أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رباح آل جعفر - شاكر حسن آل سعيد .. تشكيلياً على الطريقة الصوفية














المزيد.....

شاكر حسن آل سعيد .. تشكيلياً على الطريقة الصوفية


رباح آل جعفر

الحوار المتمدن-العدد: 2788 - 2009 / 10 / 3 - 10:24
المحور: الادب والفن
    


في الصفحات الأولى من ملحمة ( الإلياذة ) ، نقرأ الشاعر الأعمى هوميروس ، يتحدث عن البطل ، فيقول : ( إنما راح وصارع وتعذّب وانتصر ، وسجّل ما رأى ليعود ، ويقول للناس ، شيئاً جديداً ، مثيراً ، وممتعاً !! ) ، ويكاد وصف هوميروس ينطبق بالتمام على الفنان التشكيلي الكبير الخالد شاكر حسن آل سعيد ، الذي اختار الفن منذ بداياته الأولى ، وضحّى بقيم كثيرة من أجله ، وتجوّل في عديد من بلدان العالم ( ألمانيا ، إنكلترا ، بلجيكا ، الهند ، فنزويلا ) ، وعاش في فرنسا وحدها أربع سنين ، ثم عاد ليحطّ رحاله في بلاد الرافدين ، كما يحط عصفور على سنبلة قمح ، ومارس التعليم بحكم اختصاصه المهني ، وأتقنه ( يشهد له تلاميذه ) ، وتمرّس بالكتابة ، نقداً وتأليفاً ، وتجوّل بين القوارير ، وزجاجات الألوان ، والفراشي ، ليصنع للناس زهرة جميلة ، وشمساً ، وعافية .
وبرغم أسفاره إلى الأماكن البعيدة ، ورؤيته للجانب الآخر من الجبل ، والبحر ، والنهر ، وانفتاحاته على العالم ، واحتكاكه بحضارات الشعوب وآدابهم وفنونهم ، فإن نوعاً من الحنين ظلّ يشدّه إلى ( مقهى ياسين ) في شارع أبي نواس ببغداد ، قبل أن يدركها ( عصر الزوال ) ، وتبنى عمارة في مكانها ، ويحكم عليها بالهدم .. وكان شاكر آل سعيد مثل أي بغدادي عريق ، يقضي في هذه المقهى بعض الأمسيات الممتعة ، بشيء من اللهو البريء والترويح ، ويعتقد أنها بحق كانت ( العينّة ) الأساسية لمعنى ( الهوية ) عنده ، ويشعر معها بصداقة عميقة مع الأيام .. فهذه المقهى هي ( حجيرة ) دماغية في جسم بغداد العظيم ، تأخذ كلما التصق بها شكل الرحم !.
سألته يوماً عن أجمل صفحات ماضيه ، فأيقظ آل سعيد ذاكرته ، وأعادها إلى سنة 1934 ، يوم كان يسكن الكرخ من بغداد في سوق حمادة ، وبتلقائية قال لي : كنّا ونحن أطفال ، نمتطي الخيول في العيد ، ونذهب من سوق حمادة إلى منطقة قريبة من منطقة الشيخ معروف ، فيها أنواع من الألعاب ، وكان الناس يقفون على شكل حلقات ، ليدبكوا ( الجوبي ) ، وفي حلقات أخرى كنا نرى الحواة ، وهم يخرجون الأفاعي من جيوبهم !.
اقتربت منه في السنوات الأخيرة من حياته ، فوجدته مقبلاً على ربّه ، الناسك ، والزاهد ، والطوباوي ، ينتمي إلى مجتمع المتصوّفة ، والدراويش ، الذين يعشقون ويموتون عشقاً ، وكان يخال لمن يراه ، كأنه شيخ طريقة ، أو مريداً في تكية ، وإن لم ينقر مثلهما على الدفوف برؤوس الأصابع ، وقد حجّ بيت الله الحرام منذ سنة1968 ، يتواجد ويأخذه الشوق والمدد والحال مثل أي درويش ، ويدخل في ( خلوة ) عميقة ، على طريقة كبار الزهّاد .. وكان كثير القراءة في التصوّف والإشراق ، يقرأ كرامات للجنيد البغدادي ، وأسفاراً لأبي بكر الشبلي ، وآثاراً عن أبي يزيد البسطامي ، وشطحات ابن سبعين ، وكشوفات التلمساني ، وأحوال الشاذلي ، و( روح القدس ) و( ترجمان الأشواق ) و( الفتوحات المكّية ) لابن العربي ، و( منطق الطير ) للنيسابوري ، وديوان الحلاج ، الذي يقول فيه : ( أنا أهوى ومن أهوى أنا ) .. حتى عندما سألته إذا كان يستطيع أن يكتب في ( الرأي ) الصحيفة التي كنت أرأس تحريرها ذات يوم ، فإنه ، في البداية ، كان يطوي العرض بابتسامة مؤدبة ، ثمّ تفضّل عليّ وكتب مجموعة مقالات ، كانت اقرب إلى التهويمات منها إلى الواقعية ، وأشبه بمفاهيم ( الإتحاد ) و( الحلول ) و( الوحدة ) و( الفناء ) .. يشرح فيها اتحاد العاشق والمعشوق ، وكيف ينعجن جسد المحبّ بالمحبوب ، وترجع القمحة إلى أمها السنبلة ، ويعود النهر إلى البحر الكبير ؟!.
وشاكر حسن آل سعيد ، الفنان التشكيلي الكبير ، النابت كالنخلة في الصحراء ، يتعامل مع لوحاته ، كما يتعامل مع فراشة ضوئية ، إنها لوحات رائعات الرسوم ، مزيجة من صفاء الطلّ ، ومن بهاء النور ، رسمها في ساعة من ساعات التجلّي وأحسن رسمها ، وكان يحني رأسه أمام الجلال والجمال ، الذي يجده في الأرض وفي السماء ، ولقد استطاع آل سعيد تقديم النموذج الأم في الفن ، ويكفي أنه مؤسس ( تجمع البعد الرابع ) ، ومن مؤسسي مدرسة جواد سليم 1951 ، التي رسّخت قيمة التراث العراقي والعربي ، كناية عن ( مرحلة الانعتاق ) في الخمسينات والستينات من القرن العشرين ، وهو فنان تجريبي اختباري ، استهوته الفلسفة والإثنولوجيا ، وصقلت موهبته في ( التنظير ) الفني ، وقدرته على طروحات ، اعترض على بعضها عدد من الأدباء ، إنه يختصر الفنان الحقيقي بوصفه ، جامع الأسلحة الذي يموت دائماً ، بإنفجار أسلحته بين يديه !.
وما زلت اذكر خواطر للراحل آل سعيد ، سجّلتها في آخر لقاء ضمنا وكنت ضيفه بمنزله في حي الغدير ببغداد ، قبل عام ونيف من رحيله عن هذه الدنيا إلى العالم العلويّ ، لحظتها استمعت إليه وهو يقول : لن يفصل بين الفنان وسواه ، إلاّ جسر واه من ( معرفة الذات ) ، فلو كان العندليب يشعر بعذوبة تغريده ، لادعى كونه فنّاناً مثلي ، سواء بسواء .. ولو كان الماء ، أو الريح ، أو الحجارة تستطيع أن تتأمل جمالها ، لنافست حسناوات العالم في تأنقهنّ !.
ولم اتركه لخواطره ، وسألته ، من أنت ؟، وقال : لا أكاد اعرف من أنا ؟!، وإنّ لحظة تأمّل في ما خلق الله ، كفيلة بان تعيد تقويم أي كائن من كان لذاته ، وكأنّه كان مؤمناً بالله قبل أن يكون .. ثمّ تمتم بكلمات : أنا ذلك العبد الفقير إلى ربّه ، العبد الذي لن يبقى من بعده ، إلاّ العمل الصالح ، الذي سيستأنفه أبناؤه ، وهذا غاية ما أتمناه !.
كان شاكر حسن آل سعيد يومها موزّع النفس ، زائغ العينين ، مشوّش الأحاسيس ، وجهه كوجه فيلسوف من فلاسفة الإغريق ، وقد دخل خلوته وانقطاعه إلى الله والذات ، وكان يتمنّى أن يموت كما تموت حبة الحنطة في الأرض ، لتساعد على ولادة ألوف السنابل .




#رباح_آل_جعفر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ويسألونك عن نوري حمودي القيسي ؟!
- لقاء مع خالد الشوّاف على مشارف الثمانين
- مفكرات يوسف العاني في عصور مختلفة
- قيس لفتة مراد .. عاش ميتا ومات حيا !!
- تذكروا الزهر الشقي .. عزيز السيد جاسم
- لا هو موت .. لا هو انتحار
- أباطيل يوسف نمر ذياب في زنبيل !!
- مصطفى محمود .. المفترى عليه
- عبد الغني الملاح يستردّ للمتنبي أباه !..
- مدني صالح يدفن زمان الوصل في هيت
- ( صانع ) بلند وحسين مردان .. صفاء الحيدري لا عذاب يشبه عذابه
- أبو جهل يتوحم على دمائنا
- عندما تغضب الكلمات
- علي الوردي وأنا في حوار من الأعظمية إلى الكاظمية
- عبد الوهاب البياتي .. الأول في روما


المزيد.....




- “صناعي – تجاري – زراعي – فندقي” رابط نتيجة الدبلومات الفنية ...
- إبراهيم البيومي غانم: تجديد الفكر لتشريح أزمة التبعية الثقاف ...
- بوابة التعليم الفني.. موعد إعلان نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...
- البندقية وزفاف الملياردير: جيف بيزوس يتزوج لورين سانشيز في ح ...
- شاهد.. الفنانون الإيرانيون يعزفزن سمفونية النصر في ساحة الحر ...
- طلبة التوجيهي يؤدون امتحان -اللغة الإنجليزية-.. مروحة واسعة ...
- “برقم الجلوس والاسم فقط” Link الاستعلام عن نتيجة الدبلومات ا ...
- العراق يواجه خطر اندثار 500 لهجة محلية تعكس تنوعه الثقافي ال ...
- رحيل الفلسطيني محمد لافي.. غياب شاعر الرفض واكتمال -نقوش الو ...
- موعد نزال توبوريا ضد أوليفيرا في فنون القتال المختلطة -يو إف ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رباح آل جعفر - شاكر حسن آل سعيد .. تشكيلياً على الطريقة الصوفية