أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صالح جبار محمد - اليرابيع العمياء















المزيد.....

اليرابيع العمياء


صالح جبار محمد

الحوار المتمدن-العدد: 3149 - 2010 / 10 / 9 - 23:31
المحور: الادب والفن
    


فقدت أصدقائي الواحد تلو الاخر في حرب ضروس .. فكرت في الهروب (الهروب يعني مغادرة جماجم متروكة في حيز الذاكرة حين تصبح الابتسامة رمزا للاسى لقلة الحيلة ) من جبهات القتال واللجوء الى قريتي الصغيرة(الاحتماء بالقرية لجوء لعالم يحتفي بطقوس متشنجة زوجة لاتغري وبيت لايأوي أليه سوى الذباب ) لكنها ما عادت تغريني بأرضها الطينية وأسراب البق المنتشرة بكثافة


ظهر أسمي ضمن قوائم أستلا م السيارات الخاصة بالمراتب المتطوعين ..
كان الامر بمثابة قرار تاجيل الهروب .. منحت إجازة لمدة أسبوع لإكمال المعاملة
لشدة فرحي لم اقرأ التعليمات حين دخلت الى الدائرة المعنية ..
( دخول الدوائر يترك في نفسي بقعا من لطخات ضوئية معتمة تسدل ثقوب ظلي المتهرىءخارج جسدي المطلي بلون كاكي )
تفحص الجندي ذو الوجه الحليق والبشرة الناعمة من خلف النافذة المفتوحة على الباحة الكتاب الذي دسسته له .. لم ادر لم تذكرت قريتي النائية وملاجىء الجبهات المشتعلة .. انتبهت لصوته :
اين إجازة السوق ؟ ابتسمت ببلاهة وقلت :-
الا يكفي كتاب الترشيح ..؟ رمقني بنظرة ازدراء وقال :
- لا .. تركني استدار نحو الجهة الأخرى ليكمل حديثه مع احد الجالسين معه في الغرفة التي تنضح بردا ( البرد في قريتنا لايأتي سوى في الشتاء يصنع لنا الاوحال وتشقق الجلود وامراض البرد المتصاعدة مع دخان ( المطال ) يبقى موسما يجلب الانكفاء في دثارمهمل على كتفي الناحل )
أسندت راسي على جداربيتنا الطيني متمددا على الحصير أقلب كتاب الترشيح
فكرت بطريقة تخرجني من الورطة .. لمع أسم (شاكر فرهود ) قلت في سري
( أنه الوحيد الذي يمكنه أنقاذي من المحنة .. )

بيتهم يقع في الطرف الغربي من قريتنا منعزلا عن بقية الدور .. (شاكر ) رجل في الخامسة والاربعين من العمر يعمل سائقا بين القرية والمدينة التي نرتبط بها أداريا ..
(بيقى السائق وسيطا في بوصلة تحددالاتجاه المتحرك لهدف هلامي بين الرغبة المطلوبة وتقاطع المصالح المتشابكة و لاينبغي للحلول ان تأخذ نهايات سعيدة )
مايزال يحاول أطفاء محرك سيارته حييته بصوت عال ردالتحية
أهلا تفضل ..
لم يكن لدي متسع من الوقت للجلوس معه والتحدث كنت على عجلة من أمري وأيام الإجازة قليلة .. لابد من الحصول على مبتغاي ..
أتفقنا على الذهاب غدا الى مديرية المرور .. لديه علاقات واسعة سينهي الامر بأسرع وقت لكن المسألة تحتاج بعض المال لأجل ذلك .. ( هنا تكمن معضلة تنمو بلا وعي تحت نسيج جلدي لأن النقود تعني نكأ جرح لا يتآلف مع آصرة علاقاتي ) ولأني رجل ريفي لايجيد المجاملات .. صرخت بغضب وأستهجان قائلا : تقصد رشوة..!

أتكأ صاحبي على سيارته المتوقفة حملق في وجهي بأستغراب , بعد ردة الفعل التي أبديتها ..قائلا :
لا ياأخي ..أية رشوة .. أنها أكرامية للاسراع في أنجاز المعاملة
أردف : – أم أنك لاتريد لمعاملتك ان تكتمل بسرعة ؟
أحسست شيئا داخلي قد أستيقظ .. ( يستيقظ الجنود بعد بوق الفجريتسابقون نحو بيت الخلاء لافراغ امعائهم ويتبولون بحرقة ) أيقنت أنها لن تنجز بدون ذلك
توجهنا في اليوم التالي نحو دائرة المرور
تحسست اوراق النقد في جيب السروال كان المبلغ ثمن البقرة التي بعتها
خيط من الشك يتسرب داخلي مخافة عدم حصولي على أجازة السوق بادرته
هل أنت متأكد من الحصول عليها ؟ نفث دخان لفافة التبغ أمسك مقود السيارة باليد اليسرىدون أن يلتفت نحوي قائلا :

_ أطمأن … ستحصل عليها ..
أتفقنا عند عدم حصولي على الرخصة لن أعطيه النقود .. لكنه أخبرني :
: أنهم لا يؤدون أي عمل قبل استلام الاكرامية
وأزاء حيرتي , صار لزاما القول :
أنت الكفيل .. وبدون تردد قال : الكفيل خسار ..
( من يحمل عبء غيره تتقاطر عليه هموم متلاحقة تعيد ترتيب الاشياء بفضاضة تتساوى عند أخاديد زرعت في وهم رأسي الموجوع وحينما يستبد بي الالم أرضخ للضغوطات لأنها حل لايمكن الاستهانة به )
مضت السيارة تجري بسرعة لاحت بناية المرور قبض ( شاكر فرهود ) حزمة الاوراق توقفنا على جانب الطريق مضى مندفعا وسط الزحام مندسا بين الجموع الواقفة أمام النوافذ المواربة الضجيج يعلو ثم يخفت بعد طول أنتظارعاد ليبلغني :

: علينا مغادرة المكان .. أتفقت على موعد معهم أحتجت القول: الموعد قريب أم بعيد ..؟ أجابني وهو يمضي نحو السيارة المتوقفة ملوحا بمفتاح العربة
: سنبقى في المدينة .. حتى يحين اللقاء عصرا ..
( موعد حصاد الشلب يتزامن مع خلو القرية من الشباب والامسيات تنكفأعلى برك الوحل المنكمشة على اسراب الهوام )
كنت غير مقتنع لما يحصل , ولكن لاتوجد فرصة أغتنمها , لأجل الحصول على الرخصة ألا هذه ..
بعد الظهيرة حاولت جادا تعلم السياقة لكن دون جدوى. في الموعد المحدد حضر رجل حليق اللحية قفز صاحبي من وراء المقود مرحبا به عرفت أنه الرجل الذي أتفق معه صباحا كان يبدوفي عجلة من أمره قائلا :

: يجب أن نذهب الى دار السيد العام ..
بدون تردد أجاب شاكر : حاضر لاعليك سوى أن تدلنا على الطريق ..
( في الدرب الممتد نحو المثابة الواقعة أسفل الوادي حيث البرك المتبقية من مطر البارحة نبقى نواجه الساتر الترابي طوال الليل واجبنا تشكيل كمين للمتسللين و رطوبة التراب الندي تأكل احشائي )
أنطلقت السيارة وسط الشوارع الفسيحة نسمات الهواء تداعب وجهي جلست خلف الرجل النحيف لاأدري لم تذكرت قريتي الطينية .. زوجتي التي لاتمل من الاعتناء بالبقرات الثلاث حضيرة الحيوانات حيث رائحة الروث تملأ الفضاء فكرت بمرارة فجأة وجدت نفسي أكره زوجتي ..رددت داخلي ( يجب أن أتزوج من أمرأة أخرى..) أنتبهت السيارة تقف أمام منزل فخم رائحة الرازقي تعطر الجو شعرت كأني أ حلممضى الرجل الجالس جوار السائق نحو الباب وضع أبهامه على جرس الدار
سمعنا صوتا نسائيا يأتي من الداخل :
: من الطارق ..؟
: عفوا .. أنا الملازم أحمد ..
ظهرت أمرأة أمام الباب الخارجي للمنزل حيث كنا نقف بدت طرية مثل (قشطة ) قوامها رشيق وبشرتها بيضاء أزداد كرهي لزوجتي

أعطت السيدة الجميلة ورقة الى الضابط شكرها ومضينا معا
في السيارة قال : عليناا لذهاب الى السيطرة التي تقع خارج المدينة .. اتجهنا صوب الشمال الغربي للمدينة الواسعة . الغروب يزحف ببطء ليكسب الاشياء لون العتمة ..
عند نقطة التفتيش سمعت الملازم يحدث شاكرا
اعطني النقود ألان ..
ألا تذهب لترى .. قاطعه الضابط قائلا
لا وقت لدينا .. هاتها الان دس السائق يده في جيبه اخرج النقود وضعها بيد الملازم احمد ) )
هل النقود كاملة العد ؟!
( كانت اليرابيع تتحرك بسرعة نحو جحورها ونحن ننظر بعيون متعبة الطرق النيسمية علها تخبىءعدوا يتربص بنا بين كثبان الرمل واسلحتنا تنام تحت برد الليل المرتجف في أعضائنا الواهنة )
سحب النقود وضعها في جيب بنطاله ترجل لوحده .. طلب منا البقاء داخل السيارة لانتظاره ..
مضى نحو الغرفة الوحيدة في الفضاء الواسع .. احتجت ان أدخن سيجارة فقد تعبت أعصابي من الانتظار وعدم الوثوق بما يجري قلت لصاحبي ترى لماذا جاء بنا الى هنا ؟!
لا اعلم
قلبي يحدثني باني لن أحصل على شيء ..
انتظر لنرى ما يحدث وبعدها نقرر
عاد الملازم احمد لمحت على وجهه ابتسامة ساخرة .. أيقنت إننا مغفلين وانه
يستهزأ بنا ونحن صيد ثمين له ..
اعتدل في جلسته تحركت العربة باتجاه المدينة .. استدار بنصف جسده نحوي وقال :
تعالوا بعد أسبوع ستجدون الرخصة جاهزة ..
ضحكت في سري لان احساسي لم يخب قلت جازما بعد ان تركنا الضابط الذي غادرنا متبخترا ..
لقد كذب علينا
لا تقل ذلك !!
قلت بحس تلقائي سترى إذا صدق معنا .. فاجئني غثيان موجع ونحن نتجه نحو قريتنا المنسية راودني مرة أخرى هاجس طلاق زوجتي لأنهي معاناتي معها
شعرت بالغضب لأني بعت البقرة وصرفت ثمنها لأجل الحصول على إجازة سوق و قد لا احصل عليها ..
( تغادرني المسرة حين تلوح القرية من بعيد لأن روح المعسكرات تنبض بلا تودد وسط أرتعاشة مخجلة في دهاليز مغلقة من مكان غير مرئي لحضور متردد يكشف خصوصية أخر واجب حين أطلقت الرصاص باتجاه اليرابيع العمياء من العطش لأني سئمت الانتظار



#صالح_جبار_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقاطع حمادي التفاعلية
- رياح السموم وإشكالية الجغرافية
- براعة الحوار الثنائي في النص القصصي
- اللعبة
- المسافر
- مضغ اللبان .. قصة قصيرة
- نشاط مختبر السرد العراقي
- محاولات مختبر السرد العراقي
- العابرون نحو مدى الحرية
- القصة التفاعلية – التداولية
- قراءة في (همس الدراويش) لصالح جبار
- في حوار خاص مع القاص المبدع صالح جبار محمد
- توما هوك
- دثار القرابين
- صناعة ألازمة الثقافية
- صدى العصي
- السلام عليكم
- صاحب اللحية الكثة


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صالح جبار محمد - اليرابيع العمياء