أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - محمود جلبوط - من ذاكرة معتقل سابق 14














المزيد.....

من ذاكرة معتقل سابق 14


محمود جلبوط

الحوار المتمدن-العدد: 1092 - 2005 / 1 / 28 - 10:29
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


عند ما قذ ف بنا الخوف من بطش النظام وقهره إلى بلاد الغربة, خشية العودة إلى أقبيته في الوطن , حيث سلبنا مع أسرنا كل مقومات الحياة, فأفقد
الحياة الأسرية شروط استمرارها باعتداءاته ومحاصرته وقهره, وأرسى بنا في آخر المطاف على أرض ألمانيا, لم يساورني أي وهم حول صعوبات الحياة فيها, خاصة أنها لم تمنحني السلطات فيها حق اللجوء السياسي , وحصلت فقط على حق في إقامة محددة بالزمان والمكان , و وفقا لشروط إقامتي فأنا لا أملك الحق في الدراسة ولا حتى بدورة لغة ألمانية, ولا حق الإقامة على كل الأراضي الألمانية بحريتي إلا بعقد عمل وإلا فأنا مجبر الإقامة في المدينة التي منحتني حق الإقامة المؤقتة, والمدينة هذه نائية لا يتوفر فيها عمل وبالطبع لا يمكنني إيجاد عمل في مدينة أخرى إلا بمساعدة الآخرين بإيجاد عمل وسكن وهذا للأسف لم يتوفر, إن هذا يعني فيما يعنيه أنه ينبغي علي تعلم اللغة للتأقلم بمجهود شخصي, و يعني أيضا وهذا هو المهم, أنني محروم من اللقاء مع عائلتي وأولادي طالما لم أحز على حق اللجوء السياسي لأنني لا أستطيع لم الشمل ولا أستطيع دعوتهم لزيارتي, ولماذا لم يمنحني القاضي هذا الحق فإن للحديث صلة, وفيه فكاهة ما بعدها فكاهة سأفرد لهامقالا خاصا يخوض في نقاش حقوق الإنسان في ألمانيا مع أنني أتصور أن هذا من إختصاص داعية حقوق الإنسان الأستاذ هيثم مناع والأمنستي. أدرك أن هذه المعلومة ستكون مفاجأة لرفاقي في أوربا وعلى رأسهم الرفيق أبا زيد لأننا لم نتحدث في حيثيات قضيتي الخاصة وعواقبها . إن ما سبق يزيد من القهر في الغربة ويعقد الأمور أكثر, فالمغترب بهذه الظروف تتلاطمه نيران الشوق والقلق على الأحوال المعيشية للأسرة التي تركها فريسة لسياسةالتجويع التي ينتهجها النظام في الوطن, وكم يكون هذا صعبا على رجل مثلي قد قارب الخمسين بجسد أنهكته الرطوبة والزمن, فلقد اضطررت لإجراء عمل جراحي للفقرات القطنية في الظهر وآخر في غضروف الركبة, وغني عن القول ما يعنيه وجود سلعة قوة عمل رديئة مطروحة في سوق راسمالي يعاني ما يعانيه من بطالة. على كل حال هذا ليس موضوع الذاكرة, فبالعودة , فإنني عندما تفكرت بالذي أنا فيه من عجز عن إمكانية القيام بالأعمال الرديئة والصعبة راودتني ذاكرة عن الرفيق يوشع الخطيب, يوشع والشهير بأبوشفيع, الذي كان يمكنك أن ترى تضاريس الأرض محفورة على تقاسيم وجهه فوراللقاء به,, له جسم نحيل استهلكت الأرض منه كل الدهون وأبقت لأبو شفيع عضلات مفتولة و عزم أبطال و قلب رقيق وبصير.
كان يملك قوة كم حاولت قهرها عندما كنا نتامزح فأدعوه للمكاسرة فيغلبني, كان حينها في العقد الرابع على ما أذكر, ولكنه لا يقل عنا شبابا
عشرينيأ في العزم والقوة, تلحظ القوة والقساوة بادية على وجهه وحركاته النشيطة, قوة وقساوة تحدى بها عناصردوريةالمخابرات التي التي أتت لاعتقاله فاستطاع الهروب منها فحاصرت الدورية القرية لإلقاء القبض عليه فقاوم هو وزوجته العظيمة أم شفيع التي تصدت للفصيل الأمني الذي داهم المنزل, ليتمكن زوجهامن الفرار فأمر رئيس الدورية عناصره بإطلاق النار عليه فأصابوه في قدمه بالرصاص مما اضطره للتوقف, فتمكنوا منه واعتقلوه , واحتفظ جسمه بالرصاصة ذاكرة , و شاهدا على جريمة.
اعتدت وأبو شفيع , عندما يكون الجو ماطراَ أن نتمشى في ساحة التنفس كما كنا نسميها هناك, وأثناء مسيرنا كنت أسر له ما في صدري ويسر لي,
وكنت من حين لآخر أحتاج لأن أصغي معه لحكمة الفلاح الذي أمضى سنوات طوال منخرطا في صفوف الحزب يعمل في الأرض ولم ينسى أهميةأن يكون خريجا جامعيأ , كنا نمارس الرياضة الصباحية معاَ وعندما يراني أُكثر من التمارين الرياضية يعلق قائلاَ:على يسرك يا محمود
لا تكثر من ذلك, فكنت أرد عليه: دعني يا أبا شفيع, فلا نعرف ما تخبئه لنا الأقدار, فلربما عندما يطلق سراحنا, لا يعيدنا الجلاد إلى عملنا السابق
ويحاصرنا في لقمة العيش فنضطر للقيام بالأعمال الصعبة فأكون قد خبأت عضلاتي البيضاء التي أربيها الآن في جسمي للأيام السوداء القادمة.
كان يهزأ مني ويهز رأسه وينصرف, وعندما أعود وألتقي معه و غياث السيد في الساحة لنمارس متعتنا المشتركة بالمسير تحت زخات المطر الخفيفة
يتابع ما كان يود قوله لي أثناء الحصة الرياضية فيقول بكل الحكمة والهدوء التي تسم شخصيته:إنني أوافقك الرأي يا محمود ولكن على رسلك, عليك ألا تهلك جسدك بل تقويه, إن الجسد القوي هو أداتنا في الكفاح كما في المتعة , بقوته نواجه محاولة الجلاد لسحب الاعترافات منا, وبنبضه الهاديء
ننشد الوصول إلى المتعة, بدءاَ من تدخين السيجارة مروراَ بكل المسرات المتنوعة من فن وأكل وشرب, إلى النشوة في وصال الحبيب, وما بين المتعة الأولى والأخيرة مشوار طويل من الكفاح من أجل العيش, ومن أجل قيم نؤمن بها, هي التي تعطي للحياة معنى, أساسها الإنسان وشروط الإعتراف بوجوده. فأعقب على حديثه مقاطعا: ولكن في بلادنا لا وجود للإنسان ولا وجود للمتعة, ففي بلادنا يهدم الإنسان, و المتعة حرام, وإن توفرت لا نعرف كيف نتمتع بها, و دون هذا الشرط في الكفاح والمتعة, لانستطيع شيئاَ في هذه الحياة لا لأنفسنا ولا لغيرنا, وبقدر ما نحترم أجسادنا فينا, بقدر ما نحرض أقوى ما فينا من أجل أن يقاوم و يستمتع.
كم أتذكر هذرنا يا أبا شفيع, فلقد ضاع العمر كبتا وإرهابا إجتماعيا, وسجنا وإرهابا سياسيا , وتأتي الغربة تاليا ولا ندري ماسوف تضيع بعد فينا.



#محمود_جلبوط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من ذاكرة معتقل سابق 13
- من ذاكرة معتقل سابق 12
- من ذاكرة معتقل سابق 11
- 10من ذاكرة معتقل سابق
- من ذاكرة معتقل سابق 9
- الفرق بين فن الكتابة وفن الحكي والكلام
- إهداء مذاكرات المعتقل السابق
- توضيح وإقرار إلى أجهزة المخابرات السورية
- العمليات الفدائية الفلسطينية الأخيرة
- من ذاكرة معتقل سابق 8
- ديموقراطية ناقصة ..ولكن
- كفانا تابو
- من ذاكرة معتقل سابق7
- إلى أين الرحيل ؟
- من ذاكرة معتقل سابق 6
- من ذاكرة معتقل سابق 5
- من ذاكرة معتقل سابق 3
- 4من ذاكرة معتقل سابق
- من ذاكرة معتقل سابق 1
- من ذاكرة معتقل سابق 2


المزيد.....




- مقر حقوق الإنسان في ايران يدين سلوك أمريكا المنافق
- -غير قابلة للحياة-.. الأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد ت ...
- الأمم المتحدة تحذر من عواقب وخيمة على المدنيين في الفاشر الس ...
- مكتب المفوض الأممي لحقوق الإنسان: مقتل ما لا يقل عن 43 في ال ...
- مسئول بالأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد تستغرق 14 عاما ...
- فيديو.. طفلة غزّية تعيل أسرتها بغسل ملابس النازحين
- لوموند: العداء يتفاقم ضد اللاجئين السوريين في لبنان
- اعتقال نازيين مرتبطين بكييف خططا لأعمال إرهابية غربي روسيا
- شاهد.. لحظة اعتقال اكاديمية بجامعة إيموري الأميركية لدعمها ق ...
- الشرطة الاميركية تقمع انتفاضة الجامعات وتدهس حرية التعبير


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - محمود جلبوط - من ذاكرة معتقل سابق 14