أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري هاشم - كتابي .. الأعمال الشعرية الناقصة .. الجزء الثالث















المزيد.....



كتابي .. الأعمال الشعرية الناقصة .. الجزء الثالث


صبري هاشم

الحوار المتمدن-العدد: 3110 - 2010 / 8 / 30 - 09:15
المحور: الادب والفن
    


***
الديوان التاسع
جزيرة الهُدْهُد
شعر
صبري هاشم
***
1 ـ خواطر الغجري الجميل
***
في خَلْوتِك
هل أشعلتَ في مفرقيك ناراً
أطلقتَ روحَك
ورقةً صفراء ، لفظها الخريفُ
إلى صمتِ الأرصفة ؟
في خلوتِك
هل ارتميت على طريقِ الهواء
عبيراً
وحملتك الرياحُ إلى مخدعِ
امرأةٍ ناحبة
قبلتَها ، وانحرفتَ اشتياقاً
إلى صباك
كن ثمرةً مرةً
في شيخوخةٍ آسرةٍ
وماءَ بحرٍ ، ثم
تفجّر من الداخل ، عيوناً
تجري في أنهارٍ طروب
غير هذا
لا تبحث عن شربةِ ماء
أيها المنذورُ
لناصيةِ الطريق
ستمرُّ من هنا الأشواقُ
فلا تُطلق بوجهِها
الخَلَوات

26/12/1999
***
2 ـ همس البداية
***
تمرُّ البداياتُ .. ثقالاً
طفولة هيّضها الحزنُ
بعثرها الصهيلُ
تمرُّ البداياتُ
عَبْرَ حفيفِ ثيابٍ
تخطفها شجارُ المساءاتِ
وأتعبها همسُ أقدامٍ حافية
فقّعتها الأرصفةُ
وبللها صراخُ صبيةٍ
انزرعوا في تنينِ المسافةِ
ثم أترعوا أكؤسَهم حتى النهايةِ
بماءِ النهايةِ
من شوقِ جداول ألفوها
وألفت وقعَ وجوهِهم
تمرُّ البداياتُ
على بساطٍ من البوحِ
أخضر
أو على سطحِ ذاكرةٍ
حزينةِ الوهجِ
تناجي كوكباً انطفأ بالريحِ
تمرُّ البداياتُ
متعثرةً في كلِّ خطوةٍ
مستسلمةً تحت وقعِ العيونِ
وتحت حرقةِ الأنفاسِ
وشهقةِ المشتاقِ
تمرُّ البداياتُ ... معافاةً
فهل جاءت بأسئلةِ
النهايات .. ؟
29/9/1999
***
3 ـ حجر الليل
***
هي أجنحة خفاقة للريحِ
ستآخي نجمةً في مدارِها القصيّ
وتثلبك
أيها المهاجرُ نحو سماواتِ المديحِ
كنتَ فوقَ هفوةِ الزمانِ وجهاً
ركبهُ فرحٌ شفيف
وبريقٌ نديّ
فهل نامت في صدرِك الحرائقُ
وأضحت قارةً من رماد
سكن فيها الهواءُ
وتوقف النماءُ
ثمّ تسيّد معتوهُها ؟
هل صادر الرفيفَ .... أتى على العبادِ ؟
إذن مَن يُرشدك إلى حتفِك ؟
ظلمة المتاهةِ أنتَ تجهلُها
اللُجّة مُفترِسة
والندم مسعور
مَنْ يدلّك إلى موتِك كي تنامَ مستريحاً
مبتهجاً ، كما لو أنك لم تبتهجْ من قبل ؟
أيها المنتمي إلى حافةِ الوهمِ
متى خَضبْتَ رحلتَك بعبقِ الخطوةِ الأولى ؟
ستخطو ... ؟
أجل .. إلى عالمٍ فيه الخطى
لا تُعدُّ ولا تُحصى
سيمنحُك أثيرَ تجاربٍ مثيرة
ومن على مخملِ سريرٍ طافٍ في بحيرةٍ
سوداء ، آسنةِ الماء
هل سترمي شباكَك
كي تحتربَ الأحياءُ على فتاتٍ من "زقوم"
فلتحيي أيتها الأحياءُ
لتصبري على ما أصابك في غياهبِ
المحنةِ ، وعلى ما فقدتِ من شهيةٍ في
مستنقعِ الكلامِ
لتعودي كما كنتِ
أليفةً
متراخيةَ الجوانبِ
لتعودي متشابهةً ، مختلفةً
لتعودي خلفَ ومضاتٍ
تسقي حجرَ الليلِ
دعينا نستنشق من هوائك
هواءً عذباً ، بارداً
هادئاً
مثل نسمةٍ
هبّت ذات
صيف

7/9/1999
***
4 ـ اغتياب
***

إلى واحدٍ
لا أعرِفُهُ
رفقاً
بواحدٍ
لا تعرِفُهُ


10/2/1999

***
5 ـ هديل امرأة
***

هل جئتِ سائحةً سيدتي
هاربةً من قافلة السيّاح ؟
هل دبَّ الخدرُ المسحورُ
كحُلُم اليقظةِ
في أوصالِ الجسدِ الجائع ؟
هذا الجسدُ الملتاعُ
يا امرأة يرتجُّ
هاتان شفتانِ فاجرتان ِ
في ليلِ المخمل
هذا سؤالٌ غارقٌ
في ماءِ الدمعةِ
يتحدى لؤلؤَ الخلجانِ
هل جئتِ سائحةً سيدتي
زاهدةً بالعطرِ
وزهرِ القدّاحِ ؟
خذيني يا امرأةً ،
تعبر السماءَ برقاً ،
زادَ المسافرِ


31/5/1999

***
6 ـ طفل الحقول
***

رحل الذي تركتُهُ زغباً
أغوتهُ رصاصةٌ
أو استهوته فتوّةُ مدفع
أو ربما فتنه
طيشُ شظيّةٍ
أو انفجرت بوجهِه ضحكةُ فوّهةٍ
الطفلُ مات
لعله غَرِقَ ، فابتلعه طيفُ موجةٍ
أو ثقبٌ في رملِ الصحراء
أيها الطفلُ الذي انغرست صورتُهُ
في حدقتيَّ
هل كنتَ آخرَ الغصون ؟
هل انقطع النسلُ بإتلافِ الجذور ؟
هل كنتَ سفينةً مختومةً بالفجيعةِ ؟
هل أنتَ الفجيعةُ ؟
أيها الطفلُ
أين تعلمتَ حرث المنافي وتطيير الشظايا ؟
في غيابِك حرثتنا المنافي
وطاشت من أخاديدنا الحصى
أيها الطفلُ
حلُمنا ذات ليلةٍ حلُماً جماعياً
عن الذين انزرعوا على الحدودِ عظاماً
الذين طحنهم جنزيرُ دبابة
الذين طارت جماجمُهم من صيحةِ قنّاصٍ
الذين تماهوا مع الرملِ
الذين توحدوا مع السعفِ
هل كنتَ واحداً من قافلةٍ
لا أول لها ولا آخر ؟
هل كنتَ فصلاً مُلحقاً
في سلسلةِ الفصولِ
أو زمناً مزهراً غيبته الأزمانُ ؟
ففي أول الأيامِ جاءتنا الرسائلُ
قالت
مات الطفلُ .. قُتِل الطفلُ
لبسنا الدهرَ حداداً
أيها الطفلُ الجميلُ
آن لك الخروجُ
من حقلِ ألغامِك


10/10/1999
***
7 ـ الدودة العمياء
***

رأسي يؤلمُني
لا تأكلي أيتها الدودةُ العمياءُ
نصفَهُ الأيسر
رأسي يوجعُني
لكني سأمضي إلى لقاءٍ صباحيٍّ
مع الحياةِ التي تنتظرُ
تحت سقف القرنفل
إنها تأتي من الطرفِ البعيدِ على فرسٍ أبيض
فلا تتخدر يا رأس الحبِّ
ونبع الشوقِ
وصهوة الحنينِ
فهناك ، بالقربِ من بصماتِ الخيولِ
ومصبّاتِ الأنهرِ
تتغزلُ نساءُ الواحةِ
بشجيرة وردٍ سوف تطلُّ
من بين حياءِ الصبايا ، تطلُّ
من بين
عيونِ الفتيةِ
وشهوةِ الرجالِ ، تطلُّ
فلا تتعجل يا رأسي المُتعَب
انطفاء الذاكرة

30/9/1999

***
8 ـ جزيرة الهُدْهُد

***

أطيافُ الغسقِ الأخير
مرّت مصادفةً
بماء الجزيرةِ
نثرت أشواقَها .. ثم
الهوينا غادرت
لم ترَها
كنتَ تُداعبُ كاعبةً
نهدت سرّاً
في بركةِ الجنِّ
عنيتُك سيدي
ففي تلك الجزيرةِ
أطلقتُ أحلامي للرياحِ
تناهبتها
وأنجبت ورداً مكيّاً
وأنتَ
إلى مخدعِك الهوائيّ
تُغوي الزهرةَ
بسحرِ الليلِ
وتهمسُ :
هل أُطلقُ الأريجَ في الأمداء ؟
تُطلقهُ
تَنَسَمَتْهُ في غيبوبةِ الجسدِ السماوي
جُنَّت ... ونأت بعيداً
أتُراها
تصعقُنا بالبيناتِ ؟
بالغمزاتِ الساحراتِ ؟
عنيتُك سيدي
مَن يفتحُ للنسيمِ أبوابَ سبأ ؟
فعبيرنا من وردٍ مكيٍّ
ينقلُهُ النسيمُ
عفوَك .. مولاي
قيل إنك نمتَ ...
هل نمتَ في مخدعِ الملكةِ السبئيةِ
بلقيس
المُضرمة التياعاً
اللعنة
قبل سليمان ... عنيتُ
ليلةً واحدةً
ليلتين من غياب ؟
ألم تُدَق أجراسُ الصحوةِ ؟
ما أشهرَ فخذيها
سيدي !
وهي تلعنُ الصباحَ
والنفيرَ الأُرجوانيّ
في بابِ القصرِ
ربما جاء جندُ سليمان
قبل الأوان
فادخلْ ... حالماً
عُشَّ الهدهدِ
لئلا يراك الجندُ
أو يغتابك
رعايا المملكة
عفوك ... سيد الطلِّ
غيبنا الزمانُ
أنّى تماهت بلقيسُ
في فراشِ الزهرةِ
ورحلت جزيرة ؟

15 ـ 1 ـ 2002
***
9 ـ شاهقات السفر
***
سابحاً في ليلٍ من نار
أطوي اللهيبَ
على ساعديّ رداءً
من حرير
خارجاً من مسرّاتِ الفجرِ
العابث بالندى ..
إلى ضفافِك
الناشفة
أحلُمُ بشعرٍ يوصِلُني إليكِ
بضفيرةٍ ... معها أسافرُ
وبها أعبرُ
هَمْسَ المسافةِ
أقيمي عليَّ الحدَّ
إنْ شئتِ
أني أخطأتُ
وخطاياي تجاوزت
مياه المغفرةِ
أعترفُ أني
في الضفةِ الممنوعةِ
أقمتُ

15 ـ 1 ـ 2002
***
10 ـ الوجه الحبيب
***

عليَّ يلحُّ وجهُ حبيبي
عليَّ حين أنامُ
وحين أصحو
يلحُّ
يرفُّ في سمائي قمراً
غادر المجرّاتِ
أحادثُهُ ... أسومُه الرغباتِ
وبالرغباتِ أفتديهِ


29/1/2001
***
11 ـ شيطان الرغبة
***

باللعبةِ ... فليبدأ
شيطانُ الرغبةِ
أنْ يحتفلَ علناً بموتِ
المخيلة
أما مخيلتي
فمكتنزة
إنْ نزفت ، أغرقت كوناً
من شياطين الرغبة

3/10/1999
***
12 ـ صحوة
***

أيها الصديقُ
أيقظتنا
حيثُ كنّا نمنحُ صداقةً
لمَنْ لا يعرِفُ معنى الصداقةِ
وحبّاً
لمَنْ أتلفت خلاياه
الضغينةُ
وجفّ ضميرُه


8/5/1999
***
13 ـ قطارات الغجر
***

ستأتي بلا صفير ... القطاراتُ
سيأتي على ظهورِها ... الغجرُ
وحين تجفل القطاراتُ
ترتطمُ وجوهُ الغجرِ
بحجرِ الأسئلةِ
كلَّ دقيقةٍ ستمرُّ ... القطاراتُ
برؤوسٍ حاسرةٍ ،
عيونٍ زرقاء
وشفاهٍ مرددةٍ :
سماؤكم من وحلٍ وضباب
أرضُكم بلا كمأة
قبورُكم بلا شاهداتٍ
ودليلُكم أفقٌ ضاع
ستأتي بلا صفيرٍ ... القطاراتُ
تسكنُ في كأسِ النحيبِ
وتلوذُ بالصمتِ في واقعةِ الكلام
لكن الغجرَ
لوّحوا بأحاديثٍ مؤجلةٍ ،
مودعةٍ في سلسلةِ العرباتِ
لكن الغجرَ
تخضبوا بوهمِ الحديثِ
لكن الغجرَ
فاتهم الصفيرُ


7/2/1998
***
14 ـ أطياف خاسرة
***
من منفاك ... ستذهبُ سائحاً
إلى مدنٍ ، لم ترها في خرائط الكابوس
على أرصفتِها تتجولُ غيمةٌ بلهاء ،
ثمة كائنات ضلّت الطريقَ وتاه عنها النجم
في الطريقِ سيوقفُك الضالون
سماؤهم برد وردى
ستجفل .. ويجفل المصطافون
وتتعلقُ النسوةُ بأذيالِ الدليل
أحقاً جاء المصطافون على هامشِ الليلِ
تطاعنوا وإياهم
بأسنةِ الكلامِ ، ثم
وقفوا على رؤوسِ الفجيعةِ
يندبون ؟
من منفاك .. ستذهبُ
بلا رفيقٍ للطريقِ
بلا بوصلةٍ للمسافةِ
بلا شئٍ
سوى خرسٍ يعجُّ بالكلامِ ،
ونداء يترنحُ على الأرصفة :
ها لقد جاء المصطافون
في مصيفِك
وبغمضةِ عينٍ
نبتت خيمةٌ كريمةٌ
سكانها يرضعون أثداءَ الندمِ
تتبعُهم الصُنُوجُ
فحين ضلّوا الطريقَ
لم يرتقوا إلى صفِّ الصُنُوجِ
حتى تعطلت تحت أقدامِهم المسافةُ
وأمسوا آلهةً طردتها الفلواتُ
في مصيفك
ترنَّحَ الكرامُ على أرصفةٍ
في عمّان
التهموا وجهَ الليلِ
وفي الصباحِ
التهمت وجوهَهم المهانةُ
في شوارع مدنٍ
لم ترها في وحل المنافي
أتى على الفتاتِ الكرامُ
وأتت عليهم شاحناتٌ
لم تبقِ في أفواهِهم غيرَ الرمالِ
ورائحةِ الألم
في منفاك
سيكتنفك ظلامٌ أزليٌّ
وستبتلى بغائلةِ الصمتِ
على أرصفةٍ في عمان
تُطلقُ النسوةُ أثداءً
إلى أفواهٍ غريبة

14/8/1999
***
15 ـ بركان
***

كلُّ الصدورِ
المقمرة
تُطلقُ الحممَ
وتقذفُ الكلامَ
إلاّ واحداً
راح يجمعُ
الحطامَ

1987/عدن
***
16 ـ كبوة
***

كبوتُ
للمرّةِ العشرين
أعِدُك
أنني سأنهضُ
للمرّةِ العشرين

15/5/1985
***
17 ـ وقت للبوح
***

إليك
سأبوحُ يا امرأة ملأت الليلَ ندىً
إليك
سأبوحُ يا امرأة انتشلت سكوني
أحالت حُجْرتي كوناً
إليكِ أبوحُ
إنَّ ريحاً لم تلاعبْ مني خصلةً
إنَّ نسمةً لم تداعبْ مني وجنةً
إنَّ شوقاً هتف في صدري
يا امرأة للشكوى
أشتكيك منك إليكِ
ومن نفسي إليكِ
يا امرأة للسلوى
هدّني التعبُ
فسلّيني

16/11 /1999

***
18 ـ متعة
***

امنحني أيها الليلُ
لذّةَ البوحِ
فهضاب حزني عالية
امنحني لذّةَ
العشقِ
كي أشدوَ مثلَ
طيرٍ محاربٍ
في عاصفةِ الغناء
امنحني أيها الليلُ
همساً آسراً
ورائحةَ طيفٍ عابقة
في لهيبِ الوسائد
أيها الليلُ
أغمرْ حبيبتي دفئاً
وسكوناً
فهي الفراشة غدرها الرحيقُ
وهي قزحُ النجومِ
غادرهُ اللونُ
فتمرغت بالأرجوانِ حزناً
وهي .. هي
ستبقى إلى مالا نهاية
وثني الجميل


2/10/1999

***
19 ـ هلام
***

الصوتُ القادمُ من جوفِ قوقعةٍ
صوت نبيّ أسير
أو فارس عابثَ حوريةً
في غيابِ القمرِ
أو فتىً تاه في الأعماقِ
أغوته رقصةُ الخلجانِ
في زرقةِ الحريرِ
هذا الصوتُ القادمُ
صوتُ صبيٍّ
استهوته امرأةٌ
خُلِقت من مسكٍ وعبير


30/11/1998

***
20 ـ استدراج
***

نافذتي
لا تعرِفُ الفجرَ
لا تسبحُ في الألوان
نافذتي
خاصمتِ الشمسَ
ونامت بسلام
انهضي
أيتها الكسلى
لقد غمرَنا نورٌ
وزقزقَ على زجاجِنا
النسيمُ


1987 عدن
***
21 ـ خطبة الأثير
***

على وهمِ المسافةِ
أنتَ لم تحدد حدوداً
لم تُكملْ دورةً أوشكت على النهاية
أنتَ كإلهٍ مفجوعٍ
بموتِ المهابةِ
وسقوطِ النبوءةِ
صرتَ وردةَ الجهاتِ السوداء
في رحابِ الغدرِ
أيها الأثير
الأسير
إياك والغدرَ
فأنَّ من طبعِ الكلابِ الوفاءَ


6/6/1999
***
22 ـ شوق لعينيك
***
..........
إلى ابنتي دنيا
.............
في عينيكِ
اتساعٌ للكواكبِ
في عينيكِ
خلاصةُ نبيذِ هذا الكون
في عينيكِ
مشوارٌ طويلٌ
زمنٌ من حنين
حبيبتي
جاورتني اليومَ معلمتُك
همست بأُذني
إنّك لم تشاركي
في الحفلِ المدرسي
لماذا ؟
لم أنسَ شراءَ أشرطةٍ
لضفائركِ الجميلة
لكنني
نسيتُ تقبيلك
هذا الصّباح ..
قبلاتي


22/5/1992
هانوفر / زلتسا

***
23 ـ شقاوة
***

أسلم العدو مقاليدَ عداوتهِ
لنطفةٍ في الأرحامِ
وغادرَ التاجَ
أيها العدو
هل حسبتَ الخسارةَ ؟
هل سلكتَ الجسارةَ ؟
ففي النطفِ فسادٌ
أنتَ صانعه
وفي الصنعةِ أخطاءٌ
ماحسبتها :
إعوجاجٌ في قامةِ الأشياء
ورمٌ في نحرِ النهرِ
دميةٌ تتسلى بطفلِ الرخام
استأذنك الدخولَ
في مغارةِ المخملِ
تُرى
أين وضِعتْ لؤلؤةُ الجنونِ ؟
وأيّ الطرق سلكتِ الرهبنةُ ؟
أيها العدو
بيتي يزقزق بالحرير
وأنتَ
تائهٌ في رملِ الشقاوة


7/2/1993

***
24 ـ وصية
***
حبيبتي
نسيتُ وصيةً
إنَّ الوردةَ الحمراءَ
في كأسِ جنوني
هديةٌ
لكِ

8/12/1991
مطار عمّان
***
25 ـ نافذة الريح
***

كلّ صباحٍ
تأخذُ وردةً للنهرِ
تسقي حنينَ الشرفةِ
تلبسُ ثوباً
موجياً
وتراقصُ عصافيرَها
هذا الصباح
كانت وجهاً مصلوباً
في النافذة


1991
هانوفر ـ زلتسا

***
26 ـ حنين لليل الواحة
***

سأموتُ اشتياقاً
لصوتٍ يتنسمُ بين الأخصاصِ
ليدٍ تمتدُّ إليَّ ...
تغطيني من بردِ الليلِ
لأنفاسٍ تملأ نَحْرِيَ دفئاً
لوجهٍ لفحته الشمسُ دهراً من أجلي
سأموتُ اشتياقاً
لطفولةٍ ضاعت بين ثيابٍ ممزقةٍ
وزعيقٍ بلا معنىً
لترابٍ نجففُهُ ، ويبتلُّ
لطائراتٍ ورقيةٍ .. أسلمت أرواحَها
حملت رسائلَ صبانا
لغبار الظهيرةِ
لساقيةٍ لم تتعثر بالقبلاتِ
المتساقطة على وجهِها
لزهرةَ بنت الحيّ ترفلُ بثوبٍ هاشميٍّ
لشجرةِ الرمّانِ الوحيدة في خميلةِ جدي
سأموتُ اشتياقاً
لصباي .. لصَبيةٍ صادفتني مرّةً في
طريقِ المكتبة
فدفنوها بسببي إلى آخرِ العمرِ
للأنهارِ التي تمتدُّ إلى مالا نهاية
تحملُ صراخَنا المكتوم
لمقهى الشناشيل ، يطلُّ بعينين ضاحكتين
على شارع بشّار بن برد
للجسر المؤدي إلى ثانوية البنات
لساحاتٍ ... نطفو على خضرتِها
مثل زنابقَ
وعلى أسيجتِها نلتفُّ مثلَ رياحين
لزعلِ عاتكة وهي تمزقُ أوراقَ الإمتحانِ
سأموتُ اشتياقاً
لامرأةٍ إعتزلت وردَ الحدائقِ
وصارت تضخُّ الدمَ في عروقي
لصدرٍ تنهدَ تحت رأسي
لمتوحشةٍ صافحتني ذات صباح
لعيونٍ خلّصت يدي من يدِها
لرجُلٍ أغلقَ دروبَ تشردي
وتبنّى جسدي الصغير
سأموتُ اشتياقاً
للمراكب التي لا تُطلقُ سوى الزفراتِ
الملونةِ في ليلةِ رأسِ السنة
للشطِّ المباركِ يسافرُ بأحلامِنا
إلى أقاصي الكون
لمقام بن أبي طالب يحتلُّ قلبَ العشّار
وينشرُ الأمانَ
لسوقِ الهنود تستنشقُ رجولتَنا
وتباشرُ العطاسَ
للناهداتِ يتسللنَ إلى دورِ السينما
في غيابِ الرقيبِ
وإلى المآتم في حضورِ الرقيبِ
للحاناتِ الساهراتِ
على مقتبلِ العمرِ إلى آخرِ الدهرِ
للشرفاتِ المطلاتِ من أعلى الليلِ ، على
الشارع الوطني ، يترصدْنَ النسيمَ
سأموتُ اشتياقاً
لعتبةِ دارنا المثلومة
لبابِنا المطليةِ بالأزرق المفجوع
ترى ،
أهي تختزنُ كما الهواء
زرقةَ السماء ؟
سأموتُ اشتياقاً
للسكينةِ في ليلِ الصيفِ
لثورةِ الأشياء
سأموتُ حنيناً
كمنفيٍّ بلا رجاء
أو طائرٍ ضيّع طريقَ
العودةِ


23/11/1999
***
27 ـ تيّار
***
تعالي نسبح
إنَّ البحرَ واسعٌ بما فيه الكفاية
عميقُ الزرقةِ بما فيه الكفاية
تعالي نلعب
حورياته تنادي
فجرهُ يُغري
غجريةً دوخها السهرُ
وهدّها الدفُّ


16/11/1998
***
28 ـ المتسكع
***

إلى شرفةٍ زرقاء العينين
ذهب البحرُ في إجازةِ صيف
في نزهةٍ ما
بين أشجارٍ ثملةٍ
سمع همساً ، ضحكاً ، وأنيناً
توغل في اللذّةِ بعيداً
تاه في شعابِ الشرفةِ
بعد شهرين
لم يعُدْ البحرُ كما كان متوقعاً
بحثوا عنه في كلِّ الشرفات
وفي ليلِ الحانات
لم يعثروا عليه
لكنّ قمراً زائراً
وجده أسيرَ الزرقتين

5/3/2000
***
29 ـ رمال
***

الطريق قفر
والوحشة خيول مغيرة
الطريق برد
في أولِ الصحراء
ونار
في آخر المسافة
مَنْ يستبدل
بالبداياتِ النهاياتِ ؟
مَنْ يوقف حفّارَ الثلجِ
في بابِ الليلِ ؟
مَنْ يُطفئ ناراً
تشرئب للوقيعةِ ؟
مَنْ .. ؟
لكن الطريقَ مزدحمةٌ
في رابعةِ
النهار

30/11/1998

***
30 ـ تناسخ
***

في الحلُمِ
كانت القبلةُ
مستعصية
في اليقظةِ
كنتِ
هي


1987

***
31 ـ دفاع
***

لقد تكاثر
النُّباحُ
فلنخرج
بأحجارِنا


30/1/1999

***
32 ـ خفقة نجم

***

طفلةٌ نشجت في المنام
أُمّها شبح
توغلَ في القيامةِ
أبوها شجرٌ
انحنى في الدعاء
أخوها ذاب
في صمت
الوداع
طفلةٌ شاخت في الظلامِ
استهوتها
نجمةٌ
خفقت في السماء
فارتفعت
وحيدة


27/10/1998

***
33 ـ رياحين المدائن
***

الكأس التي امتلأ نصفُها بالحنينِ
لا تمسسها
ففي سكونِ النصفِ الآخر
ينام الياسمينُ ،
بين زرقةِ السماءِ
وبردِ الأفياءِ ،
هادئاً
الكأس التي عاشرها الندى
لا تمسسها
فمِن ثمالتِها
تتعلم الشفاهُ
كرمَ الإرتشافِ
الكأس التي امتلأ نصفُها
بالجنونِ
ستقيمُ على تخومِها
الشرفاتُ

14/10/1998

***
34 ـ أسفار
***

كثرت أسفارُك
أيها الطائرُ
فتمهل
قبل انحراف الطريق
وتعلّق
بوردةٍ حمراء
هي الوفاءُ


1987

***
35 ـ خيانة
***

وجه الشمسِ
لا تدفنه غيمةٌ
بغيٌّ
لا يقطعه سيفٌ
ضئيل
أنتَ وجهُ الشمسِ
الذي لا يخون
فللخيانةِ وجهٌ آخر
أما الخائنُ
فليس للخائنِ وجهٌ


1/10/1999

***
36 ـ شبيه

***

كمهرٍ أنتَ
بين الخيولِ عليل
تفتحُ سماواتٍ مغلقةً
بوجهِ حائرٍ
وبحاراً تعبرُها الأطيافُ
كمهرٍ أنتَ
ألْبَسَ الدعاءَ
ثوبَ الصهيلِ
وكفَّ عن العويل

1/10/1991
***
37 ـ خسارة
***

من الجنّةِ فلتخرجْ
من طابورِ الصفوةِ
رافعاً يديك ، مستسلماً
خاسراً أشياءَك
وماءَ الجبين

5/3/2000

***
38 ـ إطلالة ثانية
***

الموتُ
من أعلى غيمةٍ بيضاء
يطلُّ ثانيةً
يمتطي هذا المجنون
الغيمةَ بعيداً
يذهبُ في الأمداء
ثمّ يعودُ ، حصاناً أجرب ،
متى كانت السماءُ
ترفلُ بالزرقةِ
يعكرها ويبدد النورَ
ارحلْ أيها الغبيّ
وابحثْ عن سواي
لعلك اصطدت طاعناً في الخرفِ
لا يعرفُ الأشياءَ
أو ربما عثرت على ضالتك
في سماء أخرى

8/2/2000
***
39 ـ منتصف الليل
***
تأتي الكلماتُ
ما بعد منتصف الليل
تخبُّ في ظلام دامسٍ
وتطرقُ البابَ
إذا أقفلت المحطاتُ أبوابَها
وإلى رحيلِها
غادرت القطاراتُ
تأتي من كلِّ الجهاتِ الكلماتُ
حتى إذا أُغلقت بوجهِها المنافذُ
وانسدت بوجه الرؤى الطرقُ
تأتي الكلماتُ
لا شئ في آخرِ الليلِ يمنعُها
شوقي لرؤيتِكم
يجعلني استدرجُها .. أُعابِثها
تأتون قبلَ الكلماتِ
وجوهاً حبيبةً ، أليفةً
تأتون
وحياة تسبحُ في وجوهِكم
ما أجمل وجوهكم
ما أكرم خالقها
ما أذوقهُ
ما أدقّ صنعته !
تأتون
وجوهاً أُقبلُها ... ما بعد منتصف الليلِ
وأنامُ على طوقِ الكلماتِ


9/2/2000

***
40 ـ وجوه
***

سامحيني
إنَّ اللغةَ عطّلها الموتُ
والناصيةَ مرّغها الذلُّ
سامحيني
لن التقيَكِ
فمنفاي يطولُ
حُلُمي اختطفهُ الشراعُ
والوجوه التي
احتفلت بموتي
غادرتني البارحة


8/7/1987 عدن
***
41 ـ سكينة
***

أيّ سكينةٍ
تختارين
يا نفسي الضجرة
أ بركة في عمقِ الليلِ
نوقدُها بالخريرِ
فتطلّين عليها منتشيةً
أم واحةً تسكنين
أو ضيفاً تحلّين
أيّ سكينةٍ
تختارين
فلدينا من السكناتِ
ما يلزمك الكثير ؟

7/5/1999
***
42 ـ فناء
***

الخليقة
خيمة سوداء
ستهلكها الرياحُ
أنتِ
الخليقةُ
إنْ
فُنيت

***
43 ـ نجدة
***

إذا رأيتَ بحّاراً
ناجياً
على ظهرِ قاربٍ صغير
لا تهادنْ
من أجلهِ الموجَ
واعلم
انه خلّف وراءَه
مئاتِ الغرقى
وأحلام سفينة


28/8/1999
***
44 ـ تيه
***

لا تحلم
أيها المجنون
لقد غادرْنا الفراشَ
إلى الرصيفِ
وغادرَنا الفراشُ
إلى الرفيفِ


15/5/1997

***
45 ـ قيامة
***

وئِدَ انبعاثُك
أيها الندمُ
فأنا لم أرتكبْ
غيرَ خطيئةِ الرحمةِِ
ولم أسلكْ
غيرَ سبيلِ الضميرِ


7/5/1999

***
46 ـ ضيف لكأس نبيذ
***

ضيفٌ أنتَ عليَّ الليلة
سأُزينُ الساحاتِ
أحرِقُ العودَ
وأوقدُ شموعاً تُضئُ الليلَ
ضيفٌ أنتَ عليَّ الساعة
سأدعو القلاعَ كي تفتحَ أبوابَها
أقرعُ الأجراسَ
وآمرُ الصدورَ باختراقِ المسافةِ
اجتياحاً
حتى تخومِ الشوقِ
ضيفٌ أنتَ حبيبي
فليشرب الكونُ كأسَ قدومِك ،
خمراً
رحيقاً
أو شراباً مقدساً
لا فرق عندي
كيف يسكرُ البشرُ
ولا كيف يرقصُ النجمُ
ولا كيف ينقضي الزمنُ
ضيفي أنتَ ونديمي
فلتغبْ مدى الدهرِ شموسٌ
أو تختف أرضُ

1/10/1999
***
47 ـ طيران الرغبات
***

لا تسترحْ وترخ لجامَ عشقِك
في المنام
ففي الواحةِ يتشهى الجسدَ الماءُ
وفي المُشتهى
حُلُمُ شفّةٍ تُغادرُها القُبلُ
لا تسترحْ وتهضم الرغباتِ
ففي السماءِ متسعٌ لطيرانِها
وإذا ما حلقت الرغباتُ
تطايرت
أشلاءُ القبلِ
هل حلّقت الرغباتُ ؟


11 /2/2001
***
48 ـ طفل الواحة
***

عذبتَني أيها الطفلُ العابثُ
في صدري
وأغلقتَ دروبَ صحوتي
رأسي تُحطمُهُ الهمساتُ
بدني يتشققُ عن وعورةٍ ومتاهةٍ
يتفتتُ كتلةً من رملِ
جففتها الشموسُ
ثمّ ذهب ماءُ بريقِها
أيها الطفلُ
لماذا تسعى إلى حرقي ؟
أيتها الصحوةُ
لا تغادري زمني
أيها النائيُّ عن عينيّ لا تطفئْ أبوابَ الذاكرة
فأنتَ زورقي المنتظر
أنتَ خطوتي القادمة
أنتَ رفيفُ الأمل
أنتَ عالمي السابح في بحر عينيك
أنتَ فضائي اللامحدود
قدري اللاهث وراء ألقِ نجمةٍ
تحرسُ واحةً نائمةً على زندِ إله
لا يغادرها خشيةً من يقظةٍ
مبكرةٍ تغتالُ الشكوك

11/2/2001

***
49 ـ لحظة للثأر

***

لا أريدُ أنْ أتقيأَك أيها العالمُ المعطوبُ
ففي جوفِ مرارتك
جوهرةُ حنين هذا الكون
إنها مرصعةٌ بأنفاسِ مَن أُحبُّ
لا أريدُ أنْ أستسلمَ
لهذا الخراب
كي لا أُبحر في خواءٍ طويل
أيها العالمُ الذي هدمتني
أعرني فرصةً
كي أردَّ طعنةً من آلافِ الطعناتِ
التي محوتَ بها خرائطي
اصرخي بوجههِ ياحبيبتي :
أيها العالمُ الرعديدُ لا تجبن من طعنةٍ
أو فرصةٍ
أو لحظةٍ طويلةٍ
من أجلِ حبيبي

11 /2/2001

***
50 ـ كون في شارع أوسلو
***

ستأتي الأكوانُ
تحطُّ على شجرةِ الكستناء الضاحكة
أمام البيت
سأدعو الطفلَ الهمجيَّ
لاصطيادها
لتفريقها على الجيرانِ
شريطة أنْ يتركَ كوناً
لقلبي العليل
ينامُ في عشّهِ بسلام
ستأتي الأكوانُ
في سماء زرقاء
ترقصُ ... رقصةَ هنديٍّ أحمر
سأتركُ كوناً صغيراً
عبثياً
يقودها إلى قلبي كي تنامَ فيه
ستأتي الأكوانُ
في صدورِ النساء
خجولةً
سأتركها جميعاً إلاّ واحداً
أضعُ رأسي عليه
ستأتي الأكوانُ
بالمشتهى
سأتنسمُها جميعاً
حتى أبلغَ المشتهى


2/10/1999
***
*************************************
***
الديوان العاشر

الحافلة والذئاب
شعر
صبري هاشم
***
1 ـ الحافلة والذئاب
***

أيّتُها الحافلةُ إنْ لم تحملي مسافراً
أَتْعَبَهُ على قارعةِ الطريقِ انتظارُ
أكَلَتْهُ الذئابُ
أيّتُها الحافلةُ لا تتركي
مقطوعاً في برِّيَّة
ولا شبحاً لاحَ مِن بعيد


25 ـ 09 ـ 2009 برلين
***
2 ـ لعبٌ مع السنجاب
***


أعطِ السِّنجابَ بندقةً
ودعْهُ
دعْهُ فرحاً يرقصْ
أعطِ السِّنجابَ وأفرحْهُ
فالسنجابُ بك لا يجحد
والسّنجابُ لا يغتاب
اعطِ السنجابَ بندقةً
سيضحك
ينتشي ويبلغُ الذروة
أعطِ السنجابَ
وامتعْهُ
أعطِ واستمتعْ

27 ـ 09 ـ 2009 برلين

***
3 ـ على رأسِها وردة
***

على رأسِها وردةٌ
همجيةُ الملامحِ
تتفوّح علانيةً
وبعذوبةِ آسرةٍ تحتلُّ المكان
على رأسِها وردةٌ
سرقتْ كلَّ الألوان
واستدعتْ كلَّ الأطيافِ
هي أطهرُ العاهراتِ
هي أفجرُ الطاهراتِ
كانت ، حين أتتْ ، وردةٌ على رأسِها
لم يدركْها خيال

29 ـ 09 ـ 2009 برلين

***
4 ـ هل
***

هل تبحثين عن شتاءٍ آخر
يتدثرُ بالثلجِ ؟
عن فصلٍ يغسلُهُ المطرُ ؟
هل تبحثين عن كلِّ الجهاتِ
عن كلِّ الفصولِ ؟

7 ـ 10 ـ 2009 برلين
***
5 ـ كاترين الشقراء
***

الآن خرجتْ كاترين الشقراء
أخذتْ ضحكتَها وغادرتِ الرَّدهةَ
الآن في العاشرةِ مساءً
تركت المشفى لتدخلَ
في معطفِ النّسيمِ
خرجتْ كاترين وتركتْ
نفحةَ حنين

7 ـ 10 ـ 2009 برلين
***
6 ـ عُش
***

الطائرُ الذي أحببتُهُ
سكن الشرفاتِ
لا .. لا
الطائرُ الذي عشقتُهُ
سكنَ الروحَ


7 ـ 10 ـ 2009 برلين
***
7 ـ آخر الطريق
***

لا شيء .. لا شيء
السماءُ مُحايدةٌ
وفي الأفقِ طائرٌ يسعى
لا شيء .. لا شيء
أطْفَأوا البرقَ
أَوْقَفوا دويَّ الرَّعدِ
وصادروا المطرَ
لا شيء .. لا شيء
فُكَّ أسرُ الندى
واستجلبوا النسيمَ
ثم لاذت بالعروشِ عقولُ

7 ـ 10 ـ 2009 برلين
***
8 ـ إعلان
***

أيها الطبيبُ
لا تعلنْ خاتمتي
دعْها مفتوحةً على المجهولِ

7 ـ 10 ـ 2009 برلين
***
9 ـ سطو
***

في المساء
رأيتُ في الحديقةِ وردةً
تسطو على رحيقِ خدّيها
ومنه تغترفُ الكثيرَ

7 ـ 10 ـ 2009 برلين
***
10 ـ مارغوفا
***

مارغوفا الروسية
طبيبةُ القلوبِ
تشفي الغاربَ حين تتكلمُ وحين
تسبلُ جفنيها
مارغوفا الروسية
توّاً خرجتْ مِن لوحةٍ ضائعةٍ
منذ العصرِ الرومانسيِّ
امتطتِ الطريقَ
وعاشرتِ البشرَ
مارغوفا .. مارغوفا
حاذري طلوعَ القمرِ
منذ الآن
فالقمرُ في اللوحةِ يبحثُ عنك

7 ـ 10 ـ 2009 برلين

***
11 ـ بو
***

لمّا انتهى أدغار آلان بو
مِن إطعامِ غرابِهِ
طار الأخيرُ إلينا
بثيابٍ بيضاء
يا بو انكشفت أمامنا طويتُك

7 ـ 10 ـ 2009 برلين
***
12 ـ الآصرة
***

ليستِ السّاحراتُ مَن أغوى
بالمُلكِ ماكبثَ
ولا نهمُ امرأةٍ في الفراش
إنما جذوةٌ طلعت فوقَ الرّمادِ
وقادت فاوست إلى كوخِ الشيطان

8 ـ 10 ـ 2009 برلين
***
13 ـ طلب
***

وجهٌ لهذا الصّباح جميل
نسيمٌ عليل
روحٌ نبيل
وفمٌ ندّيٌّ بليل
نفحةُ عطرٍ تُطعِمُ أنفاسَ الصبحِ
المُتنهّدِ توّاً في الفراشِ
وجهٌ لهذا الصباحِ

9 ـ 10 ـ 2009 برلين
***
14 ـ نصفٌ
***

أنا شطرٌ مِن الليل
هجرتْهُ الكواكبُ
دقّتِ الرّيحُ بابَهُ فتمنّع
أنا شطرٌ مِن الليلِ
في قعرِ كأسِ المدينةِ
تلبّدَ ساكناً

11 ـ 10 ـ 2009 برلين
***
15 ـ دمعةٌ أزلية
***

هي دمعةٌ في عيني تلألأت
منذ الفراقِ
لا الرّيح جاءت فتمطرَها
ولا مرّ بها مَنْ كان يُكفكفُها
لا الأهل صوبها التفتوا
ولا انتبه الرفاق
دمعةٌ في عيني سبحتْ
فكانت بحجم العراق

17 ـ 10 ـ 2009 برلين
***
16 ـ نحن ونحن
***

مائيون نحن
سدنةٌ للرِّيحِ
وضّاحون في الظلمةِ
ونحن خفّاقون في النورِ
نحصدُ بلسمَ الطينِ
عصّافون في بحرٍ
نُلهي لجّةً في الليلِ
بجسدِ السّفينةِ
حطّابو غاباتٍ
تلبسُ حلّةَ الشّمسِ
ونحن برّيون إنْ شئتم
نقفُ ما بين حدودِ الجزرِ والمدِّ
ونرتقي صهلةَ الموجة

26 ـ 10 ـ 2009 برلين

***
17 ـ كالدمع
***

إنْ بكتِ السماءُ
كفكفتْ بمنديلٍ أزرق أدمعَها
وأنا أحطُّ فوقَ الغيمِ
أكفكفُ حزنَ القصيدة
إن بكتِ الطريقُ
دعني في غيي سادراً
أرفع رايةً للرحيل

27 ـ 10 ـ 2009 برلين
***
18 ـ صائد التّنين
***

هل عادَ بالتّنينِ ؟
هل كان أصفرَ
أحمرَ
مفرغاً مِن نارِهِ أم مازال مُلتهباً ؟
صائد التّنين
رُئي بصحبةِ تاجرٍ أفّاقٍ
فوق سورٍ ظنّهُ سورَ الصينِ العظيمِ
يبيعُ الرّطبَ البصريَّ
وألعاباً سحريةً مِن بلاد ما بين نهرين
لأطفالٍ يلهون بالضّبابِ
وآخرين على أبوابِ المعابد يحرقون البخورَ الهندي
لم يَعُدِ النّفّاجَ الوحيدَ
ولا البهلوانَ الأخير

28 ـ 10 ـ 2009 ـ برلين
***
19 ـ البلاد العاشقة
***

تعالَي شاهقةً
مثلَ أفراسٍ مُغيرةٍ
تلتهم ضفافَ الصباحِ
مثلَ أفراسٍ قادمةٍ مِن وراء المجرّاتِ
تحمل قمراً مُدْهِشاً ونافذةً للبَوْحِ
هذه الأفراسُ خطفتْ وردةَ الماء
وبها عَبَرَت تخومَ الصحراء
تعالَي شاهقةً
كما عرفتُكِ للوهلةِ الأولى
اغمريني برائحةِ الوجدِ
ثم تضمّخي بزيتِ المُغرياتِ
مُغريةً تعالَي
كما عهدتُكِ منذُ تَهَوّرِ النّهدِ في ميدانِ الرقصِ
اغسلي وجهَ الصّبحِ بالضحكاتِ
وداعبي بهجةَ النّدى
أنتِ ، أنتِ
كم أخشاكِ مسكونةً بموسيقى الرّيح
وشهوةِ الشّمسِ
وأنينِ النهارِ
تعالَي ، مِن علٍ ، مُبَخّرةً
فأنا ، منذُ اشتياقِ السواحلِ لجسدِ الأنثى ، منتظرٌ
منذُ انطفاءِ الحكايا في كؤوسِ الليلِ
أنا منتظرٌ
فوقَ رصيفٍ لا يملُّ انتظاري
وشيئان مِن حوليَ يدوران
مِن وهجِ اللحظةِ يقتربان
عني يبتعدان
شيئان يصبّان في نهرِ تَوتُّري :
لوعةُ الحنينِ إليكِ أيتها البلادُ البعيدة
والألمُ الصاهلُ في صدري
اقتربي طازجةً
فما أشهاكِ هذا الصّباحِ
وما أطيبَكِ في المساء
اقتربي يا نبعَ اللذّةِ
فهذه الجدرانُ الوهميةُ
ستنفتحُ على السهولِ السمراء
وهذهِ الصروحُ الرّماديةُ ستنهدُّ
وفوقها ينمو زهرُ البهجةِ
تقدّمي
ما أرقّكِ اللحظة !
عاليةً كوني
شاهقةً
ومعكِ أجلبي الصحراءَ
وشيئاً مِن سرابٍ
وأوهميْنا ببحرٍ بلُّوريٍّ
قولي هذا بحركم الذي به تحلمون فاركبوا السفينة
ثم ارتحلوا
غادروا المدينة
تعالَي واجلبي المطرَ
هل يأتي المطرُ بعد الآن ؟
هل تأتي السّحابةُ العاشقةُ ؟
هل يأتي النّسيمُ بعد هبوبِكِ ؟
هل تأتي بلادٌ حزينة ؟
شيئان مني يقتربان
شيئان عنّي يبتعدان
شيئان حولي يدوران
كلّما عصفت بنا المنافي
كلّما كانت تلك البلادُ بعيدةً
تلك البلادُ التي كانت إلى جواري
تظللني مِن وهجِ الهجيرةِ
كأنّها شجرٌ فردوسيٌّ
تميلُ حيثُ أميلُ
تعالي شاهقةً مثلَ نسرٍ أغوتْه نجمةٌ
تعالي فتلك البلادُ صارت بعيدةً
هجرتْنا وعلينا لم تنشرِ الظّلالَ
بعد الآن
تلك البلادُ التي غارتْ في المسافةِ
لم تعدْ بلاداً بعد الآن

برلين 1 ـ 11 ـ 2009

***
20 ـ ليل امرأة
***

على أبوابِ عدنٍ
التي اغتالتْها حروبُ القبيلة
كنتُ أُغنّي لأجلِ امرأةٍ تسكنُ في الأعالي
وتُمشّطُ الليلَ بكفٍّ مُرتعشةٍ حزينة
وكان كلُّ الليلِ يسقطُ في السفينة
كنتُ أُغنّي لامرأةٍ تسرحُ في المرايا
تغمرُها مِن الرؤيةِ دهشة
فتأسرُها السرايا

2 ـ 11 ـ 2009 برلين

***
21 ـ تعبَ البرُّ
***

عَدْواً تأتي
مِن آخرِ لوحٍ في جسدِ البرّيةِ
حتى شهقةٍ محبوسةٍ في صدرِ البحرِ
مُلْتَفّاً بحريرِ الأشواقِ تأتي
على كاهلِك تحملُ أعواماً خاسرةً
لا ترى غيرَ الرّملِ
يسفُّ بوجهِ المدى
ولوعةِ النَّبْتِ للماء
لا ترى غيرَ عطشِ الطّيرِ في البيداء
عَدْوَاً تأتي
تجرُّ عرباتٍ
نحو وحلِ اللقاء الأخير
وتمرُّ مِن بعدك الرّيح

2 ـ 11 ـ 2009 برلين
***
22 ـ الساكن الوحيد
***

أنا رأيتُ الحمامَ
في فضاءِ البيتِ يدور
يسألُ عنِ السّاكنِ الوحيد
أين ذهبَ السّاكنُ الوحيد ؟
أيُّ الطُّرقِ تناهبتْه
أيُّ المَفاوز ؟
وكأنما نخلةٌ هجرتْ قاعَها
إلى أرضٍ غريبةٍ
رحلَ السّاكنُ الوحيد
كان الحمامُ يدور
كان
كان الحمامُ يدور
ظلَّ الحمامُ يدور
ظلَّ
ظلَّ الحمامُ يدور
يسألُ عنِ السّاكنِ الوحيد
والساكنُ لن يعود
هي الهجرةُ الأبديةُ
هي الهجرةُ الأزليةُ
هي الرّحيلُ المُباغتُ
هي انغلاقُ سبلِ العودة
ويظلُّ الطيرُ يدور
كلُّ السّماواتِ أُختزِلتْ
والزرقةُ غادرتْ
والساكنُ لن يعود
وحيداً عاشَ
في تلك البلادِ التي
كأنها مِن الوحشةِ صقيعٌ قاتلٌ
وحيداً عاشَ
وحيداً انحنى في الطّريقِ
يبحثُ عن دهشةٍ ضائعة
كأنه المقاتلُ الخاسرُ
في عودتِه الأزلية
كأنه المقاتلُ المُنكسرُ
في رحلتِه الأبدية

4 ـ 11 ـ 2009 برلين

***
23 ـ حانة القلب
***

دخلتني الحانةُ
رتّبتْ كؤوسَ الليلِ فوق سطحِ القلبِ
و لأمرٍ ما خرجتْ
بعدها جاء الرُّوادُ
سهروا على ضفافِ نَبْضِي
شربوا مِن خمورِ العراق كلَّ ما في النَّفسِ
حتى هجرتُهم
تاركاً لهم الكؤوسَ والحانةَ التي
ستعودُ بعد حين

7 ـ 11 ـ 2009 برلين

***
24 ـ زيارة مفاجئة
***

البارحةَ زارني البحرُ
كنتُ أُقلِّبُ أرشيفَ " ذات الصواري "
فلم أجد سفينةً واحدةً راسيةً في ميناء
كي أهديَها للبحرِ
اعتذرتُ له
وأهديتُهُ الأرشيفَ كلَّه

7 ـ 11 ـ 2009 برلين

***
25 ـ زهر التُّفاح
***

هزّتني شجرةُ التُّفاح
كانت بثوبِ زفافٍ
تطلبُ لقاحاً
وحين لم أهبّ عليها
نسيماً مُشبعاً بالرحيقِ
خلعتْ ثوبَ عرسِها

7 ـ 11 ـ 2009 برلين

***
26 ـ طار الحمام
***

في الصباحِ
فتحتُ كلَّ الأبراجِ
دعوتُ الحمامَ للطيرانِ
حين رأى السماءَ صافيةً
فرحاً طار
إلاّ الشعلاء منه
طلبتْ مجيءَ السماءِ إليها

7 ـ 11 ـ 2009 برلين

***
27 ـ عناء
***

إلى المحطّةِ المنتظرةِ
حملتُ على كتفيَّ القطارَ
وكان المهرجانُ عظيماً
هل تعبَ القطارُ
أم تعبت المحطّاتُ ؟
وزّعتُ المسافرينَ على ذويهم
ووزّعتُ الحقائبَ
ورحتُ عنها أُفتِّشُ
فلم أجدها
سألتُ القطارَ
قال :
في منتصفِ الطريقِ ترجّلتْ
وادعتْ أنّها ذاهبةٌ إليك
ثم على كتفيَّ حملتُ القطارَ ثانيةً
وعدتُ إليها
بحثتُ عنها فلم أجدها
لم أجدها
في كلِّ المسافاتِ
في كلِّ الأماكن

7 ـ 11 ـ 2009 برلين

***
28 ـ الصعود الأبدي
***

استنبتُّ في حديقةِ البيتِ شجرةَ التوتِ
ودعوتُ الطائرَ الغرِّيد
أنْ يحطَّ على غصنٍ منها
أبى الطائرُ وحلّق
وشجرةُ التوتِ تتبعُه نحو الأعلى
فالطائرُ يُحلِّقُ والشجرةُ تتبعُه
حتى توارى عن الأنظارِ
والشجرةُ مازالت تصعدُ
وتصعدُ
وتصعد
إلى أنْ غامتِ السماءُ
فلا الطائر عاد
ولا الشجرة توقفت عن الصعودِ

7 ـ 11 ـ 2009 برلين
***
29 ـ سرير الرّؤيا
***

اختطفني السريرُ
وبي نزلَ إلى الشارعِ
يُسابقُ الحافلاتِ
كنتُ في رؤيا ماقبل الفجرِ
العاهراتُ اللاتي
عُدْنَ توّاً مِن سوقِ الجسدِ
انشغلْنَ بأمرِ السّريرِ
العاهراتُ اللاتي حلُمْنَ بدفءِ السّريرِ
لم يعُدْنَ إلى بيوتِهنَّ

7 ـ 11 ـ 2009 برلين

***
30 ـ حوض الرّؤيا
***

في رؤيا أولِ الليلِ
وجدتُ نفسي في حوضِ الماءِ طافياً
زورقي كان بعيداً
والميناءُ على مسافةِ فرسخين
في رؤيا أولِ الليلِ
وجدتُ نفسي هائماً على الرّصيفِ

7 ـ 11 2009 برلين
***
31 ـ صديقتي وأنا
***

صديقتي ذهبتْ نحو الشّتاء
وأنا أُشذِّبُ زهورَ الشرفةِ
منتظراً الصيفَ الذي سيأتي
صديقتي عانقتِ الشّتاء
وأنا مازلتُ أنتظرُ الصّيفَ
الذي ربما يأتي

7 ـ 11 ـ 2009 برلين
***
32 ـ خذلان البحر
***

سبعةَ رجالٍ كانوا ومركباً
ينتظرون البحرَ الذي تأخّر
سبعة رجالٍ ومركب
خذلهم البحرُ
ولم يأتِ

7 ـ 11 ـ 2009 برلين

***
33 ـ بعثرة ملهوف
***

لم تأتِ بالبشارةِ سماءُ
ولا ريحٌ حملتْ لهفةَ المُفارق
فجاءت
عاتيةً رغباتُ المُسافر
كآثامِ السفرِ
وأنفاسِ المسافةِ
وأنتِ
مِن خبائكِ المُعلّقةِ في الهواء
تبعثين أنينَ الرّوحِ
مثلَ حرابٍ ماضية نحو القلبِ
تقولين : ادفعْ ثمنَ الغيابِ
وأنا أُساومُ منطقَ المحنةِ
أقولُ لا
سأكفُّ عن دفعِ الأثمانِ
هي الحياةُ لم تُبقِ لي
غيرَ أسمالٍ بلا ألوان
وجلدٍ يُحيطُ بالحطامِ
لو هبّتْ عليهِ الرّيحُ كنستْ ثلثيه
وتركتْ ثلثاً لوقودِ الزمان
وأقولُ :
حين توقّفَ العائدُ مِن الغيابِ
على مشارفِ المدينةِ
يُحاكي طللاً
لم يُبقِ لهُ الدَّهرُ رسماً
للمُناجاةِ
ولا حجراً خارجاً مِن بئرِ النِّسيان


8 ـ 11 ـ 2009 برلين

***
34 ـ
***
35 ـ أنتِ لا تملكين شيئاً غيرَهُ
***

أيّ امرأةٍ أنتِ
لا تملكُ غيرَ شَعْرٍ طويلِ
وخصرٍ نحيلِ
ومعطفٍ هاربٍ مِن أرضِ شنعار
مِن ورائها يتسربلُ
كمعطفِ جنديٍّ مِن جُبْنِه لم يحاربْ
فأعْفَتْهُ مِن الحربِ حروبُ
ترابيٌّ له ذنبٌ وبعضُ ذيولِ
كمكنسةٍ يطوي الأرضَ
يتبعُهُ كلُّ معتوهٍ عليل
أيّ امرأة أنتِ
لا تملكُ غيرَ قبوٍ مثلِ ثقبٍ في أرضِ نقبٍ
نحوه يدبُّ نملٌ وديدانُ
ومَن ساقتْهُ ريحٌ دون دليل
أيّ امرأةٍ أنتِ
لا تملكُ شيئاً
سوى نهرٍ ناضبٍ
ومُحيّا فوقه لا ترتسم
بسمةُ مُكرّمٍ ولا نظرةُ خلٍّ أو خليلِ
أنتِ لا تملكين شيئاً غيرَهُ
وتطلبين شهرةَ شاعرٍ وصيتَ عظيمٍ
فيا لهذا الزمانِ الذليل
ويا لهذا الفتى الذي تجرّد لمواجهةِ كونٍ
فعادَ مقتولاً بأثرِ قتيل

12 ـ 11 ـ 2009 برلين

***
36 ـ البيضة الذهبية
***
أتدري أنَّ للدجاجةِ ضرعاً
كضرعِ الخروفِ
يدرُّ لبناً بَصْرِيّاً مُملّحاً
وأنَّ الدّيكَ البغداديَّ
يبيضُ بيضةً ذهبيةً واحدةً
كلَّ خمسين سنةً كبيسة
أتدري حين بدبابتين أسلموا
للغزاةِ بغدادَ الفاتنةَ
انشغلوا بتقشيرِ البيضةِ الوهمية
وبنزعِ ثيابِ عاهرةٍ
جاءت مِن بطنِ العراق عارية

11 ـ 11 ـ 2009 برلين

***
37 ـ جريمة الله
***
أنقذوني مِن ظلمِ الله
هذا المجنونُ يُلاحقني أينما وليتُ وجهي
كأنني الوحيدُ على هذه الأرضِ
أيّها الأصدقاءُ
أيُّها الأعداء
أيّها الناسُ ربُّكم بالمرضِ يستقبلُني وبمثلِهِ يستدبرُني
إنّهُ يسلبُ مني صحتي وهدوئي
وبي يرمي في كلِّ حين بالمصحّاتِ
أيّها المُقرّبون
أيّها المُبعدون
أيّها المُبحرون
المُسافرون
الرّاحلون
الطائرون
المُقيمون
العاصفون
القائمون
القاعدون
أنقذوني مِن ربِّكم القاتلِ هذا
سلوا عَبْرَ وسائطِكم ماذا مني يُريدُ
أيّها الناسُ
اُنظروا في بطونِ التاريخِ
ستجدون كلَّ الحروبِ التي شُنّت
وما رافقها مِن موتٍ وإبادةٍ كانت بسببِ الله
وبسببِ ما صنع مِن الأديانِ
إنّه القاتلُ الأولُ والأخيرُ على سطحِ الكوكب
حين أنزلَ الكتبَ وأرسلَ الرّسلَ
وخلقَ الأنبياءَ الكذّابين ، الفاجرين ،
الأفاقين والقتلةَ همسَ في آذانِهم :
اقتلوا بلا رحمةٍ
فانتشرَ الموتُ في كلِّ الأرجاء
أيّها الناس
إنكم تعبدون ربّاً قاتلاً
كلّموه أنْ يتركَني وحالَ سبيلي
وآمنوا به كما تشاؤون
فأنا لستُ واحداً منكم
أيُّها الله
أيُّها القاتلُ ، المُهيمنُ على كلِّ شيءٍ
يا صاحبَ الأسماء جميعها
أُتركْني وشأني
فما أنا إلاّ مخلوقٌ ضعيف

12 ـ 11 ـ 2009 برلين
***
38 ـ شبقيات
***
هي تسكرُ مِن خموري
ومعها تسكرُ الجاراتُ
اللاتي يتربصْنَ بقيلولتي
تحت شجرةِ التوتِ
كلّما شهقت فوق رؤوسِنا
شمسٌ صيفية

13 ـ 11 ـ 2009 برلين

***
39 ـ سيدة المرايا
***
سيدةُ المرايا أنتِ
أولُ المرايا
وآخرُ المرايا
فحافظي على بهاءِ وجهكِ
وتسيّدي السطوحَ

13 ـ 11 ـ 2009 برلين

***
40 ـ ضيوف الحافلة والذّئاب
***

ونحن على مشارفِ سكسونيا السُّفلى
نتفقدُ ميادينَ الحروبِ
التي نشبتْ بين الأوروبيين
باسمِ الدين
في ما سُمّيَ بحربِ الثلاثين عاماً
أو الحربِ السلزية
والتي ستقعُ في الزمنِ القادمِ
أُخبرْنا عن قدومِ السّادةِ العرب
على ظهرِ حافلةٍ قادمةٍ مِن عاد
فانتظرْنا على الطريقِ الحافلةَ
وكان بيننا وبين البريّةِ التي تسكنُها الذّئاب
مسافةُ فرسخين برّيين
لم يكن معنا طعامٌ يكفينا ويكفي الضيوفَ
ولا أرديةٌ نتقي بها شرَّ الزمهرير
ولا أسلحةٌ نردُّ بها عنّا هجماتِ الذّئاب ووحوشِ الغاب
ومِن النبيذِ كان معنا الكثيرُ الكثير
لكنّ السّادةَ العرب غير نقيعِ التّمرِ لا يشربون
وهم مِن عاد قادمون
وبعيونِهم الشرهةِ يحتسون أجسادَ النّساء
انتظرْنا طويلاً ولم يأتِ الضيوفُ
قيلَ لنا انحرفتْ بهم الحافلةُ
نحو بلادِ أخرى
وهناك حلّوا على أهلِ تلك البلادِ ضيوفاً
عندئذٍ وقعت حروبٌ أخرى
إنما في أماكنَ بعيدةٍ
عندئذٍ هاجمتْنا مِن عمقِ البريّةِ ذئابُ

15 ـ 11 ـ 2009 برلين

***
41 ـ الحافلة والدم
***

في موقفِ الحافلةِ ،
التي أتتْ على جسدِ الحمامةِ ومزقتْهُ أشلاءً ،
التقيتُها
كانت شاحبةَ الوجهِ
منهوكةَ القوى
كانت مهمومةً حين قالت إنّها شهِدتْ
دومةَ الجندل
معركةَ النهروان
ووقفتْ على الفتنةِ الكبرى
وأضافتْ :
ما رأيتُ غزارةً للدمِ مثلما رأيتُ يومَ الجملِ
في موقفِ الحافلةِ
اصطفَّ الألمانُ والأغرابُ
طابوراً لصعودِ الحافلةِ التي
أتتْ على جسدِ حمامةٍ كانت قد أمتعتني بجميل هديلِها أياماً
وأنا مازلتُ مُصغياً
لشخيرِ الدمِ العربيّ
الذي يتدفقُ مِن فيها
مثل نافورةٍ
كانت مُتعبةً حين التقيتُها
وآسفةً
في موقف الحافلةِ التي
أتتْ على جسدِ الحمامةِ ومزّقتْهُ أشلاءً

15 ـ 11 ـ 2009 برلين
***
42 ـ رجائي لكم
***

أوقفوا
بكاءَ
روحي

16 ـ 11 ـ 2009 برلين

***
43 ـ حافلة الأتراك
***

تأتي محمّلةً بالمُنَقَبين والمُنَقَباتِ
وتذهبُ كذلك
لا يطلعُ فيها غيرُ مَن تستّرَت
وراء حجابٍ
ومَنْ تستّرَ وراء لحيةٍ ومسبحةٍ وبسملةٍ ودين
وأحياناً يصعدُ فيها مَنْ كان مثلي زنديقاً
أو فاسقاً
حافلةُ الأتراكِ قافلةٌ تمرُّ في كلِّ حينٍ على تخومِ برلين
تبحثُ عن صحراءَ وحجرٍ تتعشّقُهُ للطوافِ
تحملُ رقماً خرافياً
وتهدرُ بكلِّ اللغاتِ
وببعضِ آياتٍ بيناتٍ
مِن الذِّكرِ الحكيمِ

16 ـ 11 ـ 2009 برلين

***
44 ـ يومٌ استثنائيٌّ
***

اليومَ في برلين حدثَ شيءٌ غيرُ مألوفٍ
مِن أَوْجارِها خرجتْ ذئابُ
وتحت الثلجِ المُتساقطِ بغزارةٍ
راحت ترقصُ رقصاتٍ فاجرةً
لم تطلبْ دفْئاً أو طعاماً
ولم تتحرّشْ بكائنٍ ما
كانت ترومُ نزهةً في يومٍ استثنائيٍّ
تتراشقُ بكراتِ الثّلجِ مثلاً
تتزحلقُ مِن على مرتفعٍ ما
لكنها أُخبرتْ عن قدومِ العاصفة
ظلّت تنتظرُ ، في شوارعِ برلين منذ الصباحِ ،
الحافلاتِ التي أُعِدّت للنزهةِ
فيما السّوادُ الأعظمُ
اصطفَّ على الأرصفة
بانتظارِ العاصفة
هل تأتي العاصفةُ
حين تمرُّ الذّئابُ بعد مجيءِ الحافلاتِ ؟
نحن بانتظارِ العاصفة

16 ـ 11 ـ 2009 برلين
***
45 ـ مُسافرة بلا سفر
***

امرأةٌ
وراءها تجرُّ حقيبةً وكلباً
ومعطفاً أُرجوانياً طويلاً
الكلبُ يلهثُ في أثرِ الحقيبةِ التي
لم تسافرْ يوماً
فيما المعطفُ يجرُّ نفسَهُ متثاقلاً
**
امرأةٌ
خرجتْ مِن وراءِ الزّجاجِ
كأنها مسافرةٌ مع آخرِ الطائراتِ
**
امرأةٌ لم تسافرْ مرّةً
دخلتْ عنفوانَ المطارِ
تسألُ عن جسدِ السّفرِ
تجرُّ وراءَها كلباً
ومعطفاً أُرجوانياً
وحقيبةَ المسافر


16 ـ 11 ـ 2009 برلين

***
46 ـ المصطبة الشهوانية
***

على المصطبةِ
في الطابقِ العلويِّ
هنا في أسواقِ " غزوند برونن "
تجلسُ الذّئابُ بأبهةِ الحكّامِ
وأنا أبحثُ عن مصطبةٍ أخرى
أريحُ فوقها ظلالي
بعد ساعةٍ مِنِ الدّوارِ والخوارِ
جلستُ كما تجلسُ هناك الذّئابُ
مُتربصاً بالمارّةِ
راشقاً مؤخراتِ الإناثِ ـ بنظراتٍ ظلتْ شهوانيةً حتى مع تقدُّمِ العمر ـ اللاتي تركْنَ الرجرجةَ للعيونِ النّهمةِ

16 ـ 11 2009 برلين

***
47 ـ مصطبة الذئب
***

أمام المصطبةِ ـ التي جثمتْ
تحت ثقلِ شيخين
في العقدِ السابعِ مِن العمرِ ـ
ربضَ ذئبٌ
يتشممُ أحذيةَ المارّةِ
ويلتهمُ بنظرهِ أفخاذَ النساء
أمام المصطبةِ التي
تنفستِ الصّعداء مِن ثقلِ الشيخين
انحنت أُنثى
تُصلحُ سيرَ حذائها
وتركت أمرَ النهدين
لدهشةِ العيون

16 ـ 11 2009 برلين

***
48 ـ حكمة العابر
***

أيّها الرجالُ الكرماءُ
يا أصدقائي الأفذاذ
لا تحنوا قاماتِكم للريحِ
فكلُّ ريحٍ عابرة
**
يا أصدقائي النبلاء
لا تكتبوا بلغةِ أمةٍ غيرِ أمتِكم
ثم تشتمونها
أصدقائي تجنّبوا ضآلةَ النّفسِ
وكونوا كباراً
**
مَن كتبَ بلغةِ أمةٍ أخرى
وبلغَ مبلغَ الشهرةِ
عليه أنْ يكرمَ ذكرَ تلك الأمة
**
الأممُ لا تموتُ ببيانٍ أدبيٍّ
أو سياسيٍّ
الأممُ لا تموتُ برغبةِ حاقدٍ
**
كن نبيلاً
فحين تشتهرُ على حسابِ أمةٍ ما
لا تضعْ في خاصرتِها
خنجراً مسموماً

16 ـ 11 ـ 2009 برلين

***
49 ـ أحزان الجوري
***


حدّثيني
عن أحزانِ الوردةِ
عن جنونِها
وعن عاداتِها في غيابي
هل استقبلتْ في الليلِ ندىً ؟
هل عاشرتْ ماء الصّباحِ ؟
وخرجتْ ترشقُ وجهَ الشّمسِ بالضحكاتِ
حدثيني
في أيِّ الطُّرقاتِ كانت تلقي الوسادةَ وتنام ؟
في أيِّ الحدائقِ ؟
في أيِّ المشاتل ؟
على هامشِ الأرصفةِ الغادرةِ مثلاً ؟
حدّثيني
لقد طال بي زمنُ الفراقِ
عن زهوِها حين كانت في أعلى زهوٍ حدّثيني
عن ذبولِها وهل بها مرَّ ذبولٌ ؟
هل صفعتْها أكفُّ جدبٍ ؟
هل أتت عليها يدٌ غريبة ؟
هل غادرها طلٌّ ؟
حدّثيني
عن زمنِ العنفوانِ
وعن زمنِ الاشتياقِ
عن زمنِ اللذةِ
وعن الليلِ وأحاديثِه
عن التجوالِ في أروقةِ المدينة
عن الماءِ ورغبةِ الشطآن
عن المويجاتِ
اللاتي كنّا بهنَّ نتغزّلُ وهنَّ يتغنجْنَ في مسيرِهنَّ الوئيدِ
عن الصيفِ وسهرِ النجومِ في أعماقِ محيطاتٍ سماويةٍ
حدّثيني
عن الزوارقِ التي كانت
تحملُ الهمسَ الذي نحو الشواطيءِ نُرسلُه
عن تلك الأشجارِ
وقد أخفتْ ظلالَنا
أو التي سترتْ أجسادَنا
عن عيونِ الرقيبِ
في زمنِ القبلاتِ
حدّثيني
عن جولاتٍ كنّا نقضيها في الخفاءِ
عن عودةٍ
لذاك الفارسِ الذي انتظرتِ طلّتَهُ دهراً
وعن تلك الحوريةِ التي كنتُ انتظرتُها دهراً مماثلاً
حدّثيني
ففي هذه المنافي سيطولُ بي المقام
لن نلتقيَ ربما
لن نلتقيَ بعد الآن
لكنني سأفتحُ لكِ وجهَ النّهار
وأفتحُ لك أبوابَ النهار
وأبوابَ المساء
وأقولُ لك اُدخلي مِن هذه البابِ
أو مِن تلك الفُرْجةِ
أو مِن وجهِ السّماء
وحدّثيني
فالسنواتُ التي هدّمتني كانت عجافاً
السنواتُ العجافُ كانت زمناً أقبلَ وأدبرَ
وسيقبلُ زمنٌ مثله
حدّثيني
عن ماضٍ كبرت فيه الجفوةُ
وطالت فيه الغفوةُ
وتسيدّ الظلامُ
أنا سأفتحُ لك صناديقي
سأنثرُها بين يديك
سأنثرُ أحزاني
وأنثرُ آلامي
وحسرتي وهيامي وكلَّ أشواقي
حدّثيني
فأنا مازلتُ في أعتى رغبةٍ فيك
وبين يديكِ سأنثرُ لؤلؤَ البدايةِ
وأعزفُ على قيثارتي لحنَ النّهايةِ
وبين يديكِ أضعُ الفيروزَ
والياقوتَ
والحجرَ الكريمَ
وبين يديكِ
أذرفُ دمعةَ الغريبِ
وأسكبُ لوعةَ المُفارق
وأدعوكِ إلى مائدةِ المساء
أدعوكِ إلى جولةٍ غريبة
إلى جولةٍ في عمقِ السماء

17 ـ 11 ـ 2009 برلين

***
50 ـ الغادرون
***

قبل مجيءِ الغزاةِ
كان المنافقون للديكتاتور يهتفونَ
للديكتاتور يصفقونَ
ويطلقون أصواتَ الولاء
حين وقفَ الغزاةُ على مشارفِ العراق
مِن جهةِ الصحراء
صمتَ المنافقون وانتظروا
وصارت رؤوسُهم تدور
تارةً صوب الحدودِ
وتارةً نحو الديكتاتور
حتى إذا ما دخلَ الغزاةُ أرضَ العراق
أولوا ظهورَهم للحاكمِ
وأعطوا وجوهَهم للأمريكان الغزاة
حين دخلَ الغزاةُ بغداد
كان المنافقون
في حلٍّ مِن الدّفاعِ عنها
في حلٍّ مِن القتالِ
وكانوا في حلِّ مِن دعمِ الديكتاتور
كان المنافقون قرودَ الزّمانِ
لا يؤتمنون
كان المنافقون
و كان الانتهازيون

17 ـ 11 ـ 2009 برلين


***
51 ـ أحاديث الروح

***

1 ـ رواية

سأروي لكم عن سرِّ دهشتي
وربما عن أسرارِ الصمتِ القادم
لكنني سأكتفي هذه المرّةَ
بسرِّ الدّهشةِ حيث
إلى صالةِ الرّقصِ دخلَ البحرُ
تحملُهُ فاتنةٌ قيل فيما بعد إنّها مِن ركّابِ باخرةٍ غرقتْ مقابلَ سواحلِ اليونان في نهاياتِ القرنِ العشرين وقيل إنّها مِن أرضِ السّوادِ ، جاءتْ تشاركُ في مسابقةٍ لملكاتِ الجمالِ فغرقتْ مع مَنْ غرقوا لكنها عاشرتْ الأعماقَ .
البحرُ ملأ الصالةَ
والصالةُ بالبحرِ احتفت
رقصتْ معه رقصةً همجيةً
فيما الفاتنةُ تلوّحُ لأولِ السّفنِ العابرة
***
2 ـ عجائب

نقفُ أمامَ الأهراماتِ
لا كما نقفُ أمامَ دارِ الأوبرا في برلين
فالأمرُ مُختلفٌ هنا
يسلبُ ألبابَنا عملٌ خارقٌ للعبيد
نسمعُ صياحَهم
وأصواتَ السّياطِ التي تلهبُ ظهورَهم
نرى أسرى الحروبِ يُساقون للحَفْرِ والبناء
ويتساقطون مِن شدّةِ الوهنِ
وفي هاجرةِ النّهارِ
يؤسسون مجدَ فرعون
هكذا هي دائماً عجائبُ الدُّنيا
لا تقومُ إلاّ على أجسادِ الضحايا
هكذا نحن دائماً نشمُّ رائحةَ العرقِ
ونسمعُ صراخَ العبيد
**
في دارِ الأوبرا
تأتي النساءُ
يُكملْنَ مشهدَ ما بعد الخاتمة
في المشهدِ
لا يظهرُ مِن الأهراماتِ شيءٌ
سوى العتلاتِ
وبعضُ العبيدِ
وثيابُ الضحايا مِن أسرى الحروبِ

18 ـ 11 ـ 2009 برلين
***
52 ـ غجر و مطر
***

في المساءِ تجرأَ علينا المطر
وكان العراءُ بنا يحتمي
في المساءِ غسلَ أجسادَنا المطرُ
وغسلْنا جسدَ العراءِ
في المساءِ لم أكن وحيداً
يحطبُ صدرَ المدى
فبضعُ عاهراتٍ في الجوارِ ضللْنَ الطريقَ وجماعةٌ مِن غجر
ننتظرُ حافلةً تأتي مِن بعيد
ونناجي ليلاً انطفأتْ نجومُهُ
واعتزلَ قمرُهُ أُبّهةَ السماء
في المساء
يختلُّ ميزانُ الأشياء

18 ـ 11 ـ 2009 برلين

***
53 ـ لن تأتي العاصفة
***

في الليلِ
إلى الشارعِ خرجتُ
برلين تغطُّ في سباتٍ عميقٍ
والرّيحُ تقتلعُ المدينةَ
لا هدفَ لي في هذي المتاهةِ
ربّما كنتُ في انتظارِ العاصفة
التي ستأتي بالذئابِ
وقد لا تأتي
فإنْ لم تأتِ
جاءت الحافلة
وستقلّني عن الذئابِ بعيداً

18 ـ 11 ـ 2009 برلين
***
54 ـ مصادفات
***


فاتنةٌ مع كلبِها
اعترضتْ طريقي
سألتني قطعةَ نقودٍ
هي لا تدري أنّ محفظتي فارغةٌ
وأنّ كلبَها أوفرُ حظّاً مني
فاتنةٌ تتشهّى ما هو عليَّ محرّمٌ
زجاجةِ بيرة
شريحة خنزير
مُكعّب شوكولا
بضع كراتٍ مِن المُرطبات
وساعة وصالٍ طويلة طويلة
فاتنةٌ وكلبَها
على المارّةِ تقطعُ السبيلَ
وتسألُ مَنْ تشاء
وحين لا تُجاب
تزعلُ ما تشاء
فاتنةٌ خُلقت مثلي للعذاب
***
الرسائلُ في العادة
التي تأتي في البريدِ الالكتروني
تصلُ حاقدة
الرسائلُ التي تأتي مِن أبناء العراق
تأتي غارقةً في النفاق
***
امرأة مِن البعيد لاحت
عبرتْ جسراً
مثلَ بجعةٍ يُدللها الموجُ عبرتْ
امرأةٌ اختطفتْ في هذا النهار
شمسَ تموز
***
فاتنةٌ مثلَ رايةٍ
اقتحمت الميدانَ
فاتنةٌ مطليةٌ بالنور
خفقت في الميدان

12 ـ 07 ـ 2009 برلين

***
55 ـ مرآةٌ لأرضِ السّوادِ
***

ماذا لو صَنَعْنا
بحجمِ العراقِ مرآةً
وأرسلناها عَبْرَ البحرِ
هديةً للعراقيين
وقلنا لهم تمرأوا فيها
ومِن خلالِها
واجهوا أنفسَكم ؟
ماذا لو نصبْنا لهم المرآةَ ؟

22 ـ 09 ـ 2009 برلين
***
56 ـ صوفي أيُّها الكردي النبيل
***

ماذا أقولُ وأنتَ حجرُ القمر
وأغلى مِن حجرٍ كريمٍ
خُذْنا يا هذا عَبْرَ هامِ الجبالِ واقطعْ بنا المسافةَ
خُذْنا كي نبحثَ عن تفاصيلِنا فينا
خُذْنا أيّها الكرديُّ النبيلُ
وبنا ارحلْ نحو مُدنِ الغيمِ
وموطنِ القمرِ
أنتَ تعرفُ عن زمنِ المشقّةِ الكثير
وتعرفُ كيف لا تنتهي بدقائقَ خمس رحلةُ الثّوّار
ولو نفخْنا كلَّ عُلبِ الدّخانِ
ما وصلْنا محطةً
ولا نلْنا مأرباً
أعلينا تتصبّر ولحالِنا ترثي
ثم في سريرتِك تسألُ :
مَنْ وَرّطَ هؤلاء الأعراب المساكين ؟
كرمٌ منك أيُّها الثائرُ ونبلٌ
وصوفيُّ هذا يرعانا فرداً فردا
نحن التائهون في شعابِ الجبال
نحن الآبقون في تلك السماءِ القصيّة
هل وصلْنا أم مازال أمامنا وقتٌ كثير ؟
هل وصلْنا بعد آلافِ العقباتِ ؟
لا لم نصلْ بعد
يُجيبُ مُقتصداً في الكلامِ
فتطيرُ إلى أنوفِنا رائحةُ زهرٍ بريٍّ
تشبه حنينَ النعناعِ
ونسمعُ أصواتَ ذئابٍ
لا نار أزلية لدينا كي نوقدَها ولا ريح
لا نارَ كنارِ الكُردِ نرفعُها في أعلى القمم
خُذْنا يا صوفي وبنا اقطعْ رؤوسَ الجبالِ وزمنَ الثورةِ
نُصْدِقُك القول
فنحن معك نشعرُ بالأمانِ
وأنتَ مِن أمّةٍ كريمةٍ لا تقبلُ عيباً واعوجاجاً
نحن معك يا صوفي لا نهابُ ارتفاعاً
في الليلِ دهمَنا إعصارٌ
ووحوشٌ
وبعضُ رجالٍ مِن الجندرمةِ
مثلنا ضاعوا في الطريقِ نحو السّماء
نحن معك أيُّها المُدججُ بالفراسةِ والمعرفةِ
نقطعُ المسافةَ إلى آخرِ الغيومِ
نأكلُ أكباد الطّيرِ
ونشربُ مِن عيونِ السّحابِ
معك لا نخشى نحن الأعرابَ خطرَ المتاهةِ
وصوفي شاهقٌ كقمةٍ
يتحدّثُ مئاتِ اللغات
نحن نفهمُك أيُّها الجبلُ فتحدّث كما تُريد
أنتَ تقولُ ما في قلوبِنا
أنتَ تقرأُ ما يخرجُ مِن عيونِنا
هذا بلُّوطٌ وذاك نعناعٌ بريٌّ وهناك شقائقُ النّعمان
تلك أزهارُ بابونج تملأُ الأرضَ
وهناك في الأعلى مغارةٌ
نحن نفهمُ فلا تخشَ اللغاتِ
يقولُ احترسوا مِن نهرِ الهيزل
مِن الخابور
مِن ارتكابِ الأغلاطِ في القرى
لا تخفْ يا صوفي نحن مثلكم لا نأتي فعلاً شائناً
ولا نرتكبُ الحماقاتِ
خُذْنا إلى ما بعد الثلجِ
ماذا هنالك
جبالٌ أخرى بعد جبالٍ ؟
نحن معك لا نهابُ الأخطارَ
حرائقُ
موتٌ
غرقٌ
رصاصٌ
وأشياء سوف نتعلّمها بالمجّان
ماذا بعد يا صوفي النبيل ؟
وصلْنا .. قال
خسئتِ الرصاصاتُ التي اخترقتْ جسدَك الطاهرَ
ولُعنَ مُطلقُها



***

****************************************
***
الديوان الحادي عشر
الخراب الأخير
شعر
صبري هاشم

***
1 ـ لسنا وهماً

***

وهناك في أفقٍ تبتّل
قمرٌ يكسو الحانةَ ويأفل
إنْ أردتِ بعد خطوةٍ لقاءً فأنا ساهرٌ على طاولة
ترتشفُ الضوءَ مِن كأسِ السلالةِ وترجف
إنْ أردتِ تعالَي مرّةً
نفترش الجسدَ
ومرّةً نرقص
قبلَ التواريخِ تعالَي
علّنا أصبْنا مِن زهوِها شيئاً
أو خرجْنا بقبضةٍ مِن رماد
أو ربما ببضعِ جمرات
قيل لنا اقبلوا
وقيل لنا انتموا
وقيل لنا اغرفوا مِن الموجِ ما شئتم
ونحن في سعيرِ الدّعواتِ ضللنا السبيل
ونحن قومٌ أعرابٌ لا نعرفُ إلاّ الرحيل
فضللنا
للأمرِ لم نحتط ، ضللنا
لم نتيقظْ وكنّا في عصرِ ما قبل السلالاتِ فضللنا
نحملُ الطينَ القرمزيَّ ومنه نشيّدُ بهاءً
في أصلِ شجرٍ سينمو على صفحةِ ماء
أو سيمضي هباءً
لم نرَ ملوكاً بعد
ولم نسمعْ عن آلهةٍ بعد
فصار يلزمُنا للتنزُّهِ في أرجاءِ أوروك زمنٌ
صار يلزمُنا قدرٌ مِن محنِ
هل ترى معابدَ أُقيمتْ بين أكفِّ أرضٍ بلا أصولٍ
معابدَ ليست للعبادةِ ؟
هل ترى قرىً نثرتْها الطوائفُ مباحةً للغزاة ؟
مَن يَرِثُ زمنَ الإبادةِ ؟
ونحن دُعينا
أبيْنا فضللنا
ثم صرخْنا ونحن في العراءِ فزلزلْنا البريّةَ :
ما أشقى المكانَ يا أهلَ أوروك !
بيوتُكُم بأنفاسِ الطينِ مُثقلةٌ
أو مِن قصبٍ مطعونِ النّوايا
عدّوا معي أسماءَ القادمين مِن الملوك
وضَعوا على أبوابِ الحانةِ التيجانَ
فملوكُنا بلا تيجان
هنا قرىً تبجّحتْ بقاماتٍ لم تنهضْ عن الأرضِ إلاّ قليلاً
هنا قرىً يحكمُها الأقوى منّا
ولسنا ملوكاً أفذاذاً
لسنا شيئاً حين عمدتِ السّلالاتُ على إدراجِنا فيها :
" أريدو "
صالَ فيها " ألُوِلمْ " وجال
ثم صالَ وجار
" أريدو "
يحكمُها " ألَجَارْ "
سُجِّلنا قبلَ الطوفانِ ملوكاً
قالوا في " تبيرا " " انْمِينلُوأنّا "يوزّعُ على السّيّاحِ بطاقاتِ البريد
ويعلنُ ضيافةً لمَن يُريد
وعلى العامّةِ وزّعَ خطوطَ الهاتفِ حتى يتمكنوا مِن معرفةِ أخبارِ أبنائهم الذين هاجروا في أثرِ نبيٍّ شريد . فيما " انمِنْجانالنّا " يُحضِّرُ مائدةَ المساء للإله " دموزي الراعي " القادمِ بالأسرارِ.
إنْ أردتِ نديماً فسوف نسهرُ كلَّ الأسْحار
ونحن قومٌ جوّالون
لم نصحُ مِن سِكْرِنا فضللنا السّبيل
ودخلْنا زمنَ الهذيان :
" تبيرا " على أَسَرّتِكِ نقضي الليلَ وغداً نرحل
حين نسلِّمُ آخرَ الملوكِ أرضاً عذراء
ونحن مازلنا ننتظرُ ولم ندخلِ الطوفانَ
فسَجِّلونا معكم كي ندخلَ الطوفان
ربما استبدلونا بالحمائمِ حين نصيرُ أجنحةَ الماء
ولن نعودَ
لن نعود
فما بعد الطوفانِ سيحذفون وجهاً مِن الصورةِ ويحذفون
ونحن أعرابٌ آثرْنا الرحيلَ
فضللنا
هل علمتم منّا أنَّ من سجايا البطلِ الأسطوريّ
" إتانا الراعي " الإغراءَ ؟
هل علمتم كيف أغوى النسرَ بالتحليقِ في سماء بلا أبواب
خُذْني أيّها الطائرُ العظيمُ لنبتةٍ سحريّةٍ
هناك يحتشدُ حولَها الرعاةُ في مرعى
هناك أيُّها النّسرُ أجدُ امرأةً أخرى
هناك ينمو الماءُ في صدورِ الرّبّات
وتستقرُّ البهجةُ في الأحداقِ
ثم ظلَّ النّسرُ الخجولُ يطير
يطرقُ خجلاً ويومئ :
مولاي هل رأيتَ الأرضَ كم صغرت ؟
صارت كحبّةِ قمحٍ غائرةٍ في تربةِ الحنّاء
تعالَي نتسرَّ
فالطاولةُ مازالت ترتشفُ الضوءَ والقمرُ أصيلُ الطلّةِ وأنا الليلةَ شهوانيُّ النّزعةِ ونحن نُكْثرُ قليلاً مِن الرغباتِ وسنتجاوزُ أبعد ونطلبُ مِن المؤرخِ البابليّ " برحوشا " ألاّ يُجنّدَ سطراً في الوحشةِ حتى لو استقرّت على جبلٍ أُسطوريٍّ تلك الأفلاك .
لم تأتِ كما تأتي الممالكُ ولايةُ كيش
لم تأتِ مدنٌ خرقاء
إنّا راحلون ولن نقيمَ في تلك الأنحاء
لن نبحثَ عن غورٍ في بحرٍ أجاج
فوردتُنا فاح شذاها في باديةٍ مُجاورةٍ
وهذه طوائفُ لا تُؤتمن ونحن قومٌ ضللنا السبيلَ
هذي طوائفُ خُلِقت للغدرِ
فسرجون الآكدي قتَلَهُ بالأختامِ الندمانُ
ثم قالوا انتحرَ الملكُ العظيمُ
كان لقيطاً
كان وضيعاً
كان ساقياً للنفرِ الشاذ أور ـ إلبابا
لم يعرفْ عن فرجِ أمِّهِ غيرَ البذلِ
نحن مِن سلالاتٍ سادرةٍ في العذابِ
نحن نتلّهى بالذّلِّ
وجعلْنا مِن صاحبةِ المبغى " كُوْباو "
أنْ تحكمَنا مئةَ عام
يا لغرابةِ القولِ حين يضيعُ منطقُ الأشياء !
يا لخواءِ الرّوحِ حين نكظمُ الشهوةَ
فتستقرُّ في الأعماقِ
يا لفجورِ الأعماق !
يا للدهشةِ حين نمضي ولم نرثْ مِن مجدِ سرجون شيئاً !
مشينا على جسدِ الأساطيرِ حتى تَهَرّأت تلك الأجسادُ
استنبتناها في حدائقِ الذاكرةِ
ثم استدعيناها نحو أحواضِ سباحتِنا
في الطريقِ كنتُ أتلهّى ـ بلا علمٍ مني ـ بذكرى منها
فرأيتُ آخرَ الشعراءِ يحملُ فانوساً مُغتصباً مِن جوفِ المعبدِ ، يُضيءُ به جسدَ طاووسٍ أهداهُ الليلةَ للإلهةِ عشتار المرأة التي تشرقُ في كلِّ الأحضانِ .. أقصدُ في كلِّ الأحداقِ أيضاً كما تنيرُ الأذهانَ .
تهرأتْ الأساطيرُ
يا أبناءَ الحضاراتِ
فالشعراءُ ـ هذه اللحظة ـ عاطلون عن التفكير
ونحن نستنبتُ شذا وردتِنا في جسدِ البريّةِ
ونحن قومٌ بدوٌ
لا نؤم المكانَ إلاّ لماماً
تلك مضاربُنا فاتتها القطاراتُ
وفوقها مرَّ شبحُ طائرةٍ
ومِن سمائنا عَبَرَ الطائرُ الجريحُ
وعلى تخومِها مرّت عرباتُ الجندِ وحروبُ آشور
ومِن مائنا استقى رجالٌ مِن فارس وآخرون مِن بيزنطة
تَهَرّأتْ في أجسادِنا الأساطيرُ
وبصحبةِ صاحبةِ الحانةِ صرنا نتشدّقُ
وبتنا نتغنّى ـ نحن أسلافُ الأبترِ ومقطوعِ السلالة ـ بامرأةِ المبغى التي ملّكناها
بها نتسرّى وهي تتعفف
لعاهرةٍ أَلّهْناها نتضرعُ وباسمِها نتكنّى
أمّت بنا ذاتَ ليلٍ مخبولٍ في معبدٍ نهريٍّ عاريةَ الجسدِ
فرأيْنا مِن وراء وميضِ العريِّ البهيّ فتنتَها
يا إلهي كم في عيونِنا ازدهرَ الزغبُ الإلهيُّ !
ونحن نتّبعُ إغواءَها في عوالِمَ ذاتَ أغوارٍ سحيقةٍ
ما أخبثَكِ مِن امرأةٍ أفعى احتللتِ شهوةَ الأسطورةِ
سكنتِ خلايا العُشّاقِ ومسحتِ بزيتِ فجورِكِ مساحةَ الزّمانِ !
ما أشهى شفتيك !
وما أرّقَ كلاماً تقولُه عيناك
نحن قومٌ أعرابٌ لا نعرفُ غيرَ احتلابِ النّوقِ وسكنِ البراري
مرَّ علينا الزمنُ الآشوريُّ ثقيلاً
ما أبشعَ تلك الأيام !
أنجبت ملوكاً تفننوا بكلِّ شيءٍ إلاّ الرحمة
وتناسلَ فيهم العارُ كما يتناسلُ على جروحِ ضحاياهم ذبابُ
كان بنو آشور أولَ مَن ابتكرَ المقابرَ الجماعية في التاريخِ اللاإنساني
ومِن " أوشبيا " حتى " آشور بالط الثاني " مروراً بالأبشعِ منهم طرّاً آشور ناصر بال ، لم يتركوا لنا في أبوابِ الرحمةِ أثراً .
ونحن الأعرابَ سكّان الخيامِ في " قيدار " لم نشتركْ في ثورةِ بابل
لكن وِضِعْنا فيها وَضْعاً
لم نوالِ حاكمَها " شمش ـ شم ـ أوكن "
الأخ الأصغر أو الأكبر
الشقيق أو غير الشقيقِ لآشور بانيبال
إنما حُشِرْنا في الأمرِ حشراً
فتفتق ذهنُ الملكِ السفّاحِ على تعذيبِنا
فعذّبَنا وباعَنا النّخّاسُ في سوقِ النخاسة
تلك مملكةٌ نجاسة
دعونا نتوقّفْ عند نهرِ الكلبِ وننحت
على أحجارِهِ ننحتُ خاطرةً عجيبةً عن مرورِنا المُريبِ
تماماً .. تماماً كما يفعلُ قادةُ الحملاتِ العسكريةِ وبعضُ الملوك
دعونا نتهيأْ حتى يأتي للصيدِِ الأخمينيون
فبابلُ لم تعُد في أيامِ نبونهيد قادرةً على المُطاولةِ
بابلُ قد نضجتْ
ثمة قمرٌ في الأفقِ
والحانةُ أكرمت منّا رجالاً
وقرّبت نحو الشفاهِ أكؤسَها وثملْنا
فيما الملكُ الفارسيُّ كورش الأول يتحرّشُ ـ إبّان حملتِهِ الكبرى على بابل ـ بنهرِ الجندز
استاءَ النهرُ
غضبَ النهرُ
فأغرقَ للملكِ أفراساً بيضاً مُقدّسةً
يا للنهرِ المسكين !
يا للنهرِ البائسِ !
ستخورُ قواك
وتملأُ أنفَك أيُّها النهرُ رائحةُ الطين
يا للماءِ الذي لا يعرفُ وهجَ القادةِ مِن وقفةٍ فوق الجرفِ
انتزعَ كورشُ أحشاءَ النّهرِ وصيّرَهُ للنسوةٍ أُضحوكةً
ثم بددهُ فكان للصبيانِ نزهةً
وصار المجرى الثائرُ مجارٍ
وصار الفراتُ يباباً
سقطت بابلُ
برغبةِ الإلهِ البابلي مردوخ
هذا ما زعمه كورشُ كما زعمَ مِن بعده جورج دبليو بوش
إنَّ الرّبَّ أوعز له قيادةَ حملةٍ على بغداد
قُتلَ نبونيدوس
وكفَّ المسبيون عن البكاء
حين كفَّ عن التدفِّقِ ماء
بركتْ في الطريقِ نوقُنا حين تركْنا أوروك
ونفضْنا عن ثيابِنا غبارَ الأساطير
نحن في الطريقِ نحو دهشةِ القمر
نحاولُ أنْ نكسبَ من الوقتِ الكثيرَ
نحاولُ أنْ نزهرَ في الفيافي
وحول الحانةِ
وفي هالةِ القمرِ
نحاولُ أنْ نرى في الأفقِ المُبْتَلِّ صولةَ الفارسِ العظيم
ابنِ السيدة " أولمبياس " الفتى الاسكندر
هل جاء سراباً على ظهرِ فرسٍ تسبق الرّيحَ ؟
هل جاء يُحطِّمُ كتائبَ " دارا " كتيبةً إثر كتيبة ؟
هل صهلت الخيولُ فزعاً وفرَّ " دارا " كالجرذِ مذعوراً مُخلِّفاً للأعداء نسوةً وغلمان وكنوزاً ؟
نحاولُ أنْ نلتقيَ جوليان الفاتكَ
ما أجملَ أنْ تتعرّى نسوةٌ في بابلَ بعد سكرةٍ !
ما أشهى تلك الأفخاذ !
جوليان هذي بابل فخُذْ وطراً منها كالقادة
جوليان ليس الوقتُ وقتَ هذيان
هذا وقتُ صراعٍ كالعادة
لكن جوليان
لكن لكن جوليان
ضربَ لنا مثلاً عن الجدلِ البيزنطي وراح
لكن جوليان لم يحسمْ في الجدلِ العقيمِ أمراً عن طبيعةِ الرّوحِ
لكن جوليان غادرَ الميدان
والأفقُ تبدّل
والقمرُ لم يكسُ الحانةَ وصار يأفل
ونحن تركْنا أوروك
وغادرْنا زمنَ الأسطورة


2 ـ 1 ـ 2010 برلين

***
2 ـ
***
3 ـ دعوة للعابر
***

أيها القطارُ العابرُ فوق أكتافِ المدينة
توقّف في محطّاتي

4 ـ 12 ـ 2009 برلين
***
4 ـ أزمنة الحافلة
***

في الحافلةِ يتجاورُ القادمُ والغاربُ
عربةُ طفلٍ
وكرسيّ شيخٍ هرمٍ
في الحافلةِ التي تنقلُ كلَّ الركّاب

8 ـ 12 ـ 2009 برلين
***
5 ـ سفر الغربان
***

إلى مطارِ تيغل تأتي الغربانُ
دائماً تأتي كالمسافرين
وعلى بضعِ أشجارٍ عاريةٍ تتجمعُ
كما يتجمعُ على جسدِ المطارِ الراحلون
لا بقاءَ لأحدٍ في هذا الفضاء
تطيرُ الغربانُ بعيداً
في مخالبِها تحملُ شجراً عارياً
بعيداً تطيرُ الطائراتُ
على جسدِها تحملُ خربشاتِ أرواحِنا
تطيرُ الفضاءاتُ
ترحلُ بعيداً غيومُ الله
والسحبُ الداكنة تأتي
كما تأتي إلى مطارِ تيغل الغربانُ
وتأتي الفاتناتُ مِن كلِّ مكانٍ
وتأتي الطائراتُ
وكلُّ الأطيار

8 ـ 12 ـ 2009 برلين
***
6 ـ عزلة زاهد
***

وقبل واحةِ الجندل
ألفيتُ نفسي خارجياً
فدعوتُ أبا موسى
ثم ابنَ العاص
للمبارزةِ فلم يقبلا دعوتي
قيل إنَّ الأشعريَّ علويُّ الهوى
وقيل على عليٍّ لم يكن راضياً
والله أعلم
فحين يُسفكُ دمٌ
أو تُزهقُ روحٌ
يعتزلُ الجماعةَ
ويظلُّ الليلَ يبكي ويصلّي
كنتُ خارجياً
حين نادى المُنادي
مِن الجهةِ الأخرى :
علينا فاقبلْ
وكنتُ عنهم في المُنتأى

9 ـ 12 ـ 2009 برلين
***
7 ـ إلى عدن لا يأتي السفر
***

في عدن ترفضُنا السفينة
والطيورُ العابرة
فيما البحرُ
يُدحرجُ نحونا موجاً مُسافراً
عليه اطلعوا
بنا يهتفُ البحرُ
لكي نجوبَ البلدانَ
نرقبُ المدى الذي تُفزِعُنا زرقتُه
ونتقهقر
في عدن نلوذُ مِن حيرتِنا بالحسراتِ

11 ـ 12 ـ 2009 برلين
***
8 ـ سماء آمنة
***

إلى حِمانا لا تأتي الشواهينُ
وفي سمانا لا تطيرُ
نتوددُ للحمامِ الآبقِ :
ها نحن أهلُك الأُول
أيّها الزاجلُ
فتقدّم

11 ـ 12 ـ 2009 برلين

***
9 ـ المرأة الأفعى
***

احذرْ مِن عاهرةٍ اعتلتْ منبرَ شاعرة
مِن فاجرةٍ ارتدتْ ثوبَ طاهرة
احذر .. احذر
مِن امرأةٍ غادرة
لا تعرفُ غيرَ فريةٍ ونميمةٍ وليلةٍ عابرة
احذر .. احذر
مِن امرأةٍ ركبت سكّةَ خاسرة
مِن امرأةٍ تطعنُ في الخاصرة

16 ـ 12 ـ 2009 برلين
***
10 ـ في عدن
***

في عدن كنّا نتوسلُ البَحْرَ
وفي حضرتِهِ نبكي :
ارحمْنا يا شيخَ القوافلِ وإلى آخر الموانئ خُذْنا
بنا لم يأبه البحرُ
عنّا نأى
ولم يقل للمُتعبينَ سلاماً
في عدن
اعتدْنا ذلَّ المنافي
وعرفْنا دمعةَ الغريب

16 ـ 12 ـ 2009 برلين
***
11 ـ خلاء
***

في الجوارِ غاباتٌ مِن الزيزفون
وأحلامٌ عابرةٌ لرجال
اختطفوا سماء برلين
في ليلةِ صيف
في الجوارِ مدىً سكنهُ الغرباء
وطافوا في شعابِهِ
دون أنْ يحتجَّ على امتثالِهِ قسراً

16 ـ 12 ـ 2009 برلين
***
12 ـ ليل الوجوه
***

جيوشٌ مِن الصداقاتِ
تبددت في ليلِ الغابةِ
وانطفأتْ وجوهُها


17 ـ 12 ـ 2009 برلين
***
13 ـ امرأة ومطر
***

نزلت امرأةُ المطرِ
وابتهجْنا كثيراً
فامرأةُ المطرِ غالباً ما تحجمُ عن المجئ
نادراً ما تحتجب
وعادةً ما تتلوّى ثم تراقصُ الرِّيحَ
هي امرأةُ المطر
سيدةُ السّيولِ
مرضعةُ البحارِ
هي التي لا تأتي كما نُريد

17 ـ 12 ـ 2009 برلين
***
14 ـ رغبة الثلج
***

عابَثَنا الثلجُ
رشقَ بالصمتِ دائرةَ الهواء
فامتثلْنا لرغبتِهِ العابرة
كنّا نزهرُ في الشرفاتِ
كأجسادٍ منحت عطرَها للبردِ
عابثَنا الثلجُ
لبسَ طقمَهُ الشهوانيَّ
ونحونا تقدّم
كانت بنا حاجةٌ له

17 ـ 12 ـ 2009 برلين

***
15 ـ المقبرة الفرنسية
***

في المقبرةِ الفرنسيةِ
يحتلُّ بريشت قنينةُ الرَّمادِ مع هيلينا فايغنر Helene Weigner
زاويةً مُهمَلةً
في الجهةِ الأخرى يرقدُ عوني كرّومي
ما بينهما يفصلُ جدارٌ واطئٌ
لو أرادتِ الريِّحُ لكنستْهُ
منذُ الحربِ الثانيةِ بريشت يحملُ نصّاً هزلياً
كان مخبوءاً في ذاكرةِ الرّمادِ
وكرّومي يملكُ رؤيا في الإخراجِ
لو اضمحلَّ بينهما الجدارُ
لو تواجها الرجلانِ لاتفقا
لو تحاورا لأنتجا في المقبرةِ مسرحاً عظيماً
هناك وحيثُ ينامُ الرّجلان
هناك حيث يرقدان بسلامِ
هناك حيث يسعدُ الأمواتُ بحياةٍ أخرى
هناك .. هناك هناك هناك هناك
في المقبرةِ الفرنسيةِ
يرقدُ الغريبُ عوني كرّومي

17 ـ 12 ـ 2009 برلين

***
16 ـ وردةٌ لأرضٍ بعيدة
***

نهرٌ طاهرٌ لهذا الوطنِ المُتشكِّلِ مِن دم
أشجارٌ بيضٌ تزهرُ في أرضِ السّوادِ
حيث لم يحدثْنا التاريخُ
عن وردةٍ نبتتْ في عاصفة
فرحٌ لتلك الوجوهِ العابسة

17 ـ 12 ـ 2009 برلين

***
17 ـ شهوة الثلج
***

برلين
تلك شهوةُ الأمسِ بين حطامِ المرايا
تُريدين ؟
خُذي فما أعظمَ الرغباتِ
وما أيسرَ خساراتي !
هنا تتغنجُ اللحظةُ كالصبايا
كامرأةٍ تحتلُّ صدارةَ المكانِ
كشمعةٍ تشرقُ في آخرِ الليلِ
فوق رأسِ عازفةِ بيانو
تُريدين ؟
ماذا ؟
وأنا لا أملكُ زمناً في هذا الغروبِ
لا وقتَ لي لك ينحني
ولا أعرفُ غصناً نضراً
يحملُ وردتي الباهرةَ
ابتعدُ عنك أكثر
في ديجورٍ آخر
لا زمنَ لي وقد قطعتُ عتمةَ غاباتٍ
تُريدين ؟
ماذا ؟
وبرلين شهوةُ الثلجِ
تسافرُ معي في رحلةِ العمرِ كما
يسافرُ تاجُ المنايا
تُريدين ؟
ماذا ؟
هجرتني الأناشيدُ وأنغامي الحزينةُ
فارقصي على بقاياي إنْ شئتِ
تُريدين ؟
ماذا ؟
وأنا كأسٌ ما أُعدِّت لشاربٍ
ولم يطرقْ بوحَها الساقي
تُريدين ؟
برلين لم تخطرْ في القوافلِ حين تمرُّ ثقالاً
ولم تلهثْ بسربِ طيور

18 ـ 12 ـ 2009 برلين
***
18 ـ وردة الجنون
***

وردةٌ أخرى ويجنُّ الليلُ
وردةٌ أخرى لجسدِ الحديقة
وردةٌ أخرى ويبتهجُ الماء
وردةٌ أخرى لآخرِ الغصونِ
الليلة
الليلة
***
زهرةٌ واحدةٌ وتنتعشُ الصالةُ
قطرةُ عطرٍ لامرأةِ الحفلِ
قطرةٌ واحدةٌ مِن زجاجةٍ فاجرة
وسيدبُّ في الجسدِ المُتهتك
موجُ الرقصِ
زهرةٌ لسكرةِ الليلة
قطرةُ عطرٍ للشهوةِ
الليلة
الليلة
***
كلُّ ظلامِ النفوسِ يصعدُ
نحو ثريّاتِ عيدِ الميلادِ
الليلة
وتبتهجُ الشموعُ التي أضاءت الليلَ
الليلة
بردٌ لزهرةِ العيد
يدٌ لصدرِ فاتنةٍ
الليلة
الليلة

18 ـ 12 ـ 2009 برلين

***
19 ـ سمر
***

سمرٌ في الدّيارِ
وصوتٌ قصيٌّ يتغنّى بمدينةٍ يُطوِّقُها السهرُ
قمرٌ يضيءُ المكانَ
مِن منزلِ ربّةِ الطّهرِ حتى ماخورِ الجنِّ
قمرٌ عاشقٌ يجهشُ فوقَ أسطحٍ أَثْمَلَها الشبقُ
لن تنامَ المدينةُ
الليلةَ لن يكفَّ الماءُ
يفضحُ صدورَ إناثٍ لعبْنَ بوردةِ الليلِ ردحاً مِن الوقتِ
سمرٌ وندمانُ
وأنغامٌ تسري في جسدٍ نضرِ الهمسِ

30 ـ 12 ـ 2009 برلين
***
20 ـ أقيموا الليلة
***
على تخومِ صحرائكم هل مرّت أميرةُ الجمالِ ؟
ألقت عصا ترحالِها وعاقرت مِن الخمرةِ عصارةَ الرّوح
فما تشتهي الليلةَ
غيرَ وجوهٍ أحببتَها
أقامت في ذاكرةٍ غريبةٍ
وتاخمت عظمةَ الجسدِ
وأنتَ لا تشتهي مع كأسِك اليتيمة
غيرَ همسٍ شفيفٍ
فيما قارّةٌ مِن كلامٍ تصطخبُ
في صدورٍ صامتة
أقيموا في غاباتٍ عاريةٍ
في برارٍ بكم تحتفي
أقيموا في كياني

31 ـ 12 ـ 2009 برلين

***
21 ـ لينوكس
***

ها نحن أمام بواباتِ الرّيحِ
ننتظرُ فارساً يأتي مِن رقصةٍ سماويةٍ
ها نحن على أعتابِ العامِ
في اللحظاتِ الأكثر حرجاً
في ساعةٍ أخيرةٍ
انقضى معظمُها كأنه الهباءُ
ها نحن أمام حرابِ الأسئلة
هل يأتي مع العاصفة ؟
يهبطُ مِن ذيلِ سحابةٍ آفلة ؟
ها نحنُ ننتظرُ القادمَ مِن القفارِ
الساعةُ امتدادٌ لساعةٍ مِن ذاك العام
الساعةُ تجهدُ
وأنتَ تختلسُ لحظةَ اللقاء
موعدُنا الآن فلتأتِ
أخرجْ مِن أجمةِ الثلجِ
مِن الشبّاك فادخلْ
مِن بابِ روحي المواربِ
الساعةُ امتداد العام
وأنتَ هل آثرتَ المكوثَ هناك في المقهى الدافئ ؟
في الرحمِ الآمنِ ؟
فلتأتِ ولتخض معنا
هذي الحروبَ التي لا تنتهي

31 ـ 12 ـ 2009 / 1 ـ 1 ـ 2010 برلين

***
22 ـ مازلنا في المحطّة
***

الساعاتُ ترثُنا ومنها شيئاً ما ورثْنا
ما حصدْنا منها غيرَ انتظارٍ قلقٍ
اللحظاتُ ـ التي قطعتْنا كالسيفِ
والتي قطعْناها مثلَ قطاراتٍ عابرةٍ مُتْعَبة ـ تهاوت
اللحظاتُ التي ما توقّفت في الطريقِ
قطعتْنا ونحن مازلنا في الانتظارِ

1 ـ 1 ـ 2010 برلين

***
23 ـ ولادة
***

أتيتَ ؟
جميلاً
ومهيباً كنتَ

1 ـ 1 ـ 2010 برلين

***
24 ـ أول السحر
***

تأملتُ العتمةَ
وقررتُ
أنْ أُرتِّبَ هذياني
فالسحرُ الفاجرُ
نحوي يسعى
وهو لا يؤمِن بالنومِ الآمن
والليلُ الآسرُ
يبحثُ عن جسدٍ طاغٍ بالشهوة
وعن بضعِ كؤوسٍ
تُملأ نصفاً وتُفرغُ نصفاً
عن خلوةٍ يسودُ فيها الريقُ
ويعلو الهمسُ
وتشهقُ في الآخرِ ذروة
تأملتُ العتمةَ
واخترتُ
لجسدِ الفجرِ
نشقةَ عطرٍ
مِن نشقة

4 ـ 1 ـ 2010 برلين

***
25 ـ توسُّل
***

لا تنزعي عني
مئزرَ الحشمةِ
ولا ترمي مِن عليك
ورقَ التوتِ

7 ـ 1 ـ 2010 برلين
***
26 ـ تنبيه الخليل
***

إنْ أردتِ
يا شقيقةَ روحي
أنْ تعيشي بسلام
أُشْطبي ذاكرتي
واتركيني في هيام
إنْ أردتِ
يا نصفيَ الأجمل
الدخولَ إلى عالمي
فلا تبلغي مني
أرضَ خرابي
يا جميلتي
اعتصمي برفيفِ روحي
فهو مُنقذكِ مِن الضياعِ
ولا تجعلي نافذةَ الصمتِ موصدةً
فمنها نُطلقُ الصراخَ
يا ثاقبةَ نفسي بمخرزِ الكلامِ
توقّفي الليلةَ
في بابِ البوحِ

8 ـ 1 ـ 2010 برلين

***
27 ـ أفذاذ
***

تلك القطاراتُ
الدائمةُ الرّحيلِ
تحملُ أقواماً
كأنهم
إلى ما لا نهايةٍ ماضون

8 ـ 1 ـ 2010 برلين
***
28 ـ أشياء نادرة
***

في السّوقِ
أجلسُ حيثُ يجلسُ شيوخٌ ومرضعاتٌ
ومِن الداخلِ والخارجِ
أتنفسُ روائحَ أقوامٍ شتّى
كما ألتهمُ بعينيَّ سحرَ جمالِ نساءٍ
لم تعرفْ مثلَ فتنتِهنّ الجنانُ
ومِن عطرِهنّ أسقي أرضَ روحي وأزيدُ
ثم أزيدُ
في السّوقِ
نرى كلَّ الأحوالِ
كلَّ الأشكالِ
وكلَّ الأقوامِ
ونرى حتى أحفادَ حضاراتٍ منقرضةٍ
في السوقِ
تمنحُنا السماءُ
لذّةَ الرؤيةِ
ومتعةَ الرؤيا
في السوقِ
نرى العابرين مراراً

12 ـ 1 ـ 2010 برلين

***
29 ـ مُطاردة دائمة
***

1 ـ
يا إلهي
كيف أحتضنُ
مَن تأتي في الرؤيا ؟
كيف أُمسكُ بخيالِ
مَن تسلقتْ روحي ؟

12 ـ 1 ـ 2010 برلين
***
2 ـ
حين اختفتْ
صرتُ أُطاردُ عطرَها

12 ـ 1 ـ 2010 برلين
***
3 ـ
حين ارتسم خيالُها فوق الجدارِ
صار الجدارُ إيقونتي

12 ـ 1 ـ 2010 برلين
***
4 ـ
أعجبُ ما فيها
غموضُ مشيتِها

12 ـ 1 ـ 2010 برلين
***
5 ـ
لا يغرّنك فجورُ ضحكتِها
فالعينُ قالتْ شيئاً مُغايراً

12 ـ 1 ـ 2010 برلين
***
6 ـ
حين أرادتْني
هبطتْ مِن السّماءِ
مثلَ نيزك
وحين لم تردْني
طوتِ السّلّمَ دركةً بعد أخرى

12 ـ 1 ـ 2010 برلين

***
7 ـ
في الشيخوخةِ اكتشفتُ أنني الكائنُ
الذي لم يقُلْ شيئاً بعد
في الشيخوخةِ
مازلتُ طفلاً عابثاً

12 ـ 1 ـ 2010 برلين
***
8 ـ
قفي هنا وتعطّلي يا نفسي
فأنتِ آثرتِ
ألاّ تألفي منفىً
ولا تستوطني غربةً

12 ـ 1 ـ 2010 برلين

***
9 ـ
كان لي في بحرِ البنفسجِ زورقٌ
هبّتْ عليه الرّيحُ فانقلبَ
وكان لي في كلِّ دربٍ زهرةٌ
إنْ عانقتها النفسُ ظلّت تبتهل
فمِن جداريَ المجنونِ أنفذي يا بعضَ عاشقةٍ
وتوسّدي شجني

13 ـ 1 ـ 2010 برلين
***
10 ـ
ظلّتِ الليلَ
مُبحرةً فوق الوسائدِ

13 ـ 1 ـ 2010 برلين
***
11 ـ
فوق الأرائكِ
ظلّت الأجسادُ تلهو
باللقاءاتِ العابرة

13 ـ 1 ـ 2010 برلين
***
12 ـ
حينما أتيتُهُ
كان يُراقصُ في المدى غيمةً

13 ـ 1 ـ 2010 برلين

***
30 ـ حين تعود العاشقة
***

حين على تخومِ الجزيرةِ تُصبحين
تذكّري شجرةَ توتٍ
تُظللُ عينَ ماء
وتُرشدُ الطيرَ الآبقَ
مِن حينٍ إلى حين
وحين بالقربِ مِن شهقةِ المُسافرِ
تصيرين
تَرَجّلي عن صَهْوةٍ عنيدةٍ
وأريحي جواداً جدَّ في المَسير
ثم استريحي
يا أنتِ
يا قافلةً لا تدري إلى أين وجهَ الرّحيلِ
يا موطنَ الأحزانِ
أرخي عنانَ أفراسِكِ الدُّخان
وانفذي مِن بابِ المدينةِ
التي شُرّعت مِن أجلِك
ونحو بيتٍ في حيٍّ هوائيٍّ
توجّهي
وإليه ادلفي
ثم اقذفي على جسدِ النائمِ وردتَك الفاجرة


14 ـ 1 ـ 2010 برلين
***
31 ـ كن دليلاً

***

إنْ مررتِ بصمتِ المقاهي
فنحو الأقربِ منها اسعي
هناك .. هناك
ستجدينني مولعاً بالشموعِ
والعيونِ الضاحكة
إنْ مررتِ يا حبيبتي
بآخرِ الصفوفِ
وبآخرِ الطيوفِ
وآخرِ الضيوفِ
ستعرفين مِن بين الوجوهِ وجهاً
لم يَعُد مثلما كان
وستعرفين نظرةً أخرى
لم تنفذ إليك مِن قبل

15 ـ 1 ـ 2010 برلين

***
32 ـ تقودين بحراً
***

أقْبِلي
أقْبِلي
يا للمسرّةِ !
فأنا أُحرِّض فماً
على أنْ يسكبَ قبلةً
تُطرِّز صدرَ عاشقةٍ
أو تزرع بالزفراتِ أشهى النحورِ
أقْبِلي
أقْبِلي
فأنا أُجَفف
في العَتمةِ رداءَ نجمةٍ آفلة
وأسألُكِ يا أنتِ
كيف سنجمعُ في زجاجةِ عطرٍ
شيئاً مِن فجورِ الكلامِ ؟
ربَّما تَفَجَّرَ في غمرةِ اللثمِ
وسالَ بين يديّ
أو تَبحّرَ فوق يديك
ربما فاضَ لحظةَ وجدٍ
أو هاجَ في سَوْرةِ الشهواتِ
ما أغربَ جنونَك !
كيف سأجمعُ
مِن بريقِ المُقلتين كأساً لسهرةٍ آثمة ؟
منها أرتشفُ ندىً
به أُغري دوحةَ القمرِ
وبها أُبلِلُ زهوَ الطريقِ
كيف أصلُكِ يا أنتِ ؟
ما أجملني !
وأنتِ تُضيئين مِن حولي الكونَ
ومِن بعدكِ موجاً تجرّين ؟
إليَّ تسعين
وأنا أُراقصُ في الذاكرةِ ثوباً
ألقى به ذات مساء
موجُ جسدٍ حبيبٍ
ثم ظلَّ يجوبُ بلادَ الرّقصِ وتاه
فتَلَقَفَتْهُ ذراعُ الرّيحِ وكان المدى يطويه
أقْبِلي
أقْبِلي
يا للنشوةِ الفاتكة !
يا للشبقِ العاري !
أُريد .. ما أرقّني !
أُريد .. ما أعذبَني !
أُريد أنْ أُوسْوسَ في جذرِ عُزلتِكِ ساعةً
أُريد .. آه
يا للزغبِ الزّاهي يُغري الناظرَ !
أنْ أُوشوشَ في رحيقِ سموِّكِ الآن
كيف أُوصلُ بعضَ همسي
أو كلَّ طيشي ؟
وأنتِ بحرٌ يتباطأُ في المجيءِ إليّ
يا للفرحةِ العاتية !
كيف سأحتطبُ مِن على جزيرةِ نهديكِ
عشبةَ العاشقِ ؟
كيف سأحرثُ في سرابِ الجسدِ أرضاً تُساومُ الغيمَ
وأبتني فوقَ ناصيةِ المُلتقى بُرجَ لوعتي ؟
يا للهفةِ !
أقْبِلي
هل أُدَنْدِن
في هذا الخلاءِ المهولِ بواعثَ خيبةٍ ؟
كيف وقد غادرتني الهواتفُ
وكفّت عن الإتيانِ أطياري ؟
أصلُكِ الآن
فاقْبِلي
مزهوةً ومِن بعدك تجرّين البحرَ
والبحرُ مِن هواكِ ينسحرُ
أقْبِلي
وأنتِ إليَّ تقصدين
وفي كلِّ خطوةٍ
انزعي رداءَ السفرِ
ما أشهاكِ !
وأنتِ وردةٌ تتغنّجُ في المسير
ما أشهاني !
أتقلبُ في جمرِ المسافةِ
أقْبِلي
في النزعِ الأخير


16 ـ 1 ـ 2010 برلين

***
33 ـ حضارة
***


تلك قيثارةٌ
جُبلتْ مِن عقوق
فإلى أرضِ العراق
أعيدوها

21 ـ 1 ـ 2010 برلين

***
34 ـ إبداع
***

كأنَّ الآلهةَ
تستيقظُ على همسِ طلٍّ
يتساقطُ مِن بين شفاهِ نسوةٍ
تفيضُ بهنَّ شهوةُ
الجسدِ عن طبقِ اللذّةِ
نسوةٌ سماوياتٌ
قادماتٌ مِن أقصى الفراديسِ
إلى بيوتٍ ترعى في جسدِ البريّةِ
كأنّ الماءَ يتطهّرُ بهنَّ
ويصلّي على هضابِ أجسادِهنّ النافرات
يمنحهنَّ الندى هالاتٍ
حتى تُضيءَ كُرومهنَّ المُسكرات
فيسحرْنَ نجماً عاشقاً
ويُخجلْنَ الأقمارَ
تلك الشموعُ في العتمةِ فاجرات
يقبضْنَ الليلَ بدفيءِ الصدورِ
ما أعجبَهنَّ الليلة !
أمامي الماءُ ونهودٌ تُزقزقُ تحت الأنظارِ
ما أطهر يدَ الله !
تُكوِّرُ تلك الانحناءاتِ
وتُبلّورُ الضفافَ
في أمكنةِ الجسدِ الباهر
ما أجملَ الشواطئَ
حين يعصفُ بها موجٌ بشريٌّ !

24 ـ 1 ـ 2010 برلين
***
35 ـ صورة أخرى
***

عند الجرفِ
سأرعى شجرةَ غارٍ
ومِن تحتها
سأهمسُ للماءِ بصوتٍ عذبٍ فاجر :
أيُّها الماءُ أرشقْ وجهَ الضحى
ففي السماءِ طائفةٌ مِن أطيار
وأسرابٌ مُهاجرةٌ للسنونو
ربما بظلالِها وشمتْ جسدَ اللحظةِ
واغتصبت أنفاسَ الغار
وأنا كيف سأدعو الطيرَ إلى وليمةٍ
أُقيمُها الآن
عند الجُرفِ ؟

25 ـ 1 ـ 2010 برلين

***
36 ـ زمن البغايا
***

هناك
في مدينتي الأولى
التي لا تُشبهُ كلَّ المُدنِ
هناك
في حاضنتي الأولى
هناك .. هناك
حيثُ يهيلُ الزمانُ رمالَهُ على نساءٍ
وجدْنَ متاعاً في مَبْغى
تركْنا كثيراً مِن حسراتٍ
وقليلاً مِن ذكريات
هناك
حيثُ تتفتقُ فحولةُ الرّجالِ
وبذورُ مَن لم تخصبْ بعد أرضُ كرومِهم
تجتمعُ البغايا
في بيوتٍ آيلةٍ للزوالِ
تحرسُها شرطةٌ
يسيلُ لُعابُها للشهوةِ والرشوة
هناك
خلف ذلك الزمنِ الممزوجِ بوهمِ اللذّةِ أحياناً
المُعفّرِ بالذلِّ والمهانةِ
تقيمُ نسوةٌ
يحلمْنَ بعائلةٍ مِن زوجٍ وعيال
فصيّرهنَّ الربُّ بغايا
هناك
حيثُ تتشابهُ المُدنُ في السلوكِ البشريِّ
سفحْنا أجنةً فوق الأسرةِ المستباحةِ لكلِّ طالبٍ
هناك هناك
مثلما هنا وفي كلِّ مكانٍ
تقيمُ اللواتي كنَّ إلى الأمسِ آنساتٍ
أو سيداتٍ
فقيل : هنا تقيمُ العاهرات
فيما تقطنُ العاهراتُ الحقيقياتُ قصوراً شامخةً
إليهنَّ يُشيرون : تلك جنانُ المُحصّنات
هناك
خلف سكنِ البغايا يجثو مسجدٌ
يؤمُه المؤمنون
ومَن جدَّ في العبادةِ
ثم مَن ادعى
هناك
في صدرِ المبغى يشمخُ جامعٌ ومآذنُ وقبابٌ مثلما
تصهلُ بأمانٍ كنيسةٌ للسريان
يرتادُها في الآحادِ ربٌّ
لا يرى ما صنعت
بسكّانِ الحجراتِ الرطبةِ يداه
حيثُ تنفلتُ النطفةُ إلى أقصاها
في أرحامِ نسوةٍ
كنَّ أجملَ مِن حورِ العينِ
وأشهى
مِن كلِّ لابدةٍ وراء حجابِ
هناك
حيثُ تقيمُ الأجسادُ العاريةُ
إلاّ مِن قطعِ قماشٍ صغيرةٍ مُطرزةٍ بالدانتيلا
يقضي بعضُ الآلهةِ وطراً في التسبيحِ
ووطراً مِن زواجِ المتعةِ
هناك هناك
حيث تقيمُ الأرواحُ الخاويةُ
الخائفةُ المُتشبثةُ بأملٍ واهنٍ
يأتي أو قد لا يأتي
بعد طولِ انتظار
هناك تقيمُ ما أُصطلحَ على تسميتِهنَّ بالساقطات
فيما الساقطاتُ يقمْنّ في بروجٍ عاجيةٍ
هناك
هناك
هناك
تقنطُ الجميلاتُ
وينقطعُ في مداهنَّ خيطُ الرّجاء
هناك
هناك
اللعنة على المجتمعات
تقيمُ في الظلامِ
نسوةٌ مظلومات

27 ـ 1 ـ 2010 برلين

***
37 ـ مُشعلات الحرائق
***
هنَّ
بالأنينِ ورنينِ الخلاخلِ
يُسوِّرْنَ الليلَ
ويطعمْنَ الكؤوسَ همسَ الشفاهِ
هنَّ
حين يُصِبْنَ لذّةً
يُطْفِئنَ الأقمارَ
ويُشعلْنَ الأجسادَ
هنَّ
يمشيْنَ إلى الأسْحارِ
بثيابِ السِّحْرِ
وأفعى الساحرِ
هنَّ
ما أجملَهنَّ !

28 ـ 1 ـ 2010 برلين

***
38 ـ خطوات القمر

***
1 ـ
لو طرقتَ باباً
ولم ترد عليك بابٌ
ستقول
ربما راح صاحبُها
إلى حيثُ لا تُطرقُ عليه بابٌ

28 ـ 1 ـ 2010 برلين

***

2 ـ
لو نسجتَ لي مِن خيوطِ الزمانِ
كلَّ ثيابِ الكونِ
لما استبدلتُ بالسترِ عرياً

28 ـ 1 ـ 2010 برلين

***
3 ـ
لو شربتَ كلَّ خموري
وحطّمتَ كلَّ كؤوسي
لما أخرجتني مِن سكرتي

28 ـ 1 ـ 2010 برلين

***
4 ـ
لو دخلتِ سريري مرّةً
لما فكّرتِ بالرّحيل

28 ـ 1 ـ 2010 برلين

***
5 ـ
لو بقيتَ أبد الدّهرِ
تُجهضُ أحلامي
ما فنيت
28 ـ 1 ـ 2010 برلين

***
6 ـ
لو أعلمُ بما في صندوقِها الأثريّ
لحددتُ في خمائلها
مجرى النسيمِ
واتبعتُ خطاها
آه لو أعرفُ تقلُباتِ هواها
آه

28 ـ 1 ـ 2010 برلين
***
7 ـ
لو كنتُ قمراً
أينما يممتِ وجهَك
أنا في انتظارِك

28 ـ 1 ـ 2010 برلين
***
8 ـ
لو عبثت بفستانِك ريحٌ
واستبدَّ بها غضبٌ
فمِن أولِ بابٍ فيها
ادخليها

29 ـ 1 ـ 2010 برلين

***
39 ـ الكمنجة
***
هي الكمنجةُ العذراء
ما رأيتَ
فخُذْها وبها ارتقِ جبلاً
أو بها فاصعد قمّةَ الثلجِ
وإنْ أردتَ فانثرْ على أديمِ صامتةٍ
بعضاً مِن وردِك الليليّ
هي الكمنجةُ العذراءُ فاعلمْ
أيها المجنون
إنْ شئتَ تأخذُها
خُذْها وناغِها
وحين في حزنٍ تُهدْهدُها
تأتيك عاريةً
نجمةُ الصبحِ
هي الكمنجةُ
التي أطربت أعماقَ نفسٍ
ما كفّتْ مُناجاةً
خُذْها وبها اطلعْ زمناً
بعيداً
وحيداً
كالراعي المجنون
يعصف في المدى نايه

29 ـ 1 ـ 2010 برلين

***
40 ـ مني احترسي

***

هذا أنا
لوزُكِ السحريُّ
أتشهّى
مِن ثغرِ مِشمِشكِ شهداً ونحوكِ
أسعى
فأنزفُ شيئاً مِن حليبٍ فردوسيٍّ
هذا أنا
جارُكِ الأزليُّ
أتشهّى
مِن خابيةِ توتِكِ المكنوزِ سكرةً
هذا أنا
حارسُ الكرمةِ التي
عصرتْ في بطونِ الطيرِ عناقيدَ
ثقلِها الزاهي
ثم زيّنتْ بالطلِّ جسداً
لليلةِ الدخلةِ
هذا أنا
يا جارةَ الأبدِ
أتشهّى
ما في الكأسِ القريبةِ مِن ثمالة
ومِن على منضدةٍ
ظلّت عامرةً بأنفاسِ امرأةٍ غابت
فاجلبيها
هل تعود ؟
ربما أدركتْها خلف الحانةِ نشوةٌ
وعن الوعيِّ ترجّلت
ظامئةٌ هي
ظامئٌ أنا الساعة
أبحثُ عن قطرةِ عرقٍ
تدحرجت مِن على جسدِ زجاجةٍ
خرجت مِن بين ركامِ الثلجِ توّاً
أو تجري في نهرِ صدرِ فاتنةٍ
أوقدت صيفاً
في قبتي النهدين
ظامئٌ أنا يا حبيبتي
أُتابعُ أحلاماً تتدلّى
مِن شرفةٍ في السكنِ المقابلِ
تقتربُ الشرفةُ
وأنتِ نحوي تُبحرين
تُلامسُني الأحلامُ
وأنتِ لنفسيَ تُلامسين
وبين يديّ تشهقُ
وأنتِ فيَّ تشهقين
والليلةَ طيفٌ
مِن سربِ السنونو يزورُكِ
وطيفي الزوّار
يبحثُ في صدرِ عاشقةٍ
عن خمرةِ العاشقِ
هذا أنا
لوزُك الظمآنُ
زائرُكِ الشهيُّ
طيرُكِ البهيُّ
كنزُكِ المكنونُ
فاقبليني

29 ـ 1 ـ 2010 برلين

***
41 ـ الخراب الأخير
***

ما أوحشَ الديوان !
غمرهُ شجنٌ قرمزيٌّ
لفّتهُ صيحةُ فرسٍ
وانطفأتْ فيه بعد عزٍّ نيرانُ كريمة
ما أوحشَ المكان !
هجرهُ الرّفيفُ العذبُ في غرّةِ الصبحِ
كفَّت عن زيارتِه أزياءُ العابرين
ونأتْ أجسادٌ فائضةُ الحسنِ
ما أحلكَ الليل !
هاجَ في بحرِهِ موجٌ
حطّم أحلامَ السفينةِ
وضاعتْ في القرارِ
ما أضيقَ الميدان !
غادرهُ العاشقون
جَحَدَهُ الراقصون
وعافَهُ طيرٌ زاجلٌ
وأنا أُطاردُ ما تبقّى في ذاكرتي
مِن مشاهدِ السفرِ
وأنتِ في رحابِ اليقظةِ تحلمين
كالصبايا تحلمين
بفارسٍ يأتي مِن وراء البحرِ
يخطفُ الشراعَ
ويجلبُ القمرَ
كيف وقد وِئدت الأحلامُ فينا ؟
وأنتِ تغرسين في جسدِ الصحراءِ حجراً
ثم تنتظرين
حتى تكبرَ في عينيك سطوةُ الحجرِ
ما أوحشني !
وأنتِ تناجين نجماً قصياً
يغصُّ برقصةٍ همجيةٍ
تستدرجين فيه فحولةً
نحو ميناء محتْهُ الحروبُ
هل تعلمين
مكمنَ الجمالِ في قافلةِ العشقِ ؟
هل تعلمين
كيف يقيمُ العشقُ في الفيافي ويتزودُ بوردِ الهيامِ ؟
هل تعلمين
عن تيجانٍ مُزينةٍ بأنفاسِ الخيالِ
تُوّجَ بها الحبُّ في يومِ الحبِّ ؟
إنْ علمتِ فاروي مِن قصصِ الدّهرِ ما شئتِ
وامنحي السردَ دفقاً سحرياً وفيراً
حتى يرفلَ بين يديك الكلامُ بثوبِ الغرابةِ
ثم ضعي على قارعةِ الطريقِ أحجارَكِ* الكريمةَ
ابتني سافاً فوق سافٍ
وافرزي منها حجراً
افرزي نيشانَ دليل
ثم عليه اجعلي دمَ القلبِ يسيل
فنحن حين نأتي الغابةَ
نأتي مسالمين
نمشي على رأسِ باديةٍ
نُرممُ فيها تفاصيلَ وخراباً
والغابةُ خيْزُران
تشهدُ على امتدادِنا العاري
تفتحُ نحو البحرِ نوافذَها المهجورةَ
وتستجلبُ المراكبَ
وحين يُستوحشُ الكلامُ
تدعو للرحيل
ما أوحشَ الكلام !

30 ـ 1 ـ 2010 برلين
ـــــــــــــــــــــــــــ
* إشارة إلى رواية فوزية شويش السالم " حجرٌ على حجر "
***

********************************
***
الديوان الثاني عشر
لا تحزني فهذا الجمال أصيل
شعر
صبري هاشم
***
1 ـ قمرٌ في بحري عينيك يسبحُ
***

هل أرقتِ طلَّ الصباحِ
وأتيتِ سافرةَ الرّوحِ
بلا رائحةٍ تُشتهى ؟
هل ملأتِ مِن عرقٍ مُدهشِ اللؤلؤِ
خوابي النبيذِ ؟
هل عمّرتِ مِن رائحةِ جسدِكِ
زجاجةَ عطرٍ ؟
آه .. وقد فعلتِ
وفعلتِ وفعلتِ
وأنا أُرددُ ما اعتملَ في الجائشة :
كم فارسٍ نبيلٍ على يديك يستسلمُ
وأمام شموخِك يتضرعُ
كم لهجتْ بشخصِك مُعجَبةً ألسنُ الفاتناتِ
وأنتِ تنهبين الطريقَ
أيّ الأقدامِ بك تمضي
بين فجورِ ضحىً وخشوعِ ظلالٍ ؟
أنتِ يا امرأة
عطّلتِ حركةَ السيرِ
وأعلنتِ في البلادِ نفيراً
أنتِ جسّمتِ الرؤيةَ
وهيّجتِ كُحلَ العيونِ
فظلّت ترشقُ بعضَها بعضاً
وظلّت تنهمرُ
كم وددتُ أنْ أكونَ بأنفاسِك مُطوّقاً
لو كنتِ بين يديَّ
بكِ أُديرُ دفّةَ السفينةِ
لو انبلجَ الصبحُ
وأنتِ بين ذراعيَّ
تحت كرمةٍ مُثقلةٍ أو تحت نخلةٍ مقمرةٍ
لو داعبَ فخذيك رذاذُ ساقيةٍ
أو حِبابُ ماءِ نافورةٍ
جُنّت لمرأى الزغبِ الشهيّ
آه .. لو
ما ألذَّ الرطبَ المُتصبِّرَ في هذا الوجهِ المُشرقِ !
لو تصاعدَ المدُّ في بحريْ عينيكِ
لو كنتُ عطرَكِ المُتدفقَ بين شلالاتِ الجنانِ
آه .. لو
لكن ما أتعسني
وأنا منك على مسافةِ خطوةٍ !
ما أجملَني وأنا أُناجيكِ !

1 ـ 02 ـ 2010 برلين
***
2 ـ أزهارٌ في الجحيم
***

جحيمي لم تُطْفِئْهُ امرأةٌ
ولا نثرتْ رمادَ غرابتي أخرى
ليس لي
في بعضِ الصحاري رمالٌ
ولا حطّمَ الثلجُ بعضَ هيامي
أنا نافورةُ الأكوانِ
إنْ عصفتْ بمدائنَ لا تمرُّ عليها سيولُ
خطفتْها كالطائرِ النسرِ
يستخلبُ الفريسةَ

2 ـ 02 ـ 2010 برلين
***
3 ـ بنتُ البيانِ
***
أنتِ ..
أنتِ يا أنتِ
زاهية كديباجةٍ ساحرةِ البيان
أنتِ
يا أنتِ
أمِن ينبوعٍ في واحةٍ تغرفين
أم مِن عينٍ أزليةٍ
صدحتْ في تلالِ الباديةِ تنهلين ؟
أنتِ
يا أنتِ
كيف استويتِ كما أنتِ ؟

2 ـ 02 ـ 2010 برلين

***
4 ـ النهمون
***

بعد أنْ أخذوا كلَّ شيءٍ
وبعد أنْ امتهنوا الجبلَ والسهلَ والوادي
أرادوا نقلَ الصحراء
فما قدروا
استعصت فزعلوا
ثم قالوا : لسنا الشركاءَ
في الوطنِ
إنما نحن المُشاركون
فما أمسَّ عقولَكم يا هؤلاء !

2 ـ 02 ـ 2010 برلين
***
5 ـ أزهارٌ وكلمات
***

1 ـ

زهرةٌ ظلّت
تُحدِّقُ في ثيابِ الليلِ
حتى انكشفَ الصبحُ
فبدا عارياً
2 ـ

الأزهارُ تتخاصمُ
كلما التقت على طاولةٍ ليل

3 ـ

الأزهارُ كصبايا برلين
تُحارُ أمامَ سحرِهنَّ

4 ـ

الكلماتُ حادّةُ النبرةِ
فعلمْها الكلامَ

5 ـ

الكلماتُ
حسنةُ السيرةِ
إنْ لم تُسيّرْها

2 ـ 02 ـ 2010 برلين
***
6 ـ أيها الغزاة أقْبِلوا
***

أيّها الغزاةُ
اقبلوا
ففي بلادي خان الرِّجالُ سيوفَهم
وامتشقوا أفخاذَ النساء
مِن بابِ الصحراء
اقبلوا
مِن فمِ البحرِ
اقبلوا
فالفرسانُ الأوغادُ
تشبهوا بالحريمِ ولاذوا بالفرارِ
أيّها الغزاةُ
ما أسعدَكم !
ففي بلادي التي يسمونها بلادَ الرافدين
يسمون الغازيَ فاتحاً
والمحتلَّ مُحرراً
فاقبلوا .. اقبلوا
أيُّها الغزاةُ
في بلادي التي لم يقاتلْ أبناؤها
ضدّ غازٍ عَبْرَ التاريخ
ولم يَذُد عنها رجالُها يوماً
تُصفِّقُ الدّهماءُ
للجائرِ والعادلِ على حدٍّ سواء
ولا تُفرِّقُ بين غريبٍ وقريبٍ
والدّهماء
في ما بينها تتبادلُ
دورَ القاتلِ والمقتول
في بلادي التي تحكمُها الغوغاء
يقفُ الكريمُ مثلَ جملٍ عليل
تحفُّ به الجراء
وتنهشُ مِن جسدِهِ
أقوامٌ بغيضةٌ ضئيلةٌ
4 ـ 02 ـ 2010 برلين

***
7 ـ العاقلُ الوحيد
***

في مستشفى المجانين
لم أرَ مجنوناً يتكلّم
كان الكلُّ يتأملُ الكلَّ
إلاَّ واحداً
يصيحُ بانتظامٍ
مثلَ قطار
قال العقلاءُ في المكانِ
هذا القطار لم يتوقفْ منذُ أيامٍ
هو يُمارسُ اليوغا
وأحياناً يدخلُ في الأنفاقِ
فيصمت
في مستشفى المجانين
لم أرَ مجنوناً
غيري

5 ـ 02 ـ 2010 برلين

***
8 ـ سفرٌ في اللازمن
***

معطوبة ساعةُ المُسافر
مهجورة محطّةُ القطار
السكّةُ ارتحلت
وأنا قادمٌ في خيطِ دخانٍ
رأيتُ
سيجارةً تحتلُّ النافذةَ
التي رفضتْ منك نظرةً
على جسدِ المسافةِ
حين كان القطارُ يطيرُ
في الهواء

6 ـ 02 ـ 2010 برلين

***
9 ـ حرير الجسد
***

أهيلُ عليها زمناً مِن رمالٍ
وعلى هضابِهِ أزرعُ وردةً وللوردةِ ذاكرةً
فإنْ اكتظتِ الصحراءُ بأحلامِها
جاء البحرُ ليخطفَها
جاء ليخطفَنا البحرُ
ثم بعد غيابٍ نأتي نسألُ الذاكرةَ
عن أحلامِ وردتِها
نأتي ونلحُّ في السؤالِ
نأتي وتفوتنا القطاراتُ
في صقيعِ المحطّاتِ
تأخذُ تفّاحَنا المجنونَ وتهاجرُ
كما أخذت قبلاتٍ أزهرت فوق المقاعد
وتركتْ لنا ركامَ ثلوجٍ
وقليلاً مِن دعاء :
أيتها السماءُ امنحيها دفئاً
لديباجِها المسحورِ
لحريرِ شالِها المُرتدِّ إلى النحرِ
أو السادرِ مع النهرِ
دفئاً لعُقدِها المُتهتكِ فوق التريبةِ
دفئاً للساعدِ المُزغبِ في أولِ الصبحِ
للنهدِ المفزوعِ مِن كثرةِ التشبيبِ
دفئاً للأقراطِ الممسوسةِ بالبريقِ
دفئاً للبطونِ الضامرةِ
للحلماتِ النافرةِ
كالعنبِ الجافلِ مِن البردِ
هذا زمنٌ يتشكّلُ بالمقلوبِ
قالت الوردةُ
وذرفتْ دمعتين على خدٍّ
لم يعرفْ رائحةَ المساحيق
ولا أشواكَ الطريق
أيتها الوردةُ المخطوفةُ
هل غادرتِ الغصنَ مرّةً
إلى حديقةٍ أخرى مثلاً
تعتني بالعوانسِ مِن الفاتناتِ ؟
أيتها الوردةُ
أُكتبي على ضميرِ الهواء :
مازلتُ أتبعُ هواكَ
أيها البعيدُ .
هذه نسخةٌ سينقلُها الهواء


6 ـ 02 ـ 2010 برلين
***
10 ـ للحدائق رائحة اللقاء
***

أُطْبِقتْ أجفانُ الحديقةِ
وغادرتِ المصاطبَ أنفاسُ الرّوادِ
ثمة ثرثراتٌ للسكارى
ظلّت عالقةً بأغصانِ الشجرِ
كنتُ آخرَ الخارجين
أحملُ في عينيّ زمناً لوسنٍ قادمٍ
وحفنةَ أحلامٍ قد تستأذنُ ساعةً لقضاءِ الحاجةِ
في الطريقِ إلى البيتِ
لم أخطُ خطوةً
فالرصيفُ الشهمُ وضعني على ظهرِهِ
وحملني حتى العتبةِ
فتحَ البابَ وقال أُدخلْ
لم أكن ثملاً كالعادةِ
فنصفُ زجاجةِ النبيذِ الأحمر
أُريقت على أرضِ الحديقةِ
كانت غفلتي
والحانةُ أُقفلتْ باكراً
الحانةُ زايلها الكرى وأطفأتْ أنوارَها الخافتةَ
عاد الرصيفُ إلى مزاجِهِ القديمِ
أطلقَ ضحكةً وقال
نوماً هانئاً
ثم ودّعني
لم أرد فالوحشةُ ابتلعتني
حتى غرقت في بياضِ الحُلُمِ
وصوتٌ مِن الداخلِ يأتي :
اُدخلْ .. اُدخلْ
في هذا الزمنِ العاري
اُدخل
في الغيابِ
ادخلْ
في الفراغِِ
ادخلْ
أو تدخل مِن بابٍ مكتظّةٍ
إلى جسدِ الماء
في بياضِ الثلجِ اُدخلْ
اُدخلْ
في يبابِ أرضٍ هجرتْها الأحراشُ
وعافتْها الأطيارُ
اُدخلْ سريراً حديدياً
يهرشُ جسدَ الوسادةِ
يبحثُ في شعرِ الرأسِ عن صبغةٍ سوداء
يتحسّرُ ، يصمتُ ، يُطبقُ جفنيه
لكنه لم ينم على ما يبدو
إنه الليلة مُستيقظٌ
كعادتِهِ في الليلِ
هذي الليلة

7 ـ 02 ـ 2010 برلين

***
11 ـ تعلّقي بِشَعْرِ غيمة

***

باردٌ هذا المساءُ
وقتٌ صقيعيٌّ لسُليمى
وسُليمى ترقبُ ضيوفاً سيتركون المكانَ
باردٌ جدولُ الذاكرةِ
والقلبُ ما عاد في كلِّ ملقىً يرفُّ
وإلى ناحيةٍ سكنَها صوتُ عاشقٍ لا يطرقُ
جعلْتُه مِن دفءِ الحبِّ خالياً
ومِن زمهريرِ الحنين
أو ما كان لهذين شبيهاً
باردةٌ هذي البلادُ التي آوتْنا
وسليمى تقصُّ بلا انقطاعِ حكاياها
سيلاً تأتي الحكايا
مِن أعلى الأوجاعِ
شلالاتٍ تتركُها تنهمرُ
كشعرِها المُثابرِ على طقسِ النماء
مِن أغوارِ الألمِ الكامنِ في صدرِها
تأتي الحكايا
سُليمى .. سُليمى
ما أشهاكِ وقد انطفأتْ فيَّ
مواقدُ الشهواتِ !
سُليمى .. سُليمى
ما أكرمَكِ وقد انقطعتْ عنّي
صِلاتٌ كريمة
وسُليمى مِن بئرِ الليلِ تكتحلُ
فتشهقُ في عمقِ عينيها العتمةُ
ذاك شجرُ الدُّرِ فآخيه
مثلَ وطنٍ يتغلغلُ في الأنفاسِ
أو بين ثنايا الروحِ
ذاك شجرٌ وَسْنان
فاحذري مِن أنْ يصحوَ الآن
احذري
احذري سُليمى
فالجذرُ الأصلُ لا يُغمضُ
عيناً حين ينام
ذاك خيارُ آلهةٍ
شبّت عن الطوقِ
وظلّت تتساقطُ مثلَ نيازك
وتتراقصُ مثلَ نُجيماتٍ عاريةٍ
ذاك شجرٌ سُليمى
فآخيه

8 ـ 02 ـ 2010 برلين
***
12 ـ الساعاتي
***

منذُ ثلاثةِ أيامٍ
أغلقَ الساعاتي دكّانَه
وبالصمتِ لاذ
عليه طرقْنا البابَ
ورفسْنا الجدرانَ
علينا رادٌّ لم يردْ
إنما الرائحةُ وصلتْنا
فعلِمْنا موتَ سيمون الطيبِ العجوز
منذ ثلاثةِ أيامٍ
توقّف عندنا الوقتُ
وتحدّثَ البعضُ عن عطلِ الوقتِ
فزعْنا وصرْنا نطرقُ أبواباً في الحيِّ لا تردُّ
فليس لأهلِ الحيِّ شأنٌ بسيمون
طرقْنا حتى ارتدَّ علينا النداءُ خفيّاً :
الساعاتي مات
الساعاتي مات
مات سيمونُ النبيلُ
بائعُ الساعاتِ
تلفّعتْ بالثلجِ طرقاتُ المدينةِ
وتدثّرتْ بالصمتِ بيوتُ الحيّ
وبالوحدةِ أجهشَ شجرُ الظهيرةِ
أيها الغرابُ
المُعتلي هامَ مدخنةٍ
عن النعيقِ توقّفْ
لكي يتسنى للموكبِ بالمرورِ
فسيمون العجوزُ
كان رقيقاً كرقّاصِ الساعةِ
وقاطعاً كالوقتِ
وسيمونُ العجوزُ
عاشَ لتضميدِ جروحِ الزمنِ التالفِ
أيها الغرابُ
المتوثبُ للصياحِ
دعْ الموكبَ يمرْ
أيها الغرابُ اللعينُ
ارتفعْ عالياً
أو ترحل بعيداً
فسيمون الطيبُ لن يعود

9 ـ 02 ـ 2010 برلين

***
13 ـ في سوق ببرلين
***

في سوقٍ
ارتدت طقماً للسهرةِ ثلجياً
كي تُطفئَ شمعةً عاشرةً
تهوّرتْ على أبوابِ القرنِ الحادي والعشرين
تأتي المدعواتُ أسرابَ بجعٍ مُسافرٍ إلى آخرِ المياه
ويأتي كالغربانِ المدعوون
بعضُهم تأخّرَ عن الحفلِ
غاصَ في المقاعدِ الجلديةِ
ولم يتسنَّ له انتزاعُ المؤخرِ فتأخّر
في سوقٍ
تَرشِقُ ـ ببريقٍ جسديٍّ خاطفٍ ـ حيَّ غزوند برونن
تتصيّدُ النسوةُ ظلاً لرجالٍ وصلوا ـ بكاملِ أناقتِهم ـ قبلَ الأوانِ
في السوقِ
حيث يجلسُ المُقعدون والمُرضعاتُ
أمام نافوراتٍ خجولةٍ مُسالمةٍ
ظلَّ طفلٌ يُداعبُ حَيْرَةَ الماءِ الصاعدِ
إلى مستوى هامتِهِ بفرحٍ غامرٍ
وثمة أجنبيٌّ يسترقُ النظرَ إلى أفخاذٍ خُلقتْ مِن دهشةِ وردٍ ناريٍّ ويتحسّرُ على عمرٍ أُريقَ بلا معنى فوق وحشةِ الأرصفةِ
في السوقِ
نسوةٌ لا ترى في عيونِهنَّ
رغبةً
ولا شهوةً
نساءٌ بلا شبقٍ
أُتْخُمْنَ فانتفت الآن حاجةٌ
في السوقِ
مؤخراتٌ إنْ ارتجّت في السيرِ شتمت ناظراً
ونبّهت غافلاً
في السوقِ
شعورٌ مُطاردةٌ في عاصفةٍ هوجاء
تُتاخمُ الأردافَ وتتجاوزُ إليها الحدودَ أحياناً
في السوقِ
بشرٌ يقطعون الرؤيةَ
ثم الرؤيا
ودائماً .. دائماً
يحجزون الأماكنَ
ويخنقون السبيلَ
في السوقِ
تتساوى المخلوقاتُ
الجميعُ يمشي على قدمين
ويتكلمُ مِن فمٍ وشفتين
ويتنفسُ عَبْرَ منخارين
في السوقِ لا تُميِّزُ بين
صالحٍ وطالحٍ
بين هجينٍ وأصيلٍ
بين شريفٍ وشريرٍ
في السوقِ
يختلطُ الحابلُ بالنابلِ
فتضيعُ الصفاتُ
وكلُّ المعاني
في السوقِ
الكلُّ يشبهُ الكلَّ
إلاَّ بعض الاستثناءات


11 ـ 02 ـ 2010 برلين
***
14 ـ الفَرَاشُ لا يُحبُّ العاصفةَ
***

لا تفتحْ أبوابَكَ الليلة
فالعاصفةُ قادمةٌ تقتلعُ الواهنَ مِن الأشياء
وثمة أمطارٌ في الطريقِ
سيلٌ سيأتي مِن قلبِ العاصفةِ
لا تنسَ إغلاقَ النوافذِ
والثغراتِ أو
فلتلغِ الحفلَ
حين تأتي النسوةُ بلا عطرٍ أو مكياج
يُلغى الحفلُ
والنسوةُ الليلةَ يخرجْنَ بلا أقنعةٍ
مِن حقلِ القطنِ
يلتمسْنَ مِن المطرِ هدنةً
ومِن العاصفةِ رجاءً
ألاّ تَغيرَ على الثيابِ
فتُمسي الرؤيةُ مُغريةً
وتُمسي عاليةَ الموجِ بحارُ الشهوةِ
لا تفتحْ نافذةً
واشطبْ مِن الحفلِ شطراً
إنْ شئتَ لما بعد الليلِ
الليلُ لن يأتي
وموعدُ الحفلِ
اختطفهُ طائرُ البرقِ
وسيأتي السيلُ
لا تنسَ الأبوابَ
فالنسوةُ تركْنَ ثيابَ السهرةِ
في حقلِ القطنِ
وطرْنَ بلا مساحيق
فلا تتوهم الفَرَاشَ
الذي عادةً لا يتركُ
للطريقِ كحلَ أجنحةٍ

11 ـ 02 ـ 2010 برلين

***
15 ـ ضفيرتُها
***

قصّتْ ضفيرتَها وعلى بابِ الدارِ تركتْها
فوقَ كومٍ مِن ورقِ التينِ أراحتْها
وقالت :
ستنمو ، حين يأتي ، عاشقةٌ
تُراقصُهُ عوضاً عن النساء
***
وأنتِ أنتِ
هل قصصتِ مِن شعرِك المجنونِ خصلةً
وعلى ظهرِ غيمةٍ عذراء زرعتِها
حتى إذا ما مرَّ نحو السماء مسافرٌ
رأى في الحلُمِ نسيماً يُراقصُ
امرأةً مِن ضباب ؟
وأنتِ أنتِ
هل قصصتِ مِن شعرِكِ المجنونِ خصلةً
وفوق قبرِ غريبٍ رميتِ وردةً منها
حتى إذا ما خرج الأمواتُ ليلاً
وجدوا امرأةً
تُراقصُ السكون ؟

26 ـ 02 ـ 2010 برلين

***
16 ـ جيشُ العاطلين
***

مِن كلِّ مأتىً يتدفقُ العاطلون
ونحن كالعاطلين نتدفقُ
أمامنا أرغفةٌ ساخنةٌ
وعيونُ ماءٍ زلال
إنما نحن مُنعْنا مِن تناولِ الأشياء
قيلَ لنا
لم نكن في الحسبان
وقيل لنا
اصبروا وتصبروا
وفي آذانِنا همسوا كلماتٍ أُخر
لا نقوى على البوحِ بها
مِن كلِّ مأتىً
صار يأتي الجائعون
كالعادةِ بوجوهٍ كالحةٍ
وبطونٍ ضامرةٍ
وثيابٍ رثّةٍ
وبكثيرٍ .. كثيرٍ
مِن حياء
في كلِّ مُعْتَرَكٍ
تجدُ جيشَ العاطلين
ونحن الذين
لا نقوى على البوحِ ببضعِ كلمات


26 ـ 02 ـ 2010 برلين
***
17 ـ الرغبة الأخيرة
***

رغبتي أنْ أستسلمَ لملاكِ الغفلةِ
وعلى شفةِ عينِ ماءٍ
تدمعُ في الحولِ كأساً
وتحتفظُ بالرمقِ في جوفٍ ساكنٍ
أنا أنتظرُ الوهمَ الذي سيأتي
أو ينتظرُني الوهمُ حتى آتيَ
ورغبتي مازالت مُلحةً
بي أو بالوهمِ
أو حتى بعينِ الماءِ
أنا منتظرٌ
وسيمرُّ البشرُ
تارةً مع وهمِ الماءِ يعبرون
وتارةً سكارى مِن نفحاتِ عطرٍ
عَبَرَت خلفَ نسمةٍ هاربةٍ
يترنحون
البشرُ يعبرون
وأنا مازلتُ منتظراً
و بي رغبةٌ أنْ أستسلمَ لملاكِ الرغبةِ
والبشرُ يعبرون
كيف تختزنُ عيونُهم صفوفَ الأقدامِ الحافيةِ ؟
كيف تلجُ عيونُهم الصدورَ العارية ؟
البشرُ كالموجِ هادرون
برغبتي يلهجون
يتبادلون نظراتٍ واهنةٍ
وهم في الطريقِ إليّ

27 ـ 02 ـ 2010 برلين

***
18 ـ نهرُ الخطايا

***

إلى عينِ الخطيئةِ حملتُكَ يا نهر
وأمرتُك بالدفقِ تغتسلُ
هي ذي خطيئةُ البشر
أيها النهر
بها تطهّرْ
أنا لك مِن آخرِ البحارِ جلبتُها
على كاهلي حملتُها
وتحت ثقلِها
كنتُ دهراً أنوء
فتطهّرْ
كما ينبغي على أحسنِ وجهٍ
تطهّرْ
أو كما ينبغي في أسوأ حالٍ
تطهّرْ
مثلما بك اغتسلْنا
تطهّرْ
كنتُ على درّاجةٍ هوائيةٍ أتخبّطُ
ما بين عمارةِ شيخِ سليمان
ومطبعةِ البصرة
وعلى ضفّةٍ مُعتمةٍ مِن نهرِ العشّار
حططتُ الرحالَ
فصرتُ أعدُّ اللؤلؤَ المحمولَ
فوق ظهرِ مويجةٍ ثملةٍ
ترنّحت تحت ظلِّ الحملِ وظلّت
تحصي أنفاسَ المسافة
وكلّما بنَفَسٍ أخطَأت
عادت تعدُّ شجرَ الطريق
كنتُ خلف العَتمةِ أتوارى
وسكونِ درّاجتي الصفراء
أرقبُ النهرَ المُحتفي بزهرِ خطايا تتعرّى
أيها النهرُ الحافلُ بالشهوة
اغتسلْ حتى تبلغَ الذروة
فالخطيئةُ أرحامٌ لتناسلِ الخطايا
كلّما ولجتَ رحماً
انشطر رحمٌ
فاغتسلْ
أنا حارسُ الضفّة
أسدُ العرينِ الحزين
فارسُ المدينةِ التي سكبتْ لوعتَها ذات غيابٍ وظلّت طافيةً على لحاءِ شجرةِ نبقٍ أغوت الغزاةَ
كنتُ أرقبُ انشطارَ الخطايا
أنا ناطورُ المسلّةِ التي منها
لم يفد أحفادٌ
أنا حارسُ الميناء الذي هجرتْه السفائن
أنا أنا أنا
حاملُ النهرِ نحو عينِ الخطيئةِ
التي بها سوف يتطهّر
مثلما بها اغتسلْنا

2 ـ 03 ـ 2010
***
19 ـ صاحبكِ أنا
***

هذا أنا طينُكِ السحريّ
حمّامُكِ الدافئ
شجرُكِ المقدس
وردتُكِ المُبْهِجة
فلا تتصيدي في مياهي سمكاً سماوياً
ولا تلقي إلى سطحي آخر الشباك

10 ـ 3 ـ 2010 برلين

***
20 ـ أرض الأجداد

***


كوني خراباً أرضَ الأجداد
لا طارَ طائرٌ في سماكِ
ولا بين جناحِ القرى
التمعت نارٌ
عافكِ الساقيّ والبنّاءُ وحامي المدينة
ومِن حولكِ جفَّ في الجداولِ ماءُ
ثم في الطريقِ حين كنّا
هاجَ موجٌ
وإلى الأعماقِ تداعتْ سفينة
كوني طللاً أرضَ أجدادي
فحين تجلّى مِن البعيدِ دخانُ
بوجههِ عنك راح يشيحُ الطيرُ
وظلَّ يمتنعُ عن الهطولِ سحابُ
أدمنتِ صهيلَ الخيلِ
وجعجعةَ السلاحِ
ومِن بين ثنايا أسمالكِ روائحُ الغيبِ عبِقتْ
فَتَنَفَستْها كالأفيونِ حروبُ
كوني يباباً أرض السوادِ
وبقعةً مُدنسةً سقطت مِن رحمِ كوكب
فلا عمّدها كاهنٌ
ولا منها نهلَ الوليدُ
وحتى الجيوشُ التي حين نحوك عَبَرَت
لم تضلِّ الطريقَ
فحارسُ الحقلِ كان الدليلَ
أمامها أساطيرٌ مُحيت وبادت حضاراتٌ
وعلى أبوابِكِ تواريخٌ تبلبلت
فكوني ظلاماً
زرقةً
صفرةً
حمرةً
سواداً
كوني أرضَ السوادِ
هل جالتِ الطيرُ بعد أنْ مِن لحمكِ أُتخِمت
مُتعففةً سكنتْ أعالي الريحِ ؟
وعلى إثر صوتٍ في البريّةِ انبثقَ
ابتنت وراء الغيمِ موطناً
كوني قاحلةً
غادركِ النخلُ والنهرُ وسحرُ النهار
وآخت بواقيكِ ترابَ ما قبل السلالة
جدّفتْ نحو السفينِ دون جدوى
فأغرقها الموجُ
كوني كما لو لم تكوني
فنحن بحثْنا في ما وراء المكانِ عن موطنِ الأزلِ
كوني للغبارِ موطناً
وللعاصفةِ مكمناً
كوني زحمةً في فضاء
وفضاءً لزحمةٍ
هل تجاوزتْكِ الأطيافُ وخمائلُ الذكرى ؟
كوني هزالاً أرض السوادِ
كوني ضلالاً
لقد غادرتْنا ريحُ الحنين
وتهاوت فوقنا سلالمُ اللهفة
فلا شوق بات بين الحنايا
ولا ذكرى بالقربِ مِن ساحلِ الرّوحِ أبحرت
كوني
كوني
كما لو لم تكوني

13 ـ 3 ـ 2010 برلين


***
21 ـ ثملٌ مِن ألمٍ
***

ثملٌ أنا
مِن جُرحٍ أصابَ بعضَ روحي
أو كلَّ الجسدِ المنحوس
ومِن وجعِ الدنيا ثملٌ أنا
حتى الغيابِ
وقطاراتي الورقيةُ على أبوابِ الليلِ تعطّلت
كانت قد صنعها في سوقِ الورّاقين
ورّاقٌ بصريٌّ
هربَ أيام الفتنة العظمى صوبَ بغداد
امتهنَ الوراقةَ
ثم مع الأيامِ كسدتْ بضاعتُهُ
وحين دنتْ مِن خياشيمِ دارِهِ
دبّابةٌ للمارينز المعصومِ مِن الأخطاء
بات حائراً
يرتزقُ مِن أجلِ عيالِه الجياع
فصار يصنعُ التكنولوجيا مِن ورقٍ بائرٍ
صنعَ لي بضعةَ قطاراتٍ
وللآخرين ما أرادوا
ثملٌ أنا حدَّ الخرابِ
ثملٌ أنا
ثملٌ أنا أيها الخرابُ


15 ـ 3 ـ 2010 ـ برلين

***
22 ـ المسكين
***

نفضَ الجمهورُ يديه وغادرَ المسرحَ
والنقّادُ أقفلوا أبوابَ مكاتبِهم
فيما صوتُ المُغني
ظلَّ مُلَعْلِعاً في الفراغِ
غادرَ الضوءُ
ومكبراتُ الصوتِ
وعلى الجدرانِ عتمةٌ بصقت
والمغنّي مازال مصرّاً
يُقيمُ الحفلةَ وحيداً
في بريّةٍ منها لا تأتي
غيرُ الوحشةِ

15 ـ 3 ـ 2010 برلين

***
23 ـ سلوا الغائب
***

هل سألتم هذا القادمَ مِن جوفِ الغيابِ
عن دمعةِ الغريبِ ؟
عن حَيْرَةِ الوحيد ؟
هل سألتم وجهاً في المرآةِ صار حجراً
ولِمَ الوجهُ أدمنَ العذاب ؟
هل سألتموه عن آخرِ أخبارِ السفر ؟
عن ذلِّ الأرصفةِ وليلِ السهر ؟
عن دوخٍ يحلُّ بالغريبِ بلا خمرٍ ؟
عن كثافةِ الشجن حين يدلهمُ في رأسِه الحنين
وبه تُطوّحُ الأشواق ؟
هل سألتم قبلَ الرحيل
بماذا فكّرَ الدخيل ؟
كان يأتي مِن الجوفِ
مِن أعماقِ الأعماقِ
مِن آخرِ موجةٍ تتبدد فوق القاع
وعلى أبوابِكم يشرقُ قمراً
وعلى أبوابِكم يتسمّرُ لوحةً
وينحني كالطاق
يذرفُ دمعتين
يئنُّ أنتين
ثم بجنحِهِ يصفقُ
ويركبُ غيمتين
هل سألتموه عن آخرِ الرغبات
عن أُمنيّةٍ في أعماقِ صدرِهِ انحشرت
ومِن أجلِها ظلَّ يجرُّ الحسرات ؟
هل سألتموه عن سببِ الحطامِ في الجسد
عن خرابِ الروحِ
وعن وجهه الحجر ؟
هل قرأتم الشحوبَ في براري الوجهِ الشاسعة ؟
هل سألتموه
أم تجذّرَ في قلوبِكم حجر
وتشعّبَ ضجرٌ كالشجر
وصارت اللامبالاةُ زهرَ التعاطي
هل انكفأت في بلادِكم أطباقُ الحنين
وتبعثرت ثمارُ اللوعةِ ؟
يا للوعةِ ضاع العمرُ !

16 ـ 3 ـ 2010 برلين

***
24 ـ صبايا اللحظة
***

مثلَ صيحاتٍ مشحونةٍ بالبهجةِ
تأتي الصبايا
يخمشْنَ أساريرَ المساء
ويرنحْنَ الماءَ الدافقَ مِن أعلى العتمة
فيتمايل ثملاً
حين يخطفْنَ عيونَ الملأ

20 ـ 3 ـ 2010 برلين

***
25 ـ في انتظار المسافة

***

على الطريقِ غريبٌ
يترقبُ قافلةً ستأتي
تحملُهُ إلى المجهولِ
أو عاصفةً تُطوِّحُ بغربتِهِ
على الطريقِ وحشةٌ
تُراودُ الغريبَ
وتخلعُ ثيابَها قطعةً قطعة
حتى إذا ما تعرّت تماماً
بانت عورةُ المسافةِ
وجاءت القافلة


25 ـ 03 ـ 2010 برلين

***
26 ـ الطير والمطر
***

لا تأتي الساعةَ طيورٌ
فالساحةُ كنستْها يدُ الّريح
ومِن فُتاتِ البارحةِ لم يبقَ شيءٌ
حتى الصيادون الذين في العراء باتوا
انتظروا دون جدوى
وغادروا الساحةَ خائبين
لن تأتي اليومَ طيورٌ
والحفلُ لملمَ قبل هطولِ المطر موائدَهُ
والريحُ ما أبقت على رائحة


1 ـ 4 ـ 2010 برلين
***
27 ـ
***
28 ـ
***
29 ـ مِن سِحْرِكِ خجلاً يستترُ القمرُ
***

وأنتِ حين كنتِ ـ مثل راقصةٍ متوحشةٍ ـ في النافذةِ تعصفين
ظلَّ بندى وردِكِ يستحِّمُ النهارُ
ومِن غيرِ وهمٍ
راح بين يديك ينتحرُ كالفراشِ زمانُ
وأنتِ في النافذةِ تعصفين
وتصرخين :
هنا .. هنا تزهرُ حقولُ الأزلِ
وهنا .. هنا تتراشقُ برحيقِ الرجاءِ أجسادٌ
وأمام عيونٍ
لها يندهشُ المدى
ونحو ليلِها يقتربُ
ننشدُّ إلى دنوّهِ ونظلُّ للكلامِ نستعذبُ :
سيأتي المساءُ
حتماً سيأتي المساءُ
وستسوقُ مركبةَ السماء ملائكةٌ
يتصدّرُها قمرٌ قرمزيٌّ
يظلُّ خجلاً يستترُ كلّما مِن سِحْرِكِ اشتهى
وأنتِ في النافذةِ تودعين
شروقاً
غروباً
أرواحاً .. إليكِ أدمنتِ النظرَ
يا زهرةَ الشبقِ الإلهي المُتجرّدةَ في أعالي الشرفاتِ
وبالنسيمِ تستجير
على جسدي ضعي جسداً
واجعلي
اجعلي ثم اجعلي
فيما بينهما مسافةَ شهقةٍ لوصالٍ أثير
ونحو فمِ موجةٍ هادرةٍ دحرجيهما
أو دعيهما ينزلقا فرحاً إليها
دعي موجَكِ صهيلاً يملأ الثغورَ
أو علّقي في صنّارةِ الرّحيلِ
آخرَ لحظةِ وجدٍ
قبل أنْ تصطدمَ بسدِّ صدرِك
آخرُ القبلاتِ

14 ـ 4 ـ 2010 برلين
***
30 ـ بلاد مِن نزيف الذاكرة
***

أنزفي لُعنتِ مِن بلادٍ
تفجّري وتبخّري
فما عُدتُ ذاك الذي أغواهُ الحنينُ دهراً
ولا ذاك الذي على وجههِ انكبَّ
غريباً ذليلاً
أنزفي لُعِنتِ بلادي
ولا تبخلي
فتلك مائدتي الأخيرة
وأنا إنْ حطّمت سدودَ الذاكرةِ
أغرقت بالذكرى بلاداً
لكنني حصّنتُ السدودَ مِن أجلِ ألفِ عينٍ
أنزفي
لو بغيتُ فيضاً
لفضتُ بكلِّ بحاري
وبهم إلى السماءِ رفعتُ ثم بهم
إلى اليمِّ هويتُ
كي لا تُرى لهم قبورٌ
ولا ذات الجماجم
أنزفي
لو أردتُ لحطّمتُ سدوداً
وطفتُ حولَ بلادٍ
بالغمرِ زاهية

24 ـ 4 ـ 2010 برلين
***
31 ـ منها دنوتُ
***


هذا السِّحرُ تشعُّهُ امرأةٌ
كانت ترعى رعيلَ نجومٍ في حقلٍ مائيٍّ
و تسوقُهُ أحياناً بعيداً عن ضفّةِ القمرِ
هذا السِّحرُ اختطفَهُ مِن فوق سريرِ الزُّهرةِ ملاكٌ عاشقٌ
حين كانت تغطُّ في نومٍ عميق وأسلمَهُ لفاتنةٍ
تعلّمت مِن الحمامِ هديلَهُ
ومِن الماء خريرَهُ
ومِن الرِّيحِ رقصتَها
هذا السِّحرُ لامرأةٍ لم تعرف للمكانِ مكاناً
ولم تدخل في حسابِ الزمانِ زماناً
لكنني منها
مِن غفلتِها دنوتُ
التقيتُها مرّةً ومنها دنوت
رويداً رويداً دنوتُ
منها كالخائفِ مِن تيّار دنوتُ
أنا منها خائفٌ
ومِن ضياعٍ وسطَ وحشةِ إعصار
منها دنوتُ
دنوتُ
مِن هذا السِّحرِ الذي حملتْهُ امرأةٌ
ساقتْها البروقُ

22 ـ 5 ـ 2010 برلين

***
32 ـ محّارةُ البرِّ
***

هي المحّارةُ الفاجرةُ التي صفّقت ، فوق الرّملِ بهجةً ، جناحاها فانكشفتْ أسرارُ صدفتين ـ لم تغدر القرارَ أو تغادر القرارَ ـ فكنتُ السرَّ العائدَ الوحيدَ إلى وطنِ الهذيانِ . لم أخذلْ الأعماقَ ولم أخن سطوةَ الماء .
وإلى وطني الأول المُلبّدِ بالخوفِ والنميمةِ عُدتُ أنا
أُجَرْجرُ روحيَ المُخضَّبَ بالزرقةِ والشروقِ
أنادي جسداً لا يُحبُّ مِن الأشياءِ غيرَ اشتياقِ الموجِ ومداعبةِ اشتهاء المرجان
أهمسُ :
ما كنتَ ترتمي على ضفّةٍ في القلبِ
وما ارتضيتَ اللقاءَ
وما اتبعتَ مِن تهوِّرِ الزغبِ غيرَ فجورِهِ
أهمسُ :
ما أشهاكَ اللحظةَ !
فاعتنقني
بك أنا شغوفٌ الليلةَ
وببعضِ التذكار
وحتى ببعضِ الشهوةِ
فاعتنقني كطفلٍ يبتدعُ الاسئلةَ
ولا يملُّ وفرةَ التكرار
ستأتي بلا ضجيجٍ مِن فوقِ قامتِك الأجوبة
ما أشهى انتحارَ الوسنِ في عينيْ مَن امتلكت لهيبَك
اعتنقني
حين تأتي نشوةٌ
وحين نكونُ بلا .......
ونكونُ بلا
ونحن لا نملكُ غيرَ أجنحةٍ مُعدةٍ للطيران
فما أشهى الطيرانَ اللحظةَ
في حومةِ حجيرةٍ بنا تزدهي
ولا تحتفي إلاّ بالأجسادِ الغارقةِ
اللحظةَ
اللحظةَ نهدرُ كالبحارِ
ونرمي فوقَ الموجِ موجاً
الليلةَ
ما أشهى الطيرانَ !

29 ـ 6 ـ 2010 برلين
***
33 ـ هذه المرّة
***

دائماً تختار الطريقَ
ومنه تُقررُ العودةَ أو مِن سواه
في كلِّ مرّةٍ تختار
دائماً تختار
إلاّ هذه المرّة
اختارك الطريقُ
ذهبتَ فيه
إلاّ هذه المرّة
سدَّ وراءك الخياراتِ
أطفأ وراءك ضوءَ العودة
هذه المرّة
وحسب

6 ـ 7 ـ 2010 برلين

***
34 ـ قمرٌ في بريّة
***

إلى شقٍّ في السماء معي أُنظرْ
ثمة قمرٌ خائفٌ يلوذُ به
قمرٌ يرتجفُ
طاردتْهُ في عرضِ البريّةِ حدأةٌ
كان ينوي التنزُّهَ في خلاء
فلم يستطع
ومِن خوفِه استوى على ظهرِ الرِّيحِ وطار
تلك بداياتُ البراري التي أنجزت معظمَ التاريخ
وتلك حيلةُ الأقمارِ إبّان السفر
كنّا نراها سابحةً في الرّحيل
لم تنتظرْ مِنّا أحداً
كنّا نراها تسوقُ نوقَنا الغادرةَ
إلى هناك
إلى المجهول تسوقُها
إلى اللامشتهى
نزجرُها فترتدّ كأنها ما انزجرت
معي أُنظر إلى ذاك المُخاتلِ
ينامُ بملء عيونِهِ فوق أديمِ فضفاضٍ
وبنا ما اكترث

9 ـ 7 ـ 2010 برلين
***
35 ـ

***
36 ـ سهرة شعراء
***

قد يأتي نحونا أحمد
نحن منتظرون
في ماخورٍ على أطرافِ الكوفة
بضعةَ شعراء كنّا
وبضعَ جوارٍ
يتوسطُنا في ليلةٍ مقمرةٍ عاتيةِ الفجورِ عمرُ بن أبي ربيعة وخيالٌ للسيّاب
عبأنا في أجوافنا الكأسَ الأولى ورقصت في الميدانِ جوارٍ ثم أتينا على الكأسِ الثانية وبنا دارتِ الدّوائرُ
ولم يأتِ أبو الطيب
وصارت الدُّنيا تدور
ذكّرنا خيالُ السيّاب
إنّ المتنبي لم يكن بالخمرةِِ مولعاً
ولا شأنَ له بها
فاخذْنا الليلَ وارتحلْنا
كنّا بالقربِ مِن الكوفةِ على شاطئ الفرات
يقودُدنا المتهتكُ الأول في بغداد
كنّا خارجَ الحانةِ
داخلَ الماخور
غرباء بلا رقصٍ ولا جوارٍ

1 ـ 8 ـ 2010 برلين

***
37 ـ الضيف الأعمى
***

قد أحْلُمُ الليلةَ
إنَّ البابَ ستُطرَقُ طرقاً خفيفاً
ومِن الأنسب القول
إنها ستُنقرُ نقراً خجولاً
وقد أحلمُ أنني إلى البابِ
لن أذهبَ ولن أفتحَ
قد أكونُ كسولاً
لكنني حتماً سأحلمُ الليلةَ
إنّ البابَ الواهنةَ سوف تئنُّ أنيناً خفيضاً
وقد أفتحُها للزائرِ أو للضيفِ أو لصاحبِ الحاجةِ
الليلةَ لستُ مُتأكداً
مِن أنني سأحلمُ أنَّ البابَ المنتبذةَ مكاناً في آخرِ الحيِّ ستُطرقُ الليلةَ
لكنني متأكدٌ مِن أنني سأنهضُ لكي أفتحَها
البابُ المواربةُ على الدّوامِ
التي تؤاخي النسيمَ
والتي انزرعت في صدرِها البهجةُ
سأفتحُها الليلةَ
حين أحلمُ أنها ستُطرقُ
وحين أفتحُها سأجدُ معزى وشيخاً ضريراً
يحملُ على ذراعِه بحراً مِن كلمات
يبادرُني :
أنا مِن المعرّةِ
البابُ تُفتحُ على مصراعيها
أنا فتحتها في الحلمِ الليلةَ
حين سأحلمُ وأرددُ :
مرحباً برهين المحبسين

1 ـ 8 ـ 2010 برلين

********************************



#صبري_هاشم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كتابي .. الأعمال الشعرية الناقصة .. الجزء الثاني
- كتابي الأعمال الشعرية الناقصة .. الجزء الأول للشاعر صبري ه ...
- تلك الطائرة التي أقلتنا
- صوفي أيها النبيل
- أرض الرؤيا
- الفراش لا يُحبّ العاصفة
- قمر في بحري عينيك يسبح
- الخراب الأخير
- أُبهة النص
- المحّارة الفاجرة
- الحافلة والذئاب الجزء الثالث
- الحافلة والذئاب الجزء الثاني
- الحافلة والذئاب الجزء الأول
- كائنٌ برّي
- هذه ليست برلين
- زمن الرحلة
- عاصفةٌ في شجرِ الله
- مملكة البدو
- لكلِّ موجةٍ زورقان
- جزيرة الهدهد


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري هاشم - كتابي .. الأعمال الشعرية الناقصة .. الجزء الثالث