أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عنان عكروتي - دراسة تحليلية لقصيدة د صادق القاضي : (( الرحيل إلى ( دلمون ) أو (هكذا غنى -تمّوز- ل -عشتار- ) )) // بقلم : عنان عكروتي















المزيد.....

دراسة تحليلية لقصيدة د صادق القاضي : (( الرحيل إلى ( دلمون ) أو (هكذا غنى -تمّوز- ل -عشتار- ) )) // بقلم : عنان عكروتي


عنان عكروتي

الحوار المتمدن-العدد: 3731 - 2012 / 5 / 18 - 20:08
المحور: الادب والفن
    


يتكون النص من جزيئين رئيسين كل جزء منهما بحر من الجمال المتدفق يعكس ثراء لغة الشاعر وتمكنه من زاده المعرفي.. وقد توشحت القصيدة بمفردات بسيطة وجميلة استدعى فيها صادق زخما تاريخيا يمتزج فيه الواقع بالأسطورة ليمنح النص فضاء جميلا ومتفردا بعيدا عن التكرارات المملة.
وكل جزء ينقسم إلى عدة مقاطع حيث يبدؤها شاعرنا قائلا

وجهاً لوجهٍ وعيناً لِعينٍ
وأشياء أخرى ملأن المسافة ما بيننا بالنهارْ
كأن القبيلة نامت، وإلا فكيف عزفنا على أرض "دلمون" هذا النشيج الجميل! ‍
وكيف تبدّت ينابيع "تموز " وسط القفار ؟!
!!!
و للرمز الفلسفي حضوره فدل مون أرض البحرين القديمة جزيرة لها مكانتها الخاصة لدى سكان الرافدين القدماء حيث ارتبط اسمها بالخلود والتجدد ، كما يقول الباحث الأثري البحريني علي أكبر بوشهري.(1) وهي أرض الحياة التي قصدها جلجامش باحثا عن نبتة الخلود.
وتموز هو عشيق عشتار الهة الحب والحرب وكان اله الخصب وتجدد الحياة وكان يجول الحقول بغنماته التي يحب رعيها والذي بعد كثير من الفصول سكن العالم السفلي بامر من عشتار و أجل انه تمسك بحبه رغم تعاليم المعبد المجحفة ورغم تمسك كلكامش بأحقيته في ترتيب فصول الآلهة عشتار حيث كان الاب والمسؤل وهنا تاتي نقطة مهمة وهي ان تموز وعشتار التقيا معا في الخصب والحب اللذان انعكست أحداث حبهما على الأرض لتشكل الربيع وبقية الفصول.هنا اختلط الدنيوي بالمقدس و أجاد الشاعر استغلاله لبعث روحا جديدة في النص وبعث الأسطورة للحياة حيث سكنت كل هذه الأرواح الشاعر فتبدى لنا البناء الخصب لهذه القصيدة وقدرتها الهائلة على التضمين في هذا البناء الفني الراقي. ونواصل مع النص لنجد ثراء أكثر في هذا المقطع الثاني من الجزء الأول

أنا عائذٌ بالأقاحي وبالماء من مفردات التصحر ،
مستنجدٌ بالأهازيج والضوء من صلصلات القيود
دعوني أحلّق في أرض دلمون بالعري ..
ما أثقل الآخرين!!
وأضيق هذا الزمان /المكان/ الحصار!!
حين يصير المكان قيدا والزمان حصارا داخل الذات الشاعرة يصير الهروب إلى عالم الأسطورة الرمز هو الخلاص..و الذات الشاعرة هنا متبرمة قلقة متوجعة تبحث عن فضاء جديد..فضاء آخر فيه سحر و تجدد ..فيه حياة أخرى وليس أجمل من أساطيرنا الشرقية ..’’دعوني أحلق في أرض دلمون بالعري’’ و دلمون كانت أرضا ينقصها الماء العذب اللازم لحياة الحيوان والنبات ولذلك نجد اله الماء السومري العظيم ’’انكي’’ يأمر ’’اوتو’’ اله الشمس أن يملأها بالمياه العذبة النابعة من الأرض(2). وشاعرنا سيسافر إلى هناك حتى يروي ظمأه و ينهي هذا التصحر الرهيب الذي يعيشه.السفر إلى دلمون هو الحل من كل هذه الشجون التي يعيشها وهذا القلق الذي يحاصره.إنها صورة حقيقية للاغتراب الذي أصبح يعيشه المثقف العربي بعد أن هوت كل أحلامه بعالم أرقى ومجتمع أجمل.هذه القصيدة تتمرد على الألم حين تهرب من حصاره وتنتصر عليه بالأهازيج والضوء الذي هو علميا يخترق كل الحواجز فقط مساره يتغير قليلا لكن لا يعيق سيره.و هنا تبرز لنا روعة التصوير الشعري ودقة رسمه وبلاغة الاستدلال على الأشياء لأنها حقائق علمية لا تقبل النقاش.هكذا تنكسر كل القيود وتنتصر الروح الشاعرة لتحلق دوما.
نواصل مع مقاطع أخرى في النص لنواصل القراءة على نفس النسق

عندما يلتقي الجرح بالجرح نشعر أنَّا وُلدنا إلهين للخصب من رحم الاحتضار
ونشعر أنَّا اكتسحنا ثلاثين قرناًً من البؤس والجدب والانكسار
أبي يجهل الآن أنِّي عقرت نياق القبيلة
أمي تصلِّي لنجمٍ بعيدٍ وتقرأ للريح سِفْر الغبار
!!!
لمن ندفن العمر ؟!
إن لم نذق شهدنا اليوم ذقنا غداً علقم الذكريات
وإن لم نفض كنوز القرنفل بارت بسوق الذبول
من الضيم وأد الأعاجيب فينا ، وخنق المنى ، وادخار الشباب الذي ليس للادخار
!!!
انه جمال الشعر حين يعلن الولادة من رحم الموت و ذروة التوهج الجمالي حين نرى يختلط الضعف مع القوة ليولد ارادة جديدة تنهي زمن الانكسارات للذات المبدعة وتجمع بين المتناقضات التي تسكن الشاعر ثلاثين قرنا من التاريخ و تسمو هذه الذات عن منطق الزمن هذا البعد الذي يفترس الجميع , لكن شاعرنا هنا سما عليه وتحداه ليصبح من الخالدين.هذا النص نبع متدفق يبهرنا بإظهار الصراع القديم المتجدد بين الخلود والفناء بين الموروث الذي يكبلنا وله قدسية في ذاتنا وبين ما نطمح إليه وتجلى في أجل صفاته في الأب والأم وما يرمزان إليه.نص يدعونا إلى التأمل و طرح السؤال في السلوكيات المنحدرة من الواقع’وخاصة في هذا المقطع
لمن ندفن العمر ؟!
إن لم نذق شهدنا اليوم ذقنا غداً علقم الذكريات
وإن لم نفض كنوز القرنفل بارت بسوق الذبول
من الضيم وأد الأعاجيب فينا ، وخنق المنى ، وادخار الشباب الذي ليس للادخار
!!!
يقولون :كل النباتات كانت نساءً
مرةً
غادةٌ
أنذرت نفسها للسماء هي الآن عوسجةٌ في الطريقِ
هنا النخل كُنَّ - هناك - الصبايا اللواتي رقصن عرايا وغادرن ليل الخدور
ولولا التمنُّع ما كان شوك القتاد
تُرى أي فاتنةٍ كأنها الزيزفون !!
وعن أي ثغرٍ أتى الجلنار!!
!!!
هنا سأستشهد بما كتبه الدكتور هشام المعلم في قراءته لهذا المقطع بالذات لأنه أوفاه حقه و حلله تحليلا كأجمل ما يكون وسيكون جزء النص الثاني الذي تحول فيه أسلوب الكتابة و كأننا أمام أحد الآلهة القديمة .تمثال يجسيد الجمال عار من كل شيء دنيوي في لحظة صدق وتحرر من كل ما يثقلنا أو يجعلنا نتجمل أو بالأحرى نخفي حقيقتنا.صورة فيها صفاء ونقاء وعلو عن العالم الحسي للصعود إلى هناك حيث الجمال المطلق.كتب د هشام ما يلي:
نص للمتعة الباذخة و الرغبة التي لا تجف لحرف أتقن العزف على وتر اشتهائي لشعر بمعناه الأسمى و الأرقى
نصٌ يقرأ باشتهاء و ليس لمرةٍ أو مرتين.. إنه الاحتراف في تجديل خيوط الضوء و منح الآخرين عرائشاً من جمال ..
تمجد هذا النص نصباً على بوابته تعاد اكتشاف النصوص التي تترامى هنا و هناك على هذه الصفحات....
و أنا أقراه تمنيت لو أستطيع إعادة اكتشاف نفسي كناقد و المحاولة في استجداء قراءة جديدة لهذه البديعة كما كُنتُ افعل سابقاً و لولا ضيق الوقت
و خوف الإطالة لأسهبت أكثر..فكرة ترقي البشر في سلسلة التناسخ و مجيء الشجر ربما لا تروق للكثيرين و لكنها رمزية الجمال الذي نشتهي..
كأن الورود مباسم كأن الشجر قاماتها الفارمة..كان الجمال أتى من صلب حواء لا غيرها..
وهانحن نستلهم المعجزات،
ونعتصر الرغبة البكر
مثل افعوانين حاكا ظفيرة حبٍ بجسميها فوق صدر السرير
ونخرج منَّا
وندخل فينا
وما نحن !!
(ظهران في جسدٍ واحدٍ)
كائنٌ نادراً ما يكون
الطوارئ معلنةٌ في الأخاديد
الربى مهرجانات عربدةٍ وانحشار
حالة عربدة و التحام و إن شئت سميتها التوحد في ذات لحظة لا يبقى للعاشقين سوى أن يكون واحد لا اثنين..
تتوالى من وراءها صور شتى و جنانئن ورد و أعراس خيال في نسق موسيقي و جمل راقصة لا يتخللها عوار إلا فيما ندر...
تماسكٌ مذهل من حيث المبنى و المعنى من أول النص إلى آخره..
وضوح فكرة لا تغيب عنك و أنت تبحر في عباب الأسطر المتلاطمة كامتزاج و تلاطم الجسدين..كزيغ البصر حال الاشتهاء
من أنا !!
كهرباء المدينة خارجةٌ من دمي ،
جسدي حافلٌ بالحلولِ ،
بلغت مقام التفاني على لجة الانتشاء ،
ويخرج من رئتي الآن لحن البقايا
لهاث التغاشي
أنين الحواشي
شهيق التلاشي عن الجسد المستعار...
ما الذي يجعل القلب يبكي اغتباطا !!؟
ما الذي يرعش الآن كلَّ المفاصل !!
ما الذي دشَّن الجسد الغض بالعاصفات!!
المسامات مفعمةٌ بالتشبّثِ
كل النتوءات مسعورةٌ ،
والتلافيف طافحةٌ بالأوار
صور و إن بدت حسية للوهلة الأولى و الثانية و الثالثة و لكن من الصعب جداً أن تصاغ بهذا الجمال لتعطينا
ما يريد الشاعر إن يخلقه في ذهن المتلقي من سمو و قيمة و ولنقل قداسة للحظات التلاقي التي على إثرها يبدأ الخلق من جديد.ونبقى دائما في نفس السياق لنقرأ

عندما التفَّت الساق بالساقِ ،
واشتعلت في مدانا الحواس
شعرتُ بتاجٍ من الغارِ في دربِ كرِّي ،
وأقواس نصرٍ بدربِ الفرار
كلانا تعلَّم ما يمنحُ الرمحَ قلباً رحيماً ، وما يجعلُ التِّرسَ أُماً رؤوماً
وما يهبُ الحربَ طعم البهار
!!!
لم نكن نعزف التوق
كنا ننقب تحت الركامِ المدججِ عنَّا وعن شفرةٍ للتراسلِ
كنا نفتشُ عن قمرٍ كان قبلَ الرحايا، وعن أفقٍ وأَدَتهُ القرونُ
كشفْنا الحجابَ ،
اكتشفنا المَدى ،
ضمّنا الحبُّ
والحبُّ أنبلُ من خلقٍ للتسامي ،
وأبلغُ من لغةٍ للحوار
هي جمال الذات الشاعرة حين تتمرد على الواقع المتخلف لتصنع حلمها الممتد من أجمل أساطير الحب والخلود.هذا الحلم الدلموني العشتاري إن صح التعبير الذي يشدنا في فضاء مغاير لا يتسم إلا بالجمال والنقاء الذي تتحرر فيه الذات من كل القيود المكبلة تماما كما تشدنا أي أسطورة للحب من أساطير شرقنا الساحر هذه الحكايات النابعة من عمق الشعب الذي كان يحمل وعيا منفردا لم تكبله ردة تعصف به الآن أو جهل يريد القضاء على الأخضر واليابس.صادق القاضي في رسمه لهذه التحفة الفنية أعطاها كل مقومات الجمال والروعة ,سافر بنا عبر الحلم إلى عمق التاريخ المتجذر والحضارة العريقة لنعيش على وقعها و نكون بينها في دهشة لا تنتهي وخيال عظيم بعظمة هذه القصيدة.

المراجع التاريخية

(1) الموسوعة الحرة
(2) منتديات صقر البحرين



#عنان_عكروتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ( في ذكرى النكبة )
- تلبس
- نشيد لا ينتهي
- (( سنابل شوق ))
- المرأة والمسار الديمقراطي
- ظلم الخطوات
- (( الجدلية الثنائية في حب سمر الجبوري )) دراسة في قصيدة :(حو ...
- ( غيهَب ُ الألم )
- (( دراسة تحليلية لنص -من مرافعة الحجاج - )) للدكتور هشام الم ...
- ((وتعرفنا الشمس))
- ((قراءاتُ صبابيه))
- (( صحوة الأموات ))
- (( صهيل الحرف ))
- ((هربتُ مني .. لأرجع إليك))
- بلا وطن !! ;;;;;;;;;
- (( حديث الصمت ))
- (( و ما كانت كاذبة ))
- (( موسم فرح ))
- ( تجليات لأنثى المطر )
- ومضات من الروح


المزيد.....




- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...
- رواية -خاتم سليمى- لريما بالي.. فصول متقلبة عن الحب وحلب


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عنان عكروتي - دراسة تحليلية لقصيدة د صادق القاضي : (( الرحيل إلى ( دلمون ) أو (هكذا غنى -تمّوز- ل -عشتار- ) )) // بقلم : عنان عكروتي