سيناء، وأوهام التعمير

سعيد رمضان على

الحوار المتمدن-العدد: 3454 - 2011 / 8 / 12 - 17:23
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    

يحلو للبعض الكلام عن سيناء لمجرد تمضية وقت الفراغ ، ويتكلم آخرون عنها لاجتذاب الأنظار .. لكن البعض يصيبهم الخوف حقا ، ويتكلمون لمجرد سماع صوت، يخرجهم من القلق الذي يضغط عليهم .. عموما فأن أفكار كثيرة تطرح تصيب بالدهشة.. كتلك الأفكار عن التعمير لمنع الاحتلال والجدار البشرى العازل.. والكلام عن توطين ثلاث ملايين مواطن، في خطة المشروع الذي مات وأقصد به المشروع القومي لتنمية سيناء .. وتدخل كل هذه الأفكار في باب الأوهام.
وبعد وفاه المشروع القومي لتنمية سيناء، الذي بدأ حياته عام 1994، ظهر مشروع القوات المسلحة الأخير ، بتوطين مليون نسمة بحلول عام 2036، أي محتاج لخمسة وعشرين عاما ليتحقق.. وهو مشروع إعلامي قبل أن يكون واقعي .. اعتمد بعض أفكاره على أفكار قديمة كانت موجودة بالمشروع القومي لتنمية سيناء ، طرحت عام 1994مثل توطين مليون مواطن، وزراعة واستصلاح 400ألف فدان في شمال سيناء على ضفاف ترعة السلام .
وبداية، فأن الجدار البشرى العازل ، يعنى وضع مدنيين أمام المدافع، ووضع المدنيين يمكن أن يمنع في حالة الأخلاقيات، كخلو المدافع من القنابل .. لكن الحروب لا مجال فيها لأي أخلاق فالمدافع محشية بالمتفجرات تتحكم فيها أيدي عصبية لأشخاص متوحشين.. ومع الصهيونية فالأخلاق تنعدم تماما باسم العدل والحق .. والمدن المزدحمة بالسكان كفرنسا لم تمنع النازية من احتلالها، ولم تمنع المدن الفلسطينية الصهاينة من اكتساحها وتدميرها .. فالحديث عن الجدار البشرى العازل من المدنيين ، لحماية سيناء من الاحتلال ، كما أنه وهم ، فهو غير أخلاقي .. والمفترض ان نطلب إعادة انتشار القوات المسلحة .. فهي قوات مصرية تتحرك على أرض مصرية .. وأي احتجاج باتفاقية سلام لا معنى له .. فالذي يتخلى عن السيادة المصرية فوق ارض مصرية، لا يملك الحق على توقيع وثائق دولية باسم مصر ..
أما مسألة توطين مليون أو ملايين فهي أمل ننتظر أن يتحقق ، رغم انه يناقضه الواقع ، لأن المشكلة التي ستظهر ، أن سكان سيناء أيضا المقيمين فيها حاليا ، لديهم أولادهم ، وهم بحاجة لفرص عمل، وفى حالة عدم وجودها ، سيتجهون لمحافظات مجاورة بحثا عنها .. السخرية هنا هو أحلال سكان بدل سكان .. و قد ظهر من فترة ما سبق ان حذرنا منه من سنوات، أي ظهور مؤشرات بطالة مؤثرة في حياة السكان بالسلب، فأتجه البعض لعمليات تهريب وسرقة وزراعة البانجو ..
تظهر المشكلة، بتوضيح أكثر، عندما نقول أن عدد سكان سيناء الحاليين ، سيتضاعف كل خمس سنوات .. وسيبلغ المليون في عقدين تقريبا ، وإقامتهم ستكون قرب مصادر المياه .. ولعدم وجود وظائف تستوعب كل هذا العدد ، فالاتجاه سيكون زراعي وتجارى وصناعي ، عبر المشروعات الخاصة ، وتبعا للمنطق فالمياه مطلوبة .. مياه للشرب لمليون مقيم، وملايين وافدين .. ومياه للمشروعات الزراعية والصناعية ، نحن من أجل سد النقص ، سنحتاج نهر نيل فعلى، لا ترعة قائمة على مياه صرف زراعي، بعد خلطها بماء النيل لاستخدامها في النواحي الزراعية والمزارع السمكية، تلك مشكلة من أعقد مشكلات تنمية سيناء، ويواجه الوادي نفس المشكلة، لكن بصورة هائلة ، فزيادة السكان ستتضاعف في ظل مشروعات المياه الحالية، لتصل إلى حوالي مائتي مليون ، تتبعها احتياجات كثيرة من المياه ، رغم النقص في الموارد ومشاكل نهر النيل مع الدول الأفريقية ، وهى أيضا بحاجة لموارد مياه أكثر مع انفجاراتها السكانية .
مما يعنى أن أي مشروعات في سيناء ، ستعتمد على أعالي النيل ، وليس النية الطيبة .. والأحلام الوردية .. حتى دعاوى الوطنية لا تفيد ، بدون عقول نيرة تحل مشاكل المياه..
مشكلة أخرى نضعها في الصورة .. فسيناء لها جيران .. قطاع غزة وإسرائيل، والأمن هناك يعتمد على المياه .. وحل مشكلة غزة وإسرائيل موجود مستقبلا في نهر النيل .. ويطرح كتاب ( السد العالي هرم الإرادة المصرية ) فكر خبير المياه الإسرائيلي ( اليشع كلى ) التي يتلخص في أن حل مشكلة المياه في إسرائيل يمكن حلها في واحد في المائة من مياه نهر النيل ، وان ذلك الحل يحل مشكلة شمال سيناء وقطاع غزة ، ومشروع ( شاؤل أرلوزوروف ) النائب السابق لمدير هيئة المياه الإسرائيلية يطرح أيضا نفس الأفكار ..
وربما يطرح البعض مشكلة أخرى تمنع الاستقرار ، مثل الإرهاب والقتل وقطع الطرق ..لكن
كل ذلك طارىء سوف يختفي ، ذلك أن سيناء بطبيعة تكوينها غير قابله للاستغراق في عمليات التطرف أو التشدد الأيديولوجي.. وغير قابلة للخروج عن عرف القبيلة .. وما يخرج عنها سوف يعود إليها، وأي كلام عن أمارة إسلامية وغيره هو وهم .. وخرافة من الخرافات .
--------------
هوامش وإحالات:-
1- السد العالي /محمد الشافعي ومحمد يوسف / الهيئة العامة لقصور الثقافة 2007

#سعيد_رمضان_على (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات