أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل 23 من رواية تصبحون على غزة















المزيد.....

الفصل 23 من رواية تصبحون على غزة


حبيب هنا

الحوار المتمدن-العدد: 2868 - 2009 / 12 / 25 - 13:16
المحور: الادب والفن
    


23
هنا غزة ..عهد جديد من اللثام والحجاب وطمس الحقيقة . المقاومون والمرابطون والمجاهدون والقتلة واللصوص وقطاع الطريق يختبئون وراء السواد . المؤمنات والعاهرات والمتسولات والسارقات يحتجبن وراء السواد وغياب الحقيقة ..
عهد جديد من إطلاق اللحى وتشذيبها . الطويلة والوسط والقصيرة ، ربع الوجه ونصفه وكله .
المؤمنون والعلمانيون والزعران يعتنون بلحاهم . اختلط القمح بالزيوان ولم يعد هناك مقدرة على التمييز بين الغث والسمين عند أكثر العلماء والخبراء وأصحاب الشأن دراية ..
مرحلة جديدة من تقبيل الأيادي واللحى والنعال وتقديم رأس الأب على طبق ملوكي يعيد أمجاد السلف وحكايات شهرزاد . المحاكم لا تنفك تنظر في حالات الطلاق وتجيزها وتفرض الإتاوات
على الرجل ... الفساد دخل كل بيت، وغيوم من الرعب تمطر


حبالاً تشبح العاصي والمتمرد والذي لا يدين بالطاعة إلى السماء .. الأخ يتعقب أخاه في الليل والنهار ويسجل عليه حركاته وسكناته
وولاءاته .. الأب يشي بابنه، والابن يتهم أباه بالفجور والفحشاء ومعصية الخالق .. محاكم التفتيش: لا طاعة للأب في معصية الوالي!
الأمن والأمان يضرب أطنابه . الذئاب والأغنام تعيش على قدم المساواة دون اعتداءات كعهد عمر. باب الوالي مشرع أمام المتظلمين، وكل ذي حق يأخذ حقه . الأئمة في المساجد لا يتوقفون عن الدعاء لله: اللهم أدم هذه النعمة ، وأحفظ والينا وسدد خطاه . اللهم ثبت نصرنا وأحفظه من الزوال. اللهم إنا ندعوك خاشعين فلا تردنا خائبين .. أمين.
الغني يزداد غنى والفقير لا يستحق الحياة . هي هكذا ، الدنيا للأقوياء فقط ، ومن يملك المال ، دائما ، هو الأقوى . هذا ما أثبته العلم والدين والتاريخ والعرف : "واعدوا لهم ما استطعتم من قوة". خطابنا السياسي الديني والعلماني لا يختلف من حيث الجوهر : إن العرب والمسلمين لا يستخدمون قواهم في معركة الأمة ، فلسطين هي جوهر الصراع، ولدينا من الإمكانيات ما يحقق النصر: المال والنفط والرجال.. ونادراً ما نستخدم كلمة عدالة القضية ، أو حقنا التاريخي ، وغالباً ، المواثيق الدولية التي لا تقوى إلا أن تكون حبراً على ورق ، فهي لا تستطيع منع جندي من الضغط على الزناد، أو حتى منعه من التصويب على طفل يحمل حقيبته المدرسية . معادلة بسيطة ومروعة فهمناها متأخراً وطبقناها على أنفسنا أولاً . قلنا لأنفسنا ينبغي أن نجرب السلاح قبل الدخول في المعركة الفاصلة حتى لا يخذلنا ، فتجربتنا مع الأسلحة الفاسدة مريرة ويجب ألا تتكرر . التعلم من الخطأ نصف المصيبة، ونصفها الآخر قياس المسألة على أنفسنا ، أما المصيبة كلها فاقتراف الخطأ بأوجه مختلفة لم يبتكرها بشر من قبلنا ونحن في أوج الصراع مع العدو . التجريب مسألة مفيدة ولكن ليس بمعدل خطأ يفوق قدرة العقل على مواصلة التجريب لاحقاً . ويبدو أن الطرفان كانا مستعدين للقتل من أجل قضيتهما ، الأول دفاعاً عن الخيار الذي انحاز إليه وما يترتب عليه من التزامات وتبعات ، فيما الثاني دفاعاً عن مكاسب وانتصارات وهمية بغية تثبيت أمر واقع لا رجعة عنه . وكانت النتيجة مأساوية فعلت فعلها في النسيج الاجتماعي فدمرت العلاقات الأسرية في مختلف جغرافيا الوطن ، وكان القتلى من الشعب الذي يدّعيان الحفاظ عليه وتوفير المناخات الصحية الملائمة للتطور الطبيعي ، فغدا يتسول ويبتذل نفسه ويشي بأقرب الناس إليه في شطر من الوطن ، بينما في الشطر الآخر ، يعاني من الاضطهاد المزدوج وعدم إيجاد فرصة عمل نظيفة بعيداً عن الابتزاز والمساومة من جهة ، والاستباحة الكاملة واليومية للمدن والقرى دون وجود عراقيل أو خطر حقيقي يمنع التكرار المستمر لمثل هذه الجرائم من الجند والمستوطنين من الجهة الثانية . وبات الوضع لا يطاق . تحول الشعب بمختلف شرائحه الاجتماعية إلى رهائن تعطي أفضلية في لعبة المفاوضات العقيمة ومدى تحمل بقاء اللحم الطري تحت الأسنان الفولاذية ، في وقت كان فيه الطرفان يصرخان من شدة الألم دون سماع صوتهما تحسباً من الخسارة وأملا ًفي أيهما يصرخ أولاً .
ولم يعد الناس هم أنفسهم . لقد تغيروا بالقدر الذي أثرت فيهم الأحداث ، بل وبعضهم انعكس سلوكه على أطفاله فباتوا بحاجة إلى علاج دائم لا يكفيه فتح الحدود والمعابر وإغداق الأموال المشروطة والبريئة ، لاسيما وأن المساعدات الإنسانية المتصلة بفضاءات الاحتمالات وقدرتها على تغيير النفوس كانت تسد الرمق عند الكثير من الحالات الاجتماعية المتضررة وتبقي الأكثر بحالة مستمرة من التسول ودق أبواب المؤسسات الخيرية والإنسانية التي لا تستجيب لهم في كل الأوقات .
وفجأة ، عاد الشعب إلى أصالته ، سما فوق نفسه وقتلها فأصبح حكاية يتشاجر على سردها الأطفال وتغنيها الصبايا عند كل خبر عاجل .. هذه الأرض، نعمة الزيتون والبرتقال الحزين تتدثر بالصحراء من جنون العاصفة وتضاريس الزمن ولحظة المستقبل الغامض .. هذا الهراء يمزق الهوية والعلم والجغرافيا ويضع الحواجز بين الأسماء والعناوين ، فتختلط الكلمات مع معانيها ويغدو الغريب غريباً، والصديق صديقاً، وصاحب البيت عابر سبيل يسجل الحكاية ويلخص التجربة ويرتقي بالقصة أكثر من المألوف، كأنها شعر جاهلي يخاطب المشاعر عند أبواب المحن .. لكن الأكيد ، هذه الأرض لنا جميعاً وقاربها لن تثقبه الأحقاد المتوارثة عن التعذيب والبطش وتكميم الأفواه، هذه الأرض لنا وعليها ما يستحق الحياة .
يصرخ بأعلى صوته ، لن نبتعد عن الأسئلة المصيرية مهما حدث لأن الإجابة عليها يبني كينونتنا ويدفع تفاصيل المستقبل إلى إعادة اكتشاف كم كنا مخطئين عندما تقمصنا دور شخصيات ليس نحن، وقرأنا أساطير ملامحها لا تمت لنا بصلة، وتمثيل أدوارها لا يتناغم مع جوهرنا وحبنا للتسامح إلى من أساء لنا .. إننا هنا باقون ، ننتمي لهذه الأرض ، هي أصلنا، وإليها مصيرنا، وعن الدفاع عنها لن نتخلى، وحقنا في التحكم بمستقبلها لا يستطيع أحد حرماننا منه مهما كان شديد البطش .. هذه الأرض لنا وعظام أجدادنا تقاسمنا المستقبل رغم أنف الماضي وقسوة الحاضر ، تذكرنا بأنفسنا ، بما حولنا ، تحرك فينا المشاعر والذكريات وألعاب الصبا ، تجعل قلوبنا دائمة النبض حتى إن توقف كل ما ينبض . آه .. أية مواجع وآلام تختزل الاقتتال والمعاناة والزمن الجاثم على صدورنا بقرار الضغط على الزناد !.. أية وحشية استمرار بقائنا في وطن لا نستحقه ما لم نتوقف فوراً عن قتل بعضنا لبعضنا الآخر !
سأقول ، أنا إبراهيم ، ابن فلسطين ، المقيم حالياً في ألمانيا ، إذا أكل الاقتتال الأخضر واليابس عبر كل الفضائيات ، إنني لم أعد أنا هو بعد هذه الوحشية ، بل أنا هو ، ما زلت ما أنا عليه ،.. لكن هؤلاء لا يمتّون لي بصلة ، لا أعرفهم ، إنهم دخلاء على تاريخنا وأصالتنا، ويحاولون الإثبات للعالم أننا لا نستحق وطن ليس لهم ، بل لنا ، حتى يختصروا مراحل النضال ويحققوا أهدافاً لم تكن يوماً شعاراً رفعناه ..
ورغم أن أصوات القذائف والانفجارات في العراء تحاصر جموح الخيال، وتجعله لا يفكر سوى في المتر المربع الذي تسقط فيه، وتخلف الغبار والدمار والدم الممزوج بطين الأرض، إلا أنه ما زلنا نتأمل .. نركض ، نختبئ خلف ستار الوهم علّه يتصدى للشظايا ويبعد عنا شبح الموت المتربص خلف لحظات وقحة لا تميز بين الحلم والحقيقة ، كي تنتزع رفات القلب النابض ..
آه .. من أين لنا طاقة متجددة على الاحتمال وضبط الأعصاب ؟ وكم بمقدور قوانا أن تتحمل دون أن تفلت من عقالها ككلب ضل الطريق ؟ وهل هذا هو حلم الأجداد والآباء بوطن مسالم يسعى إلى النوم مطمئناً على أبنائه ؟
إننا نتوسل لكم ، نصرخ فيكم ، نقبل نعالكم ، ارفعوا أيديكم عن الزناد !





#حبيب_هنا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفصل22 من رواية تصبحون على غزة
- أيام السينما الخليجية في فلسطين
- حكاية بحرينية
- الروائي الفلسطيني : العزلة والحواجز
- الفصل 19من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 18من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 17من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 16من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 15 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 14 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 13 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 12 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 11 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 10 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل9 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 8 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 7 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 6 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 5 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 4 من رواية حفريات على جدار القلب


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل 23 من رواية تصبحون على غزة