أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - سعيد مضيه - مأزق المجتمعات ومحنة المفكرين في ظل نهج القهر















المزيد.....

مأزق المجتمعات ومحنة المفكرين في ظل نهج القهر


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 2890 - 2010 / 1 / 16 - 20:26
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    



استجابة لسؤال مجلة "الحوار المتمدن" حول مطالعاتي في العام الفائت أقول أن كتاب " الإنسان المهدور" يعتبر من أهم مطالعاتي وقد أضاء تفكيري في لغز مأزق التقدم في المجتمعات العربية. الكتاب من تأليف الدكتور مصطفى حجازي ،الباحث المهتم في قضايا المجتمع العربي. وكنت قد عثرت، وأنا بالسجن، على مؤلف للباحث بعنوان " الإنسان المقهور / التخلف الاجتماعي". والكتاب مرشد عملي للباحث الاجتماعي وللمناضل السياسي؛ فهو يتعمق في النفسية الاجتماعية التي يصطدم بها كل ساع للتنمية المجتمعية. بعد الخروج من السجن بسنوات وجدت الكتاب في إحدى مكتبات دمشق واقتنيته واستعاره مني العشرات من الأكاديميين ومعدي الأطروحات الأكاديمية.
أما الكتاب الذي نحن بصدده فيتعمق في ظاهرة الهدر، يجري الباحث محاكمة عادلة لنظام الاستبداد والقهر الاجتماعي، أو الطغيان. سبق أن قدمت لقراء " الحوار المتمدن" عرضا للكتاب على حلقتين في 18 و19 آذار 2009. يؤكد الكتاب أن مفعول الطغيان السياسي ونظام الهدر الإنساني لا يزول بسقوط النظام، بل تبقى رسوباته تفعل بصورة سلبية في نفوس البشر، وتشكل اعتلالات نفسية، حيث يهدر في الأفراد الوعي والتفكير والإرادة. يبتلع الإنسان مضطرا علاقات الاستبداد وعلاقات الهدر؛ وحين تترسخ في بنية الشخصية تستعصي على التجاوز التلقائي وتعيد توليد ذاتها مكرسة العلاقات المرضية كما يقول الكاتب.

الكتاب يتألف من تسعة فصول تتناول: هدر الإنسان محدداته وتجلياته، العصبيات والهدر، الاستبداد والطغيان وهدر الإنسان، الاعتقال والتعذيب وهدر الكيان، هدر الفكر، هدر الشباب ، الهدر الوجودي في الحياة اليومية، الديناميات النفسية للإنسان المهدور ودفاعاته، وأخيرا علم النفس الإيجابي وبناء الاقتدار ومجابهة الهدر، أي سبل استعادة الصحة النفسية للبشر المهدورين. في الفصول الثمانية نجد تفسيرات للاختلالات الاجتماعية والخلقية التي ترهق المجتمعات العربية وتعطل تطورها وتبقيها تدور منذ أكثر من قرنين في دائرة مغلقة على تخوم التخلف التاريخي للمجتمعات العربية؛ ونجد في الفصل التاسع والأخير الجواب على سؤال مأزق التقدم في المجتمعات العربية. يتضمن الفصل التاسع الدليل المنهجي لكل من تعنيه قضية الخروج من مأزق التخلف . في هذا الفصل يتبين القارئ أن حشد الجماهير وتعبئتها خلف قضايا التحرر والتقدم كفيل بترميم نفسيات الأفراد ووضعهم على درب الوعي الاجتماعي واستعادة إرادة الفعل المحكوم بالعقل، والهادف لتحرير المجتمع وتقدمه وديمقراطيته وتنميته.
يبين الكتاب وجود تحالف وطيد بين قوى الهدر الخارجية وقوى هدر الذات الداخلية. والواقع أن الهدر الخارجي لا يقيض له النجاح التام إلا بمقدار ما يقبل الفرد أو المجموع تبخيس الذات. وتلعب أنظمة العصبيات الطائفية والعشائرية في استفحال ظاهرة الهدر ، حيث تفرض الانتماء المشروط والمحدود الذي لا يرقى إلى الانتماء الوطني ويشيع التمييز بصدد حق المواطنة. من خلال العصبية أو الأصولية تنهار العلاقات الإنسانية، إذ تهدر أعضاء العصبية و"الأغراب" أيضا؛ ومع هذا الهدر المزدوج يأتي هدر المؤسسات وهدر الوطن، حيث لا تعترف العصبية بشيء فوق كيانها ، ولا حتى خارج كيانها ذاته.

هدر الإنسان يتلازم مع هدر الموارد والثروات. في عالمنا العربي لا تكاد ممارسات الفساد والاستحواذ غير المشروع تثير فضيحة؛ بينما هي في البلدان المتقدمة تتحول إلى فضائح تطيح بالرؤوس. ويكمل السلسلة هدر المؤسسات، خاصة مجتمعات الحداثة إذ تقوض من الداخل لتجيّر في خدمة مكاسب ونفوذ السلطات والحاشية من ممثلي العصبيات على اختلافها. وحين يتم هدر المؤسسات والثروات يتم الاستفراد بالإنسان وكيانه من خلال تجريده من كل مرجعيات القوة والمنعة والحقوق. والهدر ثلاثي الأبعاد ـ هدر الفكر والطاقات والوعي ـ وهذا ما يتم تغييبه، أو تجاهله، حين يتم تناول قضايا الديمقراطية ونظافة الحكم بمعزل عن تناول مصير الرازحين تحت وطأة طغيان الحكم وعصبياته، أو حين يتم التركيز على حرية النشاط الحزبي بمعزل عن حرية جماهير الشعب العريضة في التنظيم وحق معرفة الحقيقة.
هدر الفكر يُفقد الأفراد سيطرتهم على مصائرهم بالذات ويفضي إلى إفلات زمام تسيير الحاضر واستشراف المستقبل وصناعته. يتم اختزال الكيان الإنساني ذاته من خلال رده إلى مستوى النشاط العصبي الموجه لإشباع حاجات البقاء البيولوجي التي تضبط وظائف الأكل والنوم والجنس والانفعال. هكذا نلحظ تغلب الانفعالية على العقلانية لدى مختلف مستويات النشاط السياسي في المجتمعات العربية.
وحيث يهدر التفكير في ظل غياب المؤسسات يهدر الفكر والمفكرون كذلك. ونحن شهود فواجع من تسلط الجهالة وتعسفها في تغييب الأعمال الفكرية وحوادث الاغتيال المادي والمعنوي للمفكرين. في عشرينات القرن العشرين رد النائب العام القضية المرفوعة ضد الدكتور طه حسين لأن ما ورد في كتابه " الشعر الجاهلي" يعد من مقتضيات البحث العلمي ولا تجوز مؤاخذته عليه ؛ هذا بينما حكم في أواخر القرن على نصر حامد أبو زيد لأنه حاول التفكير في زمن التكفير، في زمن الردة على توجه التحرر الوطني. وهنا تكمن محنة المفكر النقدي ، صاحب مشروع التغيير التقدمي.
نصر حامد أبو زيد أجرى محاكمة للواقع العربي العقلي والاجتماعي، السياسي والاقتصادي. فحيث يعطل العقل في المؤسسات الأكاديمية ، لا بد من شريحة اجتماعية محلية صاحبة المصلحة في التعطيل. وحيث يتراجع العقل أما م تحكم النص ليكون رجل الدين "الخبير في كل شؤون المعرفة " ،فذلك يتم خدمة لمصالح طبقية مهيمنة. احتكر ت تيارات دينية حق تفسير النصوص الدينية وحق تكفير مخالفيها ، أي تعريضهم للتصفية المعنوية والمادية، وهذا ملازم لحكم الطغيان والهدر. حقا فإن غلبة التيار السلفي، كما يرى ابو زيد ، كانت له "امتداداته الضارة في بنية الوعي على جميع المستويات الاجتماعية والسياسية والفكرية على حد سواء. إنه باختصار يساهم إلى جانب جميع أجهزة القمع من الشرطة والجيش والتعليم والإعلام ، في ترسيخ بنية وعي المواطن المذعن الخاضع المطيع ، ويساهم من ثم في تثبيت الواقع المحقق لمصالح طبقية حادة". إلى جانب ذلك أكد الباحث النقدي في البنية الفكرية العربية الراهنة، أنه حين تستتب السلطة للنص تستبعد تجربة الحياة ومعطيات الواقع من مفعول العقل الذي يغدو سلفيا . فالمدرسة والجامعة وجميع مراكز العلم تغذي السلفية والعقل السلفي. " وإذا أضفنا لذلك أن منتجي هذا النمط من الخطاب الديني هم في الغالب أساتذة في الجامعات وفي المؤسسات العلمية أدركنا فداحة المصاب في عقل الأمة ووعيها العلمي". وهذا ما جر علي المفكر النقدي حقد طائفة من الأكاديميين المقيدين بالنص والمعارضين للنقد أداة التطور والتغيير التقدمي. استندت الحملة المناهضة إلى تقرير أكاديمي مرق عن طابع الأكاديمية، وائتمت به كل الدراسات " الفكرية " المشايعة على قاعدة " لا داعي للتثبت أو التحقق فقد كفانا مولانا الشيخ عناء التقصي". إنه النقل في مقام العقل. كما استخدمت خطب الجوامع والكتب الموزعة مجانا وشتى صنوف الإثارة. وكل المشاركين في الحملة المناهضة للعقل تحققوا من عجزهم في إسكات العقل الباحث في ميدان الفكر الديني او منازلته بمنطق العقل، فلجأوا إلى التكفير تكئة لنقل القضية إلى المحاكم وبقية أجهزة الطغيان كي يسكتوه. وهذا أحد معالم مرحلة الانحطاط والتردي الذي تجتازها الأمة.
تضامن مع المفكر الكبير عدد من الكتاب والمفكرين العرب ، وصدرت بيانات تضمن مع نصر حامد ابو زيد ، ولكن المرحلة تميزت بهدر الفكر وهدر المؤسسات التي تحمي الفكر الحر النقدي، فلم يعد للمفكرين والمثقفين تلك الهيبة التي كانت في زمن سبق.
أذكر أنني أحضرته في سيارتي من الفندق الذي أقام به في عمان لإلقاء محاضرة في رابطة الكتاب الأردنيين . كان ذلك عام 1992 وقد انطلقت شرارة الفتنة. قال لي في الطريق إنني مسرور أن نصر حامد أبو زيد هو خصمهم هذه المرة ؛ إنهم يُرهبونني كي أتراجع وقلت لهم إن هذا لن يكون . فهذا المفكر من اكبر العقليات وأكثرها استقامة ومبدئية شهدها الفكر العربي في العصر الحديث. قال في مقابلة صحفية أجريت مؤخرا أن عقدته تحل بمجرد أن يتوجه إلى هيئة شرعية وينطق بالشهادتين، " لم أكن أريد أن أؤسس لسلطة تبحث في قلوب الناس". لم يدر الصراع في ميدان الإسلام بل في الميدان الاجتماعي. السلفيون يسترون مواقفهم كخدم للمحافظة الاجتماعية بقناع الدفاع عن الدين ؛ يضعون الإسلام في معارضة " العلمانية". ولكن العلمانية التي يقارعونها لا تخرج عن تحديث المجتمعات العربية والانتصار للناس المهدورين والمغيبة حقوقهم. يتكامل مع الموقف الجريء الذي اتخذه أبو زيد موقفه لدى وقوفه لأول مرة محاضرا في الغرب : " كنت خائفا أن يتم استقبالي في أوروبا باعتباري متمردا عن الإسلام، وأنا لست كذلك. نطقت بالشهادتين حتى أقول لهم إذا كنتم تحتفلون بي لأنكم تعتقدون أنني ضد الإسلام فذلك خطأ، لأنني باحث من داخل دائرة الحضارة العربية ـ الإسلامية. أنا مجرد باحث في منطقة ملغومة بالأسئلة الصعبة، لست كافرا ولا درويشا في الوقت ذاته".
هزيمة أبو زيد هزيمة للعقل أمام النقل ، هذا المسار الهابط بالثقافة العربية ـ الإسلامية منذ أواخر القرن الثاني الهجري. لم تجلب الصحوة الإسلامية تجديدا للفكر الديني بما يلائم حاجات العصر ويجيب على الأسئلة الصعبة التي تلغم الواقع الاجتماعي والفكري وتشغل الإنسان المؤمن في عالم ضاق وتقارب بفضل الثورة العلمية التقانية ؛ حدث تلاحم بين نزوع العولمة إلى الهيمنة وبين أنظمة هدر الإنسان والمؤسسات والمال العام فعملت مؤسسات هدر الفكر والوعي والإرادة بطاقة استثنائية.



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لعبة كرة القدم ضمن برامج هندسة الموافقة
- هيستيريا كرة القدم
- تحية تقدير واعتزاز للحوار المتمدن في عيده
- لا يطلبون سوى الإقرار بأن الفلسطينيين دخلاء في وطنه
- محو التاريخ اوهام تبددها شواهد التاريخ الثقافية والاجتماعية
- إنهم فاشيون إرهابيون وليسوا مجرد متطرفين
- اليسار حركة وتغيير وليس مجرد تسجيل مواقف
- الاحتلال والتهجير والجرائم الملازمة هي عناوين الحالة الفلسطي ...
- هذا الجدل العقيم دخان يحجب ما خلفه 3
- هذا الجدل العقيم دخان يحجب ما خلفه-2
- هذا الجدل العقيم دخان يحجب ما خلفه
- إسرائيل إذ تمثل دور الضحية
- زوبعة أبو اللطف
- تخبط وارتجال ي مواجهة المنهجية المتماسكة والمثابرة
- من اجل فلسطين نظيفة من دنس الاحتلال وجداره ومستوطناته
- لقدس مجال تدافع ثقافي
- أوباما : بشير تحولات أم قناع تمويه؟
- خطة استراتيجية للتحرر الوطني الفلسطيني
- الجدار نقتلعه أم يقتلعنا(3من3)
- الجدار ..نقتلعه أم يقتلعنا(2من3)


المزيد.....




- وزير دفاع أمريكا يوجه - تحذيرا- لإيران بعد الهجوم على إسرائي ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لعملية إزالة حطام صاروخ إيراني - ...
- -لا أستطيع التنفس-.. كاميرا شرطية تظهر وفاة أمريكي خلال اعتق ...
- أنقرة تؤكد تأجيل زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة
- شرطة برلين تزيل بالقوة مخيم اعتصام مؤيد للفلسطينيين قرب البر ...
- قيادي حوثي ردا على واشنطن: فلتوجه أمريكا سفنها وسفن إسرائيل ...
- وكالة أمن بحري: تضرر سفينة بعد تعرضها لهجومين قبالة سواحل ال ...
- أوروبا.. مشهدًا للتصعيد النووي؟
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة بريطانية في البحر الأحمر وإسقا ...
- آلهة الحرب


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - سعيد مضيه - مأزق المجتمعات ومحنة المفكرين في ظل نهج القهر