أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - وديع السرغيني - بين التذبذب والانتهازية ولدت جماعة -النهج والإحسان-















المزيد.....


بين التذبذب والانتهازية ولدت جماعة -النهج والإحسان-


وديع السرغيني

الحوار المتمدن-العدد: 3330 - 2011 / 4 / 8 - 00:49
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


بين التذبذب والانتهازية
ولدت جماعة "النهج والإحسان"

"من الواجب إيجاد حصٌادين يحسنون اقتلاع زوان اليوم وجني حنطة الغد"
وانسجاما مع المد النضالي الاحتجاجي والثوري الذي عرفته وتعرفه المنطقة المغاربية والعربية، وبتأثير واضح بفعل الصدى الإيجابي الذي خلقته الثورتين المظفرتين، التونسية والمصرية، في صفوف الجماهير المغربية الكادحة والمحرومة، وبالأخص في صفوف الشباب الذكور والإناث، المصنٌفين إلى حين، في خانة العازفين عن السياسة والمهاجرين لرحابها..الخ والحال أن الشباب المناضل من أبناء الأوساط الكادحة، بيٌن بالملموس لأبواق النظام وللنخبة السياسية الانتهازية، عن مدى استعداده الحازم لدخول غمار سياسة أخرى، لا علاقة لها بسياسة الانتخابات، وسياسة المصالح الانتهازية، وسياسة النفاق والإذلال والمهانة، سياسة تقديس وتأبيد النظام وشكل حكمه ورأس هرمه، بما يفترضه ذلك من طقوس الركوع والانحناء وتقبيل اليد والكتف وما تحت النعال من أرض وتراب..الخ
انسجاما مع هذا وذاك، وأشياء أخرى، سجٌلت القوى التقدمية اليسارية والديمقراطية، بمجموع مشاربها، الإصلاحية والثورية، انخراطها المحموم في هذه الدينامية والحراك الذي أشعل فتيله وشرارته الشهيد التونسي "البوعزيزي"، شهيد الحرية والكرامة، شهيد النضال ضد البطالة، الذي فضٌل الاستشهاد عبر إحراق ذاته، على أن يقبل بالصفع والاحتقار والمهانة، من طرف جهاز البوليس التونسي الذي لم يكن يتقن، على غرار جميع الأجهزة القمعية في المنطقة وداخل جميع الأنظمة الطبقية، سوى الصفع والركل والجلد وتكسير الرؤوس والعظام، وكذلك المنع والقمع لأية معارضة سياسية أو نقابية جدٌية في الخضراء تونس، لإسكات وإخراس صوت المحتجين المطالبين بحقوقهم البسيطة والمشروعة.
وإلى جانب الشباب وبمعيته، الذي انخرط بقوة وحماسة في معركة النضال الديمقراطي، تحت اسم ويافطة "حركة 20 فبراير" نسبة لليوم الأول الذي انطلقت فيه عشرات الوقفات والمسيرات بغالبية المدن والقرى المغربية، وهي أربعة وخمسون حسب التقارير الرسمية لوزارة الداخلية.. شاركت حركة اليسار التقدمي الديمقراطي بكل أطيافه وتنوعاته، من اليسار الحكومي اللبرالي إلى اليسار الماركسي اللينيني الثوري، مرورا باليسار البرلماني المعارض واليسار الإصلاحي المقاطع للانتخابات ومجموعات اليسار الشعبوي والفوضوي الناشطة بالجامعات..الخ في هذا الحراك الشعبي للمطالبة بالحرية وتغيير الأوضاع الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية ببلادنا.
إلى هذا الحد، وهذا الكم من المشاركين الذي يمكن أن نضيف إليه أنصار الحركة الأمازيغية وأنصار تقرير المصير في المنطقة الصحراوية.. تبدو الأمور نسبيا عادية ومنسجمة، إلى حد ما، مع ما سطرته الحركة الشبابية من تطلعات، اعتبرتها الحركة اليسارية التقدمية ومجموعات شبابية أخرى ناشطة بمواقع الفايسبوك، بمثابة حد أدنى قابل للتطوير والدفع والتجاوز.. في اتجاه سقف أرقى، وفضاء أرحب.
وخلال التحضير لهذا اليوم التاريخي المشهود، 20 فبراير، تأسست حركة على الهامش، ومن موقع المساندة قبل أن تصبح مهيمنة في الميدانين العملي والإعلامي، مستحوذة بالقرار والتوجيه والتنظيم وطلب الترخيص..الخ لقـٌبت نفسها بحركة الدعم "لحركة 20 فبراير" الشبابية، مشكلة تنسيقياتها المحلية ومجلسها الوطني وناطقها الرسمي..الخ
إلى هذا الحد كذلك، تبدو الأمور وكأنها طبيعية، خاصة إذا اطلعنا على فحوى بعض التصريحات لذوي "النوايا الحسنة والصادقة" الذين عبٌروا عن رغبتهم في الحفاظ على "استقلالية" و"شبابية" الحركة، بما يتضمنه مبدأ الاستقلالية من نسبية وغموض وتمييع، لن يشفع له وجود أنوية فايسبوكية أكثر راديكالية، لعبت الدور الأساسي في فتح النقاش حول ضرورة الاحتجاج والمطالبة بتغيير الأوضاع إسوة بشعوب تونس، مصر، اليمن، وبلدان مغاربية وعربية أخرى.
هذه الأنوية التي تختلف جذريا في أفكارها واقتراحاتها وتطلعاتها عن نواة "حركة 20 فبراير" التي ضمت في غالبيتها الساحقة، إلى جانب بعض الشباب المستقل، شباب وشابات من ذوي الارتباطات بشبيبة الأحزاب والتيارات التقدمية، والحركات الأمازيغية والصحراوية وبعض الحركات الرفضوية، إضافة لشبيبة العدل والإحسان الظلامية التي ظل خبر انخراطها في حركة دعم الحركة، متكتما عليه لآخر اللحظات حتى يبقى كعنصر مفاجأة لحركة اليسار الماركسي اللينيني المعارضة لأي تنسيق سياسي مع القوى الظلامية.
من جهتنا كتيار اشتراكي ماركسي لينيني انخرط منذ البداية في هذه الحركة الاحتجاجية المطالبة بالتغيير الجذري، وفي حركة الدعم والمساندة الإيجابية والنقدية لحركة 20 فبراير، دون أن ننخرط في تنسيقيات الدعم التي تضم فصائل القوى الظلامية، لأسباب مبدئية معروفة سنعمل على المزيد من شرحها وتوضيحها في هذا المقال وفي مقالات أخرى مستقلة.
لقد انطلقت مبادرات رفاقنا وحلفائنا في العديد من المدن، بشن حملة من الدعم والمساندة للثورتين التونسية والمصرية خلال أيامها الأولى، أي قبل أن تحسم أمورها وتدفع برموز الدكتاتورية والاستبداد للعزل والفرار.. وبالتالي لم نجد أنفسنا صدفة في معمعان الاحتجاج والنضال من أجل التغيير، ولم ننخرط في الحركة عطفا أو إرضاءًا لخواطر الشباب المحروم من حقوقه ومطالبه، بل كنا وما زلنا جزءا لا يتجزأ من الحركة الاحتجاجية اليسارية التي ابتدعت وخلقت آليات ووسائل وإطارات لنشر الثقافة الاحتجاجية المعارضة، على أوسع نطاق وفي أعماق بؤر البؤس والحرمان والتهميش.. ومن بين ما يميز وجودنا هو ارتباطنا الميداني والدائم بحركة الشباب من طلائع العمال والطلاب والتلاميذ والمعطلين وشبيبة الأحياء الشعبية..الخ وهي أمور وجب توضيحها قبل الانخراط في نقاش موضوع المقال.
فما نهدف إليه، على ضوء ما سبق من توضيحات، هو إعادة فتح النقاش في صفوف اليساريين، سواء بالنسبة للذين حسموا الأمر أو بالنسبة للمترددين في عقد الأحلاف مع أحد الاتجاهات الظلامية في الساحة السياسية المعارضة ـ جماعة العدل والإحسان ـ وتعميق النقاش مع إحدى الجهات اليسارية التي عمٌقت التحالف لحدٌ يشبه الاندماج والتناغم، بما يبشر بمولود سياسي هجين ناتج عن زواج متعة غريب بين "النهج الديمقراطي" المتمركس وإخوانه الرفاق في جماعة "العدل والإحسان" الأصولية الظلامية، أسماه أحد الظرفاء بجماعة "النهج والإحسان"!!
وبالرجوع لبداية الألفين، وبالضبط خلال فبراير سنة 2003 حين نشرت جريدة "النهج الديمقراطي" التابعة للحزب والناطقة باسمه، إحدى المقالات ذات الارتباط بالموضوع، والتي ستمكننا، لا محالة، من فهم اتجاهات الحزب وقفزاته البهلوانية الغريبة والمثيرة.
هذا الحزب الذي ما زال يعتبر نفسه، أو هكذا يدٌعي بعض شيوخه القياديين، استمرارية فكرية، سياسية وتنظيمية لمنظمة "إلى الأمام" الماركسية اللينينية التي تشكلت صيف سنة 1970، قبل أن تختفي وتنسحب من الساحة أواسط التسعينات، بقرار أو بدونه، لا يهم، المهم هو انخراط ما تبقى منها في حزب جديد اسمه "النهج الديمقراطي" بعد أن تخلى مؤسسوه عن السرية، والثورية، والماركسية اللينينية، والعدمية، والفوضوية..الخ ليعانقوا الشرعية العلنية، والرٌزانة السياسية، والنضال الحقوق ـ إنساني، معتمدين التبريرية والذرائعية، والتحالفات التاكتيكية النفعية وغير المبدئية، وما تخلت عنه الأصوات الديمقراطية البرجوازية من شعارات كالمطالبة بالإصلاح الدستوري، ودولة الحق والقانون، واستقلال القضاء، وفصل السلط..الخ
وكان لا بد، ونحن نعيش هذه اللحظة التاريخية المتميزة بحراك اجتماعي ونضال جارف، لا مثيل له في السابق، أن نسعى لفهم ما جرى ويجري في الخفاء بعيدا عن التصريحات الصادرة عن الملتقيات المصوٌرة والمنقحة بعناية.. لنفهم هل هو دهاء، أو بلادة من القيادة السياسية لحزب "النهج الديمقراطي" الذي ما زالت تجمعنا مع العديد من أعضاءه علاقات نضالية ميدانية عديدة، لا يشكك في صدقيتها ومبدئيتها إلاٌ جاحد.
ونحيل في هذا الصدد، الرفاق إلى المقال المذكور والمعنون في حينه بـ"في مسألة اليسار مع الأصوليين" بقلم الكاتب الوطني للحزب "عبد الله الحريف".
فبالرغم من أنه لم يحدد، وقتها، بدقة "اليسار" الذي يعنيه، ولا "الأصوليين" المعنيين بالحوار مع هذا اليسار، فقد تطرق للصعوبات والمعيقات التي ستقف في وجه هذا الحوار المخطط له، على ما يبدو، من قديم وليس اللحظة التي كتب فيها المقال، أو اللحظة التي نعيشها الآن.. صعوبات لخصها على الشكل التالي: "الاختلاف الجذري للمرجعيات بين توجه يهدف إلى إبعاد المقدس عن المجال السياسي باعتبار هذا الأخير شأنا بشريا وميدانا للاختلاف والصراع بين مصالح طبقية وفئوية مختلفة وبين تصورات ومشاريع مجتمعية متناقضة وتوجه يخضع كل أوجه حياة المجتمع والفرد للمقدس أو بالأحرى يستعمل المقدس كأداة لفرض مشروع ماضوي رجعي مناهض للديمقراطية ولحقوق الإنسان وخاصة حقوق المرأة، مشروع يكرس خضوع شعبنا للإمبريالية والطبقات السائدة ولو كان بدون وعي".
معتبرا إيٌاها معيقات نظرية لا غير، لينتقل إلى ما هو عملي، إيمانا منه بإمكانية الحوار والتنسيق الميداني من أجل نضال مشترك، إذا ما قبلت هذه الحركة بشروط "الحريف" التي عدٌدها في ثلاث وصاغها بالطريقة التالي:
1- الاتفاق على أن التناقض الأساسي في مجتمعنا هو بين الشعب المغربي بكافة طبقاته وفئاته وشرائحه الوطنية وبين الطبقات السائدة من ملاكي أراضي كبار وبرجوازية وكيلة للإمبريالية وشركاتها المتعددة الاستيطان ونظامها السياسي المخزني وليس كما تطرحه الأصولية بين الإسلاميين والعلمانيين.
2- انطلاقا مما سبق يجب على الأصوليين تقديم نقد ذاتي على التحالفات المشبوهة السابقة مع الإمبريالية والرجعية وعلى الجرائم المرتكبة في حق المناضلين السياسيين (عمر بنجلون) والطلبة القاعديين والارتكاز إلى النقاش والحوار في حل التناقضات مع القوى الأخرى وليس إلى العنف.
3- الاتفاق على أولويات النضال في بلادنا وهي:
- تكثيف كل الجهود للدفاع عن الأوضاع المعيشية للشعب المغربي والسعي إلى تحسينها ومواجهة المخططات الهادفة إلى الإجهاز على ما تبقى من حقوق ومكتسبات (مثلا مدونة الشغل وقانون الإضراب وخوصصة التعليم).
- النضال من أجل إقامة نظام ديمقراطي عبر إقرار دستور ديمقراطي والتصدي للإفلات من العقاب في الجرائم السياسية والاقتصادية والكشف عن مصير المختطفين وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.
- توجيه كل القوى لمواجهة الهجوم الإمبريالي الصهيوني على الشعب الفلسطيني والعراقي وتقوية كل أشكال التضامن الشعبي معهما.
كان هذا تذكير لا بد منه، وقاية من افتراءات هواة الصيد في الماء العكر، وحتى لا يعتبرنا أحدهم من المتحاملين والمزايدين على حزب أثبت ميدانيته وانخراطه في حركة النضال الذي تخوضه الجماهير الكادحة والمحرومة والمهمشة.. والحال أن هذه الميدانية لا ولن تمنعنا من النقاش والنقد لما يحركها ويؤطرها من أفكار ومواقف نظرية وسياسية لا ولن تقود بالضرورة للأهداف الإستراتيجية المعلنة نظريا، والتي نتشبث بها كيسار جذري، أهداف وإستراتيجية التغيير الجذري الذي سيقوض أسس النظام الاستبدادي القائم وما يرتبط به من اقتصاد قائم على الريع، وعلى نهب الثروات وتسخيرها لمصلحة الشركات الإمبريالية، اقتصاد التهميش وتوسيع الفوارق بين أحياء راقية وأحياء شعبية بائسة، فوارق بين مناطق نافعة ومناطق غير نافعة، فوارق بين مدن متحضرة وبوادي مهمشة..الخ
فما الذي تغير من هذه المعطيات؟ هل تغير "اليسار" أم تغير "الأصوليون"؟ وإذا اعتبرنا أن اليسار المعني بالحوار هو حزب "النهج الديمقراطي"، والطرف الأصولي هو جماعة "العدل والإحسان" وهو الاعتبار الأقرب للحقيقة وبشكل كبير، فلا وجود لما يوحي بتحول في الأفكار والمواقف السياسية لهذا الطرف أو ذاك، فما زال "النهج" متشبثا بمشروعه الديمقراطي العلماني الحقوق ـ إنساني..الخ وما زالت "الجماعة" متشبثة بمشروعها القروسطي الاستبدادي، وبدولة الشورى ذات المرجعية الدينية المناهضة لحرية التفكير والعقيدة والتدين، والمعادية لحقوق المرأة..الخ بل إن المعطيات الحالية والملموسة تؤكد أن الاستعداد للحوار، بل إن المعطيات الحالية والملموسة تؤكد أن الاستعداد للحوار، ثم مباشرته، كان قائما من قديم، بطرق وأساليب ملتبسة وملتوية، براغماتية وخارج أية شروط.. وإذا كان هناك من جديد في الأمر، فهو التنازل البيٌن عن الشروط التي حدٌدها مقال الحريف سنة 2003، والتي تبدو وكأنها أصبحت غير ذي موضوع.
ويكفي الرجوع لحصيلة "النهج" الجريدة منذ انطلاقتها، وستجدها، في باب المقارعة النظرية للأطروحات المخالفة لتوجهات وتصورات الحزب، مقتصرة على توجيه سياط النقد للاتجاهات اللبرالية التقدمية والديمقراطية، وللاتجاهات العمالية الاشتراكية، ولبعض الاتجاهات الرفضوية الفوضوية..الخ دون أن تخصص الحيز اللازم لنقد أطروحات الاتجاهات الظلامية الخطيرة، والتي تجد مرتعا لها في الأوساط الشعبية المعنية بالتغيير.
فالسير الأعمى وراء كل من يعادي المَلكية متخفيا وراء شعار التغيير، دون مساءلته عن أي تغيير يتكلم، وفي أي اتجاه سيصب هذا التغيير، هل هو تغيير نحو الأمام أم تقهقر نحو الخلف..؟ لا يمكن اعتباره سوى بلادة من قيادة "النهج" واستبلاد في حق قواعد "النهج" المناضلة.
"إنهم يحاربون طغيان الأنظمة المَلكية (شاه إيران) وانفرادها بالسلطة، الأنظمة العسكرية (سوريا) وأنظمة الحزب الوحيد (مصر والجزائر)، فحربهم ليست حرب الديمقراطية ضد الدكتاتورية، وإنما هي حرب العدالة (الإلهية) ضد الاستبداد البشري" ـ أوليفيي روي ـ حقيقة لن يتغافلها جاهل.
فما نريد أن نفهمه الآن، هو دواعي ودوافع هذا التحالف وهذا التنسيق المشترك مع حركة معارضة، نظريا فقط وليس ميدانيا! للديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة، والعلمانية..الخ، حسب تعبير الكاتب الوطني "للنهج"، حركة غائبة عن ساحات النضال الاجتماعي والنقابي، وبالأخص عن ميدان النضال ضد الغلاء والخوصصة والبطالة، وضد الشركات الاستعمارية المتمركزة ببلادنا، وضد البرامج الطبقية التخريبية لقطاعات التعليم والصحة والسكن والنقل العمومي..الخ
فما بيٌنه مسار الاحتجاجات التي انطلقت يوم 20 فبراير بتأطير من هذا التحالف الغريب، هو عدم مبدئية هذا التحالف الذي لا يمكن إدخاله بأي شكل من الأشكال في باب التاكتيكات السياسية الميدانية، كما يتم تبرير ذلك.. تحالف يمكن وصفه بالنفعية الانتهازية التي تتغيٌى الكثافة العددية بالنسبة "للنهج" كطرف، وعدم العزلة السياسية والانفلات منها، بالنسبة لجماعة "العدل والإحسان".
غير هذا لن تبقى سوى التبريرات التي لا تصمد لدقيقة أمام تصريحات "الجماعة" وخرجاتها الإعلامية المكتوبة والمسموعة والمرئية، وأمام الحملة الإعلامية التي تقوم بها حركة "الإخوان المسلمين" العالمية، التي وظفت جميع إمكانياتها واتصالاتها الإعلامية الأخطبوطية لإبراز حضور "الجماعة" ضمن الحركة الاحتجاجية القائمة، وكأنها الطرف السياسي الوحيد الذي يعارض النظام والفساد والقمع والنهب.. بالمغرب، مغيبة بشكل مجحف ومقصود، جميع الأطراف المعارضة الأخرى، المتحالفة معها، وبما فيها حزب "النهج الديمقراطي".
الشيء الذي لم يناقض رغبات النظام، الذي التقط الفكرة ودعٌمها، بأن نشرها على أوسع نطاق في الصحافة المكتوبة والمرئية الموالية له، لاتخاذ "الجماعة" كبعبع مخيف، وكسبب مباشر لترهيب مكونات حركة 20 فبراير الشبابية، الأخرى، ولقمع الاحتجاج بشراسة.. ويمكن الرجوع لتصريحات وزير الداخلية حول القمع الهمجي الذي تعرضت له وقفات 27 فبراير بالعديد من المدن، وبدرجة أولى مدينة الدار البيضاء، والقمع الذي تعرض له اعتصام أبناء المنجميين بمدينة خريبكة الفوسفاطية في نفس الأسبوع، إضافة لرسائل المنع التي وجٌهت لشباب 20 فبراير وللعديد من المناضلين والمؤطرين، ليلة 27 فبراير و20 مارس..الخ
قبل قرن أو يزيد، قال أحدهم إن الثورات هي قاطرة التاريخ وإنها عيد المضطهدين الكادحين المستغَلـٌين.. وفي زمن الثورة تتضح جليٌا الإمكانيات الإبداعية الخطيرة التي تتوفر عليها الجماهير الشعبية.. لكن ينبغي على القادة الثوريين، زعماء وطلائع التيارات الثورية الماركسية اللينينية في هذه الفترات، أن يطرحوا المهمات الثورية بمزيد من الاتساع والجرأة، بأن تسبق شعاراتهم دائما المبادرة الثورية عند الجماهير وتكون لها منارة كاشفة لمجتمع الغد بكل عظمته ورحابته، مجتمع الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتضامن الاشتراكي.
توجيه ماركسي لينيني مستقيم ينبٌه لخطورة هذه الاتجاهات الخائفة دوما من العزلة، واللاهثة أبدا وراء المظلات السياسية ذات الكثافة العددية بغض النظر عن طبيعة وحالات واتجاهات المظلات!!
وعلاقة بالموضوع نفسه لوحظ الارتباك والتيهان في صفوف العناصر والتيارات اليسارية الأكثر عدائية للقوى الظلامية ـ مجموعات البرنامج المرحلي، ورفاق الشهيد بن عيسى ومجموعات التروتسكيين وأنصار الحركة الأمازيغية..ـ حيث برر العديد من زعماءها، وبشكل يثير الشفقة، انتسابه لتنسيقيات توجد مفاتيحها بيد "العدل والإحسان"، تنسيقيات داعمة "للعدل والإحسان" أكثر مما هي داعمة لحركة 20 فبراير الشبابية، تنسيقيات تشرف على وقفات وتنظيم مسيرات تفتتحها بالتكبير والتهليل، وتختتمها بقراءة الفاتحة! وقفات ومسيرات عٌمها الإنزال والتجييش الإخواني المعروف، والذي عشناه لسنوات لحظة مناهضة مدونة الأسرة، ولحظة التنديد بالعدوان الأمريكي والإسرائيلي، على العراق وفلسطين ولبنان.. حيث يصطف الرجال في المقدمة، والنساء في المؤخرة، وتتوقف الشعارات لحظة الآذان وتقام الصلاة وسط الشوارع إبٌان المسيرات، وتحضر الحافلات ومكبرات الصوت وقوارير الماء المعدني..الخ
وفي خضم الأحداث اختفت الجذرية والثورية اللفظية التي كانت وما زالت تمنع رفاق المرجعية الواحدة، والبرنامج الواحد، والأهداف الواحدة.. من التنسيق والتوافق والتكاتف، لتتحول لهرولة وتسول سياسي مقيت ومذ ٌل، فضح وعرٌى حقيقة بعض مكونات اليسار الجذري المغربي.
"فليس من العسير أن يكون المرء ثوريا حين تكون الثورة قد اندلعت وهي في أوجها وحين ينضم الناس جميعا إلى الثورة لمجرد أنها جرفتهم، أو لأنها موضة العصر، أو بدافع حوافز وصولية.."
قد يكون هذا حال البعض، أما نحن فما نعتزٌ به كيسار جذري، قيادات وقواعد، تيارات ونشطاء وفعاليات.. هو مبدئيتنا، واجتهاداتنا الفكرية والسياسية والميدانية، ارتباطا بجميع قضايا شعبنا المتطلع لبناء مستقبل تسوده الحرية والكرامة.. وقد راكمنا الكثير في هذا المجال، خمسون سنة من الكفاح والنضال والصمود، إلى جانب البسطاء والعمال والكادحين المحرومين، من شعبنا، خمسون سنة من التضحيات في المنافي والسجون والمعتقلات، خمسون سنة من الخبرة الثورية والتنويع في أشكال النضال، ما بين السلمي والعنيف، والسري والعلني، والسياسي والنقابي والجمعوي، العمالي والطلابي، الشبابي والنسائي..الخ ولم تكن رهاناتنا في تحالفاتنا وتوافقاتنا، في يوم من الأيام، أو لحظة من اللحظات، على من يتوفر على أكبر عدد من الأتباع، أو على من له القدرة على الحشد والتجييش.
نسجنا تحالفاتنا، وأسسنا لإتلافاتنا وفق ما تمليه علينا مبادئنا، مع مناهضي القمع والاستبداد والاستغلال، مع دعاة الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، مع دعاة التنوير والعلمانية وحق الشعوب في تقرير مصيرها.. ولم نـُصب في أية لحظة خلال نضالنا العنيد بعمى الألوان، حتى نسقط، بالتالي، في فخ الاختيار بين جلاٌديْن وهمجيتيْن، همجية الدولة البوليسية اللبرالية، وهمجية الدولة البوليسية التيوقراطية المبشـٌرة بالطوفان وشعار "الإسلام هو الحل"، بما يعنيه "الحل" من تفكيك ومنع وإلغاء لجميع مظاهر ومكاسب الديمقراطية البرجوازية!
"فالمرغوب فيه هو النضال الممكن، والممكن هو الذي يجري في هذه البرهة، إنه بالضبط اتجاه الانتهازية التي لا تعرف الحدود والتي تتكيف بصورة سلبية تجاه العفوية"، فكما للانتهازيين أصول وأجداد، وورثة وأحفاد، فكذلك الشيء بالنسبة للثوريين والاشتراكيين، الماركسيين اللينينيين المبدئيين، فلهم الأصل والهوية والمبادئ العامة الثابتة والتاكتيكات الثورية الملائمة لمتطلبات الظرفية، والمنضبطة للمرجعية والأهداف الإستراتيجية العامة.
وفي الختام، بما هو بداية في حقيقة الأمر، ندعو مرة أخرى لفتح النقاش مع جميع الرفاق والرفيقات من جميع التيارات اليسارية الاشتراكية والديمقراطية، بما تفترضه الدعوة من خروج وانفلات من هذه الشرنقة التي حجز البعض نفسه في شباكها، للبحث عن مداخل بديلة لتجذير الفعل النضالي والانغراس أكثر وسط المعنيين حقيقة بالتغيير الجذري لأوضاعهم ومجرى حياتهم.. بدل التيهان والحيرة بين كرسيين ووقفتين.. أو التجوال بين الجوانب والضفتين، لإحصاء العدد الأكبر في الوقفتين والتهليل لأيهما أصخب من "الضجتين"..!
فالواجب علينا كتيارات مناضلة، ووفق ما تدٌعيه أفكارنا ومبادئنا، هو أن نتكتل للدفاع عن قناعاتنا وتصوراتنا، وأن نبني لهذا الغرض، فضاءاتنا وقواعدنا، باستقلال وبابتعاد عن الشعوذة السياسية، وعن جميع مظاهر التشويش والتشويه التي يمكن أن تلحق بمشروعنا الديمقراطي والمجتمعي.
يجب أن تتوفر لنا الجرأة والقدرة على شرح مواقفنا وتصوراتنا للديمقراطية التي نريد، وللحرية التي نصبو إليها، وللمجتمع الذي نحلم ببناءه.. فالاستقواء بأعداء الحرية والديمقراطية والمساواة، ليس تكتيكا. إنه خيانة، ومحاولة انتحار ثانية بعد المحاولة الأولى التي عصفت بالمشروع الثوري "الأمامي" أواخر السبعينات بعد أن مدٌت فيها الأيادي للأحزاب الإصلاحية الانتهازية طيلة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي.
فمن أجل تجذير الخط الاحتجاجي وتوسيع مجاله في الأوساط الشعبية ذات المصلحة في التغيير، لا بد من نهج تربية متميزة وسط الجماهير الشعبية الكادحة، ولا بد من الاعتماد على شعارات سياسية ثورية واضحة تساعد في تنمية وتقدم وعي الجماهير، والدفع بها لإبراز كفاءاتها وقدراتها، وإعطاءها الثقة في إمكانية تحرير نفسها بنفسها.
"إذا شئتم أن تساعدوا "الجماهير" وأن تكسبوا عطفها وتأييدها، فيجب ألاٌ تخشوا المصاعب، وألاٌ تخشوا المكائد والمماحكات والإهانات والاضطهاد من جانب "الزعماء".. يجب العمل بصورة إلزامية حيثما توجد الجماهير، يجب أن نكون قادرين على كل تضحية، على التغلب على أعظم العقبات لكي نقوم بالدعاية والتحريض بصورة منهجية، صابرة، مستمرة وعنيدة.." لينين.

وديع السرغيني
مارس 2011



#وديع_السرغيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المهرولون يبررون.. والصبٌارون الحقيقيون صامدون --- وديع السر ...
- بين النضال العمال، والنضال التنموي، وجمعيات الأشباح..
- دفاعا عن الحق في الاحتجاج
- على خطى الثورة التونسية ودرب شهداءها الأبرار
- عودة لإعلان -الأماميين الثوريين-
- ملاحظات أولية حول ما جاء في بيان -الأماميين الثوريين-
- في ذكرى التأسيس لمنظمة -إلى الأمام- الماركسية اللينينية
- دعم الشعب الفلسطيني ورهان الإقصاء
- قاعديون وحدويون ، ولكن ...
- أسبوع الإحتجاج بطنجة
- لماذا يخدع تجمع اليسار الديمقراطي الجماهير عبر هيمنته على تن ...
- الانتفاضات الشعبية العمالية بالمغرب بين القراءة الموضوعية و ...
- ا-الجمعية المغربية لحقوق الإنسان- بين الشراكة و المعارضة
- تنسيقيات مناهضة الغلاء تحقق المسيرة و تمنع المنع
- دروس انتفاضة يناير
- حزب -النهج الديمقراطي- و السياسة بموقفين
- مهامنا في ظل العهد الجديد
- الانتفاضات الشعبية العمالية بالمغرب بين القراءة الموضوعية و ...
- قراءة أولية للأرضية التأسيسية لمنظمة -أ-
- عودة إلى سؤال، إلى أين يسير النهج الديمقراطي بطنجة


المزيد.....




- اصطدمت بسيارة أخرى وواجهته بلكمات.. شاهد ما فعلته سيدة للص س ...
- بوتين يوعز بإجراء تدريبات للقوات النووية
- لأول مرة.. دراجات وطنية من طراز Aurus ترافق موكب بوتين خلال ...
- شخصيات سياسية وإعلامية لبنانية: العرب عموما ينتظرون من الرئي ...
- بطريرك موسكو وعموم روسيا يقيم صلاة شكر بمناسبة تنصيب بوتين
- الحكومة الروسية تقدم استقالتها للرئيس بوتين
- تايلاند.. اكتشاف ثعبان لم يسبق له مثيل
- روسيا.. عقدان من التحولات والنمو
- -حماس-: اقتحام معبر رفح جريمة تؤكد نية إسرائيل تعطيل جهود ال ...
- مراسلنا: مقتل 14 فلسطينيا باستهداف إسرائيلي لمنزلين بمنطقة ت ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - وديع السرغيني - بين التذبذب والانتهازية ولدت جماعة -النهج والإحسان-