أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جهاد علاونه - كنتُ وما زلتُ طفلاً















المزيد.....

كنتُ وما زلتُ طفلاً


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3281 - 2011 / 2 / 18 - 19:30
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الزهرة بين أصابع يدي تتحول إلى بستان ..وقطرة الندى إلى جدول مائي..والكلمة إلى روح ....والجوهرة الثمينة الكريمة إلى حجر عادي..والأحجار العادية بفضل تصوراتي أجعل منها منحوتات أو مخلوقات لا يخلقُ مثلها إلا ألله فهي فنيةً لا ينقصها إلا الروح وحين لا أجد مناصا من الروح ألجأ في النهاية إلى أن أضع روحي في كل الأشياء التي أنتجها تماما كما أضع أصابع يدي في كأس الشاي حين لا أجدُ في المطبخ السكر وأنا أضع أوهامي وتصوراتي ومخيلتي في معظم الأشياء التي أصادفها فحتى كلمة الحب الصغيرة أجعل منها ديوانا شعريا ونظرة الإعجاب ملحمة رومانسية وغمزة العين إلى دمعة وابتسامة ووجه حبيبتي إلى سماء صافية وساقيها إلى نخلتين أتصور بنفسي وأن أتسلقهما من أجل أن أقطف من الصدر قطفاً من التمر وحبة توت من الفم الصامت تماما مثل الأطفال الذين يضعون روح الطفولة في أعواد الثقاب فيتخيلونها مدافعاً تضربُ أعداءهم .. أو يتخيلون علبة ألوانهم إلى مقعد يجلس عليه ضيوفهم فحين يختلف طفل مع طفل آخر في منزلك على (قشة) أو على (إبرة) أو على قطعة حديد مهترئة من كثر الصدأ الذي عليها تأكد أنت أولا وقبل أن تحل النزاع بينهما بأنهم لا يرون القشة قشة بل ربما يتخيلونها بساطاً من الريح يطير أمامهم وقطعة الحديد المهترئة من الصدأ أيضا يتخيلونها باخرة كبيرة تقف في عرض المحيط واليوم خرجتُ من البيت مسرعا على صوت ولدي علي يتضارب ويتصايح مع ابن الجيران فسألتهم عن سبب المشكلة فتبين لي بأن السبب تافه جدا على حصان مصنوع من البلاستيك الخفيف لا يتجاوز حجمه 5 سنتمتر فقلت : شو كل الصوت على هذه القطعة؟ فقال ابن الجيران: أنا أول واحد لقاها, وبكى بصوت عالي واحمر وجهه , ورد عليه ولدي علي وهو يمسح بدموعه : لا لا أنا شفتها قبلك وأنت أخذتها قبلي معناتها من حقي أنا , وأنا شخصيا لم أعتبر الموضوع تافها ولكن بالنسبة لهم الموضوع قيم جدا وله دلالات رمزية وحقوق واعتبارات شخصية ومعنوية فمثلا علي يرى بأنه هو الأحق به لأنه هو أول من رآه وأبن الجيران يعتبره من حقه هو والكل يريد الحصان لأنهم لا يرون الحصان بحجمه الطبيعي أو كما أراه أنا.

وهذا ذكرني بأنني كنتُ طفلا وما زلتُ طفلاً فلقد كنت وأنا طفل صغير أخرج للعب مع أولاد الحارة فنركب رمح من القُصيب ونركض عليه ونحن نعتقدُ بأن الرمح حصان سريع يسابق الريح , طبعا كنا نركض ونلهث ونتمايل ونحن نركب عليه وكأن جوادا أصيلا نركبه يتمايل بنا , ومن المفترض بأن الرمح عبارة عن رمح خشبي ولكن عملية التأمل بالرمح تجعلنا نعتقد بأنه تحول بفعل سحرنا إلى حصان كما كان (بهلول ) يركبه في العصر العباسي فلم يكن البهلول يرى الرمح إلا فرسا كالتي يمتطيها الخليفة وكبار قواد الجيش وأحيانا كنا نتخذ من رمح القصيب الصغير سيفا فكنت أنا أقف على ظهر (فرن) كبير كان في بيتنا تخبز به كل أو نصف نساء بلدتنا فكنت أقف على ظهر الفرن وأشهر الرمح عاليا وكأنه سيفا حقيقيا .

وكنا أحيانا نصنع من قضيب حديد شكل دائرة صغيرة وكأنها (دركسيون) أي مقبض سيارة فنركض وهو بين أيدنا نلف به يمينا إذا ذهبنا باتجاه اليمين ويسارا إذا اتجهنا يسارا معتقدين بأننا نركب نقودُ سيارة ونصدر عند التوقف أصوات كالتي تصدر عن فرامل أو ابريكات سيارة حقيقية توقفت بشكل مفاجأ بهذا الشكل (إععععععععععع), وبخصوص البنات فقد كانت البنات تصف بعضا من الجارة بشكل دائري وغالبا بشكل مستطيل وهن يعتقدن بأنه بيتهن الحقيقي وكانت أي محاولة اعتداء على البيت اللعبة الصغير تعتبر اعتداءا على بيت كبير أو على قصر جمهوري كبير وكانت تشتعل المشاكل لهذه الأسباب بيننا جميعا لأن الأشياء الصغيرة والتي يعتقدها الكِبار تافهة ما هي بالأصل إلا أحلام وتأملات الطفولة.

كنا أطفالا وما زلنا أطفالاً نتخيل أو نصنع من الأشياء البسيطة أشياء معقدة وربما أنني رجل كثير المبالغة وشديد الملاحظة وكثيف التعبير وكثير الكلام ,أو كما تقول عني أمي فهي تدعي بأن المثل القائل (بعمل من الحبه كُبه) ينطبق على شخصي تماما وأنا شخصيا لا أعترض على مقولة أمي فأنا أدرك بأن قوة ملاحظتي تسبب لي كثيرا من التصورات ومن التخيلات فأنا أستطيع وأنا أنظر إلى ظلي في الشارع بأن أخلق منه قصة لها أول وليس لها آخر تماما وكأنني ما زلت طفلا أتخيل عُلبة الكبريت عمارة كبيرة وكأنني أيضاً على خشبة مسرح من المسارح التي يتعرضُ فيها الممثل والمشاهد (النظارة) أحيانا إلى أطفال يتصورون خشبة المسرح مطارا دوليا تهبط فيه الطائرات وتقلع منه رغم أن حجم خشبة المسرح لا تتجاوز 10 أمتار أو 20 متر على أبلغ تقدير وكل ذلك يعتمد في أصله على مخيلة كاتب السيناريو والمشاهد الذين ما زالوا أطفالاً وهذا فعلا ينطبق على ما يدور في رأسي وفي ذهن أمي بأنني (أعمل من الحبه كُبه) فأنا صنعت من الكرسي الذي أجلس عليه قصة لها أول وليس لها آخر لأنني أجبرت وأقنعت المشاهدين بأنه كرسي مسحور تماما كالطفل الذي يقتنع بأن لعبته الصغيرة إذا كانت طائرة صغيرة تمشي على بطارية 6 فولتات من الكهرباء ليست لعبة بل طائرة حقيقة فأحيانا تتحول خشبة المسرح الصغيرة إلى بحر ومحيط كبير يتقاتل فيها (الشيخ والبحر) مع الرياح الشديدة وأحيانا مع الحيتان والأسماك الكبيرة المفترسة, وأحيانا إلى وادي ممتلئ بالذهب وأحيانا تتحول خشبة المسرح إلى سجن يدخل فيه السياسيون ويخرجون وأحيانا إلى قصر ملكي كبير يجلس فيه (هنري الثامن)وهو يستندُ على أعمدة القصر من شدة حجمه ووزنه الكبير.. أو (هاملت) أمام المرآة ليشاهد نفسه وليشاهده الناس و بنفس الوقت تتحول خشبة المسرح إلى كوخ صغير يسكن بداخله رجل قلبه كبير وعاطفي جدا تتنازعه المشاعر من شتى النواحي وتأكله الاضطرابات العاطفية الرومانسية وكأنه حَمَلٌ وديع وقع فريسة بين أسنان قطيعٍ من الذئاب, فأنا تأكل قلبي النوازع الداخلية وتجذبني الأفكار إليها جذبا وتتنازعني المشاعر فيما بينها بين حب العالم من جهة وكرهه من جهة أخرى, وأنا أستطيع وأنا أنظر في كبد السماء من أن أتخيل السماء بيتي ومقبرتي وأحيانا أشعر بأن القمر (سيريوس) لا يتجاوز حجمه حجم باطن كفي رغم أنه أكبر من الأرض ومن الشمس نفسها, وأنا مثل الأطفال الذين يلعبون في المعجونة والألوان التي يصنعون منها أحيانا فيلا وأحيانا حصانا يريدون أن يركبونه وأحيانا بيتا كبيرا وبجانبه مزرعة للحيوانات أو مزرعة حيوانات كبيرة بداخلها بيت صغير ممتلئ بالحب , وهذا هو أنا حيث تكون اللغة التي أستعملها بمثابة معجونة الأطفال التي يصنعون منها ما يريدونه من تخيلات, إن حياة الانسان الفنان والمبدع هي حياة فيها كثير من التصورات الوهمية فكل ما يتعلق في أذهاننا من تصورات ما هي في أغلب الأحيان إلا الأوهام نفسها التي تجعلنا مثل دون كيشوت نقاتل طواحين الهواء معتقدين أنها عمالقة وبأننا نحن فرسان من طبقة النبلاء نتخيل أنفسنا وكأن الفساد قد غزانا فنكتب القصائد والمقالات ونقاتل بلا هوداه وكأننا نضرب النار في مسرح معتم ونتخيل طولنا بطول المئذنة أو بطول سفينة نوح وأحيانا تجعلنا الأوهام نتخيل الملوك بأنهم أقزام حقيقيون أمام تصوراتنا عن حقوقنا الدستورية وحقوق الانسان وبالتالي ليس لأحد الحق في اعتقال الكتاب وفي تكفيرهم نظرا لأن تخيلاتنا أوهام تجعلنا أيضا نتصور رؤساء الحكومات وقد تحولوا فعلا إلى عمال في بيوتنا وتصوراتنا مجرد أراء ووجهات نظر مختلفة ومتباينة في الاختلاف , إننا حقا مثل الطفل الذي يمسك بيده مسطرة ليسطر بها على دفتره وفجأة تتحول المسطرة بين يديه إلى قطعة أرض كبيرة يضع عليها حصانه الذي صنعه من المعجونة أو أننا أيضا كالطفل الذي يلعب بسيارته الصغيرة وفجأة تتحول السيارة اللعبة إلى سيارة حقيقية تقلب بين يديه على الأرض أو من على الفرشة التي يجلس عليها في الدار.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرجل الذي كان يقف خلف عمر سليمان
- مستقبل العلاقات الدولية
- أجاك الخلع يا تارك الديمقراطية
- من الذي يغير شكل العالم اليوم؟
- أناقة محمد أنور السادات
- فساد الملوك لا يحتاج إلى دليل
- نص كلمتي بمناسبة عيد ميلاد ولدي علي اليوم
- مأساة أللواء محمد نجيب,أول رئيس لجمهورية مصر العربية
- وسادتي
- ليس لدينا كرامة ندافع عنها
- من يستفيد من هذا الدرس؟
- المسحوق الأردني
- فشل المخابرات
- ارحلو نريد أن نرى وجه ألله
- حفلة وداع وتعارف
- اصلاحات جلالة الملك
- مبروك الحكومة الجديدة
- المساعدات الأمريكية
- أكثر شخصية مكروهة في الوطن العربي
- من يسقط النظام؟


المزيد.....




- هل تنجح إدارة بايدن في تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل ...
- -ديلي تلغراف-: ترامب وضع خطة لتسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا ...
- صحيفة أمريكية: المسؤولون الإسرائيليون يدرسون تقاسم السلطة في ...
- رسالة هامة من الداخلية المصرية للأجانب الموجودين بالبلاد
- صحيفة: الولايات المتحدة دعت قطر لطرد -حماس- إن رفضت الصفقة م ...
- حسين هريدي: نتنياهو يراهن على عودة ترامب إلى البيت الأبيض
- ميرفت التلاوي: مبارك كان يضع العراقيل أمام تنمية سيناء (فيدي ...
- النيابة المصرية تكشف تفاصيل صادمة عن جريمة قتل -صغير شبرا-
- لماذا تراجعت الولايات المتحدة في مؤشر حرية الصحافة؟
- اليوم العالمي لحرية الصحافة


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جهاد علاونه - كنتُ وما زلتُ طفلاً