أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد البشيتي - تلك هي -الطريق-.. وهذه هي -المحطَّة النهائية-!















المزيد.....

تلك هي -الطريق-.. وهذه هي -المحطَّة النهائية-!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 3254 - 2011 / 1 / 22 - 15:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تلك هي "الطريق".. وهذه هي "المحطَّة النهائية"!

جواد البشيتي

كلاَّ، إنَّهم ليسوا بـ "أغبياء" بالمعنى الحقيقي لكلمة "غبي"؛ فإنَّ لهم عقولاً ذكية، واعية، مثقَّفة، تسمح لهم بتمييز الأشياء، وإدراك ما اختلف منها وتغيَّر؛ لكن ما ينقصهم، وما يجعل، من ثمَّ، وصفهم بأنَّهم "أغبياء" وَصْفاً يشبه الحقيقة، هو أنَّهم يُبْدون عجزاً عن النظر إلى ما اختلف بعيون مختلفة؛ أمَّا السبب فهو مصالحهم الشخصية والفئوية الضيِّقة التي تحول بينهم وبين الفعل والعمل بما يوافِق العقل والمنطق.

هُمْ يَعْرِفون جيِّداً الطريق "القويم"؛ لكن تلك المصالح التي تستعبدهم، وتستبدَّ بهم، وتُذِلَّ عقولهم وذكاءهم، تنهاهم عن السير فيه؛ لأنَّ جهنَّم، أو ما يشبهها، تنتظرهم في نهايته.

إنَّكَ تراهم الآن، وتسمعهم، في فعلهم وقولهم، أبناءً لحكمة "درهم وقاية خيرٌ من قنطار علاج"؛ لكنَّهم، وعلى ما يُبْدون من اهتمام استثنائي بارتداء ما تيسَّر لهم من لبوس الحكمة، لم يتوصَّلوا بَعْد إلى "اكتشاف" الحكمة الأهم، ألا وهي أنْ لا فرق مُطْلَقاً (أي من النوع المُطْلَق) بين "الخطأ" و"الصواب"، فـ "الخطأ" قد يكون "قراراً صائباً؛ لكنْ اتُّخِذ بعد فوت الأوان".

"درهم وقاية خيرٌ من قنطار علاج" هو الحكمة بعينها؛ لكن ليس دائماً، أو في كل الأزمنة، فهو الحكمة بعينها قبل أنْ (وحتى لا) يُصاب المرء بمرض السرطان مثلاً؛ أمَّا وقد أصيب فلا نَفْعَ ولا حكمة، وإنَّما ضرر وحماقة، أنْ يستجير المريض بهذا "الطبِّ الوقائي".

"قِرْشٌ حكومي واحد"، وبمعنييه الحقيقي والمجازي، يَذْهَب إلى الشعب من الخزائن المالية والسياسية للحكومة، كان يكفي، في الأوقات العادية، للحيلولة بين الشعب وبين النزول إلى الشارع؛ أمَّا وقد "نجحت" الحكومة في جعل الشعب يتخطَّى ويتجاوز "نقطة اللا عودة"، فلا جدوى، عندئذٍ، من أنْ تتنازل له الحكومة عن معظم، أو كل، "قروشها".

في الفيزياء، التي رأيناها في تونس تَهْدِم "السياسة" المَبْنِية من حجارة الميتافيزيقيا لتعيد بناءها بما يجعلها شبيهة بها، نرى أنَّ كل الحرارة في الكون لا يُمْكِنها، لو أدخلناها في الماء، أنْ تزيد حرارته درجة مئوية واحدة إذا ما بلغ نقطة الغليان (100 درجة مئوية).

من قبل، كان يكفي أنْ تُدْخِل فيه كمية ضئيلة من الحرارة لترى زيادة في درجة حرارته؛ أمَّا الآن فلا جدوى من كل ما تبديه حكومة الغنوشي من استخذاء للشعب ومطالبه إنْ هي أصرَّت على البقاء، وعلى السعي من أجل إنقاذ كل ما يمكنها إنقاذه من نظام حكم قُطِعَت رأسه، فَلَمْ يبقَ منه غير الذَّيل يتحرَّك؛ والشعب التونسي لديه من الشهامة ما يكفي لِيُتْبِع رأسها (رأس الأفعى) الذَّنب.

في ذُلٍّ، يشوبه كثيرٌ من المكر والخبث، ومن الإصرار على الاستهزاء بذكاء الشعب الثائر، وَقَفَ وزير الداخلية في حكومة الغنوشي "الإنقاذية"، بذاك المعنى لـ "الإنقاذ"، ليخاطب الشعب قائلاً: لِمَ العجلة والتسرُّع؛ لقد صبرتم زمناً طويلاً على مصائب عهد زين العابدين بن علي، فَلِمَ لا تصبرون بضعة أشهر لا غير، تقودكم في خلالها حكومة الغنوشي المؤقَّتة الانتقالية إلى برِّ الأمان، فتتوصَّلوا إلى كل ما تريدون، بعد، ومن خلال، الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، مجتنبين، في الوقت نفسه، أو من ثمَّ، "الفوضى" وشرورها (فإنَّ الصبر مفتاح الفرج، وإنَّ العجلة من الشيطان)؟!

إنَّه يدعو الشعب (والحمد لله أنَّ كلامه لا يقع على أسماع شعبية تشبه سمعه) إلى مغادرة "الشارع"، وملازمة المنازل، والانتظار حتى يوم الانتخاب؛ فإنَّ تونس الجديدة (أي القديمة وقد ألبسوها ثوباً جديداً) لن تَخْرُج إلاَّ من رحم "صندوق الاقتراع" الذي خَبِرَته واختبرته شعوبنا جيِّداً.

هذا الوزير، وبما قال أو قاء، ذكَّرني (لأنَّ الشيء يُعْرَف من ضدِّه) بلينين الذي ميَّز الأزمان السياسية ـ التاريخية من الأزمان العادية إذ قال في أثناء الإعداد والتحضير لثورة أكتوبر (البلشفية) إنَّ موعدها هو الرابع والعشرون من أكتوبر، فَقَبْلُه بيومٍ لن يكون الأوان قد آن، وبعده بيومٍ يكون قد فات الأوان؛ تلك هي "الفيزياء السياسية"؛ وشتَّان ما بينها وبين "سياسة الصبر والانتظار والتريُّث.." التي دعا وزير الداخلية التونسي الشعب إلى الأخذ بها، مُصَوِّراً إيَّاها على أنَّها "الحكمة بعينها"!

وإنَّها لسياسة إنْ صَلُحَت لشيء، في هذا الزمن الثوري التاريخي الذي يستكره ويستقبح ويلعن "التوقُّف" في منتصف الطريق، أو على بُعْد شبر من "شجرة الحياة"، فلا تَصْلُح إلاَّ لدقِّ المسمار الأوَّل والكبير في نعش الثورة التونسية العظمى.

هذا الوزير الضيِّق الأفق (وهل من وزير من جنسه يمكن أنْ يكون واسع الأفق؟!) أراد عقد صفقة مع الشعب (خاسرةً للثورة، رابحةً لنظام حكمٍ يأبى الاعتراف بموته إلاَّ بعد دفنه). وفي هذه الصفقة، يتوقَّف "قطار التاريخ (أو الثورة)" قبل وصوله إلى "محطته النهائية"، وهي "الجمعية التأسيسية"؛ أمَّا حكومة الغنوشي فتتراجع إلى الوراء بضع خطوات؛ وكأنَّ الشعب لا يملك من الذكاء ما يسمح له بإدراك أنَّ تلك الحكومة لا تتراجع الآن إلى الوراء (بضع خطوات) إلاَّ لتقفز (قفزتها الكبرى) عن الشعب وثورته، وبتمييز "التراجع (الحكومي) عن اضطِّرار" من "التراجع عن اقتناع"؛ فإنَّ كل ما تتنازل وتتراجع عنه حكومة الغنوشي الآن عن اضطِّرار (لا ريب فيه) ليس من الفضيلة في شيء؛ لأنْ ليس في الاضطِّرار فضيلة يا أولي الألباب من أهل الحكم (العربي الوثني).

وإذا كان من نُصْحٍ نسديه إلى الثورة التونسية (الغنية عن نُصْحنا) فإنَّ "الاستمرار مع التنظيم، والتنظيم مع الاستمرار، وصولاً إلى الجمعية التأسيسية"، التي فيها، وبها، يبدأ خلق كل شيء، هو ما ننصحها التزامه والأخذ به.

لقد فتكت الثورة التونسية بوهم "الإصلاح السياسي والديمقراطي"، الذي من رحمه سيَخْرُج (لنا، ومن أجلنا) الحكم الرَّشيد، إذ أقامت الدليل المُفْحِم (لشعبها ولنا) على أنَّ العطَّار، أكان أجنبياً من بلاد العم سام أم محلياً، يَعْجَز عن إصلاح ما أفسده الدَّهر، وعلى أنَّ أبناء وحرَّاس الماضي لا يُمْكِنَهم أبداً أن يكونوا، أو يصبحوا، صُنَّاعاً للمستقبل، فليس بالماضي "غير الجدير بالبقاء" يُصْنَع المستقبل.

وإنِّي لأزعم أنَّ عظمة الثورة التونسية تَكْمُن في كونها أزهقت هذا الوهم، وجاءت بالحقيقة التي لا ريب فيها، ألا وهي أنْ لا طريق إلاَّ "الطريق التونسي"، وأنْ لا "محطَّة نهائية" ينبغي للسائرين فيه أن يصلوا إليها إلاَّ "الجمعية التأسيسية"، التي فيها، وبها، يبدأ الخلق، الذي نصفه الأوَّل هَدْم، ونصفه الثاني بناء.

وحتى لا نضل بعد هدى أصبحنا عليه بفضلها، نُذكِّر بـ "الآية الكبرى" للثورة التونسية: لا فوضى ولا أصولية؛ وإنَّما انتفاضة مدنية سلمية؛ لا للغلاء، على أنْ تتَّحِد هذه الـ "لا" اتِّحاداً لا انفصام فيه، من الآن وصاعداً، مع "لا" أخرى أقوى وأكبر هي لا للاسترخاص السياسي للشعب.



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة التي كشفت المستور!
- حتى لا تصبح -الثورة المغدورة-!
- السقوط العظيم!
- أُمَّة ينهشها الفقر والجوع والغلاء والبطالة!
- ظاهرة -العنف المجتمعي- وظاهرة -إساءة فهمه-!
- كيف يكون السفر في الفضاء سفر في الزمان؟
- سياسة -الانتظار- و-أزمة الخيار-!
- جريمة أكبر من تُواجَه بعبارات الإدانة والاستنكار!
- فكرة -فناء المادة-.. كيف تحوَّلت من لاهوتية إلى -فيزيائية-؟!
- عمرو موسى.. مُقَوِّماً للتجربة!
- -الانهيار القومي- في -محطَّته السودانية-!
- هل يتوقَّف الزمن؟
- هذا الخلل التفاوضي الكبير!
- هل ماتت الفلسفة حقَّاً؟
- تدخُّل الإعلام في الشأن الداخلي لدولنا!
- خطوة إلى الأمام وعشرة إلى الوراء!
- إشكاليات في المعرفة الكونية
- الخيارات الستَّة البديلة!
- حلٌّ من طريق -تجميد- خيار المفاوضات!
- العالم على شفير -حرب عملات-!


المزيد.....




- طبيب فلسطيني: وفاة -الطفلة المعجزة- بعد 4 أيام من ولادتها وأ ...
- تعرض لحادث سير.. نقل الوزير الإسرائيلي إيتمار بن غفير إلى ال ...
- رئيسي: علاقاتنا مع إفريقيا هدفها التنمية
- زيلينسكي يقيل قائد قوات الدعم الأوكرانية
- جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة الجعف ...
- طفل شبرا الخيمة.. جريمة قتل وانتزاع أحشاء طفل تهز مصر، هل كا ...
- وفد مصري في إسرائيل لمناقشة -طرح جديد- للهدنة في غزة
- هل ينجح الوفد المصري بالتوصل إلى هدنة لوقف النار في غزة؟
- في مؤشر على اجتياح رفح.. إسرائيل تحشد دباباتها ومدرعاتها على ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد البشيتي - تلك هي -الطريق-.. وهذه هي -المحطَّة النهائية-!