميرية واستئصالية لا إنسانية لتستهدف التجمعات المسيحية وتقوم بأعمال عنف وإرهاب منفلتة من عقالها، والهدف كان وسيظل دفع المسيحيين إلى الهجرة وهم مستضعفون وليس لديهم ميليشيات ولم يمارسوا العنف. والنتيجة التي سيأخذها الغرب لمعاقبة مجتمعاتنا هي أن المسلمين لا يريدون العيش مع المسيحيين في دول المشرق، وهذا دليل على التطرف والتعصب ورفض الآخر.
وحسب بعض توجهات الإسلام السياسي، فالآخر هو غريب وكل غريب مريب، وأنه خصم أو عدو، خصوصاً عندما يسود منطق الإسلاملوجيا وادعاء امتلاك الحقيقة والتشبث بمبدأ الأفضلية. هكذا يتم الحديث بصورة معلنة أو مستترة عن دار الحرب ودار السلام، ويتجرأ من يطلب من المسيحيين اليوم دفع الجزية أو الرحيل. ولعل ذلك سيؤدي إلى تمزيق النسيج الاجتماعي لشعوب ومجتمعات ظلّت متعايشة، وإلى الهجرة وتفريغ مجتمعاتنا من المسيحيين!
وسيكون الغرب الايديولوجي مستفيداً لتبرير مزاعمه حول الرهاب من الإسلام، الذي روّج له، ليظهر أن المسلمين غير راغبين في التعايش مع الغرب المسيحي، وهو ما يضع 15 مليون مسلم أو أكثر في أوروبا في دائرة الشك والريبة، وسيبرر الغرب أطروحاته بزعم أن الإسلام هو دين استئصال ويحضّ على الإرهاب ضد الأديان الأخرى، وهي الرسالة التي تعمل لأجلها «إسرائيل» لتأكيد أن الصراع مع الفلسطينيين والعرب ليس سوى صراع ديني، لأن الإسلام لا يتقبّل الآخر، في حين أنها تسعى لإخفاء حقيقة وجوهر الصراع، وهو بين أصحاب حق تجري محاولات مستمرة لاقتلاعهم من أرضهم وبين مغتصبين وعنصريين صهيونيين، يسعون لتحويل «إسرائيل» إلى دولة يهودية نقية بعد طرد سكان البلاد الأصليين منها.
ولعل الرسالة المعاكسة التي ترسلها الصهيونية إلى العالم، هي استغلال استهداف المسيحيين بالقول إن العرب والمسلمين غير مهيئين لقبول الديموقراطية، لا سيما في ظل تدنّي مستوى الحريات العامة والخاصة، وحتى بعد اندلاع الربيع العربي فإن الشك لا يزال يساور الغرب بشأن الموقف من الديموقراطية، وستكون خسارة المسيحيين هي خسارة طاقات علمية واجتماعية في الموزاييك العربي.
إن هذه المسائل وغيرها كانت محطّ نقاش وحوار جدّي وعلى مستوى مسؤول ساهمت فيه نخبة متميّزة من مثقفين عرب وبينهم من ينتمي إلى الإسلام أو المسيحية، ويجمعهم الهمّ الثقافي والفكري ومنشغلين بفكرة التعايش. وقد نظّم هذا اللقاء الحواري والعصف الفكري «المعهد الملكي للدراسات الدينية» في الأردن ورعاه منتدى الفكر العربي برئاسة الأمير الحسن بن طلال. وكانت رسالته الواضحة هي مواصلة الحوار المدني، العلمي، النقدي، الواقعي، في تعظيم المشتركات الانسانية والقيم والمثل الجامعة، تلك التي تمثل جوهر الأديان والأفكار والفلسفات على مرّ التاريخ.
ويتطلب الأمر إضافة إلى دفع صاحب القرار لاتخاذ مواقف حاسمة لجهة المساواة والمواطنة وتكافؤ الفرص وعدم التمييز، العمل على خلق بيئة تشريعية صالحة، وكذلك بيئة تربوية مناسبة تساعد النشء الجديد في تلمس الطريق الصحيح وتسعى لإزالة كل ما من شأنه الإساءة إلى الأديان بشكل مباشر أو غير مباشر في المناهج التربوية والتدريسية وتربية الطلبة بروح الأخوة والتضامن والتسامح والمساواة واللاعنف والمشترك الإنساني، الذي يعلي من شأن الإنسان ويخدم خصوصياته.
ولعل ذلك يهيئ الأجواء للمؤسسات الدينية وغيرها لتبنّي خطاب الوحدة والمساواة والكرامة الإنسانية، ويعزز من مستلزمات إعلام إيجابي يلعب دوراً في التعايش والتفاهم وعدم التمييز، ويستطيع المجتمع المدني أن يلعب دوراً إيجابياً على هذا الصعيد، وهو ما يعطي لمجتمعاتنا هويتها الموحدة الجامعة والمتنوّعة ذات الخصوصية والتعددية في آن، وحيثما يكون صاحب القرار يتمتع بوضوح وإرادة سياسية لتحقيق ذلك قانونياً وتربوياً وإعلامياً ومدنياً، فإن فرص السلام الاجتماعي والتعايش الأهلي واحترام حقوق الإنسان واعتماد المواطنة والمساواة تكون وفيرة وأجواؤها رحبة.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النموذج الإسلامي
- يوسف سلمان يوسف ... فهد- الأخيرة
- الاتجار بالبشر
- يوسف سلمان يوسف ..(فهد)-( 2 – 3 )
- يوسف سلمان يوسف ... فهد ( 3 – 3 )
- تعويض الضحايا!
- يوسف سلمان يوسف -فهد-...(1 – 3 )
- زمن الفتاوى ومغزاها
- خمسة آراء بصدد المسألة الكردية في العراق
- السياسة في معناها
- حلّق في فضاءات شاسعة وسبح في بحور واسعة-*الجزء الثاني
- الحق في الجمال
- الأسرى الفلسطينيون والوعي النقدي المطلوب!
- المساءلة والحقيقة في بعض تجارب العدالة الانتقالية
- المفكر السيد الصدر حلّق في فضاءات شاسعة وسبح في بحور واسعة*( ...
- اشتراكي جديد في قصر الإليزيه
- الهوّية وأدب المنفى !
- الدولة البسيطة والدولة المركّبة
- الربيع العربي والأقليّات
- ليبيا: الفيدرالية المدنّسة والمركزية المقدّسة


المزيد.....




- هل العودة لياسمين عبد العزيز ممكنة بعد الانفصال؟ أحمد العوضي ...
- شاهد ما يراه الطيارون أثناء مشاركة طائراتهم في العرض العسكري ...
- نتنياهو منتقدا بايدن: سنقف لوحدنا ونقاتل بأظافرنا إن اضطررنا ...
- البيت الأبيض: نساعد إسرائيل على ملاحقة يحيى السنوار
- أبرز ردود الفعل الإسرائيلية على تصريحات بايدن حول تعليق شحنا ...
- الخارجية الروسية تعلق على اعتراف رئيس الوزراء البولندي بوجود ...
- زيلينسكي: جيشنا يواجه -موقفا صعبا حقا- في المناطق الشرقية
- -حزب الله- يعرض مشاهد من عمليات عدة نفذها ضد الجيش الإسرائيل ...
- هل من داع للقلق في الدول العربية بعد سحب لقاح أسترازينيكا؟
- بنوك مودي في الهند تنفق 400 مليار دولار ليفوز بدورة ثالثة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - المسيحيون والبيئة الطاردة