أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - وديع السرغيني - دروس انتفاضة يناير















المزيد.....



دروس انتفاضة يناير


وديع السرغيني

الحوار المتمدن-العدد: 1833 - 2007 / 2 / 21 - 09:03
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


صدر خلال الأيام الأخيرة، مؤلف لصاحبه الرفيق حسن أحراث ـ أحد معتقلي انتفاضة يناير 84 بمراكش ـ حاول من خلاله التأريخ و التوثيق لتجربة سجنية خاصة بمعتقلي انتفاضة يناير و ما تخللتها من معانات و من مقاومة في شكل إضرابات متقطعة و لا محدودة عن الطعام، إضافة لبعض البيانات و التصريحات و الشهادات الصادرة عن مجموعة من المعتقلين من نفس المجموعة أو من مجموعات و مواقع أخرى.
و من خلال ملاحظاتنا النقدية الأولية، و التي قدمنا بعضها خلال اللقاء المفتوح الذي خصت به الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ـ فرع طنجة ـ للكاتب، في شكل حفل توقيع للكتاب، سنعمل من خلال هذه المحاولة على توسيع مجال النقاش للتوضيح أكثر و لإثارة قضايا أخرى لم تسمح بها مسطرة النقاش و الحيز الزمني الذي قننته و حددته في دقيقتين.
و قد نجح اللقاء في استقطاب جمهور لا بأس به، جمهور متنوع، يمثل النخبة اليسارية بجميع حساسياتها و قاعدة قوية من النقابيين و العمال و العاملات المضربين بكل من معامل دلفي و ديوهرست.. إضافة لطلائع الحركة الاحتجاجية بتنسيقية الأحياء الشعبية و كذا العديد من شباب اليسار القاعدي الطلابي الذين لم يتأخروا عن الموعد.
و بعد التقديم للكتاب و كذا التعريف بالمناضل حسن أحراث، فتح النقاش مع العموم ليتعرف المناضلون عن قرب، عن أحد رفاق الشهيدين مصطفى بلهواري و بوبكر الدريدي، و عن ماضيهما النضالي، و عن ظروف اعتقالهما و عن كل الملابسات المحيطة بمعركة الشهيدين البطولية ـ معركة الإضراب بولمهارز اللامحدودة عن الطعام صيف سنة 84، و الذي دام حوالي 64 يوما، انخرط فيه حوالي 35 معتقل بسجن مراكش بولمهارز إضافة لخمسة معتقلين بسجن لعلو، حيث خلف الإضراب سقوط شهيدين بمراكش و العديد من العاهات المستديمة خاصة حالات الرفاق بيكاري، لقدور، نارداح و سايف ـ
و يمكن اعتبار هذه المحاولة نوعا من تجديد اللقاء مع الرفيق و مع كافة المناضلين و المناضلات بتوجيه من الملاحظات التالية:
1. اعتبار الكتابة للانتفاضة و عن الانتفاضة، مهمة نضالية يتحملها جميع الرفاق الذين ساهموا و شاركوا في أطوارها، يعني الطلائع الانتفاضية الحقيقية، و هذا جانب متميز و مغاير لمن ينظر للانتفاضة دون المشاركة فيها، أو لمن يكتب الخواطر عن انتفاضة مرت أمامه دون أن يطلق و لو صرخة واحدة في حقها و لصالح جماهيرها.
2. ضرورة الفصل بين التأريخ و التقييم للانتفاضة المجيدة ليناير 84 كمعرفة جماهيرية، و بين الكتابة و التأريخ لمعاناة مجموعة من المناضلين عاشوا تجربة الاعتقال على إثرها، فهؤلاء ليسوا سوى جزء من عشرات بل و مئات المعتقلين الذين زُجٌَ بهم في المخافر و المعتقلات السرية الكثيرة.. الذين انضافوا إلى العشرات التي ظلت قابعة في سجون نظام الاستبداد و الاستعباد القائم، منذ بداية الستينات.. و بالتالي فإما وجب التفصيل في واقع جميع المجموعات و البحث في ظروف اعتقالها و معاناتها.. دون تمييز، و إما أن يخصص كتاب عن مجموعة مراكش و فقط.
3. و على اعتبار أن الكاتب ما زال متواجدا بالساحة النضالية و السياسية عبر مسؤوليته في اللجنة الإدارية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان و عبر ارتباطه بإحدى المجموعات اليسارية في الجامعة، فمن باب المسؤولية التاريخية وجب كذلك التقييم لتجربة ميدانية عايشها الرفيق عن قرب خلال سنوات 81/84 بسلبياتها و إيجابياتها.. و بشكل خاص في الميدانين التلاميذي و الطلابي.. و كذا في الميدان الجمعوي الثقافي و التربوي.. لنقل خبرة الرفاق و مساهماتهم القيمة في هذه المجالات و ما رافقها من قوة و قدرة على التنظيم و التأطير في ما يخص العمل الداخلي السري و كذا في ما يرتبط بالاحتجاجات و المظاهرات التي عرفتها المؤسسات التعليمية أو شوارع و أزقة الأحياء الشعبية المهمشة.

• ضعف المصادر و ذاتية مبالغ فيها أفقدت الكتاب موضوعيته
فللأسباب و المحفزات المشار إليها أعلاه، سنحاول و باستفاضة في الشرح أن نقدم ملاحظاتنا الأولية ليفتح النقاش على مصراعيه دون تحفظ و لا مجاملة، خصوصا من جانب جيل الانتفاضة الذي ثار ضد نظام التفقير و التجويع و التجهيل.. و ضد تقاعس الأحزاب الإصلاحية و المنظمات النقابية المرتبطة بها.. متمردا كذلك ضد دعاة التراجع و المراجعة، دعاة المهادنة و الانحراف ممن غيروا إستراتيجية "الثورة الشعبية" بـ"خط النضال الديمقراطي الجذري".
طبعا هنا لا نتصور أن بإمكان ملاحظاتنا النفي الجذري و النهائي للنزعات البطولية عند العديد من المناضلين، لكننا نريد و نتطلع للتقليص من بعض العنتريات المبالغ فيها و التي سيكون لها تأثير سلبي على مصداقية المناضلين و عطاءاتهم و على كل ما يقدمونه من معطيات و قراءات في التاريخ.
فدفاعا عن المصداقية وجبت المصداقية في المعطيات.. الشيء الذي لن يتوفر بدون مصداقية لمصادر المعطيات، لأن الكتابة في هذا الباب مسؤولية، ليست بحجم مسؤولية السرد أو الحديث المرتجل، إنها مسؤولية خطيرة جدا، لا تقبل التلاعبات بالأرقام و المعطيات و لا تشفع للتأويلات و الأحكام الإطلاقية لأي كان، سواء كان مساهما مباشرا أو مجرد قارئ متأمل لمعركة صنعتها الجماهير و طلائعها المنتفضة.. الجماهير التي ضحت بالغالي و النفيس من أجل غد أفضل و من أجل مجتمع يقطع مع عهود الاستبداد و الامتيازات و الاستغلال الفاحش.. مجتمع العدالة، مجتمع الحرية و المساواة، المجتمع بدون طبقات..الخ
لهذا وددنا توجيه هذه الإشارات لكل من يتطلع للمساهمة، في الموضوع و بشكل خاص للرفيق حسن الذي كان بإمكانه أن يتصل بالعديد من طلائع انتفاضة يناير الذين يعرفهم حق المعرفة و يعرف مساهمتهم الميدانية التي لا غبار عليها و مصداقيتهم النضالية التي لا شك فيها.. عوض الاعتماد على مجلات و جرائد لم تتلقف سوى الفتات من الأخبار الذي كانت تمدها به جهات غير معلومة لا نعرف عن مصداقيتها شيئا.
فشخصيا تابعت ما كتب في حينها بالعديد من الجرائد LIBERATION و LE MONDE الفرنسيتين و EL PACE الاسبانية و "أنوال" المغربية و مجلة "إلى الأمام" الصادرة بفرنسا.. و وجدته هزيلا و سطحيا جدا بل و لا يعطي حق الانتفاضة قدرها و حجمها المتميز.
من هنا وجب التنبيه لتجنب العديد من المنزلقات التي انساق وراءها الرفيق، منزلقات نخاف أن يكون وراءها هاجس التسويق للكتاب و تفادي المعارضين و المنتقدين.
فإذا كان الكل يعترف بأن الانتفاضة جماهيرية، جماهيرية بكل المقاييس، بمعنى حجم المشاركة الجماهيرية، أصول المشاركين الطبقية، بؤر الانتفاضة المهمشة و الفقيرة، الشعارات المطلبية و الثورية المرفوعة، القيادات الثورية و الشبيبة المؤطرة.. كمعطيات تؤكد هذه القيمة و كمعطيات وجب الإشارة لها.. فأين نحن من هذه التدقيقات المفيدة لفهم خلفيات و مجريات الانتفاضة؟
فلا يمكن، و بأي شكل من الأشكال إغفال دور "المسلسل الديمقراطي" و "الإجماع الوطني" و "تمتين الجبهة الداخلية".. كشعارات أثثت للمشهد السياسي في المغرب آنذاك.. و بالتالي لا يمكن إغفال غياب الحركة الاتحادية ـ الحزب، النقابة و الشبيبة ـ لأول مرة عن الميدان.. كما لا يمكن نكران بروز الأطر الماركسية اللينينية الطلابية و التلاميذية من جديد كقوة أساسية و رئيسية إلى جانب طلائع الأحياء الشعبية، في التأطير و التنظيم للعديد من المظاهرات التي انطلقت من قلب الثانويات و الكليات بحي الداوديات لتتحول إلى قلب الأحياء الشعبية ـ سيدي يوسف، الخميس، عين إطي رياض العروس، دوار العسكر.. ـ و لتكتسح الشوارع الرئيسية للمدينة بما فيها جليز و ساحة جامع الفنا و ملاعب كرة القدم الحارثي و قشيقش..الخ
فاعتماد شهادة الحسيمة مثلاـ أثار لدينا الكثير من التحفظ خاصة بعد الارتكاز على شهادة قدمها شخص له سمعة سيئة داخل و خارج منطقة الحسيمة ـ و داخل و خارج حزبه ـ النهج الديمقراطي ـ فيكفي أن نطٌلع على اللقب الذي يدعونه به رفاقه "مسيلمة الكذاب"!
فلا يمكن القبول بشهادة ملغومة بتقييمات متجنية في حق المنتفضين الذين سمٌاهم "بالفوضويين" و مقدما إدانة مشبوهة في حق "الاعتداء على مِلك الغير" الصادر عن بعضهم!..
أمام هذه المواقف و أحكام القيمة الرجعية، وجب أن يستوقفك التقرير و ألا تستهويك عبارات الزعيق في حق مستبد ميت ـ الحسن الثاني ـ و بألا تنسيك المهاترات مهمتك و مسؤوليتك التاريخية تجاه حدث ثوري و تاريخي بكل المقاييس.
فالتأريخ و التوثيق ليسا بالمهمة السهلة، في نظري، و ليست الأرقام إضافة شكلية لمعطيات الشهادة، إما أن تكون صحيحة و إما أن تشطب بالمرة.
فما معنى أن يصدر الكلام عن 120000 طالب معطل سنة 84، في الوقت الذي يعرف فيه الكل أن بطالة الخريجين، أي بالشكل الذي يمكن أن نقول عنها بطالة و عطالة، لم تظهر و تتفاقم إلا بعد الانتفاضة، يعني ابتداءا من سنة 84/85.
ثم إن العدد المقدم لا صحة له بتاتا، فعدد الجامعات آنذاك محدود جدا ـ الرباط، فاس، البيضاء، وجدة، مراكش و تطوان ـ منها ما زالت دون الدفعة الأولى في جميع الشعب أو في بعضها خاصة وجدة مراكش و تطوان، و بالتالي حتى و إن تكلمنا عن السنة الأولى من بطالة الخرجين 84/85 فلم تشمل العديد من المدارس كمدارس المهندسين ـ المحمدية، الحسنية، الإحصاء، الإعلام، الإعلاميات، المعادن، الفلاحة و البيطرة..ـ و كذا العديد من الشعب و التخصصات بالكليات ـ الطب، اللغات، الرياضيات، الدراسات الإسلامية..الخ ـ
هذا و دون أن يفهم من توضيحاتنا أننا بصدد الدفاع عن السياسة في التعليم و التشغيل، و التي ناهضناها و ناضلنا ضدها انطلاقا من نضالاتنا التلاميذية و من مسؤولياتنا داخل منظمة الطلبة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب.. و بالتالي وجب التدقيق في المعطيات، من حيث العدد و من حيث التاريخ، فصحيح أن بعض مظاهر بطالة الخرجين المحدودة كانت سابقة عن انتفاضة 84، بل و حتى انتفاضة 81، إذ تم تسجيل حالات عديدة و نضالات منظمة و شبه منظمة لمناهضة البطالة في صفوف الخرجين، تم رصد أولها سنة 79.. بالنسبة لخريجي شعبة الحقوق و خريجي معاهد التمريض، الأشغال العمومية، مدارس المعلمين و المعلمات، مراكز تكوين الأساتذة و المدارس العليا للأساتذة.. ابتداءا من سنوات 82/81 و كذا خريجي الفلسفة و علم الاجتماع و علم النفس ابتداءا من سنة 83/84.. أما البطالة بشكلها الحالي فلم تتفاقم إلا خلال السنوات الأخيرة من الثمانينات حيث تعددت الأفواج المعطلة و بدأت تعم غالبية الخريجين و معظم الشُعب و التخصصات بما فيها الطب و مدارس المهندسين.. و حيث أُغلقت كذلك العديد من مدارس المعلمين و المعلمات و العديد من مراكز تكوين الأساتذة و الممرضين..الخ
فهذا مثال من العديد من الأمثلة التي يمكن أن تمس بمصداقية العنوان و بمجهود الرفيق الذي نشك في صدق نيته و ثقته "بمسيلمة" كمصدر للمعطيات.
و أتمنى من الرفيق أن يعيد الكرٌة بالاعتماد على شهادات أقرب الرفاق إليه، الذين يعرفهم حق المعرفة.. سواء من داخل المجموعة أو من خارجها و يمكنه ذلك من خلال الاتصال بفرع "منتدى الحقيقة و الإنصاف" بمراكش، مثلا.
نصل للخطاب الملكي، الذي لم نفهم الدواعي و الدوافع الحقيقية لنشره.
فهل تم اللجوء إليه كوثيقة لها قوتها و قدسيتها فيما يخص المعطيات أم تم ذلك من باب التشهير و الفضح لمغالطات و أكاذيب باح بها رئيس الدولة آنذاك؟
فالعديد من المعطيات التي جاءت ضمن خطاب الحسن الثاني، لا علاقة لها بحقائق و وقائع الانتفاضة.. معطيات خاطئة تركناها تتقادم دون أن نفندها حيث أُجبرنا على التعامل مع نتائجها و ليس مع المعطيات في حد ذاتها.
فمثلا الادعاء بأن البيان الموزع إبان الانتفاضة بمراكش هو بيان صادر أو مُوَقع باسم منظمة "إلى الأمام".. ادعاء لا أساس له من الصحة، كذلك الكلام عن مساهمة "الإسلاميين" في أي طور من أطوار الانتفاضة.. مجرد هراء و فقط.
الصحيح هو أن الانتفاضة سَهٌٌَلت و سَرٌعت المأمورية للدكتاتورية القائمة بأن تصفي حساباتها مع معارضيها من الشيوعيين و "الإسلاميين"، و ذلك ما حدث بالفعل، لذا لم يكن الخطاب سوى الضوء الأخضر للمزيد من العسف و الإرهاب و الحصار للحركة المعارضة بكل تلاوينها.
كان الخطاب بمثابة توجيه و تعليمات لضباط المخابرات، و كانت النتائج هي اعتقال العديد من قدماء منظمة "إلى الأمام"، و من المتعاطفين مع الحركة التي انتمت إليها منظمة "إلى الأمام" ـ الحملم ـ بمن فيهم العديد من التلاميذ التقدميين و كذا العديد من مسؤولي و مناضلي إوطم ضمن حركة الطلبة القاعديين إضافة لمحاكمة العديد من "الإسلاميين" المتابعين أصلا بتوزيع المنشورات و مجلة "السرايا"، الكتابة في الحائط و نصب لافتات على الطريق السيار المحمدية البيضاء، بزمن سابق على الانتفاضة بسنة على الأقل.
و قد حصدت الاعتقالات البعض من شبيبة و أطر أحزاب المعارضة الرسمية ـ "التقدم و الاشتراكية"، "منظمة العمل الديمقراطي الشعبي" ـ و كذا العديد من مناضلي اليسار الاتحادي ـ المعروف في الأوساط الطلابية بلائحة رفاق الشهداء مهدي و عمر ـ الطليعة حاليا.
إلى هذا الحد يمكن القول بأن أهداف الخطاب الرسمي من التغليط و تمويه الحقائق، اتضحت في حينها، لكن، في الجانب الآخر ماذا قدم المناضلون في اتجاه إجلاء الحقيقة و فضح المسكوت عنه؟
فمن باب المسؤولية و الوفاء لجميع الشهداء و لجميع مناضلي و جماهير الانتفاضة.. وجب البوح بالحقائق كاملة حتى تسهل محاربة التغليط و الافتراء و حتى نستخلص الدروس خدمة لمسلسل الثورة و لمهمة تطوير مسارها و تقويمه.
فما السر إذن في الاستمرار في إخفاء بعض المعطيات التي من المفترض أن يفتخر بها المناضلون؟ ما السر في مصادرة هوية الرفاق الماركسية اللينينية التي لم تكن جمهورية و فقط؟ ما السر في مصادرة و إلغاء مشروعهم المجتمعي الاشتراكي الذي كان نبراسا لتطلعات الشباب الثوري الطلابي و التلاميذي آنذاك؟
أيوجد ما يخجل في هوية الرفاق الشيوعية و في تطلعهم و تفانيهم من أجل الارتباط بعمال و كادحي و مُهَمَشِي مدينة مراكش؟ ألم تصادر المخابرات خلال حملاتها و اقتحاماتها للبيوت و الغرف.. المئات من العناوين و الكتب و المجلدات الماركسية اللينينية الداعية لهزم الرأسمالية و القضاء على نظامها السياسي و الاقتصادي، لبناء البديل المجتمعي الاشتراكي، بديل الديمقراطيات المجالسية، بديل الحريات الحقيقية و المساواة الفعلية بين الجنسين و بين اللغات.. بديل الطبقة العاملة محررة نفسها و محررة الجميع، مؤسسة المجتمع بدون طبقات؟ أفي هذا ما يخجل الرفيق؟
فالمجموعة المكوَنة من 43 معتقل، ضمت في صفوفها عاطل واحد و محامي متدرب واحد و 7 تلاميذ تقدميين منهم اثنين متعاطفين مع اليسار الاتحادي ـ رفاق الشهداء ـ و الباقية المتبقية كلها بمن فيها المحامي المتدرب، كلها تمرست في صفوف الطلبة القاعديين، بل و ما زالت غالبيتها أي خلال لحظة الاعتقال، تتحمل المسؤولية في مكاتب التعاضديات لإوطم بكل من كليات الآداب، العلوم، الحقوق، المدرسة العليا للأساتذة أو في مجلس القاطنين أو في مجالس الطلبة بمختلف الكليات.

• دروس الاعتقال جزء صغير من الدروس العظمى للانتفاضة
خلال هذا الجزء سأحاول الإدلاء بملاحظاتي و رأيي حول المنهجية المرتبكة التي اعتمدها الكاتب حيث حاول قول الكثير ليثبت أنه ضحى بالمهم، ألا و هي الدقة و الموضوعية و الفضح عن المسكوت عنه حتى تتضح معالم المادة التي يمكن اعتبارها عن حق مادة أولية للتقييم الذي سيفيد الجميع ممن شاركوا، أو عانوا، أو انبهروا بعد سنوات بقدرات و تضحيات الجماهير التي كانت دائما على يسار اليسار، المنظم و غير المنظم.
فمن خلال الغلاف يتضح و منذ البداية، صعوبة وضع اليد أو الأصبع عن الموضوع المستهدف بقوة داخل هذه المساهمة، بل إن الصفحات و ما دُبٌج داخلها لم يزد ملاحظاتنا إلا تأكيدا في تأكيد.. و لن نكرر هنا ما قدمناه من ملاحظات في الفقرة الأولى.. فقط سندلي بإشارات أخرى تهم المناضلين و الطلائع و المعتقلين السابقين و اللاحقين ـ أي الذين تم اعتقالهم بعد اندلاع الانتفاضة ـ فكما سجلنا في البداية أن التأريخ و التقييم للانتفاضة يتطلب مجهودا رفيعا لن يفي به مناضل أو مجموعة من المناضلين بل مركزا للبحث له من الإمكانيات العلمية و اللوجيستيكية و كذا البشرية ـ مناضلي الميدان ـ لمتابعة، بالدرس و التحليل، كل ما يخص تطلعات الكادحين و قضاياهم المصيرية ذات الارتباط بالمجتمع البديل المنشود.
أما في ما يخص معتقلي الانتفاضة فيجب التوضيح بأن الاعتقال استهدف بالأساس حركة فكرية سياسية أنتجت بدورها في الساحة النضالية، العديد من التيارات و المجموعات المعارضة الجذرية.. و التي كانت تشتغل بالحركتين التلاميذية التقدمية و الطلابية القاعدية، و داخل بعض الجمعيات الثقافية و التربوية المهتمة بالمسرح، السينما، الموسيقى، الغناء، الأوراش، المخيمات..الخ
معتقلون تم الزج بهم في غياهب المعتقلات و السجون، ليس لمشاركتهم المباشرة في التحضير و التنظيم للانتفاضة ـ و إن كان لبعضهم هذا الشرف ـ بل لنشرهم و على مدى سنوات طويلة سابقة عن الانتفاضة، للأفكار الاشتراكية الثورية ذات المرجعية الماركسية اللينينية.. و لا أدل عما نقوله هو محاكمات العديد من المناضلين و المناضلات بمدن لم تعرف شوارعها أية مظاهرة، أو عرفت بعض المظاهرات المحدودة ـ البيضاء، الرباط، القنيطرة، خنيفرة، تمارة.. ـ بل هناك من المناضلين من تمت محاكمتهم على خلفية مقرات سكناهم أو مقرات عملهم السابقة رغم مغادرتهم للمناطق المنتفضة سنة أو سنتين قبل اندلاع الانتفاضة ـ حالة رجال التعليم بمدن الحسيمة، تفيلت.. ـ
لنصل الآن لمجموعة مراكش 43 و التي حاول الكاتب اختزالها و لمدة فاقت العشرين سنة، لعشرة معتقلين فقط، سمٌاهم الرفيق برفاق الشهيدين و كأن ما تبقى من 43 معتقل وجب تصنفهم كأعداء أو كخصوم للشهيدين، و الحقيقة طبعا غير هذا، إذ نتمنى صادقين أن يسقط هذا الإجحاف الذي رافق ثقافة الرفيق السياسية، في حق مناضلين و معتقلين عانوا مثله و مثل الشهيدين عذابات درب مولاي الشريف و فيلا جليز و كافة الكوميساريات بمراكش.
فالرفيق تكلم عن تباعد الرؤى السياسية و اختلاف التقديرات و التقييمات للظرف السياسي الذي كانت تمر منه البلاد دون أن يفصح عن هذه الرؤى بل و لم يفصح حتى عن رؤيته الخاصة أو رؤية مجموعته، إن كان لها رأيا موحدا كما ادعاه و ما زال يدعيه.. إضافة للتناقض الحاصل بين التقديم و التعريف بمجموعته التي ادعى بأن لها رؤية خاصة بها، لتتحول و تختزل "الرؤية" في ملف مطلبي فقط، نفسه نفس الملف الذي همٌ جميع المعتقلين السياسيين المغاربة آنذاك، و نفسه نفس الملف الذي انخرطت المجموعة الثانية للنضال من أجله، و هي مجموعة تشكلت من أكثر من ضعف المجموعة الأولى، و التي قدرها الرفيق، مغالطا، "ببعض المعتقلين" لتنتفي الموضوعية عما كتبه بهذا الصدد.
إضافة للحيف السافر الذي لحق، و لسنوات، بمجموعة من الرفاق المعتقلين الذين عانوا كذلك من الاختطاف و التعذيب ثم الأحكام القاسية لحد 15 سنة، و عددهم عشرة، فضلوا عدم الدخول في إضراب لا محدود و اكتفوا بإصدار بيانات تنديدية و استنكارية و خاضوا بعض الإضرابات المتقطعة، شكلها شكل جميع الإضرابات التي عرفتها السجون بالمغرب آنذاك، و تحت نفس الملف المطلبي.
فالرفيق لم يوضح بما فيه الكفاية دواعي الإضراب الحقيقية و نعتقد أن التوضيح سيسقط لا محالة العديد من الاتهامات المجانية و المتجنية التي عانى منها الرفاق في مجموعة مراكش، سواء المنخرطين في الإضراب اللامحدود، أي المجموعة الثانية، أو الذين لم ينخرطوا قط.. لأن الإضراب جاء كرد فعل على الهجوم الذي تعرضت له مجموعة من مكتسبات المعتقلين السياسيين عامة، أساسا الحق في التعليم، و الحق في الإعلام، إضافة لمطالب أخرى كالزيارة المباشرة و المتابعة الطبية و تقريب المعتقلين من عائلاتهم..الخ
و هنا يجب تسجيل أن هذه التراجعات عمٌت جميع السجون و استهدفت جميع المعتقلين السياسيين "وفق التوجيهات السامية لصاحب الجلالة"..
و بالتالي فإن جميع النعوتات و الاتهامات التي أُلصِقت بباقي معتقلي المجموعة ـ الجبن، الخيانة، العمالة، الولاء.. ـ يمكن، إن كانت على حق، أن تسري على جميع المعتقلين بسجون الرباط، القنيطرة، فاس، وجدة..الخ
فبعد أزيد من عشرين سنة، لم يوضح الرفيق، حتى يشفي غليلنا، أو الرفاق بمجوعته، إن بقيت على رأي، سر هذه الرؤية و هذه القراءة للوضع التي دفعت بهم لهذا الاختيار لوحدهم، و مكنتهم من الفهم الدقيق دون غيرهم، و أوصلتهم للرد الوحيد و الناجع دون تبصر جميع المعتقلين القدماء و الجدد.
و أتمنى ألا يفهم من أسئلتي هذه استفزازا لأحد، و بألا يقدر في خانة المزايدات الرخيصة، فقط وددت أن تكون لي مساهمة في إطلاع الرفاق المعتقلين و غير المعتقلين، القدماء و الشباب.. عن بعض حقائق تلك الفترة و عن جميع الحيثيات المسكوت عنها و المحيطة بحدث الإضراب اللامحدود عن الطعام..
فلا يمكن تصور وقع هذه الاتهامات الرخيصة التي تعرض لها الرفاق المعتقلون الغير مضربون، كما لا يمكن تصور وقعها على عائلاتهم التي أحست بالغبن و الحيف و العزلة.. حيث انتشرت نفس الثقافة وسط الأمهات، و لولا المجهود الجبار الذي قام به بعض المناضلين من أعضاء العائلات، حفاظا على وحدة العائلات وضدا على نزعات التفرقة التي نشرتها عناصر من المجموعة الأولى و التي اخترقت جسم العائلات بفعل بعض أعضاء العائلات و كذا بعض المناضلين المقربين من المجموعة الأولى.
فقد حان الوقت إذن لرفع اللبس و لإماطة اللثام عن جميع معطيات التجربة بكل إنجازاتها و منزلقاتها و أن يتم التعامل مع المناضلين كبشر لنقدهم و ليس كأنبياء تقيهم طهرانيتهم و قدسيتهم من أي نقد أو مساءلة.
لقد وصل التجني لحد التصريح و من داخل ملتقيات شبه عمومية "أن الرفاق في المجموعة الثانية دخلوا الإضراب بشكل انتهازي"!! كان ذلك من طرف أحد الرفاق من مجموعة أحراث.
ففي الوقت الذي لم تتم في محاسبة أية واحدة من المجموعات الأخرى خصوصا الرباط، فاس، القنيطرة و وجدة.. التي كان من المفروض أن تنسق مواقفها لتوحد جهودها من أجل فتح معركة موحدة لصد التراجعات و للحصول على مكاسب جديدة تقوي من كفاحية المعتقلين كاستمرار للنضال الطبقي من داخل القلاع السجنية، نجد حملة التشهير و التخوين لم تتوقف، و لحد الآن، في حق المجموعتين الثانية و الثالثة، تتخذ أبعادا خطيرة وصلت لحد المقاطعة الاجتماعية في حق المعتقلين و عائلاتهم.

• بين خطابات المراجعة.. و خطابات التكيف
اكتفيت بهاته الإشارات الأولية لأدخل صلب الموضوع المُحيٌِر، و هو علاقة "حراث الأمس" "بحراث اليوم" ـ ليس الشخص طبعا ـ و سأبدأ بسؤال ما مدى وقع شعارات الأمس على الرفيق الآن؟ و كيف أمكنه التكيف مع إطار ناهضه ـ الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ـ و عاداه من خلال مقالات سابقة و بشكل خاص من خلال خطبته الشهيرة التي ألقاها بمعية رفيقه الذي ضاع في بداية الدرب، نور الدين الجوهري، على مسامع مناضلي الحركة القاعدية و هم منهمكون في تخليد الذكرى الثانية لاستشهاد المناضل الرفيق عبد الحق شباضة!؟.
فماذا تبقى من تصورات الأمس الثورية و الجمهورية؟ و أين وصلت مهام بناء الأداة الثورية و كل الآليات المساعدة على البناء؟ ماذا عن حماس و حركية الثمانينات؟ ماذا عن البناء و الارتباط الجماهيري بالحركتين التلاميذية و الطلابية؟ ماذا عن الجمعيات الثقافية و التربوية وسط الأحياء الشعبية؟ و ماذا عن حلقات النقاش ببوابات المصانع و الورشات و المعامل؟..الخ
فهل تم تعويض هذا بالانخراط في جمعية حقوق الإنسان لاحتراف "النضال الحقوقي"!؟ فكم هو مسلٌ أن ننتظر شكاوي المواطنين المتضررين لنبحثها في "لجنة الخروقات" و نرفعها آنذاك للقضاء ليحسم فيها "بنزاهة و استقلالية"!
لقد علمتنا التجربة و ميدان الصراعات الطبقية سهولة الانتقال من موقع لآخر كما علمتنا كذلك صعوبة الثبات في الموقع و الموقف.. لكننا و رغم هذا نعتقد أن من واجبنا فتح باب المحاسبة، بل نعتقد أننا تأخرنا كثيرا عن إعمال هذا المبدأ الذي شكل دائما أحد المبادئ الثورية في قناعاتنا و ممارساتنا.. من هذا المنطلق لا يجب التنازل أو التغاضي عنه لحساب المجاملات أو المزايدات و إبراز البطولات..الخ
فإذا كانت المعركة الانتفاضية هي معركة للجماهير و بالجماهير و من أجل المصالح العليا للجماهير الكادحة، فيجب أن يتم تقييمها من هذا المنطلق، فالمناضلون، الشهداء و المعتقلون، الطلائع القيادية..الخ ليسوا سوى إفرازا موضوعيا لحركة الجماهير و للصراع الطبقي الذي خاضته و تخوضه ضد نظام القمع و الاستعباد، نظام الاستغلال و الاستبداد الرأسمالي.. فليست المعركة، و لم تكن يوما معركة للمناضلين "الأبطال" ضد جلاديهم الطغاة!
ليس هذا سوى وصفا شكليا للأمور، و لن يفيد التقييم في شيء، وصف لن يصل لعمق الحدث و لكافة القضايا المرتبطة به.. لأن الصراع يبقى و سيظل صراعا طبقيا، و جهاز الدولة القمعي سيظل هو كذلك أداة طيٌعة في يد الطبقة البرجوازية الحاكمة و حلفائها.. هاته الحقائق القديمة و الثابتة و التي يبدو أن الصدأ قد علاها، في نظر البعض، أنتجتها و كرستها صراعات الطبقات لتاريخ طويل، أي منذ ظهور المِلكية الفردية و الخاصة و منذ انشطار المجتمعات إلى طبقتين أو طبقات متصارعة، منها من يملك و من لا يملك، منها السيد و منها العبد.. مالك الرأسمال و العامل المأجور.. هذا ما علمتنا إياه منهجيتنا العلمية، المنهجية الماركسية اللينينية، الماديتين الديالكتيكية و التاريخية و بها و عبرها حاولنا البحث في الانسجام بين شعارات الأمس الثورية و الجمهورية.. مع شعارات اليوم من قبيل "مساءلة الجلادين" و "طلب اعتذار الدولة و رئيسها لضحايا القمع و الانتهاكات"، "فصل السلط"، "استقلال القضاء" و "دولة الحق و القانون"..الخ
فلا أحد يشك أو يشكك في كون هذه الشعارات مرتبطة أشد الارتباط بالمشروع/ الوهم الإصلاحي القديم و الجديد.. و الذي طالما انتقده أحراث و رفاقه قبل، داخل، و بعد الاعتقال.. بل أن هناك من المتعاطفين معه داخل الجامعة ـ البرنامج المرحلي مجموعة الشجعان ـ من يعيش حالة السكيزوفرينيا السياسية، و ينتقد الشعارات صراحة داخل الجامعة ليتلقفها و يدافع عنها مباشرة بعد مغادرته للجامعة.
فحين يكون من الضروري الانضمام لإطار جماهيري مناضل يضم و ينبني على التعدد فمن حق المناضل الماركسي اللينيني أن ينخرط ليساهم في تشكيل تيار معارض للتوجهات النافذة و المهيمنة داخل الإطار، خصوصا إذا كانت لا تخفي مناهضتها و عداءها للاشتراكية و الماركسية اللينينية، دون أن يتحمل المسؤولية التنظيمية التي ستلزمه بالدفاع عن قرارات و تصورات الإطار، و بدون أن يخفي هويته الماركسية اللينينية أو يتهاون في دفاعه عن مشروع الطبقة العاملة الاشتراكي.
فالإطار الذي يتحمل فيه المسؤولية الرفيق ـ اللجنة الإدارية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان ـ له مرجعيته الخاصة و المعروفة، مرجعية طبقية برجوازية لا يتنازع فيها "حقوقيان"، إنها مرجعية "حقوق الإنسان" المدافعة صراحة عن حقوق الأفراد بما فيها حق المِلكية و التملك، و بعض المبادئ المناهضة لحق المضطهدين في الثورة و العصيان و العنف المسلح كرد طبيعي على عنف و استبداد الدولة البرجوازية الثابت و اليومي..الخ
كما أن الجمعية أو الجمعيات الحقوقية بشكل عام لا تخفي تقليصها لهذه المرجعية مكتفية بالمجال الضيق الذي تسمح به الاتفاقات و العهود الدولية التي دبجتها الأقلام المأجورة لطبقة الرأسمال الاستغلالية و الاستبدادية الإمبريالية خلال عهود لعبت فيه ورقة "حقوق الإنسان" دورها السياسي و الإيديولوجي لصالح البلدان الرأسمالية و لخدمة أنظمتها الاستغلالية ضد البلدان التي عاشت الثورات و نصف الثورات الشعبية ضد الإقطاع و بقايا الإقطاع و التبعيات الرأسمالية.
هذا النقاش الذي تم تأجيله أكثر من اللازم، أحيانا بدافع الكسل و التهاون و أحيانا أخرى عنوة و بتخطيط، من طرف أو بمساهمة العديد من مناضلي السبعينات و الثمانينات، و الذي لم يخلف سوى البلبلة و التجريبية المحبطة التي أثرت بشكل كبير في صفوف الشباب اليساري و الثوري الذي تجده تائها و ضالا على المستوى النظري و السياسي.. تجده يدعي الاستناد إلى فكر الطبقة العاملة بمرجعيته الماركسية اللينينية و لكن في نفس الوقت يتخذ لنفسه خطابات غريبة عن الماركسية، تارة الخطاب الشعبوي و تارة خطاب الإرهاب الفردي ـ الغيفارية في أحسن الأحوال ـ و تارة أخرى تجده يختلف عن التيارات الإصلاحية الجديدة ـ النهج الديمقراطي و الاشتراكي الموحد.. ـ أن تجده يتبنى و يدافع عن خط التحالفات الطبقية، الحزبية و السياسية ـ في إطار نظرية الجبهات و الثورات الشعبية و الجمهوريات الديمقراطية الشعبية ـ و في نفس الوقت ينبذ أي توافق سياسي بل يحارب مخالفيه و لو من نفس الأرضية الواحدة و المرجعية الواحدة، بأحط الأشكال و الأساليب التي وصلت لحد الشروع في التصفيات الجسدية في حق بعض مناضلي المجموعات الأخرى من ماويين تروتسكيين و ماركسيين لينينيين..
فمن مسؤوليتنا جميعا، و خاصة "الحرس القاعدي القديم" و "الحرس الماركسي اللينيني القديم".. أن نبين بجلاء للمناضلين الشباب معطيات و حيثيات التجارب النضالية بعمقها الطبقي و ليس بالتركيز على بطولاتنا و قدراتنا على الإضرابات اللامحدودة عن الطعام، من مسؤوليتنا أن نوضح لهم ما قدمناه من أفكار و تصورات و ما نشرناه من مفاهيم و شعارات.. سواء داخل الحركتين التلاميذية و الطلابية أو داخل الساحة السياسية بشكل عام.
المطلوب كذلك أن نقيٌم جميع ممارساتنا في الساحة بما فيها أشكال و آليات الارتباط الجماهيري، يعني تقييمها على أرضية الطرح اللينيني في التنظيم بأبعاده الطبقية و السياسية..
دون هذا لن يكون سوى تبريرا للأخطاء و تغطية للمنزلقات و جريا إلى الأمام تحت شعار "أنا أناضل إذن أنا موجود"! فبدون تقييم لن يكون هناك تقويم، و بدون وضوح إيديولوجي و دقة في الطرح السياسي لن تتسع سوى دائرة الغوغائية و الصبيانية من جديد..الخ
فلا بد من تقديم الحساب، و تقديم الحساب لن يكون طبعا إلا بالأشكال النضالية و الرفاقية التي لا تشكك في نضالية الرفاق و لا تخونهم.. بل تطالبهم بأن يضعوا تجربتهم و خبرتهم الميدانية خارج العنتريات البطولية.. بهدف نضالي يسعى لتقديم الفعل الثوري ببلادنا، يسعى لتوحيد الصفوف على أرضية مرجعية واضحة و بتوجيه من خط سياسي واضح و تحت آليات تنظيمية معترف بها داخل الموروث الماركسي اللينيني و جوهره المبني على تقوية الثقافة التنظيمية البروليتارية بشتى أبعادها، و أساسها طبعا الحزب و كل الآليات السابقة عنه ـ خلايا، مجموعات، تيارات، منظمات..الخ ـ إلى جانب النقابة العمالية و كافة المنظمات و الاتحادات الجماهيرية الأخرى.
فلا يمكن لأي تقدمي يساري أن يناقش تجربة الثمانينات دون أن يناقش الحركة القاعدية و دورها الميداني في الصراع ضد النظام القائم، سواء من خلال الحركة الطلابية و اتحادها إوطم، دفاعا عن الجامعة و حرمتها، و عن الحق في الانتماء السياسي و النقابي و الحق في التعليم لأبناء الكادحين.. أو من خلال مساهمتهم الميدانية في الانتفاضات و العصيانات و الإضرابات الجماهيرية لسنوات 79 - 84..
كذلك لا يمكن رصد حركة اليسار بداية الثمانينات بمراكش دون الرجوع لتجربة الحركة التلاميذية المتميزة بهذه المدينة، يعني تجربة اللجان الثقافية بالثانويات و التي عاشتها حوالي عشر مؤسسات بما فيها بعض الإعداديات.. كذلك تجربة الأندية و الجمعيات الثقافية التي أسست لفعل جمعوي يساري متقدم، داخل المدينة و الذي لعب دوره بشكل واضح في تثقيف و تنوير و تفجير إمكانيات الشباب الطلابي و التلاميذي الإبداعية في ميادين شتى ـ مسرح، غناء، موسيقى، سينما.. ـ بل و ساهم في نشر الفكر الاشتراكي و الكراريس و المجلدات للماركسية اللينينية على أوسع نطاق.
و دون أن نرغب في إقفال الموضوع الذي ما زلنا نطالب و نجدد الطلب لفتحه، سنقف عند التجربة التنظيمية لمناضلي هذه الفترة و التي يجب أن يتجرد خلالها المناضلون من كل ضغط خاصة و أن التجربة كانت مستقلة كل الاستقلال عن أي تنظيم سياسي، خاصة التنظيمات التي جددت هياكلها و أطروحاتها ـ منظمتي "إلى الأمام" و "23 مارس".
و بدون تضبيب و لا تغييم، سنوضح ما عنيناه بالاستقلالية التنظيمية حتى لا تُفهم حَوَلاً، فما قصدناه بالاستقلالية لا يعني الاستقلالية أو القطيعة الفكرية و السياسية عن الأطروحة السبعينية التي اعتمدتها هذه التنظيمات.. و لا ننفي كذلك المشاركة الميدانية للعديد من مناضلي هاته المنظمات و إسهاماتهم من داخل النقابات و الجمعيات خصوصا مناضلي منظمة 23 مارس..
كما لا يمكن لأحد أن ينفي أو ينكر التعاطف الكبير الذي كانت تحظى به منظمة "إلى الأمام" داخل صفوف الطلبة القاعديين محليا و وطنيا..
إلا أن الواجب يقتضي توضيح الأمور وفك الخلط حتى لا يتم الركوب على عطاءات و إبداعات و تضحيات الجماهير الكادحة و مناضليها الأوفياء.. خاصة أمام الشكل الذي تقدم به الكتاب و ما تضمنه من بيانات و تقارير و تعزيات خاصة بمنظمة "إلى الأمام" إضافة للخطاب الملكي التوجيهي و المبطن، الذي استهدف به مناضلي و أطر و متقاعدي منظمة "إلى الأمام".. و كذا مناضلي الطلبة القاعديين الذين اعتبرتهم الأجهزة المخابراتية عنوة كشبيبة لمنظمة "إلى الأمام".. و هو ما يعطي انطباعا مخالفا لما عرفته الوقائع و الأحداث المحيطة بالانتفاضة.
و حتى لا يفهم أننا بصدد قراءة النوايا، و لكي لا نتهم الرفيق بأنه قصد شيئا من هذا.. فمقصدنا هو ألا تستثمر التجربة من أي كان و لو كانت تلك المنظمة العزيزة على قلوب جميع الماركسيين المغاربة، هي المعنية ـ"إلى الأمام"ـ
فلا يجب إغفال ما تعرض له الشهيد بلهوري من استثمار من طرف أتباع "إلى الأمام" و تيارهم الطلابي "القاعديين أنصار كراسة 84" كما لا يمكن إغفال ما تعرض له الشهيد شباضة، كذلك، من طرف مناضلي و معتقلي "23 مارس" الذين شاركهم الإضراب اللامحدود عن الطعام.. و لا من بعض المجموعات و التيارات الطلابية ـ تيار القاعديين التقدميين الممانعين و تيار البرنامج المرحلي بكل مجموعاته ـ
فما نرفضه بالبات و المطلق، و من منطلقات مبدئية هي أن يتم وضع الشهداء في سوق المزايدات ـ الدلالة ـ للتنازع حول جثتهم شأنهم شأن الأثاث النفيس!
فالشهداء هم شهداء الشعب المغربي الكادح، شهداء تياراته و حركاته المناضلة.. و إذ ثبت و أن تم الاعتراف أو التبني لتيار أو تنظيم لأحد الشهداء، فلا يمكن أن يتم بالأشكال الارتزاقية المقيتة.. و الحال أنه، و باستثناء الشهيدين المعطي و بن عيسى الذين انتميا لتياري "البرنامج المرحلي" و "الممانعين" فلا قدرة لأحد بأن ينازع في انتماء الشهداء الدريدي، بلهوري و شباضة للحركة القاعدية و بالتالي فمن حق جميع مناضلي تيارات الحركة بأن يدافعوا و يفتخروا بشهدائهم، شهداء الحركة القاعدية و شهداء الحركة الطلابية و شهداء إوطم و شهداء المعارضة اليسارية الاشتراكية.. شهداء شعبنا الكادح على طريق نضاله من أجل التغيير الاشتراكي في آخر المطاف.

للموضوع بقية
بهذا نتمنى أن نكون قد حددنا أسئلة الأمس لنساهم من موقعنا في حل أزمة اليسار الاشتراكي الثوري و الماركسي اللينيني بالمغرب بعيدا عن النجومية الذاتية و بعيدا عن أية محاولة للتبرير و التصفوية التي أتت على العديد من التيارات و المجموعات و المنظمات.. لكنها، و بكل تأكيد لن تتمكن من القضاء على حركة انوجدت بفعل عوامل موضوعية و بفعل حركة الصراع الطبقي الدائمة.
و كيفما كان الحال بالنسبة للعمل الثوري بالمغرب، فلن تفزعنا الفزاعات التنظيمية و السياسية الفظيعة، و الخاصة بتمثيلية الطبقة قائدة الثورة و التغيير، محررة نفسها و جميع الكادحين، الطبقة العاملة صاحبة المشروع الاشتراكي البديل لنظام الاستغلال و الاستبداد الرأسماليين، بديل لنظلم القمع و الاستعباد الطبقيين، لنظام النهب و اللصوصية و العنصرية و الحروب المدمرة..الخ بل سنعمل جاهدين للإسهام و التغلب على هذا النقص، أو "الشرط الذي لا بد منه" كما سماه ذات وقت أساتذتنا ماركس و إنجلس ـ حزب الطبقة العاملة المستقل ـ.
هدفنا طبعا، ليس تصفية الحسابات القديمة و الجديدة، بل هو مناشدة للرفاق الصامدين و المبدئيين، المرتبطين طرحا و ممارسة بفكر و مشروع الطبقة العاملة، بأن يكون لهم السبق للتقييم قصد التقويم، للنقد و النقد الذاتي، للتصحيح الثوري للممارسة الثورية خارج الزعامات الغوغائية و التبريرات الإصلاحية الانهزامية، و كل الأشكال الصبيانية التجريبية..الخ
تقييمنا لن يكون إلا من منطلقات التشبث بثوابتنا النظرية الماركسية اللينينية، و بأهدافنا العامة، الثورية الاشتراكية.. مستندين و مستفيدين من تجارب الحركة الشيوعية الأممية و أساسا التجربة البلشفية اللينينية.. و كذا، كل الإنجازات الثورية التي أنتجتها الحركة الماركسية اللينينية و الحركة القاعدية بالمغرب..
و بالطبع نذكٌر و نؤكد على ضرورة استعمال المنهجية العلمية و كذا في استخلاص الدروس القيمة و المهمة التي ستنير الطريق.
فلا يكفي أن نذُكر بمنهجية "التحليل الملموس للواقع الملموس" و كل أساسيات الفكر المادي الديالكتيكي و المادي التاريخي بخلاصاته الأساسية فيما يخص دراسة صراع الطبقات، بل يجب إعمال هذه المنهجية التي بدونها لن نفهم صراع الطبقات بالمغرب و لن ندرك مغزى و دوافع الانتفاضات و العصيانات بالمغرب و بالتالي لن تكون لنا القدرة على متابعة حركة الجماهير و لا مسايرتها من موقع الطليعة و لا من موقع المؤخرة حتى!
إن الانتفاضات و العصيانات و الإضرابات الجماهيرية التاريخية هي ملك للكادحين المغاربة و حركاتهم الثورية و التقدمية، في آخر المطاف و التحليل.



#وديع_السرغيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حزب -النهج الديمقراطي- و السياسة بموقفين
- مهامنا في ظل العهد الجديد
- الانتفاضات الشعبية العمالية بالمغرب بين القراءة الموضوعية و ...
- قراءة أولية للأرضية التأسيسية لمنظمة -أ-
- عودة إلى سؤال، إلى أين يسير النهج الديمقراطي بطنجة
- حول ملابسات الصراعات الدموية بالجامعة
- جمعية المعطلين ينحروها ام تنتحر؟
- جورج حبش -شهيد- الجهل و الأمية
- كفاح و أساليب نضالية جديدة ...عمال حمل البضائع بميناء طنجة
- حول أحداث العنف الطلابي بمراكش و أكادير
- تخليد ذكرى يوم الأرض بطنجة غاب يسار ... و حضر يسار آخر
- رسالة إلى الرفاق الأوطميين
- عمال -ديوهرست- المطرودون ... من الاعتصام إلى الاحتجاج في الش ...
- مواصلة ديوهيرست لحربها الشرسة ضد العمل النقابي
- الملكية بالمغرب تدشن السنة الجديدة باستقطابات جديدة
- عاملات و عمال ديوهرست بطنجة في الواجهة
- مأساة عمال و عاملات شركة يازاكي بطنجة
- عمال ديوهرست بطنجة المجزرة واحدة و السيوف متعددة
- التوجه القاعدي و الإنجازات النوعية
- قراءة نقدية لخط -رابطة النضال الشيوعي بالمغرب-


المزيد.....




- مشادات بين متظاهرين في جامعة كاليفورنيا خلال الاحتجاجات المن ...
- إصدار جديد لجريدة المناضل-ة: تحرر النساء والثورة الاشتراكية ...
- ??کخراوکردن و ي?کگرتووکردني خ?باتي چيناي?تي کر?کاران ئ?رکي ه ...
- عاش الأول من أيار يوم التضامن الطبقي للعمال
- اندلاع اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل أبيب ...
- الولايات المتحدة: اعتقال مئة من المتظاهرين المؤيدين للفلسطين ...
- اعتقال الشرطة الأمريكية متظاهرين في جامعة كولومبيا يؤجج الاح ...
- الحزب الشيوعي العراقي: معا لتمكين الطبقة العاملة من أداء دو ...
- -إكس- تعلّق حساب حفيد مانديلا بعد تصريحات مؤيدة لأسطول الحري ...
- انتشار التعبئة الطلابية ضد الإبادة الجماعية الإسرائيلية


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - وديع السرغيني - دروس انتفاضة يناير