أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - هنادي طه حسين تجدد موتها














المزيد.....

هنادي طه حسين تجدد موتها


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 3107 - 2010 / 8 / 27 - 18:44
المحور: الادب والفن
    


بعد نحو خمسة وسبعين عاما كاملة تجدد " هنادي " التي ابتدعها طه حسين في " دعاء الكروان " موتها مرة أخرى ، شابة صغيرة ، وعاشقة ، وقتيلة . في رواية طه حسين الصادرة عام 1934 تقع هنادي الصغيرة في غرام المهندس الوسيم الأعزب المقيم بحكم عمله في الصعيد ، فتتكاتف عليها أمها وخالها ويجهز عليها بطعنة في الخلاء تفزع منها السماء . في مطلع أغسطس الحالي ، تسقط قتيلة صبية في الرابعة عشرة من عمرها طالبة في الإعدادية في سوهاج بيدي أمها وخالها ، خنقتها أمها بيديها حين اكتشفت أنها عاشقة يخفق قلبها لشاب من سنها ، ثم ثم استدعت شقيقها وهو مدرس متعلم ووضعت معه البنت داخل جوال ، وألقيا ببدن البنت الغض وعينيها المغمضتين على أحلامها في ترعة مركز مراغة ، وظلت الجثة طافية على سطح المياه حتى اكتشفها عابر سبيل وانتشلتها الشرطة . هكذا بعد خمسة وسبعين عاما مازالت " هنادي " تموت ، صغيرة ، عاشقة ، لا لذنب سوى أن خيالات الحب والفرح شاغلت روحها . بعد نحو ربع القرن من صدور رواية طه حسين ، صدرت رواية " الحرام " عام 1959 وفيها بدل يوسف إدريس اتجاه السؤال، فلم يعد العقاب الذي يحل بالمرأة ناجما عن أشواق القلب المحرمة ، ولكن من وطأة الواقع الاجتماعي الذي دفع " عزيزة " للتفريط في نفسها فقط من أجل الحصول على جذر بطاطا اشتهاه زوجها عامل التراحيل المريض العاجز . الحرام عند إدريس هو الفقر والعوز ، لكن حرام طه حسين هو الحب والشوق . أي السؤالين أشد قسوة ؟! أم أنه سؤال واحد؟ .
مازالت البنات " ألطف الكائنات " تقتلن في الأدب وفي الحياة ، في الروايات وفي الواقع ، في الخيال وفي الحقيقة . والقسوة والقتل هكذا ، بلا مبالاة وبدم بارد ، تكاد أن تصبح سمة عامة لكثير من الجرائم . وتكمن وراء تلك القسوة وذلك القتل عوامل عديدة ، منها الفقر والجهل والتقاليد وتحقير البنات ووطأة الواقع الاقتصادي وذبول دور العلم والثقافة ، لكن ثمة شيئا آخر ربما يكون أهم ، هو ذلك الشعور العام بأنه ما من قيمة لشيء، أي شيء، وما من معيار لشيء ، أي شيء ، وأن كل القيم الأخلاقية والسياسية والاجتماعية تساوت مع بعضها البعض ، فالشرف كالخيانة ، والعمل الشاق كالراحة والدعة ، والإخلاص كالغدر، وكتابة الأدب السخيف ككتابة أعظم الروايات ، والضحك كالبكاء ، والقتل كالإحياء ، والوطن كأنه الغربة . فما الذي قد يرسخ في وعي ، أو لا وعي ، مواطن بسيط حين يسمع أن لوحة لفان جوج قد سرقت من متحف مصري ؟ أو أننا قد نشتري الغاز الذي نبيعه لإسرائيل ؟ أو أن نواب البرلمان يستولون على موتوسيكلات المعاقين ليبيعونها لحسابهم في السوق السوداء ؟ أو يسمع أن هناك مسئولين كبارا تلقوا رشاو ضخمة في صفقة مرسيدس ؟ ما الذي قد يرسب في وعي المواطن حين يقرأ عن تعذيب شاب حتى الموت بدون أن يعاقب الفاعل الحقيقي على جريمته ؟ ما الذي قد يشعر به كاتب شاب موهوب حين يعلم أن ضابطا في هيئة كاتب يمنع عنه نشر رواية ؟ . ما الذي يفكر فيه شاعر موهوب بلا معارف حين تغلق أمامه كل السبل لمجرد أنه لا يحني رأسه لأحد ؟ . هكذا عادت " هنادي" بعد نحو خمسة وسبعين عاما ، تطفو على سطح المياه ، لتقول لنا إن الحب مازال ممنوعا ، لكن الأبواب كلها مفتوحة للنميمة والكراهية المغلفة بأفضل العبارات ، تطفو " هنادي " وستظل طافية لتقول لنا إن المجتمع الذي يقتل الموهبة والثقافة والضمير تمتد يده إلي قلوب الصبايا الصغيرات لتدفن فيها خيالات الحب البريء ولمعة العيون التي تخيلت للحظة أن السعادة ممكنة ، هكذا بسهولة ، مثل جرعة الماء العذب ، هكذا بسهولة ، كما يتلقى المرء ضوء القمر على كفيه ، أو هكذا بسهولة ، كما يرفع المرء رأسه للمطر .

***
أحمد الخميسي . كاتب مصري
[email protected]



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - صعيدي - - قصة قصيرة
- أمير زكي وقصصه الجميلة
- بهاء طاهر والجامعة الأمريكية .. إلي متي ينهبون الأدباء ؟
- وزير الثقافة ومؤتمر الثقافة
- طائر المساء .. شوقي عقل
- رحيل الروائي محمد عبد السلام العمري
- نيفين الجمل .. قصائد ممنوعة
- نصف ضوء .. عزة رشاد
- فاروق عبد القادر .. وداعا لروح التحدي !
- المتهم - خالد - .. والقضاة عابرون
- ماالخطر الذي تمثله الكمانجة على دولة إسرائيل ؟
- غزة تبحر إلي العالم
- الاستقواء بالخارج في السياسة والأدب
- سلطان كازاخستاني .. الزعيم الأبدي
- - واجب - قصة قصيرة
- عن ذلك النور
- بلدنا - قصة قصيرة
- الطبيعة لا تجد من تراسله !
- مقدمة في الفولكلور القبطي - ثقافة الوحدة الوطنية
- اعتراف جوركي .. الباحث عن الإيمان


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - هنادي طه حسين تجدد موتها