أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - شيءٌ من الخيال لن يفسدَ العالم














المزيد.....

شيءٌ من الخيال لن يفسدَ العالم


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 3250 - 2011 / 1 / 18 - 21:49
المحور: حقوق الانسان
    


في مقالي السابق، قلتُ إنني طوال الوقت أتخيّلُ نفسي مكان المسيحيين، فأحزن لأحزانهم، وأكتب. وهو ما أغضبَ بعضَ القراء مني، لدرجة أن أحدهم أرسل يقول لي: "توبي إلى الله!" كأنما وظيفة المسلم قهرُ المسيحي! ورغم كراهتي الكلمات التمييزية: مسيحي، مسلم، إلا أنني سأنزل على رغبتهم وأوجّه مقالي هذا للمسلمين فقط. المسيحيون يمتنعون. وهو على أية حال مقالٌ خياليّ، طالما الخيالُ لا يُعاقِب عليه القانونُ (حتى الآن). تخيّلْ معي أن المعلّمَ سأل ابنك المسلم: "رايح فين؟" فأجاب: "حصة الدين يا أستاذ." فيضحك المعلّم ويقول: "هو انتوا عندكو دين!" تخيل أن "يَشْرَق" ولدٌ في الفصل، فيهرع إليه ابنك الطيبُ لينجده، فيصرخ فيه الشرقان: "لأ، ماما قالت لي مشربش من زمزمية مسلم، عشان همّا (...)" تخيّلْ أن تتصفّح منهج ابنك فتجده مشحونًا بآيات من الإنجيل، ولا وجود لآية قرآنية واحدة. تخيلْ أنك ضللتَ الطريق، وسألتَ أحدَ السابلة، فأجابك: "سيادتك ادخل شمال، حتلاقي ’لا مؤاخذة‘ جامع، ادخل بعده يمين." تخيلْ أن تكون نائمًا حاضنًا طفلتك، وفجأة تنتفض الصغيرةُ في الفجر، لأن صوتًا خشنًا صرخ في ميكروفون الكنيسة (والكنائس الكثيرة في الحي): "خبزنا كفافَنا أعطنا اليوم. وأغفرْ لنا ذنوبنا كما نغفرُ نحن أيضًا للمذنبين إلينا. ولا تُدخلنا في تجربة. لكن نجِّنا من الشرير. لأن لك الملكَ والقوة والمجد إلى الأبد." فتسألك صغيرتُك ببراءة، وقد فارقها النوم: "بابا، ليه مش بيقولوا الكلام الجميل ده بصوت هادي، ليه بيصرخوا في الميكروفون كده؟!" فتحارُ كيف تردُّ عليها، و قد علّمتَها بالأمس أن مناجاةَ الله لا تكون إلا همسًا، لأن الله يقرأ قلوبَنا، وإن صمتتْ ألسنتُنا، وأن الدعوةَ للصلاة، التي هي صِلة بالله، "عيب" أن تكون بصوت مُنفِّر. لهذا اختار الرسولُ للأذان "بلالَ بن رباح" لصوته العذب. تخيلْ أن تحضر قدّاسًا في كنيسة مع صديق لك، فتسمع الكاهنَ يقول: لا تصافح مسلمًا، فهو مُشرك، ولا تأكل عنده طعامًا، ولا تدع أطفالك يلعبون مع أطفاله." ماذا تفعل لو قُدِّر لك أن تعيش في مجتمع كهذا؟
أعلم أنك تقول الآن: ما هذا التهريج؟ سؤالٌ لا إجابة عليه، لأنه جنون في جنون. وأتفقُ معك في رأيك، وأقرُّ بعبثية طرحي. ألم أقل منذ البدء إنه ضربٌ من الخيال؟ المسيحيون لا يفعلون ما سبق. نحن مَن نقول: مسيحي "بس" طيب، لا مؤاخذة كنيسة، عضمة زرقا، أربعة ريشة، مشركين، كفار...! إما مزاحًا عن دون قصد. أو عن قصد، متكئين على أكثريتنا مقابل أقليتهم! مطمئنين إلى مبدأ أساسي في دينهم يقول: "أحبوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم. وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم." أحببتُ اليومَ أن أضع تلك المواقف الشوهاء أمام عيوننا ليختبر كلٌّ منّا وقعها على نفسه لو حدثت معه. نحن الذين نصرخ في الميكروفون "الله أكبر"، غير مراعين أن الله نفسَه يحبُّ أن يُنطق اسمه بهدوء لا بصراخ أجشّ. ونحن الذين يقول بعضُ مشايخنا في خطبهم كلامًا مسيئًا لغير المسلمين، يملأ قلوب ضعاف العقل والإيمان بالحنق عليهم. بينما هم يقولون في قداسهم: "نصلي لإخواننا أبناء مصرَ من غير المسيحيين." فهل تسمحون لي بأن أغار منهم؟ لأن كثيرًا منّا أخفق في درس المحبة التي أتقنها معظمهم؟ لنكن أذكى من حكوماتنا، ونحن بالفعل أذكى. فإن كانت الحكومةُ تظلمنا جميعًا "معًا"، ثم تغازل الأكثريةَ بظلم الأقليّةِ، فهل نفعلُ مثلها؟ لكن مهلاً، منذ متى بدأنا نفعل هذا؟ منذ عقود قليلة، وهي في عُرف التاريخ لمحةٌ خاطفة. حتى السبعينيات الماضية، قبل سموم الصحراء، كان سكانُ العمارة الواحدة بيوتهم مفتوحةٌ على بيوت بعضهم البعض، مسيحيين ومسلمين، فيذوب ـأطفالُ هؤلاء في أطفالِ أولئك، وتشعُّ المحبةُ في أركان الحيّ، فتبتسم السماءُ قائلة: هنا بشرٌ تعلّموا كيف يحبون الله.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوارٌ مع صديقي المتطرّف
- يا نعيش سوا يا نموت سوا
- هديةُ الرئيس لأقباط مصر
- دماءٌ على وجه البحر
- وجوب قتل مليون برادعي في مصر
- كاهنُ إيطاليا ومتأسلمو مصرَ!
- نعم، قدرُنا واحد!
- بطلوا اإفترا بالتي هي أحسن!!
- الشعبُ، يدُ الحكومةِ الباطشةُ
- السوبر غاندي-آينشتين
- فلنعدْ للخطّ الهمايوني، إلا قليلا
- إنها دارُ عبادة يا ناس!
- بِدّي خبِّركم قصة صغيرة
- غاضباتٌ وغاضبون
- أنيس منصور، حنانيك!
- «أغنية إلى النهار» للشاعر المصري السمّاح عبدالله تحيي المسرح ...
- أحمد عبد الفتاح، الفنانُ المَنسيّ
- القتلُ الرحيم
- الزمن الأخير، اللعبةُ على نحوها الصحيح
- حبيبتان، من مصر!


المزيد.....




- الجمعة.. تصويت مرتقب في الأمم المتحدة بشأن -عضوية فلسطين-
- الأمم المتحدة تقول إن 80 ألف شخص فروا من مدينة رفح مع تكثيف ...
- رماه في بئر فمات غرقا.. السعودية تنفذ الإعدام بوافد وتكشف جن ...
- نزوح جديد في رفح وأطفال يتظاهرون للمطالبة بحقهم في التعليم ...
- الأونروا تغلق مقرها بالقدس بعد إضرام متطرفين إسرائيليين النا ...
- الخارجية الأردنية تدين إقدام إسرائيليين على إضرام النار بمحي ...
- بعد عام من اعتقال عمران خان، هل استطاع مؤيدوه تجاوز ما حدث؟ ...
- الأونروا تنشر فيديو لمحاولة إحراق مكاتبها بالقدس وتعلن إغلاق ...
- قائد بريطاني: عمليات الإنزال الجوي وسيلة إنقاذ لسكان غزة من ...
- الصومال يطلب إنهاء عمل بعثة سياسية للأمم المتحدة


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - شيءٌ من الخيال لن يفسدَ العالم