أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طلال الشريف - ربيع العرب وربيع فلسطين















المزيد.....



ربيع العرب وربيع فلسطين


طلال الشريف

الحوار المتمدن-العدد: 3478 - 2011 / 9 / 6 - 11:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



( 1 )

ربيع العرب " كرامة حرية عدالة اجتماعية "

د. طلال الشريف


في الثورات العربية الحادثة آنياً، كان ولا يزال الشعار الحقيقي لهذه الثورات هو " كرامة حرية عدالة اجتماعية "، وبغض النظر أن تحت سقف هذا الشعار الاجتماعي الإنساني الجميل والحيوي، تنمو وتتسارع ظواهر سياسية واجتماعية وأيديولوجية وتيارات أو جماعات ومجموعات كثيرة صاحبت تاريخياً حركة المجتمع العربي، ومنها من تقلدت سدة الحكم أو كانت في المعارضة أو كانت في الظل في حقبة القرن الماضي.

هذه الظواهر العربية تولدت في نهايات حكم الاستبداد التركي الذي امتد قرونا يصادر كل إمكانية للنهوض العربي تحت شعار الخلافة الإسلامية إلى أن نجح بعضها في الوصول إلى الحكم في النصف الثاني من القرن الماضي، كان أبرزها الثورة المصرية الناصرية وقادت الأحزاب القومية معظم حالات الاستقلال من الاستعمار الغربي، وتفاعلت مع الحياة العربية وأثرت في مسيرتها، وأبرز انجازاتها تعبئة الأمة العربية نحو قضيتها الأولى تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني، ورغم ما واكب حقبتها من نجاحات في التحرر من التبعية والاستعمار والتصدي لمحاولات الغزو الخارجي، كان لها كبوات وهزائم ونكسات لم تمكنها من تحرير فلسطين واستعادتها، وقدم القوميون العرب من أدبياتهم ومفاهيمهم وسياساتهم محاولات جادة نحو الوحدة العربية كطريق للتحرير والنصر والنهوض، ثم تراجع زخم هذا التيار وترك الساحة في مواقعها المتقدمة إلا قليلاً، بفعل مجابهته بسياسات الغرب الاستعمارية والرجعية العربية في تلك الأيام، وكذلك بحكم التغيرات الكبيرة التي طرأت على المنطقة نتيجة تغير النظام الدولي وانتصار الرأسمالية وغياب الحليف الاستراتيجي لكل حركات التحرر في العالم بما فيها العرب وهو الاتحاد السوفيتي.

إن عدم تحقيق هذا التيار القومي لأماني الشعوب والأمة العربية في استعادة فلسطين قضيتهم المركزية الأولى، وعدم قدرته هذا التيار القومي على الانتصار لقضايا أخرى هامة اجتاحت العالم العربي في العقود الثلاثة الماضية، وهي " قضايا الديمقراطية والحكم " التي صاحبها طموح هذه الجماهير العربية للحرية والتنمية والعدالة الاجتماعية، والرغبة الجماهيرية في تغيير الأنظمة الحاكمة التي تقادمت وبدأت تتحول إلى دكتاتوريات مستبدة تفقد المواطن العربي كرامته، وما واكبها من انتصار الرأسمالية وتعميمها وسياسات الاحتكار وانغماس الحكام في التجارة والاستثمار لمصالحهم الخاصة وإهمال قضايا المجتمع.

ومن الظواهر الهامة في المجتمع العربي والملفتة للنظر والانتباه هم جماعة الإخوان المسلمين التي استمرت على هامش الحياة السياسية في الواقع العربي ولم تنجح ولا مرة منذ قرن مضى بعد سقوط نموذج الحكم الإسلامي للإمبراطورية العثمانية، في الوصول إلى السلطة في أي بلد عربي، بل كانت في غالبيتها مشتبكة مع الأنظمة خارج الشرعية الحزبية أو البرلمانية، وممنوعة من المشاركة على خلفية فكرية مُنع فيها تأسيس الأحزاب الدينية، ورغم ذلك وطول فترة تواجدها لم تحظ بالتأييد الثوري من الجماهير وإلا لكانت صنعت الثورة مبكرا قبل هذا الربيع العربي الجديد، ولم تستطع هذه الجماعة من الوصول إلى سدة الحكم رغم أنها رفعت شعار " الإسلام هو الحل " كما في الثورة الإسلامية في إيران حين التف حولها زخم جماهيري كبير أحرز لها النصر واسقط نظام الشاه.

جماعة الإخوان المسلمين رغم مشاركتها في الثورة الشعبية المصرية الراهنة، لم تكن هي قائدتها أو من فجرها، وفي المقابل كانت القوى التي قادت وفجرت الثورة هي قوى شعبية أخرى لا تمت إلى الخلفية الدينية ولا تتبناها وهذه الجماعات الشعبية ذات تاريخ حديث جدا لا يعد على أصابع اليد من السنين، ولكن الجماهير المصرية تعاطفت معها سريعا ومن ثم لحق بها الإخوان المسلمين وأصبحوا قوة لا يستهان بها في هذه الثورة وهم مازالوا يحاولون احتواء الثورة المصرية ومحاولة أسلمتها وقيادتها بكل الطرق، إلا أن المصريين على ما يبدو لا يريدون لحركة الإخوان المسلمين أن تتفرد بحكم المجتمع المصري، وعيون الجماهير المصرية تتطلع نحو دولة المواطنة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية التي يفتقدها الإخوان المسلمين في منهجهم ووضعهم الحالي رغم محاولاتهم إظهار انبهارهم بالأردوغانية التركية، وسبب ذلك أن النضوج لهذا النموذج التركي الذي سجل نجاحات هنا وتوافق بعض الشيء مع نظام إسلامي مرن في الظاهر والأصولي المتشدد في الجوهر في مرحلته الأردوغانية الآنية الذاهبة رويدا رويدا للأصولية في تطورها العكسي ولا مفر من الخطوة التالية بحكم النهج ألإخواني الذي يستخدم المرحلة لتمتين قواعده في الحكم ومآله الدولة الدينية مهما حاول نفي ذلك، واذا ما سلمنا بأن الأردوغانية هي نهاية المطاف لهذا الحكم التركي فإن إمكانية تقبل هذا النموذج من الطرفين الإخوان المسلمين والشعب المصري أو العربي في هذه التجربة الجديدة للإسلاميين، سيحتاج لوقت طويل لم يتوفر بعد للإخوان المسلمين ولا للشعب المصري وكذلك الشعب العربي مثلما حدث في التجربة الأربيكانية المسماة بالأردوغانية.

ولابد من الإشارة هنا أن شتان بين البيئة التي تطورت فيها الاردوغانية والبيئة المصرية أو العربية والتي تحتاج زمنا طويلا لقبول الشعب المصري حكما لأحزاب أو حركات دينية، وهي قضية في غاية الأهمية أيضا، وهي أن الإخوان المسلمين حقيقة غير جاهزين لسلوك النموذج الأردوغاني في هذه المرحلة، والشعب العربي والمصري يحتاج لتجربة طويلة مثل تجربة نجم الدين اربيكان في تركيا التي نضجت خلال أربعة عقود لتنتج الاربيكانية وهي التسمية الحق للرجل نجم الدين اربيكان المؤسس التي صودرت ريادته لصالح المُنتَج المسمي الاردوغانية.

لم تستطع جماعة الإخوان المسلمين من كسب ود الجماهير وفرض أجندتها على هذه المجتمعات النامية حتى الآن، رغم الجهد الكبير الذي قامت به الجماعة من التعبئة والإعداد والتمويل لاستقطاب الجمهور العربي بشكل عام والجمهور المصري بشكل خاص، بل كانت تطفو على السطح في أوقت سابقة بعض المجموعات الإسلامية ذات الجذور الإخوانية هنا و هناك في صورة حدية وعنيفة في مناوشة أنظمة الحكم بطريقة غلب عليها العمل العسكري والاغتيال والقتل للمناوئين والمسئولين الذي أرعب المجتمعات العربية فجعلها تخشى نجاحها في السيطرة على أي نظام حكم في أي بلد كانت من بلاد العرب، وأصبح نموذج التعاطي العسكري والتفجيرات والإرعاب بين المدنيين في البلاد العربية من الجماعات الإسلامية يضعها كلها في بوتقة واحدة لا يميز المواطن العربي بين هذه وتلك الجماعة، وفي عقله الباطن ما يفهم منه أنه بانتصار أي جماعة إسلامية سيكون المآل إلى الحكم القمعي المستبد وكبح الحريات ومصادرة الحقوق المدنية التي كان الجمهور العربي يطمح في نيلها ويطالب بمساحة أوسع مما توفره الأنظمة الدكتاتورية من الحريات، فما بالهم وهم يجدون أن النظام الديني سيصادر الهامش الضيق أصلا للحريات العربية ويفرض عليهم مساحة هي أقل مما يسمح به الحاكم الديكتاتور، فكان يرفض مناصرة الإسلاميين وبل ولا يريدها ويتصدى لها كما هو ملاحظ بشكل واضح في التجمعات الشعبية الكثيرة في الثورة المصرية.

من الظواهر الأخرى غير الإسلام السياسي الذي تمثل في جماعة الإخوان المسلمين والقومية التي تمثلت بعبد الناصر والأحزاب البعثية وتجربة عدن الاشتراكية، كانت الطائفية التي تجلت في لبنان فتقاسموا الحكم، وتجددت في العراق بعد الاحتلال الأمريكي، ومن الظواهر الأخرى ظاهرة المناطقية، والقبلية والعشائرية والعائلية الحاكمة، والعنصرية ،والشيوعية، والشوفينية والفاشية والنازية، والإباحية وظواهر كانت دائما على هامش الحياة الاجتماعية والسياسية العربية، وهنا لابد من التوقف أمام مصطلح العلمانية رغم أنه لم يشكل مجموعات معينة بل تكرست مفاهيمه وتطبيقاتها في كل الأنظمة والمجتمعات العربية فكان الفصل بين الدين والدولة وغلبة القوانين الوضعية على القوانين السماوية في التشريع رغم بيان غالبية الدول العربية أن الإسلام هو مصدر التشريع أو أحد مصادر التشريع ولكن غلبت مظاهر وسلوكيات الحياة العلمانية البعيدة عن التدين على أكثر المجتمعات العربية رغم أن العلمانية ليست حركة أو أيديولوجية.

لو نظرنا إلى الواقع العربي في القرن الماضي فإن الإسلام السياسي لم يغر المجتمعات العربية منذ سقوط الخلافة العثمانية ولم تنتصر الشعوب العربية الإسلامية الديانة أصلا في سوادها الأعظم للجماعات الإسلامية إلا متأخراً ولكن ليس بالشكل الثوري لتغيير المجتمع ونظام حكمه المدني، بل على خلفية هزائم الأنظمة ومشاكلها مع الحريات العامة والفقر والبطالة، وبفضل المال السياسي الذي لعب دورا هاما وخطيرا في فبول الجمهور لهذه الجماعات. ولم تستطع تلك الجماعات المتعددة والكبيرة العدد والعدة والثرية المال بتفجير ثورة مدنية على أي حاكم أو نظام بل وفشلت في استقطاب الجمهور لمثل هذه الثورات بغض النظر عن مشاركتها بأحجام كبيرة مؤخرا ولكنها لم تكن مفجرة تلك الثورات الشعبية رغم نجاح الثورة الإسلامية في إيران الجارة والمسلمة ورغم وصول الأردوغانية إلى حكم تركيا منذ عقد من الزمان وهذا سينقلنا إلى تفسيرات أخرى سنتطرق لها في نهاية المقال .

لم تنجح الطائفية في لبنان على الدوام بل ظلت عنصر التأزم والتفجير في مشاكل المجتمع اللبناني ولم تنجح الطائفية رغم كل ما جرى في العراق ورغم ضمانة المحتل وتحريكه لكل الطوائف ولم تنجح الأحزاب الشيوعية إلا في نموذج واحد سرعان ما انهار في اليمن الجنوبي وكذلك وصول عبد الكريم قاسم لمدة وجيزة إلى الحكم بعدها تم اغتياله وانتهت التجربة سريعاً أيضاً، وأما الظواهر الأخرى العنصرية والمناطقية والأصول الجغرافية والقبلية والعشائرية والعائلية رغم عدم نموها وتطورها في شكل جماعات إلا في جماعات الحكم في السعودية ودول الخليج العربي، ولكنها، تظل تشكل عناصر أزمات في المجتمعات العربية أدت، وستؤدي في كثير من الأحيان إلى الانفصال كما حدث في السودان مؤخراً، وهي ظواهر خطيرة حين تترسخ في مجتمع ما، وهي بالمناسبة ستكون محرك الأزمات والانفصاليات في دول الخليج لاحقا إذا لم يصلها الربيع الثوري العربي فيطمسها بتبنيه عند استقرار الثورات هناك نماذج دول المواطنة وهذه تحتاج ورقة أخرى للنقاش.


وبالعودة للشعار الذي رفعته الثورات العربية الذي حمل في مضمونه خليط من معاناة كل ما تقدم تحت مسمى " كرامة حرية عدالة اجتماعية "والتي بجمعها في مصطلح سياسي هو بالمعنى الاصطلاحي السياسي الحقيقي يصبح الشعار " الديمقراطية والعدالة الاجتماعية "وهو شعار نصفه رأسمالي ونصفه الآخر اشتراكي يشير بعمق إلى نموذج المجتمعات الاسكندينافية كالسويد والنرويج مثلا رغم تعبيره عن حالة عربية من الثورة والانتفاضة وهي الترجمة الحقيقية لشعار الثورات العربية بلغة الفكر والسياسة وهو مطلب لمجتمع جديد حقيقة يعتبر من أرقي ما وصلت إليه التجربة الإنسانية والاهم أن هذا الشعار الناتج حقيقة من المعاناة ويلخصها بخليط من الديمقراطية والاشتراكية و لم يأخذ طابعاً دينياً ولا طابعا طائفياً ولا دينياً عقائدياً ولا أيديولوجيا ولا مناطقيا ولا عنصرياً ولا قبليا ولا عشائريا ولا عائليا ولا حتى شوفينياً آرياً كما حدث في ألمانيا هتلر.

إذن الشعار " الديمقراطية والعدالة الاجتماعية " عبر عن المعاناة التاريخية للأمة العربية سياسيا واقتصاديا ومجتمعيا وعبر رفض الظلم الاجتماعي وعبر عن رفض القمع للحريات على خلفية دينية أو ديكتاتورية وعبر الشعور بالكرامة المنتهكة، وعبر حقيقة عن أصحابها الذين قاموا بالثورة وبشكل دقيق، ويتبنى هذا الشعار أرقى ما وصلت إليه التجربة الإنسانية في المجتمعات الاسكندينافية، ولم لا، فالإنسان وتجربته جمعاء يمر في مراحل تطورها، فما المانع من تبني أرقى ما وصلت إليه هذه التجربة الإنسانية للأمة العربية الصابرة طويلا على الظلم، وقضية الشعار هنا لا تحتاج إلى تأويل حيث نجح العرب الثائرين في السير نحو شعار " الديمقراطية والعدالة الاجتماعية " ولم يسيروا نحو شعارات إسلامية مثل "الإسلام هو الحل" حين فجروا ثورات الربيع العربي، ورغم قوة الإسلاميين المنظمة والكبيرة في كل بلدان العرب إلا أن المجتمعات العربية تجاوزت كل هؤلاء وتقدمت عليهم نحو آفاق إنسانية أكثر عدالة وحرية بشعارها الحقيقي وتركتهم يركضون خلفها و لم ينجح الإسلاميين ولا الطائفيين ولا العنصريين ، بل نجح الشباب العربي الثائر في تفجير الثورات، ولا يزال، صوب شعار يعكس الحالة العربية المتردية وفي مضمونه ومطلبه الواضح بجلاء، الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

ومن هنا، لا يجوز لأحد ما، ولا لمجموعة ما، أن تحرف مسار الثورات، ولا أن تركب موجة الثورة بحكم عددها وعدتها، لأن جميع الشعارات والأفكار والأيديولوجيات كانت مطروحة أمام المواطن العربي منذ زمن بعيد، ولكنه، لم يستحب إلا لخياره، و اختار ما يصبو إليه، ولم يختر الإسلام هو الحل، بل اعتبره معوقا جديدا أكثر ديكتاتورية وقمعا ولا يحل مشاكل الظلم الاجتماعي ويحد من الحريات التي يريد المواطن العربي مزيدا من مساحتها ولا يريد نظاما شموليا ولا أحزابا لا تؤمن بالتعددية سواء كانت إسلامية أو شيوعية أو طائفية لأنها كلها استئصاليه واقصائية وتسلطية لا تؤمن بالتعددية، ولن ترفع الظلم الاجتماعي بل ستزيد مساحته.

لقد انطلق العرب جميعا نحو الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وهي الحالة التي سيست واجتذبت الملايين من المضطهدين بقهر الأنظمة والظلم الاجتماعي بغض النظر عمن لحق بالثورة من الأحزاب والجماعات لركوب الثورة وحرفها عن المسار الحقيقي ومنهم كثيرين كانوا على علاقة بتلك الأنظمة المستبدة وساهموا بأموالهم وتجارتهم وتقاعسهم بزيادة فقر ومعاناة المواطن العربي وهي حركات تؤسس لأنظمة شمولية قامعة للحريات وقد جربها الشعب العربي جميعها على مر التاريخ، ولا يريدها من جديد.



( 2 )

ربيع فلسطين " تحرر ... كرامة حرية عدالة اجتماعية "

د. طلال الشريف


في فلسطين كان الشعار ولا يزال " كرامة حرية عدالة اجتماعية، لأن الشعب الفلسطيني جزء أصيل من الأمة العربية وتعرض لنفس المعاناة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ونظام الحكم السيئ مؤخرا، وزاد عليها معاناته من قمع الاحتلال وبطشه، وله خصوصية تزيد الحمل عليه في أنه مازال تحت الاحتلال منذ زمن طويل ، وهو ليس مثل العراق الشقيق الذي احتل أخيراً وأفرز نوعا من الارتباك في منظومة ومكونات مجتمع العراقيين فتخلخل التوازن الديمغرافي والطائفي والعرقي، ورغم كل ما حدث للعراق فأنه لم يقسم وبقي عراق واحد وموحد قابل للشفاء والعودة للحاق بالمجتمعات العربية الثائرة على القمع وغياب الديمقراطية والظلم الاجتماعي، وهو ليس مثل ما حدث في ليبيا الشقيقة التي أحضر فيها ما سمي بالثوار دول الاستعمار واستعانوا بهم في سابقة خطيرة لم تحدث من قبل وهل من وطني يطلب ويستقوي ويستقدم الاستعمار والاحتلال.

إن الشعب الفلسطيني الرازح تحت نير الاحتلال قد أضاف إلى شعار الثورة العربية مطلب التحرر ليصبح الشعار " تحرر ... كرامة حرية عدالة اجتماعية " وهنا جوهر الحدث عن ربيع فلسطين وصعوبة الثورة، وجوهرية الثورة حقيقة، حيث هنا تتداخل الدوافع الإنسانية المجتمعية التي ثار من اجلها العرب الآخرين، ودوافع التحرر وتقرير المصير وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي ، ولهذا أتحدث دائماً عن قيمة وجوهرية الحراك الفلسطيني الشعبي الشبابي العربي الموازي للحراكات العربية الشبابية الشعبية العربية.

هذا الحراك الفلسطيني هو أخطر الحراكات في الإقليم والمنطقة، لأنه بنجاحه في ثورته على الاحتلال والقمع السلطوي الفاشل في انجاز التحرر، والظلم الاجتماعي، سوف يغير وجه المنطقة حين يتحقق له النصر، وعند هذا النصر لحراك فلسطين، سوف يتواصل الربيع العربي في ترسيخ أقدامه نحو مجتمعات عربية كريمة وحرة وخالية من الظلم الاجتماعي، ويحقق التوزيع العادل للثروة والخدمات على كامل المنطقة العربية، ولأنه في فلسطين تختبر الإرادة العربية دائما، ولأنه في فلسطين سوف تنتهي مشاكل المجتمعات العربية في الحرية والديمقراطية والازدهار، ولأنه بدون فلسطين حرة ومستقلة وديمقراطية لن تكون للأمة العربية حرية واستقلال للإرادة ، ولن تكون هناك ديمقراطية واستقرار للعرب والمنطقة كلها.


هنا في فلسطين نجح الإسلاميون في الظفر باعتراف المجتمع الفلسطيني بهم كقوة من قوى المجتمع الفلسطيني ومنحهم أغلبية في الانتخابات التشريعية في سابقة لم تحدث في أي مجتمع عربي من قبل كانت على قاعدة تبني برنامج المقاومة في خصوصية نادرة بسبب الاحتلال، وإلا لما كانت تحدث هذه السابقة على خلفيات اجتماعية أو ديمقراطية لمعرفة المجتمع الفلسطيني كما باقي العرب ببرامج الإسلاميين القامعة للحريات العامة ولشمولية النظام الذي يسعون إليه ورفضهم التعددية الفكرية والثقافية.

أعطى الشعب الفلسطيني الإسلاميين فرصة ذهبية للتصرف بعقلانية، ولكن سرعان ما تصرف هؤلاء الإسلاميون بأصول مذهبهم ألاستئصالي ألإقصائي في أول اختبار للديمقراطية التي أتوا من خلال صندوق انتخابها، ورغم جوهرية الحالة الفلسطينية الوطنية الصادمة لهم بعد الانتخابات كمعارضة قوية، كان عليهم التصرف بمدنية الحكم والنظام الديمقراطي، وإكمال العلاج للمشكلة مع التيار المركزي في منظمة التحرير وهو فصيل فتح بطريقة ديمقراطية كما كل حكومات العالم حين تواجه معارضة قوية وكبيرة، وفي لحظة حنق ونزق أطاحوا بكل شيء ودمروا النظام السياسي الفلسطيني، كما كل التجارب الإسلامية السابقة، ولم يتوانوا في تغيير الهوية والثقافة وكل ما يتعلق بالحياة الفلسطينية الأقرب للعلمانية ولم يدركوا حلقات الديمقراطية التي أتوا بها إلى البرلمان، وذهبوا بعيدا في تشددهم امتدت إلي أربع سنوات انتهت معها الدورة البرلمانية، واستعصوا بالحكم، ورفضوا المصالحة مطولا، وغيروا جذريا كعادتهم وطموحهم الاقصائي في هيكليات المؤسسات التي سيطروا عليها، ورفضوا الانتخابات الجديدة، كما هو ديدنهم ولن يعودوا للانتخابات كما أتصور لأن مثل هذه الأنظمة تخسر عندما تكون في الحكم ولا ينتخبهم الجمهور ثانية، وهذا ما تؤشر إليه استطلاعات الرأي في فلسطين باستمرار وسيقفون حجر عثرة في مسيرة التجربة الديمقراطية الوليدة في فلسطين.

الإسلاميون في فلسطين أحدثوا شرخاً في المجتمع الفلسطيني والجغرافية الفلسطينية كانت ولا تزال نتائجه وخيمة عليهم وعلى المجتمع كله، أطبقوا بقوتهم الحديدية المسلحة على قطاع غزة رغم تذمر الغالبية من سكانه لاستمرارهم في الحكم، فخلقوا حالة غريبة وشاذة وخطيرة لا تزال تفاعلاتها السلبية والخطيرة والتي قد تودي بالقضية الوطنية باستمرارها، وتوقفت آمال الشعب الفلسطيني في التحرر والكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية وفي مقابل ديكتاتورية نظام السلطة الثاني في رام الله وفشل هؤلاء في مقاومتهم وفشل أولئك في مفاوضاتهم، ولذلك تجمدت القضية ويئس الفلسطينيون لأول مرة في تاريخ نضالهم لوقوعهم في قبضة سلطتين جائرتين قمعيتين أكثر من الاحتلال إذا ما قيست بمنطق المسئولية وتقديم سبل الحياة الكريمة من الحكام لشعوبهم.


لم ينجز الشعب الفلسطيني طموحاته في الاستقلال والحياة الكريمة، وبدل أن يتحرر من الاحتلال الإسرائيلي أصبح الشعب تحت احتلال متعدد بالقوة، ذهب ضحيتهم المواطن الفلسطيني في كل مناحي حياته وليس فقط في تأخر استقلاله، وبات الشعب الفلسطيني مترنحاً أمام رياح التغيير والثورة العربية التي تجتاح الواقع العربي الممتد عاطفة وأملا في المحاكاة للربيع العربي المتواصل، فكان أن سقط النموذج الحمساوي وكذلك النموذج العباسي في غزة ورام الله من نظر المواطن الفلسطيني المتحمس والمتعطش للخلاص من الاحتلال الإسرائيلي، وصنعت هذه السلطات بيئة جيدة بغطرستها للشباب الفلسطيني للثورة على كل الحالة الفلسطينية العبثية.


قدمت حماس بعد الانقلاب على الديمقراطية وأدواتها باستخدامها القوة في حسم الصراع والتنافس، نموذجاً سيئاً للحكم والتفرد والاحتكار والقمع وحيازة الامتيازات المالية الهائلة والتحالفات التجارية فدمرت الحياة النظامية والقانونية والعرفية وأضعفت الحياة السياسية بل أماتتها بالملاحقة والاغلاقات للمؤسسات إلا مؤسساتها ومن يدور في فلكها وأضعفت العمل الحزبي واستحوذت على كل مقدرات قطاع غزة وتحكمت بشكل متغطرس برقاب العباد في حلهم وترحالهم ووظائفهم فأفسدت حتى النموذج الذي كان يسعى إليه الإخوان المسلمين مبكراً، لما شاهدوه مما حدث ويحدث في غزة.

إن الامتيازات المالية والتحالفات التجارية والموظفين الحكوميين المرتفعة أجورهم والمتسارعة ترقياتهم من عناصر الأمن والقوة العسكرية لحفظ أمن الحكم المنتهي الشرعية القانونية والشعبية، كانت كلها على حساب المواطنين الفقراء والمزارعين والخريجين والعاطلين عن العمل وما يعاني جميع هؤلاء من اللامبالاة من قبل السلطة في غزة والسلطة في رام الله أيضا، ولم يلتفت لحل مشاكلهم أي من السلطتين الجائرتين بالإضافة لمعاناة المجتمع الفلسطيني من إهمال القضية الوطنية وتراجعاتها وغياب الأمل في تحقيق الدولة والاستقلال بسبب الضعف الذي لحق بشعبنا الفلسطيني جراء الانقسام .

إن قسوة تكاليف لحياة الباهظة وارتفاع الأسعار وتراجع الخدمات إلى الصفر في بعض محطاتها وحالة الاستنفار المستمرة في مجتمعنا الفلسطيني بفعل السياسات الحزبية الفئوية القهرية والخاطئة هنا وهناك وفقدان الأمل والقهر المتواصل للجمهور على كل الصعد من سلوكيات الرئاسة في رام الله والحكومة الحمساوية في غزة في قهر وتفتيت المجتمع الفلسطيني، سيجد هؤلاء المهمشين والفقراء والمعانين من مصادرة حقهم في الانتخاب لتغيير حالهم، طريقه للانفجار والثورة مهما كانت التكاليف واضعين نصب أعينهم الثورات العربية، ولن يدوم استمرار الضغط على المجتمع بحالة أمنية بوليسية متفاقمة وسينفجر الوضع في الضفة وغزة ضد السلطتين، ومهما كانت مجازرهم، فإن فعلوها عند ثورة الشعب، فسيحاكمهم المجتمع الدولي كما يحدث الآن لكل من قمعوا وقتلوا شعوبهم بتهم ارتكاب المجازر ضد الإنسانية وهكذا هي الشعوب عندما تغلق أمامها كل الآفاق تبدع في طرائق التخلص من الاستبداد.

إن المقهورين وشريحتهم الواسعة سيكونون في مواجهة النظامين المستبدين في غزة والضفة الغربية ومعهم البرجوازية التجارية الجديدة وطبقة المؤسسات الأهلية المرتفعة الرواتب والمتقاعسة عن حماية المواطن اجتماعيا واقتصاديا وحقوقيا،

إن الثورات العربية قد رفعت شعار " كرامة وحرية وعدالة اجتماعية " إلى الواجهة ورفضت الحكم الفاسد وحكم الإيديولوجية ورفضت الشمولية والحكم الديني وهنا رفض شعبنا النموذج الديني في الحكم وتراجعت شعبية حماس ويرفض الحكم الدكتاتوري المستبد في رام الله، فشل النموذجين في نقل شعبنا في قضيته الوطنية خطوة إلى الأمام وأصبحت الفصائل عالة على المجتمع لا تنقذه من الاحتلال ولا تنقذه من انتهاكات السلطتين وإدارة الظهر وعدم الاعتراف السريع بأوجاع المقهورين من الطبقات العاملة والفقيرة والمهمشة التي تعاني الفقر والجوع والمرض، وكما علمنا التاريخ بأن الشعوب تنتصر مهما كانت استعدادات الحكام للبطش والقمع وقتل الناس للحفاظ على السلطة سيمد الجمهور بطاقات اكبر لمواجهة الاستبداد.

السلطة في غزة وفي رام الله عليهم الاستجابة السريعة لمطالب الناس وليس إدارة الظهر وزيادة معاناتهم مرة باسم الأمن ومرة باسم زفة الأمم المتحدة وخاصة وان نظامي الحكم في فلسطين بات يقدم نماذج أسوأ من نماذج الحكم في البلاد العربية.

لم يعد العالم المتحضر يقبل نماذج حكمكم ولم يعد العرب يقبلون بانتهاك الكرامة وغياب الحرية والظلم الاجتماعي، فما بالكم، هل تتصورون إن الفلسطيني سيقبل وانتم تدمرون قضيته الوطنية وتدوسون كرامته بغطرستكم؟؟ أعطوا الشعب حقوقه في الانتخابات والوظائف والحرية والخدمات والحكم الديمقراطي وإلا فبديل الشعب مهما تأخر هو الانفجار في وجوهكم.

في الخلاصة نقول:
لقد قامت الثورات العربية لتحقيق الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية ولهذا لن ينجح الإسلاميين في الوصول إلي الحكم وفرض برامجهم إلا إذا تطور المجتمع أولا وأعطيتموه حريته وتغير أيضا الإسلاميين نحو النموذج الاردوغاني ( الأربيكاني ) ولكن الطرفين يحتاجان إلي سنوات كثيرة كما فعل اربيكان وجاء من بعده أردوغان وقبل المجتمع التركي بخاطره وقناعاته النظام الاردغاني، وليس بالقوة ، أما الآن في هذه الأثناء فلا احد يقبل الأخر ونموذج الثورات العربية واضح لم يرفعوا شعار الإسلام هو الحل بل رفعوا شعار الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وعلى الإسلاميين أن يقبلوا خيار الشعوب وينتظروا ودون لي عنق حركة المجتمع بالقوة والترهيب والمال والعدد.


6/9 / 2011م
[email protected]
www.dtalal.jeeran.com



#طلال_الشريف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استعادة غزة مقابل عدم الذهاب للأمم المتحدة
- الشهيد د. منذر باسم قريقع يبتسم لطفليه
- لولا الملامة لقلنا الكرامة تتآكل
- لماذا وماذا وهل ؟؟
- التدحرج من إيرز إلى قناة السويس
- أبشع جريمة سياسية في حق الفلسطينيين
- الإباحية الجسدية والإقتصادية
- الخطاب المرتبك آيل للسقوط
- سلام الشرق الأوسط يحتاج إلى تغيير المعادلة
- يا حكامنا الزؤام .. هذا حرام
- على هامش لقاء الرئيس محمود عباس في برنامج -مباشر- LBC
- غزة رام الله اسرائيل لا لسياسة الأمر الواقع
- غزة لم تقل كلمتها يا رام الله
- أبو مازن والتاريخ وفانتازيا الحظ
- اتفاق مصالحة لمدة أسبوع
- الحراك الشعبي الشبابي في فلسطين واتفاق المصالحة
- الحلقة الثانية في حوار الحراك الشعبي الشبابي في فلسطين
- الحراك الشعبي الشبابي في فلسطين
- تسونامي الانتفاضة الكبرى الثورة الثالثة يرعب نتنياهو
- حماس إلى الجحيم


المزيد.....




- مصممة على غرار لعبة الأطفال الكلاسيكية.. سيارة تلفت الأنظار ...
- مشهد تاريخي لبحيرات تتشكل وسط كثبان رملية في الإمارات بعد حا ...
- حماس وبايدن وقلب أحمر.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار ...
- السيسي يحذر من الآثار الكارثية للعمليات الإسرائيلية في رفح
- الخصاونة: موقف مصر والأردن الرافض لتهجير الفلسطينيين ثابت
- بعد 12 يوما من زواجهما.. إندونيسي يكتشف أن زوجته مزورة!
- منتجات غذائية غير متوقعة تحتوي على الكحول!
- السنغال.. إصابة 11 شخصا إثر انحراف طائرة ركاب عن المدرج قبل ...
- نائب أوكراني: الحكومة الأوكرانية تعاني نقصا حادا في الكوادر ...
- السعودية سمحت باستخدام -القوة المميتة- لإخلاء مناطق لمشروع ن ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طلال الشريف - ربيع العرب وربيع فلسطين