أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كامل عباس - بوابة العبور إلى الجحيم ومدرسة الواقعية الاشتراكية















المزيد.....

بوابة العبور إلى الجحيم ومدرسة الواقعية الاشتراكية


كامل عباس

الحوار المتمدن-العدد: 968 - 2004 / 9 / 26 - 09:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مقدمة
تعالج هذه المقالة فترة من أحرج الفترات التي يتعرض لها المعارضون السياسيون لسلطات بلدانهم , وأحيانا تترك هذه الفترة رغم قصرها بصمات واضحة على شخصية صاحبها مدى الحياة وتكون آثارها موازية إن لم نقل أنها تزيد عن فترة السجن المديدة التي تليها .

فترة التحقيق

لا يجوز تعريض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة.
(المادة الخامسة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان)

كل الدول الحالية وافقت على هذا الإعلان. ولكنها مع الأسف الشديد تعذب مواطنيها أبشع تعذيب عندما تستدعي الضرورة انتزاع معلومات منهم. يحدث ذلك لدى اعتقال الدولة (أي دولة) لمعارضيها ا لسياسيين. والتحقيق معهم لا يراد به إهانة الشخص بقدر ما يراد الحصول على معلومات منه عن تنظيمه السياسي. والحركة السياسية التي ينتمي إليها. حجمها، أبعادها. خططها، تواجدها التنظيمي. مصادر تمويلها. تحالفاتها الداخلية والخارجية. أي أنّ كل الدول حتى الآن تلجأ إلى أساليب الإكراه الجسدي والروحي للوصول إلى هذه المعلومات والفرق في الدرجة بين الدول المتخلفة والمتحضرة.
تستعمل مخابرات تلك الدول أساليب منها ما هو بدائي، لا يحتاج إلى أدوات. مثل الضرب العشوائي، والشبح والتعليق في قضبان حديد نافذة المرحاض أياماً بلياليها حتى يتورّم السجين ويُطالب بإنزاله من أجل الإدلاء بالمعلومات التي يعرفها، ويا ويل السجين إذا لجأ إلى الكذب كي يرتاح قليلاً,
ومنها أساليب تستعمل فيها أدوات نصف بدائية، كالعضو التناسلي لعجل البقر، حيث يُملّح ويعرّض للشمس وتجرى عليه بعض التعديلات ليصبح أفضل من أي خيزرانة. ولتكون لسعته أشد وميزته أنه لا ينكسر أبداً.
ومنها ما يُستَعمل فيه أدوات دخلت فيها التكنولوجيا الحديثة ويتم استيرادها وتصديرها كالكرسي الكهربائي...إلخ
تبدأ حفلات التعذيب منذ لحظة الاعتقال من قبل محترفين، وعادة ما تكون مشحونة بالحقد. أوّل الأمر. فإذا جعلته تلك اللحظة عجينة طيعة بيد الممحققين. لا يحتاج لجلسات أخرى وإذا تجاوز المتهم تلك اللحظة تبدأ حفلات التعذيب البطيئة والممنهجة حتى تصل إلى نهايتها. نذكر هنا أحد الأساليب مع براءة الاختراع لصاحبها. رئيس مخابرات عبد ا لناصر. (مصطفى نصر) وهي وضع المتهم في منتصف الزنزانة وتثبيته. وتعليق قالب من الثلج فوق رأسه كي تسقط قطراته قطرة إثر أخرى على المخ في المكان المدعو بالعامية (النافوخ) .
ونتائج التحقيق على الأشخاص السياسيين تتدرّج مثل قوس قزح من الذين ينهارون من أوّل فلقة ويد لون بكل ما عندهم من معلومات. مروراً بالأشخاص اللذين يساومون ويناورون ويعترفون بجزء ويحتفظون بجزء آخر انتهاء بالذين يبصقون بوجه جلاديهم ويظلون كذلك حتى الموت أو نهاية التحقيق. وصمود وانهيار السجين فترة التحقيق، تلعب فيه أسباب ذاتية وموضوعية مع كل شخص على حدة، ومن الأسباب الذاتية، بنية الشخص الجسدية والفيزيولوجية والنفسية، وتربيته البيئية، واللحظة التي اعتقل بها، ومزاجه آنذاك الشخصي والعائلي والحزبي. ومن الأسباب الموضوعية، توازن القوى على الأرض بين حركته السياسية والسلطة، والميل العام لاتجاهها في المستقبل.
موضوع التحقيق وتعامل اليسار معه عموماً، تحديداً بعد نجاح ثورة اكتوبر. لم يحكمه الانطلاق من الإنسان ومعاناته، بل كان جزءاً من فهم عام نظر إلى التطور الاجتماعي ضمن قوانين عامة تحكم التطور الطبيعي أيضاً. تجلى ذلك على أوضح صورة في أدب اليسار ومدرسته المدعوة. مدرسة الواقعية الاشتراكية. ببطلها الإيجابي، ومسحتها التفاؤلية، وحتميتها التاريخية، ورائد هذه المدرسة مكسيم غوركي بروايته . الأم. باعتقادي لو أن مكسيم غوركي صور لنا تلك الأم وهي تنتف شعرها وتدق صدرها وتولول وهي تحاول ثني ابنها عن المشي الطريق الوعر. لجاءت روايته أصدق وأكثر ديمومة وخدمة للقضية. بدلاً من تصويرها كأم تتابع قضية ابنها باستلامها الراية بعده.
كل الحركات السياسية التقدمية. بما فيها حركتنا السورية، كانت تنظر للمنهارين في التحقيق نظرة اذدراء واحتقار، وللصامدين نظرة بطولية وأسطورية، بغض النظر عن الظروف التي أحاطت بالتحقيق، المهم النتيجة. وأنا هنا أفرّق بين من أدلى بمعلومات سببت ضربات موجعة لتنظيمه لأسباب خارجة عن إرادته. وقناعاته. وبين ضعاف نفوس. لديهم استعداد منذ البداية للتعامل مع رجال الأمن.
مدرستنا العربية كان عنوانها قصيدة مظفر النواب (براءة) ... يا بني الكلب يرضع من حليبي ولا تقدم براءة... ورواية عبد الرحمن منيف. شرق المتوسط. والتي طبعت عشرات المرات وقراؤها غالبيتهم من اليسار.
رجب اسماعيل في رواية شرق المتوسط، لم ينهر في التحقيق، انهار بعد سنوات في السجن بسبب المرض وحاجته للعلاج، وخرج بعد أن وقّع تعهداً للأمن يقدم فيه معلومات عن تنظيمه، وكان تآكله في الخارج نتيجة الخوف من اذدراء رفاقه ووسطه له أكثر مما هو نتيجة سرطان الدم المصاب به، لم يوقف هذا التآكل إلا بعودته إلى السجن وتحديه جلاديه من جديد. وخروجه منه أعمى وشبه جثة هامدة.
من المؤسف أن يجد المرء علاج هذا الموضوع عند غير اليساريين أكثر واقعية منهم. على سبيل المثال. لا الحصر. لقد شغل هذا الموضوع. ديستوفسكي. في روايته ـ الأبله، ولماذا كان رجال العهود القديمة يصمدون للتعذيب أكثر من رجال العصر الحالي، لماذا لا يستطيعون أن يصمدوا كما صمد ستيبان جليبوف (1672 – 1718) عشيق زوجة بطرس الأكبر والمتآمر على عرشه. وقد حكم عليه بالإعدام القاسي. بعد أن عذب بالسوط. والحديد المحمّى والجمرات المشتعلة. وربط ثلاثة أيام إلى عمود فوق لوح مسامير خشبية. ولم يعترف بشيء ووضع أخيراً على الخازوق ليفارق الحياة قبل انبلاج الصبح. ومعه كل الأسرار التي كان يريدها القيصر عن علاقته بزوجته وشركائه. يفسر لنا ديستوفسكي سر ذلك الصمود في الجزء الثاني من الرواية من 281 كما يلي:
((في ذلك الزمن كان الإنسان، إنسان الفكرة الواحدة إذا صح التعبير، أما الأناس الحاليون فأعصابهم أكثر توتراً وتطوراً وأشد حساسية، ويستطيعون أن يتبعوا فكرتين أو ثلاثة في آن واحد، إن الإنسان الحديث أوسع وأرحب. وإنني أؤكد والكلام لديستوفسكي أن هذا يمنعه من أن يكون كتلة واحدة كإنسان القرون الخوالي))
لم يشغلنا كيساريين هذا الهاجس أبداً، بل رحنا نصب اللعنات على من يقدم براءة. ونشهر به ونحتقره. قارنوا كلام ديستوفسكي في روايته تلك. مع كلام عبد الرحمن منيف في (شرق المتوسط) ص 99... ((لا تصدقوا. إنّ أكبر قوة على الأرض لا يمكنها إرغام الإنسان على الإعتراف، أقصد إذا أراد الإنسان. بعض الناس يموت ولا يعترف. القضية متوقفة على الإرادة وعلى البداية إذا قرر ألا يعترف. إذا صمم وتحمل لحظات العذاب الأولى يصبح كل شيء بعد ذلك سهلاً. قلت لهذا القذر مرات كثيرة أن يسافر، عرفت أنه سيضعف ويعترف، وفي كل مرة يتذرع بأدهى الحجج ليبقى. كنا نريده ونخاف منه. نريد ثقافته وقدرته على الكتابة. وكنا نخاف أن يسقط في أيدي البوليس وينهار))
خاتمة
مع كل أسف ورغم كل الزعيق في العالم عن الانسان وحقوقه فإن ما يجري في العالم السفلي شيئ أخر, وموضوع الإنسان وحقوقه تحول الى تجارة رابحة عند كثير من المنظمات !.
ليس بيت القصيد هنا في هذه المقالة . إن غرضها حث القوى والمنظمات العربية بشكل عام والسورية بشكل خاص على أن تنطلق في التعامل مع من يضعف من أعضائها فترة التحقيق معاملة مختلفة عن السابق يكون الانطلاق فيها الإنسان ومعاناته كي لا نزيد من عذابات هؤلاء فنلعب في حياتهم نفس دور من عذبهم من دون إن ندري .



#كامل_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدكتور عبد الرزاق عيد يدعو المعارضة الديمقراطية السورية كي ...
- ليس من مصلحة السوريين مجابهة أمريكا لى طريقة صدام حسين
- أسباب ضعف وتشتت اليسار العربي
- القرن العشرون وظاهرة الزعيم الخالد
- انطلاقة حزب العمل الجديدة في سوريا والموقف الصحيح حيالها
- بحث في إشكالية العلاقة بين الحركة السياسية والحركة العفوية
- حياة الدكتور عارف دليلة تواجه خطرا حقيقيا
- ليس من اختصاص الرئيس البشار العفو عن جرائم واقعة على امن الد ...
- الاسلام والبلشفية مصدران للاصولية في العراق الجريح
- ترخيص بحمل السلاح مرتين
- سأضرب في هذا المقال عصفورين بحجر واحد
- هل هذا المال حلال أم حرام ؟
- مهيار وحيدا على قارعة الطريق - قصة قصيرة مهداة الى الصديق أك ...
- متى نتحول نحن السوريين من رعايا إلى مواطنين ؟
- من الذي أتى بالدب الأمريكي إلى كرم العراق ؟؟ ومن الذي يقوده ...
- الهم بارك وزد في شهادات البعثيين السوريين القدامى
- دفاعا عن المعارضة السورية
- لمن يجب أن يوجه الاتهام ؟!م
- السياسة والأفيون
- تعميق المدرسة البكداشية في سوريا على طريقة تعميق مارتوف ل بل ...


المزيد.....




- بايدن يرد على سؤال حول عزمه إجراء مناظرة مع ترامب قبل انتخاب ...
- نذر حرب ووعيد لأمريكا وإسرائيل.. شاهد ما رصده فريق CNN في شو ...
- ليتوانيا تدعو حلفاء أوكرانيا إلى الاستعداد: حزمة المساعدات ا ...
- الشرطة تفصل بين مظاهرة طلابية مؤيدة للفلسطينيين وأخرى لإسرائ ...
- أوكرانيا - دعم عسكري غربي جديد وروسيا تستهدف شبكة القطارات
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- الشرطة تعتقل حاخامات إسرائيليين وأمريكيين طالبوا بوقف إطلاق ...
- وزير الدفاع الأمريكي يؤكد تخصيص ستة مليارات دولار لأسلحة جدي ...
- السفير الروسي يعتبر الاتهامات البريطانية بتورط روسيا في أعما ...
- وزير الدفاع الأمريكي: تحسن وضع قوات كييف يحتاج وقتا بعد المس ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كامل عباس - بوابة العبور إلى الجحيم ومدرسة الواقعية الاشتراكية