أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - جهاد علاونه - صديقي قاسم في ذمة ألله















المزيد.....

صديقي قاسم في ذمة ألله


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3447 - 2011 / 8 / 4 - 02:24
المحور: حقوق الانسان
    


كأن الموت بالنسبة للإنسان اكتمال في النمو وزيادة في العمر وليس نقصاً في العمر وكأن قصة الموت قصة اكتمال لخلق الإنسان وليست قصة عذاب في القبر بعد طول عذاب فوق الأرض والقبر, فالإنسان لا يكتملُ خلقه إلا بموته ولا تظهر أخلاقه الرفيعة إلا بعد موته, وكأن الموت ليس موتاً بل مرحلة ثانية من مراحل خلقه أو مرحلة أخيرة من مراحل الخلق تظهر فيها كُلَ جماليات الإنسان المتوفى, وأنا أشعرُ بأنني بحاجة لمن يقدم لي العزاء اليوم بصديقي قاسم لكي تظهر أمامي صورة الإنسان النقي التي حاول المرحوم قاسم أن يظهرها للناس دون أن يصلي وأن يصوم فكان رحمه المولى يقول لي: أنا صادق بدون ما أدخل مسجد وأخرج منه, فالإنسان لا يظهر جماله إلا بعد موته ولا يظهر صدقه للناس إلا بعد موته, وكأن الناس تتشككُ في صدق بعضها ولا تكتشف حقيقة الإنسان إلا بعد موته, هذا المخلوق الذي اسمه إنسان غريب جدا في نموه الذي لا يكتمل إلا بوفاته فيحاول الإنسان أن يوصل للعالم رسالته ولا أحد يصدقه إلا بعد موته, وليس صديقي قاسم هو وحده الذي ظهر جماله عند وفاته, بل كل الأموات على وجه الكرة الأرضية يظهر جمالهم وهم في حالة الموت وكأن الموت أو كأن في الموت قصة أخرى من قصص ولادة الإنسان واكتماله حيث يكون الاكتمال راحة للإنسان من تعبه وشقاءه الدنيوي, ويبدو أننا جئنا لنشقى في الحياة لنرتاح بعد ذلك في الموت, وهذا الاكتمال لا يظهر إلا في حالة الموت, وأغلب الناس لا يعترفون بجمال الآخر إلا بعد موته فيصفونه بأوصاف تجعلك وتجعلني نقف لنؤدي للميت التحية وكأنه جنرال عسكري, ولو عرفنا جمالياتنا واعترفنا فيها لبعضنا البعض لعشنا على وجه الكرة الأرضية ملوكا عظماء بدل أن نعيش ملوكا تحت الأرض, وعندنا مثل يقول(الميت تطول أرجله) وأنا أقول ذلك من منطلق تجاربي على عدد ما رأيتُ من أموات, فكل الأموات يزدادون جمالا عند موتهم ويزدادون في أخلاقهم رفعةً وطولا وتألقاً وسمواً, والناس لا يذكرون محاسن أي شخص إلا عندما يموت, فحتى ألد أعداء قاسم وصفوه لي بأجمل الأوصاف كما ستلاحظون بعد قليل.


بعين لا تكف عن ذرف الدموع, وبقلب ينبض بالألم تلقيتُ ببالغِ الحزن والأسى... وبمزيدٍ من مشاعر الحب والأسف نبأ موت صديقي(قاسم) الذي طال غيابه عني في الآونة الأخيرة ما يقربُ من عام ونصف العام علماً أنه كان دائماً على بالي لم تفارق صورته خيالي وهو معجبٌ بي كلما تكلمت معه وكلما حدثته في أي موضوع كان يقول لي(ما أروعك يا جهاد)..(إحساسك بالكون مثل إحساس أينشتاين في الذرة) وخصوصا كلما وصفت له محبوبتي(نانا) كان يقف يؤدي وكأنه يؤدي لها التحية العسكرية , فكنت أقول له: هذه التحية لها؟ فكان يرد ضاحكا بل هي للوصف الجميل يا أروع رومانسي رأته أذني وسمعت به عيني.. وكان يرفض أن أريه صورتها وكان يكتفي في الصورة الذهنية التي أخلقها أنا من وحي مخيلتي وأصورها له عندما أشطحُ بخيالي بعيدا واصفا له جمالها وعشقي لها وكان يحسدني عليها ويقول لي من أين أتيتَ بها هذه من المستحيل أن تكون امرأة شرقية سنموت ونحن نحلم بالحب الحقيقي يا جهاد ثم يقول لي: تابع وصفها وصف لي مرة أخرى عيونها أرجوك أن تعيد كل ما قلته ودعني أطرب وأنت يا جهاد حين تصف شيئا يكون أجمل من الواقع لأن نظراتنا فيها غش وأنت لا تغش ولا تكذب بمشاعرك صفها دائما لي بمشاعرك لا أريد أن أراها بعيوني إن العيون تكذب ولكن المشاعر الصادقة لا تكذب صفها لي بكل ما أوتيت من إحساس وشهوة عاطفية, فأصف له تنورتها القصيرة فيقول لي: يسعد ربك أي عشت في ألمانيا عشر سنين ما شفتش فيهن تنورة مثل تنورتها ولا قلب ولا ثقافة مثل ثقافتها, أنت ترى نانا بمشاعر حقيقية... والمصيبة الكبرى أنني تلقيت الخبر متأخرا بسنة ونصف على الأقل, فقلت للذي صادفني وأخبرني عنه : صف لي كيف مات؟فقال: لم أرَ في حياتي ميتا جميلا مثل موت قاسم ولا أدري هل تلك حالة خاصة بقاسم أم كل الأموات هكذا؟, كان وجهه مثل البدر في ليلة تمامه, كانت عيونه وهي مفتوحة تتسع للكون قبل تسبيلها, كان أجمل ميت رأيته في حياتي, كان يعاني في الآونة الأخيرة من (تليف على الرئتين ) بسبب كثرة التدخين, هذا عدى تناول المهدءات العصبية.


إن الذي لفت انتباهي في موت قاسم أن جميع من شاهده وصفه لي وكأنه ملك من ملوك الجمال أو جنرالا عسكريا, فقلت لكل شخص وصفه لي(أخ بس لو قلتم له هذا الكلام وهو على قيد الحياة !!لعاش سعيدا دون أن يتناول أي مسكن ألم, لماذا كنتم تخفون عنه حقيقته الجميلة والرائعة وجماله وصفاته لماذا كنتم دائما تشعرونه بأنه تافه وعديم الفائدة ومغترب عن العالم وتطالبونه بالنزول إلى مستواكم.؟؟.لو قلتم له هذا الكلام وهو على قيد الحياة لعاش أكثر من 100عام في هناء وسعادة؟ لماذا لا نعترف لبعضنا بجمالنا؟!). طبعا أنا لا أنكر أيضا بأنه فعلا كان في الواقع والحقيقة أجمل من البنات في الشكل والطول والخصر وتناسب الوزن مع رجل طوله بطول قاسم تقريباً 180 سنتمتر بوجه أبيض مثل الثلج وكان في البيت عبارة عن رجل غربي وليس شرقيا, والغريب في الموضوع هو أن الميت دائما ما يكون وصفه جميلا حتى لو كان عبدا أفريقيا, الميت دائما تظهر بعد موته كل جمالياته وكل محاسنه وتظهر رسالته واضحة دون نقاش فالكل قال عن قاسم ما كان قاسم يحلم بأن يسمعه من الناس وكأن الإنسان فعلا حين يموت تظهر كل جمالياته من خلال قصة موته, وعدى عن ذلك يفهم كل الناس ما كان يريد الميت حقا أن يقوله, طبعا رفعت سماعة التلفون وسألت كل من شاهده فما كان من كل شخص إلا وجعله نبيا أو حكيما أو ملكا, علما أنهم جميعا وقاسم على قيد الحياة لا يذكرون لي إلا مساوئه وعيوبه, ولكن بعد أن مات أنكر الجميع أي عيب بسيط أو كبير في شخصيته, الكل قال لي بأنه رغم شكوكه في الحياة الدنيا والآخرة كان طيب القلب وطيب اللسان, ومما زاد حزني عليه أنه توفى بعد يوم أو يومين من استلامه مكافأة نهاية الخدمة في جامعة اليرموك, فلم يتمكن من أن ينعم بالألوف المؤلفة التي صرفها من مؤسسة الضمان الاجتماعي, مات بعد يومين ولفظ أنفاسه الأخيرة في المستشفى, كان قاسم يشعر بأنه متميز عن الآخرين بفكره وعقله النير وسابق لزمانه, لم يكن صاحب شهادة علمية كبيرة ولكنه كان صاحب رؤيا عجيبة وكان يشعر بالاغتراب عن هذا العالم بفكره وعواطفه, عاش 45 سنة من عمره رومانسيا على الآخر ولم يكن بخيلا أو مقترا أو حريصا على المال, كان يصرف أمواله بجنون, وكان يبدد كل ما في جيبه قائلا: هذا لي والذي أعطاني سيعطي أولادي من بعدي بعكسي أنا الذي لا ينفق ماله إلا على أولاده,كان في هذه النقطة بالذات مختلفا عني كثيرا, أما باقي الأمور فقد كان يشبهني فيها, وكان حنونا وكان صبورا وكان دائما في ضحك وفي استمتاع, وكان رغم كل ذلك أكثر صاحب لي يتناول المهدءات العصبية, ومرة بكيت عليه وهو على قيد الحياة بدمعة خفيفة وحرقة في العينين حين قلت له: كل ابتساماتك مليانه آلام وحزن, أنت يا قاسم لا تضحك وإنما تتألم, كنتُ أنا الوحيد الذي كلما شاهده ضاحكا أتألم لأنني كنت أكتشف الألم الكبير خلف كل ابتسامة عريضة تخرج من بين أسنانه البيضاء جدا رغم أنه كان مدخنا شرهاً, ومرة قلت له: لو كان ضحكك وابتسامك فرحا لَما أخذت كل تلك الأقراص المهدأة, فكان يقول لي: وأنت سيأتيك يوم تتناول فيه المهدءات فقد سبقني إليها بأكثر من عشر سنوات, وأنا تناولت المهدءات بعد أن تناولها هو بعشر سنوات, وكنتُ أتحداه بأنني سأعيش طوال عمري دون أن أتناول أي مسكن للألم, وكان يقول لي : سألتقي بك يوما في العيادة النفسية وفعلا التقاني سنة 2002م وهو خارج من العيادة وأنا داخلٌ إليها فابتسم وضحكت بصوت عالي وعزمني على فنجان قهوة من بائع متجول.

والمهم في الموضوع أن كل الناس العارفين بقاسم يذكرون كل محاسنه ويذكرون حكمته وفلسفته في الكون وبراعته في اختيار الألفاظ رغم أن الجميع كان يقول عنه بأنه متكبر ومتعجرف ويعيش في زمن ليس زمنه ويرى حجمه أكثر وأكبر وأطول من اللازم, كان لا يهاب من كبار المسئولين والمدراء, وكان جريئا في أرائه الدينية أكثر مني, وكان متشككا في كل شيء.

كان قاسم رحمه المولى يقول لي: نحن جئنا إلى هذه الدنيا بدون أن نستشار وبدون أن يؤخذ الإذن منا,أو حتى رأينا ورغم ذلك نحاول أن نعيش أحرار فنطالب بالحرية وبالديمقراطية لأننا نعرف أنفسنا بأننا عبيد في مجتمع تسود فيه الأسياد ويستعبدُ فيه العبيد, إننا نحاول أن نتحدى كل القرارات ونحاول أن نعيش بحرية لعلمنا أننا لسنا أحرار, أين هو الإنسان الحر ألذي يأتي بمحض أرادته ويغادر بمحض أرادته,لا يوجد ولا إنسان هكذا فلماذا ندعي أننا نعيش في كذبة اسمها الحرية والديمقراطية؟ نأتي مرغمين عنا ونغادر مرغمين عنا, وليس لنا دخل في الذي يحدث أو يحصل لنا من فرح وغم ونكدٍ وسرور, فلماذا نحاسب على ذنب لم تقترفه عيوننا ولا أيادينا.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لله في خلقه شؤون
- الدرس الثالث:الكوميديا الاسلامية
- الدرس الثاني:فتح مكة
- دروس رمضانية, الدرس الأول.
- أنا أكثر من شخصية واحدة
- هل أنا عبد ألله أم ابن الله؟
- عربي يكره الحياة
- من حقي أن أشعر بالتغيير
- رحلتي مع الحوار المتمدن
- الشاذ عن القاعدة
- الحب الضائع
- جروح بلا دماء
- لماذا لم يعرف القرآن عقوبة السجن؟
- عقوبة المسلم لا تردع المسلم
- ساعدوني
- ليس كمثلي شيء
- أنا مخدوع
- أناس بلا قلوب
- مرارة الوقت
- استراحة في المقبرة


المزيد.....




- غواتيمالا.. مداهمة مكاتب منظمة خيرية بدعوى انتهاكها حقوق الأ ...
- شاهد.. لحظة اعتقال الشرطة رئيسة قسم الفلسفة بجامعة إيموري ال ...
- الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية
- الرئيس الايراني: ادعياء حقوق الانسان يقمعون المدافعين عن مظل ...
- -التعاون الإسلامي- تدعو جميع الدول لدعم تقرير بشأن -الأونروا ...
- نادي الأسير الفلسطيني: عمليات الإفراج محدودة مقابل استمرار ح ...
- 8 شهداء بقصف فلسطينيين غرب غزة، واعتقال معلمة بمخيم الجلزون ...
- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة
- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - جهاد علاونه - صديقي قاسم في ذمة ألله