أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - علي شكشك - العماء















المزيد.....

العماء


علي شكشك

الحوار المتمدن-العدد: 3254 - 2011 / 1 / 22 - 11:41
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
    


لا نريدها, ولم نكن يوماً نريدها, لكننا وُلدنا فيها, تفتحت عيوننا عليها, ما من جيلٍ منا إلا وقد تفتحت عيونه عليها, إذ لا تمر بضع سنوات إلا وتتكرر, تعود لزيارتنا, كأنما تشتاقنا, أو كأنما تقتات بنا, كأنها ضرورة بيولوجية, أو قدر, ذكرياتنا أو مذكّراتنا تذخر بمفرداتها, وهي معالم لأحداث حياتنا, وفواصل ترتب جُمَلَنا, لا مفرَّ منها, لابدّ أنها ضرورةٌ لبقاء شيءٍ ما على قيد الحياة, إنها الحرب, التي يطلّ شبحها علينا, إنها الحرب لا الكلمات الهباء, وُلدنا وآباؤنا في أتونها, ورافقتنا, وما إن تنتهي حربٌ حتى يبدأُ التحسُّبُ للقادمة, تحصدُ عيوننا وآفاقنا وتحصد أهلنا وأشقاءنا وبيوتنا, وقد حصدت وطننا وأزهار الياسمين التي ظللت بيوت أجدادنا, واختزلت ألوان حديقة البيت إلى لونٍ واحدٍ بلون الغد المبهم, لون يشبه العماء, العماء الذي يرى به المجتمع الدولي حال الفلسطيني, حال وطنه المغتصَب ولاجئيه المشردين منذ عشرات السنين وأسراه الذين شارف عددُ من مرَّ منهم على السجون على مراحل قرابة المليون, العماء الذي يروننا به فلا يأبهون بنا ولا بمعاناتنا, ولا بمنافينا, ولا كيف نحيا ولا كيف نموت, ولا كيف يلتقي أحدنا بأحدنا إن استطاع, كلُّ هذا دون أن يعبأ بنا, بل ويضع إمكانياته في تجهيز الحرب القادمة علينا, ويُشهر الفيتو في وجه أيّ قرارٍ يدين من انتهك هدوء حياتنا ودمر ماضينا ووضع أسلاكاً شائكةً أمام مستقبلنا,
ذلك أنّ السلام كما قالت وزيرة خارجية فرنسا يجب أن يمر عبر أمن "إسرائيل", أي أنّ السلام يجب أن يُفصَّلَ بحيث يحقق أمن "إسرائيل", وهذا تعبيرٌ دبلوماسيٌّ مختصرٌ لمقولة كاملة تعتمدها الدول الاستعمارية وهي تلخص السياسة كاملةً وتترك هامشاً كبيراً للخداع والتزييف, مقولة تتقنع بالأمن لتفتت منطقتنا كليةً وتاريخَنا بأثرٍ رجعيّ ونفوسَنا وأرواحَنا ومقدساتنا وعلاقاتنا ومشاريعَ تنميتنا ونمطَ اقتصادنا وطرائقَ تزاوجنا, بل وستتدخل لاحقاً في عدد الأبناء المسموح إنجابهم,
وهي مقولة تكاد بل هي فعلاً حجر الزاوية في الرؤية الغربية للمنطقة, وهي تتردّد على لسان كل المسؤولين الغربيين, وتكمن في قلب رؤيتهم ورؤية قلبهم, حيث يجب أن يكون أمن "إسرائيل" هو الثابت الوحيد في أيِّ خطوة أو مشروع أو ترتيب أو دعمٍ أو اتفاقية أو قرارٍ أمميٍّ أو غيره, بل لعلها هي الدافع لكثيرٍ من المقترحات والتجمعات الدولية التي تقودها وتقترحها دولٌ أوروبية لمجرد إدماج "إسرائيل" عنوةً وقسراً في قلب الحيوية العربية وإدماجها فيها بمشاركة غربية تخفف وطأة الحال ومأساوية المهانة وتمتصّ تنافراتها وتساهم في تجاوز عقباتها شيئاً فشيئاً ورويداً رويدا حتى لا يبقى منا شيء, فيكون للعناوين المقترحة أسماء تساهم في تزييف المشهد وتجعل من عناوين كتجمع المتوسط رايةً يتسع لاحتمالات الذوبان في ملوحة البحرٍ الذي سننتمي إليه بعد أن كان ينتمي هو إلى ملامحنا, دون أن ننسى أنّ السيدة وزيرة الخارجية قد قالت بالضبط إن شرط السلام هو أن يلبي أمن "إسرائيل" واندماجها, ذلك أنّ الاندماج هو أحد ضمانات السلام,
ومعنى ذلك بالضبط هو أن تُفصَّلَ المنطقة بل والعالم بحيث تحقق ل "إسرائيل" الأمن, أي لا بد من إهمال ومحاربة ونفي أي عنصر أو ترتيب أو مقترح مهما كان إن كان لا يلبي أمن "إسرائيل", ومن هنا يتم التعاطي المتدرج أو التغاضي المتدرج عن مسألة المستوطنات, وعن مسألة حق العودة, ومن هنا تُشنُّ حروبٌ وتُقسَّمُ دول, ومن هنا تنشط المحاكم الدولية, ولهذا أيضاً يتم ابتزازنا لعدم ملاحقتها لدى المنظمات الحقوقية الدولية, ومن هنا سيكون تحديد تسلحنا وسيكون منع امتلاكنا للتكنولوجيا, ما دامت هذه تهدد أمن "إسرائيل", وسيكون شرطاً علينا إعلانُ حبنا لها, والإقرار بيهوديتها, لأنّ هذا سيكون لازماً لبث بعض الأمن في أوصالها, ومن هنا لن يكون مسموحاً لنا أن نسمح لأنفسنا بنموٍّ اقتصاديٍّ قد يجعلنا أهلاً لإثارة قلقهم, بل وسيكون علينا أن نمتنع عن أي تفكيرٍ في إمكانية تشييد أيِّ إطار تعاونٍ عربيٍّ حقيقيٍّ لأنَّ هذا بالتأكيد سيضيف إلى مفردنا قوة المفرد الآخر, وهو الأمر الذي من شأنه أن يعكّر هاجس الإحساس بالأمن لدى الدولة الطارئة على أمن المنطقة, وسيكون مطلوباً أيضاً أن نحدّد صلواتنا وصيامنا فقد يرى فيه الحاخام عوفاديا مناخاً يزعج أحلام الهيكل, وسيكون مطلوباً منا أن نجتهد كثيراً في إثبات حسن نوايانا فنحذف كثيراً من آياتنا التي تذكره وكلَّ ذكرياتنا التي تلعنه, سيكون مطلوباً منا أن نشكره ونعشقه على أنّه سلب هويتنا ووطننا وبياراتنا, وسيطلب منا أن نبرمج علاقاتنا الحيوية ونزواتنا ودقات قلوبنا وموازين عشقنا حتى نحدّد نسلنا, بما أنَّ العامل الديموغرافي يشكّلُ تهديداً خطيراً لأمن مستقبله,
هذا تماماً ما يقصده المتحدّثون عن أمن "إسرائيل", حتى ولو لم يصرّحوا بالضبط عن مفهومهم الكامل لهذا الأمن, لكن لسان الحال يشي بالمقصود ويشير إليه ببلاغة منقطعة النظير, فكلُّ هذا الحماس لهذه الكيان وكلّ هذا النشاط السياسي والدبلوماسي وكل هذا الدعم وكل هذا الجهد في الحروب على المنطقة وتفتيتها وكل هذه الأموال التي تُنفَق في سبيل ذلك, لا يفسره إلا ذلك, لعلهم يتمثلون مقولة مارتن لوثر زعيم الإصلاح البروتستانتي وهو يتكلم عن يهود أوروبا: "إنهم الأطفال ونحن الضيوف الغرباء وعلينا أن نرضى بأن نكون كالكلاب التي تأكل ما يتساقط من فتات مائدة أسيادها تماماً كالمرأة الكنعانية", أو ربما هو دعمٌ أعمى استجابةً أيضاً لما قاله مارتن لوثر عنهم في فترةٍ لاحقة على كلامه السابق: "من الذي يحول دون اليهود وعودتهم إلى أرضهم في يهوذا, لا أحد, إننا سنزوّدهم بكل ما يحتاجون لرحلتهم, لا لشيء إلا لنتخلّصَ منهم, إنهم عبءٌ ثقيلٌ علينا وهم بلاءُ وجودنا",
سواءٌ كان حبّاً أم كرهاً في هذا الكيان فإنّ كلا الحالين يسبّبان لهم العماء الذي يجعلهم لا يرون إلا العماء, ويحجب عن بصرهم وبصيرتهم شمس الحق والحقيقة, فلا يرون كلَّ حقوقنا المغتصبة في كل وطننا, ولا يرون كلَّ عذاباتنا ولا كل منافينا ولا كل لاجئينا ولا يتأثرون لمتاجرتهم بأعضائنا ولا يرون مجازرهم فينا ولا يأبهون بقصف المدنيين منا بطائراتهم المتطورة وحرقنا بالفوسفور ولا اغتيالنا ولا كلّ أسرانا, فوزيرة الخارجية الفرنسية لا ترى في كل العالم وهي مغمضة العينين إلا "شاليط" وتعتبرُ أسرَه جريمة حرب.
أيُّ عماءٍ هذا؟, أيُّ أمنٍ؟ وأيُّ سلام؟, عليكم السلام.



#علي_شكشك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- روح الكيان
- الانطلاقة
- رأس الحال فى رأس العام
- أسْرُ الوعي
- الجزائر هي الجواب
- لنكون يوما
- حالة أسر
- الأشياء
- هذه الليلة
- رمضان الفلسطيني
- سيرياليزم
- كيف حدث كلُّ هذا؟
- حالة ذهان
- ليس غريبا
- يحدث كلَّ يوم
- مذاق الاستقلال
- كتاب في الذكري ال 48 لاستقلال الجزائر
- قوانين نهايتها
- دائرية كالتاريخ
- لِيسوؤوا وجوهَكم


المزيد.....




- بالخيام والأعلام الفلسطينية.. مظاهرة مؤيدة لغزة في حرم جامعة ...
- أوكرانيا تحوّل طائراتها المدنية إلى مسيرات انتحارية إرهابية ...
- الأمن الروسي يعتقل متهما جديدا في هجوم -كروكوس- الإرهابي
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1005 عسكريين أوكرانيين خلال 2 ...
- صحيفة إسرائيلية تكشف سبب قرار -عملية رفح- واحتمال حصول تغيير ...
- الشرطة الفلبينية تقضي على أحد مقاتلي جماعة أبو سياف المتورط ...
- تركيا.. الحكم بالمؤبد سبع مرات على منفذة تفجير إسطنبول عام 2 ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لقتلى وجرحى القصف الإسرائيلي
- -بلومبيرغ-: إسرائيل تجهز قواتها لحرب شاملة مع -حزب الله-
- بلينكن يهدد الصين: مستعدون لفرض عقوبات جديدة بسبب أوكرانيا


المزيد.....

- روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي ... / أشرف إبراهيم زيدان
- روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس ... / أشرف إبراهيم زيدان
- انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي / فاروق الصيّاحي
- بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح / محمد علي مقلد
- حرب التحرير في البانيا / محمد شيخو
- التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء / خالد الكزولي
- عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر / أحمد القصير
- الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي / معز الراجحي
- البلشفية وقضايا الثورة الصينية / ستالين
- السودان - الاقتصاد والجغرافيا والتاريخ - / محمد عادل زكى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - علي شكشك - العماء