أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبد الحسين شعبان - من هو العراقي؟















المزيد.....


من هو العراقي؟


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3686 - 2012 / 4 / 2 - 12:30
المحور: مقابلات و حوارات
    


حوار مع الأكاديمي والمفكر الدكتور عبد الحسين شعبان -4
أجراه: توفيق التميمي
من هو العراقي؟
عن قوانين الجنسية الجائرة التي جعلت عائلة الجواهري الكبير تحسب على "التبعية الإيرانية"!
نوري السعيد هو الذي أسس لأحكام الإعدام في العراق بإعدام العقداء الأربعة وقادة الحزب الشيوعي.. لكنه كان سياسياً محنّكاً
بعد ثورة تموز 1958 نسي الجميع ميثاق جبهة الاتحاد الوطني
لقد كان قانون الجنسية العراقية رقم 42 لسنة 1924، غريباً في تحديد من هو العراقي، وترتّبت عليه وشيّدت فوقه منذ ذلك التاريخ وحتى الوقت الحاضر طائفة من القوانين والقرارات الصادرة فيما بعد، سواءً قانون الجنسية العراقية رقم 43 لعام 1963 وتعديلاته أو قانون الجنسية العراقية رقم 46 لسنة 1990 أو قرارات مجلس قيادة الثورة منذ العام 1968 ولغاية العام 2001.
وحتى صدور الكتاب قبل الاحتلال نشرت الصحافة خبراً عن قرار غريب يسمح بموجبه للمواطنين العراقيين من غير العرب بتعديل قوميتهم إلى القومية العربية، في محاولة لتغيير التركيب الديموغرافي والواقع السكاني. وهو القرار الذي صدر عن مجلس قيادة الثورة برقم 199 في 6 أيلول (سبتمبر) 2001، ولعل مشكلة كركوك اليوم التي تزداد تعقيداً هي امتداد لتلك المشاكل التي ظلّت عالقة، سواءً بوجود المادة 140 من الدستور وقبلها بوجود المادة 58 من قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية، أو دونها، ناهيكم عن قرارات التهجير سيئة الصيت، لاسيما القرار 666 الصادر في 7 أيار (مايو) 1980 والذي تم على أساسه تهجير الآلاف من العراقيين بحجة التبعية الايرانية المزعومة.
لقد أدّت تلك القوانين والقرارات إلى حرمان شرائح كبيرة من الجنسية العراقية وتم التشكيك في ولائها للعراق، وبخاصة خلال الحرب العراقية – الإيرانية 1980-1988 وارتفاع موجة العداء والكراهية، بحيث تصبح عائلة مثل عائلة الجواهري الكبير، رائد الشعر العربي الكلاسيكي في القرن العشرين والخليلي جعفر القاص الريادي وأخيه الأديب عبد الغني وعائلة الحيدري مهدي، أحد رواد مقاومة الاحتلال البريطاني وغيرهم من التبعية " الإيرانية" وتُعزل وترمى خارج الحدود.
تقويم نوري السعيد
*كان الخروج في تظاهرة 1956 وأنت تهتف بسقوط نوري السعيد والخروج من حلف بغداد والانتصار لمصر، هي اللقطة الاولى في حياتك السياسية... ماذا لو عاد التاريخ إلى الوراء هل ستلتقط اللحظة ذاتها بالاتجاه نفسه وتهتف بسقوط نوري السعيد؟ ألا ترى أن نوري السعيد أرسى ملامح الواقعية السياسية التي افتقدناها زمناً طويلاً، منذ حلول جمهوريات الخوف وهيمنة الشعارات الحماسية على حياتنا؟ كيف تقيّم السعيد سياسياً وانساناً بعد التجربة المريرة التي شهدها العراق؟
- البعد الزماني وتلاحق الهزائم وتصاعد أعمال القمع والارهاب وصعود الدكتاتورية بألوانها المختلفة، لا ينبغي أن ينسينا الواقع المرير الذي كان العراقيون يعيشونه، حيث الإرتباط بحلف بغداد وتكبيل الحريات وقمع كل صوت معارض، حتى إن كان كامل الجادرجي وهو شخصية وطنية ديمقراطية معتدلة أودع السجن، وتم سحب الجنسية العراقية عن كامل قزانجي وتوفيق منير وسفّرا إلى تركيا، وصدرت قرارات بسحب جنسية عزيز شريف وكاظم السماوي وعدنان الراوي وآخرين، وأودع في السجن المئات من النشطاء من خيرة بنات وأبناء الشعب العراقي.
إن الذي أسس لأحكام الاعدام في العراق كان نوري السعيد ذاته، بإعدام العقداء الأربعة فهمي سعيد ومحمود سليمان وكامل شبيب ويونس السبعاوي وسجن العشرات من المناصرين لحركة العام 1941 المعروفة باسم حركة رشيد عالي الكيلاني، كما تم إعدام قيادات الحزب الشيوعي يوسف سلمان يوسف (فهد) وحسين محمد الشبيبي (صارم) ومحمد زكي بسيم (حازم)، وآخرين لا يذكرهم الحزب الشيوعي مثل ساسون دلال ويهودا صدّيق العام 1949، ولعل الأجواء التي خلقها كانت وراء إغراق وثبة كانون بالدم، حين خرجت الجماهير احتجاجاً على معاهدة بورتسموث العام 1948، لاسيما في معركة الجسر الشهيرة، الأمر الذي أدى إلى إسقاط وزارة صالح جبر، كما أن نوري السعيد لم يكن بعيداً عن قمع انتفاضة تشرين العام 1952 وانتفاضة العام 1956، دعماً للشقيقة مصر، وهو الذي زوّر انتخابات البرلمان وقمع أي متنفس للحريات وأغلق الهوامش الصحفية التي ظلّت محدودة.
يمكنني القول أن العهد الملكي هو الذي حفر قبره بيده، وكانت سياسات نوري السعيد والوصي عبدالاله، هما السبب الأساس فيما وصلت اليه أوضاع البلاد وبعد أن انسدّت جميع الطرق إتّجه الجيش نحو الانقلاب العسكري، الذي سرعان ما تحوّل إلى ثورة بتأييد شعبي ساحق أغلق الطريق على الثورة المضادة وعلى بقايا النظام الملكي من الانقضاض، لكن هذه الثورة مثل غيرها قطعت خط التطور التدريجي الذي كان يمكن ولو ببطء شديد أن يستمر، ولولا اندفاعات نوري السعيد بالذات، لكن الهامش قد بقي أكبر، لكنه اختار طريق التشدّد والعزل والتهميش وحجب حق التعبير، وقد أخذ صدره يضيق بالتدريج من الآراء المغايرة فما بالك بالمعارضة. وكان يعتقد كغيره من الحكام الذين لم يتّعظوا ولم يأخذوا عبرة ودرساً بأنه ونظامه خارج نطاق التغيير، حتى أنه عشية اندلاع ثورة تموز (يوليو) 1958 كان قد صرّح من دار الإذاعة في بغداد " دار السيد مأمونة".
لكن ذلك لا يبرر أعمال العنف أو إعطاء شرعية للعسكريين للانتقال من الثكنات إلى منصّات السياسة، ولعل أول خطيئة للثورة هي إعدامها العائلة المالكة خارج نطاق القانون، ثم القيام بتعليق الجثث ومن ثم سحلها في الشوارع، في همجية وبشاعة منقطعة النظير. وعلى الرغم من أن الاندفاع كان سائداً وردود الفعل حادة، لكن هذا الأمر بحاجة إلى وقفة انتقادية حيث تم تأسيس العنف المضاد بعد الثورة، التي ابتدأت عهدها بالقتل والسحل، وكسواها من الثورات بدأت تأكل رجالها. وإذا كنتُ اليوم أميل للتطور والتراكم التدريجي، فإن الأمر لا يتعلق بالرغبات، خصوصاً عندما يحتدم المشهد ويصبح التغيير بالقوة أحياناً أمراً لا مفرّ منه، لكن القوة لا تؤسس الاّ لنقيضها قوة أخرى وهكذا .
وإذا كنتُ منخرطاً كما أشرتُ عاطفياً ووجدانياً وعائلياً وثقافة ومزاجاً ضد العهد الملكي، لكنني لا يمكن أن أنكر بعض إيجابياته، خصوصاً مقارنته مع ما حصل لاحقاً، وبقدر تطوّر العلم والتكنولوجيا تطوّر القمع أيضاً. أنقل هنا حواراً دار بين حسين جميل وإبن أخيه ماجد مكي الجميل الذي اعتقل في السبعينيات، ثم أطلق سراحه ودار الحوار التالي بينهما: قال العم حسين أن سجني أقسى من سجنك حتى لو كنت في قصر النهاية. أجاب ابن الأخ ولكن كيف يا عم فقد كانت تصلكم الصحف والمجلات ولديكم راديو، قال العم: ولو، فإن سجني أقسى، لأن النظام الذي سجنني يحتكم إلى دستور مهما قيل عن سلبياته وهي كثيرة، وهو منتخب حتى ولو تم تزوير الانتخابات، أي أن فيه شيء من الشرعية والممارسة القانونية، أما من سجنك فليس لديه مثل هذه الشرعية، وأن الذين سجنوك جاؤوا بانقلاب عسكري والدستور مؤقت وإرادة الحاكم هي الأساس.. ألا ترى كيف يحصل الأمر والمقارنة؟
وكنتُ قد استعرتُ موسوعة التحقيقات الجنائية التي صدرت العام 1950 وما بعدها من الاستاذ حسين جميل، في مطلع العام 1969 وهي تحتوي على إفادات واعترافات القيادات والكوادر الشيوعية، فأرسلها لي قائلاً: إذا كنتم قد قلبتم الدنيا على بهجت العطية مدير التحقيقات الجنائية في العهد الملكي واعتبرتموه "جلاّداً"، فعليكم اليوم لا الرحمة على روحه حسب، بل ذكره مع شيء من التبجيل والتقديس، لأن الزمن الحالي والقادم سيكونان عسيرين عليكم، وقد قصد بذلك تولّي ناظم كزار منصب مدير الأمن العام وشروعه بتعذيب المعتقلين وافتتاح سجن قصر النهاية،الذي استقبل أعداداً كبيرة من الشيوعيين بجناحيهم (أي القيادة المركزية واللجنة المركزية) والقوميين والناصريين والبعثيين اليساريين (جماعة سوريا) وآخرين.
وبالمناسبة وعلى الرغم من مساوئ العهد الملكي، لكن القسوة كانت أقل بما لا يُقاس، بل إنها مقننة، وبقيت بعض الاعتبارات التي لا بدّ من مراعاتها. يوم اعتقل عمي شوقي شعبان بعد تظاهرات العام 1956 تدخّل حينها متصرف كربلاء لإطلاق سراحه، بل إن قاضي التحقيق جاء بصحبة عمي د. عبد الأمير شعبان لهذا الغرض، وعلى الرغم من تحفّظ مفوض الأمن فقد اضطّر إلى الرضوخ، ولكنه كتب البرقية التالية إلى بهجت العطية: في الوقت الذي نلقي القبض على الشيوعيين الخطيرين، تلعب الواسطات دورها في إطلاق سراحهم!
وبعد نحو عام احتاج عمي شوقي إلى شهادة عدم محكومية لإصدار شهادة جنسية كما أعتقد، فأخذه خاله عبد الرضا شعبان عضو غرفة تجارة بغداد وهو نسيب بهجت العطية إليه لاستحصال الموافقة اللازمة، وإلتفت العطية إلى الشاب شوقي شعبان مازحاً حينها: لا تكَول (لا تقول) نحن رجعيين، وعملاء ، وسأطلعك على برقية مفوض الأمن، التي أشرت إلى مضمونها، ثم وضع توقيعه على الوثيقة التي يريدها مع علمه بانتمائه الشيوعي ونشاطه، هكذا كانت الأمور تسير.
ومع كل ذلك فإذا سألتني هل كان ينبغي تغيير النظام الملكي؟ سأجيبك نعم، لأن جميع الطرق أصبحت غير سالكة، وكان لا بدّ من الإطاحة بالنظام الملكي، خصوصاً بعد موقفه المخزي من العدوان الثلاثي على الشقيقة مصر ومن ربط العراق بمشروع آيزنهاور وحلف بغداد ونظام الكتلة الاسترلينية وتحوّله إلى مصدر تآمر وعداء لكل ما هو تقدمي. أما إذا أعدت السؤال عليّ: هل كان يفترض أن تتم الاطاحة به بالسيناريو نفسه؟ فسأقول كلاّ وألف كلاّ، وإنني لا أبرر العنف من أي أتى، وكان لا بدّ من الاحتكام إلى القانون لكي يأخذ مجراه.
ولا زلت أتذكّر مشهد الأمير عبد الاله معلّقاً وعارياً من سطح أحد فنادق الكرخ، (قرب ساحة الشهداء) وكلّما مرّ ذلك بخاطري، أشعر بالحاجة للتقيؤ، ولعل موقفي من العنف كان سبباً آخر في خلافات لاحقة مدوّنة ومكتوبة مع قيادة الحزب الشيوعي، لاسيما إطلالتي على تفاصيل أحداث الموصل وكركوك، وهو الموقف الذي أقوله من باب النقد الذاتي دون مواربة أو تبرير ودون محاولة إلقاء كل شيء على الخصم، الذي يتحمل مسؤولية كبيرة وأساسية، لكن علينا أن نعترف بمسؤوليتنا أيضاً فيما حصل من ارتكابات.
وكنت قد ناقشت الأمر مطوّلاً مع عامر عبدالله، القيادي المخضرم ودوّنت ذلك لاحقاً في مطالعتي عنه وبعض حواراتي معه في مادة مطوّلة، لاسيما بخصوص هذه القضية وقضايا أخرى وستجد طريقها إلى النشر في وقت قريب، فضلاً عن مطارحات مع آرا خاجادور وباقر ابراهيم وهما من القيادات التاريخية للحزب الشيوعي إذا جاز التعبير، تضمّنت سجالات حول إشكاليات شيوعية ذات طابع تاريخي وذات قضايا راهنة ومستقبلية.
وإذا كنت قد هتفت آنذاك عاطفياً بسقوط حكومة نوري السعيد وأنا فتى يافع تأثّر بأجواء العائلة والثقافة اليسارية التي كانت تعيش في بيتنا، فإنني سأهتف هذه المرّة بوعي وإدراك ومسؤولية، ومثلما عارضت الحركة الوطنية حلف بغداد، فعليها بالقدر نفسه معارضة الإتفاقية الأمريكية- العراقية.
لكن ذلك لا يمنع من القول أن نوري السعيد كان سياسياً محنّكاً ومناوراً بارعاً امتلك دهاءً وحيلةً كبيرتين، لكنه دموي بالقدر نفسه، وجرّب ربط العراق بالغرب، الاّ أنه ليس رخيصاً إلى الحد الذي يجعله موظفاً لدى الدوائر الاستخبارية الغربية أو يعمل بصفة وكيل أو جاسوس فقد كان أكبر من ذلك بكثير، مثلما كانت تلك قناعاته، وكان لا يتوانى بالتعبير عنها، وخصومته كانت جريئة ولديه فروسية حتى في خلافاته، أما اليوم فهناك من يتحدث عن مشروع وطني، لكنه يعمل تحت الطاولة، بتوافق كامل مع الاحتلال، بل ويأتمر بأمرته، ولولا دعمه لما كنّا سنسمع عنه.
شخصياً أحترم من يقول أنه يرى مصلحة العراق بالتعاون مع الولايات المتحدة، وعلى الرغم من معارضتي لهذه الفرضية، فإنني لا أمتلك سوى النظر اليها من باب الاجتهاد السياسي، بعيداً عن التخوين أو التجريم، ولكننا نجد أحياناً من يتعامل بصفة أدنى، ففي حين يرفع نبرته بالتنديد، بعبارات غامضة ومبهمة، نراه بعد مقابلة مع موظف صغير في سفارة دولة متنفّذة يغيّر رأيه بالكامل. ولكنني في الوقت نفسه أعرف بعض السياسيين الذين يمتلكون وضوحاً وثقة بالنفس حين يقولون إن مصلحتنا في التعامل مع واشنطن، ويبررون ذلك، سواءً عندما كانوا في المعارضة أو حين أصبحوا في السلطة أو مشاركين في العملية السياسية، لكنني لا أشعر باحترام إزاء من ينفّذ ما تريده سرًّا، وبرفع صوته علناً بالضد من ذلك، والأمر لا ينطبق عليها، بقدر انطباقه على المشهد السياسي، بما فيه دور إيران ودول الجوار.
نوري السعيد سياسي سبق عصره، على الرغم من أن ذلك عصر كبار، مثل فاضل الجمالي وصالح جبر وأحمد مختار بابان وياسين الهاشمي وتوفيق السويدي وخليل كنّه وآخرين، مثلما كانت المعارضة والحركة السياسية والوطنية كبيرة بأسماء مثل فهد ومحمد رضا الشبيبي وكامل الجادرجي وجعفر أبو التمن ومحمد حديد وحسين جميل وعزيز شريف وعبد الفتاح ابراهيم ومحمد مهدي كبه وفايق السامرائي وصدّيق شنشل وهديب الحاج حمود وفؤاد الركابي وسعد صالح وابراهيم أحمد ومصطفى البارزاني وغيرهم.
ومهما قيل من سلبيات في العهد الملكي، فلم تنقطع لغة الحوار بينه وبين المعارضة الرسمية، وحتى المعارضة السرية كانت تجد لها بعض المنابر العلنية لإيصال رأيها. وفي حديث خاص مع عبد الفتاح ابراهيم في العام 1971 أو 1972 وبحضور موسى أسد الكريم قال: كنّا شباباً وذهبت أنا ومحمد زينل حين كنّا ندرس في بيروت وصباح نجل نوري السعيد، لزيارة نوري السعيد في مصيف برمّانا، حيث كان يقضي فترة إجازته في الصيف، وكان ذلك العام 1924، والكلام للمفكر الماركسي الكبير عبد الفتاح ابراهيم، وكان هدف الزيارة هو الاعتراض لدى السعيد على معاهدة العام 1922 الاسترقاقية، وإلتقينا في مكان سكنه وكان يلبس الدشداشة البيضاء وبيده كأس العرق " الزحلاوي" وسألته لماذا لا ينسحب العراق من المعاهدة ويلغيها؟ فشرح لي السعيد مبررات قبول المعاهدة حتى ولو كان فيها بعض الإجحاف، خصوصاً والعراق يخرج من التبعية العثمانية، وهو بحاجة إلى حليف قوي، ويعتقد أن بريطانيا بشكل خاص والغرب بشكل عام هما حليفه القوي، وكلما تأسست وترسخت الدولة العراقية، يمكن للعراق أن يعيد النظر ببعض الجوانب، كما لم يكن يخفي مصلحة العراق في التحالف مع بريطانيا.
يقول عبد الفتاح ابراهيم وهو مؤسس جماعة الأهالي العام 1932 مع عبد القادر اسماعيل وحسين جميل ومحمد حديد، ثم انضم اليها الجادرجي وأبو التمن، وهو كاتب رسائل الشعبية العام 1933، لم أكن مقتنعاً بكلام السعيد واعتبرته من باب التبرير، وقد اختتم السعيد كلامه، مع رشفة عرق بالقول: تكبرون وتعقلون وتتعلمون، وهو ما اقتبسته عند حديثي عن الاتفاقية العراقية – الأميركية، بالقول، يبدو أن بعضنا قد كبر وعقل وتعلّم، والبعض الآخر كبر وعقل ولم يتعلّم، وهنا زاوية النظر تختلف برؤية مصالح العراق إذا كان هناك صدقية وجرأة.
أعتقد أن كلام نوري السعيد وإن كنت أخالفه، لكنني أرى أن فيه قدراً من الصدقية والقناعة والرقي، على عكس التبريرات الواهية التي قيلت حول الاتفاقية العراقية- الأميركية، التي لا يزال البعض يتشبث بها باعتبارها مكسباً أو إنجازاً، وسنرى كيف سيتم التصرّف بحيثياتها بعد الانتهاء منها سواءً بالانسحاب الفعلي أواخر العام 2011 أو الابقاء على قواعد عسكرية وقوات مؤهلة، بطلب من الحكومة العراقية لغرض استكمال مهمات التدريب والتأهيل للجيش العراقي أو لمواجهة التحديات الخارجية وحماية حدود البلاد، أو بالتوقيع على اتفاقية جديدة تكرّس " الاحتلال التعاقدي" بعد الانتهاء من " الاحتلال العسكري" وهي طريقة متّبعة و"قانونية" حيث توجد أكثر من 143 قاعدة أميركية خارج حدود الولايات المتحدة، من كوبا الثورية إلى ألمانيا الأوروبية ومروراً بدول الخليج العربية، وصولاً إلى كوريا والفيلبين الآسيوية، ناهيكم عن قواعد ممتدة في البحر وفي المحيط مثل ديغوا غارسيا وغيرها.
أتذكّر أنني زرت عبد اللطيف الشوّاف (الوزير في عهد عبد الكريم قاسم والقاضي المعروف) في القاهرة (مطلع العام 1971) عندما كنت أحضر ندوة احتفالية بمناسبة ميلاد جمال عبد الناصر (15 كانون الثاني/يناير) أي بعد ثلاثة أشهر ونصف تقريباً من وفاته، وكان قد زاره أحد السعوديين وأحد الأردنيين، وعلى الرغم من حذره قال معلّقاً ومقارناً بين أوضاعهم وأوضاعنا، ولكن أترون كيف حالنا وماذا حلّ بنا بعد القضاء على الملكية، وخاطبهم: "جلجلوا" على ملككم، وعندما استفسرا منه عمّا تعني كلمة "جلجلوا" أجابهم (أي حافظوا عليه) لكي لا تنتقل عدوانا إليكم، وضحك الجميع، وبعد مغادرة ضيوفه سألته أكان بإمكاننا الحفاظ على الملكية، أم أنها هي التي لم تحافظ على نفسها، لاسيما اندفاعات نوري السعيد وسياساته المعادية للشعب؟ فعلّق قائلاً هنا المشكلة! ولعل هذا ما استعدته مع القيادي البعثي السابق والقيادي الناصري لاحقاً عبدالله الركابي، وكذلك مع السياسي فيصل فكري.
الشيوعيون وقاسم
* أريد تحليلك على ضوء ترتيب الأحداث تاريخياً لقضية ارتباط الشيوعيين العراقيين بحكومة قاسم منذ أيامها الأول من المسؤول عن تقويض هذه العلاقة؟مالذي تحمله الشعب العراقي من جرّاء هذه العلاقة التي تفاوتت في مناسيبها تقدّماً وانحساراً ؟ هل استخدم قاسم أسلوب المكر في توظيف الشعبية والجماهيرية التي امتلكها الشيوعيون في تلك اللحظة؟ هل كانت مسارات تلك العلاقة مقدمة لما حدث في صبيحة الثامن من شباط؟ وهل كان بالامكان لو طال العمر بقاسم وحكومته أن يسلّم أمور البلاد إلى صناديق الاقتراع والقادة التكنوقراط، علماً بأن وزارته الاولى تشجّع على مثل هذا الاعتقاد ؟كيف تقيّم الاجراءات التي قامت بها حكومته على المستوى الاجتماعي وظهور طبقات فقيرة إلى السطح؟هل كان قاسم واعياً لخطر الطائفية والتعصّب القومي الذي سيتفجر لاحقا بعد موته؟

- أطاحت ثورة 14 تموز (يوليو) النظام الملكي وأعلنت العراق جمهورية ، وكان الحزب الشيوعي من الأحزاب التي هيّأت للثورة أو شاركت في التحضير لها مثله مثل الأحزاب الأخرى، على نحو مباشر أو غير مباشر وبدرجات متفاوتة بالطبع مع نفوذ كل حزب ودوره، وكان كادره القيادي قد اطّلع على بيان صدر عن الحزب يوم 12 تموز (يوليو) يلوّح فيه إلى احتمال قيام أحداث مهمة ويوصي بالاستعداد لها ورفع درجة اليقظة، وعندما اندلعت الثورة وجد الحزب نفسه سبّاقاً إلى تأييدها في الشوارع والساحات ومعه الأحزاب الأخرى، على الرغم من درجة تعبئتها كانت أدنى كثيراً، وكان لمثل هذا التأييد الشعبي أن يؤدي إلى قطع الطريق على رجالات العهد الملكي ومنعهم من القيام بحركة مضادّة، كما أنه يكون قد قطع الطريق أمام التدخلات الخارجية، على الرغم من إنزال القوات الأميركية في لبنان والقوات البريطانية في الاردن، لكن إلتفاف الشعب وفيما بعد دعم حكومة الجمهورية العربية المتحدة وحكومات البلدان الاشتراكية، لاسيما الاتحاد السوفيتي أحبط أية امكانية للانقضاض على الثورة.
ومنذ الأيام الأول احتدم النقاش الداخلي، لاسيما بين أطراف جبهة الاتحاد الوطني التي تأسست في 7 آذار (مارس) 1957، حول شعارات الوحدة والاتحاد، فحزب البعث إندفع باتجاه "الوحدة الفورية" وهو ما يذكره عدد من قادته مثلما هو خالد علي الصالح وهاني الفكيكي وستار الدوري وعلي صالح السعدي وطالب شبيب، وتسنّى لي محاورة بعضهم بشكل مطوّل ومعمّق، وكان الرأي السائد أن ميشيل عفلق بعد زيارته إلى بغداد وبقائه في فندق بغداد، كان قد حسم الأمر برفع شعار الوحدة العربية، في حين أن الشيوعيين، لاسيما عامر عبدالله وعزيز الحاج وسلام عادل وجمال الحيدري وبهاء الدين نوري وآخرين ، كانوا قد رفعوا شعار الاتحاد الفيدرالي وروّجوا له، وتسنّى لي حوار عدد منهم أيضاً وكان الطرفان أحدهما يستفزّ الآخر بطريقة صبيانية أحياناً، أو على أقل تقدير غير عقلانية، واندفع داخل الطرفين تيار إستئصالي، إلغائي، تهميشي، ونسي الجميع ميثاق جبهة الاتحاد الوطني، ولعل ما كتبه العديد من قيادات أحزاب تلك المرحلة تعكس التوجهات السائدة ودرجة الاستقطاب والتنافر.
وأظن أن الحركة الوطنية بأطرافها الأساسية، انقسمت حول هذين الشعارين، فالحركة الكردية مالت إلى شعار الاتحاد الفيدرالي ومعها أوساط من الحزب الوطني الديمقراطي، وما سمّي بالجناح اليساري الذي قيل أن كامل قزانجي يمثله وهو الذي استشهد العام 1959 في أحداث حركة الشواف في الموصل، كما مالت حركة القوميين العرب وبقايا حزب الاستقلال وبعض الشخصيات القومية الأخرى إلى شعار الوحدة العربية مع الجمهورية العربية المتحدة، وهو ما كان حزب البعث يطرحه.
وكان هذا الانقسام عمودياً ومركزياً، من القمّة إلى القاعدة، وفي حين انحاز أحد قادة الثورة العقيد عبد السلام عارف إلى شعار الوحدة وألقى عدداً من خطبه الرنانة في عدد من المدن والمحافظات العراقية، كان الزعيم عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء أقرب إلى شعار الاتحاد الفيدرالي، وقلْ إنه لم يكن مع شعار الوحدة الاندماجية المطروح.
- يتبع -



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحركة الوطنية بقضّها وقضيضها لم تكن ناضجة
- ماذا بعد الربيع العربي!
- قراءتنا للماركسية كانت أقرب إلى -المحفوظات-
- المساءلة: عدالة أم انتقام؟
- الماركسية تحررت واستعادت عافيتها بعد تخلّصها من البطريركية ( ...
- حلبجة: العين والمخرز! - شهادة عربية حول حلبجة والأنفال
- “إسرائيل” . . من حل الصراع إلى إدارته
- البارزاني في ذكرى رحيله الثالثة والثلاثين..الكاريزما الشخصية ...
- الأمن أولا والحرية أخيراً.. والعنف بينهما
- العدالة وإرث الماضي
- الجنادرية والروح الجامعة
- العدالة الانتقالية وخصوصيات المنطقة العربية
- العدالة الانتقالية: مقاربات عربية للتجربة الدولية!
- كلام في ثقافة التغيير!
- الهوِيّة الوطنية والربيع العربي
- الربيع العربي منظور إليه استشراقياً
- فريضة التسامح وجدلية القطيعة والتواصل!
- مصير الإمام موسى الصدر: متى خاتمة الأحزان؟
- التواصل والقطيعة في فريضة التسامح
- مقهى وروّاد ومدينة: ذاكرة المكان ونستولوجيا التاريخ!


المزيد.....




- مصدر لـCNN: مدير CIA يعتزم زيارة إسرائيل مع استمرار مفاوضات ...
- بيروت.. الطلاب ينددون بالحرب على غزة
- أبو ظبي تحتضمن قمة AIM للاستثمار
- رويترز: مدير المخابرات الأميركية سيتوجه لإسرائيل للقاء نتاني ...
- البيت الأبيض: معبر كرم أبو سالم سيفتح يوم الأربعاء
- البيت الأبيض يعلن أنه أوعز لدبلوماسييه في موسكو بعدم حضور حف ...
- شاهد.. شي جين بينغ برفقة ماكرون يستمتع بالرقصات الفولكلورية ...
- بوتين رئيسا لولاية جديدة.. محاذير للغرب نحو عالم جديد
- الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لاقتحام دباباته لمعبر رفح
- بالفيديو.. الجيش الكويتي يتخلص من قنبلة تزن 454 كلغ تعود لحق ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبد الحسين شعبان - من هو العراقي؟