أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عامر عبد زيد - جدلية المثقف والسلطة في الخطاب السياسي عند فلاسفة الإسلام















المزيد.....



جدلية المثقف والسلطة في الخطاب السياسي عند فلاسفة الإسلام


عامر عبد زيد

الحوار المتمدن-العدد: 2902 - 2010 / 1 / 29 - 08:51
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مدخل:
أن الحديث عن العلاقة بين المثقف والسلطة بإبعادها الشرقية امتدت في الفكر الإسلامي من خلال مقولة الموالي التي كان لها الرياده في طرح تصوراتها العقيدية – السياسية من الجبرية والقدرية والخوارج ........بالإضافة إلى دور الدين الحيوي في السلطة ، دور الإمامة في الفكر الإسلامي التي ارتبطت بالخلافة ودورها الذي يرتبط بالإيمان والخلاص الروحي وتحقيق العدالة التي بقت اشكاية ايمان :
- إما أنها تقوم على البعد " الداخلي " الذي يتمثل العدو في الداخل من خلال النفس للوامة كما فعل المتصوفة أو الذي أنشوا مبدأ قوامه الابتعاد عن السياسة من خلال الانشغال بسياسة النفس إلا أن السياسة لم تدعهم وشانهم .
- أو من انشغل بالخارج وأهمل الدخل فاهتم بالصراعات التأويلية أو الأخذ بظاهر اللفظ كما حدث في علم الكلام .
- أو من اهتم بالبعد الأخلاقي لداخل السلوك و أهملوا الخارج كما فعل فلاسفة الإسلام اهتموا بالخواص التكوينية الواجب توفرها لدى الرئيس والدولة الفاضلة وأهملوا القانون والمؤسسة الدستورية .
أن البحث في الفكر السياسي لدى فلاسفة الإسلام له مبرراته لأنه يشكل رؤية جديدة على الساحة الفكرية من حيث المنهج والرؤية أي الإطار النظري من خلال انصهار الأفاق بين المرجعية النصية من جهة والمرجعية العقلية اليونانية، وانصهارهما في معالجة الواقع الإسلامي يومها فان هذه الملابسات تجعل الفكر الفلسفي يتميز عن سواه من الاتجاهات الأخرى بهذه المميزات ، إلا أن السلطة كان لها دور في استنبات الخطاب العقلي في الإسلام وهي مدفوعة بأسباب ومسوغات وعلى هذا الأساس يمكن أن نرصد التجربة الفلسفية من خلال السلطة اذ ظهرت هناك علاقة خاصة بين السلطة والفلسفة او بين السلطة والعقل : سواء كان الامر مرتبط بالاشكالية المشرقية او المغربية على حد سواء اذ جاءت بدايتها البارزة مع المأمون ونهايتها بانقلاب المتوكل:
لقد كانت هناك رؤية سياسية دافعة الى دخول العقل اليوناني الى الاسلام مع مشروع المأمون الذي أراد استنبات الخطاب الفلسفي اليوناني من اجل أن يتخذه وسيلة لمواجهة الخطابات المحلية التي تنافس الدولة على الشرعية السياسية والرأسمال الرمزي ، ارتبطت نشأة الفلسفة في الإسلام بمسألة الترجمة: ترجمة فلسفة اليونان وعلومها إلى العربية. وحتى إذا اعتبرنا، مع ابن "النديم" أن تلك الترجمة نتجت عن "حلم" رآه الخليفة العباسي المأمون( ). فإن الحلم، حسب التحليل النفسي، هو تعبير غير مباشر ولا شعوري عن تطلعات ورغبات مكتوبة في لا وعي صاحبها (الحالم) في يقظته.
إذ نحن إمام نص ينقل إلينا تبريرا وافيا لعملية الترجمة ولقد كتب ابن النديم النص سنة 377 هـ. أي بعد وفاة المأمون بنحو قرن ونصف( ) . وفد حمل هذا الحلم( ) . صياغة بيانية تذكر بالحديث المشهور عن كيفية تمثل جبريل في صورة إنسان ، وقول الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) هذا جبريل جاء يعلمكم دينكم . والغرض من هذه الصيغة هو إضفاء المصداقية حتى يكون على مستولى الرؤية الصادقة ؛ إن السؤال الذي طرحه المأمون ( ما الحسن ؟) كان الغرض من ورائه هو تحديد وسائل إدراكه ، وبالتالي تحديد وسائل المعرفة . وهي هنا العقل ثم الشرع ثم الجمهور( ) . ويرى إن الهدف من الحلم هو مقاومة ( الغنوص ) المانوي والعرفان ( ) . والعرفان قائم على الوصية وعصمة ، وبالتالي وراثة النبوة مما يستتبع وراثة الخلافة والحكم ولمواجهة ذلك دفع المأمون إلى إدخال ( العقل الكوني ) بوصفه سلاحا يقف بوجه العقل المستقل( ) . وجاء الرد من قبل العرفان من خلال رسائل إخوان الصفا على ستراتيجية المأمون الثقافية تلك ، لكن كيف التقى المأمون بـ"أرسطو في الحلم المذكور؟؟
أ – إن حديث المأمون عن أرسطو، في الحلم، كان حديث مدح وإعجاب وسرور: "وكأنني بين يديه قد ملئت له هيبة"، ثم "سررت به..".
وما يقوله المأمون عن أرسطو هو قول عن الفلسفة؛ فأرسطو يلخص ما قبله، وتساوي معرفته معرفة الفلسفة اليونانية بأكملها. لذا كان إعجاب المأمون (السلطة) بأرسطو إعجابا بالحقيقة الفلسفية.
ب – يوازي هذا الإعجاب، الذي يصدر عن رجل السياسة (المأمون) تجاه الفلسفة (أرسطو)، حاجة ملحة لدى السياسي للمزيد من الحديث الفلسفي. إذ نجد في الحلم أن المأمون يطالب أرسطو بالاستمرار في خطابه، وتزويده بالنظر الفلسفي: قلت: زدني.
ج – تتميز الحقيقة الفلسفية، في حلم زعيم سياسة الدولة العباسية، بأنها شيء ثمين، يرتفع إلى مستوى الذهب. ومن هنا يكون ضروريا الحفاظ على هذا الذهب، أي الفلسفة، التي يمثلها أرسطو.
د – إن اللجوء إلى أرسطو (الفلسفة)، في الحلم، كان من أجل سياسة اليقظة: توحيد الجمهور والمذاهب والملل: "عليك بالتوحيد".. تلك هي وصية أرسطو للمألوف، وصية الفيلسوف لـ"السياسي".
إن المأمون خليفة يقود دولة، ويسوس أمة، في فترة تاريخية معينة. لذا فإن حلمه هو حلم تلك الدولة (العباسية). وإن الأسئلة التي طرحها في حلمه هي أسئلة فرضتها تلك الفترة التاريخية (عهد العباسيين، وخاصة خلافة المأمون والمعتصم والواثق، في أواخر القرن الثاني والنصف الأول من القرن الثالث للهجرة).
هاهنا، إذن، تجد سياسة الواقع نفسها في فلسفة الحلم، مما يجسد اللقاء بين "سلطة سياسية" و"حقيقة فلسفية". إنه نوع من "الحلم الذي يتحقق"، إذ سيعمل المأمون على تأسيس بيت الحكمة سنة 215هـ، وهو تأسيس شرعي من السلطة السياسية لخطاب الحقيقة الفلسفية.
وإذا أضفنا إلى ذلك أن الكندي (185-260هـ)، باعتباره أول فيلسوف في الإسلام، كان قد حظي برعاية خليفتين عباسيين، وهما المأمون والمعتصم، وإذا عرفنا أن الكندي - أيضا- كان قد دخل في صراع فكري شديد، مع الفقهاء والمتعصبين للنص الديني، في دفاعه عن مشروعية خطاب الحكمة والعقل، فإن الصورة تكتمل لدينا، وهي صورة ارتباط الفلسفة والسياسة، في المراحل الأولى لنشأة الفلسفة في المجتمع العربي الإسلامي.( )،يمكننا الآن أن نستنتج أن صورة هذا الارتباط قد اتخذت مظهرين اثنين:
ـ أحدهما إيجابي: إذ أبرزت سياسة المأمون خطاب الفلسفة، فتأسس وتجذر هذا الخطاب مع الكندي.وصول الى المعتزلة اذ تم توظيف البرهان الارسطي في خدمة السلطة وتصوراتها العقائدية: فان المعتزلة الأوائل كالعلاف المتوفى سنة 235 هـ. والنظام ( إبراهيم بن سيار ) المتكلم ألمعتزلي قد وظفوا مفاهيم تنتمي إلى ( المعقول العقلي ) في ردهم على المانوية لكنهم فعلوا ذلك بطريقة غير ناضجة ويعزى هذا إلى إن بعض هؤلاء المعتزلة الأوائل قد رد على أرسطو ذاته. ويرجع هذا إلى الشك في فهم هؤلاء لأرسطو ولتمسكهم بطريقتهم بالاستدلال ( الاستدلال بالشاهد على الغائب ) أي ارتباطهم بالبيان العربي واللغة العربية ( ) .
ـ ثانيهما سلبي: إذ عملت السياسة، مع المتوكل (232-247هـ)، على تكفير الفلسفة والقضاء على خطابها. وهنا تعادي السلطة السياسية، وبتوظيف السلطة الفقهية، الفكر الفلسفي الناشئ.( ) حيث جاءت محنة المعتزلة وصعود الاشعرية، اي ان العلاقة مع الفلسفة علاقة ذرائعية من اجل كسب المشروعية التي يمنحها اليها العقل دون القيام بمقتضياته من تشريع وتاسيس سياسي مؤسساتي بل مجرد وسيله من اجل التاثير والتثقيف ، لكن متى ماتحولة هذه الوسيلة الى ثقل ممكن ان تتحول السلطة الى وسيلة اخرى حتى وان كانت الضد تماما اي السلفية ؟ وممكن تتبع هذه العلاقة منذ البداية :
ترجمة الفلسفة وسياسة الدولة (المأمون وأرسطو):
1. لحظة البداية في مسيرة التعرف على الأخر : "أول شيء هو"الترجمة" ليس اهتماماً فردياً بالتأكيد، ليس اهتمام أفراد، وليس اهتمام رعايا، إنما هو اهتمام شرائح متعددة، شرائح اجتماعية، واهتمام الدولة أيضاً، اهتمام الدولة بالذات، يعني قبل كل شيء بترجمة العلوم لحاجاتٍ عملية تطبيقية، يعني مثلاً في الزراعة والطب، ويريدون أفضل ما وصل إليه العلم في ذلك الحين، ولحاجات أيضاً سياسية، اذ في الدولة العباسية بدأ المسلمون يمتزجون مع أبناء الشعوب الأخرى ومع أبناء الديانات الأخرى "( )الواقع أن انتقال الفكر اليوناني، الى الحضارة العربية الإسلامية، كان بفضل مجموعة من المترجمين الكبار، الذين نقلوا أمهات الكتب اليونانية الى اللغة السريانية ثم الى العربية، وأحياناً كان يتم النقل مباشرة من اليونانية الى العربية. ومن جراء التشجيع السياسي ازدهرت حركة الترجمة وحققت انتشاراً واسعاً. وكان الخليفة المهدي (توفي 169 هـ)( ) أول من أشار الى ضرورة ترجمة الكتب اليونانية وفي شكل خاص الفلسفية منها، لذلك طالب المهدي البطريرك النسطوري طيموثاوس الأول بترجمة كتاب «مقولات أرسطو»، وبالفعل تمت هذه الترجمة. وكانت هذه هي الشرارة التي بدأت معها حركة الترجمة بالتطور الفعلي، وبلغت أوجها في القرنين الثالث والرابع للهجرة، ومن أشهر المترجمين في هذين القرنين: عبد المسيح ابن ناعمة الحمصي، ويوحنا بن ماسويه، وحنين بن إسحاق العبادي، وإسحاق بن حُنين، وقسطا بن لوقا البعلبكي، وأبو بشر متى بن يونس القنائي، وأبو زكريا يحيى بن عدي، وأبو علي بن زرعة.
2. هنا توصيف لمسيرة الترجمة : فأنها كانت من خلال أجزاء متفرقة من النصوص الأولى ترجمة كتابه ( السماء والعالم ) ترجمة ( يوحنا البطريق ) المتوفى سنة (220 هـ.) أصلحها حنين بن إسحاق المتوفى سنة ( 260 هـ.) . الثانية ترجمة كتابه المنحول ( اوتولوجيا) ترجمة ابن ناعمة ألحمصي المتوفى ( 220 هـ.) . الثالثة ترجمة ابن المقفع لأجزاء من منطق أرسطو( المقولات ) وتلخيص كتاب العبارة الذي يرجعه ( بول كراوس ) إلى ابنه عبد الله ابن المقفع الذي ترجم في زمن الخليفة المهدي وابنه الهادي ) الارغانون ) ليحيى بن خالد . هذه الترجمة ناقصة والدليل على ذلك كتاب أرسطو البرهان أو التحليلات الثاني لم يترجم إلا في القرن الرابع الهجري ، وقد كانت الترجمة على النوعية : في الفلسفة والأدب لأفلاطون / في الطب لابقراط / (وأكثرها في الرياضيات والفلك) لإقليدس وأرخميدس وبطليموس وغيرهم / من الفارسية التاريخ والأدب /من السنسكريتية في الرياضيات والطب والفلك والأدب / عن السريانية والنبطية، في الفلاحة والزراعة والسحر والطلاسم .
3. في سبيل التقييم للجهد الترجمة :والحقيقة أن لهؤلاء الرجال الأفذاذ الفضل الأكبر في تطوير الحضارة العربية الإسلامية، لأنهم وضعوا مُحصلة الحضارة اليونانية من علوم وفلسفة وآداب، في متناول مُريدي العلم والمعرفة في الإسلام، فأفضى ذلك إلى تكوين تيار ثقافي جديد غريب عن طبيعة الحضارة الإسلامية(من هولاء الفلاسفة تتكون أخطر جماعة في تاريخ الثقافة الإسلامية ،، فقد كانوا هم المسئولين إلى حد كبير عن إيقاظ الدراسات الأرسطية فالأقاليم المسيحية اللاتينية ، وكانوا هم الذين طوروا التقاليد الأرسطية التي أخذوها عن المجتمع السرياني، فصححوا وراجعوا محتوياتها بالدرجة المباشرة)( ).
4. الترجمة ولحظة : تكون النص الفلسفي العربي الاسلامي من خلال تفاعل الحقيقة (الفلسفة) والسلطة (السياسة) في فلسفة الإسلام يفرض نفسه بإلحاح على قارئها والباحث فيها، سواء في مرحلة تبلورها ونشأتها، أو في مراحل ما بعد النشأة: مراحل تطورها وانتعاشها، أو مراحل تراجعها وانتكاسها.لقد نشأت الفلسفة في الثقافة العربية الإسلامية، وامتلكت مشروعيتها أحيانا، وكانت موضوع تهيم ورفض في أحيان أخرى،.. وكانت هذه الصيرورة لفلسفة العرب المسلمين صيرورة "فلسفة" و"سياسة": صيرورة عانق فيها الفيلسوف (حامل الحقيقة) السلطة السياسية، وعانق فيها رجل السياسة (ممثل السلطة) الحقيقة الفلسفية. كما كانت صيرورة عانت فيها "الحقيقة الفلسفية" من عنف "سلطة السياسة".اذ كان الفلاسفة بين الواقع السياسي الذي شاركوا فيه أو انتقدوه وبين الأنموذج النصي أو العقلي المتمثل بالإرث القديم اليوناني الأفلاطوني أو الأرسطي أو الآداب الفارسية لقد كان النص الفلسفي السياسي بين المرجع والواقع في حالة من الاغتراب إذ ترابط ما هو فلسفي بما هو سياسي، في الثقافة العربية الإسلامية، اثأر الكثير من الأفكار والمواقف مثلت انصهار أفاق بين الماضي والحاضر بين النص والعقل بين الاستبداد والاعتدال ، بين الممارسة والنظرية .
5. دور النص الفلسفي في خدمة الخطاب السياسي للسلطة :هنا من رصد هذه اللحظة في المشرق وخلص إلى نتيجة "عابد الجابري " مفادها ان أرسطو كان غائبا في الثقافة العربية الإسلامية قبل عصر التدوين وكذلك في الحقل المعرفي في العصر الهلينستي حيث سادت الهرمسية في الأوساط المسيحية وكان المنطق معروفا لكنهم وظفوا منه الجانب الصوري ، التحليلات الأولى مناجل الدفاع عن وجهات نظر معينة( ) .لقد جاءت الفلسفة في المشرق العربي ممثلة في ابرز شخصيتان هما الكندي كون مؤسس والفارابي وقد مثلا بنظر البعض (خطابا واحدا إذا أخذنا بنظر الاعتبار إن النظام المعرفي الذي يجمعنهما ينتمي بمفاهيمه ونظرياته إلى أرسطو) . رغم انهما مختلفان( الناحية الإستراتيجية في الاتجاه والمضمون ).
أولا - الكندي ( 185- 252 هـ.)( ) أول فيلسوف عربي بـ ( دولة العقل في الإسلام ) اتخذ موقف التصدي لـ ( العقل المستقل )( ) . وقد عمل على مهاجمة ( العقل المستقل ) وتبنى أراء أرسطو بشكل عام ودافع عنها بوصفها المعقول الديني للفلسفة وعلومها ردا على الفقهاء والمتكلمين ، لكن مع هذا كان الكندي بنظر عابد الجابري ذا طابع سجالي نظرا لغياب المنطق الذي يمكن إن يعزوه إلى إن المتداول من المنطق في عصره كان خاليا من كتاب البرهان الذي ترجم في عصر الفارابي (260 – 339 هـ.) الذي كان هدفه تحقيق الوحدة على صعيد الفكر والمجتمع معا متجاوزا الطابع السجالي إلى الأخذ بخطاب (العقل الكوني )( ) . متخذا من المنطق وسيلة للحد من الفوضى الفكرية التي كانت تمزق الفكر والمجتمع( ) . فالكندي كان مدافعا عن ( البيان ) مشغولا بالرد على العرفان لذلك أهمل الفلسفة السياسية وانشغل بممارسة الفلسفة دفاعا عن السياسة( ) .الا اننا رغم ملاحظتنا علة القول السابق الا اننا نرصد ان الكندي كان مثقف قد وظف قدراته في التاسيس للبرهان في الفكر العربي الاسلامي برعاية الدولةرغم اننا إلا أننا نجد أن للكندي مؤلفات كثيرة في الحقل السياسي، إلا أنها غير موجودة لامخطوطة ولامطبوعة، وقد أشار العديد من المؤرخين والباحثين الى أن للكندي رسائل ومؤلفات في السياسة،الا اننا يضا ممكن ان نرصد في ثنايا كتبه او رسائله الموقف المدافع عما يسميه الجابري البيان ، فهو القائل للخليفه المعتصم: " أطال الله بقاءك يا ابن ذرى السادات، وعرى السعادات، الذين من استمسك بهديهم سعد في دار الدنيا،ودار الأبد، وزينك بجميع ملابس الفضيلة وطهرك من جميع طبع الرذيلة.
إن أعلى الصناعات الإنسانية منزلة، وأشرفها مرتبة صناعة الفلسفة التي حدها: علم الأشياء بحقائقها بقدر طاقة الإنسان؛ لأن غرض الفيلسوف في علمه إصابة الحق، وفي عمله العمل بالحق، لا الفعل سرمداً، لأنا نمسك وينصرم الفعل إذا انتهينا إلى الحق. ولسنا نجد مطلوباتنا من الحق من غير علة، وعلة وجود كل شيء وثباته الحق: لأن كل ما له أنية له حقيقة، فالحق اضطراراً موجود إذن الأنيات موجودة. وأشرف الفلسفة وأعلاها مرتبة الفلسفة الأولى: أعني علم الحق الأول الذي هو علة كل حق. ولذلك يجب أن يكون الفيلسوف التام الأشرف هو المرء المحيط بهذا العلم الأشرف: لأن علم العلة أشرف من علم المعلول، لأنا إنما نعلم كل واحد من المعلومات علماً تاماً إذا أحطنا بعلم علته. لأن كل علة إما أن تكون عنصراً، وإما صورة وإما فاعلة: أعني ما منه مبدأ الحركة، وإما متممة: أعني ما من أجله كان الشيء.والمطالب العلمية أربعة كما حددنا في غير موضع من أقاويلنا الفلسفية: إما هل، وإما ما، وإما أي، وإما لم، فأما هل فإنها باحثة عن الأنية فقط؛ وإن كل أنية لها جنس، فإن ما تبحث عن جنسها، وأي تبحث عن فصلها، وما وأي تبحثان عن نوعها، ولم عن علتها التمامية إذ هي باحثة عن العلة المطلقة. وبين أنا متى أحطنا بعلم من عنصرها فقد أحطنا بعلم جنسها، ومتى أحطنا بعلم صورتها فقد أحطنا بعلم نوعها،وفي علم النوع علم الفصل، فإذا أحطنا بعلم عنصرها، وصورتها، وعلتها التمامية، فقد أحطنا بعلم حدها. وكل محدود فحقيقته في حده. فبحق ما سمي علم العلة الأولى الفلسفة الأولى، إذ جميع باقي الفلسفة منطو في علمها. وإذن هي أول بالشرف وأول بالجنس، وأول بالترتيب من جهة الشيء الأتقن علميه، وأول بالزمان إذ هي علة الزمان."( )، ثم أن النتيجة التي يتوصل اليها هي ذات النتيجة التي يدافع عنها علم الكلام أي الدفاع عن العقيدة فهو يقول : فنحن نسأل المطلع على سرائرنا، والعالم اجتهادنا، في تثبيت الحجة على ربوبيته، وإيضاح وحدانيته،وذب المعادين له، والكافرين به عن ذلك بالحجج القامعة لكفرهم، والهاتكة لسجوف فضائحهم،والمخبرة عن عورات نحلهم المردية، وأن يحوطنا ومن سلك سبيلنا بحصن عزه الذي لا يرام، وأن يلبسنا سرابيل جنته الواقية، ويهب لنا نصرة غروب أسلحته النافذة والتأييد بعز قوته العالية حتى يبلغنا بذلك نهاية نيتنا من نصرة الحق وتأييد الصدق، ويبلغنا بذلك درجة من ارتضى نيته وقبل فعله، ووهب له الفلج والظفر على أضداده الكافرين نعمته، والعائدين عن سبيل الحق المرتضاة عنده.ولنكمل الآن هذا الفن بتأييد ولي الخيرات، وقابل الحسنات. ( )

ثانيا – الفارابي ( )
اولا - فضاء النص "الثقافي"

"أي الربط بين النص والمنتج والثقافة " :وفيه نتناول طبيعة التفكير وإشكاله والأعراف والعادات والسياسية والفكرية : لما هو افلاطون الحقيقة أن الفارابي كان وليد نظام سياسي وثقافي شرقي يقوم فيه على تماثل مع أفلاطون الذي بدوره كان متأثر بالفكر السياسي المصري الا أن الفارابي اقرب ما يكون إلى الفكر الشرقي والمصري جزء منه اذ هناك عملية جمع بين الراعي السياسي والراعي الإلهي فهو واسطة بين السماء والأرض خاضع الى اختيار جبري متعالي جعته يمتاز بصفات استثنائية على المستوى تظهر في صفاته المفارقة التي تجعنا اقرب ما نكون إلى الفكر الاسماعيلي وإخوان الصفا لكن بلبوس أفلاطون( ) وتمثيل أرسطي غائي ولعل هذا الأمر يجعنا نتذكر التحليل الذي عرض له مشيل فوكو ومحمد عابد الجابري :اذ ثمة فرضية قدمها مشيل فوكو في تصور الاختلاف في النظر إلى الراعي السياسي بين الفكر الشرقي والفكر اليوناني حيث يحدد الفــرق بين (( السلطة الرعوية )) في الشرق القديم والفكر السياسي عند اليونان ، وذلك من خلال المقارنات الآتية:
أ‌- يلاحظ أولاً إن الراعي في الفكر الشرقي القديم يمارس سلطته على ( قطيع ) يرعاه ، وليس على الأرض كما في الفكر اليوناني. وهكذا تختلف العلاقة بين الآله والبشر هنا عنها هناك: فالآلهة عند الإغريق يملكون الأرض ، وهذه الملكية هي التي تحدد العلاقة بين الناس وآلهتهم ، وبعبارة أخرى إن علاقة الآلهه بالناس تمر عبر الأرض: الآلهة يتصرفون في الناس بوساطة الأرض من خلال ( التحكم في الفصول والخصب وأحوال الناس.
أما في الفكر الشرقي القديم فليس هناك مثل هذا ( التوسط ) في العلاقة بين الإله الراعي ورعيته. إن العلاقة بينهما علاقة مباشرة: الإله الراعي يمنح الأرض لشعبه أو هو يعده بها. فالآلهة في الفكر اليوناني تملك الأرض ومن خلالها وبواسطتها تتصرف في أقدار الناس ، أما الفكر الشرقي القديم فالإله يملك العباد وقد يعطيهم الأرض ، وقد يعدهم بها.
ب‌- مهمة الراعي أن يجمع شمل الرعية ويقودها وليس ثمة شك في إن مهمة الرئيس السياسـي عند اليونان الهدوء والأمن داخل ( المدينة ) وعلى إشاعة الوحدة والائتلاف فيها. ولكن الفرق بين الفكر الشرقي القديم والفكر اليوناني في هذه المسألة فرق واضح أيضاً: ذلك إن ما يجمعه الراعي الشرقي هم الأفراد المتناثرون المشتتون الذين يلبون نداءه اذا دعاهم للاجتماع لصوته و (( ضميره )) ولكن ما إن يختفي الراعي حتى يتشتت شمل القطيع / الرعية.
ج_ الراعي في الفكر الشرقي يضمن الخلاص للرعية. واليونانيون يقولون أيضـا إن الالهه تنقذ المدينة ، وهم كثيراً ما يقارنون الرئيس الفاضل بربان سفينــة يقف فيها بعيداً عن الصخور فيجنبها الارتطام بها. لكن الكيفية التي يخلص بها الراعي في الفكر الشرقي رعيته تختلف عن الكيفية التي ينقذ بها الربان سفينته: فالرعية لا تعني قيادة السفينة وتجنبها الأخطار بوصفها كلاً ، أي كسفينة ، بـل هي رعاية دائمة يقوم بها الراعي لكل فرد من رعيته ، كلاً على حدة.
د_ ويبرز فوكو فرقاً أخر هذه المرة بممارسة السلطة ودوافعها: الرئيس ، رئيـس :المدينة عند الإغريق يصدر فيها عن فكرة الواجب فالواجب ، واجبه رئيســاً هو الذي يفرض عليه. أما الثواب الذي يناله عندما يقوم بما يفرضه عليـــه الواجب ، من الانقطاع إلى العمل من اجل المصلحة العامة ، فهو تخليد الشعب له: فالذين يضحون بحياتهم أثناء الحرب ، من اجل المدينة ، أبطال خالـدون.
أما الراعـي فهو يصـدر رعايته لرعيته ، لا عن فكرة الواجب بل بدافــع ( الإخلاص ) وهو يخلص رعيته يسهر على حقيقة ، وذلك شغله الدائم من خلال انه يعمل على تدبير طعام قطيعه بينما قطيعه نائم وانه يسهر عليه بعينه التي لا تنام لا يسهو ولا يغفل عن أي فرد منه ( )
يمكن الحفر في المكون المعرفي والبطانة ألاشعورية التي تستبطنها جمله من الفرضيات يمكن أن تكون هاديا لنا من اجل توصيف الفكر السياسي الإسلامي خصوصا عند فلاسفة الإسلام وهم يحاولون أن يجدوا حلول للواقع السياسي يومها
أن المجتمع الإسلامي مجتمع يتصف في كونه مجتمع خراجي ، فأنه الكثرة الكاثرة من الشعب المسخر تتألف من المقاتلة والموالي وقد كانوا يشكلون بالفعل الوسط المُلْهِم لبعض الاتجاهات الفلسفية.والانتفاضات التي هي غالبا تطرح تصورات معارضة الأيدلوجية المهيمنة ثم ان اغلب أصحاب هذه الأفكار من كان لا يحتلون مواقع في صفوف هذه الارستقراطيه"القريشية " نفسها .. تحاول مثقفي تلك الفئات استثمار الرأسمال الرمزي الذي يسبغ الشرعية على السلطة غالبا ما يكون مستمد من الدين اذ (فكرة الدين هي التي تتيح المجال لإدراك طبيعة السلطة للوقوف على ماهية الاجتماع ذاتها. وبيانه ، إن الدين يتضمن أولا مبدأ ( الخارجية ) أي القول بأن المجتمع يستمد قوانينه من خارجه لا من ذاته. ويتضمن ثانياً ، مبدأ (( المغايرة )) أي القول بأن البشر مدينون بمعنى وجودهم إلى غيرهم وليس إلى بشـر مثلهم ، ويتضـمن ثالثاً ، مبدأ (( الانفصال )) ، أي القول بوجود فارق أو مسافة بين المجتمع ومصدره ، بين المجتمع ومصدره ، بين الجماعة والمبدأ المؤسس لها. فأن هذه المباديء تحدد أسـس الواقعة الدينية البدائية فإنها تشــكل من جهة أولى شروط أمكان الدولة ؛ لان نشوء الدولة ما كان ممكناً الإ أن يعقل المجتمع نفسه بواسطة مبدأ خارج عنه.( ).
وبالتالي يشكل الدين القوة التي تمنح الشرعية وتسبغ على أي فعل القبول وبالتالي يدفع الناس إلى التغير والثورة .والتي وقدنا مصادقها بالتحول الإسلامي من حيات الجاهلية والبداوة إلى حياة أخرى بفعل عامل محرض فقام أرشيف جديد محرض للتحول نحو الأفضل وهو يعتمد على قوة خفيه هي المحرضة على التحول هذا ؟
وفي نفس إذا ما عدنا إلى طبيعة المجتمع الخراجي نجده يربط بين الدولة والقوى الغيبية وبالتالي يرتبط بالاحتجاج على الدولة بالاحتجاج على الغيب ،وبالتالي كل الحركات المذهبية والصوفية والفقهية لا يمكن أن تكون بعيدة عن هذا المؤثر لهذا غالبا ما يرتبط الأمر بالدين والاختلاف في تأويل النصوص وعادة امتلاك المعنى وهذا يتحقق من خلال مناهج تقوم على إعادة تأويل النصوص الدينية بشكل يجعل منها وسيله الامتلاك الرأسمال الرمزي والعنف الاجتماعي غالبا ما يمنح بعدا دينيا ولعل هذا العنف المادي تحول إلى عنف رمزي عبر إنتاج التأويلات المغلقة ، تنطلق من "مشكلة الإيمان" وجهاد النفس ، أي القرب من المعتقد وتأويلاته المركزية .مما يجعل الفكر ينشطر بين تأويل رسمي أقيمت على أساسة الدولة وبين تأويل جديد يحاول إقرار معنى جديد أو تأويل جديد مما جعل السلطة تتبنى مذاهب معينة تحول إلى خطاب مركزي وقد وصف "ارنست غلينر "هذا الانشطار : ويرى ان الفرق بين النمطين : يعتنق الإسلام النخبوي الرفيع الفقهاء والعلماء في المراكز الحضرية (وينتمي هؤلاء غالبا الى طبقة التجار حيث تجتمع بين الثقافة والعلم والتجارة وتعكس الميول والقيم الطبيعية للطبقات الوسطى المدنية وتشمل هذه القيم النظام ، والتقيد بالقوانين والقواعد ، والرزانة والرصانة ، والتعلم وتنفر نفورا شديدا من الحالات الهستيرية والإسراف في الاهتياج العاطفي والوجداني . والاستخدام المفرط للاستثمارات السمعية البصرية المساعدة على نشر الدين . يشدد هذا النمط العالم الرفيع من الإسلام النخبوي على الطبيعة التوحيدية ، أما الإسلام العام أو إلا سلام القاعدي الشعبي بثقافته الدنيا فمختلف تماما ( )
فاعتماد الرأسمال الديني من اجل تجيش المشاعر وتعبئتها من اجل إقرار المعنى الحق وإزالة التضليل والكفر هذا يشكل مخيال جمعي يستثمر العواطف خلف التأويل الجديد هذا الأمر أسبغ وسيلة جديدة في النظر إلى القيادات التي لم تعد ذات طابع ناسوتي يذكرنا بربان السفينة. بل أصبحت كرزما متعالية على المحيط مهمة تتمثل بإنقاذ الأنفس وتحقيق العدالة . ولعل هذا الأمر بدا مع الحكم الأموي القائم على حكم يعتمد على تحالف عشائري غالبا ما يكون الحاكم شبيه بزعيم القبيلة بالمقابل هناك ثورات تطالب بالحكم وفق معنى وتأويل مختلف للإسلام الرسمي وتتهم الحكم بالزيغ عن المعنى الحقيقي للدين انظر الثورة العلوية والعباسية والثورات في الأمصار .
ألا إن الحاكم سوف يتغير دوره ووظائفه مع اتساع نفوذه وتحول الدولة إلى حكم شبيه بالحكم الكسروي حيث سوف تظهر الإحكام السلطانية جاذبتا معها الخلفية الفارسية إذ الخلافة العباسية التي جاءت تحت شعارات وتأويل جديد للإسلام يختلف مع التصور الجبري الأموي إلى تأويل قدري ومطالبة بالحق بالحكم كانت عبارة عن إيديولوجيا ثورية تقوم على الانقلاب الذي يقود إلى تغير النظام وعادت تأسيس السلطة وفق رؤية تقوم على تأويل جديد كان من ألوانها القول: بالقدر والاختيار والاعتزال ، إلا أن السلطة عاشت تطور لاحق إلى تضخم دور الحاكم الذي أصبح خليفة الله على الأرض و توسع بعد تأسيس الجيش ولم يعد الخليفة بحاجة إلى التحالفات العشائرية ، توسع دور الخليفة القطب الاوحدد الذي تم استنساخ شخصيته في اغلب الشخصيات القيادية كما عبرت عنها الأفكار الدينية والصوفية حيث أصبح المهم هو الرئيس وأصبح الصحابة بمثابة إتباع وعبيده كما هو مع الكتاب والموظفين فهم البطانة التي تعزل الخليفة عن الناس ألعامه ولعل هذا يستدعي بنظرنا التصور الفارسي كما جاء في الإحكام السلطانية او الفكر الشرقي القديم الذي تضخمت شخصية الملك لديه هذه السلطة الفاعلة والمؤثر في تشكيل المخيال السياسي عند البحث عن طبيعة تلك السلطة في الثقافات السابقة للرأسمالية أولا، يطالعنا التحليل التالي:
1. تكون لدى إنسان الشرق ايديولوجيا تربط بين التصورات الاجتماعية والتصورات الكونية في مفهوم الدولة ـ التي من النمط الخراجي ( بدل الآسيوي ) ـ إيديولوجيا قوامها منظومة من المفاهيم والتصورات المركبة المتداخلة ، هي من اخص خصائص العقلية التي من النمط الخارجي ، تصورات توحد وتجمع بين: (1) الألوهية ؛ (2) الطاغية ؛ (3) وظائف السياسية القانونية ، وظائف التنظيم ( القانون الأخلاقي والديني ، القانون السلطوي القمعي ) الذي تقوم به الدولة الخراجية ؛ (4) نظام حركة الكون ؛ (5) خصوبة الحقول. وتتأسس الوحدة بين هذه العناصر في ذهن الرجل الشرقي القديم على الاعتقاد في الأصل الإلهي لسلطة الطاغية الحاكم المستبد والاعتقاد في القوانين التي يسنها. بإلهام من الإله ، هي قوانين مكملة بطبيعتها ، للقوانين الطبيعة ينتج الخصب ، خصب الأرض: هناك وحده بين الأمر التشريعي الصادر عنه وبين الحركة الكونية كالليل والنهار والفصول ( وبالتالي خصوبة الأرض ) لأنها جميعاً من الله. ( ).

ثانيا - العلاقة بين المثقف الفيلسوف والحاكم :

ان الحديث عن هذه الجدلية يقودنا الى الحديث عن العلاقة بين :
1- الفيلسوف والفقيه: اذ يشكل الاول عامل مغترب على ثقافة يهيمن عليها الفقيه الذي يهيمن على المشروعية الدينية التي ترتبط بالناس و التي تعمل الدوله على كسب طاعتهم . وهنا تاتي ملازمة الفقهاء للسلطة، ومسايرة السلطان للفقهاء، والعمل بأقوالهم وفتاويهم...، إن ذلك هو ما يشير إلى الارتباط الذي نحن بصدده: لقد كفر الفقهاء متكلمي الاعتزال بأمر من السلطان (المتوكل)، كما أحرق السلطان "علي بن يوسف بن تاشفين" كتاب الغزالي "إحياء علوم الدين" بإيعاز من الفقهاء( )من هنا يمكن ان ندرك دور الفيلسوف الذي يشغل حيز يقوم على التلميح لا التصريح ويعمل على انتاج خطابه بشكل يتوافق مع افق التلقي الا انه يعمل على التاسيس لللافكاره ورغباته من خلال القول بوحدة الحقيقة الا ان الطرق الموديه اليها متنوعة وهو قول يريد منها التاكيد على ان العقل احد المناهج التي تقر الثوابة الا انها تختلف في المسالك الا ان هذا يشكل محاولة من اجل كسبب الشرعية التي تبيح الخوض في قضايا ومواقف للفيلسوف فيها موقف مميز .
2- العلاقة بين الفيلسوف او المثقف بشكل اعم والسلطة : هنا يمكن ان نمسك بالكثير من ملامح الحده بين السلطة والمثقف تميل الى الترويض والاكراه او التوظيف او الاحتواء . وهنا يظهر الفارابي بوصفه مثقف ظهرت اهتماماته بالسياسة بينة ثمة الكثير من الاشارات التي تربط الفارابي بالفلسفة السياسية ، الذي كانت حياته تجمع بين ممارسة الفلسفة والمنطق، تأليفا وشرحا، إذ يقول بول كراوس: "إن النظرة السياسية تهيمن على فكر الفارابي لدرجة أن باقي الدراسات الفلسفية، بما فيها الإلهيات والأخلاق، وحتى الطبيعة والمنطق، تتبع تلك النظرة - السياسية- وتخضع لها"( )،ويرى هنري لاووست : بأن الجزء الرئيسي والمحوري في فلسفة الفارابي، وأكثر فروعها إحالة، هو سياسته وبين وجوده في علاقة مع السلطة السياسية. فقد انتقل إلى دمشق، ثم اتصل بسيف الدولة الحمداني صاحب حلب، فضمه إلى علماء بلاطه واصطحبه في حملته على دمشق( )
ثالثا- الفضاء السياسي للنص :

إن نظرة سريعة لكتاب "الفارابي"، المسمى "آراء أهل المدينة الفاضلة"، تكفي لاعتباره نموذجا ممتازا لارتباط "الفلسفة" و"السياسة"بل أن الكتاب يقدم لنا صورة متكاملة عن مكان الفعل السياسي داخل الفضاء الوسيط بشكل عام و الإسلامي الفلسفي على وجه الخصوص حيث مركزية الله هي المركزية الفاعلة على عكس الخطاب الحداثوي الذي ينطلق من مركزية الانسنة .
إذ احتل العقل النظري إلى جانب النص المرجعية الأساسية ومفادها ارتباط السماء بالأرض حيث كل شئ له غاية ماورائية ضمن فضاء متعالي حيث هناك خالق ومخلوق هو الكون والأخير ينقسم الى عالم سماوي يتسم بالثبات والكمال واللامادية مقابل عالم المادة عالم الكون والفساد كما رسمته الفلسفة اليونانية على المستوى العقل النظري وكما حدد فضاءه النص في الإسلام فأصبح لهذا الكون غاية مرسومه من قبل العلة الأولى . ولعل هذا الكتاب( ) خير ما يعبر عن تلك الرؤية إذ يتضمن خطابا في الميتافيزيقا، ويتعلق الأمر بالحديث عن واجب الوجود، وعن "تراتب الموجودات"، وعن "فيض العقول"، وعن "المادة والصورة"، وعن "اتصال النفس بالعقل الفعال". ويتضمن الكتاب نفسه، من جهة ثانية، خطابا في السياسية، ويتعلق الأمر هنا بالحديث عن "ضرورة الرئيس للمدينة"، وعن "خصال الرئيس" وعن "العدل".إن كتاب "آراء أهل المدينة الفاضلة" هو كتاب "فلسفة" و"سياسية". وعلى الرغم من أن فصول الحديث الميتافيزيقي تفوق، من حيث عددها البالغ سبعة وعشرين فصلا، فصول الحديث السياسي العشرة، فإن عنوان الكتاب، ومنذ البدء، يجعل منه كتاب "سياسة"، ويحدده كخطاب عن "مدينة فاضلة"؛ مما يسمح بافتراض أن القسم الميتافيزيقي في الكتاب (نظرية الفيض) مدخل ومقدمة للقسم السياسي (المدينة الفاضلة). ونمثل لذلك بما يلي:
أ – يطرح الفارابي ضرورة واجب الوجود - الله- لكي يتحقق وجود الموجودات ونظامها. كما يطرح ضرورة الرئيس لكي يتحقق نظام المدينة، ولكي تكون فاضلة. ونقرأ في هذا الطرح تماثل مفهومين أساسيين: مفهوم داخل النظرية الفيضية الفلسفة (واجب الوجود)، ومفهوم سياسي (الرئيس)، هذا التداخل بل والاحتواء والهيمنة بين السماء والأرض أو بلغة أرسطو عالم الأفلاك وعالم الكون والفساد حيث هذه العلاقة القائمة على هيمنة السماء على الأرض داخل نظام غائي ولعل هذا واضح في رؤية ومنهج الفارابي حيث الاجتماع السياسي يتبع للميتافيزيقا د اخل نظرية الفيض وقد ترجم هذا في كتابه :"أهل المدينة الفاضلة " حيث تم تناول الحديث عن القول في الموجود أول في تسع أبواب؛ ثم الحديث عن صدور الموجودات والنفس عنه وعلاقتها بالبدن والمنامات ثم الحديث عن الوحي ورؤية الملك في أربعة عشر باب ثم الحديث عن احتياج الإنسان إلى الاجتماع والتعاون والعضو الرئيس وخصاله ومضادات المدينة الفاضلة واتصال النفوس الخ تم تناول هذه الموضوعات فقط في اثنا عشر باب هكذا يمكن الحديث عن جزئين عالم ما بعد الطبيعة حيث العقل الأول والأفلاك والعالم الطبيعي أو الكون والفساد الذي يشكل جزء منه الاجتماع السياسي لكن تم دمج كل هذا عبر "نظرية الفيض "وهو ما يمكن تأصيله بالرجوع إلى أفلوطين ومفهوم القائلون "بالأحادية" فقد كان (أفلوطين) قد واجه المشكلات السابقة وقد كان بين ضاغطين الأديان التوحيدية من جهة، والفلسفة اليونانية من جهة أخرى اجتهد في أن يوفق بينهما فقال برد الأشياء الى الله على أساس أنها صدرت منه وبنفس الوقت حاول ان يبقي للمادة اختلافاً عن الله فافترض انها اخر الفيوضات، وبذلك فهي مثلت الفيض بالنسبة لها قبلها في سلسلة الفيض( ).
ومن هنا جاءت الاراء الكثيرة حول مفهوم الوجود وطبيعته والتي تشكل تأثيرا كبيراً في افكار العصور الوسطى اذ كان المدرسيون والفلاسفة المسلمون يميزون بين وجود الله ووجود سائر الكائنات ويرون ان لفظ (الوجود مشكل اي لا يدل على صفة بدرجة واحدة، فالوجود في الجوهر اقوى منه في العرض، والوجود في الله اقوى منه في الإنسان وربما لا نهاية له من الدرجات، ذلك ان وجود الله وجود بذاته (ens ase) بينما وجود الإنسان وجود بغير ه ( ).وفي هذا يفتتح الفاربي كتاب اراء اهل المدينة الفاضلة بالحديث عن الموجود الاول :هو السبب الاول لوجود سائر الموجودات كلها وهو برئ من جميع إنحاء النقص وكل ما سواه فليس يخلو من أن يكون فيه شئ من إنحاء النقص ( )

1- وجود إمكان داخلي لان بدونه لا يحصل التحول من القوة الى الفعل.
2- وجود معلول خارجي يحول القوة الى فعل لان بدونه تبقى القوة على حالها.

هذا النقص في الوجود جعل سعي الإنسان الدائم إلى الكمال الذي يفتقده على المستوى الوجودي أو على المستوى الروحي وهذا يتحقق من خلال الفعل المعرفي كما تصوره أفلاطون من قبل من خلال نظرية التذكر أو التصور الأرسطي من خلال الغائية من اجل بلوغ الكمال والتشبه بالعلة الأولى قدر المستطاع من اجل تحقيق الكمال وبالتالي السعادة التي أشار إليها سقراط من قبل :" الحياة العقلانية هي التي لها قيمة بحد ذاته لتكون هدفا للحياة ."لهذا يرى أفلاطون أن وظيفة السلطة :تحقيق السعادة للناس والمجتمع بما أن السعادة هي المعرفة لهذا وظيفة السلطة هي وصول الناس إلى المعرفة ألحقه والفضيلة .( ) هذا البعد الاخلاقي الديني له اثر في تصور فضيلة المعرفة التي بالضرورة تحيلنا الى ادراك الكمال وتجاوز النقص من خلال تصور طوباوي مختلف عن التصور التنويري الحديث اذالمعرفة وسيله لتغير والتحول مما جعل التصور السياسي رهين الخطاب الوسيط عن الترابط بين الاخلاق والسياسة مما جعل من النص السياسي "للفارابي" يحيلنا الى ارشيف فكري يوناني – افلاطوني محدث على مستوى الرؤيه والى الواقع الاسلامي من حيث الواقع المحرض على ايجاد المعالجة وبالتالي فالاجتماع السياسي سوى الوسيلة من اجل تحقيق تلك السعادة عند الفارابي وعبر المعرفة والاختيار .
وهناك من نظر الى هذه النظرة التوفيقية عند الفارابي هي نتيجة ضرورة سياسية فقط وليس لها ارتباط بالتصور الوجودي أو المعرفي ومضمون هذا الرأي هو : أن اتجاه الفارابي إلى ( البرهان ) لا ليعزز به ( البيان ) بل أكد إن ما في ( البيان ) هو مثالات لما في (البرهان ) إما العرفان فانه نتيجة للمعرفة( ) . ويعلل هذا الجمع والتوفيق بضغطك هاجس الوحدة الذي هيمن على اهتماماته ألفكرية من خلال ممارسة السياسة في الفلسفة فجمع بين أفلاطون وأرسطو من اجل إقرار وحدة العقل ، وبالتالي بناء وحدة المجتمع . ( ) . فقد جاء مشروعه السياسي وان كان خارج الدولة والسلطة الا انه كان محاولة ترميم وصيانة العطب الذي أصاب الدولة والتاكيد على إقامة الدولة بوصفها ضرورة أساسية لابد منها ، ومن هنا يمكن ان نلاحظ اهمية السياسة لدية تتجسد من خلال ملفوظ "الاجتماع " إذ كل واحد من الناس مفطور على أنه يحتاج في قوامه ، وفي أن يبلغ أفضل كمالاته ، الى أشياء كثيرة لايمكنه أن يقوم بها كلها هو وحده ، بل يحتاج الى قوم يقوم له كل واحد منهم بشيء مما يحتاج أليه000)( )0 لهذا فان الفارابي سعيا الى تحقيق غايته فانه سعى الى جعل المعرفة البرهانية تنتهي بأسمى درجاتها إلى (الاتصال ) بالعقل الفعال أخر العقول الفائضة من السبب الأول الله ، هذا أن التأويل الذي جاء به الفارابي هو بمثابة انصهار أفاق بين الفكر الإسلامي وماضي المنطقة والفكر اليوناني والواقع الذي تعيشه ألامه زمن الفارابي هذا التحويل احدث نافذة جديدة للحوار الفكري مما نتج عنها فكر متعدد الأفاق هو يوصف عند البعض ؟ هرمسي إلا انه فكر كانت له أصالته التي لا يمكن تقيمها بهذه الإحكام المتسرعة يقوم على منطق ماهوي ثابت( )
ب –المفهوم السياسي (الرئيس) أو "العقل". يمكن أن نرصد التمركز الذي يظهر في معالجة الفارابي لهذا المفهوم :
1- رغم أن الفارابي في البداية بدا الحديث عن الاجتماع المدني وضرورته لكل فرد إذ لا يمكنه أن يستغني عن الجماعة إلا انه أيضا يؤكد حاجة الجماعة إلى الفرد / الرئيس إذ انه ضروري من اجل اكتمال المدينة لان به تحصل المدينة وأجزاؤها لأنه مثلما الله هو المحرك الأول واجب الوجود : مصدر الكون وعلة نظامه. ومثلما أن القلب الذي يتكون أولا يكون السبب في سائر أعضاء البدن فإذا كان "العقل" مصدر النظام والتوازن في "قوى النفس"، وإذا كان العقل ضروريا للجسم، فإن الرئيس - أيضا- ضروري للمدينة لان الرئيس : مصدر نظام المدينة.الملاحظ في المقولة الأولى استدلال ينطلق من مقولة ميتافيزيقية فيما الثاني مقولة طبيعية إما المقولة الثالثة فهي تنطلق من بعد اجتماعي سياسي . اشتراط الفارابي ضرورة وجود الفلسفة في رئاسة المدينة: إن الرئيس الأول، خليفة الله في الأرض، يتميز بمجموعة من الصفات، ومن بينها: صفة الفيلسوف، الذي يملك القدرة للاتصال بالعقل الفعال، فيستمد المعارف العقلية بعقله. ولعل ذلك ما دعا المستشرق "ديبور" إلى أن يستنتج من الصفات التي أحصاها الفارابي للرئيس الأول، في المدينة الفاضلة، أن هذا الرئيس هو "أفلاطون في ثوب النبي محمد"( ).
2- ضرورة الرئيس ممكن أن تكون هناك رئاسة فاضة حتى لو لم تكن هناك مدينة فاضلة .(لان الملك والإمام هو بماهيته وصناعته ملك وإمام سواء وجد من يقبل به أو لم يوجد ، أطيع أو لم يطع ، وجد قوما يعاونوه على غرضه أو لم يجد )( ).
3- ضرورة الرئيس لان السياسة الفارابي رأي صائب .انها علم وليس حنكه ودهاء والمدينة الفاضلة موجودة في دماغ رئيسها قبل أن توجد كواقع اجتماعي انها برنامج وتخطيط وليست نظما اجتماعية .لهذا اشترط أن يكون (قد عرف الفلسفة النظرية على التمام )( ) ان هذا النص يحيلنا الى امرين :الاول منهما الى التحديد الفكري اليوناني الافلاطون خصوصا ومن ناحية ثانية الى الشرع الذي هو انعكاس الى الارادة الالهية وبالتالي الابد ان تكون الفكرة تسبق الوجود لكن ليس على الطريقة المثالية والا كانت مغتربة عن الواقع بمعنى هي فكرة تعد استجابة للواقع وافق توقعة ؛ الا انها فكرة تعبر على مقدرة القائد ومعرفته وما يحويه من فكر وتخطيط يجعل منه محل التغير والمحرض عليه ، وهو هنا الرائيس الاول حصرا .
4- الرئيس الأول هو الرئيس على الإطلاق الذي لا يحتاج إلى مرشد ورئيس آخر ، هو صاحب كل العلوم والمعارف فلا يكون عارف بالكليات فقط محيطا بالأمور التدريجية الحصول ، وعارفا بالا حكامها أيضا ، وصاحب قدرات على تدبير وفي إيكال كل عمل إلى الشخص المناسب له .وكل هذه القدرات رهن بارتباطه بالعقل الفعال والاستعانة المباشرة به .وهو من يسمونه الملك الذي يقال عنه مهبط الوحي الإلهي .( ) الملاحظ هنا ان الفارابي مازال يؤكد على البعد الغيب العقل الفعال ، الانه مصداق اليقين في افق التلقي الاسلامي وليس البرهان فقط ،الا انه مازال يؤكد عل الطرح المثالي اذ يربط نجاح الرئيس بوجود القاعدة اي المجتمع الذي يحكمه هذا الرئيس مجتمع فاضل وبالتالي ان نجاح الرئيس ليس مرتبط به بل مرتبط بالمجتمع الذي يشكل البعد الثاني الا انه هنا نرصد امرين ايضا اذ الاول منهما ان المجتمع هو دليل نجاح الرئيس فالمجتمع هنا يراد منه ان يكون فاضل اي يشكل ذهنية الطاعة ( ) ذو بعد سلبي عليها يعلق دائما نجاح الفكرة المثالية وفشلها دون ان يتحمل النتيجة الرئيس الذي يريد ان يكون الواقع متناسب مع فكرة لا العكس وهذا هو ناتج المنطق القائم على المطابقة بين التصور والتصديق الا ان الرئيس لديه ملامح مختلفة عما شاهدناه عند افلاطون بل هو تامل الواقع الاسلامي اذ يشير الفارابي الى وجود رئيسان : رئيس أول الصالح الماضي يجب تدوين سنة وإدارة المدينة على أساسها .الرئيس الثاني الذي يتولى هذا الواجب في عصر غيبة الرئيس الأول ملك السنة .( ) أما الرؤساء من أجل تعديل شريعة الرئيس الأول، حسب متطلبات أزمنتهم. يقول الفارابي "يقدر- الرئيس الثاني- ما لم يقدره الأول، وليس هذا فقط، بل وله أيضا أن يغير كثيرا مما شرعه الأول، فيقدره غير ذلك التقدير، إن علم أن ذلك هو الأصلح لزمانه".( ) ان هذه الفكر التي تظهر في قالب استعاري الا انها مهمه جدا في معالجة الفارابي الى الواقع الاسلامي في كل الازمنه وتعد واحدة من اطروحات كل المصلحين في كل الازمنه التي جاءت بعد الفارابي التي تجمع بين الثابت والمتحول في الشريعة اذ جاز لنا التامل والتفكر بها اذ الشريعة قابله الى التغير بما يتناسب مع متغيرات الزمان بما يتعلق بالمعاملات الا ان العبادات تعد ثابة وبالتالي فان مجال التحول يدخل ضمن تاريخية القراءات التي تريد ان تجد معالجة تقوم على تاصيلها في الشريعة تاويل او تاسيسا عبر القياس الا انها ما ان تغدو فكره مهيمنة حتى تحول الى دوغمائية لاتقبل النقد .فاشارة الفارابي مهمه هنا ضمن هذا الطرح .
5- أن الملامح التي يصف بها الفارابي الرئيس فهو : ليس الذي يطرح نظاما ميتافيزيقيا يبحث فيه عن طريقة لإقرار الحقيقة ولكن الحكيم هو في الواقع متحد بعقله بالعقل الفعال إلا انه ليس بعيد عن العامة بالشكل الذي يوجد عليه الأمر عند المعلم اليوناني. ( ). ان المعالجة التي ياتي بها الفارابي تحاول تجاوز البعد المثالي الذي كان يطبع المعالجات الفلسفية التي تريد ان تغير الواقع الا كما تفترضه حاجات الناس بل كما تفترضه تاملات الفيلسوف الذي غالبا ما تقود الى الماسي لانها مثالية غير قابلة للتطبيق وبالتالي عندما يفشل الفيلسوف في تطبيقها يتهم المجتمع ويعتزل عنه كما فعل افلاطون الذي تراجع عن الكثير من افكاره عندما كتشف كونها مستحيل . هنا الفارابي يريد ان يقدم تصور جديد معاكس لتلك السلوكيات النمطيه للفيلسوف؛ ومن ناحية اخرى نقد للاخلاق السلطانية التي افترضت برج عاجي للسلطان بعيد عن الناس .فالقرب من الناس حسب الفارابي قرب من الواقع وتحدياته .
6- هاهنا يكون ضروريا أن يتوفر شرط "التعقل"، أو "التفلسف"، في سياسة المدينة. بل إن هذه الضرورة ستكون أقوى وأبرز عندما يطرح الفارابي مبدأ "الرئاسة الجماعية" للمدينة، إذا لم توجد شروط الرئاسة في شخص واحد. ان التامل في الموقف الفارابي هذ يظهر النا ويتضح ذلك في قول الفارابي: "إذا لم يوجد إنسان واحد اجتمعت فيه هذه الشرائط، ولكن وجد اثنان : أحدهما حكيم، والثاني فيه الشرائط الباقية، كانا رئيسين في هذه المدينة الفاضلة، فإذا تفرقت هذه في جماعة، وكانت الحكمة في واحد، والشروط الأخرى في آخرين، وكانوا متلائمين، كانوا هم الرؤساء الأفاضل"( ). ان هذا النص يمكن ان يشير الى المسكوت عنه في الواقع الذي يشر اليه النص او يقبل التأويل ضمن ما هو ممكن التفكير فيه اذ الفارابي ضمن هذه التاملات الفلسفية كان يقرر ضرورة وجود سمات معينة للرئيس تقوم ضمن ماتقوم عليه السلوك الذي قوامه التعقل والمعرفة وهي تشير الى الاصل اليوناني المقارب من المثال العادل القائم على الفضيلة" لربان السفينة "الهادي الى السلوك الفاضل، والى الاصل الاسلامي اذ تعد المعرفه السلوك القويم المقارب للشرع الراعي العادل الذي يحرس الرعية ويخضع للمراقبة الالهية الحاضرة في الشرعة والتي غالبا ماتعتمد عليها كل الحركات المعارضة التي تظهر انحراف الرئيس الذي يظهر بوصفه الذئب وتقدم انموذج كامل يتناسب مع الرؤية الرعوية . وبالتالي الفارابي يريد للنصه ان يؤسس لسلوك يخالف االيات البطش للسلطة التي تتعالى من خلال اصل متخيل على العامة وتعتمد العنف وسيله من اجل اخضاعهم وعلى اخلاقيات الطاعة السلطانية من اجل الترويض والاخضاع من خلال العنف الرمزي ، الا ان هذا الامر الذي باعثة سياسي بامتياز غالبا ما ياتي بمعارضعه تعتمد ذات الالية في التاسيس للعنف لعنف مقابل ، ذهنية مازالة اثارها حاضره في المشهد السياسي والفكري والديني تعتمد على القيادة الرعوية الكرزمه المنقذ من الظلالة ؛الا ان الفارابي في الوقت الذي وضع فيه تمايز بين الرئيس المشرع والرئيس الثاني جاء بمعالجة ثالثة قابلة الى التامل والتاسيس والتحويل انها القيادة الجماعية ؟ الا ان يبدو أن الفارابي اهتم بالبعد الطبيعي والأخلاقي في تكوين الرئيس أكثر من اهتمامه بالبعد الخارجي أي الإطار المؤسس القانوني الذي يرسم ويحدد مجال حركة الرئيس انه في الوقت الذي تأثر بأفلاطون في الحكم المثالي كما جاء في حديثه عن أنواع أنظمة الحكم في كتاب الجمهورية " النظام الاستبدادي:حكم الفرد المستبد المستنير يظهر عندما تزداد الحرية ويستخف الناس بالأنظمة والقوانين.( ). وبقت معالجته على المستوى المفهومي رهينة البعد المثالي والانتربولجي "الذي وجده أفلاطون نفسه غير ممكن لهذا حاول أن يقيد الرئيس بالقانون إلا أن الفارابي لم يراعي سوى البعد الطبيعي أي اكتماله والبعد الأخلاقي بما يتعلق "بجهاد النفس" وهو بهذا اثر على كل النصوص السياسية على اختلاف مرجعياتها والتي هي اقرب ما تكون إلى الفارسي والإحكام السلطاني والى التراث القديم منها إلى التصور اليوناني رغم انه اعتمد على ذات التصورات المجازية في التمثيل بين المجتمع ومكان الرئيس فية والقلب داخل الجسد وهذا يذكرنا بأفلاطون . (لذا البشر كالجسم لكل عضو وظيفة ؛لهذا يقسم أفلاطون البشر بحسب قدراتهم ، والعقلية والجسمية لحمل مسؤولية وتوفير مستلزمات الحياة للدولة والخضوع للحكام وطاعتهم) ( )
إلا ان افلاطون في هذا الكتاب / السياسة عاد طرح تساؤلا جديدا المقارنة بين حكم الفرد وحكم القانون جاء الجواب إذا كان حكم الفرد هو الفيلسوف هو الأفضل والأكثر خيرا وهو لا يحتاج إلى قوانين للتميز بين الخطأ والصواب ؛لكنه نظام مثالي على مستوى الممكن الذهنية إذا النظام البديل هو النظام المحدد بقانون.
إما في محاورة " القوانين " فإننا نجد تغييرا جذريا في نظرته إلى مشكلة الدولة تظهر في جانبين : من جهة نجده يتخلى عن النظرة التي يفضل منها نظاما على أخر ويميل ألان إلى تبني نظاما مختلطا تظهر فيه عناصر من النظم الثلاث ( الحكم الفردي وحكم الأقلية والحكم الشعبي ) ومن جهة أخرى نجده يعطي المكان الأول في الدولة للقانون . هناك مجلس شعبي ومجلس للشورى لغرض إصدار القوانين وهناك مجلس أخر لمراجعة هذه القوانين( )



#عامر_عبد_زيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقاربه في المنهج
- إمام الصمت والاستقطاب الطائفي ماذا يحدث في اليمن ؟
- قراءة في مشروع بول ريكور التاويلي
- اطياف الديمقراطية في تمثلات الذات العربية
- اللغة واليات انتاج المعنى
- مقاربه في المجتمع المدني
- الحجة للقيام بإعمالهم العدوانية .مختارات من اعمال المفكر الع ...
- التعويضات بحق العراق ونظام الخلافة الدولية / مختارات من اعما ...
- رهانات التحديث والديمقراطية و الواقع العربي
- المرأة وثقافة اللاعنف.
- مقاربات في الخطاب السياسي المسيحي الوسيط
- من أجل هوية أكثر انفتاحاً
- قراءه في كتاب -من جدلية الاخر الى الذات-.للمفكر حسن مجيد الع ...
- من التسامح إلى الاعتراف
- نقد أطياف التمركز في القراءات الغربية
- بابل عاصمة الثقافة العراقية مقاربات وشهادات
- إشكاليات الحداثة والتراث
- قراءة في كتاب الحروب العدوانية وما أفرزته من قروض وتعويضات ب ...
- مختارات
- من اجل ترسيخ ذهنية التسامح


المزيد.....




- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عامر عبد زيد - جدلية المثقف والسلطة في الخطاب السياسي عند فلاسفة الإسلام