أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبد الحسين شعبان - الحركة الطلابية















المزيد.....


الحركة الطلابية


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3687 - 2012 / 4 / 3 - 17:26
المحور: مقابلات و حوارات
    


حوار مع الأكاديمي والمفكر الدكتور عبد الحسين شعبان -6
أجراه: توفيق التميمي

(القسم السادس )

الحركة الطلابية
* كيف تنظر إلى الدور الطلابي في الفعالية السياسية على ضوء تجربتك الذاتية بصفتك أحد الناشطين في الحركة الطلابية اليسارية منذ نهاية العهد الملكي، وأحد قادتها البارزين لاحقاً حتى مجيء حزب البعث ثانية إلى السلطة العام 1968 وما بعده؟

- في البلدان النامية ومنها بلدنا العراق، لعبت الحركة الطلابية دوراً مهماً في الحركة الشعبية في مختلف العهود، بحكم كون الطلبة فئة واعية ومثقفة، وهم ينحدرون من فئات وطبقات اجتماعية مختلفة، لكن ما يجمعهم هو الأهداف المهنية الموحدة. وتتأثر الحركة الطلابية بشكل سريع بالتحولات التي تجري حولها، وغالباً ما تبدأ ردود الفعل منها، بحكم عنصر الشباب والحيوية وروح الاندفاع والحماسة والتنوّر، فضلاً عن كونهم يعيشون في مراكز تجمّع كبيرة كالجامعات والمدارس والأقسام الداخلية، التي توّفر فرصاً مناسبة لتبادل الرأي والتأثير والتحشيد لاتخاذ موقف معين.
الطلبة والشبيبة بشكل عام تميل إلى التجديد والتغيير، ورفض القديم وتقبّل الأفكار الحديثة والمبادئ التقدمية التي تلبي طموحاتهم وآمالهم، لذلك لعبوا دوراً في إشعال فتيل الانتفاضات والوثبات الجماهيرية، ضد الاستعمار والامبريالية والحكومات المستبدّة والدكتاتوريات. وإذا كان هذا الكلام ينطبق على الماضي، فلعلّه بعد نجاح انتفاضتي الياسمين في تونس وانتفاضة النيل في مصر، وانتشار حركة التمرد والتغيير في العالم العربي كلّه من أقصى المحيط إلى الخليج، يصّح إلى حدود كبيرة وحاسمة، حيث لعب الشباب دوراً ريادياً وطليعياً في التفكير والتخطيط والادارة والتنفيذ.
وقد سعت الحركة الطلابية لتنظيم نفسها منذ وقت مبكر، لاسيما بعد تأسيس الدولة العراقية في العام 1921 وتأسيس المدارس الحديثة، حيث ظهرت لجاناً لا صفّية للنشاطات الاجتماعية والفنية والرياضية، وكانت أولى النشاطات الجامعية في مدرسة الحقوق التي تأسست في العام 1908 وتحوّلت لاحقاً إلى " كلية الحقوق" وفي كلية الطب التي تأسست في العام 1927.
ولعل باكورة عمل الحركة الطلابية هو قيادتها لتظاهرة 8 شباط (فبراير) العام 1928 ضد زيارة الداعية الصهيوني الفريد موند إلى بغداد واصطدمت مع الشرطة معبّرة عن احتجاجها وسخطها للسياسة البريطانية إزاء فلسطين وإدانتها لوعد بلفور العام 1917 واتخذت السلطات الحكومية اجراءات تعسفية بفصل عدد من طلبة المدارس بينهم مدرسة الاعدادية المركزية في بغداد. كما ساهمت في رفض، معاهدة العام 1930 مع بريطانيا وفي الدعوة للإضراب العام في تموز (يوليو) 1931، ويمكن القول أن مهمات التحرر الوطني امتزجت بالمهمات المهنية إلى حدود كبيرة، خصوصاً في سنوات الحرب العالمية الثانية.
ومن المحاولات الأولى لتأسيس أول اتحاد طلابي كانت مبادرة عدد من الطلبة لتقديم طلب إلى السلطات الملكية لعقد مؤتمر طلابي العام 1945 وطالبت الترخيص لها للمشاركة في مؤتمر للطلبة العرب، الاّ أن الحكومة رفضت الطلبات المذكورة واعتقلت مقدميها، وكانت وثبة كانون التي أسقطت معاهدة بورتمسوث العام 1948 مناسبة جديدة لتشكيل لجنة طلاب الكليات والمعاهد وهي الظهير للجنة التعاون الوطني (اللجنة التي شكّلتها الأحزاب الوطنية).
وقد فرضت هذه اللجنة حضورها بعد الوثبة وبعد استشهاد عدد من الطلبة بينهم شمران علوان وقيس الآلوسي وجعفر الجواهري، وعملت لتأسيس إتحاد الطلبة العراقي العام، الذي انعقد في ساحة السباع يوم 14 نيسان (ابريل) 1948 ومثّل 52 كلية ومعهداً ومدرسة وحضره 102 مندوب، وكان الجواهري شاعر العرب الأكبر ضيف شرف عليه وألقى قصيدته الحماسية الشهيرة والتي يقول في مطلعها:
يوم الشهيد تحية وسلامُ بل والنضال تؤرخ الأعوامُ
وإستبدل الجواهري يوم الشهيد "بيوم الشباب" مما أثار حماسة المشاركين، الذين حمتهم فصائل عمالية شيوعية ونقابية. وجرت الإشارة إلى أن الاتحاد يمثل طلبة العراق عرباً وأكراداً وأقليات، وتدريجياً تحوّل الاتحاد إلى منظمة جماهيرية وأصدر جريدة باسم "صوت الطلبة" التي تحوّلت لاحقاً إلى "كفاح الطلبة". وشارك الطلبة في انتفاضة تشرين الثاني (نوفمبر) ضد قانون رجعي للعام الدراسي 1952-1953، بشأن الدراسة في كلية الصيدلة والكيمياء وامتدت الشرارة لتشمل بغداد وعددا من المحافظات، كما شارك بفضح حلف بغداد الاستعماري العام 1955، وبعدها شارك على نحو فعّال بانتفاضة العام 1956 انتصاراً للشقيقة مصر ضد العدوان الثلاثي، وخلال تلك السنوات دفع ثمناً غالياً باستشهاد عدد من قياديه في سجن بغداد وسجن الكوت بينهم موسى سليمان عضو اللجنة التنفيذية ورؤوف صادق الدجيلي، كما استشهد قبلهم نعمان محمد صالح في إضراب سجن بغداد العام 1951 واستشهد عواد رضا الصفار وأحمد الدجيلي العام 1956. ومهّد الاتحاد مع القوى الأخرى للتحضير لجبهة الاتحاد الوطني.
وساهمت الانتفاضة والأجواء الإيجابية التي خلّفتها قيام الجبهة بانتعاش عمل الاتحاد في أواخر العام
1956 والعام 1957-1958 وخلال هذه الفترة انتظمنا في حلقات أصدقاء وشاركنا في فريق رياضي (بإسم أشبال الاتحاد) وكان إسم الفريق " الاتحاد" ويرأسه عبد الرضا فيّاض الذي حكم لمدة عام وعام آخر تحت المراقبة. في هذه الأجواء المفعمة بالثقة والتفاؤل والتجربة المحدودة على الرغم من الاشتراك بتظاهرات العام 1956 نجحت ثورة 14 تموز (يوليو) 1958، التي عززت من دور الحركة الطلابية، لكنها في الوقت نفسه أحدثت شرخاً كبيراً في صفوفها، وقد انعكس الصراع الشيوعي – البعثي، القومي عليها.
وعلى الرغم من إجراء انتخابات للمؤتمر الثاني والثالث للاتحاد وفوز قوائمنا، الاّ أن الأمر زاد تعقيداً، وبدأت أشعر أن هناك قوى أخرى خارج الاتحاد. ولعل النقطة الفاصلة كانت بانعقاد المؤتمر السادس لاتحاد الطلاب العالمي في بغداد العام 1960، الأمر الذي دفع القوى البعثية والقومية إلى التفكير بإطار مستقل فشكّلت الاتحاد الوطني لطلبة العراق في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 1961، الذي إنضمّ إلى منظمة الكوسك " الندوة الطلابية العالمية" اليمينية والمشبوهة بتعبيرات الصراع آنذاك.
ولعل تأسيس الاتحاد الوطني لطلبة العراق كان مقدمة لقيادته إضراباً واسعاً تمهيداً للإطاحة بحكم عبد الكريم قاسم، وكنت مع نفسي قلقاً وضمن حدود تجربتي لا أجد تفسيراً مقنعاً، فمن جهة نحن ضد قاسم وسياساته الداخلية، باستثناء الشحنات الإيجابية التي كنّا نضعها في ميزان السياسة السلبية على المستوى الداخلي، لكننا في الوقت نفسه لا نريد الإطاحة به، بل نصرّ في الدفاع عنه، وتلك إحدى مفارقاتنا. كنت مثل غيري من الطلبة الشيوعيين والاتحاديين ضد الإضراب، الذي اعتبره الحزب عملاً سياسياً تآمرياً للإطاحة بالسلطة الوطنية، التي مثّلها قاسم.
وقد استعدتُ هذا المشهد لاحقاً مع تبادل المواقع، فقد كان الحزب الشيوعي بجناحيه، لاسيما القيادة المركزية، تريد الإطاحة بحكم عارف، ونظمنا إضراباً شاملاً بدأ في كلية الزراعة ثم امتدّ إلى 3 كليات ليشمل جامعة بغداد بأسرها في أواخر العام 1967 وأوائل العام 1968 وتصدّت لنا السلطة بالرصاص في حينها، خصوصاً في كلية التربية وسقط عدد من الجرحى، وانتظمت الغالبية الساحقة من الحركة الطلابية في مسيرة احتجاجية ضمّت نحو 10 آلاف طالب وتقدّمت بمذكرة إلى رئاسة الجامعة، لكن حزب البعث لاسيما جناح البكر -صدام وقف ضد الاضراب وحاول كسره بالقوة، علماً بأن القوميين وجناح سوريا لحزب البعث والحركة الكردية، كانت جميعها مع الإضراب ومشاركة فيه بفاعلية غير قليلة، وهكذا طغت السياسة على الحقوق المهنية.

لم يكن موقفنا في العام 1962-1963 صحيحاً بالوقوف ضد الاضراب، وكان يمكن تبنّي بعض المطالب النقابية المشروعة والمشاركة فيه وقطع الطريق على القوى الأخرى لقيادته، وقد نجحت في ذلك بالفعل، مثلما كان موقف حزب البعث خاطئاً ومتواطئاً مع سلطة عارف العام 1967-1968، عندما وقف ضد المطالب النقابية الطلابية.
الفارق بيننا وبينهم، هو أننا كنّا نقدّم أنفسنا وخدماتنا للآخرين دون أن يُطلب منّا، في حين أنهم قدّموا خدماتهم تحضيراً لانقلاب عسكري في المرتين الأولى في العام 1963 والثانية في العام 1968. وفي المرتين دفعنا الثمن غالياً، والأكثر من ذلك هناك من أخذ يبرر حلّ اتحاد الطلبة لاحقاً واخترع فكرة "تجميده" بعد قرارات صدرت من مجلس قيادة الثورة بإنزال عقوبات غليظة بمن يعمل بمنظمة غير مرخّصة، واعتبر ذلك ضد مشروع الجبهة الوطنية، بل هناك من تطوّع لمخاطبة المجتمع الطلابي الدولي، بقبول الاتحاد الوطني وإلغاء عضوية إتحاد الطلبة العام 1976 بحجة الحفاظ على الجبهة الوطنية العتيدة.
لم تفلح المفاوضات التي كنت قد ساهمت بها بجدية ومسؤولية مع لؤي أبو التمن الوجه الطلابي المعروف والشخصية الديمقراطية البارزة وعضو الوفد المفاوض في التوصل إلى إتفاق مع الاتحاد الوطني، على الرغم من تخرّجنا من الجامعة في حينها، وقد كنت مفاوضاً أيضاً باسم الحزب الشيوعي في الجمعية العراقية للعلوم السياسية التي ساهمنا في تأسيسها آواخر العام 1967.
لم تنجح الجهود بسبب تعنّت قيادة حزب البعث آنذاك ومحاولاتها إملاء بعض شروطها. وإذا استعدت تلك الأيام فيمكنني أن أستذكر أن المفاوضات كان يفترض أن تبدأ مع الاتحاد الوطني بقيادة ناظم كزار الذي أصبح مديراً للأمن العام، ورفضنا ذلك بشدّة، لكن المفاوضات الحقيقية ابتدأت مع كريم الملاّ رئيس الاتحاد لاحقاً ووزير الشباب والسفير فيما بعد، وللتاريخ أقول فقد كان مرناً ومتفاهماً ويرغب في التوصل إلى اتفاق معنا، ويشاركه في ذلك محمد دبدب وآخرين، لكن وجود حسن المطير في الوفد المفاوض معهم كان بمثابة لغم اكتشفناه بعد اجتماعين من الصديق طيب محمد طيب وفاضل رسول ملاّ محمود (الذي اغتيل مع عبد الرحمن قاسملو في فيينا في العام 1988 واتهمت الحكومة الإيرانية بذلك) والذي أخبرنا بإيعاز من الطيب بإسمه وصفته وكونه أحد الجلادين الأساسيين في قصر النهاية وكان يحضر اجتماعاتنا باسم " فيصل".
دعني أخبرك بأن أول لقاء تم بيننا كان بحضور كريم الملاّ وعصام البصّام /كلية الصيدلة، من حزب البعث وصباح عدّاي (من الحركة الاشتراكية) وعزيز حسون عذاب (من الحزب الشيوعي- اتحاد الطلبة وعبد الحسين شعبان رئيس الوفد)، وقد أبلغنا صباح عدّاي بموعد اللقاء كما أبلغنا الملاّ الذي رحّب كثيراً، واعتبر موقفنا إلتزاماً سياسياً بالحركة الاشتراكية، وحصل اللقاء في مقهى الربيع على شارع أبو نواس بناء على اقتراحنا.
وعند احتدام النقاش وكنت أمسك ببيان كنّا قد أصدرناه في حينها وكان كريم الملاّ قد أخرجه من جيبه تضمّن اعتراضات وانتقادات على السياسة الأُحادية التمييزية للاتحاد الوطني، وكنت أناقش فيه الملاّ بخصوص الأقسام الداخلية والقبول الجامعي، والدراسات العليا، والبعثات، والحريات النقابية وغيرها، وإذا بالمقهى يطوّق من جميع الجوانب، وكان أحدهم قد تقدّم مني ووضع المسدس فوق رأسي وسحب البيان من يدي وطلب هوياتنا. كان عدد الذين طوّقوا المكان نحو 25 شخصاً، ولم أعرف كيف أجيب سوى أنني وجهت الكلام إلى صاحب المسدس قائلاً: لدى الاستاذ كريم، وقد انفعل كريم الملاّ جداً، وسأله بحدّة من الذي أرسلكم فقال له: أعطني هويتك ودون سؤال، وعندما فتش الملاّ عن هويته وجدها وكان مكتوب فيها "مجاز بحمل السلاح بأمر من مجلس قيادة الثورة- التوقيع شفيق الدراجي (أمين سرّ المجلس- كما أطلعني عليها حسبما أتذكّر).
وبعد أن إطّلع رجل الأمن ومن معه على الهوية خاطب كريم الملاّ: قائلاً عفواً سيدي، واستمرّ الملاّ يلحّ عليه من أرسلكم: أجاب: ملازم أمن عبدالرزاق- والاتصال جاءنا من مركز البتاوين، وهذه الإخبارية كانت بهدف إلقاء القبض على اجتماع شيوعي، فأجابه الملاّ :نحن نتفاوض مع رفاقنا الشيوعيين، ثم انسحب رجال الأمن وبعد انسحابهم خاطبني الملاّ: لقد رفضتم الجلوس معنا في مقرّاتنا، ونحن نعلم أنه حتى ليس لديكم مكان للاجتماع، فجئنا إلى المقهى وحصل ما حصل، تصوّر أنني لو نسيت هويتي ماذا ستقولون؟ ألستم ستشكّون أننا نصبنا لكم كميناً، قلت له وما زال الشك قائماً، وهو أمرٌ وارد، لكنه قد لا يكون من طرفك!
ثم قررنا عقد اجتماعاتنا لاحقاً بعد ابلاغ قيادة الحزب الشيوعي في مقر الاتحاد الوطني وكان هذا رأيهم، لطالما أننا نتحاور ومعروفون لديهم، ومن الجدير بالذكر أن مجلة الصياد اللبنانية حينها نشرت أن لقاءات شيوعية تجري في عدد من مقاهي أبو نواس وسمّت منها مقهى رعد بالتحديد، تلك التي كنّا نرتادها، مساءً إضافة إلى مقهى "زناد" و"عارف آغا" و"الشابندر" و"البرازيلية" وهذه كانت أماكن للقاءاتنا ظهراً أو عصراً، أما المواعيد فكانت معظمها في الشوارع العامة وفي مواقف الباصات وفي بعض الصيدليات أو المكتبات.
أما ما يتعلق الجمعية العراقية للعلوم السياسية فقد توصلنا إلى اتفاق مع حزب البعث، حيث كان يفاوض عنهم حامد الجبوري لجلسة واحدة، وفيما بعد محمد محجوب، ومجبل السامرائي لاحقاً، ولعلّه أول اتفاق حصل بعد 17 تموز (يوليو) والذي ساعد في انضاج الاتفاق والتوصل إلى نتائج إيجابية، مردّه إيجابية السامرائي ومرونته، وقبل ذلك الأجواء التي وفّرها زهير يحيى القيادي البعثي الذي كان صديقاً شخصياً لي، وكان متفهماً ويرغب في تقديم كل شيء للوصول إلى اتفاقات مع الشيوعيين، لكنه للأسف الشديد، كان هو الآخر أحد ضحايا العسف والصراعات الداخلية، وتوفّي في ظروف غامضة بعد عزلة مريرة، وكان قد أُختير عضواً احتياطياً في قيادة حزب البعث في المؤتمر القطري الثامن العام 1974.
وكان قد مثّلنا في الجمعية العراقية للعلوم السياسية نعمان شعبان واقترحنا معه أحد المستقلين، لكنه بعد فترة انتمى إلى حزب البعث، ومثّل الحركة الاشتراكية صباح عدّاي وترأس الجمعية طه الحديثي ممثلاً عن حزب البعث ومثّل الأكراد طيب محمد طيب واستقبل الرئيس أحمد حسن البكر الهيئة الإدارية، لكنه لم تمضِ سوى أشهر معدودة الاّ وتعرّض صباح عدّاي للاعتقال وكذلك سمير العاني واختفى هاني إدريس الذي كان يفاوضنا من طرف الحركة الاشتراكية، وصدر أمر بإلقاء القبض عليّ، إضطررت إلى الإختفاء لبضعة أسابيع ثم الذهاب إلى كردستان وبعدها العودة إلى بغداد، والذهاب بعدها إلى الكويت، ومنها إلى الشام فبيروت ثم إلى أوروبا، كما انقطع نعمان شعبان عن الذهاب إلى الجمعية، حتى تم حلّها ودمجها بجمعية الحقوقيين العراقيين.
عندما حدث انقلاب 17 تموز (يوليو) كان زهير يحيى عضواً في قيادة فرع بغداد، ثم أصبح مسؤولاً عن وزارة الخارجية، ثم مسؤولاً عن تنظيمات مدينة الثورة (الصدر حالياً) وبعدها مسؤولاً عن الموصل، ثم انقطعت أخباره المباشرة عنّي، وكنت قد عرفته قبل 17 تموز بنحو سنتين، وكنّا نناقش أوضاع العراق، يوم كان عائداً من لندن وأكمل دراسته معنا، وكان مثقفاً ومنفتحاً ومعتدلاً، وكانت همومه عراقية وأكبر من حزب البعث، وأعتقد أنه من المخلصين لقضية اللقاء الشيوعي – البعثي، لاسيما بتوجهاته اليسارية وقد طلب مني قبل 17 تموز (يوليو) أن يعرف موقف الحزب الرسمي من إحتمال استلام حزب البعث السلطة بالتعاون مع آخرين، وهل لديه استعداد للتعاون معه، قبل أو بعد ذلك وقلت لهم أظن أن قنوات أخرى أهم منّي لمعرفة رأي الحزب، لكنه طلب مني شخصياً، وكتبت رسالة إلى المكتب السياسي أعلمه بذلك وجاء الجواب سلبياً، أو قل مشروطاً بشروط قبل الوصول إلى السلطة ، لكنه بعد الوصول إلى السلطة تغيّر الموقف.
ودعاني على ما أتذكر على العشاء في مطعم سميراميس (في الكرادة) وذلك بعد 4 أيام من احتفالنا بساحة السباع، حيث تم إطلاق الرصاص علينا وسقط ثلاث شهداء و12 جريحاً و42 معتقلاً في الوقت الذي كان صادق جعفر الفلاحي يلقي كلمته. وكان معنا في اللقاء: أحمد سعود الذكير، وعبد الحسن الحاج راهي الفرعون، وسمير الشيخلي، ومجبل السامرائي، ومالك العاني، وأعتقد ان زهير يحيى في تلك الفترة كان مسؤولهم جميعاً أو مشرفاً عليهم. وعاتبتهم بشدّة على ما حصل في ساحة السباع قائلاً أهذا هو الطريق للجبهة كما تقولون؟ ومن المسؤول عن ذلك: أليس صدام التكريتي؟.. وعلى الرغم من أنه أدان العمل الإجرامي كما سماه، ولعل الأحياء ما يزالوا يتذكّرون ذلك اللقاء، لكنه رفض أية علاقة لصدام حسين بالحادث، وحاول إلصاق التهمة ببقايا أجهزة نظام عارف ومعاداة الشيوعية والتصدّي لأي عمل معارض.
وعندما أخبرته بأننا كنّا قد بلّغنا قيادة البعث وأخذنا موافقة مبدئية بعدم التصدّي لنا، أجاب مهما كانت المسؤولية، فليس هناك قرار حزبي بضرب الشيوعيين، بل بالعكس، لاسيما بتمييز جماعة اللجنة المركزية عن جماعة عزيز الحاج، الذي كانوا يناصبونه مثلما يناصبهم العداء، لكن ذلك لم يقنعني بالطبع وهو ما ذكرته له وللحاضرين، وأعتقد أن جبار كردي وستار كردي المتهمين الأساسيين بإطلاق النار والقتل، كانا يعملان في جهاز خاص، هو إمتداد لجهاز حنين أو "العلاقات العامة" السري الذي تم تأسيسه بعد 17 تموز (يوليو)، وهذا الجهاز كان بإشراف صدام حسين ومعه سعدون شاكر ومحمد فاضل وناظم كزار وعلي رضا باوه وآخرين. وعلى الرغم من اعتقالها لفترة بسيطة تم إطلاق سراحهما، ثم دبّرت لهما عمليات اغتيال على الطريقة المعروفة، والمهم اختفى كل أثر لهما، ولم تتم الإشارة إلى التحقيقات بخصوص تلك الجريمة.
لا أنسى ما نقله لي زهير يحيى من اندساس لأحد الأشخاص الذي كان قد تقدّم برسالة للحزب عن طريقي، ولكنه تم إلقاء القبض عليه وهو محسوب على القيادة المركزية، لكنه أطلق سراحه بعد 17 تموز (يوليو) أو قبيلها بأيام، وكان على اتفاق للعمل مع الأمن براتب قدره 15 دينارا شهرياً. أخبرني بالمعلومات الكاملة قائلاً: لعل من واجبي ألاّ أخبرك، فأنتم ما زلتم خصومنا، ولست راغباً بشيء، لكنني من جانب الوفاء للصداقة الشخصية فقط، وعليك أن تتصرف بالطريقة التي تراها مناسبة، سواءً بإبلاغ الحزب أو دون إبلاغه، لكن تأكّد يا فلان أن الشخص المعني يعمل لحساب الأمن، ثم قال يعمل لحسابنا الآن، فنحن الحكومة، لكن ذلك يشعرني بالحرج إزاء الصداقة.
وعندما كنت أستمع إليه، قال لي لا أريد منك جواباً، فأنتم أعرف بمثل هذه الأمور، وكنّا قد وضعنا علامة استفهام قبل ذلك حول الشخص المعيّن، وبرّرنا عدم ضمّنا له لأسباب فنّية وظروف خاصة، ثم بالتدريج قطعنا صلته الاتحادية، التي بقيت معي، وكانت صلته الحزبية مقطوعة، باستثناء علاقته بي. أسوق ذلك الآن لأن العلاقات السياسية تردّت إلى حدود لا أخلاقية لاحقاً ليس بين القوى السياسية بعضها مع بعض، بل حتى داخل الحزب الواحد، لدرجة أن البعثي يخاف من البعثي أكثر مما يخاف من الآخرين، وراجت عمليات كتابة التقارير و"كسر الرقاب" كما يقال، وهي عادة الأنظمة الشمولية جميعها التي تسود إلى درجة مريعة، لكنها في العراق وفي ظروف التخلّف والبداوة والقروية والشكوك المستحكمة، كانت صارخة، وأدّت إلى تدمير المجتمع العراقي، حين أصبح الأخ يخاف من أخيه، والأب من إبنه أو إبنته والزوج من زوجته، وأعتقد أن الجميع يعرفون قصصاً مثيرة عن ذلك، وهناك أمثلة فاقعة، لاسيما ما حصل في مجزرة العام 1979 "المؤامرة المشهورة" والتي أودت بثلث القيادة القطرية وتم تنفيذ حكم الاعدام بـ 22 بعثياً وحكم على 33 منهم بعقوبات غليظة، وروى لي بعضهم (فارس حسين وغسان مرهون) قصصاً أقرب إلى الخيال عن التعذيب، ولم يخرج منهم في العام 1983، أي بعد أربع سنوات، سوى 17 شخصاً، أما البقية الباقية فقد فارقت الحياة في السجن.
سافرت خلال فترة المفاوضات وعشية الانتخابات الطلابية (الجامعية) إلى براغ ومنها إلى كراكوف (بولونيا) لحضور مؤتمر تحضيري لميلاد لينين(الذكرى المئوية) وحلّ محلي إضافة إلى لؤي أبو التمن، حميد برتو وهو من القيادات الطلابية البارزة ووجه وطني واجتماعي، وقد عرفّناه بإسم " أبو رياض" خلال الجلسة المشتركة التي حضرناها سويّة وبهدف التعارف، وظل حسن المطير بعد عودتي وسفر حميد برتو إلى براغ يسأل عن أبو رياض. جدير بالذكر أن الذي قام لاحقاً بتعذيب لؤي أبو التمن في قصر النهاية هو حسن المطير، وحين كان معصوب العينين ومعلّقاً، كان يسمع أحياناً صوت حسن المطير ويستطيع أن يميّزه عن غيره، مثل سالم الشكرة، لأنه كان يجلس معه وجهاً لوجه لأكثر من عام ونيّف في المفاوضات، وكان محمد دبدب رئيس الاتحاد الوطني لاحقاً قد استذكر في حوار تلفزيوني معه العلاقات الايجابية التي جمعتنا وهو أمرٌ صحيح تماماً، لكن هذا الوجه السلبي والقمعي واللاأخلاقي ساد بالتدريج وغلب على كل شيء، بما فيه على البعثيين أنفسهم الذين أصبح بعضهم من ضحاياه، بينهم الصديق محمد دبدب



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من هو العراقي؟
- الحركة الوطنية بقضّها وقضيضها لم تكن ناضجة
- ماذا بعد الربيع العربي!
- قراءتنا للماركسية كانت أقرب إلى -المحفوظات-
- المساءلة: عدالة أم انتقام؟
- الماركسية تحررت واستعادت عافيتها بعد تخلّصها من البطريركية ( ...
- حلبجة: العين والمخرز! - شهادة عربية حول حلبجة والأنفال
- “إسرائيل” . . من حل الصراع إلى إدارته
- البارزاني في ذكرى رحيله الثالثة والثلاثين..الكاريزما الشخصية ...
- الأمن أولا والحرية أخيراً.. والعنف بينهما
- العدالة وإرث الماضي
- الجنادرية والروح الجامعة
- العدالة الانتقالية وخصوصيات المنطقة العربية
- العدالة الانتقالية: مقاربات عربية للتجربة الدولية!
- كلام في ثقافة التغيير!
- الهوِيّة الوطنية والربيع العربي
- الربيع العربي منظور إليه استشراقياً
- فريضة التسامح وجدلية القطيعة والتواصل!
- مصير الإمام موسى الصدر: متى خاتمة الأحزان؟
- التواصل والقطيعة في فريضة التسامح


المزيد.....




- اغتيال بلوغر عراقية شهيرة وسط بغداد والداخلية تصدر بيانا توض ...
- غالبية الإسرائيليين تطالب بمزيد من الاستقالات العسكرية
- السعودية.. فيديو لشخص تنكر بزي نسائي يثير جدلا والأمن يتحرك ...
- صحيفة: بلينكن سيزور إسرائيل الأسبوع المقبل لمناقشة صفقة الره ...
- الديوان الملكي يعلن وفاة أمير سعودي
- الحوثيون حول مغادرة حاملة الطائرات -أيزنهاور-: لن نخفض وتيرة ...
- وزارة الخارجية البولندية تنتقد الرئيس دودا بسبب تصريحه بشأن ...
- أردوغان يقول إن تركيا ستفرض مزيدا من القيود التجارية ضد إسرا ...
- وزير الدفاع الأمريكي يشكك في قدرة الغرب على تزويد كييف بمنظو ...
- مشاهد للوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير قبل لحظات من ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبد الحسين شعبان - الحركة الطلابية