أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - عذري مازغ - يوميات مغارة الموت (4): تحية لروح الشهيد أوجديد قسو















المزيد.....


يوميات مغارة الموت (4): تحية لروح الشهيد أوجديد قسو


عذري مازغ

الحوار المتمدن-العدد: 3462 - 2011 / 8 / 20 - 16:48
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    


تتمة
كنت تكلمت عن الحادثة التي وقعت لنا وصديقي الطويل مع أحد المهندسين الأجلاء، حيث وصل فيه التهديد بين الطويل والمهندس حد رميه في البئر عندما توقفنا في المصعد عند فوهة المنجم رقم ثلاثة الذي انتهت فيه الأشغال، والحقيقة أن المسالة لم تكن تتجاوز عملية تخويف اتت اكلها بحيث دخل المسؤول سوقه واعتذر بالقول أنه سيسحق فمه كالنساء إذا عاد مرة أخرى للحديث عن الأمر، دخلنا إلى ورشة الميكانيك، اخبرنا المسؤول المباشر عنا بما حدث وكان يضحك وهو يخمن أن المساء لن يمضي على أحسن مايرام، فعند الثانية بعد الزوال سيأتي المدير المحلي وستقوم القيامة،كان صديقنا في العمل وأقدمنا في العمل المنجمي والمعروف بتجربته المحنكة في العمل النقابي أيضا قد سارع إلى طمأنتنا بانه لن يقع شيء، بل أكد انه في حالة قدومهم سيكون هو من سيواجه المسؤولين وليس نحن،، وصلت الساعة الثانية ونصف بعد الزوال موعد قبول الأطر على العمل في المنجم، وهي عملية روتينية يقوم بها هؤلاء بحيث يوجهون العمل ويكتبون بعض التقارير الخاصة بمسار الشغل، ثم تنتهي مهمتهم في الخامسة او السادسة مساءا، جاء إلى الورشة عندنا المسؤول المحلي بمنجم جبل عوام مصحوبا بضحيته التي أهينت في المصعد، وكانا ما أن توقفا ينتظران مجيئنا، حتى وقف فجاة الإطار المسؤول علينا وكان في عطلة، فرمل عجلات سيارته تقريبا عند قدمي المسؤولين ولم يتوانى ان دفعهما بطيرقة عنيفة مهددا إياهم بالقوة، وبأذم الأوصاف مرددا أن لا حق لهم في الدخول إلى ورشته إلا بإذنه مخاطبا في نفس الوقت إيانا كونهم من المقدميين والشيخة ولا يجب الإهتمام بهم، كانت الحادثة تبرهن بشكل غير مباشر على تدهور أحول الشركة، فالأطر غير منسجمة بما يظهر عدم التنسيق في الامور، بل إن البعض أثر ان يتظاهر بمكانته امام العمال في ما الشركة بشكل ما هي بمثابة عظم يزئر الكلاب حوله، فقد ترتب أن وضعت شركة لاكرام المؤسسة برمتها في المحكمة مقابل درهم رمزي، والخبير الأمريكي آكل الضفادع كان قد انهى تقريره الذي أعلن فيه عن تسيب عارم في الشركة: اكثر من عشرين عساسا لا يعسون شيئا، بل هم مجموعة من السخرة،بعض الورشات المنجمية كانت ترفا في الحفر فقط بدون أية نتيجة، الآلات الجديدة المستعملة في الحفر لم تأتي بالمردودية المطلوبة في الإنتاج رغم أنها ضاعفت من العمل وهناك تسيب على مستوى التسيير،المدير المسؤول حينها على المناجم محليا كان سجين مكتبه في ما رؤساء الأوراش كانوا المسؤولون الحقيقيون على التسيير، وهم لوجود هذا الفراغ على مستوى قمة الشركة محليا، إضافة إلى حلفي المتنافسين في الشركة الذان ذكرتهما في بداية هذه اليوميات، والذي يتلخص في تنازع الأطراف المساهمة في الشركة بوجود إدارة تابعة للدولة في شخص مكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية واخرى تابعة لشركة تويست التي تعبر عن مصالح الاستور البلجيكية (لاكرام) هذا التنازع ظهرت أثاره مباشرة على المستوى المحلي، وهو ما يظهر أن التكنولوجيا الجديدة لم تتغلب على مشاكل الإنتاج برغم نجاعتها، وهو وضع أداره حلف لاكرام بشكل مميز نظرا لتجربتهم الرائدة في سياسة المعادن على مستوى دولي وليس فقط في جبل عوام، فهم يملكون عدة مناجم في إفريقيا وامريكا اللاتينية، وربما في بعض مناطق آسيا أيضا، وهم راقبوا عن بعد سياسة التجاذب بين الكلاب الصغيرة عندنا حول قشة الشركة، بينما الخطة كانت تتجاوز بشكل كبير مجرد عملية التسيير على مستوى التطاحن بين منجمين تابعين لنفس الفرع، فرعين إضافة إلى الإدارة المحلية في تيغزة والمنقسمة فيما بينها هي الأخرى متأثرة بالوضع العام بين مدير مسؤول لكنه معزول عن كل شيء، والقائم باعمل الإدارة محليا والذي يلقبه العمال بالداهية، وهو في الحقيقة، كان ظاهرة زمانه وأذكر أنه كان يعرف كل صغيرة وكبيرة عن المنجم، وهو ادهى الأطر على الإطلاق، وهو لا يملك مؤهلات دراسية معلومة، لكن حنكته في العمل بسبب تقادمه، وطريقة إدارته للأزمات بين الشركة والعمال إضافة إلى ذاكرته القوية التي تحفظ كل اسماء العمال وارقامهم ومشاكلهم حتى بشكل كنت أعتبره شخصيا بمثابة حاسوب بيولوجي، قلت بأن هذا المسؤول في تيغزة كان هو المسؤول الحقيقي، بينما في جبل عوام وإغرم اوسار كانا في يد رؤساء الأطر في كل من المنجمين، وكانت المنافسة شديدة بين الطرفين اقصد إغرم اوسار ومنجم جبل عوام، والمنافسة هذه إن دلت على شيء فهي تدل بالدرجة الأولى على التسيب اكثر من شيء آخر، فمثلا كان إغرم اوسار يتوفر على أوراش معدنية بصمك ثمانية أمتار في بعض منها بينما في أغلبها أكثر من مترين وكان المنجم في عمق اقل بكثير من عمق جبل عوام، بينما جبل عوام كان صمك معدنه في الأغلب لا يتجاوز خمسين سنتمترا، وفي بعض الاوراش فيه يتعدى صمكه مترين، وهو ما يعنيه الأمر ومنطقيا أن إغرم أوسار أكثر إنتاجا من جبل عوام وأقل خصارة من حيث المصاريف، وكان الأمر يتطلب إدارة الأزمة بشكل منسجم عوض صراع القشة (العظم)، كان العمال بسبب المعطيات على الأرض أكثر نضجا من أطر القشة هذه، فالمعادن موجودة، والتكنولوجية الجديدة موجودة أيضا، وعملية الإستخراج كانت هي المشكلة، وكان يجب إدارتها بشكل يراعي كل الأطراف بما فيها إدارة تسويق الإنتاج، الورقة القوية التي كانت بيد شركة لاكرام الدولية، بشكل أستطيع القول بان نفوذها في السوق الدولية كان يلعب دورا أساسيا في هبوط السعر أو صعوده، بشكل كان تأثيره سلبا علينا، وهو ما لم نكن نستوعبه حينها بغياب المعطيات، وهو أيضا ما لا يستوعبه العمال في مناطق أخرى من العالم لنفس المنتوج، أو هم تابعون لنفس الشركة أحيانا، فنحن غالبا تصلنا أرقام الأسعار من خلال البرصات الدولية، ونعرف تأثيراتها بحسب الطلب والعرض، لكن لم نكن نعرف كيف يتأثر العرض والطلب بهذا الشكل أو ذاك، فالبرصات عادة ينظر إليها كميزان لقياس الزلزال أو قياس شيء متحرك لا يستقر ولا هي تستطيع ضبط أزمته، بينما الحقيقة في الإقتصاد هي انه يدار بحنكة خبراء في المضاربات المالية والإقتصادية، فلم نكن نعرف مثلا لماذا العرض فاق الطلب في فترة مقصودة بشكل يحدث رخاء هناك وأزمة هنا، ولا لماذا يفيض هذا العرض فترة ولا يكون له ظهور في فترات أخرى، فنحن في جبل عوام كنا نعرف حينها أن إحدى المناطق من العالم أنزلت كل فيضها حينها وتأثر سعر منتوجنا، فنحن منذ ذلك الوقت لم نسمع بهذا الفيض لهذا المنتوج حتى الآن رغم أننا كنا نعرف ان صمك المعدن هناك اكثر بكثير عندنا هنا، هذا على الأقل ماكانه تفسير أحد الأطر المنجمية آنذاك، وكنا أيضا نستوعب منه دروسا جديدة علينا حينها بخصوص مادة الرصاص الملوثة للجو، بخصوص امتناع الكثير من المؤسسات التي تستعملها عن شرائها، ومع ذلك ورغم هضمنا لمسألة التلوث، بدت تفرز معطيات بديلة حتى من داخل المنجم، وفي كلمة للكاتب النقابي المحلي حينها، والذي استشهد أخيرا في حادثة سير السيد أيوكو محمد (الذي أذكر اسمه هنا وفاء لروحه، رغم أنه طلع إلى علمي أن مدير الشركة الحالي يرفض كتابة هذه المذكرات التي لم أذكر فيها أسماء الشخصيات، ويعتبرها مسيئة له، كما هو بادر بسببها إلى معاقبة بعض سكان المنطقة عقابا لي، عقاب لي كيف؟ لا أدري، هي عقلية متحجرة ساتطرق لها في رسالة مفتوحة له مادام لا يعرف حدوده التي هي دائرة المنجم وحدود الكتابة حول تجربة ليست بغرض انتقام شخصي، بل هي بغرض تسليط الضوء على تلك المرحلة وبغرض النقد الذاتي نفسه )كانت كلمة الكاتب أيوكو وبشكل مقتضب ما يلي:
«بناء على تقرير الخبير الدولي (صاحب الضفادع كما أشرت) فإن ما تسرب منه إلى علمنا حتى الآن أن الشركة، تنوي إحداث تغييرات جدرية على مستوى هيكلتها، فهي تنوي التخلص من الكثير من العمال الذين قلت مردوديتهم بسبب السن أو العطب أو المرض، وبسبب ذلك اقترحنا ولإنقاذ جبل عوام مما يخطط له أن تتكفل الشركة بتسوية وضعية هؤلاء سواء مع صندوق التأمين أو التقاعد أو الضمان الإجتماعي، بادائها ما يتكلفه الأمر وهو ليس شيئا كبيرا على كل حال... كما أشير إلى ان الشركة ستغير من استراتيجية إنتاجها بعد اكتشاف معدن الفضة ليتحول المنجم، من منتج للزنك والرصاص إلى منتج للفضة ومعادن أخرى لم يفصح حولها بعد (سيتأكد وجود معدن الذهب فيما بعد) وربما سيصبح المنجم اكبر منجم بشمال إفريقيا من حيث قيمة منتوجاته وربما الثاني أو الثالث على المستوى الإفريقي...» (الكلمة كانت شفهية وغير مسجلة بل اعتمدت على ذاكرتي في استخلاص ما يفيد كتابتي هذه، واتمنى تصحيحا فيها من طرف العمال الذين حضرو هذا الجمع بقاعة السينما بتيغزة إذا أخطأت في معطياتها، رغم أن السيد أيوكو اكدها في اجتماعات فرعية مع عمال جبل عوام وإغرم اوسار نظرا لتأثير معارضتي له في قاعة السينما بخصوص أيام مجانية للعمل)
كان هذا بعض ما يفيد التغير في استراتيجية الشركة حينها، وهو ما تأكد حاليا، لكن في اتجاه غير النوايا الحسنة التي أبداها حينها الكاتب، رغم قبوله لتلك الحلول التي اقترحها هو وقبلها العمال في ذلك الجمع مفضلين التضحية ببعض رفاقهم على الوصول إلى حالة الإفلاس التامة، وهذا ما اكدته في موقع سابق من هذه الكتابة، بأن قرر الكاتب ان يعمل العمال بشكل تطوعي مجاني خلال أيام العطل لتفادي الإغراق في الأزمة، وأقبل العمال على ذلك دون ضغوط، أقول هذا من منطلق كوني شاهد عيان على هذه الأحداث، وعلى خلاف من اعتقد بأن العمل في أيام العطل تلك كان بضغط من الكاتب والشركة معا، لقد كنت عاملا ولم أعمل تلك الأيام ولم أتعرض لضغط ما حينها، وكان عدم عملي في تلك العطل هو بسبب من فهمي للأمور حينها، وقد شرحتها في الإجتماع نفسه، وهو فهم ميكانيكي على كل حال يستند إلى وعي بئيس مفاده أن الدولة بقوة جبروتها تستطيع أن تفرض على الشركة تحمل أخطائها، فإذا نحن في دولة لم ترقى بعد إلى مستوى الفهم الريكاردي (ريكاردو الذي انتقده ماركس في بعض إشاراته في القرن 19) لقد كانت فكرتي أن الشركة هي المسؤولة عن تسيب تدبير شؤونها المالية، وبالتالي فهي مسؤوليتها في تدبير أمورها(1)، فهو فهم ميكانيكي كما أشرت لغياب استراتيجية فهم الآخر في هجومه على مكاسبنا، وغياب أو جهل لمقومات الدولة عندنا كونها جهاز كولونيالي لا علاقة له بالوطن والمواطنين، و كذا غياب تعريف حجمنا كقوة عمالية محلية ومعزولة بعزلة منطقتنا وهذا ما بدا جليا أثناء المعركة البطولية التي خاضها العمال طيلة أكثر من اربع سنوات، بل حتى فاعلية النقابات الفرعية والفروع الحزبية التي ينتسب لها وطنيون حقيقيون بالتأكيد كما الجمعيات الحقوقية والثقافية التي تعاطت معنا بشكل كنا نشعر صراحة اننا لسنا وحدنا وكنا نفتخر بدعمها لنا، إلا أنها كانت مشلولة بالتمام بفضل علاقتها البنيوية بمركزياتها التي هي بدورها تمأسس المسرح السياسي العام لنظام كولونيالي متأزم على الدوام.
لا شك أن هذا كان يؤسس لبوادر وعي متجدر وصل في مناسبات عديدة إلى فهم جنيني لدى العمال وصل إلى حد الرهان على الوجود، وهذا ما يفسر التعاطي البطولي للعمال المنجميين رغم الوعي الحقيقي بأن العمل المنجمي، هو من الأعمال الجهنمية التي لا تستحق هذا الكم النضالي، لكن بفضل الدينامية النضالية كسب العمال عبر تاريخ المنجم مكتسبات أهمها أنها أسست لكرامتهم بشكل أحيانا وصلنا مستوى من العيش لم يتحقق لأطر تعمل في سلك التعليم والوظيفة العمومية بشكل عام، وأذكر صديق لي منذ ايام الدراسة وهو مدرس بالمنطقة الآن حين فجر صراحته الفجة في وجهي حين قال:
ــ انا مع الذي يحصل الآن للعمال من التشريد والتجويع، ولما سألته لماذا؟ اجاب هكذا:
ــ عمال رعاة من الجبل (يقصد بدو) لا يعرفون شيئا وهم بالشركة برتبة اجر أحسن منا (يقصد هم رجال التعليم)
ـــ لكن هؤلاء العمال البدو يستخرجون شيئا حقيقيا أكثر من إعادة تعليم معادلات فيزيائية انت تكررها للتلاميذ ولم تكن انت منتجها،، اخبرته أن هذا لا يشرف نقابة التعليم التي إذا أخبرتها حتما سيقاطعه الكثير من الأساتذة، وهم يساندون معركتنا.ثم طلب مني الفصح بخطإ آخر هو قاتل أيضا:
ــ لا أقصدك أنت وأمثالك كفلان وفرتلان، أقصد العمال البدو الذين لم يمضوا وقتا في التعلم ولا شيء آخر، كانوا رعاة
ــ يا أخي أنا الآن من العمال البدو والأنبياء كانوا رعاة بدو، وأنا الآن واحد من العمال البدو، لا يفرق الأمر في انطباعك، هم أيضا تعلموا حرفتهم مع الوقت كما تعلمتها أنت أيضا بفارق بسيط هو أنك تعلمتها على حساب جهدهم هم كمواطنين كانوا يؤدون واجب من علموك، هذا هو الموقف المبدئي، الذي لدى قطاع التعليم وليس موقف سجين بخرافة الوظيفة. ولا أدري لماذا تقول لي هذا ولم تثره في نقابتك التي أنت عضو في مكتبها؟ هل تريد أن أثيره؟
ــ لا، لا، أرجوك نحن نتكلم كأصدقاء، كان هذا موقف صديق في الدراسة أغلب عناصر عائلته يستفيدون من المنجم، ورغم أنه توفرت له وظيفة في القطاع العام فهو تنكر لكل ماضيه، فهو ابن عامل راعي هو أيضا، ووالده تأثر بنكهة البذخ والرفاه الذي توفر بقرية تيغزة الفريدة بوعيها السياسي والثقافي المنعدم بأغلب مدن وقرى المغرب، لقد كانت تيغزة متنورة وتشكل القرية النموذجية بكل حق وأصبحت الآن مجرد قرية للرماد، وما يثير حقا الكتابة حول مناجم جبل عوام، هو هذه المقارنة الفجة حين تكون تيغزة قرية الرصاص فيما مضى على خلاف كبير منها كقرية الفضة والذهب حيث يجب أن تكون أكثر حضارية مما كانت عليه في زمن الرصاص، وهذا شيء مثير للغاية ومحرج لهذه الكائنات السياسية التي تمسكت بجماعة الحمام لنهب غابة الأرز والبلوط بالمنطقة، وتركت منجم الذهب والفضة لأن الشركة بلجيكية أجنبية لا يثار حولها حساب. هذا جانب لا أريد إثارته الآن، إنما يثيره بكل تلقائية واقع التخلص من الزمن الكرونولوجي اللئيم، فهو لا يفهم إلا في ضوء المقارنة، وليس في تسلسله الخبيث حيث هو سجين توالي الأحداث بشكل لا ينتج معرفة بقدر ما هو يكرس امرا هو لطبيعة الأمور، والأمور هذه هي تثبيت السائد منها من حيث هو السائد سياسيا، في حركة رجعية هي تزكية العودة للنضال لكسب ما كسب ماضيا، هكذا بحركة ذهنية، عمليا كرست التصفية القضائية واقعيته من حيث هي الأثر السياسي (التناقض الرئيسي الذي يكرهه الكثير) الفاعل في تثبيت واقع معين هو واقع الهيمنة الكولونيالية على المنطقة، اما في واقع الأمر فإن مناجم جبل عوام تمثل ثروة طبيعية وطنية يجب أن تستفيذ منها المنطقة وإلا في زمن قادم ستصبح التهمة بديهية جدا: لقد انتهى الرصاص الذي حمل تيغزة إلى زمن متقدم عن عصرها (وسنعيد ترانيم البكاء على الأندلس وغرناطة التي وصفها محمود درويش في قصيدة رائعة مطلعها: غرناطة من ذهب)، وهو هنا عصر التلوث وعليها أن تتخلص من بيئة التلوث باحتضانها عملية نهب الغابات بالمنطقة لأن الذهب والفضة فيها ليسا مجرد أشياء لا تنتمي إلى المغرب الفقير والذي سينتهي بدوره في ظرف سنين معدودة، بل تنتمي إلى شركة لاكرام الغنية، والموقف من قضية مناجم جبل عوام هو موقف الوطني من اللاوطني وهو مسؤولية سكان كل المنطقة والموقف هذا هو موقف في شكله العام، ضد سياسة التشريع التي تؤسس لزمن النهب تحت وضاعة جهاز دولة يفتقد إلى حس المواطنة تحت شعار تشجيع الإستثمار.
لعل نبوءة الكاتب المحلي في زمن هذه اليوميات، كانت تنبئ بمكانة منطقتنا كقوة اقتصادية فاعلة، لكن للكاتب أيوكوا هذا وهو ينام إلى الأبد، حيث حضر إلى جنازته كل جمهور مدينة مريرت، الذين عليهم أن لا ينسوا بأن كون جبل عوام أحد اهم المناطق في استخراج الثروة الباطينية إفريقيا، عليهم أن يستحضروا أيضا بأن منطقتهم هي افقر المناطق على الصعيد الإفريقي، وليس الأمر ناتج عن غياب الثروة، بل هو ناتج عن غياب العقل المدبر لها، والعقل هذا هو بالضرورة هو عقل وطني مقابل عقل خوصصي لا وطني.
لقد ابتعدت كثير عن موضوع اليوميات، وأثرت أن القراءة الكونولوجية لا تتيح فهما اعمق بقدر ما توثر أسفا على الأيام الكرام، والتي ليس منها غرض كتابتي هذ لها، بل الغرض هو استحضار عنصر القوة في نضالات جبل عوام، وعنصر الضعف فيها بشكل يسمح أن نوثر عبر النقد الذاتي الذي لممارستنا النضالية أن يكشف مواقع هفواتنا، وان يوثر مسارا آخر كان علينا أخذه، ونعرف سابقا أن النضال المحلي كان فائقا لدرجة غير محسوبة، لكن خضعنا في كل مساره، لأشكال من الفهم كانت مفاجئة تماما لوعينا البدوي كما أشار الأستاذ السابق . لهذا سنعود إلى نمط الكرونولوجيا التافه لرصد بعض معطياتنا التي سبق أن انطلقنا منها، وأزعم ان هذه اليوميات لن تكون ناجحة إلا بمشاركة كل الذاكرة العمالية التي دشنت ملحمة النضال هذه، بمعنى أن هناك أشياء نسيتها تماما واود إثارتها ولم تسعفني الذاكرة، وأعرف مسبقا أن هناك عمال أفذاذ كأوجديد قسو الصديق العزيز الذي كان يكبرني سنا وتجربة وذاكرة أيضا صاحب الخط الجميل في كتابة الفرنسية والذي لم يشفع له خطه الجميل وتعبيره السليم باللغة الفرنسية (خطه الجميل هذا كان سيجعل منه خطاطا أكثر منه عامل منجمي) أن يكون من أطر الشركة بسبب نضاله الصلب، و الذي توفي مصدوما بفعل قرصنة الشركة لمعاشه ورصيد سنوات عمله التي فاقت 32 سنة أو أكثر، هذا المناضل الكبير الذي تناسته الأجيال بسرعة هائلة، تأسفت لموته، ولم تقل شيئا عن صدمته وفاجعته التي قتلته، كان يملك في جعبته اكثر مما كتبته شخصيا حتى الآن. والذي سأعتمده كثير في ضبط مذكراتي، وأعتبر موته المصدوم في معاشه، راجع في جانب كبير منه، إلى طريقة استغلاله في المنجم (وهذا ما يشهد به الكثير من العمال) من طرف المدير المسؤول حاليا على المنجم (أقصد استغلاله من طرف الشركات المكروبية ك E.S.G وشركة تيغانمين وشركة مقيدم وهي أسما تشبه أسماء عفريت إغرم اوسار المنفلت من حساب التاريخ: السلطان الأكحل أو الجن الأسود) والتي لم تراعي في توظيفه في العمل اهمية أقدميته، على الأقل لتحافظ على معاشه الحقيقي عوض معاشه الذي صدمه كما لوعمل لمدة سنة في المنجم وهو ما أدى بازمته التي طرحته ميتا، وحين أتذكره اتذكر أيضا رفاقه الذين هو من علمهم لبس الكرفات (رابطة العنق) وعلمهم كيف يتعاملون مع الجنس الآخر باسلوب حضاري وعلمهم أيضا كيف يناضلون، والذين لم يثيروا ولو جميلا صغيرا لاستعادة أطفاله وأسرته شيئا مما ضاع من سنوات عمره. لقد كان موته فاجعة لذاكرة مناجم جبل عوام أيضا والتي لا أمثل منها سوى حيص من بيص كبير، بسبب اني عايشت اكثر تفاصيلها كابن عامل وليس كعامل تفاعل مباشرة مع كنهها، وكانت تجربتي في المنجم لا تمثل سوى هذا البيص القليل من تجربة تاريخية لا تقارن ب 32 سنة بالتأكيد، (أمثل منها تجربة أربع سنوات) وهو ما يجعلني أعتبر العامل أوجديد قسو شهيدا حقيقيا للحركة النضالية بجبل عوام. لقد مر بتجربة النضال في مناجم جبل عوام أشخاص لا يمكن نسيانهم بهذا التعسف التاريخي المؤلم كوالد الشهيد أيوكو محمد نفسه، ولا يمكن نسيان حركتها الثقافية التي أعطت بوادر حركة ثقافية مشهود لها بعطائها كالفقيد بوجمعة، ولا آخرون أثروا الحركة المسرحية والحركة الفنية فوق مسرحها،كالطفلة التي كانت تغني فيروز بجوهرية صوتها، أو الذين غنوا على مسرحها أغاني مارسيل خليفة وغيرهم، أو أولئك الذين رددوا مقاطع رائعة للعيطة المغربية وناس الغيوان ونبرة المبدع الامازيغي مغني محمد وآخرون، وأعتذر مسبقا لروح الكثير من شهيدي الحركة النضالية بمناجم جبل عوام على كثرتهم والذين لا تسع ذاكرتي هذه للتطرق إلى القضايا التي آثروها في تاريخ المنطقة، أكيد كنا نحن الورثة الحقيقيون عايشنا الكثير من مكتسباتها، لكنني أثير وفاء لهم، ماوصلته تيغزة الجميلة التي كما كانت تثيرها الأغنية الشعبية الجميلة:
“تيغزة يالوردا، عليك إطيح الندى”،
(تيغزة أيتها الوردة... عليك يسقط الندى)
كما أثير ما آلت إليها كتيغزة الرماد وليس الورد (وبالطبع لا أحد يغني هذا الكفر أو هذا الجحيم الآن) ولا أغاني جديدة بتيغزة حتى الآن بشكل يثير سؤال مستطيلا يفوق المطلق: كيف تصير تيغزة الوردة بهذا الشكل المكفهر الذي يعبر عن الموت، وليس عن الحياة؟.لقد خانني ان التزم بالخط الكرونولوجي الزمني الذي اكرهه أصلا بشكل يدعوني ان اوقف عناني وأعود إلى احداث 92 و93 وما بعدها(2)، واعتذر مسبقا للقراء كوني لا أثير تسلسل الاحداث بقدر ما اثير تسلسلها مقارنة بالوضع الحالي، ولا أخفي نبرة التحريض هذه التي سيتهمني بها مدير الشركة الحالم، وهو تحريض مشروع بالمقارنة التاريخية بين تيغزة متقدمة ومتطورة على زمانها وتيغزة متربعة على عرش الموت كهذه التي عبرت عنها بتيغزة الرماد، والأمر عندي، تكرارا أشير إليه: ليس انتقاما من احد، بل هو غيرة تاريخية والموت، كل الموت لمن لا غيرة له حسب القول الشائع .



(1)كنت أعتبر الأمر حينها حملة ضدي بينما هي كانت تهدف إلى بناء استراتيجية دفاعية ضد الشركة، وهي أيضا استراتيجية متأثرة بفهم ريكاردو في شقه الإسلامي، لكن بشكل معكوس تماما فالكاتب هذا كان من جماعة العدل والإحسان، وكان يثير العمل التطوعي هذا ليقول للدولة بأن عليها أن تتحمل مسؤوليتها لما يخطط لساكنة بأكملها وهو في نفس الوقت يعمل بما هو متمكن في يد العمال لتبرئة ذمتهم مما يخطط للمنطقة من آثار هي تعيش تجلياتها حتى الآن، لكن الدولة ومؤسساتها كانت أخشابا مسندة، وسنلامس هذا في بقية اليوميات
(2)ملاحظة اخرى: بصدق كبير أتمنى أن يصحح الكثير من اصدقائي وهم أصدقاء عزيزون وكبيرون في النضال بكل التأكيد الحقيقي والصريح، وليس هذا مجاملة مني، رغم اختلاف وجهات نظرنا وهم متابعون بالتأكيد وهم احياء حتى الآن، وهم يتابعون مسار الأحداث التي اذكرها وهم بالتحديد المناضل حسن أهلامين الموجود حاليا بمدينة السمارة والذي كنت معجبا به أيما إعجاب، وهو صاحب نظرية: «إن لم تستطع ان تخرج من مأزق ضحد البيروقراطية في موقع ما، فبطل نضالك لانك لا تستطيع أن توثر تغييرا على مستوى جهاز الدولة ما لم تستطع التأثير على مستوى التأثير على بيروقراطية النقابة: إن لم تستطع مواجهة بيروقراطية النقابة فانت حتما لن تستيطع مواجهة بيروقراطية الدولة»، لقد كان اهلمين حسن وحده يشكل مدرسة جبل عوام بنظريته هذه التي لا زال صداها حتى الآن لم يؤخذ بعين الإعتبار، والسحاقي الموجود بتيغزة نفسها وهو أيضا صاحب نوادر جميلة تذكرني بالمعركة داخل المنجم في الإعتصام النادر الذي هو موضوع يوميات مغارة الموت، وزكرياء محمد ايضا بالقرية نفسها الذي، من موقع قيادته فرع الكونفدرالية للشغل، يثير نقدا لاذعا لاطر النقابة في تعاطيهم مع قضية العمال، ولا هو متاثر من مسار التحزب، وهذا هو الجميل في جبل عوام حيث قضايانا مترفعة على قضايا التوجهات الحزبية أو النقابية وهذا ربما ما يؤسس لهجانة موقفي من الستالينية، واحتقاري لكاريزما القيادات النقابية والحزبية، وليس تأثري بتيارات ماركسية معينة، وهم أقصد هؤلاء الرفاق المناضلون، مثقفون ولا تنقصهم الجرأة النقدية او هم تنقصهم الكتابة، وأنا شخصيا لا أدعي أني متمكن بشكل خارق من تراتب الأحداث، بل اذكرها بحسب قريحتي التي لا تخلوا من سلبية تأثرها بالمسار النضالي للعمال. لكني سأدعي بان صمتهم هو تأكيد لمحتوى يومياتي إذا هم أثروا الصمت، فالكتابة حول مناجم جبل عوام تثير صراحة جهد كل مناضلي جبل عوام، تثير أيضا حتى الرفاق الطلبة الذين تابعوا الأمر من بعيد أو من قريب، واغلبهم أبناء العمال من الطلبة ورجال التعليم، وليس كتابتي فقط، لا أنكر اني ساخر في كثير من المواقف بشكل يسيء الفهم، لكني صراحة أوثر الموضوعية في نقل الأحداث الكرونولوجية بأمانة حقيقية، وهذا ما أعتقده على الأقل، إن لم يصحح احدهم استنتاجاتي.




#عذري_مازغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 20 فبراير هي الضمير الوطني لجميع المغاربة
- القديس آمو
- الماركسية في تفكيك أمير الغندور، الغندور منتحلا شخثص الفاهم ...
- الماركسية في تفكيك امير الغندور: عودة إلى القياس الفقهي
- الماركسية في تفكيك الأستاذ أمير الغندور: في غياب السؤال المع ...
- الماركسية في تفكيك ألأستاذ امير الغندور: النزعة التلفيقية
- الماركسية في فقه الأستاذ أمير الغندور
- من حكايا العبور: سعيد الميركرودي
- عودة إلى الصراع الطبقي والماركسية
- لقاء مع بيكاسو: حي الجيتو
- حول الصراع الطبقي والماركسية
- حول الصراع الطبقي، رد على الزميلة مكارم
- مغرب الإجماع البليد
- نحو آلية عالمية للتنسيق بين ثورات الشباب في كل العالم
- حول الدستور المغربي الجديد.. لتستمر الثورة
- كلمة حق في استشهاد مهدي عامل
- مارك فلوباييه:إعادة تأسيس المساواة هي في نفس الوقت استحالة ت ...
- صلاة لأجل المرأة
- الماركسية في توجسات مارك فلورباييه
- يا لربيع الثورات عندنا


المزيد.....




- “حظك حلو لو منهم!!” إيداع مصرف الرافدين 25,000,000 دينار للم ...
- طلاب -كلية ترينيتي- الإيرلندية ينصبون مخيما احتجاجا على حرب ...
- “لا تفوت 15000 د.ج!!”.. رابط التسجيل في منحة البطالة الجزائر ...
- طلاب بجامعة برينستون الأمريكية يضربون عن الطعام تضامنا مع غز ...
- تجديد منحة البطالة كل 6 أشهر عبر موقع الوكالة الوطنية للتشغي ...
- “هتقبض امتي” موعد صرف مرتبات شهر مايو 2024 بعد زيادة الحد ال ...
- شوف اسمك منهم حالاً.. إيداع مصرف الرافدين 25,000,000 دينار م ...
- جامعات أمريكية تبدأ بالخضوع لبعض مطالب المحتجين الداعمين لفل ...
- عاجل!! لينك تجديد منحة البطالة في الجزائر 2024
- طلاب بجامعة برينستون الأميركية يضربون عن الطعام تضامنا مع غز ...


المزيد.....

- التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت ( ... / روسانا توفارو
- تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات / جيلاني الهمامي
- دليل العمل النقابي / مارية شرف
- الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا ... / خميس بن محمد عرفاوي
- مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها / جهاد عقل
- نظرية الطبقة في عصرنا / دلير زنكنة
- ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟ / محمد الحنفي
- نضالات مناجم جبل عوام في أواخر القرن العشرين / عذري مازغ
- نهاية الطبقة العاملة؟ / دلير زنكنة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - عذري مازغ - يوميات مغارة الموت (4): تحية لروح الشهيد أوجديد قسو