أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلاقات الجنسية والاسرية - جهاد علاونه - قطرات الندى















المزيد.....

قطرات الندى


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3502 - 2011 / 9 / 30 - 22:24
المحور: العلاقات الجنسية والاسرية
    


عوى ذئبٌ في مكان بعيد,ومنذ الصباح الباكر سمعت صوت البومة الذي نعتبره في مجتمعنا نذير شؤم, المكان قسم القلب في المدينة الطبية الأردنية ,والتوقيت توقيت صباحي,ووصلنا متأخرين حيث كانت الممرضات قد اقتدن أمي إلى غرفة الجلد أو كما يسمونها العمليات قبل أن نصل لوداعها فلم نتمكن من الوداع الذي من الممكن أن يكون الأخير, ونحن اعتدنا منذ خمس سنوات على مشاهدة أمي يوميا أو كل شهر في حفل وداع واستقبال من البيت إلى المستشفى ومن المستشفى إلى البيت, كأنها ملكة أو رجل أعمال دائم السفر علما أنها امرأة عادية دائمة المرض على طول السنة وعرضها ...فلا يمكن أن يمر علينا أسبوعٌ أو شهر إلا ونحن نصطفُ لنودعها ومن ثم نصطفُ ثانية لنستقبلها استقبال الملوك والملكات حين تعودُ إلى أرض الوطن, وطوال السنة ونحن مشغولون أو وهي مشغولة في الوداع والاستقبال, وثمة أمر جلل قد حدث, قطرات الندى تتساقط مني وخيالي يأخذني مع أمي بعيدا وأنا أقفُ في الممر المؤدي إلى غرفة العمليات حيث ظننتُ بأنها ستتركني للذئاب ينهشون بلحمي, فأنا ما زلتُ حتى اليوم أحتمي بها من كل الظروف العصيبة وهي الملجأ الأول والأخير لي ولكل أخواتي وأخي الوحيد, ,وكل شيء صامت وكأن المخلوقات الحية عبارة عن جمادات ميتة,حاولت أن أتظاهر أمام الجمهور المتجمهر معنا بمظهر الرجولة أكثر من أي وقتٍ مضى ولكني لم أستطع,كنت أقول بيني وبين نفسي كلاما مثل الذي يقوله الأطفال الصغار:آخ..يا ويلي..ستتركني أمي لوحدي أواجه الثعابين والأفاعي,فمن التي ستتولى تربيتي إذا لا سمح الله ماتت أمي أو إذا سافرت آخر سفرة في حياتها؟؟؟.

ودموعي تفضحني, والخوف يجعلني أكثر ضعفا من أي وقت مضى, ولم أستطع أن أمنع قطرات الندى من أن تتساقط من عيوني وأنا رجل لا يستطيع أن يسيطر على مشاعره وأحاسيسه وعواطفه لأنني أفيض دموعا على أي شيء وخيالي يجعلني أعطي لأي موضوع أكثر مما يستحق, شعرت بحرقةٍ في عيوني ومن ثمَ سالت على خدي اليمين والشمال دموعي سيلاناً بطيئا وفي نهاية خدي منحدر حاد تسقط منه دموعي على الأرض,خطوط سوداء على وجهي, والطبيب يمر من جانبي صارخا نريد من أي أحد أن يتبرع بالدم, علما أن الطبيب لم يقل ذلك ولكن خوفي وتكهناتي جعلنني أتخيل بأن أمي تعرضت لنزيف دموي كما نشاهد ونسمع في الأفلام ,وأنا في ممرات المستشفى ذاهبا مرة باتجاه الغرب ومرة باتجاه الشرق, وازدادت درجات الخوف والقلق عندي, وهاتفٌ يرن في أُذني ويقول لي: ستتركك وتغادر الأرض إلى السماء ومن الذي سيطعمك يا مسكين ؟؟, وأنا أرد على الصوت قائلا أمي أرجوكي لا تتركيني لوحدي أخاف من أن يأكلني الذئبُ إذا ذهبت وتركتني في البيت لوحدي,قلِقٌ جدا,محتار جدا وخائف على أمي من أن تموت تحت العملية وتتركني وحدي, صارت عندي تهيئات بأن أمي الآن ليست تحت رحمة الأطباء بل تحت سيوف وسكاكين الجلادين, وازدادت الشكوك عندي أكثر لأن معرفتي عن أمي بأنها لم تقع يوما تحت رحمة أي أحد بل دائما تحت سيوف وسكاكين الجلادين وأولهم أنا الذي يجلدها ليلا ونهارا بكثرة أوهامه وظنونه , وصرت أتظاهر بقوة احتمالي أمام الناس المارة من جانبي, ولأول مرة في حياتي أشعر بأنني بحاجة لأن أكون رجلا بقلب قاسي لا يحن ولا يئن على أحد,تحدثت مع رجل يقف بجانبي عن قوة صبري واحتمالي ورويت له مغامرات عن قوة تحملي وكله عبارة عن كذب وتزوير وتزييف , وتلك الحكايات لم أكن أنا فيها البطل الحقيقي ولكني أقنعته بأنني أنا صاحب كل تلك الحوادث فأنا الرجل الذب لا تهتز له شعرة من ذكر الموت وأنا الرجل الذي لا يستسلم لعواطفه على الاطلاق وكل ما قلته كان عبارة عن كذب في كذب,كانت الأحاديث كلها عن القوة والجلد والرجولة والصبر والتحمل للمسافات البعيدة التي لا أملك منها شيئا مع أنني أقنعته بأنني قوي جدا ولا أبكي كالنساء أقوى مما يتخيل وكدتُ أن أتصرف أمامه كالأطفال عندما يخلعون القمصان أو يرفعون الأكمام ليعرضوا لبعضهم عضلاتهم.

وتحدثت معه عن 5 خمس مغامرات كلهن صبر وتحمل عشتهن طوال حياتي وكذبت عليه فيهن جميعا, وكانت مجموعة من الممرضات يلبسن اللون الأبيض,تذكرت قصيدة الشراشف البيضاء للشاعر(أمل دنقل),كان كل شيء أبيضا الجدار السرير الأطباء القطن,وأختي تقفُ إلى جانبي وشعرتُ بأن وقوفها إلى جانبي في تلك الساعة أفضل من أن تقف إلى جانبي جامعة الدول العربية أو مجلس الأمن الدولي ففي مثل هذا الموقف لا ينفع فيه إلا أفراد العائلة كأن تجد أختك أو أخيك في مثل تلك الظروف الصعبة , وقطرات الندى يتساقطن من عيوني,وضعت رأسي على كتف أختي لأول مرة في حياتي فبكت لبكائي فشجعتها وقلت لها:شو هذا يجب أن تكوني قوية, فرفعت رأسها ونظرت في عيوني ورأت دموعي عندها أحسست بأنني رجل أبالغ جدا في قوة احتمالي,وتساقطت من عيوني قطرات الندى هذه المرة بشكلٍ أكثر,أختي تقول(يارب) وأنا أقول يا مُسهل وأحيانا أمزح لأبدو بأنني في وضع عادي قائلا(يا مسهل يا مُسحسل) ثم أبتسم ابتسامة ليراها الناس وكأنني لست متأثرا بأي شيء مع أنني خائف جدا, طال انتظارنا كثيرا ومضت ساعة ونصف ولم تخرج أمي من تحت سكاكين أطباء القلب والجراحة, صرت أتخيل بنفسي بأنني سأصبح شحاذا رسميا حين تتركني أمي كممول أول وأخير للبيت ,صرت قلقا أكثر وخائفا من أن تغادر الدنيا وتتركني لوحدي بدون مصروف جيب فأنا أعيش على نفقتها رغم أنني في سن الأربعين سنة وأظن بأن المجايلين لسني يعتمدون على أنفسهم كونهم قد أصبحوا رجالا مع أنني حتى اليوم آخذ منها مصروف الجيب أنا وأولادي,أفكار سيئة تراودنا جميعاً وما زلنا ننتظر بأمي حين تخرج من عملية القلب,واكتشفت للمرة الثانية في حياتي وأنا أنتظر بأنني طفل قليل الصبر, والمرة الأولى كانت تجربتي مع (نانا) حيث كنتُ قد اكتشفتُ لأول مرة معها ضعف شخصيتي وقلة صبري, وجاءت أختي الثانية ومعها الثالثة,كلنا وقفنا ونحن نرتجف من الخوف- كما يرتجف أي إنسان من البرد-على أمنا الحنونة التي لا نستطيع أن نأتي بمثلها ولو برمنا العالم كله ولو امتلكنا ملايين الدولارات,كنا خاشعون جدا وصامتون جدا وعيوننا هذه المرة هي التي تثرثر بالكلام والأطباء يركضون من حولنا,حدث أمرٌ جلل أو توهمنا بأمر جلل قد حدث وهو تباطؤ دقات القلب عند أمي ففي الآونة الأخيرة كان قلب أمي مثل الساعة التي لا تمشي بانتظام فمرة تتسارع دقات قلبها ومرة تتناقص دقات قلبها وأحيانا لا نسمع لها حسا إلا الأم في الداخل من ارتفاع ضغط الدم ونزوله,وصفارات إنذار الحريق ملأت المكان ظننت بأن أمي قد ماتت ولكن كان السبب من التدخين, رجال ونساء في غرفة واحدة وعددهم 5 خمسة كلهم يشعلون السجائر في غرفة مريض بالقلب ,وقطرات الندى على وجهي ولوني أصبح شاحبا,أرتجف من أي نسمة هواء قد تصادفني أو تلامس أصابع رجلي,أمشي حافيا,صامتا طوال النهار,وشفتاي ترتجفان عندما تتساقط من عيوني قطرات الندى, أطرافي العليا ترجف وكذلك أطرافي السفلى ولم أعد أحتمل الوقوف, فسحسلتُ ظهري وهو مسندٌ إلى الحائط وجلست على الأرض وأرجلي ممددات على أرضية المستشفى ملقيا بظهري ورأسي إلى الحائط ,ذكريات مريرة,عطش السنين,صور وخيالات, وساوس تلعب وتوسوس في رأسي تخيلتُ أمي في كل المواقف وبشتى الصور, وحين خرجت من العملية قالت لي :تعال أبوسك.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التاريخ مثل العروس المتعجرفة
- الجنس مع الكتابة
- إلى التي قالت لي كن جميلا
- المصاري مش كلشي
- دفتر مذكراتي
- اللعب مع الذئاب
- على الساكت
- لماذا أبكي؟
- الدنيا معكوسة
- الطرق الملتوية
- طباعة القرآن والمحافظة على البيئة
- سائق فرشة
- إلى الدكتورة وفاء سلطان
- المدينة الفاضلة
- لكي لا ننسى
- خيانة زوجية أم زواج بالسر!
- كلب متشرد وكلب بوليسي
- اقرأ واستمتع
- كلمات عربية أصلها رومانية ولاتينية
- نظام الشورى الاسلامي


المزيد.....




- “احلى اغاني الاطفال” تردد قناة كراميش 2024 على النايل سات ka ...
- إدانة امرأة سورية بالضلوع في تفجير وسط إسطنبول
- الأمم المتحدة تندد بتشديد القيود على غير المحجبات في إيران
- الاعتداء على المحامية سوزي بو حمدان أمام مبنى المحكمة الجعفر ...
- عداد الجرائم.. مقتل 3 نساء بين 19 و26 نيسان/أبريل
- هل تشارك السعودية للمرة الأولى في مسابقة ملكة جمال الكون؟
- “أغاني الأطفال الجميلة طول اليوم“ اسعدي أولادك بتنزيل تردد ق ...
- استشهاد الصحافية والشاعرة الغزيّة آمنة حميد
- موضة: هل ستشارك السعودية في مسابقة ملكة جمال الكون للمرة الأ ...
- “مش حيقوموا من قدامها” جميع ترددات قنوات الاطفال على النايل ...


المزيد.....

- الجندر والجنسانية - جوديث بتلر / حسين القطان
- بول ريكور: الجنس والمقدّس / فتحي المسكيني
- المسألة الجنسية بالوطن العربي: محاولة للفهم / رشيد جرموني
- الحب والزواج.. / ايما جولدمان
- جدلية الجنس - (الفصل الأوّل) / شولاميث فايرستون
- حول الاجهاض / منصور حكمت
- حول المعتقدات والسلوكيات الجنسية / صفاء طميش
- ملوك الدعارة / إدريس ولد القابلة
- الجنس الحضاري / المنصور جعفر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلاقات الجنسية والاسرية - جهاد علاونه - قطرات الندى