بعد الإطاحَة بساركُوزي

السموأل راجي

الحوار المتمدن-العدد: 3722 - 2012 / 5 / 9 - 04:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

لَطَالما وجَد المافيُوزِيّ ساركُوزي أعضادًا لهُ في كافّة أوسَاط اليمِين الفرنسِيّ وحتّى بين بهائِم العرَب من اللّيبرالِيِّين إذ دافعُوا بإستِماتةٍ غريبةٍ عنهُ ولم يلتفِتُوا لإسنادِهِ الإجرامِيّ لأنظمة القهر والنّهب النّيُوليبراليّ في تُونس والمغرب الأقصَى وإفريقيا الغربِيّة وجنُوب الصّحراء وحتّى صَمَت أقبحُهُم عن إنشائِهِ مركزًا لتمجِيد الإستِعمار في الجزائِر . إبَّان حُكْمِهِ شهدت فرنسَا مسِيراتٍ ذَكَّرَت بهائِم العرب من اللّيبرالِيِّين (الوجه العارِي للظّلامِيَّة) بِــــ"الرّبِيع العربِيّ" وهُو بالفِعل ربيعٌ ينحتُ في سيرُورتِهِ معالِم جديدةٍ لمنطقةٍ عُرُوقها ضارِبَةٌ في القمع والنّهب والتّجْزِئة المُتعمّدَة والمُمَنْهَجَة في أروِقَة الإليزِيه ، بالجُملَةِ والتّفصِيل هَبَّت جماهِير فرنسا من عُمّال وأُجَرَاء مُوظّفِين ومُعَطَّلِين عن العَمَل وإشتعلَت ساحة الباستِيل (La Bastille) وشاهدها العالم لمّا خَطَب في ميدانها مُرَشَّح الجبهة اليَسَارِيّة جون لوك ميلونشُون (Jean-Luc Mélenchon) في 18 مارس/آذار 2012 في ذِكرَى كُومونة بارِيس العظِيمة أمام أكثَر من 100 ألف فرنسِيّ واعِدًا بإلقاء الجُمهُورِيّة الخامِسَة في الزّبالة ومَسْح النّمط الرّأسمالِيّ وإلغاء دُيُون تُونِس ؛ ترشُّحَهُ عن إئتِلاف اليسَار الرّادِيكالِيّ لم يُرْمَى بِه الوُصُول للقصر بقدر ما هُو للحدّ من تغلغل اليمين الظّلامِي الفرنسيّ وإيقافٌ لمُسلسل تجسِيد أوامر الأوليغارشِيا وخادمها ساركُوزِي ، جاءت الجولة الأولى من الإنتخابات بنتائِج أصدرَ على إثرها حزب العُمّال الشُّيُوعيّ الفرنسيّ بيانًا بتارِيخ 23 أبريل/نِيسان 2012* ، وبعد الجولة الثّانِيَة يُصدر البيان الآتِي :

أنْهَيْنَا مَهَمَّة : ساركُوزِي مُطاحٌ بِهِ

لم يُخْطِئ الشّعب وإتّخَذَ طرِيقًا صوابًا للتخلُّص من يمِينٍ خطِرٍ مُسْتعِدٍّ للتّحالُف مع أقصَى اليمِين لإستِكمال سياسة الإنحِدار الإجتِماعِيِّ والتّجزِئة ومُهاجَمَة مُنظّمَات النِّضال العُمّالِيّ ؛ زَخَمَ الجولة الأُولى الذِي أكَّدَ هَزِيمَة المخلُوع ثُـبِّـتَ و تَوَسَّع .

خاضَ ساركوزي النِّزاع حتى الدّقِيقَة الأخِيرة مُضاعِفًا خطواتَهُ نحو ناخِبِي "الجبهة الوطنِيّة" (Front Nationale) لِــيُطلِق على إمتِداد الأُسبُوع الأخِير إستفزازًا تِلْوَ الآخَر ضِدّ النّقابات والمُهاجِرِين مُردِّدًا أثطرُوحات يمين العمِيل النّازِيّ بيتان (Pétain) حول "العَمَل الحَقِيقِيّ" و"العُمّال الفِعْلِيِّين" بِــكَمٍّ مِن الحِقْد الطبقِيّ المحمُول كالرّايَة .
فَضَحَ خِطاب التَـيَـمُّـن الإضافِيّ نوايَا ساركُوزي في التّحالُف مع التطرُّف اليمِينِيّ من أجل السُّلطَة ضِدّ الطّبقَة العامِلَة والشّعب وضِدّ مُنظّماتِهِ السِّياسِيّة ، الإجتماعِيّة والنّقابِيّة . إستقبَل ناخِبُو الجبهة الوطنِيّة رسائِل ساركُوزِي إيجابِيًّا وذهبُوا للتّصوِيت الجماعِيّ لَــهُ وتوصِيَة السيِّدة لوبان (M.Le Pen) بالإقتراع الأبيَض لم تكُن مُلْزِمَةً لهُم وهُوَ ما يُفَسِّر عدد الأصوات المُرتفِع الحاصِلِ عليها المخلُوع في الجولة الثّانِيَة .

ولِـمَـن يعتقِد أنّهُ ليسَ إلاّ تكتِيك إنتِخابِيّ يستهدِفُ شفطَ أصوات الجبهة الوطنِيّة : إنّهَا إستراتِيجِيَا يعتزِمُ جُزءٌ من اليَمِين إتِّباعَها للفوز بالإنتِخابات أو في الغدِ في مقاعِد المُعارَضَة ؛ إستراتِيجِيا تحالُف سياسِيّ وإيديُولُوجِي الغرضُ مِنهُ تثبِيتُ مراجع اليمِين المُتطرِّف داخِل المُجتمَع وخَلق مناخ توتُّر دائِم وتفرِقَة وتجزِئة للسّماحِ للطُّغمَة بِتمرِير سياساتها التقشُّفِيَّة بِسُهُولة .

عبر طَرد ساركُزِي من منصبه على أعلى هرم الدّولَة تَمَكنَّا من الحيلُولَة دُون تحقِيق هذ السّيناريُو الأسوأ .

بدُون الزّخَم المُحَقَّق مُنذُ الجولة الأولى، كان الأمر سيكُونُ أكثرَ صُعُوبةً بكثير ، وفي خِضَمِّهِ تتموقعُ قُوّة ودينامِيكِيّة خُلِقَت بححملة "الجبهة اليَسَارِيَّة" ومُرَشّحها ميلونشُون ؛ إذ عبر النِّداء الفَوْرِيّ إثر الجولة الأُولَى بإقامة سدّ أمامَ ساركُوزِي ، وبِتحرِيك كُلّ الثِّقَل الإنتِخابِيّ والنِّضالِيّ للجبهَة وكافّةِ إمكانِيَّاتِها تكَرَّسَ التّأثِير الحاسِم على نتائِج الجولَة الثّانِيَة.
إضافةً إلى الرّغبَة في خَلْعِ ساركُوزِي ، تُوجَد المطالب الهائِلَة لعُمّال و مُوظّفِي و شَباب ونِساء الأوسَاط الشّعبِيّة المُتحَمِّلِين للعِبْء الأكبَر للأزمَة ولِسياسَات التقشُّف ، مطالِبُ كانت في قلب حملة الجبهة اليَسَارِيَّة وتمّ تداوُلها بشكلٍ واسِع ، ولن يتمكَّن فرنسوا هولاند (François Hollande) وحُكُومته المُزمَع تشكِيلها تجاهُلها وسنكُون بالمِرصاد للتّذكِير بِها ولِــفرضِها ؛ وهُو ما سيكُون الهدفُ في الإنتِخابات التّشرِيعِيّة : العَمَلُ على إنْتِخاب أقصَى ما يُمكِن من النُّوَّاب على قاعِدَة برنامج "الجبهة اليَسَارِيَّة" من أجل إستِكمال النِّضال في سبِيل تلبِيَة هذه المطالِب الحَيَوِيَّة للسّواد الأعظم من السُكّان بأكثَر وسائِلَ وآلِيّات .

تبدأ وضعِيّة سِياسِيَّة جديدة ، فالطُّغمَة لَها برنامجُها ومُتطلّباتها تتلخّصُ في الرّغبَة في تحمِيل العُمّال والشّعب تكالِيفِ أزمتِها عبر سياساتٍ محليّة وأُوروبيّة وعالمِيَّة ، وحالِيًّا الظرفِيّة تتميّز بِحملة حذف وظائِف تأخَّرَت بإرتِباط مع الإنتخابَات ؛ بِعِبارةٍ أُخرى ، الصِّراع الطّبقِيّ سيحتدّ ، ومن هُنا جاءت ضرُورة تدعِيم قُطب المُقاوَمَة الذي شكّلتهُ "الجبهة اليسارِيّة" ، وهُو ما أعرب عنه مُناضلُوها ومُكوِّناتها في مساء يوم الأَحَد 06/05/2012 في ذاتِ لحظة الفرحَة بالإطاحة بِــساركُوزِي عبر الهُتاف : "لن نترُكَ شيْئًا" (on ne lâche rien) والتغنِّي بِنَشِيد "الأُمَمِيَّة" .

يُجدِّدُ حزب العُمّال الشُّيُوعِيّ الفرنسِيّ التّأكِيد على إلتِزامهُ داخِل الجبهة اليسارِيّة وعَمَلهُ على تجذِيرها وإنغِراسها أكثَر فأكثَر داخِل الطّبقة العامِلة والشّعب ، وهِي الوسِيلة الوحِيدة للنِّضال بفعالِيّة ونجاعَة ضِدّ تأثِيرات الجبهة الوطنِيّة عبر ربطِ الكِفاح المطلبِيّ اليومِيّ بِــبِنَاء بديلٍ للسُّلطَة ؛ كما أنّها السّبِيل الوحِيد لتجنُّب تسرِيح خيبات أمل عبر تخْرِيطٍ مُتواصِل للرّجال والنّساء والشّباب والأقلّ شبابًا فِي بِناء هذا البدِيل بِــــتنظِيمهم وتأطِيرِهِم .

باريس 6 مايُو /آيار 2012
اللّجنَة المركزِيّة لِــحزب العُمّال الشُّيُوعيّ الفرنسِيّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
في اليُونان ، حصَل إئتِلاف يسارِيّ شبيه بالجبهة اليسارِيّة الفرنسِيّة على المرتبة الثّانِيَة في الإنتخابات التّشرِيعِيّة التي جَرَت في 6 مايُو ، وهِي نُقطة دعم للطّبقة العامِلة وأُجَراء وشباب هذا البَلَد فِي كِفاحِهِم البُطُولِيّ ضِدّ التقشُّف في مُربّعٍ مفرُوضٍ من التّرُويكا (الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي) ومن حُكُومة اليمِين و"الإشتراكِيِّين" اللّيرالِيِّين الذين عقبُوها .
............................................

* : بيان 23 أبريل/نيسان 2012
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=304930

#السموأل_راجي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات