أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رباح آل جعفر - مع أطيب تحيات الدكتور حسام الآلوسي من صنعاء !!.















المزيد.....

مع أطيب تحيات الدكتور حسام الآلوسي من صنعاء !!.


رباح آل جعفر

الحوار المتمدن-العدد: 2987 - 2010 / 4 / 26 - 14:58
المحور: الادب والفن
    


لم أكن أعرف ـ بالضبط ـ من هو ( أبو أريج ) وأنا أسمع هذا الاسم طالما يتردد بكثرة على لسان الأستاذ مدني صالح ، عندما كنّا نجلس كلانا معاً في غرفته ، ونتخذ مكاننا على المقاعد المعتادة كلّ يوم ، وحين يفرغ من محاضراته على طلاب قسم الفلسفة ، وكان العم ( ثجيل ) يفرض علينا ـ كرماً منه ـ أثقال بروتوكول عنيف وهو يمطرنا بأقداح من الشاي لا أول لها ولا آخر ، مادمنا نجلس ونتحدث ، وهو أمر يدعو إلى العجب .. وكنّا نتحدث دائماً في شؤون الحياة وشجونها ، وأحياناً تقودنا هذه الشؤون والشجون إلى الحديث عن ( الحصار وارتفاع الأسعار ) ، وأذكر أن الأستاذ مدني سألني مرة ، بلهجة مبطنة بشيء من السخرية ، وكثير من المرارة عن ( بيضة الديك ) ، وقلت له : إنه سؤال أصعب من السؤال عن اسم الرجل الذي حلق رأس آدم عليه السلام ، بعد خروجه من الجنة !.
يومها ، دخل علينا شخص ( يكَزل ) قليلاً في مشيته كأنه ملك آشوري قادم من خرائب العالم القديم ، ملامحه كما أعرفها من الصور، استقبله مدني ـ كعادته ـ باشاً مرحباً ثمّ اتخذ هو الآخر مكانه بيننا نحن الإثنين ، فعرفت أن هذا هو ( أبو أريح ) الكاتب والشاعر والمؤلف والمربي الدكتور حسام الدين الآلوسي أستاذ الفلسفة في جامعة بغداد ، والحق أنها كانت مفاجأة ، فهذا الرجل كنت قرأت له قبل أن أراه بسنين كتابه ( حوار بين الفلاسفة والمتكلمين ) ، وقد أثار إعجابي ، أو هل أقول عجبي ؟!.. ثمّ كتابه ( من الميثولوجيا إلى الفلسفة عند اليونان ) ، وكذلك كتابه ( الإنسان والفلسفة ) ، وقد شدتني إلى قراءة هذه المجموعة من الكتب ، مقالات للفيلسوف المصري الدكتور زكي نجيب محمود تناول عدداً منها بالنقد والتحليل ، ويكفي أن أقول إن تلك المقابلة كانت فريدة من نوعها فريدة في جوهرها ، وفريدة في وقائعها ، ولم تخل من مواقف طريفة !.
المهم أننا التقينا ، وكان ذلك بداية صداقة توثقت بالتجارب ، ما كان لها أن تتأثر بداحس والغبراء ، وأصبحنا نحن الثلاثة مدني وحسام وأنا لا ينقطع أحدنا عن رؤية الآخر داخل أروقة قسم الفلسفة وخارجها ، نتبادل شؤوناً شتى .. ذكريات ومواقف وآراء ، ونحن نطلق العنان لخيالنا أن يطير بأجنحة مستعارة إلى عوالم بعيدة ، وكان حسام صاحب أسلوب حلو المذاق ، نشيط في أنغامه ، رقيق في إيقاعه ، وشاعراً تهيم روحه حيث يكون الجمال .
ومرّت شهور .. ومرّت بعد الشهور سنون ، كانت الدنيا قد تغيرت ، وتغيّرت الحظوظ ، وشاءت الظروف أن يغادرنا حسام الآلوسي إلى اليمن أستاذاً في جامعة صنعاء ، على أساس أنها تعطيه كلّ ما عزّ عليه في وطنه .. وكان الضغط المادي شديداً على أكفأ العقول وأصلحها وأرغمت على الغربة عن مواطنها الأصلية ، ولم يكلّف أحد نفسه فيسأل : ما الذي يترتب على هذا التفريغ الفكري في العراق ؟.. وقديماً كان المفكرون والفلاسفة والمجتهدون يبتعدون قدر ما يستطيعون عن أوطانهم ويعيشون في الأطراف حتى يفكروا بحرية !.
وجاءت لحظة الوداع ، ولم يكن عبئها النفسي بأخف من لحظة اللقاء ، كنت أشعر إن الموقف بالغ الصعوبة ، ولاحت لي في عينيه دمعة تتأرجح ، وكان صوته متهدجاً بالتأثر ، وفي المشهد مسحة ميلودرامية ، ولا أعرف لماذا قفز إلى ذاكرتي ساعة وداعه كتاب بديع للقاضي الزبيري ـ وهو شاعر يمني ـ قرأته منذ سنين بعيدة ، عنوانه ( مأساة واق الواق ) ، وقلت : عندما تسمع بأهل ( واق الواق ) فإن المقصود بهم أهل اليمن ، الذين التفّوا حول الإمام وراحوا يتناقشون في البيضة والكتكوت !.
كان الآلوسي يشعر ـ دائماً ـ ولا يزال أن كلّ إنسان لا يجد سلامه خارج وطنه ، وعلى أي حال ، فلقد ظلت أشواقه تتدفق من اليمن ، وخواطره تفيض من صنعاء ، وقلبه يخفق بالحب مابين الضلوع ، وبشوق صعب شديد ممتنع إلى رؤية أهله وأصدقائه وطلابه وأترابه في العراق ، وهو يستعيد من الماضي صوراً ورؤىً تطوف بالقلب وبالأعصاب أكثر ممّا تمر أمام العين وقرب الأذن ، ويتمنى أن يخترع جهازاً يستطيع إعادة شريط ذكرياته ، وقد تراكمت على بعضها بأكثر ممّا تراكمت النبال على النبال في قلب المتنبي ، عبق دنيا بأسرها كانت ثمّ مضت .. وكانت هذه الأشواق تحملها رسائله القادمة عبر البريد إلى الصديق الباحث الراحل صالح مهدي هاشم ، وكان الهاشم بدوره يكاد يطير من الفرحة وهو يتلقى هذه الرسائل ، التي كان واضحاً من سطورها الأولى ، إن الالوسي كان متشوقاً إلى أن يسمع أخبارنا من العراق ، وكنت حريصاً أن انشر عدداً من هذه الرسائل، وأضعها بين يديّ القارئ.. وكان ( أبو أريج ) يستشهد وهو يصف ما يستعر في قلبه من الشوق والحنين والجوى ، ببيت شعر مشهور من الشعر العربي ، لأحد كبار متصوفة بغداد ، يقول : ( إذا جنّ ليلي هام قلبي بذكركم ... أنوح كما ناح الحمام المطوّق ) ، كان العصفور مشتاقاً إلى القفص ، وأظنه لم يكن قفصاً !.
ولعلّ بين الصور التي لم تقدر ذاكرة الدكتور حسام الالوسي نسيانها ، صورة الدكتور علي الوردي عندما زار تكريت بصحبة طلاب قسم الفلسفة ، وكان الالوسي طالباً في الصف الرابع الثانوي ، يحلم بدراسة الفلسفة بعد تخرجه من الثانوية ، وكتب في تلك الفترة إنشاءً عن ( نيتشه ) ، وله في هذا المجال قصص كثيرة ، وعندما كان الوردي يجلس في صدر ديوان والده كان ممنوعاً على حسام الجلوس معه لصغر سنّه ، ثمّ صورة مرض والدته وقربه منها ووالده بعيد ، ثمّ أطياف ومشاهد لم يكن يعرف جوابها ، بينها نظرة والده إليه بعينين واسعتين فيهما معان غريبة قبل أن يلفظ آخر أنفاسه بثوان وكان قد أطبقهما ثلاثة أيام في غيبوبة كاملة ، ثمّ مرض ابنته الصغرى سنة 1966 بعد ولادتها بعام وقد استعصى على الأطباء علاجها ، وكاد ييأس من شفائها لولا رحمة تنزل من الله ، ثمّ تلاحق مناظر سريعة ، كأنها شريط سينمائي يشدّه بذكريات قديمة وجديدة .
كان الآلوسي ينتظر بفارغ الصبر وشديد اللهفة الإجازة الدراسية حتى يعود ، وكان الكلّ سعداء بعودة هذا الغائب إلى وطنه ، فهو لولا الظروف الإجبارية ، فإنه لا يتصور لنفسه عملاً ولا بيتاً خارج العراق ، وكان عدد من الأصدقاء يحتفي به كلّما عاد إلى بغداد أو غادرها ، اذكر منهم صديقنا صالح مهدي هاشم ، وكان (أبو أريج) لا يملك إلا العواطف الجيّاشة التي قد تستعصي على الوصف والتحديد ، فهو يدع القلم ينساب على هواه ، ثمّ إن الشجا ، كما قيل في الشعر ، يبعث الشجن .





#رباح_آل_جعفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحلام مظهر عارف تنتحر في انتظار غودو ..
- خواطر مسافر
- هارون محمد يبحث عن هارون الرشيد
- حسين علي محفوظ ... مسافر في الغروب
- شاكر علي التكريتي بين احتلالين ..
- جلال الحنفي .. تسعون عاماً في قلب الأزمات والخصومات
- سؤال كبير وخطير : إمارة الشعر العربي من امرئ القيس إلى امرئ ...
- عبد المجيد الشاوي وهذه الأشياء الغريبة العجيبة !!
- عبد الرزاق عبد الواحد .. صورة طبق الأصل !!.
- طه عارف .. وسلام الأصدقاء طويل
- شاكر حسن آل سعيد .. تشكيلياً على الطريقة الصوفية
- ويسألونك عن نوري حمودي القيسي ؟!
- لقاء مع خالد الشوّاف على مشارف الثمانين
- مفكرات يوسف العاني في عصور مختلفة
- قيس لفتة مراد .. عاش ميتا ومات حيا !!
- تذكروا الزهر الشقي .. عزيز السيد جاسم
- لا هو موت .. لا هو انتحار
- أباطيل يوسف نمر ذياب في زنبيل !!
- مصطفى محمود .. المفترى عليه
- عبد الغني الملاح يستردّ للمتنبي أباه !..


المزيد.....




- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رباح آل جعفر - مع أطيب تحيات الدكتور حسام الآلوسي من صنعاء !!.