أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث العبدويس - يوميّاتُ مَدينَةٍ مَذبوحة














المزيد.....

يوميّاتُ مَدينَةٍ مَذبوحة


ليث العبدويس

الحوار المتمدن-العدد: 3639 - 2012 / 2 / 15 - 00:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ما عَسايَ أقولُ لِصِبيةِ تِلكَ المَدينَةِ المَفتوحَةِ الشَرايينِ والمُستباحَةِ الأورِدة؟ ما مَعنى الهُراءِ والغُثاءِ والعَقائِرِ العاليةِ الصُراخِ لِطُفولَةٍ شاخَتْ سَريعاً على أنغامِ اختِراقِ جِدارِ الصوتِ والجَماجِمِ والجُدرانِ المَثقوبَة بمليونِ رَصاصَة؟
وأيُّ عَزاءٍ تُراهُ سَتعنيهِ كَلِماتي لأُمّيَ الكَفيفَة التي تُحاصِرُها اليومَ قُطعانُ الذِئاب في ضَواحي بَلدَتي المَعزولة، أُمّي التي صَادَرَ عَصْفُ القَنابِلِ نورَ عينيها ومَحى مَلامِحَ أولادِها مِن صَفحَةِ ذاكِرَتِها المُتعَبة؟ مَدينَةٌ تَجلِدُ بِسياطِ صُمودِها ظَهرَ ضَميرِنا الضامِر وَرُجولَتِنا العَقيمة، تُذَكِرُنا كُلَّ يومٍ أننا خَذلنا البَراءَةَ وَتركنا الأقزامَ القَميئَةَ تَسحَقُ سوسَنَ الشامِ وأعشاشَ الحَمامِ، فيا بؤسَ ببغاواتِ الصَدى، وَيا رُخصَ المُتثائِبينَ بِكَسَلٍ يُنَقِبونَ عَنِ الدُرّ في مَزابِلِ أَزِقّةِ الدَهر المَهجورَة، وَعلى فُرُشِ الغواني الروميّة، تَبعثَرتْ آخِرُ مُروءاتِنا العَرَبيّة.
حِمصُ أتُراكِ لازِلتِ تَذكُرينَني؟ أمْ تُراكِ سَليتِ عَنْ ذِكرايَ اليوم؟ أتذكُرينَني وأنا الذي مَررتُ بِكِ يوماً مُرورَ الكِرام وَمُروقَ السِهامِ لِسويعاتٍ ثُمَّ رَحلتُ، لكِنّكَ تأبينَ الرَحيلَ عَنْ مَساماتي أو الانسحابَ مِنْ خُطوطِ تَماسي.
رَحلتُ سَريعاً غيرَ أنَّ بِضعَةً مِنّي أو بِضعَةٌ مِنكِ – لا فَرق – استوطَنَتْ فيكِ تَلّةً أسمُها الحُب، وأزهَرَتْ تَعلُّقاً لا أفهَمُ كَنَهَهُ لَكنّي أُعاني شَظايا تَفجُّراتِهِ المؤجَّلَة وَتوابِعِهِ الواخِزة، بِكِ اختَصَرتُ كُلُّ تَشرُّداتي وَهَفواتي وَضلالي وَيقيني العابِرِ لِحُدودِ الشُكوكِ والقَلَقِ، تَحولتُ إثرَ ذَلكمَ المُرورِ العابِرِ إلى مُجرّدِ بوصَلَةٍ مُعطَّلة تُشيرُ باستِمرارٍ إلى حيثُ تَغفو عيناكِ الشاميتانِ الواسعتان، إلى قارَبٍ مُنجَذِبٍ صوبَ مَرفأكِ الهادئ الواعِد، الى الفَنارِ والمَنارِ والحُضنِ والجَناحِ الدافئ، إلى مَحضِ جوازِ سَفَرٍ تَلاشَتْ مِنْ عَلى صَفحاتِهِ كُلُّ تأشيراتِ الإقامَةِ إلّا التي صادَقَتْ عَليها سُلُطاتُ عِشقِكِ المَمنوعِ عَنْ التَفسيرِ والتأويلِ والتَحليل.
يا حِمصُ يا أيتُها الحَسناءُ الأسيرة الهارِبَةُ بِقَدَميها العاريتينِ مِنْ قافِلةِ النَخّاسينَ وَتُجّارِ الرَقيقِ على رِمالِ الحُريّة الكاويةِ وَصَفيح الكَرامَةِ الساخِنِ ، يا عُشبَةَ الخُلدِ التي انشَقّتْ على جُمهوريّةِ الشوكِ والأدغالِ وَرَفَضتْ كُلَّ قَراراتِ الإقالةِ والتَنحّي وَتَمنطَقَتْ بالبارودِ والهولِ، ألا زِلتِ كَما أنتِ تتألقينَ في مُخيلتي؟ أمْ تُرانا إذا ما التَقينا أنكَرتُكِ مِنْ فَرطِ ما رانَ على وَجهَكِ الوضّاءِ الجَميل مِنْ قَتَرِ الحَربِ وَرَهَقِ المَعارِكِ؟ أتُراني قادرٌ اليومَ أنْ أُميزَ ذاكَ الحُسنِ الذي فَشِلَتْ كُلُّ المُدُنِ في تَنحيَتِهِ عَنْ عَرشِ القَلبِ وَمِحجَرِ العَينِ أمْ أنّهُ يَحتَجِبُ اليومَ خَلفَ اللفائِفِ والضَماداتِ السَميكة؟
يا حِمصُ لستُ أدري أينَ أذهَبُ بِباقَةِ وَردي، وَعِطري، وَهدايايَ الصَغيرة، وأنتِ التي تَشَتَّتَ مَصيرُكِ بينَ المَشافي المُكتَظّةِ والمَدافِنِ الغاصّةِ وَصَقيعِ المَشرَحَةِ المُتخَمَة، أينَ أعثُرُ عَليكِ بينَ أنيابِ هذا الإعصارِ الهائِج؟
أعلَمُ أنّكِ أكبَرُ مِنْ كُلّ حَماقاتي وَنَزواتي، أنتِ الأسطورَةُ التي تتضاءَلُ بِجنبِها كُلُّ الحَقائِق والوَقائِعِ والأحداث، الطُموحُ الذي سَما على كُلّ الَمخاوِفِ، أنتِ البَراكينُ التي لَمْ يَستَطيعوا رَدمَها، مِعراجُ الشُهداء الذي سَتفشَلُ شياطينُهُم في اعتِراضِه، ثَمَنُ الكَرامَةِ التي يَستَحيلُ أنْ تَبخَلينَ بِها مَهما تَعَسّفَ اللِئام، الخُرافَةِ التي وُلِدتْ عِندَما صَمَتَ شُهودُ العيانِ أو تَراجَعوا عَنْ الإدلاءِ بِها أمامَ هيئَةِ المُحلّفينَ، القَضيّةُ ذاتَ الرَقَمَ (1) التي تُبدي استعداداً للاستمرارِ في التَرافُع مادامَ هُناكَ تاريخٌ يُكتَب وَذاكِرَةٌ تُسَجّل، المَتاريسُ التي لَقَنَتِ العِنادَ دَرساً في العِناد تتصاغَرُ بِجَنبِهِ كُلُّ الدُروس، الإصرارُ الذي لَمْ يَعُدْ بشريّاً في القياسِ والأبعادِ على الوُصولِ إلى حوافّ المُحالِ وتُخومِ الخيالِ.
أكادُ يا حِمصُ ألمَحُ في جُرحِكِ الغائِرِ تَباشيرَ الفَصلِ الأخيرِ لِسُلالَةِ الطُغاةِ وَنَسلَ أنصاف الوُحوشِ الآدَميّة، أرى التِماعَ جَبينِ الشَمسِ على قِمَمِ المَنائِرِ الدِمَشقيّة، أرى الرَبيعَ يَنداحُ رَقراقاً صافياً عَذِباً في خاتِمَةِ الشِتاءِ القارِسِ الطَويل، وَقَدْ آنَ للطُيورِ أنْ تَعودَ لأوكارِها وللنَحلِ أنْ يُغادِرَ قَفيرَهُ وللحَياةِ أنْ تُطِلَّ عَلى مُحيّاكِ بابتِسامَةٍ خَضراء.

ليث العبدويس - بغداد - [email protected]



#ليث_العبدويس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مُناجاةٌ القَمَرِ المُهَشّم
- إلى بَغدادَ دَمعي.. مَعَ التَحيّة
- السيّابُ لَمْ يَكُن رَكيكاً يا وَطني
- مُذكرات لاجئ سياسي 2
- مُذكّرات لاجئ سياسي
- نَحنُ.. والبَحرُ..وإسرائيل
- سوريا وَفَلسَفةُ الثُعبان المُقَدَّس
- رِسالةٌ إلى بشّار الأسَدْ
- وَقَفاتٌ عِندَ مُسلْسَلٍ مَمْنوع
- خرْبَشاتٌ طُفوليّة على جِدار العيدْ
- جرائِمُ الشَرَف.. وَقفةٌ شُجاعة
- ليبيا.. انتهاءُ عامِ الرَمادة
- وحشٌ طليقٌ في الشام
- -جمهورية- انكلترا المُتَحِدة
- فينيقُ لُبنان..ورمادُ الطائِفيّة
- هوامش على دفتر الثورة
- الصومال.. محنةُ الضمير.. محنةُ الإنسان
- الإرهاب الإسلامي ..تهافت النظرية
- هل شارف عصر الطغاة على الانتهاء؟


المزيد.....




- رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس ...
- مسيّرة للأمن الإيراني تقتل إرهابيين في ضواحي زاهدان
- الجيش الأمريكي يبدأ بناء رصيف بحري قبالة غزة لتوفير المساعدا ...
- إصابة شائعة.. كل ما تحتاج معرفته عن تمزق الرباط الصليبي
- إنفوغراف.. خارطة الجامعات الأميركية المناصرة لفلسطين
- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث العبدويس - يوميّاتُ مَدينَةٍ مَذبوحة