أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - محمود جلبوط - 10من ذاكرة معتقل سابق














المزيد.....

10من ذاكرة معتقل سابق


محمود جلبوط

الحوار المتمدن-العدد: 1086 - 2005 / 1 / 22 - 10:35
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


كان يوماَ صيفياَ, عند ما هبطت إلى الباحة لأ راجع بعض الدروس الفرنسية, بعد أن أنهيت التمارين الرياضية اليومية, وتناول الفطور كالعادة, وأثناء
نزولي لمحت رضا جالساَ على ناصية الدرج الآخر, قلت لنفسي هذا جيد ساصعد إليه لأسأله عن بعض الكلمات و التعابير الفرنسية التي مرّت معي
أثناء مراجعتي للد رس الذي كان رضا قد شرحه لنا في اليوم السابق, من ساعتي تابعت طريقي إليه, كان ساهماَ يد خن سيجارته ويرتشف قهوته
بالطريقة إياها الخاصة به هو وحده, ألقيت التحية و جلست بقربه على إحدى الد رجات, رد تحيتي وهو مازال يمد نظره في الأفق ساهماَ, كان يبدو
حزيناَ, سألته: ما بالك ساهم وحزين. أجابني: أشعر أنني متوعك قليلاَ. قلت له: أمن أجل ذلك تغيبت اليوم عن حصة الرياضة . رد علي بالإيجاب,
لم أرغب أن اتابع ما كنت قد أتيت من أجله واستأذنته ان أدعه لوحده فربما كان يريد الإنفراد بنفسه, فكثيرا من الأحيان,هناك, ما كان الواحد منا
يحتاج من حين لآخر الإنفراد بنفسه, ليحلم أحلام يقظته, ليجمع صور الأحبة خارج الأسوار تؤنسه قليلاَ, تخفف عنه صدأ اللون الأصفر الشاحب
ورائحة الرطوبة, أو ليمارس بعض الكتابات يحملها بوحه للحبيبة أو للأم عندما يتبقى أم, او للإبنة والإبن عندما يكون هناك إبنا أو بنتاَ, أو
يمارس بعض اليوغا ليمرّن روحه تتحمل ثقل الزمن الرتيب الذي لاينتهي,و كثيراَ ما كان يطيب هذا لرضا.
استأذنته وهممت بالانصراف لكنه طلب مني ان أبقى, فكثيرا ما اعتاد كل منا أن يبث شجونه للآخر, بقيت وحاولت ألطف وحشته في وحدته فقلت:
إن الواحد منا في حالة المرض يصبح أكثر شفافية ورونقاَ فإني أرى رونقا وصفاء في عينيك, أجابني: لكنك لا ترى الخراب الذي يثوي في القلب
قلت له:سيزول عندما نعانق حريتنا وأحبتنا, أجابني:لا يمكن أن يزول بسهولة, سترى يا محمود أنه لن يزول أبداَ خاصة إذا كان الواحد منا قد
خسر حبيبته وطفلته وتمزقت اواصرهم مثلنا .أحزنني كلامه, وساد بيننا دقائق من الصمت, فاجأني بسؤاله:هل نظرت يوما إلى نفسك عارياَ
في المرآة وتملّيت جسدك طويلاَ ؟ لقد تعودت من رضا من حين لآخر بعض الأسئلة الفنتازيا لكن في مواقف كوميدية و ليس في موقف حزين كهذا.
أرفق رضا جوابه وكأنه طرح السؤال على نفسه: إن جسد الإنسان هو كمال الطبيعة في تتطورها المتواصل, فهو مقد س علينا أن لا نتعامل معه
باستهتار, فمن يزدريه لايعتبر بالنسبة له أي شيء يستحق الإحترام , حاول أن تتأمل جسدك مرة في المرآة فستزداد قناعة أن الحياة شديدة
التنسيق والجمال, وأن علينا الحرص عليها واحترامها وإلاّ كيف يمكننا تحمل صعوباتها و تحدي أخطارها وتحلّينا على القد رة للنهوض دائماَ
من جديد بعد كلّ تعثر. تفكرت في كلامه طويلاَ, و لمع في ذهني سؤالاَ من وحي تجربة التعذيب التي كنا قد عانيناها, وكانت تجربته أقسى من
تجاربنا, فقد أفاد تحقيق المحققين أن آخر من التقى الرفيق الأمين الأول(رياض الترك)هو رضا, وحينها كانت الأجهزة الأمنية تطلب رأس الأمين الأول
بإلحاح ومن أجل ذلك كثفت التحقيق معه ومع الرفيق فرحان نيربية لمعرفة مكان رياض بتعذيبهما بشكل وحشي. سألته:إن كنّا سنعتني بأجساد نا كلّ
هذا الإعتناء, وندلّلها كلّ هذا الدّ لال , فكيف لأجسادنا بعد ذلك, أن تتحمّل كلّ الإهانات من ضرب وسحل وفسخ وصلب وتعريض للكهرباء,إنني أرى
عكس ما تراه, فعلينا في ظلّ هذه الأنظمة أن نتد رّب على إهانة أجسادنا, أن نروّضها لاحتمال أقسى أنواع التعذيب, علينا أن نتقن كيف نسعى أن
نجعل أجسادنا ميتة لتستطيع, هناك, في أقبية تعذيبهم أن تكون محايدة, نائمة لا تشعر بالألم ولا بالضيق, ولا بحاجاتها الفيزيولوجية, لأن رهاننا
الوحيد والأخير هو في قد رتها على التحمّل والمقاومة, لأنّ الجلا د يدخل إلينا من خلا ل أجسادنا للحصول على اعترافاتنا, وإضعافنا, وإهانتنا, لهذا
علينا أن ندمرها قبل أن يدمرنا الجلاّد بها. نظر إليّ رضا معترضاّ, وقطع حوارنا باحتجاج قائلاَ: لهجتك قاسية هكذا دائماَ كلغة مقاتل, تسكنك دائماَ
نزعة مقاتل, لقد بدأت حياتك شبلاَ مقاتلا وستنهيها عجوزا مقاتل, ثم صمت.


محمود



#محمود_جلبوط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من ذاكرة معتقل سابق 9
- الفرق بين فن الكتابة وفن الحكي والكلام
- إهداء مذاكرات المعتقل السابق
- توضيح وإقرار إلى أجهزة المخابرات السورية
- العمليات الفدائية الفلسطينية الأخيرة
- من ذاكرة معتقل سابق 8
- ديموقراطية ناقصة ..ولكن
- كفانا تابو
- من ذاكرة معتقل سابق7
- إلى أين الرحيل ؟
- من ذاكرة معتقل سابق 6
- من ذاكرة معتقل سابق 5
- من ذاكرة معتقل سابق 3
- 4من ذاكرة معتقل سابق
- من ذاكرة معتقل سابق 1
- من ذاكرة معتقل سابق 2


المزيد.....




- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة
- زاهر جبارين عضو المكتب السياسى لحماس ومسئول الضفة وملف الأسر ...


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - محمود جلبوط - 10من ذاكرة معتقل سابق