أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - الأمن أولا والحرية أخيراً.. والعنف بينهما















المزيد.....

الأمن أولا والحرية أخيراً.. والعنف بينهما


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3661 - 2012 / 3 / 8 - 20:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يذهب سيغموند فرويد عالم النفس الكبير وصاحب مدرسة التحليل النفسي إلى اعتبار الأمن لا يقل أهمية عن الحرية، بل انه يضع الأمن في بعض الأحيان في منزلة متقدّمة، ذلك لأن انعدامه يؤدي إلى الفوضى، ويُشعِرُ الإنسان بالخوف والقلق من المجهول. وقد كانت الحكومات قبل اندلاع أعمال الاحتجاج الواسعة وخلاله، من تونس مروراً بمصر وامتداداً إلى البلدان العربية المختلفة، تلوّح بأن غيابها سيؤدي إلى الفوضى وانعدام الأمن وانتشار الإرهاب وتسلّط جماعات متطرفة وإرهابية.
ولا شك بأن في ذلك جزءاً من الحقيقة، فلمجرد انهيار الأنظمة السابقة، ظهر إلى جانب ما اختزنه المجتمع من جمال ورفعة وأصالة، كل ما في قاعه من قبح ودونية ورثاثة، ولعل كبت الحريات وشحّ الكرامة الانسانية وتفشي الفساد المالي والإداري كانت من الأسباب الكامنة وراء انفلات الأمن وشيوع بعض مظاهر الفوضى، خصوصاً بتصدع هيبة الدولة، الأمر الذي يطرح السؤال بإلحاح، هل الأمن نقيض للحرية؟ ثم إلى متى يعيش الناس دون حريات خوفاً من انعدام الأمن؟
لعل المعادلة ليست مقايضة أو مفاضلة بين الأمن والحرية. وإذا كان الاختلال لمصلحة الأمن في السابق وضد الحرية، فالمطلوب اليوم هو التوازن بين الأمن والحرية، وذلك لأنه بغياب الأول لا يمكن حماية الثاني، فضمان الحرية هو الأمن والاستقرار والسلام. ولا تتحقق التنمية دون السلام والحرية.
وإذا كان ما حصل في البلدان التي شهدت تغييرات خلال العام 2011 من أحداث متسارعة قد أنجزت المرحلة الأولى من عملية التغيير، واكتسب الناس حرياتهم، لا سيما حرية التعبير والتنظيم والحق في المشاركة واختيار من يمثلونهم بانتخابات حرة، الأمر الذي سيكون أمن المواطن والوطن مسؤولية ومهمة بالغة الخطورة ينبغي تأمينها وحمايتها بالوسائل المتاحة والسبل المفترضة جميعها.
لكن الحقيقة الأولى التي ينبغي استيعابها هي أن التغيير قد بدأ ولا يمكن وقف قطاره، حتى وإنْ تعثّر أو تأخر أو انحرف أو تلكأ، لكن العودة إلى الوراء أصبحت غير ممكنة إن لم تكن مستحيلة، بغض النظر عن الدوافع والمبررات، فلم يعد البكاء على الأطلال نافعاً! ولهذا لا بدّ من تعزيز معادلة الحرية بالأمن بحيث يكون الأخير في خدمة الأول وليس نقيضاً له.
أما الحقيقة الثانية فهي أن جميع حركات التغيير الكبرى في التاريخ شهدت أعمال عنف وأعقبها ورافقها انفلاتات أمنية، لكنها في نهاية المقام استقرت، والتغيير لن يتم بضربة واحدة، بل هو عملية ديناميكية طويلة، وستمرّ بمرحلة انتقالية قد تطول وقد تقصر هي الأخرى، وربما ستصاحبها أعمال عنف وانفلات، وهو ما حصل في تونس إلى حدود معينة، وعلى درجة أكبر في مصر، أما في ليبيا وسوريا فسيكون تأثير العنف كبيراً بفعل الصراع ومجابهة الاحتجاجات بقمع منفلت من عقاله، وعلى درجة لا يستهان بها في اليمن. وقد تترك تلك الحقيقة، ونعني بها الفترة الانتقالية المصحوبة بانفلاتات أمنية، آثاراً سلبية طويلة الأمد على تطور هذه البلدان، الأمر الذي سيزيد من معاناة السكان المدنيين الأبرياء العزّل، إنْ لم يتوقف العنف ويوضع حدّ له، ويتم الحفاظ على الأمن والاحتكام إلى القانون، وتستعيد الدولة هيبتها.
الحقيقة الثالثة هي أن الحرية انتصرت على أمن الحاكم وبات اليوم من الضروري عقد حلف بين الحرية وأمن المواطن "الإنسان"، وأمن الوطن، خصوصاً أن التغيير نجح بالسلم واللاعنف في تونس ومصر. وإذا كان قد انتكس في ليبيا بحكم القمع المعتّق من جانب النظام من جهة، وتدخّل حلف الناتو عسكرياً من جهة أخرى، واستطاعت الحرية منازلة أمن الحاكم في اليمن وحققت نتائج طيبة حتى الآن، إلاّ أن هذه المعادلة ما زالت متعثرة في سوريا.
وإذا تم تدويل المسألة السورية، وهي مدوّلة نسبياً الآن، فإنها ستأخذ أبعاداً خطيرة، وقد تؤدي إلى اقتفاء أثر السيناريو العراقي، على الرغم من معارضة روسيا والصين حتى واستخدامهما «الفيتو» المزدوج في مجلس الأمن، لكن تأييد 137 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة قد يكون مقدمة للمضي بالسيناريو العراقي الذي قد يستغرق لتحقيقه فترة طويلة.
الحقيقة الرابعة لقد ثبت حتى الآن أن الحلول الأمنية أو العسكرية أو الاقتصادية هي خيارات غير مجزية دون حل سياسي، فمن دونه لا يمكن تفعيل الحلول الأخرى، وستبدو الحلول جميعها مثل المورفين أو المهدّئات. الحرية تحتاج إلى الأمن لضمان استمرارها ولمنع حدوث الفوضى، والأمن دون حرية سيكون أمن الحاكم وليس أمن الناس.
الحقيقة الخامسة هي انكسار حاجز الخوف لدى المحكومين، وخصوصاً عندما انتقل جزء منه إلى الحكّام الذين لم يصغوا إلى شعوبهم، ومثل هذا الأمر كان الإيذان الأول لنضوج اللحظة الثورية للتغيير، تلك التي ينبغي دراستها بدقة وعمق وأخذها في المعادلات اللاحقة، لا سيما معادلتي الأمن والحرية.
لقد أحدثت تلك التغييرات تحوّلاً في مزاج الناس التي ازدادت ثقتها بنفسها، حيث رأت أن بإمكانها أن تساهم في تغيير حكّامها أو تنال حريتها، بعد أن وصلت في العقود الماضية إلى حالة من اليأس والقنوط، وإذا بها اليوم وبعد عقود من الكبت تحاول الإمساك بزمام أمورها، وهكذا يمكن أن تنتقل "عدوى" الثورات من بلد إلى بلد ومن مجتمع إلى آخر. ولا يمكن لأي بلد اليوم أن يجنّب نفسه إشكالية التحرّكات الشعبية، إلا إذا قام بطائفة سريعة وعاجلة من المبادرات، مستمزجاً ومشاركاً للفاعليات والأنشطة الشعبية، مزاوجاً بين معادلتي الأمن والحرية.
الحقيقة السادسة تتجسّد بارتفاع سقف مطالب حركة الاحتجاج، كلما تصدّعت وتباعدت معادلتا الأمن والحرية، فبعد أن بدأت حركات الاحتجاج بدايات بسيطة عبر مطالب عامة بالحرية والكرامة ومحاربة الفساد، لجأت الحكومات إلى الحل الأمني والقمع بشراسة، والتنكر لمطالبها العادلة، فازداد الوضع تعقيداً، ولهذا لم تعد حركة الشارع تقبل بأقل من إطاحة الأنظمة، في حين كان بإمكان الأخيرة القيام بإصلاحات سياسية وإدارية ومالية واجتماعية واقتصادية سريعة، لامتصاص النقمة والتحضير لعملية انتقال سلس للسلطة المنبثقة ديموقراطياً.
الحقيقة السابعة تتجلى بالدور المؤثر الذي لعبه الاعلام وتكنولوجياته المتنوعة، حيث غلب على الانتفاضات الطابع العفوي، ولم تكن منظمة بقيادة حزب أو تيار سياسي أو آيديولوجي، ولم يكن بالإمكان حجب الاعلام أو منع تأثيره. ولهذا كان من الصعب مقايضة الأمن بالحرية والكرامة، بفعل الاستلاب الطويل الأمد، كما لا يمكن إقناع الجموع الشعبية الهائجة التي تذكّر بعصر المداخن أيام الثورة الصناعية، بأن خراباً أو انفلاتاً قد يحدث لاحقاً وقد يضرّ بمصالحها، لأنها لا يمكن أن تصغي إلى مثل تلك النصائح، خصوصاً وقد عرفت معنى الحرمان والعذاب والفقر. ولعلها بسليقتها كانت تدرك أن حريتها لا يمكن المقايضة عليها تحت أي عنوان أو مبرر حتى وإن كان منطقياً.
هذه المعطيات يمكن تدقيقها وتمحيصها، فالقمع ليس هو السلاح الفعّال والمناسب للقضاء على حركة الاحتجاج وإطفاء مطالب الناس العادلة، وحتى وإن نجح في التأجيل أو التسويف أو الاحتواء، فإنه سيكون لحين، وسرعان ما ستعاود الناس احتجاجاتها إنْ لم تتغير أوضاعها وهو ما أثبتته التجارب السابقة.
وعلى الدول والحكومات اليوم قبل الغد اتّباع خطوات عاجلة في إطار التشريع بسن قوانين جديدة وعصرية تنسجم مع التطور الدولي، إضافة إلى التوقيع والتصديق على الاتفاقيات الدولية بهذا الخصوص والشروع بمراجعة النظام التعليمي والتربوي، وخصوصاً مناهجه وتوجهاته من مرحلة الطفولة وإلى المرحلة الجامعية. ويتطلب الأمر جهداً إعلامياً وثقافياً لنشر الوعي الحقوقي والقانوني، مثلما يحتاج الى شريك فعال وراصد إيجابي حيث يمكن للمجتمع المدني أن يقوم بهذه المهمة إذا كان بجاهزية فكرية ومهنية. ولكن قبل ذلك كله الحاجة أساسية إلى إرادة سياسية وقناعة قمة الهرم، بأن هذا التغيير يصب في مصلحة الشعب والوطن ويحمي أمن الإنسان وحريته.
باحث ومفكر عربي



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العدالة وإرث الماضي
- الجنادرية والروح الجامعة
- العدالة الانتقالية وخصوصيات المنطقة العربية
- العدالة الانتقالية: مقاربات عربية للتجربة الدولية!
- كلام في ثقافة التغيير!
- الهوِيّة الوطنية والربيع العربي
- الربيع العربي منظور إليه استشراقياً
- فريضة التسامح وجدلية القطيعة والتواصل!
- مصير الإمام موسى الصدر: متى خاتمة الأحزان؟
- التواصل والقطيعة في فريضة التسامح
- مقهى وروّاد ومدينة: ذاكرة المكان ونستولوجيا التاريخ!
- العنف واللاعنف في الربيع العربي
- محنة العراق بين الديمقراطية والحرية
- الربيع العربي وردّ الاعتبار إلى السياسة
- تعويم الدستور العراقي
- إشكاليات ما بعد الربيع العربي
- الشيخوخة
- اللحظة الثورية وربيع التغيير
- الإسلاميون والعلمانيون
- ماذا بعد الربيع: العرب والجوار والعالم؟


المزيد.....




- بيان من -حماس-عن -سبب- عدم التوصل لاتفاق بشأن وقف إطلاق النا ...
- واشنطن تصدر تقريرا حول انتهاك إسرائيل استخدام أسلحة أمريكية ...
- مصر تحذر: الجرائم في غزة ستخلق جيلا عربيا غاضبا وإسرائيل تري ...
- الخارجية الروسية: القوات الأوكرانية تستخدم الأسلحة البريطاني ...
- حديث إسرائيلي عن استمرار عملية رفح لشهرين وفرنسا تطالب بوقفه ...
- ردود الفعل على قرار بايدن وقف تسليح
- بعد اكتشاف مقابر جماعية.. مجلس الأمن يطالب بتحقيق -مستقل- و- ...
- الإمارات ترد على تصريح نتنياهو عن المشاركة في إدارة مدنية لغ ...
- حركة -لبيك باكستان- تقود مظاهرات حاشدة في كراتشي دعماً لغزة ...
- أنقرة: قيودنا على إسرائيل سارية


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - الأمن أولا والحرية أخيراً.. والعنف بينهما