أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - محمد عثمان ابراهيم - التقارب المصري الإثيوبي: أين مصالح السودان؟















المزيد.....

التقارب المصري الإثيوبي: أين مصالح السودان؟


محمد عثمان ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 2888 - 2010 / 1 / 14 - 10:21
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


مثلما لا يمكن التغاضي عن حقيقة أن النيل لا يصل بين الهضبة الإثيوبية والسهل المصري مباشرة، فليس بوسع القاهرة وأديس أبابا تجاهل ما صنعه الله بوجود السودان بينهما كجسر للتواصل الإيجابي أو معبر للإشتباك السلبي.
أمن مصر القومي يحتاج إلى أخوة السودان هذا أمر لا مناص منه، لكنه يحتاج ايضاً الى صداقة إثيوبيا أو بالعدم إخضاعها. هذه هي حقائق الجغرافيا والأمن والإستراتيجيا وإن تحدثت السياسة بلسان بينما القلب يصلي بلسان آخر.
البند الأساسي في علاقة مصر بإثيوبيا هو المياه. يتنامى عدد سكان مصر بشكل كبير وقد تجاوز في يوليو من العام الماضي حاجز ال 83 مليون نسمة وتحتل المركز الخامس عشر من حيث عدد السكان حول العالم وتسبقها في المركز إثيوبيا بحوالي 85 مليون نسمة. يعتمد البلدان على الزراعة حيث يعمل بها في مصر حوالي 40% من السكان الذين يعيشون على جانبي النهر العظيم بمساحة تتجاوز قليلاً 5% من مجمل مساحة البلاد فيما تعتبر بقية المساحة صحراء غير قابلة للعيش فيها، أما في إثيوبيا فيعتمد حوالي 80% من السكان على الزراعة وهي النشاط الإقتصادي الرئيسي والأكثر عرضة للإنهيار بسبب موجات الجفاف المتعاقبة والتي وضعت البلاد على رأس قائمة دول العالم الأكثر تعرضاً للمجاعات. بعبارة أخرى ينبع النيل في غالبه من إثيوبيا لكنها تحصل على نسبة لا تزيد كثيراً عن الصفر من مياه بحيرة تانا والمرتفعات " إننا ننتج حوالي 85% من مجمل مياه النيل لكننا لم نستفد من هذا المورد على الإطلاق حتى الآن... إن الكمية التي نستخدمها أكثر بقليل من الصفر" على حد قول مسفينتا جيني، نائب وزير المياه الإثيوبي لإذاعة البي بي سي (24 فبراير 2005).
مسألة المياه في مصر أكثر حيوية واهمية قياساً بالكثير من دول حوض النيل الأخرى ففي غياب إحتياطيات موارد وثروات طبيعية أخرى فإن إعتماد الإقتصاد على الشق الزراعي (إضافة الى السياحة وإيرادات قناة السويس) يبدو أمراً لا بديل له على المدى المنظور. وفي ظل ارتباط ما يقارب نصف السكان عليه في معاشهم فإن أي إرتباك في إمداداته سيعني تحول نسبة هائلة من العاملين الى فئة العاطلين عن العمل في بلد تبلغ فيه نسبة العطالة أكثر من 9% (رويترز 16/5/2009) أي ما يقارب المليونين ونصف المليون عاطل في سن العمل. هذا العدد الكبير واي إحتمالات بزيادته سيشكل هاجساً أمنياً كبيراً وعبئاً على ميزانية اجهزة تطبيق القانون المتضخمة نظراً للتكدس السكاني في المدن الكبرى وتنوع وتزايد إحتمالات ممارسة الجريمة أو التحول الى رصيد بشري للمعارضة السياسية والجماعات الإرهابية. هذه كلها مخاوف مصرية مرتبطة بالأمن المائي والمعادلة في غاية الصرامة والدقة فمياه النيل لا تتزايد وهي موجودة كما هي (بغض النظر عن التأثرات المناخية عليها زيادة ونقصاناً) منذ القدم، لكن مصر تحتاج الى زيادة نصيبها من المياه مما يعني نقصان نصيب الدول الأخرى الشريكة في النيل واولها إثيوبيا والسودان اللذان لا يحصلان على حصتهما القليلة حتى الآن وفق إتفاقية مياه النيل العتيقة فيما يتزايد عدد السكان فيهما بوتائر متسارعة حيث تعتبر إثيوبيا الدولة التاسعة في العالم من حيث النمو السكاني فيما يحتل السودان (41 مليون نسمة) المركز رقم 48 (موقع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية على الإنترنت).
مع إعتراف الدبلوماسي المصري المخضرم والأمين العام السابق للأمم المتحدة د. بطرس بطرس غالي بأن أمن مصر يعتمد على المياه بشكل رئيسي فإنه يحدد المشكلة كما يلي: " لدينا الآن مشكلة حقيقية... نحن نحتاج الى المزيد من المياه، ولا يمكننا الحصول عليها إلا بالتوصل الى اتفاق جديد مع دول المنبع، التي تحتاج أيضاً للمياه... وفي غياب هذه الإتفاقية فإن حدوث صدام عسكري هو أمر مؤكد" (حديث لبي بي سي 24/2/2005) وقد عبر غالي عن رؤيته لمستقبل المنطقة بوضوح قائلاً " إن الحروب المستقبلية بين الدول لن تكون بسبب النفط أو الحدود، لكنها ستكون فقط بسبب المياه".
لم تكن مصر أبداً على وفاق مع أي من بلدان حوض النيل وباستثناء علاقاتها ذات الطابع الخاص مع السودان فإن مصر ظلت في الواقع خصماً شبه دائم لإثيوبيا بسبب قضية مياه النيل. قبل سنوات أعدت دول مبادرة حوض النيل مشروع إتفاقية جديدة لإقتسام الموارد المائية من ثمانية وثلاثين بنداً وافقت عليها جميع الدول مل عدا مصر –بطبيعة الحال- والسودان وهما البلدان اللذان يرفضان أي مساس بنصيبهما وفق الإتفاقيات السابقة فيما يفضلان حل خلافاتهما حول نفس الموضوع في إطار سياسي يتجاوز الإقتصادي ليخلط الأمر بالشئون السياسية والأمنية والتحالفات في إطار المنظمات الدولية والقارية.
لم تنقطع الدبلوماسية المصرية عن السعي بدأب للعمل من أجل زيادة نصيب أرض الكنانة من المياه وليس الحفاظ فقط على ما تحصل عليه حالياً متبعة وسائل متنوعة وآليات شديدة التعقيد وواضحة الهدف تتراوح ما بين الترغيب والترهيب ولعل ما نسبته بعض وسائل الإعلام لوزير الري والموارد المائية السابق محمود أبوزيد بأن مصر ستضطر للذهاب الى حيث المياه إن لم تأت اليها يكمل جزءاً من الصورة. في مارس الماضي خسر أبوزيد منصبه الوزاري عقب حضوره الإحتفال بافتتاح سد مروي، شمالي الخرطوم، بسبب (تقارير خاصة) تلقاها الرئيس مبارك تفيد بأن الوزير عجز عن الرد المناسب على هجوم وزيري الري في إثيوبيا وحكومة جنوب السودان على سياسات بلاده المائية.
التقى الرئيس مبارك عدة مرات مع رئيس الوزراء الإثيوبي ملس زيناوي ثم تولت وزيرة التعاون الدولي فايزة أبوالنجا الملف حتى تمت بلورة رؤية مشتركة لتطوير العلاقات بين البلدين بحيث تستجيب لحاجات أديس أبابا الإقتصادية ولتقديم المساعدات التقنية والمالية لبرنامج التصنيع الذي تتبعه حكومة زيناوي والذي وضع إثيوبيا في المركز الثاني عشر من حيث النمو الصناعي في العالم والذي رفع معدل النمو الإقتصادي الى ما يزيد على 11% في البلد الذي يعيش 40% من سكانه تقريباً تحت خط الفقر.
رفعت مصر اعتراضها على الخطة الإثيوبية لإنشاء ثلاث سدود متوسطة لتوليد الطاقة الكهربائية للأغراض الصناعية وفق الإعلان المشروط الذي صرح به وزير الري الجديد محمود علام بأن بلاده وافقت على المشروع الإثيوبي طالما كان لا يؤثر على حصة مصر من مياه النيل ( صحيفة إثيوقارديان 4 يناير 2010).
***
زارت وزيرة التعاون الدولي المصرية الدكتورة فايزة أبوالنجا، أديس أبابا في أكتوبر الماضي، يرافقها وفد ضم وزير الزراعة واستصلاح الأراضي أمين أباظة و90 من ملاك وقادة مجموعة من الشركات المصرية الكبرى والتقوا مع وزير الزراعة والتنمية الريفية تيفيرا ديريبيو حيث تم التوافق على العديد من المشروعات. ورفعت أبوالنجا يدها عن الملف بعد أن أينع وأضحت دانية قطوفه ليتولاه رئيس الوزراء د. أحمد نظيف الذي زار أديس أبابا مؤخراً على رأس واحد من أكبر الوفود الرسمية المصرية الى الخارج. وصل نظيف الى مصر بمحفظة ممتلئة وأفكاراً هائلة فحظي بإستقبال كبير واحتفت وسائل الإعلام الإثيوبية والنخبة الإقتصادية والسياسية والثقافية أيضاً بمقدمه الميمون.
خلال الزيارة اعلنت بنوك مصر والقاهرة والأهلي عن قرار تأسيس صندوق لإستثمار في إثيوبيا براسمال بمبلغ مليار دولار دفعت منها 150 مليون دولار وقدمت الحكومة المصرية طلباً لوزارة الزراعة الإثيوبية للتعاقد على زراعة 50 ألف فدان في الوقت الذي سيبدأ فيه استغلال 20 ألف فدان هذا العام. الى ذلك زار نظيف وبعض من كبار مرافقيه مصنع السويدي للكابلات الكهربائية المقام على تخوم أديس أبابا برأسمال قدره 50 مليون دولار فيما طالبت الشركة بمساحة أخرى من الأراضي لإقامة المزيد من المشروعات الصناعية تشمل محطة لتوليد الكهرباء من الرياح بكلفة تبلغ مائتي مليون دولار وهو ما سيوفر طاقة تفيض كثيراً عن حاجة اثيوبيا الإستهلاكية والصناعية. ليس هذا فقط فمحفظة الدكتور نظيف الضخمة طلبت من إثيوبيا الموافقة على إنشاء منطقة صناعية كبرى في إثيوبيا تشتمل على 400 من مصانع الكيماويات والأسمدة والبتروكيماويات والورق والجلود والأدوية وغيرها إضافة إلى إنشاء مدينة سكنية لمتوسطي الدخل.
هذه الدفعة الإقتصادية الهائلة جاءت بعد تحول مصري هائل في المواقف السياسية تمثل في خروج مصر عن الإجماع العربي السابق بضرورة إنسحاب القوات الإثيوبية من الصومال. ففي خواتيم عام 2007 التقى وزير الخارجية الإثيوبي الزائر سيوم مسفن، الرئيس مبارك في شرم الشيخ حيث أبلغه رسالة من رئيس الوزراء زيناوي وعقب الإجتماع أعلن المتحدث الرسمي بإسم رئاسة الجمهورية السفير سليمان عواد أن مبارك أبدى تفهمه لأسباب التدخل الإثيوبي في ذلك البلد العضو في جامعة الدول العربية، بالرغم من تقرير سابق للأمم المتحدة إتهم مصر –ضمن عدد من الدول- بالضلوع في مساعدة وتدريب قوات المحاكم الإسلامية المعارضة لحكومة شريف شيخ احمد المؤقتة والمدعومة بواسطة قوات أديس أبابا.
نعم ليست هناك عداوات دائمة وإزاء هذه الجمائل صمت زيناوي عن إثارة أي قضية خلافية مع ضيفه الكبير بالرغم من تداول الإعلام الإثيوبي لبعض الأمور المتعلقة بتهريب البشر ومقتل عدد من الإثيوبيين برصاص الأمن المصري أثناء محاولات التسلل لإسرائيل عبر صحراء سيناء. وقد لفتت نظري بعض الكتابات الإثيوبية المعارضة (إثيوبيا ريفيو مثلاً) للتقارب مع مصر حيث أبدى البعض تخوفهم على الهوية المسيحية لإثيوبيا والخوف من سيطرة العرب المسلمين على مفاصل الإقتصاد الإثيوبي مشيرين إلى تركيز الجاليات المسلمة (اليمنية، الصومالية ، السودانية) على العمل التجاري فيما تخوف آخرون من أن تعمل مصر كوكيل لمصالح دول عربية أخرى. على كل حال تبدو تلك المخاوف زائدة وغير مبررة ومشحونة بالعداوة السياسية أكثر منها كحقائق.
***
من جهتها بدأت الصحف المصرية شبه الرسمية ووسائل الإعلام الأخرى في الترويج للتقارب الجديد وتضمنت بعض الكتابات الإشارة الى السودان وإن لم أعثر على كتابات تطالب باستيعاب الجار الجنوبي في هذه الشراكة الهائلة.
لم تنس مصر-كعادتها- الجانب الإعلامي والحضاري والثقافي في شراكتها الطموحة فرأينا كتابات يحيى غانم وسمير مرقس (والأخيرة غلب عليها الإرتجال حتى أن الكاتب فات عليه إدراك إن البحر الأحمر ليس له وجود في خريطة التواصل بين البلدين) إضافة الى الكتابات الثرية للمعلق السياسي ورئيس قسم الشئون الدولية في صحيفة (الأهرام ويكلي ) الإنجليزية جمال نكروما (وهو بالمناسبة إبن الزعيم الغاني الراحل كوامي نكروما) الذي كتب تحليلاً للزيارة تحت عنوان (Eyeing Abyssinia) أو ما يمكن ترجمته ب( تحديق نحو الحبشة) أكد فيها صعوبة التكهن بنتائج الزيارة التاريخية "والتي وصفت من قبل كثير من المراقبين بأنها علامة بارزة في العلاقات الإقتصادية" بين البلدين وأقر بوجود خلافات قديمة بين البلدين حول المياه متوقعاً ان تنشأ عن تعقيدات العلاقات بين البلدين سلسلة من النزاعات الناشئة عن ذلك الماضي ، لكنه قال إن من مصلحة البلدين الدفع باتجاه التعاون الذي أثار إهتمام العديد من الدوائر. المثير في الأمر أن اهتمام نكروما بإثيوبيا قديم وقد كتب قبل سبعة أعوام مقالة مطولة تحتفي بحضارة وتاريخ الحبشة القديم ومقارنة له مع تاريخ وحضارة مصر، لكن على العموم فإن الإقتصاد هو صاحب الكلمة العليا الآن.
***
من الواضح أن مؤسسة صنع القرار في مصر قد عجمت أعواد كنانتها الخاصة بالموارد المائية فوجدت أن 85% من حاجتها يأتي من إثيوبيا عبر السودان وإن 15% بالمائة أو تقل قليلاً تأتي من منطقة البحيرات العظمى مروراً بجنوب السودان الذي ربما صار دولة يتوقع أن تضيف مزيداً من الزعيق للأصوات المعادية لمصر. قررت مصر أن تؤمن المصدر الأكبر فتتفادى أي تنسيق مستقبلي بين دول الحوض ككتلة واحدة. هكذا انقسمت دول مبادرة حوض النيل الى إثنتين واحدة توفر 85% أو تزيد من المياه وتضم مصر وإثيوبيا والسودان (في الغالب) وثانية توفر 15% أو أقل وتضم بوروندي ورواندا ويوغندا والكنغو الديمقراطية وكينيا وتنزانيا و (جنوب السودان في المستقبل). بالنظر إلى الطبيعة البطيئة لإتخاذ القرار في مصر فلا بد من أن أمر تطوير العلاقات مع إثيوبيا قد تمت دراسته بصورة عميقة وهادئة وشاملة وليس مثل إتفاقية الحريات الأربع مثلاً والتي أقرها البرلمان ولم تمض قدماً بسبب تحفظات بعض أذرع السلطة التنفيذية .
***
لا يمكن لأي متابع للتقارب المصري الإثيوبي أن ينظر للأمر دون أن يخطر بباله السؤال الأساسي " أين السودان من كل هذا؟" فالكل يعلم أن حضور السودان بين البلدين ضروري بل أساسي فحركة الفلاحين والعمال المصريين لا يمكن ان تتم بمعزل عن السودان والخطوط الجوية الإثيوبية ومصر للطيران لن تتمكنا من نقل المحاصيل الغذائية التي ستنتج في مرتفعات إثيوبيا، أو نقل كابلات مصانع السويدي أو منتجات الأربعمائة مصنع المقترح إقامتها ضمن مشروع الشركة الطموح. السودان هو صانع الملك في هذه الشراكة وفي غياب دور رئيسي لصانع الملك هذا فإن إحتمالات النجاح في إقامة المملكة تصبح لا محالة أقل.
أنظر لتصريحات المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء المصري السيد/ مجدي راضي (اليوم السابع 31/12/2009) :
1. " إن الجانبين (المصري والإثيوبي) ناقشا أيضاً على المستوى الرسمي سبل التعاون بين الحكومتين في الربط بين مصر وإثيوبيا من خلال ادعيم وسائل النقل البري، عن طريق تحديث الطرق التي تربط بين البلدين عبر شرق السودان، وتعظيم دور النقل البحري باستخدام ميناء بورتسودان"
2. " أكد الجانبان اهمية الربط الكهربائي بين البلدين عن طريق السودان أيضاًً، خاصة وأن هذا المجال يحمل إمكانيات كبيرة لخدمة عملية التنمية في إثيوبيا"
3. " إن الجانبين اكدا ضرورة أن يعملا على أن يتحول النيل الى رابط وثيق بين مصر وإثيوبيا ودول الحوض بشكل أساسي بدلاً من ان يتحول الى قضية خلافية حول توزيع حصص المياه"
وأدلى وزير التجارة والصناعة رشيد محمد رشيد بتصريحات صحفية حملت معانٍ مشابهة في اليوم السابق لتصريحات المتحدث الرسمي.
كل شيء لا بد أن يتم عبر السودان لكن اين السودان نفسه ولماذا لا يتم إشراكه في هذه المحفظة الإستثمارية والإقتصادية الضخمة فيتحول الأمر إلى تكتل إقتصادي هائل ومفيد يضم ما يزيد عن المائتي مليون من البشر؟ لماذا لا يتم التفاوض مع السودان قبل ان تتوافق أديس أباب والقاهرة على إنشاء الطرق عبر شرق السودان وإستخدام ميناء بورتسودان والربط الكهربائي بين البلدين عن طريق هذا السودان؟ ما هي الفائدة التي يجنيها السودان من إقامة مزارع لقصب السكر ومصانع للسكر وإنتاج الإيثانول (مثلاً) في إثيوبيا؟ وما هي الفائدة التي سيجنيها السودان من إعتماد مصر على اللحوم الإثيوبية وترك اللحوم السودانية التي تشكل مورداً مهماً من موارد دخله القومي؟ ما هي الفائدة التي سيجنيها السودان بفتح حدوده أمام حركة النقل والإزدهار الإقتصادي المحتمل لبلدين اثنين يتواصلان عبره ولا يصلانه لا بالود ولا بالإعتبار؟
إن واحداً من أكبر عيوب سياسة السودان الخارجية وخصوصاً في مجال التعاون الدولي هو السرية المفرطة والستار الحديدي الذي تقوم بوضعه الدولة حول صفقاتها السياسية وغيرها مع إثيوبيا ومصر على وجه التحديد. العلاقة الخارجية الوحيدة التي تتمتع فيها الحكومة بالشفافية هي العلاقة مع تشاد وهذا لأن الحكومة تحتاج للمساندة الشعبية ولتجييش الجماهير ضد تشاد لذلك نرى تفاصيل الإجتماعات واللقاءات والإتفاقيات متاحة للإعلام، أما عمل اللجان العليا المشتركة مع إثيوبيا ومصر فهو شأن سري لا علاقة للشعب به.
إن هذه الشراكة الضخمة ستستقطب أموالاً عربية وخليجية هائلة ستدخل إثيوبيا عن طريق مصر وهو ما سيمنح هذه الشراكة سندها السياسي والإستراتيجي والعسكري والمخابراتي في المستقبل، وإذا تململ السودان أوتضررت مصالحه فإن حكومته (هذه أو غيرها) ستجد نفسها في حرج شديد وفي وضع التابع الذي لن ينجيها منه صديق ولا حليف.
إن المطلوب الآن من الحكومة في الخرطوم إعادة قراءة الشراكة المصرية -الإثيوبية من جديد والسعي مع الطرفين لتحويلها الى شراكة من ثلاثة مقاعد وإلا فإن أمام السودان في هذه المرحلة المبكرة العديد من الخيارات التي يمكن أن يحفظ بها مصالح مواطنيه ويحقق لهم المزيد من الكسب والفائدة، وبغير ذلك فإن هذه الشراكة ستصبح قوة سياسية وعسكرية هائلة ستطوق السودان لا محالة من جهة أكثر حدوده أماناًً وستجعله قطعاً وفي المستقبل القريب " زي إبل الرحيل شايلة السقا وعطشانة".



#محمد_عثمان_ابراهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المصالحة الثقافية: في تحية حسن موسى وكمال الجزولي
- السودان: دبلوماسية عبدالمحمود و د. مصطفى أو في فداحة الحاجة ...
- الناخبون المهاجرون: كيف تختار تكساس للسودان حكامه
- علي وعلي : الصمت وجوهر الكلام
- تحالف كومبيتاليا : اليمين واليسار في السودان
- في السودان: الشرطة في خدمة الشغب
- د. جون قرنق دي مابيور وأنا 3
- هيلاري في افريقيا: الصين والنفط والسلاح
- د. جون قرنق دي مابيور وأنا 2
- د. جون قرنق دي مابيور وأنا 1
- الغوث في زمن الحرب (1-2)
- الأحزاب التأريخية ، كم لبثتم في الأرض؟ (2-2)
- الأحزاب التأريخية ، كم لبثتم في الأرض؟ (1-2)
- دليل السكنى في بيت المجتمع الدولي (2-2)
- السودان: دليل السكنى في بيت المجتمع الدولي (1-2)
- روزمين عثمان : الماما قراندى في الخرطوم
- عرض لرواية النمر الأبيض الفائزة بجائزة مان بوكر
- فرنسا و السودان : زاد الحساب على الحساب (2-2)
- فرنسا و السودان : زاد الحساب على الحساب*(1)
- نحو دبلوماسية سودانية بديلة (2-2)


المزيد.....




- البحرية الأمريكية تعلن قيمة تكاليف إحباط هجمات الحوثيين على ...
- الفلبين تُغلق الباب أمام المزيد من القواعد العسكرية الأمريك ...
- لأنهم لم يساعدوه كما ساعدوا إسرائيل.. زيلينسكي غاضب من حلفائ ...
- بالصور: كيف أدت الفيضانات في عُمان إلى مقتل 18 شخصا والتسبب ...
- بلينكن: التصعيد مع إيران ليس في مصلحة الولايات المتحدة أو إس ...
- استطلاع للرأي: 74% من الإسرائيليين يعارضون الهجوم على إيران ...
- -بعهد الأخ محمد بن سلمان المحترم-..الصدر يشيد بسياسات السعود ...
- هل يفجر التهديد الإسرائيلي بالرد على الهجوم الإيراني حربا شا ...
- انطلاق القمة العالمية لطاقة المستقبل
- الشرق الأوسط بعد الهجوم الإيراني: قواعد اشتباك جديدة


المزيد.....

- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب
- الاستراتيجيه الاسرائيله تجاه الامن الإقليمي (دراسة نظرية تحل ... / بشير النجاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - محمد عثمان ابراهيم - التقارب المصري الإثيوبي: أين مصالح السودان؟